موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

تكملة الخاتمة

الحسين «عليه السلام» ضعفا وما أورثهم وهنا بل زادهم نشاطا وأورثهم قوة عزيمة، أضف إلى هذا البلاء الابتلاء بصراخ النسوة وضجيج الاطفال حولهم وهم أهل رقة ودين وعطف وحنان وغیاری أحرار العرب ولهذا أثره البالغ في نفس الحر المتحمس والمتدين المتصلب ومشغلة وملهات للشجاع المحارب عن التفكير في خططه الحربية هجومية ودفاعية وهذا مما يبتلى به البدريون.
وأضف إليها مقاسات العطش والماء ضروري للحياة البشرية حيث منعوا الماء الذي لم يمنع منه أصحاب النبي (ص) و في ملحمة بدر وإنما هم قد هابوا الدنو منه فسقاهم أمير المؤمنين «عليه السلام» في تلك الفلات المحرقة يقاسون حرارة الشمس وحرارة الحديد وحرارة السموم وقد حرست الشرایع بقوة الجيش المعادي ولم يتفرغوا لحفر الآبار ولم تمطرهم السماء وما استلبوه من الماء بقوة البطولة وسطوة الرجولية إذا كسحوا الحرس المتراص على الشرایع فقد آثروا به الضعفاء من الأبناء والنساء والعبيد لأنهم عرب أهل إيثار ومسلمون أهل مواسات فأضر بهم العطش وحال بينهم وبين السماء كالدخان لأن الوقت هجير والزمن قائظ والمفازة ترمي بشواظ سمومها کشعل النار حتى حمى الحديد عليهم فعاد کالجمر المتوقد وصارت الرمضاء توقد أفران حصاها فتلتهب وما أوهن ذلك عزائمهم ولا زعزع ثباتهم بل زادهم ثباتا وعزماً وبجميع هذا يفضلون على شهداء بدر وأحد، وإذا فضلوا على هؤلاء فهم بلا ريب أفضل من جميع الشهداء، فإذن الشاعر صادق بقوله في خير أنصار، قال هذا الشاعر بعده:

فرقي على نهر الجزارة هيكـل أنجبن فيه نتائج الميـــــــــمون
منقلدة عضبا كأن فرنـــــــــــده نقش الأراقم في خطوط بطون
وأغاث صبيته الظمأ بـــــمزادة من ماء مرصود الوشيج معين
حتى إذا قطعوا عليه طريـــــقه بسداد جيش بارز وكـــــــــمين
فثنی مکردسها نواكص وأنثنى بنفوسها سلباً قرير عيــــــــون

الأبطال فريقان: فريق غاية أنفسهم ومنتهی جذلهم وتکامل مسرتهم بإسلاب قتلاهم فهم يستلبون ثيابهم وأسلحتهم وهذا مذهب أكثر رجال الحروب وكثير من كنا نسمع في سير الأبطال وقصصم التاريخية صدى هذه الفعلة فيقولون قتل فلان فلاناً وأخذ سلبه أو نفله الأمير سلبه، ويقولون: أشترك فلان وفلان في قتل فلان وتنازعا في سلبه وأختصما إلى الأمير فأصلح بينهما بأن دفع السلب لفلان وأرضى

(423)
صاحبه، هذا كثير في أقاصيص التاريخ وهنا قصة نوردها.
قال إسحاق كما في سيرة ابن هشام(1) في حديث حنين عن أبي قتادة الأنصاري قال: رأيت يوم حنين رجلان يقتتلان مسلماً ومشركاً، قال: وإذا برجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم، قال: فأتيته فضربت يده فقطعتها وأعتنقني بيده الأخرى فوالله ما أرسلني حتى وجدت ریح الدم -ویروی ريح الموت- وكان يقتلني فلولا أن الدم نزفه لقتلني فسقط فضربته فقتلته واجهضني عنه القتال ومر به رجل من أهل مكة فسلبه، فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم قال رسول الله (ص): من قتل قتيلا فله سلبه، فقلت: يا رسول الله! والله لقد قتلت قتيلا ذا سلب فأجهضني عنه القتال فما أدري من استلبه! فقال رجل من أهل مكة: صدق یا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه عني من سلبه ، فقال أبو بكر: لا والله لا يرضيه منه تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن دين الله تقاسمه سلبه، أردد عليه سلب قتیله، فقال رسول الله (ص): صدق أردد عليه سلب قتيله، فقال أبو قتادة: فأخذته منه فبعته، الخ.
أبو قتادة بن ربعي الأنصاري فارس من فرسان رسول الله وفرسان أمير المؤمنين «عليه السلام» في حروبهما.
وفريق من الأبطال لا لذة لهم ولا أنس إلا بسلب نفوس الأقران وأرواح الكماة دون سلب النسيج والحوك، وفرق بين مبتهج بسلب النفوس من الأحياء وفرح جذلان بنزع ثياب الأموات، وهذا رأي الأعفاء الأباة الأمجاد النجباء أرباب الهمم العالية والأقدار الخطيرة فإنهم يترفعون عن ذلك المحقر في نظرهم وإن كان مرموقة عند غيرهم، قال أبو تمام الطائي في ممدوحه:

إن الأسود أسود الغاب همتها يوم الكريهة في المسلوب لا السلب

أستعاره الحاج هاشم الكعبي في تأبين سيد الشهداء الحسين بن علي «عليهما السلام» لأنه أحق به من ممدوح الطائي ومادحه بذلك صادق قطعة وقد يكذب الطائي في ممدوحه:
لا يسلب القرم إذ یردیه بزته والليث همته المسلوب لا السلب

هذه شيمة أبيه أمير المؤمنين «عليه السلام» وسجينه في حربه وهو أول مؤسس لها من العرب وسان لها في حروبه قتل كبش الكتيبة العبدري طلحة بن أبي
___________
(1) سيرة ابن هشام ۳/ ۲۷6.

(424)

