تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1508

سـل عنـه بـدراً والوليد وعتـبة تنـبيك عـن نـدب يـقول ويفعل
قـدّ بـان ميـشا فانثنى وحسـامه بدمـائـه متـوشّـح متـسـربل
وقـموص خيبر مذ اُبيـد غدت لها قمـص الـمذلّة والإهـانـة تشمل
وبنو قريظة لـم يزل ربّ الـعلى بيديـك يـا مـولى الأنـام يزلزلُ
أعمالنا فـي حـشرنا وصـلاتـنا بسـوى ولائـك ربـّنا لا يـقـبل
علـقت يدي منـه بأوثـق عـروة يفنـى الزمـان وحـبلها لا يفصلُ
يا مـن يقيس يـبه سـواه سفاهة مـا أنـت إلا أعـفـك(1) لا يعقل
تربت يداك فضلّ سعيك فـيالورى أيقاس بـالـدرّ الثـميـن الجـندلُ
من تـيم مـن أعلامها مـا فضلها ما مجدها مـن حبـترٍ مـن نـعثل
بل ما الأكاسـرة العـظـام ومـا القياصرة الكرام ومن يجـور ويعدل
فيـه بـنوح والـخليـل وبالكليم وبابن مريـم وهـو مـنهـم أفضل
يا زائـراً جـدث الوصيّ معظماً ولـه على البـيت الحـرام يفـضل
ويرى الخضوع لديه خير وسيلة بثـوابـهـا يـتوسّـل المـتوسـّل
قف خاشعاً والثـم ثـراه ففضله وكمـالـه مـن كـلّ فضـل أكـمل
واعدد قيامك في صـعيد مـقامه سبـباً إلى رضـوان ربّك يـوصـل
وجميع ما تأتي بـه من طـاعةٍ جـزمــاً بغـير ولائـه لا يـقبـل
وأبـلغه عنّـي بالـسلام تحيـّة هي خـير مـا يـهـدى إليه ويرسل
ومدائحاً في غير وصـف كمـاله ترصيعـها وبديـعـها لا يـجـمـل
وإليه أيدي بالـخطـاب ألوكـه عن صدق إخلاصي رواهـا الـمقول
من بعد ما نأتي بـه مـن طاعةٍ بـأدائـها يـتـنـفّل الـمتـنـفـّل
(1) الأعفك : الأحمق .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1509

وإذا فــرض أو إقـامـة سـنـّة أو زورة منـهـا الـنجاة تـؤمّل
قف ثمّ قـل يـا خيـر مـن لولائه في مهجـتي دون الخـلائق منزل
ومعـارج الـدعوات حول ضريحه وعلـيه أمـلاك السـماء تـنزل
تركـوك يـا طود الـعلوم وقدّمـوا رجسـاً بحبـّة خردل لا يـعـدل
وبنوا قواعد ديـنهم سفهاً على جرفٍ فتاهـوا فـي الـضلال وضلّـلوا
وتراث أحـمد منـك حـازوه ومـا استحيوا وللقـرآن جهـلاً أوّلـوا
وعلـى عبادة عجلهم عكفوا وأضـ ـحى السـامريّ بهم إليه يـعدلوا
ولزوجك الـزهـراء عـن ميراثها حجبوا وحـكم الـله فيـها بـدّلوا
وعليك من بعـد النـبيّ تحـزّبت أحزابهم وأتـوا لحربك يـرفلـوا
وغدا براكبة البـعيـر بعـيرهـا للكفر والإلـحاد منـهـا يحـمـل
وأتت مـن البلد الـحرام بفـتنـةٍ لبّ اللـبـيب لها يحـير ويذهـل
لم أنسهـا وجمـوعـها من حولها لضبا الـعوامـل والـمناصل مأكل
حتى إذا شرفت بعـصبـة بغـيها ورأت بنيها حولـهـا قـد قـتـّلوا
أبدت خضوعاً واسـتـقالت عثرة ما أن يـقال ومـثلـها لا يـحـمل
ثمّ انثنت نـحو ابن هـند والحشا منـها بـه لـلحـقد نـار تـشعـل
جعلت دم الـمقـتول حقـّاً شبهة منـها بـدار أخ الـرسـول تؤمـّل
ما تيـم مـرّة مـن اُميّة فانكصي فالبغي يصـرع طـالبـيه ويـخذل
أغراك غلّ فـي فـؤادك كـامنٌ يغـــلي مـراجـلـه وحـقد أوّل
لم تجر بعد المصطفى من فـتنةٍ الا وبغــيك وردهـا والـمنـهـل
فلذاك رأس القاسطـين ورهطـه بك في الضلال تـتابعوا وتـوغّـلوا
والمارقون عن الهـدى والسابقون إلى الـردى وبنـهروان جـدّلــوا
منك احتدوا وبك اقتدوا في ضيمهم وعلى اجتهادك في خـروجـك عوّلوا
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1510

