موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

اسم الکتاب : موسوعة بطل العلقمي الجزء الثالث

المؤلف : أليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
المطبعة : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

وقد كان رسول الله (ص) يفعل ذلك، ففي غزوة بدر أرسل أولاً سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف للوقوف على أخبار قافلة قريش الصادرة من الشام ثم بعد خروجه بالجيش للقائهم أرسل بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين طليعة له يتجسسان أخبار أبي سفيان قائد القافلة(1).
وهذا الاستطلاع قبل أن يقترب الجيشان بعضهما من بعض، أما إذا تقابلا فالمراقبة وإقامة العين على مرقب يرصد حركة العدو حيث لم يكن المنظار موجودا في ذلك الوقت فيقام رجل حاد البصر قوي السمع فطناً -كما ذكرنا في كلمتنا التمهيدية- على أشرف موضع وأعلى مكان يطل على العدو وقد كان يفعله النبي (ص) ويأمر به سراياه.
ففي السيرة الحلبية في سرية غالب بن عبد الله الجهني وإغارته على بني الملوح يقول عن جندب الجهني: أرسلني القوم جاسوساً لهم -يعني أصحابه- فخرجت حتى أتيت تلاً مشرفاً على الحاضر، فلما أستويت على رأسه أنبطحت عليه لأنظر إذ خرج رجل منهم فقال لأمرأته: إني أنظر على هذا الجبل سواداً ما رأيته قبل، أنظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئا، فنظرت فقالت: والله ما فقدت من أوعيتي شيئا، فقال: ناولني قوسي ونبلي، فناولته قوسه وسهمين فوالله ما أخطا بين عيني فأنتزعته وثبت مكاني، فأرسل آخر فوضعه في منكبي فأنتزعته وثبت مكاني، فقال: والله لو كان جاسوسا لتحرك لقد خالطه سهمان لا أبا لك، فإذا أصبحت فأنظرها لأنضخهما الكلاب، ثم دخل فلما أطمأنوا وناموا شننا عليهم الغارة واستقنا النعم والنشاء بعد أن قتلنا المقاتلة وسبينا الذرية الخ.
أوردت هذه القصة لأنها تمثل الثقافة العربية بالرمي كما تمثل ثبات العربي في نجدته وتصلبه في دينه، وخذ هذا النص بلفظه من تعاليم أمير المؤمنين في الأمور التي ذكرناها.
قال نصر بن مزاحم(2): في وصية أمير المؤمنين «عليه السلام» لقائدي مقدمته إلى صفين وهما زياد بن النضر وشريح بن هاني الحارثيين: أما بعد فأني قد وليت مقدمتي زياد بن النضر وأمرت عليها وشريح على طائفة منها أمير، فإن أنتما جمعكما بـأس فزياد بن النضر على الناس، وإن أفترقتما فكل واحد منكما أمير على الطائفة التي وليناه.
_________________
(1) أنظر السيرة الهاشمية وغيرها. (2) وقعة صفين: ص67.

(160)