طلحة القرشي يوم أحد فلم يسلبه، وقتل عمرو بن ود العامري القرشي يوم الخندق وهو بطل الأحزاب فلم يسلبه ما عليه من الملابس الفاخرة ولا درعه الداودية الثمينة، وليم على ذلك فقال في الأول: کرهت أن أعري ابن عمي وعطفتني عليه الرحم.
وقال في الثاني: إن مثلي لا يسلب مثله، يشير «عليه السلام» إلى شرف نفسه وعلو همته، وإن الغاية عنده من القتل ليست هي امتلاك الملابس بل له غاية شريفة ومقصد نبيل أسمى من مقاصد الأبطال كما أنه يشير إلى أن المقتول من الأشراف ولا ينبغي للشريف أن يعري من ملابسه ولا تسلب آلته مهما بلغ ثمنها، وعلى هذا جرى في جميع حروبه، فما هو إلا أن يقتل قرنه وينصرف عنه تاركا سلبه لمن أراده وأستن به أولاده الكرام الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس الأكبر كلهم لا يسلبون قتلاهم، وما حدثنا التاريخ عن واحد منهم أنه أخذ سلب قتیل.
لكن الكوفيين الأجلاف الذين شاهدوا هذه الفعال الشريفة قابلوها بالضد فسلبوا الحسين والعباس «عليهما السلام» ما عليهما من الملابس، أما سلب العباس «عليه السلام» فكان عند حکیم بن الطفيل الكائي السنبسي وزيد بن رقاد المذحجي الجنبي وحرملة ابن الكاهن الأسدي وزرعة بن شريك التميمي الدارمي الأباني، وأما سلب الحسين «عليه السلام» فسراويله عند أبحر بن کعب وكانت محققة يلمع فيها البصر، يمانية محققة سلبها أبحر بن کعب من بني تيم الله بن ثعلبة من ربيعة.
قال الطبري: إن يدي أبحر بن کعب كانتا في الشتاء ينضحان الماء وفي الصيف يیبسان كأنهما عود.
وقطيفته سلبها قيس بن الأشعث الكندي وكانت من خز فعيب بذلك وسمي قيس القطيفة، ونعلاه سلبهما رجل من بني أود من مذحج يسمى الأسود سود الله وجهه في الدنيا والآخرة، وسيفه أخذه رجل من بني نهشل بن دارم من تميم لم بسمه الطبري، ورفع السيف بعد ذلك إلى أهل حبيب بن بديل، وبرنسه أخذه مالك بن النسر البدي من كندة ، وقميصه أستلبه إسحاق بن حيوة الحضرمي من كندة، وعمامته أخذها أخنس الحضرمي.
قال الطبري: إسحاق بن حيوة برص بعد ذلك، وإن أخنس جائه سهم غرب بعد ذلك ففلق قلبه فمات.
درعة البتراء استلبها عمر بن سعد وقيل مالك بن النسر فصار مجنوناً،

(425)
وخاتمه أستلبه بجدل بن سليم الكلبي قطع الأصبع مع الخاتم وهذا أخذه المختار فقطع يديه ورجليه فتركه يتشحط في دمه حتى هلك، وفي رواية: إن الذي أستلب السيف هو جميع بن الخلق الأزدي، تكته وكانت ثمينة سلبها الجمال الذي صحبه من المكارية.

ودعته أسرار القضا لشهـــــادة رسمت له في لوحها الـــمكنون
حسموا يديه وهامه ضربوه في عمد الحديد فخر خير طـــــعين
فمشى إليه السبط ينعاه كسـرت الآن ظهري يا أخي ومعينـــــي
عباس کبش كتيبتي وكنانــــتي وسري قومي بل أعز حصوني

نعم، قد يكون الأخ الناصح المشفق وابن العم المصافي المخلص عند الرجل أوثق من سهامة التي في كنانته، ويخصون السهام التي في الكنانة دون سائر السلاح لأنها هي التي يرمي بها الغرض الأقصى والهدف الأبعد فتصب أهدافها وتصل إلى أغراضها المستهدفة لها، وقد قال عبيد الله بن زياد بن ظبيان التيمي تيم ربيعة وكان من رجال بكر بن وائل وأبطالها في عتاب له مع مالك بن مسمع سید بكر بن وائل بل عظيم عرب البصرة: أنا أوثق سهم في كنانتك، وقالت بنو حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم ليزيد بن مسعود النهشلي حين دعاهم لنصرة الحسين بن علي «عليهما السلام» فيما رواه السيد ابن طاوس في الملهوف: نحن نبل کنانتك إن رمیت بنا أصبت.
وكبش الكتيبة تقدم، وسري القوم وهو سيدهم وقال الله تعالى لمريم ابنة عمران: (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)(۱) أي سيدة لأنه سماه في آية أخرى سيدة بقوله: (وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)(2) وتقول العرب في الوصف: كان فلان سريا نبيلا وبجمع على سرات وسروات.
أما الحصن، وهو البناء المحكم القوي المانع لمن التجا إليه، ويقال له: القلعة والمعقل والبرج، وقد يطلق على القصر وإن لم يكن حربياً ولكن شهرته في الموضوع للتحصن عند الحرب ومن المعلوم أن المنعة بالحصون المعاقل في المهاجمات والغارات أمر محتوم حيث كانت الأمم في الأزمنة القديمة والمتوسطة حروبها بالأسلحة البسيطة السيوف والرماح والنبال، وكانت العرب لا تعرف الحصون إلا في حواضرها فلا حصون لها ولا معاقل وإنما هي للفرس، والرومان
___________
(1) مریم: ۲4. (۲) آل عمران: ۳۹.

(426)

وبقية الأمم الأعجمية ومن جاورهم من عرب الأرياف كال المنذر وآل جفنة وبعض الحواضر التي تقطنها اليهود وتبع العرب جيرانهم فيها كالمدينة يثرب وصنعاء وسبأ في اليمن وسائر عرب البادية حصونها ظهور خيلها، ومعاقلها متون رواحها.
فموقف العباس «عليه السلام» أمام أخيه الحسين «عليه السلام» قد كان حصنا من أمنع الحصون بعزمه، ومعقلا من أحرز المعاقل بثباته فهو بشجاعته قلعة حصينة لمن كان تحت رعاية الحسين «عليه السلام» وإعالته من النسوة وسائر الضعفاء فلم يجسر بطل من الأبطال على الدنو من ناحية المخيم، وأبو الفضل حي بحمل السيف فكان الحسين «عليه السلام» واثق بحمايته مطمئن بحراسته معولا على كفائته في القيام بحفظ من في الخيام والمعسكر بأسره وما أحتاج إلى حراسة المخيم بنفسه إلا عند فقد أخيه العباس «عليه السلام».

يا ساعدي في كل معترك بـــــه أسطو وسيف حمایتي بيميـــني
لمن اللوى أعطي ومن هو جامع شملي وفي ضنك الزحام يقيني
أمنازل الأقران حامل رایـــــــتي ورواق أخبيتي وباب شـــؤوني
الك موقف بالطف أنسى أهلــــه حرب العراق بملتقى صـــــفين

قد صرحت الحقيقة ونطق لسان الصدق بأن واقعة الطف نسخت ذكر واقعة صفين العظيمة التي بادت بها العرب وفني فيها الجيشان المنطاحنان، ورجحت فيها كفة أبطال العراق على أبطال أهل الشام وإنما نسختها حادثة كربلاء لأمور أفترقت فيها الموقعتان مع تعظيم الواقعة الطفية على الواقعة الصفينية وكلاهما على شاطئ الفرات الشمالي الغربي :
(1) تكافؤ الجيشين بصفین عددا .
(۲) اتصال الإمداد بجيش أهل العراق بصفين وأنقطاعه عن جيش الطف.
(۳) أسباب الغذائية والمؤن مهيأة لأهل صفین ممنوعة على أهل الطف، وفرق بين من كانت المواد الغذائية والمؤن موفرة عليه وبين من منع منها وأنقطعت عنه بسببب الحصار.
(4) سلطنة الشريعة لجيش أهل العراق وهم المالكون للماء ويتصدقون به على اعدائهم ويوم الطف كانت الشريعة تحت سلطة الجيش المعادي والماء ملك لهم ولم يسمحوا لجيش الحسين «عليه السلام» ولا للرضيع الصغير ولو بقطرة،

