تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1532

عليه وآله وقال : يا فاطمة ، والذي بعثني بالحقّ إنّ في المسجد أربعمائة رجل مالهم طعام ولا ثياب ، ولولا خشيتي خصلة لأعطيتك ما سألت .
يا فاطمة ، إنّي لا اُريد أن ينفكّ عنك أجرك إلى الجارية ، وإنّي أخاف أن يخصمك عليّ يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجل(1) إذا طلب حقّه منك ، ثمّ علّمها صلاة التسبيح .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : مضيتِ تريدين من رسول الله صلى الله عليه وآله الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة .
قال أبو هريرة : فلمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من عند فاطمة أنزل الله سبحانه عليه : «وإمّا تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمة من ربّك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً»(2) يعني قولاً حسناً . فلمّا نزلت هذه الآية أنفذ إليها رسول الله صلى الله عليه وآله جارية للخدمة وسمّاها فضّة .
تفسير القشيري : عن جابر الأنصاري ، قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة صلى الله عليها وعليها كساء من أجلّة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقال : يا بنتاه ، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة .
فقالت : يا رسول الله ، الحمد لله على نعمائه ، والشكر لله على آلائه ، فأنزل سبحانه «ولسوف يعطيك ربّك فترضى»(3).
أبو صالح المؤذّن في كتابه بالاسناد عن عليّ عليه السلام أنّ النبي صلى
(1) لفظ الجلالة من المناقب .
(2) سورة الإسراء : 28 .
(3) سورة الضحى : 5 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1533

الله عليه وآله دخل على فاطمة وإذا في عنقها قلادة ، فأعرض عنها ، فقطعتها ورمت بها [فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت منّي يا فاطمة](1)، ثمّ جاءها سائل فناولته إيّاها .(2)
وفي مسند الرضا عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يا فاطمة ، لا يغرّنّك الناس أن يقولوا بنت محمد وعليك لبس الجبابرة ، فقطعتها وباعتها واشترت بثمنها رقبة فأعتقتها ، فسرّ رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك .(3)
تاريخ بغداد(4): بالاسناد عن بلال بن حمامة : طلع علينا النبي صلى الله عليه وآله ووجهه مشرق كالبدر ، فسأله ابن عوف عن ذلك ، فقال : بشارة من ربّي أتتني لأخي عليّ بن أبي طالب وابنتي فاطمة ، وأنّ الله زوّج عليّاً بفاطمة وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً بعدد محبّي أهل بيتي ، وأنشأ من تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كلّ ملك صكّاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق : أين محبّو عليّ وفاطمة عليهما السلام ؟ فلا يبقى محبّاً لنا الا دفعت إليه صكّاً براءة من النار ، بأخي وابن عمّي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من اُمّتي .
(1) من المناقب .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 341 ـ 343 ، عنه البحار : 43 / 85 ـ 86 ح 8 .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 343 .
ورواه في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 44 ح 161 ، وفيه : يا فاطمة لا يقول الناس إنّ فاطمة بنت محمد تلبس لبس الجبابرة .. ، عنه البحار : 43 / 81 ح 2 ، وعوالم العلوم : 11 / 269 ح 9 .
(4) تاريخ بغداد : 4 / 210 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1534

وفي رواية : أنّ في الصكوك : براءة من العليّ الجبّار ، لشيعة علي وفاطمة من النار .(1)
ابن بطّة والسمعاني في كتبهم بالاسناد عن ابن عبّاس وأنس بن مالك ، قالا : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس إذ جاء عليّ ، فقال : يا عليّ ، ما جاء بك ؟
قال : جئت اُسلّم عليك .
قال : هذا جبرئيل يخبرني أنّ الله سبحانه زوّجك فاطمة ، وأشهد على تزويجها أربعين ألف ملك ، وأمر سبحانه شجرة طوبى أن انثري عليهم الدرّ والياقوت ، وهنّ يتهادينه إلى يوم القيامة ، وكانوا يتهادونه ويقلن : هذا تحفة خير النساء .
وفي رواية ابن بطّة عن عبد الله : فمن أخذ منه شيئاً أكثر ممّا أخذ منه صاحبه أو أحسن افتخر به على صاحبه إلى يوم القيامة .
وفي رواية خبّاب بن الأرتّ ، أنّ الله تعالى أوحى إلى جبرئيل أن زوّج النور من النور ، وكانالوليّ الله ، والخطيب جبرئيل ، والمنادي ميكائيل ، والداعي إسرافيل ، والناثر عزرائيل ، والشهود ملائكة السماء والأرض ، ثمّ أوحى سبحانه إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك ، فنثرت الدرّ الأبيض ، والياقوت الأحمر ، والزبرجد الأخضر ، واللؤلؤ الرطب ، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهنّ إلى بعض .
(1) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 346 ، عنه البحار : 43 / 123 ذح 31 وعن كشف الغمّة : 1 / 352 نقلاً من مناقب الخوارزمي : 246 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1535

