تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1519

إليكما ، ولولا أنّ الله سبحانه قدّر أن يخرج منكما ما يتّخده على الخلق حجّة لأجاب فيكما الجنّة وأهلها ، فنعم الأخ أنت ، ونعم الختن أنت ، ونعم الصاحب أنت ، وكفاك برضى الله رضى .
قال عليّ عليه السلام : فقلت : يا رسول الله ، أبلغ بقدري حتى ذكرتُ في السماء(1) وزوّجني ربّي في ملائكته ؟!
فقال صلى الله عليه وآله : إنّ الله سبحانه إذا أكرم وليّه أكرمه بما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ، فأحباها الله لك .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن سجد شكراً لله : «ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ»(2).
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : آمين(3).
الخرگوشي في كتابيه شرف المصطفى واللوامع ، بإسناده عن سلمان . وأبو بكر الشيرازي أيضاً روى في كتابه . وأبو إسحاق الثعلبي ، وعليّ بن أحمد الطائي ، وغيرهم من علماء السنّة في تفاسيرهم عن سعيد بن جبير . وروى أيضاً سفيان الثوري وأبو نعيم الأصفهاني أيضاً فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام عن حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، وعن [أبي مالك ، عن](4) ابن عبّاس والقاضي النطنزي عن سفيان بن عيينة ، عن الصادق عليه السلام .
(1) في الأمالي : الجنّة .
(2) سورة النمل : 19 .
(3) أمالي الصدوق : 448 ح 1 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 222 ح 1 وص 225 ح 2 ، عنهما البحار : 43 / 101 ح 12 ، وفي ص 103 عن تفسير فرات : 156 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1520

وروى مشايخنا رضي الله عنهم عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : «مرج البحرين يلتقيان»(1) قال : عليّ وفاطمة بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه ، وفي رواية : «بينهما برزخ»(2) رسول الله صلى الله عليه وآله «يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان»(3) الحسن الحسين عليهما السلام .(4)
أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس أنّ فاطمة عليها السلام بكت للجوع والعري ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : اقنعي يا فاطمة بزوجك ، فوالله إنّه سيّد في الدنيا ، سيّد في الآخرة ، وأصلح بينهما ، فأنزل سبحانه : «مرج البحرين يلتقيان» يقول : أنا الله أرسلت البحرين : عليّاً بحر العلم ، وفاطمة بحر النبوّة ، يلتقيان : يتّصلان ، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما ، ثم قال : «بينهما برزخ» أي مانع رسول الله صلى الله عليه وآله يمنع عليّاً أن يحزن لأجل الدنيا ، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدنيا «فبأيّ آلاء ربّكما» يا معشر الجنّ والإنس «تكذّبان» بولاية أمير المؤمنين وحبّ فاطمة الزهراء ، فاللؤلؤ الحسن ، والمرجان الحسين ، لأنّ اللؤلؤ الكبار والمرجان الصغار ، ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما ، فإنّ البحر ما سمّي بحراً الا لسعته ، وأجرى النبي صلى الله عليه وآله فرساً فقال : وجدته بحراً .(5)
القاضي أبو محمد الكرخي في كتابه عن الصادق عليه السلام ، عن فاطمة
(1) سورة الرحمن : 19 .
(2) سورة الرحمن : 20 .
(3) سورة الرحمن : 22 .
(4) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 318 ـ 319 ، عنه البحار : 43 / 31 ح 39 .
(5) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 319 ، عنه البحار : 24 / 99 ح 6 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1521

عليها السلام قالت : لمّا نزلت «لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً»(1) هبت رسول الله صلى الله عليه وآله أن أقول له يا أبة ، فكنت أقول : يا رسول الله ، فأعرض عنّي مرّتين أو ثلاثاً ، ثمّ اقبل عليَّ ، وقال : يا فاطمة ، إنّها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك ، أنت منّي وأنا منك ، إنّما اُنزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش أصحاب البذخ والكبر ، قولي : يا أبة ، فإنّها أحيى للقلب ، وأرضى للربّ .(2)
سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي صالح في قوله سبحانه : «وإذا النفوس زوّجت»(3) قال : ما من مؤمن يوم القيامة الا إذا قطع الصراط زوّجه الله على باب الجنّة بأربع نسوة من نساء الدنيا ، وسبعين [ألف](4) حوراء من حور الجنّة الا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه زوج البتول فاطمة في الدنيا ، وهو زوجها في الجنّة ، ليست له في الجنّة زوجة غيرها من نساء الدنيا ، لكن له في الجنّة سبعون ألف حوراء ، لكلّ حوراء سبعون ألف خادم(5).
عن الصادق عليه السلام قال : حرّم الله النساء على عليّ ما دامت فاطمة حيّة لأنّها طاهرة لا تحيض .
وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين(6) : سمّيت مريم بتولاً لأنّها بتلت عن
(1) سورة النور : 63 .
(2) مناقب ابن شهراشوب: 3 / 320 ، عنه البحار : 43 / 32 ـ 33 ، وعوالم العلوم : 11 / 74 ح 6 .
(3) سورة التكوير : 7 .
(4) من المناقب .
(5) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 324 ـ 325 ، عنه البحار : 43 / 154 .
(6) الغريبين : 38 (مخطوط) . وفيه : وقال الليث : البتول كلّ امرأة منقطعة عن الرجال لا شهوة لها . وقال أحمد بن يحيى : سمّيت فاطمة البتول لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء
=
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1522

