موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

وللصين حيل وسحر من طريقة أخرى، وللهند خاصة على التوهم، وللترك علم من السحر، قال لي من أثق بفضله أنهم يعملون عجائب من هذا ثم للجيوش وقتل الأعداء وعبور الماء وقطع المسافات البعيدة في المدة القريبة والطلسمات بأرض مصر والشام، إلى آخر ما هناك .
وقال(1): الكلام على الشعبذة والطلسمات والنيرنجات: أول من لعب بالشعبذة في الإسلام عبيد الكيس وآخر يعرف بقطب الرحى ولهما في ذلك عدة کتب منها كتاب الشعبذة لعبيد الكيس، كتاب الخفة في ذلك لقطب الرحی، کتاب بلع السيف أو الحصا والقضيب والسبح وأكل الصابون والزجاج والحيلة في ذلك، وذكر بحثاً مطولاً فراجعه .
قال ابن بطوطة الرحالة المالكي المغربي في رحلته(2): ذكر السحرة الجوكية وهؤلاء الطائفة تظهر منهم عجائب منها أن أحدهم يقيم الأشهر لا يأكل ولا يشرب.
ثم يقول: نبذة من أفعالهم: ومنهم من ينظر إلى الإنسان فيقع ميتاً من نظرته، ثم يقول: بعث إلي السلطان يوماً وأنا عنده بالحضرة فدخلت عليه وهو في خلوة وعنده بعض خواصه ورجلان من الجوكية وهم يلتحفون بالملاحف ويغطون رؤوسهم لأنهم ينتفونها بالرماد كما ينتف الناس آباطهم، فأمرني بالجلوس فجلست، فقال لهما: إن هذا العزيز من بلاد بعيدة فأرياه ولم يره مالم يرده. فقالا: نعم، فتربع أحدهما ثم أرتفع عن الأرض حتى صار في الهواء فوقنا متربعاً، فتعجبت منه وأدركني الوهم فسقطت إلى الأرض.
فأمر السلطان أن أسقي دواء عنده فأفقت وقعدت وهو على حاله متربع، فأخذ صاحبه نعلاً له من شكارة كانت معه فضرب بها الأرض كالمغتاظ فصعد إلى أن علت فوق عنق المتربع وجعلت تضرب في عنقه وهو ينزل قليلا قليلا حتى جلس معنا، فقال لي السلطان: إن المتربع هو تلمیذ صاحب النعل، ثم قال: لولا أني أخاف على عقلك لأمرتهم أن يأتوا بأعظم مما رأيت فأنصرفت عنه وأصابني الخفقان ومرضت حتى أمر بشربة أذهبت ذلك عني، الخ، وذكر لهم قصصاً كثيرة منها الرقص في النار وأمثالها تركناها له.
ومن المشعوذين الحسين بن منصور الحلاج وقتل أيام المقتدر العباسي لما
_________________
(۱) نفسه : ص424. (۲) رحلة ابن بطوطة ۲/ ۱۰۲.

(346)

ظهر منه الإلحاد والزندقة وكان يمزج الغلو بالتصوف والحلول بالتناسخ ويظهر في ذلك أفعالا عجيبة أستوفيناها في كتابنا «کشف المستور» وكتابنا «الميزان الراجح»، أفتى علماء المذاهب وفيهم الشيعة بقتله فقتله المقتدر، وله في قتله قصة عجيبة، فمن شعبذته ما ذكره ابن النديم في الفهرست(۱) أنه حرك يده يوما فأنتثر على قوم مسك، وحرك يده آخر فنشر دراهم، فقال له بعض من يفهم: أری دراهم معروفة ولكن أؤمن بك وخلق معي إن أعطيتني درهما عليه اسمك واسم أبيك، فقال له: وكيف وهذا لم يصنع؟ فقال: من أحضر ما ليس بحاضر صنع ماليس بمصنوع.
وفي صلة تاريخ الطبري وذكر كثيراً من مخاريقه منها(2) قال: كان نصر بن قشور قد مرض فوصف له الطبيب تفاحة فلم توجد فأومأ الحلاج إلى الهواء فأعطاهم تفاحة فتعجبوا من ذلك وقالوا له: من أين لك هذه؟ قال: هذه من الجنة.
فقال له بعض من حضر : إن فاكهة الجنة غي متغيرة وهذا فيها دودة، فقال: لأنها خرجت من دار البقاء إلى دار الفناء فحل بها جزء من البلاء.
وقال(3): وأخبرني جماعة من أصحابه أنه لما افتتن الناس بالحلاج في الأهواز و کورها وما يخرجه لهم من الأطعمة والأشربة في غير حينها والدراهم التي سماها دراهم القدرة.
حدث أبو علي الجبائي فقال لهم: هذه الأشياء محفوظة في منازل تمكن الحيلة فيها ولكن أدخلوه بيتاً من بيوتكم لا من منزله وكلفوه أن يخرج من جزرتين شوك فإن فعل فصدقوه .
فبلغ الحلاج قوله وأن قوماً قد عملوا على ذلك، فخرج من الأهواز الخ، وحكاياته كثيرة.
ومن المشعوذين مسيلمة الكذاب الحنفي من ربيعة مدعي النبوة في عصر النبي محمد (ص) وقتل في خلافة أبي بكر فإنه كان صاحب مخاريق ونیرنجات وشعبذة.
قال الحلبي في سيرته(4): ثم أظهر معجزة وهو أنه أدخل بيضة في قارورة فافتضح بأن البيضة بني يومها إذا لقيت في الخل والنوشادر يوماً وليلة فإنها تمتد
_______________
(1) الفهرست: ص۲۷۰. (۲) تاریخ الطبري ۱۳/ 50.
(3) نفسه 53/13. (4) السيرة الحلبية: ص253.

(347)

