موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

أيضاً فتسلكه متهجاً إلى مدرسة البنات الأبتدائية المسمات بالعباسية حتى تنتهي إلى بقالين على منتصف الشارع ويقع المشهد الشريف خلف حائط دكان البقال الذي على يسارك في الركن بين شارعين وله طريق آخر على مشهد الكف اليسرى.
مزار الكف اليسرى:
في المشرق من الصحن الشريف في السوق الذي يحاذي باب القبلة ويعرف بسوق باب العباس الصغير وعلى جداره الكاشاني شباك من النحاس الأصفر المسمى (شبه وبرنج) منقوش في الكاشي أبيات شعر تنسب للشيخ محمد السراج هي هذه:

سل إذا ما شئت واسمع واعلم ثم خذ مني جواب الــــــمفهم
إن في هذا المقام انـــــــقطعت يـــــــسرة العباس بحر الكرم
ها هنا يا صاح طاحت بعدمـا طاحت اليمنى بجنب العلقمي
إجر دمع العين وابــــكـيه أساً حـــــق أن تبكي بدمع عن دم

ويظهر من الشعر لمن تأمله أن الموضعين أشيد فيهما البناء تذكاراً لسقوطهما فيهما لا أنهما دفنا فيهما وهذا كله نقوله ونراه جلياً في الواقف على هذين المزارين يتذكر كيف قطعت يمنى العباس ويسراه وكيف ضم الباقي منهما عليا للواء.
وإذا وقف على ضريحه المقدس ليذكر كيف فلقت هامته بعمود الحديد وكيف سقط على ضفاف العلقمي يفحص برجليه التراب فالواقف على مزار الكف اليمنى كأنه يرى ويشاهد بريق سيف الشقي زيد بن رقاد وحده المخالط لعضو أبي الفضل الأكرم، والواقف على مزار الكف اليسرى كأنه يلحظ بعينيه سيف التعيس حكيم بن الطفيل يطيح به ذاك العضو المشرف.
للمؤلف:
يــــمــناك للجيران يمن وفى يـــســـراك يسرى دائما للنزيل
جـــئـت لنهر العلقمي صائلاً كضيغم قد هاج من وسط غيل
مـــلـــكت نهر العلقمي عنوة يـــا بـــطل العرب بحد الصقيل
مـــلأت بالـــرغـــم لهم قربة مـــن مائه العذب الروي السليل
قصدك تسقى منه أهل الكسا وكــــل عـــطــشــان لطه سليل

(270)

فـــتـــت أكـــبــاد بـني المصطفى حر الظما كي تطفي منها الغليل
فـــأحــتوشـــوك الـــقوم بعداً لهم وهـــدت الأرض لعظم الصهيل
فـــالــفوج يتلو الفوج في زحفهم وأنت كالــــضرغام بين الرعيل
حتى صبغت الأرض من هامهم وخضت بالأشـقــر ذاك المسيل
ويــــــح أبـــن رقـــاد فـماذا جنى بقطع يمــــنـــاك بـضب صقيل
وطــــاحــت اليسرى التي يسرها عم بــــســـيـف المعتزي للطفيل
والـــــرأس مـــن عاموده قد جرا مع الدم المخ فــــأمــــسى يسيل
ورحـــــت ظمئآن الحشا عاطشاً تسقى من الكوثر والـــســـلسبيل
كــــل مـــزار لابـن حامي الحمى عـــميد جـــيش أبن النبي الجليل
فـــهـــو لـــــمــــن لاذ به والتجى نعم الحمى للمحتمي والـــمـــقيل
مــــن أســــــرة الوحي وما مثلهم في سائر الخلق وعز الـــمـــثيل
فـــــالوحي والتـــنزيل في دورهم يــــنـــزل فـــيـــه دائماً جبرئيل
يــــهـــدي الـــتـــحــايــا لهم دائماً من حضرة القدس العلي الجليل

الطريق إلى المشهد الكف اليسرى لأبي الفضل هو أن تخرج من باب صحن العباس الشريف في الجنوب الشرقي وهو في جهة القبلة على سمت باب الساعة فإذا خرجت من هذه الباب الصغيرة سرت قليلا في شارع قصير يدخلك إلى سوق صغير يعرف بسوق العطارين فتجد هناك صف القصابين وقبل الوصول إليهم تقف عند باب دكان عطار يعرف بالسيد عباس فتجد المشهد المبارك خلف حائط دكانه وعليه رسم كف واحدة وصفتها صفراء طليت بالصبغ الأصفر المعروف بالبويه.
وإذا سرت من هذا الطريق متجها إلى الجنوب الشرقي أو صلك إلى مشهد الكف اليمنى وهذا الوضع للمشهدين يفصح عما ذكره التاريخ أن العباس «عليه السلام» خرج من الفرات قاصداً مخيم الحسين «عليه السلام» فأعترضه زيد بن رقاد الجنبي فقطع يمينه فسار على قصده حاملاً سيفه بيساره فأعترضه حكيم بن الطفيل السنبسي فقطع يساره على قصده فضرب بعامود الحديد فسقط في موضع مشهد المقدس.

(271)

مزارات العباس «عليه السلام»


مثوى العباس «عليه السلام» المقدس:
والمرقد المنيف العامر بعناية الله تعالى وحراسته قد تلونا عليك صفحة من تاريخ عمارة المشهد الحسيني ويشاركه مرقد أخيه أبي الفضل في كثير منها وقد كانت خصوصيات أختص بها أبو الفضل كما أختص أخوه الحسين «عليه السلام» بهدايا وتحف وألطاف وأمثال ذلك مما يلزمنا أن نقتضب عنوانا نخصصه بعمارة مشهد أبي الفضل وبعض ما أسداه الملوك والتجار الكبار من الخدمة له وخذ ملخصها:
في سنة (1032) من الهجرة النبوية بنى الشاه طهماسب قبة العباس بالكاشي وجعل على صندوق الضريح المقدس شباكا من الحديد ونظم الرواق والصحن وبنى البهو أمام الباب المقدم للحرم واهدى إلى مشهده الشريف فرشاً من صناعة الإيرانيين الممتازة وتطلق عليها العوام إسم الزل.
وفي سنة (1155) في عصر نادر الشاه الأفشاري نقشت بعض الأروقة بالبلور على نفقة نادر شاه وأهدى إلى الحرم العباس هدايا وتحفاً.
وفي سنة (1117) زار العتبات المقدسة وزير نادر شاه فجدد صندوق الضريح وعمر الرواق واهدى ثريا للضياء ليوقد فيه الشمع في صحنه المطهر.
وفي عام (1136) أمر الشاه محمد بن ميرزا القاجاري بتبديل الشباك الحديدي بالفضي فصنع كما أمر.
وفي عام (1259) أحدث عمارة المشهد الشريف العباسي سلطان أود الهندي وهو محمد علي شاه بن السلطان ماجد علي شاه.
وفي سنة (1216) بعد النكبة الموجعة والحادثة النكراء وهجوم الوهابية على كربلاء المقدسة وما حدثوا فيها من شنائع الأعمال وفضائع الأعمال وتعديهم على الحرمين الشريفين بالتخريب ونهب الذخائر والنفائس والمجوهرات التي يعز وجدوها عند عظماء السلاطين نهضت بالشاه فتح علي حميته وأقامته محبته الخالصة لأهل البيت فبنى قبة الحسين وصدر الأيوان بالذهب وجعل للضريح صندوقاً وشباكاً من الفضة وبنى قبة العباس بالكاشي البديع.
بنى الحاج شكر الله الأفشاري أيوان الطارمة التي لأبي الفضل بالذهب وكتب إسمه في صدر الإيوان بالذهب وذلك بمساعي الفقيه المرحوم الشيخ زين العابدين