وأعلمنا أن المقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم، فإذا أنتما خرجتما من بلادكما فلا تسأما من توجيه الطلائع ومن نفض الشعاب والشجر والخمر في كل جانب كيلا يغتركما عدواً ويكون لهم كمين، ولا تسيرن الكتائب إلا من لدن الصباح إلى السماء إلا على تعبئة فإن دهمكم داهم أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبئة، فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في الأشراف وسفاح الجبال أو أثناء الأنهيار كيما يكون ما ورائكم ردا لكم ومقاتلكم من وجه واحد أو أثنتين، واجعلا رقبائكم في صياصي الجبال وأعالي الأشراف ومناكب الأنهار يرون لكم لا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن، وإياكم والتفرق فإذا نزلتم فأنزلوا جميعا، وإذا رحلتم فأرحلوا جميعا، فإذا غشيكم الليل فنزلتم فخفوا عسكركم بالرماح والترسة، ولتكن رماتكم وراء تراسكم ورماحكم يلونهم، وما أقمتم فكذلك فأفعلوا كي لا تصاب لكم غفلة ولا تلفى لكم غرة، فما قوم يحفون عسكرهم برماحهم وترسهم من ليل أو نهار إلا كانوا في حصون.
وأحرسا عسكركما بأنفسكما وأياكما أن تذوقا نوما حتى تصبحا لا غراراً أو مضمضة، ثم ليكن ذلك شأنكما ودأبكما حتى تنتهيا إلى عدوكما، وليكن عندي كل يوم خبركما ورسول من قبلكما فإني ولا شيء إلا ما شاء الله حيث السير في اثركما فعليكما في حربكما بالتوادة وإياكما والعجلة إلا أن تمكنكما فرصة بعد الأعذار والحجة، وإياكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما إلا أن تبدأ أو يأتيكما أمري إن شاء الله تعالى، إنتهى.
وهذا الفصل جامع لفنون الاحتراس الحربي وعلى نظامه عمل الدول اليوم وإن اختلفت الآلات وتباينت بالشدة والضعف، ولا ريب أن قوة المدفعية التي تقدم أمام الجيش اقوى من قوة رماة السهام كما أن أكتشاف الطائرات المحلقة أدق من أكتشاف الخيالة، ومد النظارات أنفذ من بصر المترقب، كما أن الألغام المدفونة أمام الجيش وجوانبه أحصن من التراس، ولكن المنهج واحد والنظام فيه نظام أمير المؤمنين علي «عليه السلام» أعترفوا أم جحدوا.
أما مناخ الجيش ومقره ومعسكره فيتخذونه على ما صف «عليه السلام» في معتصم من الأرض منيع فإن لم يكن كذلك أنحسبت القوة عنه عاجلاً، وإذا أضطروا إلى الأستقرار فيه أتخذوا مواضع أحكموها بكل جهودهم من الاستحكامات المسلحة والحفريات والخنادق التي تشاد بالاسمنت وأمثاله من الاشياء الماسكة للأرض الرخوة، وهذه التي تسميها العرب خندقاً، والدول

(161)

موضعا، تسميها العشائر اليوم سيباية تجمعها على سوابي كما يجمع الخندق على خنادق والموضع على المواضع، وكثيرا ما تمدح العرب القائد بالمهارة إذا كان لم يغفل أمر الخنادق على عسكره كالمهلب بن أبي صفرة.
أما موصلات الأخبار بين الجيش والكشف فعند قدماء الإسلاميين وغيرهم فيخيل الكشف التي أعتاض عنها المتمدنون في عصر الاختراع بالأسلاك واللاسلكيات البرقية لكن النظام هو ذاك النظام إنما تبدلت الآلات والتسب تحسيناً أكثر وعناية زائدة والمنهج واحد هو علم آمر القوة بما يقدم عليه جيشه ومعرفته بما يفعل مما يكسبه الفوز والظفر؛ فلأمير المؤمنين «عليه السلام» فضيلة التأسيس.
أما التمرين على كيفية القتال فعقدنا له فصلاً مطولاً في كتابنا «السياسة العلوية» فراجعة هناك.


أنظمة أمير المؤمنين «عليه السلام» وتعبئة أهل القرون الوسطى


الثاني: ترتيب أهل القرون الوسطى:
ونظامهم في تعبئة الجيوش وهذا باب واسع أيضا أوعبنا فيه في «السياسة العلوية».
قال في ذكرى 12 ربيع الأول التي تصدرها جمعية الهداية البغدادية ما نصه: ذكر المحبي الدمشقي في كتابه التكتيب الطريقة التي قسم بها العرب جيوشهم إلى وحدات كبيرة وصغيرة، ومن هذا المرجع النفيس تعرف نقطا شتى عن الجندبة في الإسلام وقد ذكر في هذا السفر الاقسام العسكرية عند الحرب وهي:

عدد الجنود اسم الكتيبة عدد الجنود اسم الكتيبة
33 عصبة صفان 19 الصف
64 مقنب عصبتان 1024 زمرة كوكبتان
128 كردوس مقنان 2048 طائفة زمرتان
256 جحفل كردوسان 4096 عسكر طائفان
513 كوكبة جحفلان 8163 خميس عسكران
8384 معسكر خميسان

(162)