كالخيط فتجعل في القارورة ويصب عليها الماء فتجمد.
وقال وجيه فارس الكيلاني في كتاب الدعاة(1): كان مسيلمة صاحب مخاريق وتمويهات يقال إنه أول من أدخل البيضة في القارورة وأول من وصل جناح الطائر المقصوص، الخ.
وذكر الجاحظ في كتاب الحيوان أنواعاً من الشعوذة.
ومن المشعوذين الأسود العنسي من مذحج الذي أدعى النبوة في عصر رسول الله (ص) وقتل في عصره كان مشعبذة يأمر حماره فيسجد له بتمرین مرنه عليه .
قال وجيه الكيلاني في الدعاة(۲): قيل له ذو جمار لأنه كان له حمار معلم يقول له أسجد لربك فيسجد، ويقول له أبرك فيبرك فسمي ذو الحمار كان يشعبذ ويروي الأعاجيب، الخ.
ومن المشعوذين المقنع الخراساني وهو من أصحاب أبي مسلم الخراساني صاحب الدولة كان يدعي الربوبية ويقول بالتناسخ والحلول.
قال في الدعاة(۳): كان قبيح الوجه مشوه الخلق ألكن أعور قصيراً وكان لا يسفر وجهه فلذلك سمي المقنع أتخذ وجهاً من ذهب فقنع به لئلا يرى وجهه وقبحه وإنما غلب على عقولهم بالتمويه والسحر، وكان في جملة ما أظهر لهم صورة قمر يطلع ويراه الناس من مسافة شهر من موضعه ثم يغيب فعظم اعتقاد الناس فيه.
وقد ذكر المعري هذا القمر بقوله:
أفق إنما البدر المقنع رأسه ضلال وغي مثل بدر المقنع
وهبة الدين بن سناء الملك بقوله:
إليك فما بدر المقنع طالعاً بأسحر من الحاظ بدر المعمم
وفي سقط الزند إنه أنبط بئراً واسعة في بعض جبال تلك الناحية وطرح فيها الزئبق الكثير فوق الماء فكان شعاعه يظهر في الجو كأنه بدر وقتل أيام المهدي .
قال(4) : قيل: إنه أحرق نفسه في تنور في حصنه قد أذاب فيه النحاس مع السكر حتى ذاب فيه وافتتن أصحابه بعد ذلك لما لم يجدوا جثته ولا رماداً
_____________
(1) الدعاة : ص50. (۲) الدعاة : ص 59.
(۳) الدعاة : ص ۱۳. (4) سقط الزند: ص14.

(348)

وزعموا أنه صعد إلى السماء، الخ.
ومن المشعوذين ابن الشباس علي بن الحسين البغدادي أبو محمد، قال عنه في الدعاة(1) توفي بالبصرة سنة 444 وكان ابن الشباس وأبوه مستقرين بالبصرة وكانت أربجباتهم وزخارفهم أختفي على الناس حتى كشفها بعض أصحابه فكان مما حدث به عنه أنه قال: حضر يوماً عنده فأخرج دباً مشوياً فأمرنا بأكله وأن لا نكسر عظمه ولا نهشمه فلما فرغنا أمرنا برده إلى التنور ونزل على التنور طبقة ثم رفعه بعد ساعة فوجدنا جدنياً يرعی حشيشة ولم نرى للنار أثراً ولا للعظام خبراً.
قال: فتلطفت حتى عرفت خبر ذلك وهو أن التنور يفضي إلى سرداب وبينهما طبق نحاس بلولب فإذا أراد أزالة النار فركه فينزل عليه فيسده وينفتح السرداب ، فإذا أراد أن يظهر لنا النار أعاد الطبق إلى فم السرداب فتبدوا النار للناس.
ومن المشعوذين الحارث الكذاب من أهل الحولة قرية بالشام أدعى النبوة فقتله عبد الملك بن مروان، قال عنه في الدعاة(2): كان يريهم الأعاجيب فكان يأتي إلى رخامة المسجد فينقرها بيده فتسيح وكان يطعمهم فاكهة الصيف في الشتاء ويقول: أخرجوا حتى أريكم الملائكة فيخرجهم إلى دير مروان(۳)فيريهم رجالاً على خيل - وفي رواية ابن عساکر : على جبل - فتبعه خلق كثير إلى آخر ما ذكر وفيها قتله.
وذكره الحموي في معجم البلدان في الحولة وابن عساكر في التاريخ.
ومن المشعوذين إسحاق الأخرس الذي أدعى النبوة في عصر السفاح العباسي وهو أعجمي إصفهاني قال عنه في الدعاة(4): نشأ بالمغرب فتعلم القرآن ولم يترك علما حتى أتقنه ثم أدعى أنه أخرس وسافر ونزل بأصبهان ثم أراد الدعوة فعمل أدهاناً دهن بها وجهه حتى لا يمكن أحدتاً النظر إليه من شدة الأنوار ثم نام في المدرسة مغلقاً عليه الأبواب فلما نام الناس قام فدهن وجهه من ذلك الدهن ثم أوقد شمعتين مصبوغتين لهما أنوار تفوق السرج وصرخ صرخة أزعج الناس ثم أتبعهما ثانية وثالثة وأنتصب في المحراب يصلي ويقرأ القرآن بصوت أطيب ما يكون وبنغمة أرق من النسيم فلما سمع الفقهاء تواثبوا وأشرفوا عليه وهو على تلك الحال فحارت أفكارهم إلى آخر قصته .
__________
(1) الدعاة : ص۲۸. (۲) الدعاة : ص ۷۳.
(۳) دیر مروان تصحيف مران. (4) الدعاة : ص۷۷.

(349)

ومن المشعوذين فارس الساباطي قال عنه في الدعاة(1) هو فارس بن یحیی الساباطي كان ظهوره في خلافة المعتز فكان يمشي في الماء على ساحل البحر فبطلع السمك من البحر ويقبل أقدامه، قال الجوبري: وذلك أنه يدهن أقدامه بدهن فتطلع السمك فتلحس أقدامه فيتوهم الإغرار فيه النبوة، الخ.
والمشعوذين كثيرون وأوردنا هذه الجمله لتفهم مقدار ما أستخف هؤلاء من سخفاء وأستغووا من بلداء واستهووا من سذج حتى يقول ذلك المضل أنا أباهل أهل المذاهب في أن أدخل النار فلا تضرني، وأرمي بنفسي من شاهق فلا يضرني، وأخوض الشط فلا أغرق فيصادف بهذه المخرقة عمي البصيرة.
عودة إلى الفرق بين المعجز والسحرة
قال ابن خلدون البربري المؤرخ المالكي في المقدمة في الفصل المطول في السحر والشعبذة(۲): أما الفرق عندهم بين المعجزة والسحر فالذي ذكره المتكلمون أنه راجع إلى التحدي وهو دعوى وقوعها على وفق ما أدعاه وقالوا: الساحر مصروف عن مثل ذلك التحدي فلا يقع منه وقوع المعجزة على وفق دعوی الكاذب غير مقدور لأن دلالة المعجزة على الصدق عقلية لأن صفة نفسها التصديق فلو وقعت مع الكاذب لاستحال الصادق كاذباً وهو محال فإذن لا تقع المعجزة مع الكاذب بإطلاق.
أما الحكماء فالفرق بينهما عندهم كفرق ما بين الخير والشر في نهاية الطرفين فالساحر لا يصدر منه الخير ولا يستعمل في أسباب الخير وصاحب المعجزة لا يصدر منه الشر ولا يستعمل في أسباب الشر وكأنهما على طرفي نقيض في أصل فطرتهما، والله يهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم، الخ.
واجتلى الفرق بين السحر والمعجز من إشعاع تدقيق العلماء بوضوح فأرسمه بأمور:
(1) ما عن العزالي من جهة الدوام وعدمه فالمعجز دائم ومستمر والسحر زائل ومنقطع.
(۲) الصرفة فيما حكاه ابن خلدون عن متکلمي المسلمين ومعنى الصرفة هو رفع التطرق إلى ادعاء التحدي ومباهلة الغير فيقع السحر من الساحر بدون دعوی الناس إلى أحتكام الأقتراح عليه فيما شاؤوا والنبي يتحداهم إلى الأقتراح
___________
(1) الدعاة : ص ۸۳. (۲) مقدمة ابن خلدون: ص1422.