أغواهم الشـيطـان حـتى أكفروا بحر الـعلـوم وخـطّأوه وجهــّلوا
وعدوا عـليه مـصلّياً متـهجّـداً بتـخـشـّع وتـضـرّع يـتبـتّل
كفــروا بأنعم ربـّهم ونـبيـهم ووليّهـم إذ ضيـعـوا مـا حمـلوا
بكـت السـماوات العلى لمصابه بدم عـبـيـط لا بـدمـع يـهـمل
أذكت رزيّـته بقـلـبي لـوعـة حتى الـمـمـات رسيسـها يتجلجل
وعلى عيوني حرّمت طيب الكرى فلذا بفيـض نجـيـعها لا تـبخـل
صلّى عليـك الـله يا مـن ديننا حــقـّاً بغـير ولائـه لا يـقبـل
وعـلى الذيـن تـقـدّمـوك وفا رقوا دين الهدى ووكيد عهدك أهملوا
لعناً وبيلاً ليـس يحـصـى عدّه حتـى القـيامة وصله لا يفـصـل
ما ارتاح ذو شجن ينـشر صارماً عصفت جـنوب واستـمرّت شمائل
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1511

فصل
في ذكر سيّدة النساء صلوات الله وسلامه عليه

نبدأ من ذلك بخطبة في ذكر شيء من مناقبها وتزويجها بأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، قلتها بإذن الله وخطبت في مشهد ولدها السبط التابع لمرضاة الله أبي عبد الله الحسين عليه السلام يوم السادس من ذي الحجّة الحرام ، وهي هذه :
الحمد لله الذي أعلا بعليّ أمره كلمة رسوله ونبيّه وانمى له في سماء المجد قدراً ، وأوضح أحكام شريعته بوصيّه في اُمّته وشدّ به منه عضداً وأزراً ، ونصب أعلام ملّته بشدّة عزمته وجعله نسباً وصهراً .
وأمر نبيّه أن يورده من غدير الشرف فيالغدير ورداً وصدراً ، وأن يخاطبا لجمّ الغفير بفرض ولايته علانية وسرّاً ، وأن يرفع له بالرئاسة العامّة إلى حين حلول الطامّة الكبرى قدراً ، لمّا زوّجه الجليل سبحانه بالبتولة الزهراء والإنسيّة الحوراء جعل سبحانه نثار طوبى لشهود العرس نثراً ، وتولّى سبحانه عقدة نكاحها بلسان العناية الإلهيّة ، وخاطب نبيّه ببيان الإرادة الإلهيّة الأزليّة : إنّي قد زوّجت نوري من نوري فأعظم بذلك فخراً .
يا له نكاحاً وليّه الملك الجليل ، وعقد شاهداه جبرائيل وميكائي ، وجمعا(1) خطبته على منبر الكرامة راجيل ، قد جعل الله نثار قاصرات الطرف فيه
(1) كذا في الأصل .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1512