(272)

المازندراني نزيل كربلاء المتوفى بها سنة (1309) وتاريخ التذهيب (1309).
ثم إن نصير الدولة ذهب منارة العباس وكان الصائغ يغش الطلاء الذهبي بالصفر ولما وقفوا على الحقيقة أستدعوا به فجيء به من بغداد إلى كربلاء فلما دخل الصحن العباسي اضطرب واسود وجهه ومات من الغد.
وإن التذهيب لإيوان الباب الأول لمدخل قبة العباس لملك لكناهور محمد شاه، وبناء القبة بالكاشاني الموجود الآن لمحمد صادق الأصفهاني وزاد في الصحن دوراً اشتراها وتسقيف الطارمة للسلطان عبد الحميد خان وجعل السيد مرتضى سادن الروضة العباسية باباً من الفضة وهو الباب المتوسط من الأبواب الثلاثة التي في الطارمة.
وفي سنة (1266) جاء تاجر زنجاني برخام ففرش الحضرة والصحن بذلك الرخام وجلب الصناع معه من إيران وكان التاجر يعرف بالحاج محمد حسين ويلقب بالحجاز باشي كما حدثني الخطيب الأستاذ الشيخ علي البازي قال: طلب مني السيد حسن كليدار الروضة العباسية أن أنظم أبياتاً وفيها تاريخ ورود الرخام وانتهاء العمل في سنة (1366) فنظمتها ومن خطه نقلتها:

ذا رخـــــام لـــم يــشاهد مثله بل ولما يــكتشفه من أحــــد
صــــبـغة الله ومن أحسن من صبغة الله لــــه صبــغـة يد
هـــــو من إيــران قد جاء به خيرة الحاج الهمام المعتمــد
لـــقــــب (الحجاز باشي) لما حاز من أيد حـــسام لا تعـد
حـــــقــــق الله أمـــانـــيه غداً وهـــنــيــئاً لــفتى ينجوا بغد
من أخ السبط وآل المصطفى سوف يجزي بنجاح مــطرد
فـــــحـــــسين فيه أرخت إلى بطل الطف أبي الفضل ورد

تاريخ عام شهادة الحسين والعباس «عليهما السلام» وشهداء آل محمد (ص)

اتفق المؤرخين ولا تحتفل بمن شذ(1) أن شهادتهما «عليهما السلام» عام (61) للهجرة عام (680) للميلاد، نص عليه الزركلي في الأعلام.
_________________________
(1) شذ أبو نعيم فقال سنة 60، وابن كلبي فقال سنة 62 ذكر قوليهما الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 1/142 وقال فيهما معاً: هذا وهم.

(273)

وقال أخطب خوارزم موفق بن أحمد نزيل مكة في مقت الحسين «عليه السلام»(1): ذكر أبو علي السلامي عن البيهقي صاحب التاريخ أن السنة التي قتل فيها الحسين «عليه السلام» وهي سنة 61 سميت عام الحزن.
وقال أبن واضح اليعقوبي في تاريخه(2): كان مقتله –يعني الحسين «عليه السلام»- لعشر ليال خلون من المحرم سنة 61 واختلفوا في اليوم فقالوا السبت وقالوا يوم الإثنين وقالوا يوم الجمعة، وكان من شهور العجم في تشرين الأول.
قال الخوارزمي: وكانت الشمس يومئذ في الميزان 17 درجة و20 دقيقة، والقمر في الدلو 20 درجة و20 دقيقة، وزحل في السرطان 19 درجة و20دقيقة، والمشتري في الجدي 12 درجة و40 دقيقة، والزهرة في السنبلة 5 درجات و50 دقيقة، إنتهى.
قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني في مقاتل الطالبيين(3): كان مولد الحسين «عليه السلام» لخمس خلون من شعبان سنة 4 وقتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة 61 من الهجرة وكان سنة يوم قتل 56 سنة وشهور، وقيل: إن مقتله كان يوم السبت، روي ذلك عن أبي نعيم الفضل بن دكين، والذي ذكرناه أولاً أصح.
وأما ما تقوله العامة أنه قتل يوم الإثنين فباطل هو شيء قالوه بلا رواية.
وكان أول المحرم الذي قتل فيه الحسين «عليه السلام» يوم الأربعاء أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات وإذا كان كذلك فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرم الإثنين.
قال أبو الفرج: هذا دليل صحيح واضح تنضاف إليه الرواية ثم ذكر إسناداً إلى علي بن محمد المدائني عن أبي مخنف وعوانة بن الحكم ويزيد بن جعدية وغيرهم.
وأما ما تعارفه العوام من أنه قتل يوم الإثنين فلا أصل له ولا حقيقة ولا وردت به رواية، الخ.
وهذا قول مردود ودعوى ساقطة، هذا ثقة الإسلام الكليني (رحمة الله) في
_________________________
(1) مقتل الحسين للخوارزمي 2/40 طبع النجف.
(2) تاريخ اليعقوبي 2/218 طبع النجف، المطبعة الحيدرية.
(3) مقاتل الطالبين: ص31. طبع النجف، المطبعة الحيدرية.