(350)

ويدعوهم إلى التحكم في التصرف في الطبيعيات وتصريف الماديات بإرادته كما يريدون وكما يقترحون، ففي الساحل يحل الصرف الإلهي فلا يدور في خلده ولا يتخلل فاكرته أن يدعي مثل ذلك أو يدعو إليه فتقع الأشياء منه عفواً.
(3) المنع الذي ذكره ابن خلدون عن الفلاسفة وهذا المنع قد يكون منعة إلهية وسلبا للقدر على فعل الشيء بسبب المنع الرباني فيعود إلى الصرفة وقد يكون طبيعية جبلية وهو مرادهم وذلك أن الشرير لا يصدر عنه إلا الشر ولا يفيض منه الخير وكذلك الخير لا يصدر منه إلا الخير ولا يفيض منه الشر فإذا شاهدنا أعمال السحرة الأشرار حكمنا عليها بالمخرقة لأنها من مصدر الشر، وإذا شاهدنا أعمال الأنبياء حكمنا بالمعجز لأنها من مصدر الخير فالأول ساحر شرير يستغوي العقول كما عرفناه بطبعه والثاني مصلح مرشد يستهدي الألباب كما تبيناه من سجينه ، فالمطبوع على الخير والمجبول عليه يأتي بالبرهان الناصع دليلا على خيره الذي يدعو إليه والمفطور على الشرارة والإضلال يأتي بمخاريقه لتكرير شروره.
(4) ما نراه نحن أن المعجز ما لا يدخله التصنع والحيلة، والسحر قوامه التصنع والاحتيال فالأمر بعدم كسر العظم مغالطة فإن المقتدر على إعادة اللحم والشحم والحياة وتركيب المفاصل يستطيع إعادة العظم المهشم وفي هذا المنع مغالة للعاقل وتمويه على الجاهل بأن في كسره وهشمه إبطال للماهية وإفساد لها وإتلاف فيستطيع من بقائها ترویج تمويهه .
أما المعجز فلا يتوقف على بقاء المادة ولا حفظ الماهية وإنما راجت مغالطة الساحر على العاقل بحفظ العظام ليوهمه أن الله تعالى قال لخليله (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(1) فيموه بأن الله تعالى أمه الخليل بحفظ الأجزاء حتى يجعل كل واحد في مکان ولو تلفت ما استطاع الخليل ذلك وهذه مغالطة يرمقها العاقل بعين الرضا والتسليم ولو أعمل دقة النظر والفكر لتبيين غلطها واضحة لأن الخليل الخليل ما طلب إلا كيفية إحياء الموتى، وكيفيتها تحصل بأنضمام الأجزاء ولو طلب کيفية الإعادة لأمره بأن يدعوا جمادة أو غيره من الأشياء.
وقصة الخليل كقصة الذي مر على قرية وقال أني يحيي هذه الله ، فإن قصة أني كيف تحيي الموتى يجوز وقوعها في أن يحيي له مينا ولا يفقد سوى الروح لأن السؤال لا يقتضي أكثر منه والطلب لا يتعداه وله كان طلبه صفة الإعادة بعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة : 260.

(351)

التفريق والتمزيق لأراه إياه .
(5) ما نراه أيضا من أن المعجز يقلب الحقيقة وإنشاء شيء من غير طبيعته كقوله تعالى حاكية عن عیسی بن مریم بقوله :( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّه)(1) فقلب هذا المعجز الباهر حقيقة الطين التي من طبعها الثقل وهي بحسب مادتها تطلب الأعماق والرسوب فيها إلى حقيقة ثانية طبعها الخفة وهي بمادتها تطلب العلو والارتفاع وتلك طبيعة الهواء الذي خلق منه سائر الطيور كما صرحت به الأحاديث حتى أصبح هذا الثقيل الذي يقتضي الهبوط جرمة خفيفة مرتفعة في الهواء.
فالمشعبذ والساحر مهما بلغا من الحذق والمهارة في المخاريق لا يستطيعان قلب الحقائق، أقصى ما يستطيعانه التمويه بضروب من الحيل كالإغماء على البصر فيريهم ما يتوهمونه فرسة تطير في الهواء عليها رجال فهذا خيال لا حقيقة، وقد قال الله في عصی سحرة موسی(يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ)(2) فإذا أزال هذا التخييل أنكشف الواقع المغطى ولكن صاحب المعجز يتمكن من جعل الفرس طيار وغیر محتاج معه إلى الجناح كما يوصف بساط سليمان الذي تقله الريح إلى حيث شاء يسير مرتعة في الهواء بجيمع ما فيه من أثقال وهذا قاله الله تعالی: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ)(3) فسير هذا البساط ما لا تستطيعه الطائرة النفاثة مع خفتها فإنها لا تقطع في غدوة مسافة شهر وفي روحة مثله .
(6) ونحن نقرره أيضا أن المعجزات لم تكن عن مبادي علوم ولم تقع عن سنة مقررة وعلى نمط واحد فلذلك تقع متفاوتة في الآنات وعلى أنواع شتى وكل واحدة تجيء بسرعة مدهشة فبينا ترى صاحب المعجز يكلم الحصا إذا تقبل نحو الشجرة وتظله من فوق رأسه الغمامة وإذا قدمه ترتسم في الصخر ويكون لشخصه ظل في الفيء دون الشمس إلى ما شاء متصلة أو متعاقبة .
ولا يستطيع الساحر والمشعوذ ذلك لأنها قد أستخرجا تلك المخاريق من قواعد فنية فهي تجري على سنة واحدة ونمط واحد فالذي لم تعمل فيه نفاثته لا يأتي بشيء منه فلذلك ترى إنارة الشمعة وإضائة الوجه من نوع واحد صناعي فليس في استطاعته مع ذلك أن يجلب شجرة مالم يستعد معها لأسباب التمويه المعينة له على تركيز هذا الخيال في الأوهام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران:49. (2) طه: 66.
(3) سبأ:12.
(352)