الرجال ، وسمّيت فاطمة بتولاً لأنّها بتلت عن النظير .
أو هاشم العسكري قال : سألت صاحب العسكر عليه السلام : لِمَ سمّيت فاطمة الزهراء ؟
قال : كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين من أوّل النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند غروب الشمس كالكوكب .(1)
وروي عن الباقر والصادق عليهما السلام ، ورواه أيضاً عامر الشعبيّ والحسن البصري [وسفيان الثوري ومجاهد وابن جبير وجابر الأنصاري](2)، عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال : فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني . أخرجه البخاري عن المسوّر بن مخرمة .
وفي رواية جابر : فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله .(3)
ابن عبد ربّه الأندلسي في العقد ، عن عبد الله بن الزبير ـ في خبر ـ عن معاوية بن أبي سفيان ، قال : دخل الحسن بن عليّ علىجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يتعثّر بذيله ، فأسرّ إلى النبي صلى الله عليه وآله سرّاً فرأيته قد تغيّر لونه ، ثمّ قام صلى الله عليه وآله حتى أتى منزل فاطمة ، فأخذ بيدها فهزّها هزّاً ، وقال لها : يا فاطمة ، إيّاك وغضب عليّ ، فإنّ الله يغضب لغضبه ، ويرضى لرضاه ، ثمّ جاء إلى عليّ عليه السلام فأخذه بيد ، ثمّ هزّها هزّاً خفيفاً ، ثمّ قال :
= الاُمّة فضلاً عن دينها ...
وفي الأصل والمناقب والبحار ك «عبيد» بدل «أبو عبيد» .
(1) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 330 ، عنه البحار : 43 / 16 .
(2) من المناقب .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 332 ، عنه البحار : 43 / 39 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1523

يا أبا الحسن ، إيّاك وغضب فاطمة ، فإنّ الملائكة تغضب لغضبها ، وترضى لرضاها .
فقلت(1): يا رسول الله ، مضيت مذعوراً ورجعت مسروراً !
فقال : يا معاوية : كيف لا اُسرّ وقد أصلحت بين اثنين هما أكرم أهل الأرض على الله ؟(2)
قلت : في روايته لهذا الحديث ثمّ خلافه له وارتكاب ما حذّر الرسول صلى الله عليه وآله من أنّ الله يغضب لغضب عليّ ، ويرضى لرضاه أكبر دليل على نفاقه واستهزائه بقول النبي صلى الله عليه وآله ، وقلّة مبالاة بأمره ونهيه ، وخروج عن الدين بقالبه وقلبه ، وأنّه لا يعتقد الاسلام ديناً ، ولا الله ربّاً ، ولا محمداً رسولاً ، ولا كان متمسّكاً بالكتاب ، ولا أنّه منزل من عند الله ، ولا مقرّاً بما اُنزل فيه ، ولا معتقداً ما وعد الله من الحشر والنشر والحساب ، والجنّة والنار وما أعدّ الله فيهما من الثواب والعقاب ، فلهذا أظهر ما أبطن من بغض النبيّ وأهله ، وأجلب عليهم بخيله ورجله ، وأفضى بوصيّه إلى فتنته ، واُسرته وذروته وشيعته ، بالانتقام منهم ، وإظهار الأحقاد البدريّة فيهم ، فالله حسبه وطلبته ، وهو بالمرصاد لكلّ ظالم .
قال الشيخ محمد بن بابويه القمّي رضي الله عنه : وهذا الحديث ليس بمعتمد لأنّهما منزّهان [عن](3) أن يحتاجا أن يصلح بينهما رسول الله صلى الله
(1) كذا في المناقب ، وفي الأصل : فقلنا .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 334 ، عنه البحار : 43 / 42 ـ 43 ، وعوالم العلوم : 11 / 154 ح 1 .
(3) من المناقب .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1524