وفي خبر أنّ الخطيب كان ملكاً يقال له راحيل(1)، وقد جاء في بعض الكتب أنّه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع ، فقال :
الحمد لله الأوّل قبل أوّلية الأوّلين ، والباقي بعد فناء العالمين ، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيّين ، ولربوبيّته مذعنينن ، وله على ما أنعم علينا شاكرين ، حجبنا من الذنوب ، وسترنا من العيوب ، أسكننا في السماوات ، وقريباً من السرادقات ، وحبس(2) عنّا النهم من الشهوات ، وجعل شهوتنا ونهمتنا في تسبيحه وتقديسه ، الباسط رحمته ، الواهب نعمته ، جلّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين ، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين .
ثم قال بعد كلام(3): اختار الملك الجبّار صفوة كرمه ، وعبد عظمته لأمته سيّدة النساء بنت خير النبيّين ، وسيّد المرسلين ، وإمام المتّقين ، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه ، المصدّق دعوته ، المبادر إلى كلمته ، عليّ الوصول بفاطمة البتول ، ابنة الرسول .
وروي أنّ جبرئيل روى عن الله سبحانه أنّه قال عقيبها : الحمد ردائي ، والعظمة كبريائي ، والخلق كلّهم عبيدي وإمائي ، زوّجت فاطمة أمتي ، من عليّ صفوتي ، اشهدوا يا ملائكتي .
وكان بين تزويج فاطمة بعليّ صلى الله عليهما في السماء وتزويجهما في الأرض أربعين يوماً ، زوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله من علي عليه السلام
(1) كذا في المناقب ، وفي الأصل : راجيل . وكذا في المواضع الآتية .
(2) في المناقب : وقرّبنا إلى السرادقات ، وحجب .
(3) كذا في المناقب ، وفي الأصل : بعد ذلك .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1536

أوّل يوم من ذي الحجّة ؛ وقيل : يوم السادس منه .(1)
علي(2) بن جعفر ، عن موسى بن جعفر عليه السلام ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجهاً ، فقال له : حبيبي جبرئيل ، لم أرك في هذه الصورة ؟!
قال الملك : لست بجبرئيل ، أنا محمود ، بعثني الله أن اُزوّج النور من النور .
قال : مَن بِمَن ؟
قال : فاطمة من عليّ .
قال : فلمّا ولّى الملك إذا بين كتفيه : محمد رسول الله ، عليّ وصيّه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : منذ كم كتب هذا(3) بين كتفيك ؟
فقال : من قبل أن يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام .
وفي رواية : أربع وعشرون ألف عام .
وروي أنّه كان للملك عشرون رأساً ، في كلّ رأس ألف لسان ، وكان اسم الملك صرصائيل .
وبالاسناد عن أبي أيّوب ، قال : دخل النبي صلى الله عليه وآله على
(1) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 346 ـ 349 ، عنه البحار : 43 / 109 ـ 110 .
(2) روى هذا الحديث الصدوق في معاني الأخبار : 103 ح 1 ، الخصال : 64 ح 17 ، الأمالي : 474 ح 19 .
(3) كذا في المناقب ، وفي الأصل : منذ كم كنتَ وهذا ؟
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1537

فاطمة وقال : يا فاطمة ، إنّي اُمرت بتزويجك من عليّ من البيضاء(1). وفي رواية : من السماء .
وعن الضحّاك ، قال : دخل النبي صلى الله عليه وآله على فاطمة ، وقال : يا فاطمة ، إنّ عليّ بن أبي طالب ممّن عرفت قرابته منّي ، وفضله في الاسلام ، وإنّي سألت الله أن يزوّجك خير خلقه ، وأحبّهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين ؟
فسكتت ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو يقول : الله أكبر ، سكوتها إقرارها .
وخطب رسول الله(2) صلى الله عليه وآله في تزويج فاطمة أمام العقد على المنبر ، رواها يحيى بن معين في أماليه ، وابن بطّة في الإبانة ، بإسناده عن أنس ابن مالك مرفوعاً ، ورويناها نحن عن الرضا عليّ بن موسى عليه السلام ، فقال :
الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع في سلطانه ، المرغوب إليه فيما عنده ، المرهوب من عذابه ، النافذ أمره في سمائه وأرضه ، الذي خلق الخلق بقدرته ، وميّزهم بأحكامه ، وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّه محمد صلى الله عليه وآله ، إنّ الله تعالى جعل المصاهرة نسباً لاحقاً ، وأمراً مفترضاً ، وشج بها الأرحام ، وألزمها الانام ، فقال سبحانه : «وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً»(3) ثمّ إنّ الله سبحانه أمرني أن اُزوّج فاطمة من عليّ ، وقد
(1) في المناقب : بتزويجك من البيضاء .
(2) أخرج هذه الخطبة في كشف الغمّة : 1 / 348 نقلاً من مناقب الخوارزمي : 242 ، عنه البحار : 43 / 119 ح 29 .
(3) سورة الفرقان : 54 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1538