وأمر المعجز بين في قصة عيسى إذ يتحدى بخلق الطير من الطين وإبراء الأبصر والأكمه والأعمى وإحياء الميت كل ذلك وقت واحد وكل عمل من هذه الأعمال لو نجح على فرض محال لأستغرق وحده أزمنة طويلة فالمصور الصورة لا تطير فعلا يحتاج إلى مدة غير قصيرة فكيف لو صورها طائرة حية ذات أجنحة ولحم ودم وهكذا البواقي.
وكذلك لو حاول عیسی من إخبارهم بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم الأحتاج إلى مدة طويلة يستعملها بطرقها من التجسس والفحص الدقيق لئلا يخطئ فيحتاج إلى زمن طويل وربما لا يطلع بتجسسه على المخباة التي يقع عليها علم صاحب المعجز ولو لم يكن كذلك لكان تحديه مدحوضا واحتجاجه منقوضأ .
أما الاستعلامات من سير الكواكب وقرانات النجوم واستعمال الآلات التي يستخرج بها الأنواء والرياح وكذلك مقاییس درجات برودة الجو وحرارته فأمور علمية وهي مع ما يقترن معها من الخطأ أحيانا لا تقع إلا بعد بذل الجهود وقضاء الأزمنة الطويلة وبعد التجارب العديدة أستند إليها أهلوه ولو حاولوه قبل التجربة والاختبار افتضحوا، وصاحب المعجز لا يحتاج إلى ذلك.
وقد جاء في أحاديثنا أن إمامنا الهادي «عليه السلام» لما أشخصه المتوكل من الحجاز إلى العراق كان ذلك في شدة الحر فأستعد لنفسه ولخدمه بالفنك والسمور واللباد ألبسة الشتاء الشديد حتى أستوجب أن يسخر منه الساخر فلما دخلوا البادية أظلتهم سحابة شديدة البردة وأمطرت عليهم بردة فهلك كل من لم يرتدي من تلك الألبسة ومثل هذا لا يقع في الآلات إلا بعد التجارب مرارة عديدة كما عرفناك : فهذه الفوارق بين المعجز والسحر.


الفرق بين المعجزة والاختراع الحديث


إن الذي أستخرجه العلم الحديث في هذه الأزمنة مما أوجب الدهشة والأنذال وحتى أدى ببعض ضعفاء الدين والعقل أن يقول:
إن يكن معجز النبي عجيباً فلكم أظهرت أوربا عجيبا
وهذا إنسان يسلب المعرفة وفقد بصرة العلم فتمحل وسنوضح لك إن شاء الله .
للدكتور عبد العزيز إسماعيل في كتاب الإسلام والطب الحديث(1) في الفرق
___________
(1) الإسلام والطرح الحديث : ص40.

(353)

بین المعجزات والاختراعات العلمية كلام جميل فراجعه .
ثم قال الدكتور بعد كلام حول قضية ولادة سيدنا عيسى «عليه السلام»(1): ولما كان المعجزات لما فيها من خرق النواميس الطبيعية والانفعالات النفسية تدخل في اختصاص الطبيب أكثر من غيره جئت ألخص هنا ما وصلت إليه من قواعد أساسية في كل ما ورد في القرآن منها:
(1) المعجزة كلها من صنع الله مباشرة ومعناها سنة جديدة بخلاف كل ما نراه يوميا من عظة وعظمة كالولادة ونمو الحيوان والنبات فإنه مع إعجازه يأتي مطابقة لقواعد ونظم وضعها الله لا تتغير وأظهر مثل النواميس الطبيعية حركة الشمس فإن ذلك مع عظمته لا يحدث صدمة لتعودنا إياه ولكن إن أتى الله بالشمس من المغرب بدل المشرق كان هذا معجزة بالنسبة للإنسان مع أن الحركتين من صنع الله ولا فرق بينهما .
(۲) لا تحصل المعجزة إلا على أيدي الأنبياء وذلك أن صدمتها إن كانت على الحاضرين شديدة فهي أشد على من يكون واسطة فيها ولذلك اختار الله الأنبياء وأصطفاهم.
إلى هنا كلام هذا الدكتور صحيح إلا أن الذي لهم قابلية التحمل والاستعداد الملاقات هول الصدمة وهم أوصياء الأنبياء فحالهم حال الأنبياء في جريان المعجز على أيديهم كما ثبت ذلك من إخبارات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» بالمغيبات وهي قول تشبه سيدنا عيسى بما تأكلون وما تدخرون، وقلعه الصخرة عن العين تشبه سقي موسى الغنم شعيب وغير ذلك مما هو مذكور في تواريخ الأئمة الإثني عشر «عليهم السلام».
قال الدكتور(۲):
(3) لمنع الصدمة الشديدة وقت حدوثها يهيئ الله الظروف لتحملها ويهيئ النبي نفسه لقبولها، ويهيء الحاضرين لمشاهدتها، وأمر الله لسيدنا موسى «عليه السلام» بإدخال يده في جيبه وإخراجها لتكون بيضاء ليس إلا لتهيئة المعجزات الأخرى وكذلك عدم استطاعة سيدنا زكريا «عليه السلام» الكلام ثلاثة أيام قبل حدوث الحمل عند امرأته وقد سبق الكلام على تهيئة الحاضرين والمستمعين وهذا هو السبب في أن المعجزات تظهر دائما بلطفه بمقادير مختلفة، وهذا سر ذكر قصة سیدنا زکریا «عليه السلام» قبل قصة سيدنا عيسى عليه السلام في سورة مريم «عليها السلام».
______________
(۱) نفسه: ص4۷. (۲) الإسلام والطب الحديث: ص47.

(354)

ليس للعقل البشري أن يحكم على أي المعجزات أعظم من الأخرى وأن يتكلم عن الطريقة التي تحصل بها المعجزات لأنه يتكلم عن شيء كله مجهول ما دامت المعجزة من صنع الله وما دام الإنسان وعقله من صنع الله كذلك على نقض سنة ولا يستطيع المخلوق أن يفهم السنة التي خلق عليها وإلا لأستطاع الإنسان أن يخلق نفسه بنفسه وأن يتحكم في خلق غيره.
وهنا يلاحظ أن كل المعجزات لا يمكن أن يصل إلى صنعها الإنسان مهما أرتقي وأغلبها ينتهي إلى شيء واحد وهو خلق الحياة والروح مهما ظهرت صغيرة الأول نظرة، فمثلا إبراء عيسى «عليه السلام» الأعمى يظهر لأول وهلة أقل من إحياء الموتى والحقيقة أن المقصود بالأعمى هنا هو الأعمى الذي فقد شيئا عضوية لا يمكن استعاضته ومن أمكنه أستعاضة شيء مهما صغر حجمه أمكنه أن يستعيض الكل.
واما إبراء الأعمى الذي يشاهد يومية فهذا يحدث في الأحوال العصبية غير العضوية وبواسطة أطباء العيون وهو يحدث بإزالة أشياء تكون سبب العمى ولكن لا يمكن الأطباء أن يحدثوا مثلا إبراء الأعمى بإعادة عصب العين من جديد وكذلك صنع الرجل جديدة فالجراح يصنع رجلا صناعيه وبواسطة العضلات الباقية يستطيع الإنسان أن يمشي عليها ولكن لا يمكن الجراح أن يصنع رجلا من لحم ودم، وصفوة القول أنه لا يمكنه أن يصنع جزء حية مهما صغر حجمه لأن الجسم مجموع ملايين من الخلايا وصنع واحدة كصنع الكل وهذا معنى قوله تعالى : (لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)(1).
وكذلك ستبقى المعجزة فوق قدرة الإنسان وظهر لنا عظمها أو عظم عظمها بالنسبة لعقولنا فقط لكنها كلها من واحد، وما كان صنعه فوق إدراكنا لا يمكننا الحكم عليه ، وقد يقول البعض أن العلوم تتقدم وإنه لو كان بعض الاختراعات الموجودة الآن موجودة في مدة الأنبياء لعدت معجزاً.
وهذا القول دليل على أن الروح الحقيقي للمعجزات لم يفهم لأن كل الاختراعات العلمية تبتني على السنن الطبيعية وكلها مبتنية على قواعد علمية لا تتغير فإذا ظهر لها استثناء فإن سببه قاعدة علمية أخرى يبحث العالم عنها حتی يجدها فإن وجدها لا تنطبق على الاستثناءات وجد الخوارج عن هذه الاستثناءات محكومة بسنة أخرى وهكذا إلى آخر ما لا نهاية لهم، فما السنن الإلهية والقواعد
____________
(1) الحج: ۷۳.
(355)