(274)

أصول الكافي ذكر أنه يوم الإثنين جازماً به غير متردد فيه(1) والكليني أجلّ من أن يعول على العامة وكذلك النوبختي في فرق الشيعة(2).
وهذه زيارة الحسين «عليه السلام» المعروفة بالمفجعة في بعض فقراتها «المقتول يوم الإثنين».
وقال العلامة الحلي (رحمه الله) في كتاب التحرير ونصه(3): الحسين بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» الإمام الشهيد أحد سيدي شباب أهل الجنة ولد بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة 3 من الهجرة وقبض «عليه السلام» بكربلاء من أرض العراق قتيلاً يوم الإثنين وقيل الجمعة وقيل السبت عاشر المحرم قبل الزوال سنة 61 من الهجرة وله 58 سنة الخ.
أما الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى فقال كذلك ولكنه قدم السبت واخر الجمعة وجعل الإثنين بعد السبت وكذلك أبن شهر آشوب ولكنه أخر الإثنين ووسط الجمعة.
وملا عبد الله في مقتل العوالم ذكر الجمعة والإثنين ولم يذكر السبت.
أما الفاضل المجلسي (رحمه الله) فروى عن ثقة الإٍسلام الكليني ونصه(4) بعد الإسناد عن جعفر بن عيسى: سألت الرضا «عليه السلام» عن صوم عاشوراء وما يقول الناس فيه، فقال: عن صوم أبن مرجانة تسألني، ذاك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين «عليه السلام» وهو يوم يتشأم به آل محمد (ص) ويتشأم به أهل الإسلام، واليوم الذي يتشام به أهل الإٍسلام لا يصام ولا يتبرك به، ويوم الإثنين يوم نحس قبض الله عز وجل فيه نبيه (ص) وما أصيب آل محمد (ص) إلا يوم الإثنين فتشأمنا به ويتبرك به عدونا.
ويوم عاشوراء قتل الحسين «عليه السلام» ويتبرك به أبن مرجانة وتتشأم به آل محمد (ص) فمن صامها أو تبرك بهما لقى الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما، إنتهى.
وهذا نص في أن مقتل الحسين «عليه السلام» يوم الإثنين ولنكتف بهذا من كلام الشيعة وبه يظهر غلط الأًصبهاني صاحب المقاتل.
وهناك قول رابع أن يوم المقتل كان الأربعاء ومن هؤلاء من الشعية السيد
______________________
(1) انظر: أُصول الكافي: ص188.
(2) فرق الشيعة: ص35 طبع النجف، المطبعة الحيدرية.
(3) تحرير الأحكام: ص131. (4) بحار الأنوار 10/214.

(275)

أبن طاوس روى في كتاب الإقبال عن الإمام جعفر الصادق «عليه السلام» رواية تصرح أنه كان يوم الأربعاء.
وأيضاً يوجد من يذكر أنه كان يوم الأحد ومن هؤلاء أبن عبد البر المالكي فإنه ذكر في الاستيعات بعد أن ذكر القول بأنه يوم الجمعة ذكر قولاً أنه يوم الاحد.
وذكر أبن العماد الحنبلي في شذرات الذهب واليافعي في مرآة الجنان السبت والجمعة والأحد ووافقهم صاحب رياض الأحزان.
فقد ظهر لك أن الأقوال خمسة في تعيين يوم العاشر هل هو الجمعة كما جزم به أبو الفرج الاصفهاني وأبو الفرج آبن الجوزي فيصفة الصفوة؟ أم اليست كما جزم به آخرون؟ أم الإثنين على نص الرواية وقول المشهور؟أم الأحد؟ أم الأربعاء وفيه رواية؟ والذي ينبغي أن يرجح نظراً لكثرة القائل به هو يوم السبت وبه جزم أبو نعيم الفضل بن دكين حكاه عنه الخطيب البغدادي وأبو نعيم هذا شيعي وجزم به الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد والشهيد الأول (رحمه الله) في الدورس والفاضل المجلسي في البحار وآخرون.
وأما التعويل على الطوالع النجومية واٌسطربلابات المنجمين وأرقام الزيجات فليس بصحيح في نظر أهل الدين وغير معتبر عند المتشرعين.
ومن المعلوم أن حساب السنة الشمسية لايوافق حساب السنة القمرية التي عليها مدار تاريخ الإسلام وبها نظام أحكامه من مواقيت وأوقات وعدد وحدد وغيرها: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)(1) وغير سهل بل من العسير الصعب جداً طرح ما تساوى في معرفته البكي والذكي والعالم والجاهل والرجل والمرأة والطفل وهو حساب الأهلة التي ترى بالأبصار ويؤخذ بحساب لا يتمكن من معرفته إلا أفذاذ من الماهرين كالفالكيين وحساب السنين الشمسية والأهتداء إلى ما فيها من كسور وزيادات وتفاوت في أيام شهور وليست لها علامة لا تختلف عند حلولها كالعلامة في السنة العمرية وهي رؤية الهلال وقد أرشدنا الله تعالى الى ما لا نحتاج معه إلى فحص وتنقيب وأغنانا بذلك عن تقليد العلماء بذاك الحساب الغامض في تكاليفنا وأحكامنا فحدد لنا الشهور في الآية السابقة بالأهلة كما حدد لنا الليل والنهار بقوله: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة: 189. (2) الإسراء:78.

(276)

فهذه الصلوات الليلية والنهارية قد عرفناها بدون حاجة الى تقليد علماء بالأوقات ولا عرفاء بالحساب كما عرفنا تكليف صومنا في آية آخرى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)(1) فعرفنا أبتداء النهار بتمييز الابيض من الأسود وانتهائه بالليل الذي هو ظلام محسوس فهذا هو النهار لا الساعة الثانية عشر الشمسية فإن معرفتها عسيرة جداً إلا على مستعين بالآلات كالساعة وهكذا أنتهاؤه في نصف الليل الشرعي أعسر وأشد صعوبة وتعقداً.
أما الشهور فلا يحتاج فيها من رأى الهلال أو قامت عند البينة بظهوره إلى أكثر من عد أيام تبلغ الثلاثين أو تنقص يوما حتى يفائه الهلال الآخر مبتدأ بحساب مستأنف حتى إكمال إثني عشر يؤلف منها سنة فالبدوي والقروي والعامي والأمي يساوي الحضري والمدني والكتاب والحساب في معرفتها حيث يضل قروي أهل الحساب وبدويهم واُميهم وعاميهم لا يدري متى تدخل الشهور الشمسية من أفرنجية وقبطة وسريانية وغيرها حتى يذل ويتوسل لسؤال العالمين بها وخاصة الأمي لا تخفى صعوبتها عليه إذ ربما استعان القارئ الجاهل بحساب المفكرات والتقاويم وإن تحمل مصرفاً قد يضر بحاله في شراء التقاويم والمفكرات خاصة بالفقراء وهم بما شرعه الإٍسلام في غنى وعافية وعزة.
كربلاء القديمة والتعريف بقراها عند نزول الحسين «عليه السلام» بها
كربلاء الاسم الحائز الشهرة العظيمة التي طوت الأجيال ولفت العصور لقداستها بما حوته من جثمان سيد شباب أهل الجنة وظمنته من جسد خير فتيان المسلمين قاطبة سيد الشهداء وسبط رسول الله (ص) وريحانته الحسين بن علي «عليهما السلام» هي في الأًصل إسم لموضع خاص من مواضع هذه الأرض الواسعة الفسيحة غلب على الصقع بأسره وهو من دونها موضع قاحل أرضه جرداء لا نبات بها سوى الحلفاء وبعض الأدغال وليس فيها ماء في ذاك الوقت ولا سكان، وبهذا الموضع نزل الحسين «عليه السلام» أولاً ثم تركه ونزل المخيم المعروف بالخيمقة بلسان الفرس فإنهم أنزلوه به كرها أمتثالاً منهم لأمر اللعين أبن زياد في أن ينزلوه بالعراء على غير ماء ولا كلاء.
____________________________
(1) البقرة: 187.