زوّجتها إيّاه على أربعمائة مثقال فضّة ، أرضيت يا عليّ ؟
فقال صلوات الله عليه : رضيت ، يا رسول الله .
وروى ابن مردويه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعليّ : تكلّم يا عليّ خطيباً لنفسك .
فقال : الحمد لله الذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنّة من يتّقيه ، وأنذر بالنار من يعصيه ، نحمده على قديم إحسانه وأياديه ، حمد من يعلم أنّه خالقه وباريه ، ومميته ومحييه ، وسائله عن مساويه ، ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستكفيه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغه وترضيه ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله صلاة تزلفه وتحظيه ، وترفعه وتصطفيه ، والنكاح ممّا أمر الله [به](1) ويرضيه ، واجتماعنا ممّا قدّره الله وأذن فيه ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم ، وقد رضيت ، فاسألوه واشهدوا .
[وفي خبر : زوّجتك ابنتي فاطمة على ما زوّجك الرحمن ، وقد رضيت بما رضي الله لها ، قدونك أهلك فإنّك أحقّ بها منّي](2).
وفي خبر : فنعم الأخ أنت ، ونعم الصهر ، ونعم الختن أنت ، فخرّ أمير المؤمنين عليه السلام ساجداً ، فلمّا رفع أمير المؤمنين عليه السلام رأسه قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بارك الله عليكما ، وبارك فيكما ، وأسعد جدّكما ، وجمع شملكما(3)، وأخرج منكما الكثير الطيّب ، ثمّ أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بطبق بُسر وأمر بنهبه ، ودخل حجرة النساء وأمرهنّ بضرب الدفّ .
(1 و2) من المناقب .
(3) في المناقب : بينكما .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1539

وقيل للنبيّ صلى الله عليه وآله : قد علمنا مهر فاطمة في الأرض ، فما مهرها في السماء ؟
فقال صلى الله عليه وآله : سل عمّا يعنيك ، ودع ما لا يعنيك .
فقيل : هذا ممّا يعنينا ، يا رسول الله .
قال : مهرها في السماء خمس الأرض ، فمن مشى عليها مبغضاً لها ولولدها مشى عليها حراماً إلى أن تقوم الساعة .
وفي الجلاء والشفاء عن الباقر عليه السلام ـ في خبر طويل ـ : جعلت نحلتها من عليّ خمس الدنيا وثلثي الجنّة ، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار : الفرات ، ونيل مصر ، ونهروان ، ونهر بلخ .
ثم(1) إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : قم فبع الدرع ، فباعه بخمسمائة درهم من أعرابي ، وأتى النبي صلى الله عليه وآله بها .
فقال : أعرفت الأعرابي ؟
قال : لا .
قال : كان ذاك جبرئيل ، وأتاني بدرعك .
قال الصادق عليه السلام(2): وسكب الدراهم في حجره ، فأعطى منها قبضة كانت ثلاثة وستّين أو ستّة وستّين إلى اُم أيمن لمتاع البيت ، وقبضة إلى أسماء بنت عميس للطيب ، وقبضة إلى اُمّ سلمة للطعام ، وأنفذ عمّاراً وأبا بكر
(1) روي نحو هذا في دلائل الامامة : 13 ، عنه مدينة المعاجز : 2 / 325 ـ 326 وص 443 ـ 444 ح 66 .
(2) رواه الطوسي في الأمالي : 1 / 39 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1540