(427)

وفرق بين من يحارب ریانا ممتلئة وبين من يقاتل عطشانا ساغباً .
(5) إن جيش العراق بصفين يعد بالألوف ويضم نخبة الأبطال، وجيش الحسين «عليه السلام» يوم الطف يعد بالآحاد وذاك الجيش المؤلف من ألوف الأبطال قد أنهارت صفوفه في بعض الأيام أمام صدمة الشاميين وأخلي مراكزه لهم مع كثرة العدد وقوة الحامية ورجوعهم إلى قيادة أعظم القواد في العالم العربي الإسلامي كقیس بن سعد بن عبادة وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ومالك بن التيهان ذي السيفين وبشير بن عمرو بن محصن أبي عمرة وسهل وعثمان أبني حنيف وأبي قتادة بن ربعي والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وأبي فضالة البدري وغيرهم من حماة الأنصار ومن حماة المهاجرين مثل عمار وابن بديل وابن صرد وابن حاتم والمرقال وأبي الطفيل وغيرهم، ومن حماة التابعين مثل الأشتر والقعقاع والأحنف وجارية ابن قدامة وعمير بن عطارد و حریث بن جابر وشقيق بن ثور وكردوس بن هاني وأمثال هؤلاء، ولولا ثبات هؤلاء الأمراء في مراكزهم مع زمرة قليلة من أهل الحياء والدين لما وقف المنهزم العراقي دون الكوفة كما كان ذلك في أهل الشام وصل منهزمهم دمشق وفي الطليعة من هؤلاء عتبة شقيق الأمير معاوية بلغت هزيمته عشرين فرسخا من صفين إلى دمشق.
وأصحاب الحسين «عليه السلام» وعلى رأسهم العباس الأكبر «عليه السلام» مع قلتهم وما أحاط بهم من الأرزاء والمحن قد أزدادت بصيرتهم وزاد ثباتهم وقوي عزمهم وعظمت صولتهم وبانت نکايتهم في الأعداء وحتى قال بعض أعدائه لمن لأمه في حربهم: ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها لو ونينا عنها ساعة لأتت على الجمع بحذافيره ولم نسمع بأن رجلا منهم زال عن موقفه إلا تقدماً ولا تأخراً إلا منتهزاً فرصة في عدوه.
وذكر الطبري وابن الأثير في تاريخهما أن جيش عمر بن سعد أقتطع أربعة نفر من جيش الحسين «عليه السلام» وأحاط بهم من كل جانب، وأن العباس «عليه السلام» شد فاستنقذهم فأبوا أن يرجعوا إلى معسكر الحسين «عليه السلام» فأستقدموا ثانية مصلتين بأسيافهم حتى قتلوا ربضة واحدة في مكان واحد، وأقتطع جيش أهل الشام ألفا من أهل العراق فشد أمير المؤمنين «عليه السلام» وأستنقذهم سالمين فرجعوا إلى معسكرهم.
وكل هذه فوارق توجب أن تنسى لها واقعة صفين وإن كانت في تاريخ العرب الإسلامية هي أم الوقائع لأن من أستنقذ مع كثرة الجراحة والإشراف على

(428)

الموت وشم نسیم الحياة وأستنشق عرف النجاة ثم لا يرضى إلا بالإقدام على الحنف الذي نجا منه والرجوع إلى الموت الذي خلص من مخالبه التي كاد أن ينشبها فيه لحري بجميل الأحدوثة جدير بالثناء الخالد، وكذلك سبيل من يشد وحده على جيش عظيم العدد قوي العدد ملقيا درعه ومغفره، مصحرا للعدو حاسراً، يفضل على من ظاهر بین در عین وجعل المغفر فوق المجن، وأعتصم بالدرقة ولم يحمل إلا في جمع من نخبة الأبطال وخيرة الشجعان .
فإنك لتجد الفارقة بين صولة الشاكري بعد ما ألقى الدرع والمغفر وصال حاسراً ومفرداً يطرد أكثر من مائتي بطل من أهل الكوفة يسوقهم أمامه سوق الأغنام وبين مشاهير أبطال صفين الذين هم رجال الدنيا وقد طبقوا العالم شهرة کابن بديل والأشتر والمرقال لا يشد الواحد منهم إلا في عصابة من الأبطال أو معتب من الفرسان مندرعاً مستلثماً بالحديد لا تبين منه غير الحدقة، وبعضهم بظاهر بین درعین .
وكما كان الشاكرين يصول بدرع من عزمه كان العباس «عليه السلام» يشد بجنة من بأسه وينفرد بالحملة فيهجم على جيش عمر بن سعد ليس معه إلا السيف الصارم والرمح الذي عقد به اللواء فلا يقف حتى يشق الصفوف منتهية إلى المعسكر الرئيسي أو واردة المشرعة.

أو لست تسمع ما تقول سكينة عماه يوم الأسر من يحمني

هذا آخر القصيدة وإنما كان هذا الخطاب متوجهاً إليه من سكينة لأنه «علیه السلام» هو المتكفل بحماية ظعن الفواطم وحراستهن منذ سار الحسين «عليه السلام» من مدينة الرسول حتى انتهى إلى كربلاء فكن جميعا تحت ظل حمایته وحيث فقدنه لا يأمن الأسر فوجهن الخطاب إليه بلسان سكينة لأنها العزيزة عليه حيث أنها عزيزة الحسين «عليه السلام» وكن على يقين من أنه سيلحق الحسين «عليه السلام» بمن مضى من أصحابه فالأسر والذل مطل عليهن فهن يندبن الكفيل ويعاتبن المتعهد بالحماية أولی.
وقال السيد جعفر الحلي من قصيدة حسينية رثى العباس «عليه السلام» في آخرها فقال:

حتى إذا اشتبك النزال وصرحت صيد الرجال بما تجن وتـکتم
وقع العذاب على جيوش أميـــــة من باسل هو في الوقائع معلم
ما راعهم إلا تقحم ضیغـــــــــم غيران بعجم لفظه ويدمـــــدم

(429)