وليس في بقية كلامه فائدة كبيرة على ما في هذا من النقاش ولكنا أغمضنا عنه.
قال البستاني في دائرة المعارف: ذكر بعض المؤرخين أن أول من نظم الجند الدولة المصرية الفرعونية فقد جندت جيشاً من الزنوج والأحباش حوالي القرن العشرين قبل الميلاد وخضعت لهم سكان سواحل البحر الأحمر ثم أنتشر أمر التجنيد في الدولة القديمة في آشور وبابل وفينقية واليونان، فالرومان، فالإسلام.
فأما العرب في جاهليتهم فقد كانوا على غير نظام وكانت حروبهم من النوع الذي يعبرون عنه بالكر والفر وذلك أنهم كانوا إذا هموا بالقتال كروا على عدوهم فإذا أحسوا بالضعف فروا يعودون فيكرون وهكذا بلا نظام ولا قاعدة، فلما ظهر الإسلام كان في جملة أوامره ترتيب الناس صفوفا في الحرب عملاً بالآية: ¬(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)(1).
وفي الحديث: «المؤمن من المؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا».
وانظر إلى وصية علي «عليه السلام»: «فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص، وقدموا الدراع وأخروا الحاسر وعضوا على الأضراس فإنه أنبا للسيوف عن إلهام».
وقال الأشتر يحرض الأزد: «عضا على النواجذ من الأضراس واستقبلوا القوم يهامكم وشدوا شدة قوم موتورين يثأرون بآبائهم وإخوانهم حنقاً على عدوهم، وقدد وطنوا على الموت أنسفهم لئلا يسبقوا بوتر، ولئلا يلحقهم في الدنيا عار».
وبناء على ترتيب الصفوف كانت حروب المسلمين أمام النبي (ص) صفوفاً وهو ما يعبرون عنه بالزحف فكانوا يسوون الصفوف كما تسوى صفوف الصلاة ويمشون بصفوفهم إلى الأعداء قدماً واحدة، فحاربوا البدو بنظام لم يعرفوه وكان ذلك من جملة أسباب نصرهم على قبائل العرب أهل الكر والفر، وأعتبر ذلك في تراجم الفاتحين العظام كالإسكندر وسليم العثماني وبونابرت وغيرهم فإنهم إنما علموا العالم هذا النظام وكان أهل الكر والفر يمنعون رجالهم من الفرار بإبلهم والظهر الذي حمل أظعانهم فيصفونها ورائهم فتكون فئة لهم ويسمونها الجبوزة وهي التي ثبتت أقدامهم في الحرب.
__________________
(1) الصف: 4.

(163)

أما المسلمون فكانوا مع ثباتهم في الزحف يجعلون ورائهم الإبل والنساء والولدان والأحمال فيزيدهم ذلك أستماتة
في الحرب وصبرا على القتال، كان الجند أيام النبي (ص) يرتب صفاً أو صفين تبعاً للكثرة والقلة، فلما تكاثر المسلمون صاروا يجعلونا صفوفاً يرتبونها بأعتبار أسلحتها والأحوال المحيطة بها وإليك وصية «عليه السلام» لجنده يوم واقعة صفين فإنها تنطوي على خلاصة تنظيم الجند في الحرب، قال: فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص.
وأول(1) من أبطل الصف في الحروب وصار إلى التعبئة كراديس مروان بن الحكم في قتال الضحاك الخارجي فولى الخوارج عليهم شيبان بن عبد العزيز ويلقب أبا الدلفاء وقاتلهم بعد ذلك بالكراديس وأبطل الصف من يومئذ الخ.
وأخطـأ هذا المؤرخ في جعل الكنية لقباً، ومروان بن الحكم خطأ أنما هو حفيده مروان بن محمد بن مروان الملقب بالحمار وبالجعدي.
ثم قال البستاني: وكان الروم إذا نشبت الحرب قسموا جنودهم إلى أقسام يسمونها كراديس (كورئيس) في اليونانية ومعناها الكتلة والكتيبة، ويسوون كل كردوس كتيبة يصنفوها فيجعلون الملك أو القائد العام و وحاشيته ورايته في الوسط وشعاره كتيبة تقوم في الوسط ويسمونها القلب وأمامها كتيبة يغلب أن تكون من الفرسان وهي المقدمة(2) ويقيمون كتيبة أخرى عن يمين كتيبة الملك يسمونها الميمنة، وأخرى إلى اليسار يسمونها الميسرة وكتيبة وراء يسمونها ساقة الجيش هذه صورته:

مقدمة
ميمنة قلب ميسرة
ساقة
________________
(1) وهم البستاني فقد حارب خالد بن الوليد يوم اليرموك بالكراديس وداومت الخوارج في حروبها على الكراديس وإنما قابلها مروان الحمار مقابلة فلا يكون أول من أبطل الاصطفاف فقد ألغته الخوارج قبله.
(2) هذا أيضا خطأ تلغي المقدمة في المقابلة وعند الأصطفاف للقتال كما عرفناك إنما هي قطعة خيل محرضة ومنشبة للحرب تسمى سرعان الخيل والمحرشة والناشبة يقولون: خرج فوارس كذا فأنشبوا الحرب كما يقولون: حرش وأرش بينهم فلان وفلان، وهذه القطعة من الخيل أو من الرجالة بلا فرق لا تكون غير القلب والمجنبتين بل تكون من واحدة منها أو تلتئم من القلب والجناحين كما قالوا في موقعة صفين: خرج ألف فارس من أهل العراق فركزوا رماحهم بين الصفين وخرج إليهم مثلهم من أهل الشام فأقتتلوا فلم يرجع عراقي ولا شامي.

(164)

وترى التعبئة على هذه الكيفية لخمسة أجزاء: ومنها تسمية الجيش بالخميس ويتقدم الخميس كوكبة من الفرسان يقال لها الطليعة لأجل الأستكشاف على مواقف العدو فإذا ترتب الجيش على هذه الصورة زحف على العدو زحفا وربما جعلوا ورائهم ما يثبتهم كما كان يفعل الفرس فإنهم كانوا يتخذون الفيلة في الحروب يحملون عليها أبراجاً من الخشب أمثال الصروح مشحونة بالمقاتلة والسلاح والرايات يصفونها ورائهم في حومة الحرب كأنها حصون فتقوى بها نفوسهم، وربما جعلوا ملجئهم الأسرة فينصبون للملك سريره في حومة الحرب وراء المقاتلة ويحف به خدمه وحواشيه وجنوده ممن زعم بالأستماتة دونه، وترفع الرايات في أركان السرير ويحدق به سياج آخر من الرماحة والرجالة فيعظم هيكل السرير ويصير فيئا للمقاتلة وملجأ لهم، وكثيرا ما كانت العجم تحارب بمثل ذلك.
فـأضطر العرب في كثير من وقائعهم مع الفرس والروم في صدر الإسلام أن يحاربوا بالكراديس كما فعل خالد بن الوليد في واقعة اليرموك سنة 13 هجرية تعبئ تعبئة لم تعبئ العرب قبلها مثلها: جعل جيشه 36 كردوسا إلى 30 كردوسا، وأقام عليها عمر بن العاص وشرحبيل بن حسنة، وجعل الميسرة كراديس وجعل عليها يزيد بن أبي سفيان وكذلك فعل سعد بن أبي وقاص في القادسية سنة 14 لكن يظهر أنهم فعلوا ذلك اضطراب لمحاربة الروم بمثل نظامهم ولم يجعلوا التعبئة قاعدة حروبهم إلا سنة 128 في عهد مروان آخر خلفاء بني أمية فإنه أبطل الصفوف ونظم الكراديس فحارب بها الضحاك الخارجي.
على أن بعض دعاة الخلافة من أهل البيب أعتبروا العدول عن النصف إلى الكراديس بدعة الإسلام فظلوا على الزحف ولو أدى بهم إلى الخطر كما فعل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن علي لما بعث المنصور عيسى بن موسى لمحاربته فالتقيا بباخمرى على 16 فرسخا من الكوفة فأشار عليه بعض أصحابه أن يجعل جنده كراديس لأن الكراديس أثبت في الحرب وإذا انهزم كردوس ثبت كردوس، أما الصف إذا انهزم بعضه تداعى سائره، فقال إبراهيم: وسائر من معه لا نصف إلا صف أهل الإسلام يعني الآية الشريفة: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)(1) وبعد رسوخ المسلمين في المدينة تفننوا في تعبئة الجيوش وتعددت حروب التعبئة حتى صارت سبع تعبئات وإنما كانوا لا يستعملونها كلها ولكنهم أدخلوها في شؤونهم الحربية.
_____________
(1) الصف: 4.