ياقوتاً ودرّاً ، يتفاخرن به في قصور دار المقامة ، ويتهادينه في منازل السرور إلى يوم القيامة ، تلك أرواح سالكي طريق الحقّ من أهل الامامة ، قد جعل الله لهنّ حسن إخلاص المخلصين بالايمان ...(1) مهر الولاء وجود عين الوجود في الكربين ، أعني صاحب بدر واُحد وحنين ، لم يكن للزهراء كفو ما بين المشرقين والمغربين ، فلهذا أحدث الله لهما في صحائف التطهير والتقديس أمراً .
بحران التقيا بتدبير العليّ العظيم ، وبدران اقترنا بتقدير العزيز العليم ، ونوران اجتمعا بمشيئة المدبّر الحكيم، قد كفّر الله بولائهما سيّئات أوليائهما وأعظم لهم أجراً ، يخرج من صدف بحريهما اللؤلؤ والمرجان ، ويشرق بزاهر نوريهما الملوان(2) والخافقان ، ويهتدي بعلم علمهما الثقلان من الإنس والجانّ ، ويجعل الله بذرّيتهما لدين الحقّ بعد الطيّ نشراً ، اُمناء الحقّ من نجلهما ، وهداة الخلق من نسلهما ، ودعاة الصدق من الهماهم غيوث وليوث في قرى ، وقراع فهم اُسد الشرى ، سادة الخلق والورى ، فعليهم أهل بيت ومقام وصفا ، ومناجاة بصدق صفا ، من لهم بالمجد حقّاً وصفا ، نال من ذثي العرش صلوات الله تتراً ، توقيراً وبرّاً .
نحمد ربّنا على ما اختصّنا به من عرفان حقّهم ، ونكشره إذ جعلنا من الموقنين بفضلهم وصدقهم ، ووفّقنا في حلبة الفخر للاقرار بتقديمهم وسبقهم ، وخلص ابريز خالص معتقدنا لحبّهم سرّاً وجهراً .
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة تدحض عن قائلها ذنباً ووزراً ، وترمض من منكرها سحراً وبحراً .
(1) الظاهر سقط من الأصل هنا بمقدار صفحة واحدة .
(2) كذا في الأصل .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1513

ونشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الذي أطلعه الله على أسرار ملكوته ليلة الاسراء ، وشرّفه حضرة جبروته على الخلق طرّاً .
صلى الله عليه صلاة عرفها كالمسك عطراً ، ونشرها كالروض نشراً ، وعلى آلها الذين من استمسك بحبل ولائهم فاز من الله بالبشرى ، وحاز السعادة الكبرى في الدنيا والاُخرى ، ما أظهر النهار بنور صباه من الليل فجراً ، وهزم بمسلول صارم حسامه صباحه جنودالحنادس فلم يبق منها عينا ولا أثراً .
يا أيها الذين آمنوا هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذاب أليم(1) وسعادة باقية ببقاء الرب الرحيم ، وجنّات لكم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً إنّ الله عنده أجر عظيم(2)، أن تسلكوا سبيل وليّ الله في برّه وبحره ، والداعي إلى الله على بصيرةٍ من أمره ، والمخلص بطاعته لربّه في برّه وبحره ، والداعي إلى الله على بصيرةٍ من أمره ، والمخلص بطاعته لربّه في سرّه وجهره ، وعيبة علمه ، وموضع سرّه ، ووجهه الواضح في خلقه ، ولسانه الناطق بحقّه ، ويده الباسطة في بلاده ، وعينه الباصرة في عباده .
صاحب الخندق وبدر ، وقاتل الوليد وعمرو ، الذي دكّ الله بيده حصن القموص ، واختصّه بأشرف النصوص على الخصوص .
بحر العلم ، طود الحلم ، وينبوع الكرم ، ومعدن الحكم .
أفصح الخلق لساناً ، وأوضحهم بياناً ، وأكرمهم بناناً ، وأعلاهم في الشرف تبياناً .
السائق الصادق ، والصادع الناطق ، والفاتح الخاتم ، والمتصدّق في
(1) إقتباس من سورة الصف : 10 .
(2) إقتباس من سورة التوبة : 21 و22 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1514