وبلالاً لابتياع ما يصلحها ، فكان ممّا اشتروه : قميص بسعبة دراهم ، وخمار بأربعة دراهم ، وقطيفة سوداء خيبريّة ، وسرير مزمّل بشريطٍ ، وفراشان من خَيش مصر(1)، حشو أحدهما ليف ، والآخر من جزّ الغنم ، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخِر(2)، وستر من صوف ، وحصير هَجَري ، ورحى اليد ، وسقاء من آدم ، ومِخضَب(3) من نحاس ، وقفّة(4) للّبن ، ومطهرة للماء مزفّتة(5)، وجرّة خضراء وكيزان خزف .
وفي رواية : ونطع من أدم ، وعباء قطراني ، وقربة ماء .
وكان من تجهيز عليّ داره انتشار رمل لبن ، وخشبة من حائط إلى حائط للثياب ، وبسط إهاب كبش ، ومخدّة ليف .
أبو بكر بن مردويه قال : لبث أمير المؤمنين عليه السلام بعد عقده تسعة وعشرين يوماً ، فقال له جعفر وعقيل : سل رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدخل عليك أهلك ، فعرفت اُمّ أيمن ذلك ، وقالت : هذا من أمر النساء ، وخلت به أيضاً اُمّ سلمة وطالبته بذلك ، فدعاه النبي صلى الله عليه وآله ، وقال : حبّاً وكرامة ، فأتى الصحابة بالهدايا والتحف ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بطحن البرّ وخبزه ، وأمر عليّاً بذبح البقر والغنم ، فكان النبي صلى الله عليه وآله
(1) كذا في المناقب ، وفي الأصل : جنس .
والخَيش : ثيابٌ رقاقُ النسج ، غلاظُ الخيوط ، تُتّخذُ من مُشاقَة الكتّان ومن أردَئه . «لسان العرب : 6 / 301 ـ خيش ـ» .
(2) الإذخِر : حشيش طيّب الرائحة ، أطول من الثيّل .
(3) المِخضَب : إناء تغسل فيه الثياب .
(4) في المناقب : قعب .
(5) في المناقب : وشن للماء ومطهرة مزفّته .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1541

يفصل اللحم ولم ير على يده أثر الدم .
فلمّا فرغوا من الطبخ أمر رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً أن ينادي على رأس داره : أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأجابوه من النخلات والزروع ، فبسط النطوع في المسجد ، وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل ، وسائر نساء المدينة ، ورفعوا منها ما أرادوا ولم ينقص من الطعام شيء ، ثمّ عادوا في اليوم الثاني فأكلوا ، وفي الثالث أكلوا مبعوثة أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه ، ثمّ دعا رسول الله صلى الله عليه وآله بالصحاف فملئت ، ووجّه إلى منازل أزواجه ، ثمّ أخذ صحفة ، وقال : هذه لفاطمة وبعلها ، ثمّ دعا فاطمة فأخذ يدها ووضعها في يد عليّ ، وقال : بارك الله في ابنة رسول الله ؛ يا عليّ ، نعم الزوج فاطمة ، ويا فاطمة ، نعم البعل عليّ .
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر نساءه أن تزيّنها ويصلحن من شأنها في حجرة اُم سلمة فاستدعين من فاطمة عليها السلام طيباً فأتت بقارورة ، فسئلت عنها ، فقالت : كان دحية الكلبيّ يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول : يا فاطمة ، هاتي الوسادة فاطرحيها لعمّك ، فكان إذا نهض سقط من بين ثيابه شيء ، فيأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله بجمعه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك ، فقال : عنبر يسقط من زغب أجنحة جبرئيل ، وأتت بماء ورد فسألتها عنه اُمّ سلمة ، فقالت : هذا عرق رسول الله صلى الله عليه وآله كنت آخذه عند قيلولته عندي .
وروي أنّ جبرئيل أتى بحلّةٍ قيمتها الدنيا ، فلمّا لبستها تحيّرت نسوة قريش منها ، وقلن : أنّى لك هذا ؟
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1542