العلمية أو القواعد الطبيعية كما يسميها الطبيعيون لا حد لها ولا تتغير أبدا وما لا يتغير أيضا ، وكلما يظهر مدهشة في نتيجة من المخترعات مثل الكهرباء والهاتف والراديو وما سيظهر هو من الاستعانة بهذه القواعد، فالذي يتكلم في أوربا ويسمعه آخر في مصر بواسطة الراديو استطاع ذلك لأن الهواء بطبيعته يحمل الصوت بصفة أمواج إلى العالم كله وأستعان العلماء بهذه السنة الطبيعية وسخروها الأغراضهم.
ولذلك مهما عظمت النتائج في المخترعات فإن طريق الوصول إليها سنة ثابتة ومثلها مثل من يحضر الأرض ويستعين بماء المطر ويحوله نهرا يجري فإنه لم يخلق نهراً ولكنه استعان بالقوى الطبيعية بعكس المعجزات فإنها من طراز آخر وهي مهما صغرت نتائجها خلق سنة جديدة وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم، ولزيادة الإيضاح أضرب مثلا قصة سيدنا إبراهيم «عليه السلام» وعدم احتراقه بالنار فإن العلم بتقدمه يستطيع أن يعطي الإنسان شيء غير قابل للاحتراق ويضعه في النار فلا يحترق وهذا يشبه المعجزة ولكنه اختراع استعان صاحبه فيه بالنواميس الطبيعية، أما المعجزة فهي أن يضع الإنسان كما هو جسم ولحمة في النار فيكون عدم أحتراقه معناه أي المعجزة خرق للنسة الطبيعية التي تقضي بأحتراق الجسم إذا وضع في النار.
وأما تغطية الجسم لمنع اتصال النار به فإنه يظهر أن المختراع أمكنه منع النار من إحراقه ولكنه في الحقيقة منع النار من إحراق الجسم الخارجي الذي لا يقبل الاحتراق بطبيعته لأن جسم الإنسان المغطى بمادة لا تحترق لم يتعرض للنار والفرق بين الإثنين ظاهر.
والفرق بين المخترع وصانع المعجزة مثل الفرق بين الحاوي والمخترع ويمكن تطبيق هذا النظرية في معجزة ذي النون لأن الإنسان يمكنه أن يعيش أيامة في الغواصات تحت البحر ولكنه يفعل ذلك بالإستعانة بالنواميس الطبيعية، وأما المعجزة فتكون تخرقه القوانين وهكذا مكث ذو النون في بطن الحوت بدون هواء صناعي معرضة لن ينهضم ويتحول جسمه مثل باقي المواد، والطبيب الذي يعيد للقلب ضرباته ليس كمن يحيي الموتى فهو خرق لهذه السنن ويتسائل كثيرون هل المعجزات ضرورية، والجواب أنها ضرورية لإيمان الإنسان مقدورة لله ولولاها لساد مذهب الطبيعيين لأن سنن الله لا تتغير أبدا وهذا ما يسمى بالطبيعة ولا فرق بين الإثنين .

(356)

وإثبات هذه القوانين ما ظهر منها وما خفي للآن شيء مدهش حتى أن الإنسان قد ينسی واضع هذه القوانين ويقول ما الحاجة بي لأن أقول أن هناك صانعة أزلية ما دامت هذه القواعد ثابتة على وتيرة واحدة ملايين السنين، وهنا كانت حكمة الله في أن يخرق هذه السنن ليظهر للناس أن الصانع الأول موجود ومثل ذلك مثل آلة الميزان تزن الإنسان الذي إذا وقف عليها ووضع قطعة معدنية في ثقب فيها فتخرج ورقة عليها رقم وزنه فأذا فرضنا أنها محكمة الصنع لا تتغير أبد آلاف السنين فإن الإنسان يشك في صانعها الأول ولكنه إن رأى أنها قد تخرج ورقة الوزن بدون القطعة المعدنية فيها يقول من يفعل ذلك أمكنه صنعها، وإذا رأی يوما ما أن قطعة معدن صغيرة أصحبت أمام عينه آلة صغيرة تزن الأشخاص أيقن أن للأولى صانعة وهذا هو معنى صنع الطير من الطين لأن هذا مثل لخلق سيدنا آدم «عليه السلام» الذي خلق منه العالم الإنساني كله بالسنن الطبيعية الإلهية التي لا تبديل فيها.
وصفوة القول أن أساس المعجزة وعظمتها ليس في نتائجها وغرابتها فالدهشة من سماع الأبكم يتكلم ربما كانت أقل من سماع الراديو لأول وهلة ولكن أهمية المعجزة في طريقة صنيعها بدون السنن الأعتيادية وهي كذلك لا تتكرر أبدأ إلا بإذن الله لأن الإنسان لا يعرف قاعدتها ولا يدرك طريقة صنعها، أما الاختراع فإنه أكتشاف الناموس إلهي طبيعي ولذلك هو يتكرر دائما في الظروف نفسها على يد كل إنسان، إلى آخر كلام الدكتور إسماعيل النفيس في المقام.
توضیح المؤلف لهذا المقام الغامض
إن الدكتور إسماعيل رجل خبير وقدير على استعمال البرهان الجديد، حاذق في الطب، عارف بقواعد العلم الحديث ولكنه غير واف في المقام، وفي الذي أوضحه كفاية للعلماء خاصة وإن الذي أوضحه صحيح لا شك فيه لمن أستعمل آلة الفكر وأرشده العقل السليم إلى معرفة الحقيقة ومخلص القول في الفرق بين المعجزة والاختراع الحديث.
إن المعجزة تكون قاهرة لجواهر الطبيعة والاختراع يقع بمطاوعة جواهر الطبيعة والمماشاة معها في كل حين ولهذا تحتاج المختراعات إلى استخدام المواد الطبيعية والاستعانة بالسنن الكونية بعد الامتحان والتجربة والاختبار الطويل ولأجل ذلك تجيء في مبادئها ضعيفة جدة ثم تدرج مترقية بأسباب طول التجارب

(357)