(277)

ولما علم منهم التصميم على قتله وأختبر الأرض فوجدها لا تصلح للحرب إذ أنها مكشوفة وليس له ملجأ ولا لأصحابه وعيالاته من شيء يعتصمون به من غارة العدو ورأى على قرب منك تلك التلاغ الثلاث التي يمكن لو جعلها خلف ظهره أن يحتمى بها وقت المصاولة ارتحل عن منزله الأول ونزلها.
وهذا الموضع الذي أرتاده أخيراً كان أحصن وأمنع من منزله الأول وبه أستشهد، وموضع نزوله الأول معروف لحد الآن وعوام أهل كربلاء من القرويين يعرفونه بأسم كربلة مفخماً ولأجل نزول الحسين «عليه السلام» به غلب اسمه على تلك المنطقة بأسرها فسميت بها عامة المواضع.
وقد ظهر لي بالسؤال من أهل تلك النواحي والنقل عن أهل الخبرة من أهل العلم أن بها موضعين كل واحد منهما يقال له كربلة:
أحدهما: ما وصفه لي بعض المطلعين أنه في بادية كربلاء يبعد عن البلدة مقدار ستة أميال تقريبا إلى الجنوب الشرقي من قرية الرزازة قرية أبن هذال أحد زعماء عنزة (أعنزة).
والثاني: ما وصفه الميرزا النوري في كتاب نفس الرحمن ولفظه: وأما كربلاء فالمعروف عند أهل تلك النواحي أنها قطعة من الأرض الواقعة في جنب نهر يجري من قبل سور البلد يمر بمزار المعروف بابن حمزة منها بساتين ومزارع والبلد واقع بينهما، إنتهى.
يعني بين مزار أبن حمزة وكربلاء، ثم تحققنا من بعض الخبراء المطلعين من أهل البلد فقال: نعم كربلة (كربلاء مقاطعة على طريق السائر المتجه إلى بغداد مجاورة للوند مقاطعة سيد قاسم الرشتي)، إنتهى.
فعلى هذا يجوز أن تكون الأرض كلها من الوند إلى ما فوق الرزازة كلها كانت تسمى كربلاء وهو إسمها اليوم عند أهل البادية والقرويين وسميت به البلدة نفسها للمجاورة.
أشتقاق كربلاء
بناء على أن تسميتها عربية وإنها ليست من تراث الأعاجم فلهم فيه كلام كثير وبعضه لم يغربل أما الأحاديث فترى أن كربلاء إسم مركب من كرب وبلاء وعلى ذلك جاء شعر الشريف الرضي أبي الحسين الموسوي (رحمه الله) في رثاء جده الحسين «عليه السلام» فقال:

(278)

كربلاء لا زلت كرباً وبلا ما لقي عند آل المصطفى
ويقول الصنوبري:
يا كربلاء خلقت من كر ب علي ومن بلاء
ويقول غيره:
يا كربلا يا كربتي وزفرتي كم فيك من ساق ومن جمجمة

وعلى مسلك الشعراء ونصوص الأحاديث يظهر أن تسميتها حادثة سميت لأجل فادحة الحسين «عليه السلام» وانه هو الذي سماها كذلك بقوله لما منع عن الرحيل عنها والزم بالنزول فيها: هذه أرض كرب وبلاء.
أما أهل اللغة فخذ بعض نصوصهم:
قال الحموي في معجم البلدان(1): كربلاء بالمد هو الموضع الذي قتل فيه الحسين بن علي «عليهما السلام» في طرف البرية عند الكوفة، وأما اشتقاقه فالكربلة رخاوة في القدمين يقال جاء يمشي بكربلاء فيجوز أن مكون على أرض هذا الموضع رخاوة فسميت بذلك. ويقال: كربلت الحنطة إذا هززتها فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصا والدغل فسميت بذلك.
والكربل إسم نبت الصفصاف فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسمي به.
وروي أن الحسين «عليه السلام» لما إنتهى إلى هذه الأرض قال لبعض أصحابه: ما تسمى هذه الأرض –وأشار إلى العقر-؟ فقال: إسمها العقر، فقال الحسين «عليه السلام»: نعوذ بالله من العقر، ثم قال: ما إسم هذه التي نحن فيها؟ قالوا: كربلاء، قال: أرض كرب وبلاء، وأراد الخروج منها فمنع كما هو مذكور في مقتله حتى كان منه ما كان، ورثته زوجته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فقالت:

وا حسيناً فلا نسيت حسينا أقــــــصـــــدته أسنة الأعداء
غادروه بكربلاء صريــعا لا سقي الغيث جانبي كربلاء


إنتهى، وذكر هاذين البيتين سبط أبن الجوزي في التذكرة كما قال ياقوت، وأنا أستريب بصحة ما ذكرا.
_______________________
(1) معجم البلدان 7/329.

(279)

ولما وقفت على كتاب الحسين «عليه السلام» لعلي جلال الحسيني وجدته قد سبقني إلى الأسترابة بعد عاتكة هذه في زوجات الحسين «عليه السلام» وعاتكة هذه بنت عم عمر بن الخطاب وهي أخت سعيد بن زيد المشهور في الصحابة، وكانت بارعة في الجمال، بديعة الظرف واللطافة، حلوة الشمائل، رخيمة الكلام، فتانة الملامح، وكانت لا تستر وجهها للناظرين تتلهى به حتى تحتج لسفورها بقولها: إن الله بميسم جمال فأنا أحب أن يرى الناس آثار نعمته، هذا معنى ما يحكى عنها في الاحتجاج ذكرها أبن عبد البر في الاستيعاب والعسقلاني في الإصابة وابن الأثير في أسد الغابة والحلبي في السيرة وآخرون وقالوا: إنها كانت تحت عبد الله أبن أبي بكر بن أبي قحافة وهو أول أزواجها، وقتل بالطائف فرثته بشعر منه:

فآليت لا تنفك عيني حزينة عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

ورثت زوجها الثاني زيد بن الخطاب وهو أخو عمر وقتل باليمامة وقد تزوجها أول خلافة أبي بكر ثم تزوجها أخوه الخليفة عمر فقتله أبو لؤلؤة فرثته كذلك ثم تزوجها الزبير بن العوام فقتل يوم الجمل فرثته أيضا ثم أمتنعت عن التزويج وقالت لو تزوجني أهل الأرض لقتلوا.
وقال بعض الظرفاء: من أحب الشهادة فليتزوج عاتكة بنت زيد.
وفيما ذكر أبن عبد البر والعسقلاني أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» خطبها بعد الزبير فأرسلت إليه أني لأظن بك يا أبن عم الرسول الله (ص) عن القتل وفيما ذكره غيرهما أن الخاطب لها هو الحسن بن علي «عليهما السلام» فكان الجواب ما مر.
ولم يذكرها أحد من علمائنا في أزواج سيدنا الحسين الشهيد «عليه السلام» ولكن مؤرخي أهل السنة قد عدوها في أزواجه فيكون هو الزوج الخامس لها فرثته بما مر.
والسيد علي جلال في كتاب الحسين «عليه السلام» أنكر ذلك أشد الإنكار وأطال في النقص على القائلين به ومنه(1): رأيي أنه لا يحتمل أن يكون الحسين «عليه السلام» قد تزوجها لأنها تزوجت أربعة رجال كل منهم قتل عنها ويكول الوقت الذي قيل أن الحسين «عليه السلام» قد تزوجها فيه سنها على أقل تقدير 53
__________________________
(1) كتاب الحسين عليه السلام 2/117.

(280)

سنة بمقتضى قول أخيها وبحساب مدة الرسالة وولاية الخلفاء الثلاثة ويكون الحسين «عليه السلام» قد تزوجها بعد أن كبرت وأعرض أبوه نفسه عنها وتزوجها وعنده بنت كسرى في شبابها وغير ذلك، إنتهى.
ومانع آخر لم يتفطن له السيد علي جلال وهو أنها مخطوبة أبيه، والحسين «عليه السلام» في أعلى مراتب الأدب لا يعقل أن يخطب مخطوبة أبيه.
ومانع آخر أنها سافرة متبذلة ونفس الحسين «عليه السلام» الأبي الغيور وشيمته اللافظة لكل دنيء محتقر تأبى له أن يتزوج من لا ترد طامح ولا تأنف من إرسال النظرات الدنسة إليها، هذا محال أن يكون في عقل الحسين «عليه السلام» ودينه.
الرجعة إلى كربلاء
قال الفيروزآبادي في القاموس: الكربلة نبات له نور أحمر مشرق وبهاـ يعني كربلة- رخاوة القدمين والمشي في الطين والخوض في الماء والخلطة وتهذيب الحنطة وتنقيتها. والكربال – بالكسر- مندف وبالضم كورة بفاس، وكربلاء موضع به قتل الحسين بن علي «عليهما السلام»، الخ.
وعلى قوله كربلة رخاوة القدمين وبعض هذه المعاني معروفة عند العوام اليوم فيقولون: فلان مكربل يريدون أنه غير منقح كما يقولون وجه مكربلة يريدون غير سمح ولا حسن السيماء، ويد مكربلة وقدم مكربلة يريدون فيه غلط وطول بإفراط، ورجل مكربلة من البرد يريدون مشنجة أو أستغلطت من شدة البرودة خصوصاً إذا مشى على الثلج والكربول عندهم خثاء البقر إذا يبس في موضعه.
ومن الجائز الغريب أن تكون هذه الأرض كانت مرتعاً للابقار الوحشية قبل أن تسكن فيكون مجتمع أخثائها وهي الكرابيل، ويدل عليه أنها كانت تنتابها أسراب الظباء كما جاء في حديث عيسى بن مريم «عليه السلام» والحديث الطويل.
ويجوز أن يكون بعد أن عمرت القرى في كربلاء كان هذا الموضع أيضاً مجتمعاً للأبقار الأهلية تقصده في مرعاها.
وأحسن ما قيل إنها إسم من كر بمعنى رجع وبلاء، ومعنى كر البلاء رجوعه على هذه الأمة بانتهاكها حرمة الرسول وفيه رفع عنهم البلاء فكر عليهم بقتل

(281)

عترته، وتاريخ الحوادث المجتاحة لأهل الكوفة والشام يؤكد هذا المعنى تأكيدً لا مراء فيه.
للمؤلف:

لــــقــد كــر البلاء على أمي فهل باق لها في الأرض حي
تلاشــت واضمحلت بعد ملك تضخم شــــاده جور وغــــي
فقــد طهرت بلاد الله مــــنهم وليس يدوم في العدوان شيء
فــسائل عن أمية كل شــعـب أأحياء يــجـــيــبــك من أمــي
فلا تحسب حسين السبط ميتا حسين في جـــميل الذكر حـي

قال في كتاب كربلاء معلى في كلامه المتقدم في عمارة المشهد الحسيني: لم تكن كربلاء في العهد القديم تستحق الذكر وكانت قبل أن يفتحها المسلمون قرية حقيرة عليها مزارع وضياع لدهاقين من العجم، وكان سكانها أهل حراثة وزراعة وقلت كذلك إلى أن فتحها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب سنة 14 من الهجرة وكان الفاتح لها خالد بن عرفطة بأمر سعد بن أبي وقاص قائد جيوش المسلمين في حرب القادسية وقد صممت العرب أن يعلوها مركزاً للجيوش الإٍسلامية فلما رأوا وخامة هوائها وذبابها رحلوا عنها ونزلوا الكوفة، ولما رحلوا عنها قل شأنها وكادت تعفوا رسومها إلى أن حدثت الوقعة العظيمة التي أدهشت العالم الإسلامي وهي وقعة سيد الشهداء سنة 61 للهجرة فشاع ذكرها وأنتشر في الآفاق صيتها وأخذت في التقدم في أوائل الدولة العباسية، إلى آخر ما ذكر من مجابهتها الأخطار والكوارث وما عانته من نكبات وحوادث إلى يومنا هذا فتركناه لأنه يتعلق بتاريخ كربلاء في سائر أدوار عمرانها، وسيأتي كلام الشهرستاني في جوها ومناخها.
ليست كربلاء اليوم تشبه كربلاء القديمة لأن المحسنات الحديثة متواصلة تحسين مناخها وتعديل طقسها ومكافحة الحشرات المؤذية خصوصاً البعوض والذباب، وكربلاء القديمة قائمة بطبعها معتمدة على مناخها الأصلي فكانت لذلك رديئة وبيئة الجو وخيمة المناخ والهواء والتربة يكثر فيها البعوض والبق والذباب وأتخذها العرب الفاتحون من المسلمين مركزا حربياً بعد دحر الفرس في وقعة القادسية الشهيرة فكرهوا مناخها واستوبئوا طقسها واستوخموا جوها فأرتادوا موضع الكوفة فأختطوها وجعلوها معسكراً لهم وأتخذوها مدينة حصينة فقلت

(282)