ركوعه بالخاتم .
نفسه نفس الرسول ، وعرسه الطاهرة البتول ، سيّدة نساء الاُمّة ، واُمّ السادة الأئمّة ، وابنة شفيع المحشر ، وحليلة ساقي الكوثر ، الخاشعة الزاهدة ، الراكعة الساجدة ، الصائمة القائمة ، العاملة العالمة ، السالكة الناسكة ، العفيفة الشريفة ، المتهجّدة المتعبّدة ، البتولة الطاهرة ، سيّدة نساء الدنيا والآخرة ، اُمّ الحسنين ، وابنة شفيع الكونين ، وحليلة إمام المتقين .
تخجل الشمس حياءً منها إن أسفرت ، وتبتهج الأرض سروراً إن عليها خطرت ، شجرة دوحة النبوّة ، ودرّة صدفة الفتوّة ، نور من نور خلقت ، وشمس من شمس أشرقت ، فضلها لا يخفى ، ونورها لا يطفى ، لمّا كان والدها لقلادة النبوّة واسطة ، كلّمه الجليل سبحانه ليلة الاسراء بلا واسطة ، وجعل بعلها له وصيّاً ووليّاً ، وبأعباء رسالته حفيّاً مليّاً ، وتولّى سبحانه عقدة نكاحها في حضيرة القدس ، وجعل جبرائيل وميكائيل من جملة خدمها ليلة العرس :
بنت خيـر الـخلق طرّاً وأجلّ الخـلق قـدرا
من بها الله بصنو المصـ ـطفى أصفى وبـرّا
عالم الاُمـّة والهـادي لها بـرّاً وبـــحـرا
ولا سـما الخـلق مـجداً نسـباً كـان وصهرا
وبـاُحـدٍ شــدّ مـنه ا لله لـلمخـتـار أزرا
وببـدر أطلـع الـحـقّ به للـحــقّ بـدرا
هـازم الأحـزاب والقاتل ذاك اليـوم عـمـرا
سـل بـه خــيبـركـم هدّ بها ركناً وقصـرا
ناصب الرايـة لمّـا كـعّ مَـن كــَعّ وفــرّا
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1515

في حنـين نـصـر الـله به الاسـلام نـصـرا
رفع اللـه له فـي الـدوح بـالإمــرة أمـــرا
كان بالـزهـراء مـن كلّ عــباد الـله أحـرى
لم يكن كفـواً لـها لـولاه بـيـن الـناس يـدري
جعل الـله لهـا خـمـس جمـيع الأرض مهـرا
طهرت مـع نجـلها مـن سائر الأرجـاس طهرا
ذكرها يـوم الكـساء فـي الذكـر يتـلى مستمرّا
بـعلـها قامـع هـامـات جنود الشـرك قـهـرا
قاصم الأصلاب والـقاسـم للأسـلاب قـســرا
وامرح فكـري مـدحاً في وصفه نـظمـاً ونثرا
فرأيت اللــه قد أعلى له فـي الـذكـر ذكـرا
هـل أتـى(1) فيـه وفي زوجته وابنيـه تـقرا
آثـروا بالـقـوت لمّـا أن وفوا عـهداً ونذرا
عبد الخـالق لـمّا عـبد الأقـوام جـهــرا
هـبـلاً ثـمّ يـغــوث وسواعــاً ثم نسرا
مذ بني بالبضعة الزهراء أهدى الـله عطـرا
شرفـاً مـنه لـها قــد فاق في الآفـاق ذكرا
عرفه من يثرب في مـكّةٍ يـنفـح نـشــرا

روي عن الأصبغ بن نباتة بإسناد متّصل قال : لمّا زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة من عليّ عليه السلام وأراد أن يدخلها به أتاه جبرائيل ،
(1) المراد سورة الانسان .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1516

فقال : يا محمد ، ما تصنع ؟
قال : اُدخل فاطمة بعليّ .
قال : إنّ ربّك يقرؤك السلام ، ويقول لك : لا تحدث شيئاً حتى آتيك ، ثمّ عرج جبرائيل وهبط على رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه قدح من الياقوت فيه من مسك الجنّة ، وزعفران من زعفران الجنّة ، مضروب بماء الحياة ، وقال لرسول الله صلى الله عليه وآله : ربّك يقرؤك السلام ، ويقول لك : مر فاطمة فلتضع هذا في مفرقها ونحرها ، ففعلت ذلك ، فكانت صلوات الله عليها بعد ذلك إذا حكّت رأسها بالمدينة تفوح رائحة من مكّة ، فيقول الناس : ما هذه الرائحة ؟
فيقال : إنّ فاطمة قد حكّت رأسها بالمدينة اليوم ، فهذه رائحة الطيب الذي أهداه الله إليها .
وروى الشيخ الجليل محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضي الله عنه في أماليه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لقد هممت بتزويج فاطمة عليها السلام وما يمنعني من ذلك الا انّي لم أتجرّأ على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإنّ ذلك ليختلج في صدري ليلاً ونهاراً حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم فقال : يا علي .
فقلت : لبّيك ، يا رسول الله .
قال : هل لك في التزويج ؟
قلت : رسول الله صلى الله عليه وآله أعلم ، وإذا به يريد أن يزوّجني بعض نساء قريش(1) وإنّي لخائف على فوات فاطمة ، فانصرفت فلم أشعر بشيء حتى
(1) كذا في الأمالي ، وفي الأصل : بعض بنات نساء قريش .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1517

أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي : أجب النبيّ وأسرع ، فما رأيت أشدّ فرحاً منه اليوم ، قال : فأتيته مسرعاً ، فإذا هو في حجرة اُمّ سلمة رضي الله عنها ، فلمّا نظر إليّ تهلّل وجهه فرحاً ، وتبسّم حتى نظرت إلى بياض أسنانه يبرق .
فقال : يا علي ، أبشر ، فإنّ الله سبحانه قد كفاني ما كان أهمّني من أمر تزويجك .
فقلت : وكيف ذلك ، يا رسول الله ؟
فقال : أتاني جبرائيل ومعه من سنبل الجنّة وقرنفلها وناولنيهما فأخذتهما وشممتهما ، وقلت : ما سبب هذا السنبل والقرنفل ؟
فقال : إنّ الله سبحانه أمر سكّان الجنّة(1) من الملائكة ومن فيها أن يزيّنوا الجنان كلّها بمغارسها وأشجارها وأثمارها وقصورها ، وأمر ريحها فهبّت بأنواع الطيب والعطر ، وأمر حور عينها بقراءة سورة طه وطواسين ويس وحمعسق ، ثمّ نادى منادٍ من تحت العرش :
ألا إنّ اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب ، ألا إنّي اُشهدكم أنّي قد زوّجت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله من عليّ بن أبي طالب رضي منّي بعضهما لبعضٍ .
ثمّ بعث الله سبحانه سحابة بيبضاء فمطرت عليهم من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها ، وقامت الملائكة من سنبل الجنّة وقرنفلها ، وهذا ممّا نثرته الملائكة .
(1) في الأمالي : الجنان .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1518

ثمّ أمر الله سبحانه ملكاً من ملائكة الجنّة يقال له راحيل(1)، وليس في الملائكة أبلغ منه ، فقال : اخطب يا راحيل ، فخطب بخطبةٍ لم يسمع بمثلها أهل السماوات ولا أهل الأرض ، ثمّ نادى منادٍ : ألا يا ملائكتي وسكّان جنّتي ، باركوا على عليّ حبيب محمد صلى الله عليه وآله وفاطمة بنت محمد فقد باركت عليهما ، ألا إنّي قد زوّجت أحبّ النساء إليّ من أحبّ الرجال إليّ بعد النبيّين والمرسلين(2).
فقال راحيل الملك : يا ربّ وما بركتك عليهما بأكثر ممّا رأينا [لهما](3) في جنّتك ودار رضوانك ؟
فقال عزّ وجل : يا راحيل /، إنّ من بركتي عليهما أنّ أجمعهما على محبّتي ، وأجعلهما حجّة على خلقي ، وعزّتي وجلالي لأخلقنّ منهما خلقاً ، ولأنشئنّ منما ذرّيّة أجعلهم خزّاني في أرضي ، ومعادن لعلمي ، ودعاة إلى ديني ، بهم أحتجّ على خلقي بعد النبيّين والمرسلين .
فأبشر يا عليّ ، فإنّ الله عزّ وجلّ أكرمك بكرامةٍ لم يكرم بمثلها أحداً ، وقد زوّجتك ابنتي على ما زوّجك الرحمن ، ورضيت بما رضي الله لها ، فونك أهلك ، فإنّك أحقّ بها منّي ومن كلّ أحد ، وقد أخبرني جبرائيل أنّ الجنّة مشتاقة
(1) كذا في الأمالي ، وفي الأصل : راجيل ، وكذا في المواضع الآتية .
(2) في «ح» : سمعت من علماء الشيعة رضوان الله عليهم أجمعين [أنّه] قد وجد بالكوفة بعد قتل الحسين عليه السلام درّة حمراء وقد كتب فيها بخطّ كوفيّ جليّ هذا الرباعي بحسن الخط :
أنا درّ من السمـاء نثروني يوم تزويج والد الـحسنين
كنت أصفى من اللجين ولكن صبّغتني دماء نحر حسين
(3) من الأمالي ، وفيه بعده : في جنانك ودارك .

السابق السابق الفهرس التالي التالي