والاختبار إلى أن تصل إلى درجة الكمال وهنا تقع الدهشة للعقول والحيرة للألباب بخلاف المعجز.
ونضرب لك مثلا بضياء الشجرة لموسى عليه السلامه وضياء الكهرباء فإن في خلق الله النور من جانب الطور الذي هو جبل حجري مظلم بطبعه من شأنه الكثافة والظلمة حتى أصبح أضوء من الكهرباء بدون تفكير ولا إمهال ولا أختبار ولا تجربة بل مع الإشارة يكن والإرادة السريعة فأتت تلك الأحجار وتلك الشجرة بنتيجة أعظم ما أنتجه الكهرباء الصناعي الذي تعاونت الأفكار والعقول والأيدي الصانعة والأكف العاملة عليه وتعاضدت التجارب والاختبارات عليه وتلك النتيجة الكاملة في سرعة لمح الطرف قد تخيلها الكليم موسى «عليه السلام» نارة لشدة توقدها ولمعانها وتلألأ ضيائها وسنائها حتى أوهمته النار المعتادة ذات الأحراق المعدة للاصطلاء والاقتباس، فلما دنا منها وقاربها ظهر له أنها أنوار ربانية وأشعة إلهية أفاضها على تلك الأرجاء وأخترعها من تلك الأحجار المظلمة وأنها ليست بجذوة يصطلي فيها بل هي لمعة يهتدي بها فهي أنوار للإرشاد لا نيران للوقود (نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا)(۱) ليست بذات وهج حاد ولا شواظ حار، وآية ذلك وبرهانه نضارة الشجرة المتوقد فيها تلك النار المتخلية وإزهاء أوراقها في ذلك اللهب المتوهم.
وبرهان ثاني وآية أخرى إلقاء شعاع من أشعة تلك الأضواء ولمعة من لمعات تلك الأنوار ألقيت على يده اللحمانية فلم يجد لها مس النار الطبيعة ولا أحتراق الهبها الساطع (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ)(2) وحيث لم تضر تلك البيضاء تلك الأشعة والأنوار ولم تفعل ما تفعله الكهرباء الخانقة للنفوس المذهب للأرواح التي تزهقها بأدني مماسه ثبت أنها إفاضة ملكوتية وقدرة إلهية قهرت طبيعة الجرم المظلم فأضاء وأنار وأشرق على الأمكنة والبقاع مسافة بعيدة المدى بلا سلك ولا عمود ولا محرك ولا مولد لأنها صنعة كن فيكون.
والأشعة الكهربائية والأنوار الصناعية لا يشك عاقل أنها مأخوذة من أحجار صقيلة شفافة وجواهر مشعة ذات قوة كهربائية وبالتلطيف والاستخدام الشاق والكلفة العظيمة وبعد التفكير الطويل وإعمال العقل وإجهاد النفس في التجربة والاختبار وتحملها العناء في التطبيق في كيفية توليد القوة الكهربائية ومدى تأثير تیارها وإيصالها بواسطة أسلاك وأدوات الإشعاع (اللنبلات) وحياتها متوقفة توقفا
_____________
(1) النمل: 8. (۲) النمل: ۱۲.

(358)

ذاتية على الموجب والسالب أو الجاذب والداع، وما يسمونه بالحار والبارد فلو أختل هذا الشرط فسد أصل العمل ولو أختلف ترتيبه أيضا يفسد وسائر الشروط.
فإن اتصال الأسلاك أيضا شرط، فلو لم يتصل فلا قوة كما أن النبلة عدمها يفقد معه الضياء، هذا شيء يعرفه اليوم سائر الناس.
ونور طور سيناء الخارج من شجرة خضراء لم تولده ماكينة ولا آلة وسري في أرجاء تلك البقعة بلا سلك ولا أنبوب ولا لنبة ولا سالب فيه ولا موجب، ولم يحرق يد موسى كما يحرق الكهرباء لامسها، ولم يخنقه سلك الكهرباء من مسه وهكذا جائت معجزات نبينا محمد (ص) كإظهار النور على سوط الطفيل الدوسي وكفه، وعلى جبين آخر من أصحابه فلقب بذي النور وأمثال ذلك، وكل هذه المعجزات لم تستخدم الطبيعة ولم تستعن بالنواويس بل جائت قاهرة لها.
وإذا قست الأعجوبة الأخرى إلقاء الكلام على الشجرة في خطاب موسی: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ)(1)، (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ)(۲) هذا كلام يخرج من شجرة خرساء من طبيعتها عدم النطق ولو بألف علاج لا تنطق ولو تعاونت البشرية من أدناها إلى أقصاها ومن غابرها إلى حاضرها أن يجعلوا من شجرة نطقة مفهومة وكلامة متميزة بجوهره عن سائر الكلام ما استطاعوا ولا قدروا لأنهم عاجزون عن قهر الطبيعة وأقصى ما تصل إليه قدرته التمشي مع الطبيعة في التلطيف والمطاوعة لها في التنقيح وقد أعترف الفلاسفة أن للكلام شروطا لا يمكن أن تكون بدونها، وبيان هذا يوجب تطويلا.
نعم، إن الفلاسفة درسوا طبائع الاشياء فوجدوا فيها خواصة وعرفوا بالعلم جواهرة أصلية أستنتجوا منها أنها إذا استخدمت وأنضم بعضها إلى بعض بتأليف خاص حدثت منها أشياء تبهر العقول ويستفاد منها إيصال الكلام البعيد فأستخدموها بعد تجارب وأختبار زمنا طويلا لاقوا بسببه كل عناء وتحملوا في سبيله المصاعب والمشاق فحصلوا على النتائج التي سهروا على التفكير فيها ليالياً طوالاً، وتعبوا في أختبارها أياما عديدة ولم يتمكنوا مع الاستعانة بالآليات الطبيعية من إحداث الكلام وإنشاء الأصوات والحروف إنما تمكنوا من إيصال الكلام بنصه.
وحديث موسى «عليه السلام» تكليم الشجرة له فخلقه فيها وإيجاده وإحداثه لا أنها آلة أوصلته إليه كما يحصل في التلفون والراديو فإنها تؤديه بلفظ نطق
__________
(۱) طه: ۱۲. (۲) طه : ۱۷.