دلت التجارب العربية أن البطل الشجاع تعتريه في شدة البأس حالات لا تعتريه في أوقات المسالمة:
منها أنها إذا تقارعت الأبطال أشتد به الغضب إلى حد لا يكاد يبصر ما بين يديه وهذه صفة أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب ولهذا السبب بعينه أختار قتله وحشي عبد جبير بن مطعم النوفلي وقد جعل له عتقه إن أصاب النبي أو علية أو حمزة، فقال: أما محمد فلا سبيل إليه لأن أصحابه محدقون به إحداق الهالة بالبدر، وأما علي فلا مطمع فيه لأنه أجرأ من ليث وأحذر من غراب وأروغ من ثعلب، ونظره إلى خلفه كنظره إلى قدامه، ولكني سأرصد حمزة فإن رجل شجاع شديد البطش لكنه إذا غضب لم يبصر.
ومنها أن الشجاع إذا أشتد تكادم الأبطال يصير كلامه همهمته کهمهمة الأسد المغضب وتسمى غمغمة وهي الدمدمة التي عناها الحلي ولا تكون الهمهمة إلا عند شدة القراع إذا حمي وطيس الحرب فتبدوا عند ذلك من الشجاع البطل كلمات غير مفهومة، إما لأنه من شدة الغضب لا يقدر على الإتيان بالكلام الفصيح أو لا يستطيع من الغيظ استخراج الكلام المفهوم أو يندهش لحراجة الموقف عن الإفصاح والتأدية المفهومة .
قال نصر بن مزاحم في كتاب صفین(۱) في قصة أيام الهرير: قال أصحاب معاوية: لا نبرح العرصة حتى يفتح الله لنا أو نموت، وقال أصحاب علي «عليه السلام»: ما نحن بتاركي العرصة حتى يفتح الله لنا أو نموت، فبادروا القتال غدا يوما من أيام الشعري طويلا شديد الحر فتراموا حتى نفذت النبل ثم تطاعنوا حتى قصفت رماحهم ثم نزل القوم عن خيولهم فمشى بعضهم إلى بعض بالسيوف حتى کسرت جفونها وقامت الفرسان على الركب ثم أضطربوا بالسيوف وبعمد الحديد فلم يسمع السامع إلا غمغمة القوم الخ، وقد قال شاعرهم:

وكان تكلم الأبطال رمزا وغمغمة لهم مثل الهدير

قال الحلي:
عبست وجوه الناس خوف البـــــــــــأس والعباس فيهم ضاحك متبــــسم
قلب اليمين على الشمال وغاص في الأ وساط بحصد بالرؤوس ويحطم
وثني أبو الفضل الفوارس نكـــــــــصاً فرأوا أشد ثباتهم أن يهزمـــــــوا
_________
(1) وقعة صفين : ص۲5۸.

(430)
ما كر ذو بأس له متقدماً إلا وفرو رأسه المتقدم

ربما يتخيل المتخيل عند قراءة هذا البيت أن العباس الأكبر «عليه السلام» قد خالف سيرة أبيه وأخويه وسجية حماة أسلافه الهاشميين في أقتفائه المنهزم وطلبه للمدبر وإتباعه للمولى هارباً كما يفهمه هذا الشاعر، وعادة من ذكرنا من أهل هذا البيت لا يتبعون المدبر ولا يذففون على جريح وقد كان أبوه أمير المؤمنين لا يجهز على الجرحى ولا يلح في إدبار المنهزمين وكان يوصي أمرائه وقواده بذلك عملا بقاعدته وسيراً على خطته وأخذا بمنهاجه فلم يجهز على عمرو قائد الأحزاب ولا على طلحة كبش الكتيبة، وفر منه يوم الخندق ضرار بن الخطاب الفهري وهبيرة ابن أبي وهب المخزومي فلما طلبهما وكذلك سيرته يوم البصرة وصفين والنهروان، فيظن من لم يتعمق في معاني الاشعار أن العباس «عليه السلام» قد خالف هذه الطريقة فليس الأمر كما ظن وإن أقتضاه موقف العباس «عليه السلام» الضيق ومقامه الصعب بل حقيقة الأمر أن العباس «عليه السلام» كان يضرب رأس البطل على موضع الفصل من الجثة وهو الرقبة فيبقى ثابتة على الجثة لسرعة الضربة وخفة الساعد وحدة السيف فيفر القتيل بحر الجرح فيسبقه الرأس متقدمة الجثة إذا اندر بالحركة، وأما الفارس فتفر به الفرس ويندر الرأس عن الجثة بالحركة فيقع متقدمة، ومعروف لحد الآن أن المجروح يتقدم بحرارة الجرح ولو يسيراً، والعوام يقولون «فلان نقل بحر الصواب» فيموت في غير موضعه إلا من أصيب في مقتل فإنه يقع في مكانه وهكذا نرى الطير المذبوح وينفصل رأسه عن الجثة ويتحرك بحركة سريعة ينتقل بها عن موضع الذبح.
وقد روى لنا نصر بن مزاحم(1) عن أبي روق الهمداني عن أبيه عن عم له يدعى أبا أيوب قال: حمل يومئذ أبو أيوب على صف أهل الشام ثم رجع فوافق رجلا صادراً قد حمل على صف أهل العراق ثم رجع فأختلفا ضربتين فنفحه أبو أيوب فأبان عنقه فثبت رأسه عن جسده كما هو، وكذب الناس أن يكون هو ضربه وأرابهم حتى إذا دخل في صف أهل الشام وقع ميتاً وندر رأسه، فقال علي «عليه السلام»: والله لأنا من ثبات رأس الرجل أشد تعجبا مني لضربته وإن كان إليها ينتهي وصف الضارب، وغدا أبو أيوب إلى القتال، فقال له علي: أنت كما قال القائل:

وعلمنا الضرب آباؤنا وسوف نعلمه أيضا بنينا
___________
(1) وقعة صفين: ص۱۳۸.

(431)

فهذا هو الذي يفهمه الشعر ويدل عليه لا أنه خالف سيرة أسلافه في أتباع الهاربين حتى أنه إذا ضرب المنهزم على رقبته سبق الرأس الجثة بالسقوط وإن أراده الحلي فلا ريب أنه قد قصر إنما يمدح غير العباس «عليه السلام» بهذا واللائق بمقامه هو ما ذكرنا.

صبغ الخيول برمحه حتى غدا سيان أشقر لونها والأدهم
ما شد غضباناً على ملمومـــة إلا وحل بها البلاء المبرم
وله إلى الإقدام سرعة هارب فكأنما هو بالتقدم يـــــسلم

هذا البيت مأخوذ من قول الشاعر الحماسي القديم:

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن تتقدما

وأصل ذلك قول الحارث بن عباد فارس النعامة رئيس بكر بن وائل في بعض أيام البسوس قد يصاب الجبان في آخر الصف وينجو مقارع الأبطال.
وإنما كان التقدم في الحرب أقرب إلى السلامة والتأخر ادعي إلى العطب لأن تقدم البطل الشجاع يودع في نفوس الكماة هيبة له ورهبة منه فهم لا يجرأون على الدنو منه ويهابون الإقدام عليه فإذا كانت الحال هذه كان إلى السلامة أقرب من الهياب، بل مظنة السلامة فيها قوية جدا بخلاف المتأخر فإنما يظن به الجبن فتأخر بوجب الجرأة عليه فكان إلى العطب أقرب فإذا كان البطل مقدمة على الأقران وجب أنحياز الكماة عنه ليغتنموا بفرصة التقهقر عنه غنيمة الحياة .
وقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» يتقدم الصفوف منقطعاً بنفسه فإذا أبصرته الأبطال حادت عنه يمنة ويسرة ويوصي بعضهم بعضا إياك أن تلقى ابن أبي طالب فإنه ما بارزه أحد إلا وسقى الأرض من دمه وهذا حيث أوصى معاوية بن أبي سفيان مولاه حريثا فارس أهل الشام قائلا: يا حریث أتقي علياً وضع رمحك حيث شئت فخدعه عمرو بن العاص فبارز علياً «عليه السلام» فقتله، وفي قصته يقول: وخرج علي أمام الخيل، فراجعها في كتاب نصر.
وفي حديث بسر بن أبي أرطاه يقول: وغذا علي «عليه السلام» منقطعة من خيله ومعه الاشتر، القصة أيضا عند نصر(1).
وأبو الفضل هو أبن ذاك الذي لا نظير له في الأمة الإسلامية وله كما لأبيه
_____________
(1) وقعة صفين / نصر بن مزاحم المنقري.