عليه وآله .(1)
الباقر والصادق عليهما السلام : أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان لا ينام حتى يقبّل عرض وجه فاطمة ، ويضع وجهه بين ثدييها .(2)
اُتي برجل إلى الفضل بن الربيع زعموا أنّه سبّ فاطمة فقال لابن غانم : انظر في أمره ما تقول ؟
قال : يجب عليه الحدّ .
فقال له الفضل : إذاً كاُمّك إن حددته ، فأمر به أن يضرب بألف سوط ، وأن يصلب في الطريق .(3)
أبو علي الصولي في أخبار فاطمة ، وأبو السعادات في فضائل العشرة ، بالاسناد عن أبي ذرّ الغفاري ، قال : بعثني النبي صلى الله عليه وآله أدعوا عليّاً ، فأتيت بيته وناديته ، فلم يجبني ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : عد إليه فإنّه في البيت فأتيت ودخلت عليه ، فرأيت الرحى تطحن ولا أحد عندها ، فقلت لعليّ : إنّ النبي يدعوك ، فخرج متوشّحاً حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله ، فأخبرت النبي بما رأيت ، فقال : يا أبا ذرّ ، لا تعجب فإنّ لله ملائكة سيّاحون في الأرض ، موكّلون بمعونة آل محمد .
الحسن البصري وابن إسحاق ، عن عمّار وميمونة أنّ كليهما قالا : وجدت فاطمة نائمة والرحى تدور ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك ،
(1) انظر التخريجة السابقة .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 334 ، عنه البحار : 43 / 42 ، وعوالم العلوم : 11 / 134 ح 4 .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 335 ، عنه البحار : 43 / 43 ذح 42 ، وعوالم العلوم : 11 / 152 ح 1 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1525

فقال : إنّ الله علم ضعف أمته فأوى إلى الرحى أن تدور فدارت .
وقد أورد هذا الحديث أبو القاسم البستيّ في فضائل أمير المؤمنين صلوات الله عليه . وروي أنّها عليها السلام ربّما اشتغلت بصلاتها وعبادتها فربّما بكى ولدها فرؤي المهد يتحرّك وكان ملك يحرّكه .
وروي عن الباقر عليه السلام ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سلمان إلى منزل فاطمة عليها السلام بحاجة .
قال سلمان : فوقفت بالباب وقفة حتى سلّمت ، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من داخل البيت والرحى تدور من خارج ما عندها أنيس ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك ، فتبسّم ، وقال : يا سلمان ، إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً إلى مشاشها(1)، تفرّغت لطاعة الله فبعث الله ملكاً يقال له زوقابل ؛ وقيل : جبريل ، فأدار لها الرحى ، وكفاها الله مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة .(2)
أبو القاسم القشيري في كتابه : قال بعضهم : انقطعت في البادية عن قافلة الحجّ ، فوجدت امرأة ، فقلت لها : من أنت ؟
فقالت : «وقل سلام فسوف يعلمون»(3).
فسلّمت عليها ، فقلت : ما تصنعين هاهنا ؟
(1) أي رؤوس العظام اللينة .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 337 ـ 338 ، عنه البحار : 43 / 45 ـ 46 ، وعوالم العلوم : 11 / 155 ح 4 وص 183 ح 23 .
(3) سورة الزخرف : 89 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1526

قالت : «من يضلل الله فلا هادي له»(1).
فقلت : أمن الجنّ أنتِ أم من الإنس ؟
قالت : «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد»(2).
فقلت : من أين أقبلت ؟
قالت : «اولئك ينادَون من مكان بعيد»(3).
فقلت : أين تقصدين ؟
فقالت : «ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا»(4).
فقلت : مى انقطعت ؟
فقالت : «ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام»(5).
فقلت : أتشتهين طعاماً ؟
فقالت : «وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام»(6) فأطعمتها .
ثمّ قلت : هرولي وتعجّلي .
فقال : «لا يكلّف الله نفساً الا وسعها»(7).
فقلت : أردفك .
(1) سورة الأعراف : 186 .
(2) سورة الأعراف : 31 .
(3) سورة فصّلت : 44 .
(4) سورة آل عمران : 97 .
(5) سورة ق : 38 .
(6) سورة الأنبياء : 8 .
(7) سورة البقرة : 286 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1527