لذلك أهيمة كربلاء من الوجهة العسكرية ولم يبقى بها إلا الحراث والزراع وصاحب الشاة والبقرة من قطانها الاصليين، ومن أنضم إليهم من غزات العرب الفاتحين ممن له رغبة في الزراعة وعمارة الأرض وتربية الماشية فعمرت فيها قرى ذات بساتين زيادة على ما فيها لأن مادة الري فيها غزيرة حيث يستقيها الفرات الأصغر المعروف بنهر العلقمي وهو شعبة من الفرات الأكبر وسيأتي ذكره.
أما كثرة الذباب في هذه المنطقة قديماً فقد قال الحموي في معجم البلدان(1): نزل خالد عند فتحه الحيرة كربلاء فشكى إليه عبد الله بن وثيمة النصري الذبان، فقال:

لقد حبست في كربلاء مـــطيتي وفي العين حتى عاد غثاً سمينها
إذا رحلت من منزل رجعت له لـــعـــمــر أبــيــهــا لا أهــينهـا
ويمنعها من ماء كل شريعـــــة رفاق من الزباب زرق عــيونـها

انتهى، هذا الذباب تعرفه عوام أهل البصرة بالزريجي لزرقة لونه ويكثر في وقت يعرف بالفويضة في آخر الخريف.
كربلاء بجيمع قراها ملك الحسين «عليه السلام»
اشتراها الحسين «عليه السلام» حين نزوله بكربلاء من أهلها وجعلها مدفناً له ولأصحابه وقفاً على شيعته وزواره.
قال فخر الدين الطريحي (رحمه الله) في مجمع البحرين(2): كربلاء موضع معروف وبها قبر الحسين بن علي «عليهما السلام» روي أنه «عليه السلام» اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم وتصدق بها عليهم وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام، إنتهى.
وهذا أمر معروف عند فقهاء الإمامية وقد رووه عن الأئمة الطاهرين «عليهم السلام» فهم لا يترددون في صحته ولا يرتابون في وقوعه.
فضل كربلاء وشرفها بالحسين «عليه السلام»
أيراد الأحاديث الواردة في فضلها يحتاج إلى مؤلف خاص وترك ايراد البعض منها أجحاف بها فنحن لذلك نورد البعض محذوف الأسانيد، عقد أبن
______________________
(1) معجم البلدان 7/326.
(2) مجمع البحرين: 514.

(283)

قولويه (رحمه الله) في كامل الزيارة(1) فصلاً مسهباً فيه حديث زائدة العظيم ومنعني من إيراده طوله.
ومن أحاديثه(2): عن الإمام حعفر الصادق «عليه السلام» قال: زوروا كربلاء ولا تقطعوها فإن الخير أولاد الأنبياء ضمنته، إلا وإن الملائكة زارت كربلاء ألف عام من قبل أن يسكنها جدي الحسين «عليه السلام» وما من ليلة تمض إلا جبرئيل وميكائيل يزورانه فأجتهد يا يحيى أن لا تفقد من ذاك الموطن، إنتهى.
يحيى راوي الحديث، ونزول جبرئيل «عليه السلام» صحيح، وما يروى من قوله لرسول الله (ص) هذا آخر هبوطي إلى الدنيا فقد كنت حاجتي فيها فمعناه واضح إنه نزول بالوحي حيث أنقطعت السفارة بموت خاتم الأنبياء محمد (ص) فلا وحي ينزل به، وينزل في غره من الأوامر الإلهية كما دلت عليه الأحاديث المروية من الطريقين الشيعة والسنة بأتفاقها على أنه ينزل مراراً منها أنه يرفع القرآن وأشياء ذكروها ليس هذا محلها، فلا ريب في نزول جبرائيل بغير الوحي.
وفيه(3): عن أمير المؤمنين «عليه السلام» قال: فقال رسول الله (ص): يقبر أبني بأرض يقال لها كربلاء هي البقعة التي كانت فيها قبة الإسلام التي نجى الله عليها المؤمنين الذي آمنوا مع نوح في الطوفان.
وفيه(4): عن الصادق «عليه السلام» قال: إن الله تبارك وتعالى فضل الأرضين والمياه بعضها على بعض فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت؛ فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لتركها التواضع لله تعالى حتى سلط المشركين على الكعبة وأرسل إلى زمزم ماءاً مالحا حتى أفسد طعمه، وإن أرض كربلاء وما الفرات أول أرض وأول ماء قدس الله تبارك وتعالى فبارك الله عليهما فقال لها: تكلمي بما فضلك الله فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض، فقالت: أنا أرض الله المقدسة المباركة؛ الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك ولا فخر على من دوني بل شكراً لله؛ فأكرمها وزاد في تواضعها وشكرها الله بالحسين «عليه السلام» وأصحابه.
ثم قال أبو عبد الله «عليه السلام»: من تواضع لله رفعه، ومن تكبر وضعه الله تعالى، إنتهى.
في أحاديث كثيرة ذكرها.
_______________________
(1) كامل الزيارة: ص269. (2) نفسه: ص269.
(3) نفسه: ص271. (4) نفسه: ص268.

(284)

منها ومضمون الأحاديث أنها ترفع بتربتها نورانية صافية فتجعل في أفضل روضة في الجنة وأفضل مسكن وأنها مسكن النبيين وأنها تزهر بين رياض الجنة كالكواكب الدري يغشى نورها ابصار أهل الجنة، الحديث بطوله نقلنا بعضه بالمعنى، وأجاد خطيب كربلاء الشيخ محسن أبو الحب بقوله:
يا كـــــــــربلاء لو لم تكوني بقعة ميمونة ما أخترت ذاك الطاهر الميمونا
يا كربلاء أصبحت محسود السما إذ صرت للعرش الـــعـــظـــيــم قرينـا
الطف أو طف كربلاء:
هذا الطف يمتد إلى جهات أُخرى ويصدق على الصقع كله، وفي العراق طفان: طف الكوفة وطف البصرة، أما طف البصرة فيمتد من شرقي قرية الشعيبة وقبر أنس بن مالك حتى ينتهي بقرية الخميسية أو بلدة الخميسية الواقعة في بر الشامية بادية العراق والتي تقع إلى شرق جنوب سوق الشيوخ ويفصل بينهما مستنقع (هور) ويجف ماؤه في الصيف عند أنحسار الماء وهذا الطف تسميه عوام هذا العصر بالجفة، والجفة هي ضفاف هذا المستنقع العظيم الذي يمتد من البصرة إلى سوق الشيوخ أو الناصرية لواء المنتفك ولك تسمية الجفة تنتهي قرب الخميسية.
وأما طف الكوفة وتسميه عوام هذا العصر بالطار فيمتد من قرية الشنافية أو بليدة الشنافية في بر الشامية ثم يمتد مجتازاً بالحيرة فالنجف الأشرف ويستمر مغرباً إلى عين التمر (شفاثة) ومن القطقطانة (والقطقطانة) بلسان العوام ينعطف إلى كربلاء.
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان(1): الطف بالفتح والطاء مشددة وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق، قال الأصمعي: وإنما سمي طفاً لأنه دنى من الريف من قولهم ما طف لك واستطف أي ما دنى وأمكن، قال أبو سعيد: سمي الطف لأنه مشرف على العراق من أطف على الشيء بمعنى أطل، والطف طف الفرات أي الشاطئ، والطف أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل الحسين بن علي «عليهما السلام» وهي أرض بادية قريبة من الريف فيها عدة عيون ماء جارية منها الصيد والقطقطانة والرهيمة وعين جمل وذوانها وهي عيون كانت للموكلين للمسالح التي كانت وراء خندق سابور الذي
________________________
(1) معجم البلدان 6/51.
(285)