(432)

«عليه السلام» شوق شديد إلى لقاء ربه والظفر بأمنيته التي يتوخاها وهي الكرامة الأبدية والحياة الخالدة والاجتماع بسلفه الصالح وأهل بيته سادات الأمة مع رسول الله في حظيرة القدس والفردوس الأعلى فكانت له لأجل ذلك سرعة في الإقدام کسرعة الهارب لأن سرعة الطالب الحريص کسرعة الهارب الخائف لأن كل واحد منهما يطلب الظفر بمطلوبه فالهارب يطلب الظفر بالسلامة والمقدم يطلب الظفر بالمراد ومن خاف الفوت کمن خاف الموت فكل سريع إلى ما يريد.
بطل تورث من أبيه شجاعة فيها أنوف دوي الظلالة ترغم

قد ينشد بعض خطباء المنابر هذا البيت بني الضلالة وهذه القراءة لا تستقيم إلا على ضرب من التجوز في الكلام وإذا أمكنت الحقيقة فلا يصار إلى المجاز والأخذ بها متعين وإن الجيش المحارب للحسين «عليه السلام» كلهم أبناء ذووا ضلال وليس كلهم أبناء ضلالة، فهذا محمد بن سعيد بن قيس الهمداني وأبوه لا يعرف في الجهاد مع أمير المؤمنين والإخلاص له وشهد محمد هذا مع أبيه في صفين ثم شهد حرب الحسين «عليه السلام» مع عمر بن سعد، وعلي بن قرظة بن کعب الأنصاري الشقي التعيس كان في جيش عمر بن سعد وله كلام غلیظ مع الحسين «عليه السلام» أكره ذكره فأطلبه من الطبري وابن الأثير، وأخوه السعيد عمر بن قرظة أستشهد مع الحسين «عليه السلام» وأبوه قرظة صحابي جليل عظيم القدر وصحب أمير المؤمنين «عليه السلام» وكان من عماله ومات على ولايته في الكوفة، واللعين مرة بن منقذ العبدي قاتل علي بن الحسين الأكبر كان أبوه منقذ بن النعمان من قواد أمير المؤمنين «عليه السلام» أستشهد معه يوم الجمل وخلفه ابنه هذا الخبيث فحمل اللواء وشهد مع أمير المؤمنين «عليه السلام» الجمل وصفين والنهروان ثم خرج مع عمر بن سعد إلى حرب الحسين عليه السلامه وفجعه بولده وفلذة كبده علي الأكبر عليه السلام»، وحسان بن فائد العبسي کان في جيش عمر بن سعد وأبوه فائد بن بکیر شهد صفين مع أمير المؤمنين «عليه السلام، واستشهد معه، وكعب بن أبي كعب الخثعمي شهد حرب الحسين «عليه السلام» مع أبيه أبي كعب حرب صفين واستشهد أبوه أبو كعب مع أمير المؤمنین وفقئت عین کعب يومئذ وغير هؤلاء مما لو عددناهم خرجنا عن موضوع الكتاب فالصحيح في قراءة هذا البيت «اُنوف ذوي الضلالة» بدل «بني الضلالة».

بلقي السلاح بشدة من باسه فالبيض تثلم والرماح تحطم

قد ينبوا السلاح عن بعض المتميزين بالشجاعة وإنه لا يؤثر غالبا في

(433)

أجسامهم فتثلم السيوف إذا ضربوا بها وتحطم الرماح إذا طعنوا بها، هكذا حكوا لنا عن بعض الأبطال والعوام تعتقده فيقولون بلسانهم فلان (ناقل) لا يؤثر فيه الرصاص يعنون أنه يحمل بعض الخرز لاعتقادهم أن من يحمل الخرز لا يعمل فيه السلاح.
أما القدماء فقد عرفوا ذلك بالتجربة ولكن بدون هذه العقيدة .
وقد ذكر الطبري في حروب شبيب الخارجي وقد كسر جيشة عظيمة للحجاج عليه سبعة أمراء يقتل واحد بعد الأخر حتى إنتهى إلى زياد بن عمرو العنکی فحدث عن لقيط الخارجي قال: فنظرت إلى زياد بن عمرو وإنه ليضرب بالسيف وما من سيف ضرب به إلا نبا عنه وهو مجفف وقد أعتوره أكثر من عشرين سيف فما ضره من ذلك شيء ثم انهزم وقد جرح جراحات يسيرة وذلك عند المساء، إلى آخر القصة، ولها نظائر في تاريخ الأبطال.
ويمكن أن تكون لشدة غضب البطل يغلظ جلده فلا يعمل فيه السلاح كما تقول العوام في أوصافها «فلان جلده يدرع» إذا لم تؤثر فيه الجراحة والظاهر أن جسد أبي الفضل العباس «عليه السلام» يشتد عند الغضب في الحرب كالليث المخدوش فإن جسده يغلظ فإذا وصلت إليه السيوف تثلمت حدودها وتكسرت نصال الرماح في جسده لتصلبه من الغيظ ولدينا أحتمال آخر هو أن السلاح يقع على السلاح الذي هو ثابت في جسده فيتكسر بملاقات بعضه لبعض كما قال السيد إبراهيم الطباطبائي في رثاء الحسين «عليه السلام»:

فصارت إذا أصابته سهام تكسرت النصال على النصال

كل هذه المعاني محتمل.
عرف المواعظ لا تفيد بمعــــشر صموا عن النبأ العظيم كما عموا
وانصاع يخطب بالجماجم والكلى فالسيف ينشر والمــــــثقف ينظم

الأنسب بمقام المصلح الإرشاد والوعظ وبث الخطب الجذابة وإلقاء الكلمات الخلابة في تعليم الجهال وإرشاد المتحيرين وإقناع المتمردين وإنذارهم وتحذيرهم فإذا لم تؤثر هذه الدعوة السلمية ولم تصرف الرأي العام عن ضلاله وجهله أتجه إلى الدعوة الساحقة لكل تمرد وعصيان والماحقة لكل جور وعدوان وهذه الأخير هي التي تنتهي إليها السياسات إذا أخفقت السياسة السلمية وأنحرفت بها العجرفية عن طريقها المعتدل فالسيف وبه يعالج العضو المصاب بشلل الغواية