قالت : هو منعند الله سبحانه(1).
تاريخ الخطيب : بإسناده إلى ابن عبّاس وجابر(2) أنّه لمّا كانت الليلة التي زفّت فيها فاطمة إلى عليّ عليهما السلام كان النبي صلى الله عليه وآله أمامها ، وجبرئيل عن يمينها ، وميكائيل عن يسارها ، وسبعون ألف ملك يشيّعونها من خلفها ، يسبّحون الله ويقدّسونه حتى طلع الفجر .
كتاب مولد فاطمة عليها السلام عن ابن بابويه رضي الله عنه ـ فثي خبر ـ أنّ النبي صلى الله عليه وآله أمر بنات عبد المطّلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة عليها السلام ، وأن يفرحن ويرجزن ويكبّرن ويحمدن ، ولا يقلن ما لا يرضي الله .
قال جابر : فأركبها رسول الله صلى الله عليه وآله [على](3) ناقته . وفي رواية : على بغلته الشهباء ، وأخذ سلمان بزمامها ، وحولها سبعون حوراء والنبيّ صلى الله عليه وآله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ، ونساء النبي قدّامهم يرجزن ، فأنشأت اُمّ سلمة رضي الله عنها :
سرن(4) بعون الله جاراتي واشكرنه في كلّ حالات
واذكرن ما أنعم ربّ العُلى من كشف مكروه وآفات
(1) في «ح» : كما قيل لمريم اُمّ عيسى عليه السلام فقالت كقولها : «هو من عند الله» [سورة آل عمران : 37] .
(2) في المناقب : تاريخ الخطيب ، وكتاب ابن مردويه ؛ وابن المؤذّن ؛ وابن شيرويه الديلميّ ، بأسانيدهم عن علي بن الجعد ، عن ابن بسطام ، عن شعبة بن الحجّاج ؛ وعن علوان ، عن شعبة ، عن أبي حمزة الضبعيّ ، عن ابن عبّاس وجابر .
(3) من المناقب .
(4) كذا في المناقب ، وفي الأصل : سرّت .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1543

فقد هدانـا بعـد كـفر وقد أنعشنا ربّ الـسموات
فسرن مع خير نساء الورى تفدى بعمّات وخـالات
يا بنت من فضّله ذو العلى بالوحي منه والرسالات

ثمّ قالت عائشة :
يا نسوة اسـترن بالـمعـاجر واذكرن ما يحسن في المحاضر
واذكرن ربّ الناس إذ يخصّنا بدينه مـع كـلّ عبـد شـاكر
فالحمد لـله عـلى إفـضاله والشكر لـله الـعزيز الـقادر
سرن بها فالله أعلـى قدرها(1) وخصـّهـا مـنه بطهر طاهر

ثمّ قالت حفصة :
فاطمة خـير نـساء البشر ومن لها وجه كـوجـه القمر
فضّلك الله على كلّ الورى بفضل من خُصّ بآي السـور(2)
زوّجك اللـه فتىً مفضّلاً(3) أعني عليّاً خير مَن في الحضر
فسرن جاراتي بها فيالها(4) كريمة بنت عظـيم الخـطـر

ثمّ قالت معاذة اُمّ سعد بن معاذ :
أقول قولاً فيه ما فيه وأذكر الخيـر واُبـديه
محمد خير بنـي آدم ما فيه من كبر ولا تيه
بفضله عرّفنا رشدنا(5) فالله بالخـير يـجازيه
(1) في المناقب : فالله أعطى ذكرها .
(2) في المناقب : الزمر .
(3) في المناقب : فاضلاً .
(4) في المناقب : بها إنّها .
(5) أي دليلنا .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1544

ونحن مع بنت نبيّ الهدى ذي شرف قد مكّنت فيه
في ذروة شامخـة أصلها فما أرى شيـئاً يـدانيه

وكانت النسوة يرجعن أوّل بيت من كلّ رجز ، ثمّ يكبّرن حتى دخلن الدار ، ثمّ أنفذ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عليّ ودعاه إلى المسجد ، ثمّ دعا فاطمة فاخذ يدها ووضعها في يد عليّ ، وقال : بارك الله لك في ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله .
كتاب ابن مردويه : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله دعا بماء ، فأخذ منه جرعة فتمضمض بها ، ثمّ مجّها في القعب ، ثمّ صبّ منها على رأسها ، ثمّ قال : أقبلي ، فلمّا أقبلت نضح بين ثدييها ، ثمّ قال : أدبري ، فلمّا أدبرت نضح بين كتفيها ، ثمّ دعا لهما .
أبو عبيد في غريب الحديث أنّه قال : اللهم اونسهما أي ثبّت الودّ بينهما .
وروي أنّه صلى الله عليه وآله قال : اللهم إنّهما أحبّ خلقك إليّ فأحبّهما وبارك في ذرّيّتهما ، واجعل عليهما منك حافظاً ، وإنّي اُعيذهما وذرّيّتهما بك من الشيطان الرجيم .
[وروي أنّه دعا لها فقال :](1) أذهب الله عنكِ الرجس وطهّركِ(2) تطهيراً .
وروي أنّه قال : مرحباً ببحرين يلتقيان ونجمين يقترنان ، ثمّ خرج إلى الباب وهو يقول : طهّركما الله وطهّر نسلكما ، أنا حرب لمن حاربكما ، وسلم لمن سالمكما ، أستودعكما الله وأستخلفه عليكما ، وباتت عندها أسماء بنت
(1) من المناقب .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : عنكم الرجس وطهّركم .

السابق السابق الفهرس التالي التالي