فقالت : «لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا»(1).
فنزلت وأركبتها ، فقالت : «سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين»(2).
فلمّا أدركنا القافلة قلت : هل لك أحد فيها ؟
قالت : «يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض»(3) «وما محمّد الا رسول قد خلت من قبله الرسل»(4) «يا يحيى خذ الكتاب بقوّة»(5) «يا موسى .. إنّني أنا الله»(6).
فصحت بهذه الأسماء ، فإذا أنا بأربعة شباب متوجّهين نحوها(7)، فقلت : من هؤلاء منك ؟
قالت : «المال والبنون زينة الحياة الدنيا»(8)، فلمّا أتوها قالت : «يا أبت استأجره إنّ خير من استأجرت القويّ الأمين»(9) فكافوني بأشياء فقالت : «والله يضاعف لمن يشا»(10) فزادوا عليّ فسالتهم عنها ، فقالوا : هذه اُمّنا فضّة
(1) سورة الأنبياء : 22 .
(2) سورة الزخرف : 13 .
(3) سورة ص: 26 .
(4) سورة آل عمران : 144 .
(5) سورة مريم : 12 .
(6) سورة طه : 11 و14 .
(7) كذا في المناقب ، وفي الأصل : موجّهين إليّ .
(8) سورة الكهف : 46 .
(9) سورة القصص : 26 .
(10) سورة البقرة : 261 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1528

جارية الزهراء صلى الله عليها ، ماتكلّمت منذ عشرين سنة الا بالقرآن .(1)
قلت : يا أصحاب الفكر الصائب ، والنظر الثاقب ، والقلب السليم ، واللبّ المستقيم ، تفكّروا في هذه النفس التي قدّسها الله وطهّرها وأطلعها على أسرار كلامه ، وطهّرها وشرّفها بخدمة اولي نهيه وأمره ، وأطلعها ببركات فضلهم على مكنون سرّه ، وجعل قلبها مشكاة نور حكمته ، وباطنها مرآة كمال معرفته ، وأسكن حبّه سويداء فؤادها ، وجعل ذكره أقصى مرادها ، فصارت لا تنطق الا بكلامه المجيد ، الذي «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد»(2).
وأذهب عنها كلفة المشقّة في استنباط غرائبه ، وإعمال الفكرة في إظهار عجائبه ، وجعل جبلتها مطبوعة عليه ، وفكرتها مصبوبة لديه ، ينبي عن مقاصدها بوجيز كلماته ، ويخبر عن مطالبها بعزيز آياته ، فهو في لوح نفسها مسطور ، وفي رقّ عملها منشور ، فكأنّه روضة أنيقة بين يديها ، أو جنّة يانعة تهدّلت أغصانها عليها ، تلتقط ماشاءت من أزاهير هذه وأنوارها ، وتقتطف ما أرادت من فواكه تلك وثمارها ، لمّا أخلصت لله بطاعتها ، وعظّمت ما عظّم الله من جلالة سيّدتها ، وعلمت أنّ الله سبحانه عصمها وصفاها ، وعلىنساء العالمين اصطفاها ، وجعل والدها كلمته التامّة في خلقه ، وبعلها لسانه الناطق بحقّه ، وذرّيّتها أولياءه على عباده ، وعترها اُمناءه في بلاده ، لا يقبل الله عمل عامل الا بولايتهم ، ولا يدخل الجنّة الا مستمسكاً بعروة محبّتهم ، تشاركهم في إخلاص الطاعة لمعبودهم ، وساوتهم في وفاء نذورهم وعهودهم ، فأدخلها سبحانه في
(1) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 343 ـ 344 ، عنه البحار : 43 / 86 ـ 87 .
(2) سورة فصّلت : 42 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1529