(434)
وفيه مدارات الداء المزمن إذا عسرت على الطبيب الحاذق فالكي بالكهرباء والشق عن الأمعاء لأستخراج الداء المكتمن في البواطن ولو كان بإجراء العملية تلف أشخاص فإن فيها إصلاح آخرين فإن لم تنفع هذه المعالجات ولم تنجع تلك الوسائل وخيف السراية فقطع العضو المصاب معين وإتلاف الشخص المبتلى بالداء الساري قطعة لجرثومة العدوى عن الأصحاء وسيلة من وسائل الطب أتخذها حذاق الأطباء عند استفحال الداء الساري ناقل العدوى من السقيم إلى الأصحاء.
فالمصلح إذا لم تنفع الأمة الملحدة إرشاداته ومواعظه ولم تجدي سياسته في شعب قادة الجهل وتحكم فيه الغي والضلال وجب بحسب الحكمة ردع تلك الأمة المتعجرفة والشعب المعوج وردهما إلى الجادة المعتدلة والطريق المستقيم قهرة خصوصا إذا أزدادوا تمردة وعتوا كما فعل رسول الله (ص) من قريش والعرب، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» مع الناكثين والقاسطين والمارقين فإن الضلالة تسري في الأعقاب والمجاورین، هكذا يحكي الله تعالى عن نبيه نوح بقوله: (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكفرين ديارا* إنك إن تذزهم يضلوا عبادك ولا يلدزا إلا كفارا)(1).
والحسين «عليه السلام» قد أقتفي سيرة جده وأبيه مع أهل الكوفة وليس من شرط سل السيف للمصلح العلم بالغلبة الفعلية بل عليه مكافحة الجور وإن غلب أولا فإنه سيغلب وينتصر أخيرة فإن بتجريد السيف إعلانا لمناوئتهم وإظهارة لبطلان أعمالهم فإنه لو سكت لظن الجاهلون أن أعمالهم مرضية ولنخيل المتخيل أنهم على صواب والواجب صد ذلك فلزم سل السيف ظاهرة أو مظفورة به، وقد صرحت هذه الحقيقة وأستبان أثرها بتجرید الحسين «عليه السلام» سيفه على بني أمية فإن هذه النهضة وإن صرعته حمیدة خالد الذكر فقد صرعت بني أمية ذميمين ممقوتين يلعنهم اللاعن، ولو كان عدوة للحسين «عليه السلام» وحتى إن يزيد نفسه اليسمع شتمه وشتم أبيه بأذنه فلا يستطيع إنكارة وحتى قال : إن حياة الحسين كانت أخف علينا من موته، وكان بعض الشاميين يحلف بالله أنهم ما كانوا يعرفون أن الرسول الله (ص) قرابة غير آل أبي سفيان إلى أن كان من أمر الحسين «عليه السلام» ما كان فأتضح لهم الأمر وتجلى الواقع وزال التمويه وأرتفعت التعمية.
ثم إن هذا السيف الذي قد سله الحسين «عليه السلام» على بني أمية قد سل عليهم سيوفة كثيرة حتى محقت هذه الدولة الجبارة وزالت عن العالم الإسلامي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نوح: ۲6 - ۲۷.

(435)

أجمع في شرقه وغربه واندثرت أنسابها وأختفت في الشعوب كما حكى المقريزي في نفح الطيب أن بني أمية في الغرب أخفوا أنسابهم لكثرة ما ألصق بهم من العيوب.
وقد كان أبو الفضل العباس «عليه السلام» من دعاة الحق ورجال الإصلاح فقد أدى واجب الإصلاح الوعظي الإرشادي وتقدم إلى جيش أهل الكوفة بالإنذار والتحذير من عقوبة الله وبطشه حيث تعرضوا لسخطه بالإصرار على قتل عترة النبي (ص) وإبادة ذريته ونسله، ولما لم تؤثر تلك المواعظ بهاتيك القلوب القاسية التي قد طبع الله عليها بكفرهم ولم تسري تلك الإرشادات البليغة في أدمغتهم الجامدة التي قد جففتها الأطماع فأستحجرت وصارت الآذان المنصوبة عليها كالأذان التي تنصب على حجر الصوان صم لا تسمع أو كآذان الأغنام أن تسمع لم تعي فحينئذ أنحرف عن تلك الخطة السهلة متجهة إلى خطة السيف الوعرة ومذ سكت عن إقاء الخطب اللفظية وظف على سلاحه إملاء الخطب المعنوية وإلقاء المواعظ بقسميها المنظوم والمنثور فجعل النثر الذي هو وظيفة الخطيب المصقع لسيفه البتار بنثره جماجم الكماة وجعل النظم الذي هو وظيفة الناظم المفلق لرمحه الخطار في نظمه كلي الحماة فأبدع كل واحد منها في وظيفته وأتقن فنه وأجاد أسلوبه فالسيف يخطب بالجماجم فينشر الأكف وإلهامات والرمح يرتجل أناشيد منظومه فير صفها بالأكباد والكلى والقلوب فهذا أبلغ ناظم وذاك أفصح ناثر .

أو تشتكي العطش الفواطم عنده وبصدر صعدته الفرات المفعم
الو سد ذي القرنين دون وروده نسفته همنه بمــــــــا هو أعظم

لا شك أن سد ذي القرنين الأكبر أعظم سد شاهده البشر من حينه إلى هذا العصر وأقواه وأحكمه وقد بينا ذلك مفصلا في بعض أمالينا لبعض سادات خطباء المنبر وأساتذة القراء وأعجوبته في قوته وإحكامه من حيث الإتقان والهندسة العجيبة وإنه قد أذيب فيه الرصاص والصفر والحديد حتى ذاب وأختلط ثم صب منه قوالبة زبرة والزبر جمع زبرة وهي القطعة العظيمة من الحديد قد تسميها العامة تبعا للأفرنج «ابليته» ثم جمعت هذه الزبر وأذيب عليها النحاس والرصاص حتى أصبحت قطعة واحدة .
وهنا يصفه الحموي في معجم البلدان فيقول(1) : فأنصرف - يعني ذا القرنين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معجم البلدان 5/ 5۰.