(165)

التعبئة الأولى: أن ترتب الجيش بشكل الهلال وهو نوعان: الهلال المرسل والحاد وهو البسيط مثل هلال السماء، والهلال المركب وهو أن يكون إلى جنب الهلال شبه هلالين كأنهما جناحان وهي التعبئة: الثانية.
والتعبئة الثالثة: المربع المستطيل
والتعبئة الرابعة: الهلال المقلوب
والخامسة: أن ينظم الجيش في شكل المعين والمربع المنحرف.
والسادسة: المثلث
والسابعة: الدائرة المزدوجة وهي دائرتان أحدهما داخل الأخرى وكانوا يعمدون إلى هذا الضرب من التعبئة إذا كان جندهم قليلا وجند عدوهم كثيرة وهو يشبة آخر ما بلغ إليه المتمدون من التفنن في التعبئة يعني بونوبارت الذي دوخ به الممالك وهو عمدة الجنود المنظمة إلى اليوم فكان المسلمون إذا عبر الجيش إلى الحرب نظموه إما كراديس أو مربعات أو مثلثات، وجعلوا بعضه كراديس وبعضه مربعات أو هلالياً أو معيناً أو مثلثاً على ما تقتضيه الأصول.
المعسكر أشبه ببناء فيه الكتاب والفقهاء والأطباء والكحالون وأصحاب الطبول والاتباع وغيرها، وإذا تهيأ الجيش للقتال في الأسلام نادى قواده النفير النفير وهي خلاصة الهجوم شعار الجند كان العرب في جاهليتهم ألفاظ يتعارفون بها في أثناء الحرب يسمونها شعاراً.
كان شعار الأحزاب في غزوة أحد بالهبل، وكان شعار تنوخ في الحرب بال عباد، وجعل النبي (ص) لكل من المهاجرين والأنصار شعاراً: فكان شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن! وشعار الأوس يا بني عبد الله! وشعار الخوارج، إنتهى كلام البستاني على ما فيه من النقد الكثير ولم يذكر شعار الخزرج وهو في التاريخ يا بني عبد الرحيم!.
وتقصد العرب بهذا الشعار إثار الشعور والحماس كما كان شعار أهل البصرة يوم الجمل: أمكم أمكم، وشعار أصحاب أمير المؤمنين «عليه السلام» وغيره من أمراء العلويين: يامنصور أمت، وقد كان شعار أصحاب النبي (ص) في بعض الغزوات، وهذا ليس هو الشعار القبائلي الذي يعرف بالأنتماء وتسميه العوام اليوم بالنخوة فكانت كل قبيلة وتجعل لقبها شعاراً لها وينتمي كذلك فيقال: يا آل سعد! يا آل مقاعس! يا آل دارم!.
وهنا قصة ننقل ملخصها شاهداً لنا كما وقع يوم الضقعة وهو يوم الكلاب

(166)

الثاني وهذا ما قاله أبن عبد ربه في مقابلة بني سعد بن تميم لبني الحارث بن كعب ورئيس الحارثيين عبد يغوث ورئيس السعديين قيس بن عاصم من جملة القصة(1): وثبت بعضهم لبعض حتى حجز بينهم الليل ثم أصبحوا على راياتهم فنادى فيس بن عاصم: يا آل سعد! ونادى عبد يغوث: يا آل سعد! قيس يدعو سعد بن زيد بن مناة بن تميم، وعبد يغوث يدعو سعد العشيرة، فلما سمع ذلك قيس نادى: يا آل كعب! فنادى عبد يغوث: يا آل كعب! قيس يدعو كعب بن سعد، وعبد يغوث يدعو كعب بن مالك، فلما رأى ذلك قيس نادى: يا آل كعب مقاعس! فلما سمعه وعلة بن عبد الله الجرمي وكان صاحب لواء أهل اليمن نادى: يا آل المقاعس! تفائلاً به، فطرح له اللواء وكان أول من أنهزم فحملت عليهم بنو سعد والرباب فهزموهم، الخ.
وقد يكون الشعار فعلاً لا قولاً كما كان تحلاق اللمم شعار بكر بن وائل في بعض حروب البسوس وكان ذلك بأمر الحارث بن عباد اليشكري فارس النعامة.
نظام العشائر في عصرنا
تعبئة العشائر العراقية في عصرنا:
إن ما نتلوه عليك من أنظمتهم هو مما عرفتناه المشاهد لحروبهم وما أوقفنا عليه الفحص الكافي عن نظامهم ومصطلحاتهم، وخذ بعض ذلك أن العشائر اليوم يسمون الحرب (حرابة) والنفير إليها (الفزع والفزعة) والمعركة (العركة) و(العملة) هذا إذا كانت مقابلة في النهار الجموع قبال الجموع وقد تكون كذلك للجموع المتقابلة ليلاً فيقولون: عركة الليل لكنه قليل والغالب عندهم على تسمية واقعة الليل (دكه)، وكانت العرب تسميها البيات، وكما سمتها العوام دكة سمتها أيضا (سطوه).
ويسمون الجيش ب(الجيمة) والفزع والحربية، وقد يخصون بالجيمة ما تسميه العرب المعسكر، ويقسمون الجيمة والفزع إلى ثلاثة اقسام: متقدم ومتوسط ومتأخر؛ فالمتقدم يسمونه (العيالة) والعداية وهو الذي تسميه العرب بالسرعان والرعيل وقد يخصون بهما الخيالة كما يختصون بالناشبة والمورشة ما يسمى اليوم عداية وعيالة، ويسمونه أيضا حرشة، أما القسم المتأخر وهو الذي يكون ردأ
_________________
(1) العقد الفريد 3/363.