حفره بينه وبين العرب وغيرهم وذلك أن سابور أقطعهم أرضا، يعلمونها من غير أن يلزمهم خراجاً، فلما كان يوم ذي قار ونصر الله العرب بنبيه (ص) غلبت العرب على طائفة من تلك العيون وبقي بعضها في أيدي الأعاجم، ثم لما قدم المسلمون الحيرة وهزمت الأعاجم بعد ما طمت عامة ما كان في أيديها منها وبقي ما في أيدي العرب فأسلموا عليه وصار ما عمروه من الأرض عشراً، ولما أنقضى أمر القادسية والمدائن وقع ما جلا عنه الأعاجم من أرض تلك العيون للمسلمين وأقطعوه فصارت عشرية أيضاً، وكان مجري عيون الطف وأعراضها مجرى أعراض المدينة وقرى نجد، وكانت صدقاتها إلى عمال المدينة فلما ولي إسحاق أبن إبراهيم بن سعد للمتوكل ضمها إلى ما في يده فتولى عماله عشرها وصيرها سوادية فهي على ذلك إلى اليوم ثم أستخرجت فيها عيون إسلامية وسميت عين جمل لأن جملاً مات عندها، وسميت عين الصيد لكثرة السمك الذي كان بها.
قال أبو دهبل الجمحي يرثي الحسين بن علي «عليهما السلام» ومن قتل معه بالطف:
مـــــررت على أبيات آل محمد فـــلـــم أرهـــا أمــثالها يوم حلت
فلا يبعد الله الديـــــار وأهــــلها وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
إلا إن قتلى الطف من آل هاشم أذلت رقاب الـــمــســـلـمين فذلت
وما فارس الأشفين بعد مراسـه وقد نـــهلت منه الرمـــاح وعلـت
وقال أيضاً
تـــبــيت سكاى من أمية نـــــوماً وبالطف قتلى ما ينام حميمهـا
وما أفسد الإسلام إلا عـــــصابة تأمر نوكاها ودام نــــعــيمهـا
فصارت قناة الدين في كف ظالم إذا اعوج منها جانت لا يقيمها
إنتهى كلامه ولم يذكر طف البصرة وذكره أبن عبد البر في الاستيعاب على هامش الإصابة(1): قال الحسن بن عثمان: مات أنس بن مالك في قصره بالطف على فرسخين من البصرة سنة 91 ودفن هناك الخ.
ومثله ذكر غيره ولم يكن مقصوداً لنا بالبحث وإنما غرضنا ذكر طف كربلاء وهو الذي قتل عنده الحسين بن علي «عليهما السلام» وهذا الطف الذي ذكرنا أنه
__________________________
(1) الاستيعاب بهامش الإصابة 1/73.

(286)

ينحدر من مسامته قرية الشنافية أو من فوقها كما هو الظاهر من كلام ياقوت أي يكون محاذيا لقرية الخضر شرقي بلدة السماوة يمر بخط فيه تعاريج بهذه المفازة من البادية كما حدثني من رآه وعاينه وإنه إذا بلغ وادي سلام الذي هو بين عين التمر وقصر بني مقاتل أشرف على كربلاء ويقرب منها بمقدار مرحلة أو أكثر قليلاً، وعلى هذا يصدق حقيقة على كربلاء نفسها منزل الحسين «عليه السلام» الأول فإنه أقبل على هذا الخط حتى تجاوز قصر أبن مقاتل فأنعطف إلى كربلاء، وأما إذا قلنا إن الطف شاطئ الفرات فيصدق على منزل الحسين «عليه السلام» الثاني الذي أنتقل إليه لأجل لياقته للدفاع وبه قتل.
وعلى كلا المعنيين أو الموضعين فقد جمع الطف على طفوف وقد سارت شهرته بالحسين «عليه السلام» كما سارت شهرة كربلاء وأكثر منه الشعراء كما سمعت في شعر أبي دهبل وإن كانت الأبيات الأُولى عند الجمهور إنها لسليمان بن قئة التيمي ونص عليها المبرد وغيره، وقد ذكر الطف أم كلثوم بنت أمير المؤمنين «عليهما السلام» في رثاء أخيها الحسين «عليه السلام» بقولها من أبيات:

ألا أبــــــلــــــغ رسول الله عـــــــنــــا بـــأنا قد فجـعنا في أخينا
وإن رجالنا بالطف صـــــــــــــــرعى بلا دفن وقد ذبحوا البنينا
ورهطك يارسول الله أضـــــــــــــحوا عرايا بالطفوف مسلبينـا
وقالت أختها الحوراء زينب الكبرى «عليها السلام» من أبيات:

على الطف السلام وســـــاكنيه وروح الله في تلك القــــبـاب
نفوس قدست في الأرض قدسا وقد خلقت من النطف العذاب
مضاجع فتية عبدوا فـنـامـــوا هجوداً في الفدافد والروابــي
علتهم في مضاجعهم كــعــاب بأردان مــنـعــمــة رطــــاب
وصيرت القبور لهم قــصورا مناخاً ذات أفنــيــة رحـــــاب
وقال السوسي شاعر أهل البيت:

أأنسى حسيناً بالطفوف مجدلاً ومن حوله الأطهار كالأنجـم الزُّهرُ
أأنسى حسيناً يوم سير برأسـه على الرمح مثل البدر في ليلة البدر
وقال العوني الشاعر فيهم:
فيا بضعة من فؤاد النبي بالطف أضحى كئيناً مهيلاً

(287)