(436)
- إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما وهو منقطع أرض الترك مما يلي مطلع الشمس فوجد بعد ما بينهما مائة فرسخ فحفر له أساسا حتى بلغ به الماء وجعل عرضه خمسين فرسخا وجعل حشوه الصخور وطينه النحاس المذاب يصب عليه فصار عرقة من جبل تحت الأرض ثم علاه وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقا من نحاس أصفر فصار كأنه برد محبر من صفرة النحاس وسواد الحديد فلما أحكمه أنصرف راجعاً .
وذكر حديث سلام الترجمان الذي بعثه الخليفة الواثق لمشاهدة هذا السد ولسنا بصدد نشر ما قيل في السد وإنما الغرض بيان عظمته وإن كان في كلام یاقوت مبالغة في تقدير المسافة لا تقبلها العقول وإن المسافة بين الجبلين من میلین إلى ثلاثة أميال وهو في أقصى التبت من الصين كما قال وقد زاره المكتشفون في هذه الأزمنة ووصله بعض السواح وعلى كل حال فهو سد عظیم عجيب الترصيف لم يبني في طوال الأيام أحكم منه ولا أقوى.
نعم الملاجئ التي تصنعها الدول اليوم للوقاية من القصف الجوي تقرب منه وعمدتها على الأسمنت كما يقال في خط ماجينو وما شابهه .
فهذا السيد العظيم لو كان في طريق العباس إلى الماء حين هجم على الفرات مغضبا بحمية متوقدة وحماس مستعر أشعلته أصوات الفواطم وأوقدته صرختهن من العطش لنسفه بما هو أعظم منه وأقوى وأحكم وهو عزمه وهمته وقد قيل : همم الرجال تزيل الجبال، وليس السد الذي أقامه قائد جيش الكوفة على كل مشرعة من مشارع الفرات بأقل أهمية في النظر من سدود البناء لأنه قد نظم عليها صوف الكماة بالعدة الكاملة والأهبة التامة والعدة الكثيرة فهي قلاع من حديد سيارة كأنها الدبابات الحديثة فهي قلاع من حديد وحصون من فولاذ (بولاذ) فأخترقها أبو الفضل العباس وأستقي وعاد بالماء إلى المخيم.
ولو أستقي نهر المجرة لارتقى وطويل ذابله إليها سلم

نسج هذا السيد الحلي على منوال سلفه السيد حيدر الحلي في رثاء الحسين «عليه السلام»، بقوله:

زحم السماء فمن محك سنانه جرباء لقبت الوری زرقائها

فنهر المجرة الذي لو اراد العباس «عليه السلام»، الأستقاء منه لرقى إليه على سلم رمحه وقد عرفت مدح العرب بطول الرمح وهذه المبالغة تستحسن في فن الشعر حيث لا غلو ولا إغراق، والمجرة عند قدماء المنجمين والعرب خاصه هو

(437)
هذا البياض الكثير في السماء القريب من نجم العيون وتسميه العوام «مجر الجيش».
ويختلف القصاص والمحدثون والمنجمون في تحقيق نهر المجرة فتزعم أرباب التنجيم أنها كواكب صغار كثيرة متقاربة لا تراها العيون لبعدها ولا تحيط الأبصار بأجرامها وإنما تدرك بياضها مجتمعة كخط مستطيل ويدعي المحدثون أن هذا موضع الفتق بالماء في زمن نوح «عليه السلام» لقوله تعالى: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ)(1) فبقي هذا الأثر حول هذه الأبواب. ويرى القصاص وفريق من المعتزلة وهم الذين لا يجوزون على الأفلاك الفتق والرتق أو الخرق والالتئام أن هذا مجر كبش إسماعيل الذي فدي به وهو معتقد العوام في تسميته لمجر الجيش و مستند هذا روایات مدسوسة من مسلمة أهل الكتاب مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما ممن لا يؤمن على الدين وهذا قول متروك لا يدعمه عقل ولا يعضده نقل.
وهل عجز حامل مدائن لوط السبعة جبرئیل عن حمل كبش فيجره على السماء حتى يؤثر فيها؟ وماذا تحمل أظلاف هذا الكبش ولو كانت أقلامة من حديد تنقش بها على كبد السماء لزالت على طول الأزمنة والقول بأن للسماء أبوابة كما تقول اليهود بأنها ذات أبواب كالقبة بل الابواب هنا الجهات كقولهم هنا للعلم أبواب أي جهات.
حامي الظعينة أين منه ربيعة أم أبن من عليا أبيه مـــــــكدم
في كتفه اليسرى السقاء يقـله وبكفه اليمنى الحسام المـــخذم
مثل السحابة للفواطم ريـــــه ويصيب حاصبه العدو فيرجم

فالسحب تأتي بماء ينيب الزرع والكلأ ويحيى الجدب وينقذ من المحل وتأتي بحاجب من صواعق محرقة تدع من وقعة عليه رميمة وبرد تذر من صادفته هشيمة، فالسحابة من جهة منعشة ومن جهة متلفة وقد كان أبو الفضل بهذه الصفة يروي عطش الفواطم بما تنيله كفه ويصب على الأعادي حاصبة من سيفه الذي يفعل فعل الصاعقة بجنود أهل الشقا.

بطل إذا ركب المطـــهم خلته جبل أشم يخب فيه مطــــــــــهم
قسما بصارمه الصقيل وإنني في غير صاعقة السما لا أقسم
_____________
(1) القمر: ۱۱.

(438)
لولا القضا لمحي الوجود بسيفه والله يقضي ما يشاء ويحــــكم
حسمت يديه المرهفات وإنـــــه ولولا القضا من حدهن لأحسم
فغدا يهم بأن يصول فلم يطــق كالليث إذا أظفاره تنقلـــــــــــم

ما أنصف هذا السيد الرائي للعباس «عليه السلام» إذ جزم بأن قطع يديه منعه من الصولة، لا نظن ما ظنه الحلي «رحمه الله» فأنه «عليه السلام» قد صال عليهم والسيف بأسنانه، نعم كانت نکایته فيهم والحال هذه غير بليغة لأن الفم ليس بفعال کالساعد ولا يقوي على الضرب كالكف والليث لا تعوقه الأظفار المقلمة مع سلامة الأنباب، ولا تعدم منه زمجرة مرهوبة فإن زمجرة الليث أثرها كبير في الإرهاب فزمجرته مخوفة وزئيره مرعب وإن لم يكن ظفر ولا ناب.
نعم لنا شيء واحد لم يتعرض له الشاعر وهو أهم ما يلفت إليه نظر أرباب الفكرة الثاقبة وهو الوقاية فإن اليد يتلقى بها المحارب ما يصل إليه من سلاح الأعداء فليت شعري بماذا يرد أبو الفضل عن نفسه السلاح المصوب إليه المسدد نحوه وقد قطعت يداه وأبينت كفاه؟ فلست أشك أن كل ضربة سيف وطعنة رمح تنفذ إلى جسمه الشريف.
وناحية ثانية أعظم خطورة أن الفارس إذا تردي عن جواده وسقط على الأرض إنما يتلقاها بيديه وماذا صنع العباس «عليه السلام» حين سقط عن جواده ولا بد عنده يتقي بها الأرض وإن كان سقوطه على المروي كان على وجهه فلا ريب أن السهم الذي أصابه في عينه وفي قلبه قد خرجا من قفاه.
أمن الردی من كان يحذر بأسه أمن البغاث إذا أصيب الضيغم