زمرتهم ، وأشركها في مدحتهم ، وجعل ذكرها في جملة ذكره مذكوراً ، في قوله سبحانه : «إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً»(1)، وأثبت في صحائف الايمان شرفها ورفعتها ، وأصلح بصلاحها ولدها وحفدتها .
مالك بن دينار قال : رأيت في مودع الحجّ امرأة ضعيفة على دابّة نحيفة والناس ينصحونها لتنكص وهي تمتنع ، فلمّا توسّطنا البادية كلّت دابّتها فعذلتها في إتيانها وعنّفتها فرفعت طرفها(2) إلىالسماء ، وقالت : لا في بيتي تركتني ، ولا إلى بيتك حملتني ، فوعزّتك وجلالك لو فعل هذا بي غيرك لما شكوته الا إليك ، فإذا شخص أتاها من الفيفاء(3) وفي يده زمام ناقة وقال لها : اركبي ، فركبت وسارت الناقة كالبرق الخاطف ، فلمّا بلغت المطاف رأيتها تطوف فحلّفتها : من أنتِ ؟
فقالت : أنا شهرة بنت مسكة بنت فضّة جارية(4) الزهراء عليها السلام .
وروي أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام سالت من رسول الله صلى الله عليه وآله خاتماً ، فقال لها : إذا صلّيت صلاة الليل فاطلبي من الله عز وجل خاتماً ، فإنّك تنالين حاجتك .
قال : فدعت ربّها سبحانه فإذا بهاتف يهتف : يا فاطمة ، الذي طلبتِ منّي تحت المصلّى ، فرفعت المصلّى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له ، فجعلته في إصبعها وفرحت ، فلمّا نامت من ليلتها رأت في منامها كأنّها في الجنّة فرأت
(1) سورة الانسان : 5 .
(2) في المناقب : رأسها .
(3) الفيفاء : البادية .
(4) في المناقب : خادمة .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1530

ثلاث قصور لم تر في الجنّة مثلها ، قالت : لمن هذه القصور ؟
قالوا : لفاطمة بنت محمد .
قال : فكأنّها دخلت قصراً من تلك ودارت [فيه](1) فرأت سريراً قد مال على ثلاث قوائم ، فقالت : ما لهذا السرير قد مال على ثالث قوائم ؟ فلمّا أصبحت دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وقصّت القصّة .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : معاشر آل عبد المطّلب ، ليس لكم الدنيا ، إنّما لكم الآخرة ، وميعادكم الجنّة ، ما تصنعون بالدنيا فإنّها زائلة غرّارة ، فأمرها النبي صلى الله عليه وآله أن تردّ الخاتم تحت المصلّى ، فردّته ، ثمّ نامت على المصلّى فرأت في المنام أنّها دخلت الجنة ، ودخلت ذلك القصر ، ورأت السرير على أربع قوائم ، فسألت عن حاله : فقالوا : رددت الخاتم فرجع السرير إلى هيئته .
أبو جعفر الطوسي : عن الصادق عليه السلام ؛ وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنّه لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السلام للبيعة من منزله خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر وقالت : خلّوا عن ابن عمّي ، فوالذي بعث محمداً بالحقّ لأن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري ، ولأضعنّ قميص رسول الله صلى الله عليه وآله على رأسي ، ولأصرخنّ إلى الله(2)، فما ناقة صالح بأكرم على الله منّي ، ولا الفصيل على الله بأكرم من ولدي(3).
قال سلمان : فوالله رأيت أساس حيطان المسجد قد تقلّعت من أسفلها
(1) من المناقب .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : ولأخرجنّ .
(3) في المناقب : فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1531

حتى لو اراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ ، فدنوت منها وقلت : يا سيّدتي ومولاتي ، إنّ الله سبحانه بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة ، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا .(1)
في الصحيحين(2): أنّ عليّاً عليه السلام قال لفاطمة : إنّي أشتكي ممّا أندأ بالقِرَب .
فقالت : والله وأنا أشتكي يديّ ممّا أطحن بالرحى ، وكان قد اُتي النبي صلى الله عليه وآله بسبي ، فأمرها أمير المؤمنين عليه السلام أن تمضي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وتطلب منه جارية ، فدخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلّمت ورجعت ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : مالك ؟
فقالت : والله ما استطعت أن اُكلّم رسول الله صلى الله عليه وآله من هيبته ، فانطلق عليّ معها ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله : لقد جاءت بكما إليّ حاجة .
فقال أمير المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وآله : إنّ فاطمة قد طحنت بالرحى حتى مجلت كفّاها ، وقمّت البيت حتى دكنت ثيابها ، وخبّره بمرادهما .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : اُريد أن أبيعهم وأنفق أثمانهم على أهل الصفّة ، وعلّمها تسبيح الزهراء .
وعن أبي بكر الشيرازي(3): أنّها لمّا ذكرت حالها للرسول بكى صلى الله
(1) مناقب ابن شهر اشوب : 3 / 338 ـ 340 ، عنه البحار : 43 / 46 ح 46 ، وعوالم العلوم : 11 / 156 ح 6 صدره .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : كتاب الشيرازي : وفي الصحيحين .
(3) في المناقب : كتاب الشيرازي .

السابق السابق الفهرس التالي التالي