ويا قطعة من فؤاد البــتول بالطف ثلت فأضحت أكيلا
قتلت فأبكيت عين الرسول وأبكيت من رحمة جبرئیلا
وقال ابن جمال :
أرى الــــصـــبــر يفنى والهموم تبيد وجـــسـمـي يــبـــلى والـسـقــام جدید
وذكـــــرنـــي بالنوح والحزن والبكا غــريـــب بأكــنـاف الطفوف فــریــد
عطاشى على شاطي الفرات فما لهم ســبــيــل إلــى قــرب الـمـيـاه ورود
لـــقـــد صـــبـــروا لا ضــــيـــع الله صبرهم إلى أن فنوا من حوله وأبيدوا
وقال الخليعي:
ما عذر مــــثلي يوم عاشورا إذا لـــم أبكِ آل محمد وأنـــــوح
أم كيف لا أبكي الحسين وقد غدا شلوا بأرض الطف وهو ذبیح

وقال السيد المرتضی:
إن يوم الطف يوما كان للدين عصيبـــا
لم يدع للقلب منــي في المسرات نصيبـا
لــــعـــن الله رجالا ملأوا الدينا عیوبـــا
سالموا عجزا فلمـا قدورا شنوا الحروبا
طـــلـبوا أوتار بدر عندنا ظلما وحوبــــا

وقال العلامة الطباطبائي بحر العلوم:
لهفي على الآل صرعى بالطفوف وما غير العليل بذاك اليوم سالمه
حــــزن طـــويـــل أبـی أن ينجلي أبدا حتى يقوم بأمر الله قــــائــمه

وهو كثير في شعر من رثاه من شعراء الإنس، وقد ورد في مراثیه من شعر شعراء الجن، حدث ابن قولويه في كامل الزيارة والشيخ الطوسي في الأمالي - ولفظه للأول(1)-: عن الميثمي قال : خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصرة الحسين ابن علي «عليهما السلام» فمروا بقرية يقال لها شاهي إذ أقبل عليهم رجلان شیخ وشاب فسلما عليهم، فقال الشيخ: أنا رجل من الجن وهذا ابن أخي أردنا نصرة هذا الرجل المظلوم، قال: فقال الشيخ الجني: قد رأيت رأيا، فقال الفتية
___________________
(1) کامل الزيارة : ص۹۳.

(288)

الإنسيون: وما هذا الرأي الذي رأيت؟ قال: رأيت أن أطير فأتیکم بخبر القوم فتذهبون على بصيرة.
فقالوا له: نعم ما رأيت، قال : فغاب يوم وليلة فلما كان من الغد فإذا هم بصوت يسمعونه ولا يرون الشخص وهو يقول:

والله ما جئتكم حتی بصـــرت به بــــالطف منعفر الخدين معفورا
وحوله فتية تدمی نحورهمـــــوا مثل المصابيح يملأن الدجی نورا
وقد حثثت قلوصي كي أصادفهم من قبل أن يلاقوا الخرد الــحورا
كان الحسین سراج يستضاء بــه الله يعــــلم أنـــــي لــــم أقل زورا
مجاورة لرسول الله في غــــرف وللــبـتـول وللـطيار مــــســـرورا

ومن شعر الجن ورواه في كامل الزيارة :
لمن الأبيات بالــ ـطف علی کره بنینه
تلك أبيات حسین يتجاوبن الرنـــيـــنه

ويكفي هذا فإن الإكثار ملل، والإسهاب خلل، ومن التقط ملا عيبته.
حائر الحسين «عليه السلام» وتحديده
الحائر الحسيني وكثيرا ما يطلق على كربلاء بأسرها وكم نسبوا رجلا من سكان كربلاء بالحائريين وهذا الحائر المقدس يختلف الفقهاء في تحديده ومقدار مسافته سعة وضيقاً.
فمن الفقهاء من حدد الحائر بما ضمته جوانب قبته الشريفة من جوانب مرقده المقدس دون الأروقة والجوامع التي هي خارج القبة أي ما بين البابين الداخل والخارج وهي المعروفة بالحضرة الشريفة .
ومنهم من أدخل الأروقة والجوامع في الحائر دون الطارمة والصحن الشريف .
ومنهم من أدخل الصحن الشريف في حدود الحائر.
ومنهم تجاوز ذلك فأدخل البلدة بأسرها في حدود الحائر .
ومنهم من لا ينتهي حتى يرى حد الحائر فرسخا من كل جانب ولم ينتهي بعضهم في تحديده بدون خسمة وعشرين ميلا من الجهات الأربعة، ويزيد بعضهم على هذا التحديد.

(289)

ومنشأ هذا الاختلاف هو اختلاف الروايات وسنذكر بعضها إن شاء الله .
ويترتب على هذا الاختلاف أحكام شرعية منها مسألة التبرك بطينه والأستشفاء بتربته والسجود عليها ومنها مسألة القصر والإتمام فإن الفقهاء اختلفوا في حكم الصلاة في الحائر الحسيني كما هو مورد الروايات فأفتى بعضهم بوجوب الإتمام في الحائر الحسيني والمشهور قالوا بالأستحباب، وأختلفوا فمنهم من رجح القصر ومنهم من رجح الإتمام مع القول بالتخيير، وذهب فريق إلى عدم الترجيح فهو يثبت التخيير فقط.
ومن المسائل الفقهية الراجعة للحائر المقدس حرمة نجاسة تلك التربة متصلة ومنفصلة .
وعلى قول من أتسع في تحديد الحائر تحريم الإبريق المعمول من طين کربلاء في غيرها من البلاد، أما فيها فيجوز لأنه يلزم من تحريمه الحرج والعسر وغير هذه من المسائل التي حررها الفقهاء في كتب الفقه .
أما الروايات في تحديد حائر الحسين فقد نبهناك إنها كثيرة ووعدناك بإيراد بعضها، فقد روى ابن قولويه في كامل الزيارة(1) عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال : حرمة قبر الحسين «عليه السلام» فرسخ في فرسخ من أربع جوانبه .
وعنه «عليه السلام»(2)قال: حرم قبر الحسين «عليه السلام» خمس فراسخ من أربع جوانب القبر .
وعن إسحاق بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله - يعني الصادق «عليه السلام»- يقول: لموضع قبر الحسين «عليه السلام» حرمة معلومة من عرفها وأستجار بها أجير، فقلت: صف لي موضعها جعلت فداك، قال : أمسح من موضع قبره اليوم فأمسح خمسة وعشرين ذراعا من ناحية رجليه، وخمسة وعشرين ذراعا مما يلي وجهه، وخمسة وعشرين ذراعا من ناحية رأسه، وخمسة وعشرين ذراعا من خلفه وموقع قبره منذ يوم دفن فيه روضة من رياض الجنة ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زواره إلى السماء فليس ملك ولا نبي في السماوات إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين «عليه السلام» ففوج ينزل وفوج يعرج.
وعن عبد الله بن سنان عنه «عليه السلام» قال: سمعته يقول: قبر الحسين
_____________________________
(1) کامل الزيارة: ص ۲۷۱. (۲) نفسه : ص ۲۷۲.

(290)