هكذا جائت النسخ «الضيغم» وكذلك أتفق القراء من خطباء المنبر عليه وهو غلط واضح والصحيح والقشعم، لأن البغاث من الطير فلا يصل إليها إلا طائر فهي لا تحذر من السبع الذي إذا ارتفعت عنه فأتته وأمتنعت منه بالطيران وإنما تحذر من سبع بطير خلفها إذا طارت وينقض عليها إذا وقعت وهو القشعم لا غير وهو المسمى بالعقاب أحد سباع الطير وكواسرها، فهذا غلط لفظي في هذا في هذا البيت.
وغلط معنوي يجب أن ينبه عليه وهو أن البطل العظيم النكاية تغرس له نکایته هيبة في قلوب أعدائه فلا يتجاسرون على الدنو منه ما دام فيه رمق الحياة وقد قال خالد بن جعفر الكلابي وحذره النعمان بن المنذر فتك الحارث بن ظالم

(439)

المري: أبيت اللعن لو وجدني نائمة ما أيقظني، والحارث فارس غطفان وأحد فتاك العرب وقد مات ربيعة بن مکدم على فرسه متكئة على رمحه فلم يجسر أحد على الدنو منه حتى رموا الفرس فشبت وانقلب عنها وفاتتهم الضعائن.
وسيد الشهداء أبو عبد الله الحسين «عليه السلام» بقي مغمى عليه مدة فما دنی منه أحد هيبة له، ومن تجاسر على الدنو منه رمقه بطرفه فيرمي السيف ویولي هاربا، وقد نص الحديث أنه أغمي عليه ثلاث ساعات من النهار والعسكر واقف على مقربة منه وأختلفوا في شأنه فمنهم من قال قد مات ومنهم من قال صنع هذا حيلة وآخرون قالوا: قد ضعف عن القتال وآخرون قالوا: قد نزفته الدماء فضعف عن القيام، فقال عمر بن سعد: إن أردتم أن تعلموا حي هو أم ميت فأهجموا على مخيمه فإنه إن كان فيه رمق الحياة فستأخذه الغيرة على حرمه وبهذه الفعلة الجلفية استعلموا خبره فإنه نهش وسقط فجعلوا يرضخونه بالحجارة ويرمونه بالسهام ويطعنونه بالرماح على بعد حتى لم يبق منه إلا الرمق اليسير.
وأنظر إلى الحالة التي أمتاز بها على كل بطل في العالم وهي التي لم يقع لها نظير في الدنيا منذ نشئة الحروب حتى اليوم أن محتضرة في السياق وبآخر رمق وفي آخر نفس یکاد يلفظ معه روحه الطيبة وإنه ليعالج سکرات الموت فتبدر إليه أرباب القوة والجلد وأهل الشجاعة والفروسية لتجهز عليه فتحتز رأسه تتقرب به من أميرها فإذا دني الشجاع المجرب منه ورمقه بطرف سقط السيف من يده وولی هاربة، وقد رثاه السيد حيدر الحلي بقوله:

فما أجلت الحرب عن مثله صريعا بجبن شجعانها

وتبعه السيد جعفر الذي نحن بصدد النقد له فقال:

يوم الوغی تکفيه عن سيفه کرات عينيه إذا مارنا

فأبو الفضل أيضا ترهب الشجعان الدنو منه هيبة له وإن قطعت يداه.

وهوی بجنب العلقــــــــمي وليته للشاربين يداف فيه العلقم
فمشى لمصرعه الحسين وطرفه بين الخيام وبينـــه متفسم

هكذا شيمة الحر وسجية الغيور يصرف جل اهتمامه في حياطة حرمه وصيانة مخدراته؛ فالحسين«عليه السلام» عند سماع صوت أخيه العباس «عليه السلام» أدركني يا أخي، لم يجد بدا من إجابة نداء ذلك العزيز الذي لا يعدله شيء في الحقيقة ولم يأمن هجمة العدو على خيامه لقربه منها وعدم المدافع والممانع دونها

(440)

فسار نحو المسناة بعينين عين تنظر أمامه المقدمين عليه من الأبطال والمعترضين طريقه إلى أخيه العباس «عليه السلام» وعين تنظر خلفه تراعي تلك العقائل المحجوبة كما قيل في مرثيته «عليه السلام»:
يرعى الوغى وخيام النسا فعين لهن وعين لها

ومضى بأذنين سميعتين أذن مصغية إلى المخيم تستمع ضجة النسوة عند هجمة الأعداء وأذن مصخبة لصوت عزيزه العباس «عليه السلام»: عليك مني السلام يا أبا عبد الله أدركني يا بن رسول الله، فيكون هذا الصوت دليله إلى مصرعه في أي ناحية من نواحي الميدان لأن الأعادي أكتنفوه وأحاطوا به.

ألفاه محجوب الجمال كــأنه بدر بمنحطم الوشيح ملثـــــم
فأكب منحنية عليه ودمـــعه صبغ البسيط كأنما هو عندم
قد رام يلثمه فلم ير موضعاً لم يرمه عض السلاح فيـلثم

يظهر من هذا البيت أن العباس بن علي وعلى بن الحسين الأكبر «عليهما السلام» جميعا إنهما قد أثرا في فجار أهل الكوفة أثرة كبيرة وعظمت نکاینهما في جيش الملحدين لذلك ازداد عليهما حنق أهل الكوفة الفجرة وأشتد غيظهم حتی وزعوهما بالسلاح توزیعاً وقطعوهما إربا إربا وبلسان العوام «هبوره وذره و ذره»، بعد سقوطهما عن متن جواديهما في الحومة ووقعا في وسط الميدان وقد ورد في صفة شهادة كل واحد منهما أنه ما حمل منه جانب إلا وسقط جانب.
نادي وقد ملأ البوادي صيحة صُم الصخور لهولها تتألم

لا أحسب أن من يقرأ هذا البيت لا يفهم أن الحسين «عليه السلام» صرخ على أخيه العباس «عليه السلام» صراخ المشكلات بأعلى الصوت والرنة المرتفعة بالبكاء الذي يطلق عليه إسم الصراخ، هذا ظاهر البيت والحقيقة والواقع يدفعان ذلك وحاشى الإمام الحسين «عليه السلام» من الصراخ المفرط ورفع الصوت المزعج والإعلان بالنياحة كما يفعل ضعفاء الناس وأهل الجزع والهلع وإن عظم الفقيد وعز الراحل الكريم، الحسين «عليه السلام» حسين الوقار، حسين المهابة، حسين الصبر والجلد، حسين الفضيلة، حسین الحفاظ والشمم، حسين الإباء والحمية، حسين الرزانة والحشمة، حسين العزة والعظمة، حسين الجلال، هكذا أقول حسين حسين حتى أستوعب كل الفضائل البشرية والمحامد الإنسانية فهو أجل من كل ما أصف به وأنعته وأطریه وثنائي قاصر عن توفيته حقه، فالإمام الحسين «عليه السلام» لا يرتكب أمام العدو الشامت والخصم الكاشح خطة
(441)