(359)
الناطق فالتلفون تجذبه الآلة وتؤديه إلى آلة إلى أخرى بواسطة السلك والراديو تجذبه الموجات الأثيرية بواسطة الآلتين في محطة الإذاعة ومركز الإبلاغ والكل مفتقر إلى السالب والموجب.
وما في الفوتغراف من کلام محفوظ في الاسطوانة فبواسطة قوة جوهرية والسلكية والأثيرية والآليات كلها طبائع مستخدمة وقد كانت موجات الهواء تقذف بالأصوات إلى أمد بعيد وهو المسمى بالصدى وليس في تكليم موسی موجة أثيرية ولا سلك ولا إبرة مغنطيسية ولا أسطوانة ولا كل شيء صناعي فهي قاهرة للطبيعة الا سائرة معها مماشية لها کالمختراعات والتفكير في الكهربائية التي نتجت عنها هذه العجائب بعيد الأمد، فأول من فكر فيه ثاليس الفيلسوف الملطي على ما قاله في كتاب سياحة المعارف(1) وذكر(2): إن أوتون غريقه من هولنده أصطنع آلة كهربائية ونوعها دوقاي الفرنسي إلى نوعين: زجاجية ورانجيتية فلينظر إلى هذا الكتاب(۳).
ومن أراد الوقوف على أنواع هذه المختراعات وكيفياتها فليراجعه أو يراجع کتاب الفلسفة الطبيعية أو كتاب الطبيعة الصناعية أو التاريخ العام ومجلة التربية والتعليم المعروفة بالحولية وغيرها من الكتب الجديدة كنهضة أوربا وتمدن الغرب وأمثال ذلك.
الكرامة أخت المعجزة
تقدم الفرق بينهما، نتكلم يسيراً في معناها وإمكان حدوثها للأولياء فإن بعض الناس منع حصول الكرامات للأولياء.
قال الجرجاني الحنفي في التعريفات: واشتقاقها من الأكرم والكرم معروف معناه، وكأن الله تعالى يكرم عبده الصالح بما يظهره على يده أو عند قبره بما يخرق به العادة ما يسهله بسببه من الأمور الصعبة وإن لم تكن خارقة للعادة کشفاء المرضى وتعجیل البرء وإعطاء الأماني وما يشاكل ذلك حتى تصل إلى درجة الإعجاز كل هذه من الكرامات التي يكرم الله تعالى الأولياء والبررة الاتقياء وكل مقدور لله فهو ممكن وحيث لا تلبس بدعوى النبوة ولا يلزم التمويه فهي ممكنة أيضا، إنتهی.
_____________
(1) سباحة المعارف: ص۱۳۹. (۲) نفسه : ص403.
(3) سياحة المعارف: ص4۸۸.

(360)

وقال المحقق نصير الملة والدين الطوسي (رحمه الله) في التجريد المسألة الخامسة في الكرامات وقصة مريم «عليها السلام» وغيرها تعطي جواز ظهورها على الصالحين .
قال العلامة الحلى (رحمه الله) في شرحه(1): أقول: اختلف الناس هنا فذهب جماعة من المعتزلة إلى المنع من إظهار المعجزة على الصالحين كرامة لهم، ومن إظهارها على العكس على الكذابين إظهارا لكذبهم، وجوزها أبو الحسين منهم، وجماعة أخرى من المعتزلة والأشاعرة وهو الحق، وأستدل المصنف (رحمه الله) بقصة مريم «عليها السلام» فإنها تدل على ظهور معجزات عليها وغيرها مثل قصة آصف وکالأخبار المنقولة المتواترة عن علي «عليه السلام» وغيره من الأئمة «عليهم السلام» وحمل المانعون قصة مريم «عليها السلام» على أنها إرهاص لعيسى «عليه السلام» وقصة آصف على أنها معجزة لسليمان مع بلقيس كأنه يقول بعض أتباعي يقدر على هذا مع عجزكم عنه، ولهذا أسلمت بعد الوقوف على معجزاته ، وقصة علي «عليه السلام» تكملة معجزات النبي (ص).
قال: ولا يلزم خروجه عن الإعجاز ولا النفور ولا عدم التمييز ولا إبطال دلالته ولا العمومية، أقول: هذه وجوه أستدل بها المانعون من المعتزلة:
الأول: أنه قالوا: لو جاز ظهور المعجزة على يد غير الأنبياء إكرامة لهم الجاز ظهورها عليهم وإن لم يعلم بها غيرهم لأن الغرض هو سرورهم وإذا جاز ذلك بلغت في الكثرة إلى خروجها عن حد الإعجاز .
والجواب المنع عن الملازمة لأن خروجها عن حد الأعجاز وجه قبيح ونحن إنما نجوز ظهور المعجزة إذا خلا عن جهات القبح فيجوز ظهورها مالم تبلغ في الكثرة إلى حد خروجها عن الإعجاز .
الثاني: قالو: إذا جاز ظهور المعجزة على غير النبي لزم التنفير عن الأنبياء إذ علة وجوب إطاعتهم ظهور المعجزة عليهم فإذا شاركهم في ذلك من لا يجب طاعته هان موقعهم ولهذا قالوا: لو أكرم الرئيس بنوع ما كل أحد هان موقع ذلك النوع بمن لا يستحق الإكرام.
والجواب: المنع من انحطاط مرتبة الإعجاز كما لو ظهر على نبي آخر فإنه لو لم يظهر إلا عن نبي واحد لكان موقعه أعظم وكما لا يلزم ألاهانة مع ظهوره
______________
(1) شرح التجريد: ص۲۱۹.

(361)

على جماعة الأنبياء كذلك لا يلزم الإهانة مع ظهوره على الصالحين.
الثالث: احتجاج أبي هاشم قال: المعجزة تدل بطريق الإبانة والتخصيص وفسره قاضي القضاة بأن المعجزة تدل على تميز النبي عن غيره إذا أفراد الأمة مشاركون له في الإنسانية ولوازمها فلولا المعجزة لما تميز عنهم فلوا شاركه فيه غيره لم يحصل الامتياز .
والجواب: إن امتیاز النبي يحصل بالمعجزة وأقتران دعوى النبوة وهذا شيء يختص به دون غيره ولا يلزم من مشاركة غيره له في المعجزة مشاركته له في كل شيء.
الرابع: لو جاز إظهار المعجزة على غير النبي لبطلت دلالته على صدق مدعي النبوة والتالي باطل فالمقدم مثله ، بيان الملازمة أن ثبوت المعجزة في غير صورة النبوة ينفي اختصاصه بها وحينئذ لا يظهر الفرق بين مدعي النبوة وغيرها بالمعجزة فيبطل دلالته إذ لا دلالة للعام على الخاص.
والجواب: المنع من الملازمة لأن المعجز من الدعوی تختص بالنبي فإذا ظهرت المعجزة على شخص فإما أن يدعي النبوة أولا فإن أدعى النبوة دلت المعجزة على تصديق المدعي بل تدل على صدق الدعوة فإذا تضمنت الدعوة النبوة دلت المعجزة على تصديق المدعي ويستلزم ذلك ثبوت النبوة.
الخامس: قالوا: لو جاز إظهار المعجزة على صادق ليس بنبي لجاز إظهارها على كل صادق فجاز إظهار المعجزة على المخبر بالشبع والجوع وغيرهما.
والجواب: أنه لا يلزم العمومية أي لا يلزم أظهار المعجزة على كل صادق إذ نحن إنما نجوز إظهارها على مدعي النبوة والصالح إكرامة وتعظيمة وذلك لا يحصل لكل مخبر صادق، إنتهي بألفاظه .
فالكرامة تظهر للأولياء وقد نص على ذلك أكثر علماء أهل السنة وما حرره العلامة في رد المعتزلة كاف في المقام فلا داعي إلى الإطالة.
أما كرامات العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليهما السلام» فواردة مورد التواتر بل متواتر قطعية في كل عصر وفي كل عام من أعوام الحياة وشاهدها العيان ودليلها الوجدان:
له قبة سامي الضراح ضريحها بها تكشف البلوى ويستدفع الضـــر
وفيها شفاء للـــــسقام وثـــــروة لذي الفقر إن وافي إليها إنتهى الفقر