(167)

للجيش للفزع في ظهره قوة له يسمونه الملزومية لأنه يلزم ظهر العراكة ويحميهم ويرد عنهم من أستدبرهم من الأعداء وإذا كسرت العيالة وقفت مع الملزومة في مراكزها وهذا ما عرفته العرب بالساقة والمتوسط هو الجيمة وهو عبارة عن القلب في عرف المحاربين من القدماء وليس عند العشائر جناحان ومجنبتان، أما مخيم العسكر وهو بيوت الفزع سواء كانت خياماً أو صرائفاً من القصب يسمونها (الكنغ) والكناغات وأحدها كناغ، ولعل هذه اللفظة من تراث الاتراك وقد يقتصرون في قسمة الحربية على قسمين هما العيالة والمزومة.
أما المواضع والملاجئ التي يحتمون بها من الرصاص عند الحرب فيسمونها (سوابي) جمع سيباية وهي الخنادق عند العرب والأستحكامات عند الدول ولعل هذه اللفظة باقية عندهم من التراث الفارسي.
أما الشعار عندهم فلهم ألفاظ متداولة عندهم بلسانهم ولهجاتهم يسمونها (النخوة) وكل عشيرة تعرف نخوة الأخرى إذا وقعت حرب أو كان وقت سلم أريد به التمايز العشائري تنتمي القبائل بنخوتها، فقد يكون نخوة عامة لأهل مدينة تميزها عن مدينة أخرى كأولاد علي للمشاهدة أهل النجف أينما حلوا، وأولاد حسين لأهالي كربلاء، وأولاد موسى لأهل الكاظمية، وقد تكون عامة لقبيلة وإن جمعت قبائلاً لتميزها عن قبيلة أخرى كعشائر بني مالك فإنهم جميعا ينتمون نخوتهم زيود كما أن القبيلة المكافئة لهم في القوة آل أجود بأسرها وكل بطونها نخوتها يتيم كما أن في عشائر الجزائر في أراضي القرنة تمايز بالنخوة بين رؤساء القبائل العامه كإخوة شيخة لإمارة زعماء المدينة، وإخوة سعد لآل سعد زعماء القرنة، وعامر لآل خيون رؤساء بني سعد.
والعشائر في حروبها العامة تصحب معها العماريات من النساء وهن المحرضات عند العرب، أما حروب البدو في غاراتهم وغزوهم فهو من نوع الكر والفر وقد شاع في بعض قبائلهم كما في قبيلة مطير نخوتهم أهل الردات علوة، أما حروب السفن في الأهوار وهي التي تسمى بالمشاحيف فإنها لا نظام لها عندهم فربما تكون مقابلة وربما يتسلط فريق بشق الأهواز فيخرج عليهم من خفهم من حيث لا يشعرون فيصيب منهم حاجته وذلك لأن الأهوار لا يمكن الاحتراس فيها بكل ما للناس من فن ومهارة.

(168)

أنظمة الدول الحديثة
تعبئة الجيوش وأنظمتها الدولية في العصر الحديث:
فهذا هو عصر المدنية والحضارة، عصر المحترعات، فأنا أورد ما حدت أمامي موظف في الجيش العراقي وذلك سنة 1357 هجرية وهذا لفظه: نص نظام وزارة الدفاع هو المرجع الأول وهو المسئول عن حسن قيام جميع الضباط والموظفين، يتألف الجيش من قوات:
(1) القوة الجوية.
(2) الحرس الملكي.
(3) لواء الخيالة.
(4) ثلاث فرق مشاة قطعات أخرى ملحقة لمقر الجيش ومؤلفة من سيارات مدرعة وسيارات مسلحة مدفعية متوسطة، المدارس العسكرية والمؤسسات.
(1) القوة الجوية وهي مؤلفة من أسراب الطائرات تعاون الجيش وأسراب مواصلات ومدرسة طيران ومستودع التصليح والتدريب.
(2) الحرس الملكي وهو مؤلف من سرايا مشاة وسرايا خيالة.
(3) لواء الخيالة وهو يتألف من ثلاث كتائب.
(4) فرقة المشاة وهي مؤلفة من ثلاث ألوية مشاة لوائي مدفعية وفوج مخابرة وسرية هندسة وسرايا نقلية بغال، وسرية نقلية آلية، ومستشفى الميدان، يتألف لواء المشاة من ثلاث أفواج، ويتألف لواء المدفعية من ثلاث بطريات قطعات الجيش هي مؤلفة من كتيبة سيارات مدرعة رشاشات آلية مدفعية متوسطة.
تنظيم الجيش الدولي:
الجيش مؤلف من فرق وأفواج، لأول من الكتيبة 36 وهكذا بقية الأفواج، و9 أفواج من الدرك، و6أفواج حدود، و8 سرايا حدود، و6 بطريات، ولكل فرقة قائد (خطط الحرب) الحرب الجديدة أول ما يتخذ مركز للدفاع كما أتخذت الإنكليز البصرة مركز للدفاع (القوات) الإنكليزية في القرنة فكانت مؤلفة مما يلي جهة القورنة ثلاثة أفواج مشاة وأربع مدافع ثقيلة وسرية هندسة وقطعة جساريات وفصيل مخابرة، وكل ذلك بقيادة الجنرال دوبي، وكانت قوات الأتراك في الناصرية مؤلفة من الكتيبة 104 وسرية خيالة وثمانية مدافع وفوج الدرك السيار،

(169)

وكانت الفرقة السادسة من الفيلق الثالث عشر التركي قد رجعت من شمالي خانقين، إنتهى ما وجدته بخطه حرفيا.
وفي الدليل العراقي(1) ما لفظه كلفظه فلذا لا نعيده، وقد كتبنا في «السياسة العلوية» أنظمة اليابان وغيرها تركناه هنا للاختصار.
والنظام الدولي اليوم على نموذج واحد لا تختلف مناهجه إلا ببعض المحسنات، نعم تظهر مهارة المدرب في تثقيف الجند ويبدو أقتدار القائد في ساحة القتال، أما التعبئة فلا تختلف إلا بسعة أقتدار الدولة وقوتها في كثرة الجنود والآليات والأسلحة لكنها مقسومة كليا إلى ثلاث قوات كبرى: القوة الجوية، والقوة المائية، أو الجيش البحري، والقوة الأرضية أو الجيش البري، وكيفية تعبئة هذه القوات لا تختلف مناهجها إلا بحسب الكثرة والسعة، والأنظمة تجري على سنن واحد.
أما القسم الثالث وهو تدريب الجنود على المقاتلة وتثقيفهم على استعمال الآلة بسيطة كانت كما في الأزمنة القديمة أو كانت من الآلات المستحدثة والتمرين على كيفية استعمال السلاح بقسميه الحديث والقديم والتمرين على تسديد الطلقة والقذيفة فنترك الخوض فيه هنا وإن أسهبنا فيه في كتابنا «السياسة العلوية» فأنك تجد هناك تعاليم القرأن المجيد وتعاليم النبي (ص) وتعاليم أمير المؤمنين علي «عليه السلام» وقد أوردنا هناك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» لم يدع باباً من أبواب الثقافة الحربية وتمارين الجنود إلا قرره وفتحه على مصراعيه ليدخل منه القديم والجديد إلى ميدان الحرب الفسيح ويخرج منه حاملاً راية الفوز والظفر فتلك المناهج هي التي تسري عليها الأنظمة الدولية وإن لم تعترف لمبتكرها بفضيلة الاختراع كما هي عقيدة الغرب الذي يجهد على إخفاء كل فضيلة للشرق وطمس كل نور يتألق منه ويحرص كل أن لا يدع له بصيصا يستضيء به أبن الشرق، وأما الشرق فلقوة السنة في عينيه وتغلب الغفوة على أجفانه لا يبصر بعينيه وإن فتحهما لأن عين النائم لا تبصر، أما إذا أطبقهما كما هو الواقع اليوم فأنى يبصر وكيف يرى؟

_____________
(1) الدليل العراقي: ص428.

(170)