(362)

وفيها على رغم الحسود لخائـف أمان من البلوى وفي ظلــها النصر
لدى قبة العباس حلوا الــغــرائــز تشاهد بالعيــنين شتى المــــعاجــــز
تجد عندها القصاد من كل بـــلدة وما صادر من عنـده غــیر فائـــــز
فثق زائر العباس إن زرت قبـره برضوان رب وهو أســـنى الجوائز
ونجح الأماني والشفا عند قـبــره وأمـــن من الأرزاء عند الــهــزاهز
فـــــمـــــــا غيره بعد النبي وآلــه أئمتــــنا من مســــتجار لـــعـــاجـــز
أقام لهم باري الأنام مراکــــــــــز مقدسة أكــــرم لــها مــن مـــراكـــز
تزورهم الأحياء منا ومــن یــمت نزورهم على بعد المدى في الجنائز
فدع عنك قول الحاسدین لفضلهم فـــــلا تلقى في الحساد غير التغامز
فمن طيشهم قالوا الزيارة بدعـــة ومـــــــن هذر قالوا البكا غير جائز
وهم يتركوا نص النبي مــحــمــد لمن قال إن الدين دیــــن العجــــائز

إن تسجیل کرامات العباس بن أمير المؤمنين «عليهما السلام» وضبط ما صدر منها من حين شهادته إلى يومنا هذا خارج عن الوسع والطاقة وليس في مقدور إنسان أن يضبط كل الوقائع التي تتجدد بتجدد الأيام وقد نقل ثقاة العلماء مثل الصدوق الفقيه الشيعي الإمامي وأبو الفرج الأصفهاني الشيعي الزيدي وسبط ابن الجوزي السني الحنفي وغيرهم قصة قاتله الذي يجيء إليه كل ليلة وهو حي فيغته في نار جهنم فيصرخ صراخ عالية يفزع الجيران ويوقظ النوام قد شاهدوه مسود الوجه بعد أن كان صبيحة، وقد تقدمت القصة.
أما الكرامات الواقعة في عصرنا مما شاهدناه ونقله لنا الثقاة فكثيرة جدا وبالأخص تعجیل الله العقوبة لمن تعدى عليه وتجاوز وهو ما تسميه العوام بالشارة وقد بلغ الرعب منه في نفوس عوام الشيعة وخواصهم حتى أهل السنة المختلطين بالشيعة يرهبون سیدنا العباس «عليه السلام» أشد الرهبة فهم إذا أرادوا عقد موادعة ويسمونه بلسانهم علق وعطوة أو أرادوا عقد صلح بتسليم الدية ويسمونها بلسانهم فصل، عقدوا راية بأسم سيدنا العباس «عليه السلام» وجعلوه كفيلاً وثوقة منهم بأن الله ينتقم من المعتدي سريعة بدون إمهال فهم مطمئنون بسرعة الانتقام من المتجاوز على صاحبه والذي يسمونه بلسانهم کاسر رایة العباس «عليه السلام» منکوب عندهم لا يرتابون في ذلك فهم لذلك يسمون القوي من المشائخ الكبار والسلطان إذا كان واسطة صلحهم وسبب قبول بعضهم الدية الفصل من بعض الواجفة وعليه

(363)

تنكيل الخارق لعهود المصالحة التي أجراها ذلك الرئيس القوي من رؤساء العشائر وهو مع قوته واقتداره لا يطمئن بنفسه وبقوة عشائره على التنكيل حتى يعقد الراية بأسم العباس «عليه السلام» ويكون هو الواجفة في الفصل وكذلك العلق والعطوة فإن المتجاوز والعباس الواجفة ينكب بدون إمهال قبل تنكيل الشيخ فيه ويصاب إما ببدنه أو بفقد أعز ما لديه من مال وقرابة أو بفقد هو نفسه وهذا أمر معلوم عندهم لا يمتارون فيه ولا يرتابون، وإن التعدي من عشيرة بكاملها لا من فرد فهو إمارة تلفها وتشتتها وذهاب رجالها وأموالها، وكل واحد من أفراد العشائر إذا ذاكرته بهذا أفاض عليك بأحدايث متنوعة من هذا الطرز يحصل بمجوعها التواتر .
أما التحالف وهو أنواع عند العشائر وهو أعجوبة بكل أنواعه:
منها أن شخصا يخاف من شخص خيانة أو غدرة فيحلفه بالعباس فيحلف ذلك ولا يطمئن بحلفه له حتى يعطيه سيف العباس فيرفع الحالف عصا أو خنجرة أو عودة من الأرض فيغرسه فيها ويقول هذا سيف العباس لا أخونك ولا أغدر بك فيطمئن المحلوف له فإذا خان الحالف أو غدر أصابه البلاء(1).
ومنها إذا أراد أحدهم من الآخر سلعة أو خطب أبنته أو البنت التي يعشقها فلا يطمئن بمواعيدهم له فيرفعون عصا كالسابق ويقول الحالف: هذا سيف العباس لك إن ما أردته لك لا ابيعه من غيرك ولا أزوج البنت من أحد سواك فيكون سبيل هذا الحلف بسيف العباس «عليه السلام».
وهكذا لهم شكل آخر في مثل هذين النوعين من الحلف بأن يحفر نقرة في الأرض ويقول: هذه نقرة العباس فطمها فإذا طمها علم أنه يفي فإذا خانه بعد ذلك نكب.
ومنها حلف الخصومات والمنازعات في جميع أنواع التهم من سرقة وقتل ودين وما أشبهه فإنهم متى تفاقم الأمر وأشتدت الخصومة ولم تستطع حلها علماء الدين ولا رؤساء العشائر ولا موظفوا الدولة طلبوا المصفي وهو العباس فينتهي النزاع بالحلف بالعباس «عليه السلام» فينتهي قبل السفر بأعتراف المتهم وفي أثناء السفر أو في الصحن الشريف إما بأعتراف المتهم أو ببراءته بالحلف، وإن حلف مع تلوثه بالجريمة نكب إما في نفس الصحن أو في عودته ولا يقضي المحرم سنته إلا منكوبة ولهذا يختارون الحلف بالعباس «عليه السلام» دون القرآن المجيد لأن
_____________
(1) وهذا نظير ما تحلف به عوام أهل السنة النجادة وغيرهم يرفع عودة من الأرض ويقول: وحق من أخضره وأيبسه فيطمئن المحلوف له بهذا اليمين ويثق به تمام الوثوق .

(364)