فوضع إحدى يديه على كتف الحسن ، والاُخرى على كتف الحسين ، ومضيا به إلى حجرته ورجلاه تخطّان الأرض ، وقد علا لونه الاصفرار ، ولمّا وصل إلى الحجرة تنفّس الصبح ، فقال : يا صبح ، اشهد لي عند ربّك أنّني منذ كفلني رسول الله صلى الله عليه وآله طفلاً إلى يومي هذا ما طلعتَ عليّ وأنا نائم أبداً ، ثمّ قال : اللهم اشهد وكفى بك شهيداً أنّي لم أعص لك أمراً ، ولا تركت فرضاً ، ولا خطر في بالي ما يخالف أمرك .
وروى ابن نباتة في خبر أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : لقد ضربت في الليلة التي قبض فيها يوشع بن نون ، ولاُقبضنّ في الليلة التي رفع(1) فيها عيسى عليه السلام .
عن الحسن عليه السلام في خبر : ولقد صعد بروحه في الليلة التي صعد فيها بروح يحيى بن زكريّا عليهما السلام .
وكان عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله في عداد مراد . قال ابن عبّاس : من نسل قدار عاقر ناقة صالح ، وقصّتهما واحدة ، لأنّ قدار عشق امرأة يقال لها رباب كما عشق ابن ملجم قطاماً .
وسُمِعَ ابن ملجم يقول : لأضربنّ عليّاً بسيفي هذا ، فذهبوا به إليه عليه السلام ، فقال : ما اسمك ؟
قال : عبد الرحمان بن ملجم .
قال : نشدتك بالله عن شيء تخبرني به ؟
قال : نعم .
(1) كذا في المناقب ، وفي الأصل : قبض .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
486
قال : هل مرّ بك رجل متوكّئاً على عصا وأنت في الباب فمشقك بعصاه ، ثم قال : بؤساً لك يا أشقى من عاقر ناقة ثمود ؟
قال : نعم .
قال : هل كان الصبيان يسمّونك ابن راعية الكلاب ؟
قال : نعم .
وروي انّه أتى ابن ملجم أمير المؤمنين عليه السلام يبايعه فردّه مرتين أو ثلاثاً ، ثمّ بايعه وتوثّق منه الا يغدر ولا ينكث ، فقال : والله ما رأيتك تفعل هذا بغيري .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : امض يا ابن ملجم ، فوالله لتخضبنّ هذه من هذا ـ وأشار إلى لحيته ورأسه ـ .
وروي أنّ ابن ملجم أتى أمير المؤمنين عليه السلام يستحمله ، فقال : يا غزوان احمله على الأشقر ، ثمّ قال عليه السلام :
اُريد حياته ويريد قتلي
عذيري من خليلي(1) من مراد(2)
وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان كثيراً ما يقول : ما يمنع أشقاها ؟ أو ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا ؟ وكان يقول : والله ليخضبنّ هذه من دم هذا ، ثمّ يشير غلى لحيته ورأسه خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير(3).
(1) في المناقب : عذيرك من خليلك .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 308 ـ 313 ، عنه البحار : 42 / 236 ـ 240 ح 45 .
(3) انظر : الطبقات الكبرى : 3 / 33 ، مقتل أمير المؤمنين عليه السلام لابن أبي الدنيا : 41 ح 26 ، الآحاد وامثاني : 1 / 148 ح 176 ، أنساب الأشراف : 2 / 500 ح 545 .
(1) انظر نهج البلاغة : 99 خطبة رقم 70 ، عنه البحار : 34 / 79 ح 936 ، وج 42 / 226 ح 37 .
(2) كذا في الاستيعاب ، وفي الأصل : كثير ، وفي مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : 43 ح 28 أنّ طبيبه كان ابن أثير الكندي .
(1) الاستيعاب : 3 / 62 .
(2) في النهج : للأجر .
(3) كذا في النهج ، وفي الأصل : ظننت .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
489
والله الله في بيت ربّكم ، لا تخلوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا .
والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله .
وعليكم بالتواصل والتباذل ، وإيّاكم والتدابر والتقاطع ، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم اشراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم .
[ثم](1) قال : يا بني عبد المطّلب ، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون : قتل أمير المؤمنين(2)، ألا لا يقتل فيَّ(3) الا قاتلي .
انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثّلوا بالرجل ، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إيّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور .(4)
أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري ، قال : أوصى عليّ صلوات الله عليه عند موته للحسن والحسين عليهما السلام وقال لهما : إذا أنا متّ فإنّكما ستجدان عند رأسي حنوطاً من الجنّة وثلاثة أكفان من استبرق الجنّة فغسّلوني وحنّطوني بالحنوط وكفّنوني .
قال الحسن عليه السلام : فلمّا قبض عليه السلام وجدنا عند رأسه طبقاً
(1) من النهج .
(2) كرّرت هذه الجملة في الأصل .
(3) في النهج : لا تقتلنّ بي .
(4) نهج : 421 رقم 47 ، عنه البحار : 42 / 256 ح 78 .
وروى الوصيّة أيضاً ابن أبي الدنيا في مقتل الامام أمير المؤمنين عليه السلام ص 45 وما بعدها ، فراجع .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
490
من الذهب عليه خمس شمّامات من كافور الجنّة ، وسدراً من سدر الجنّة .
ومن الطريق أهل البيت عليهم السلام ما جاء في تهذيب الأحكام(1) عن سعد الاسكافي قال : حدّثني أبو عبد الله عليه السلام [قال](2): لمّا اُصيب أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن والحسين عليهما السلام : غسّلاني وكفّناني وحنّطاني ، واحملاني على سريري ، واحملا مؤخّره تكفيان مقدّمه ، فإنّكما تنتهيان إلى قبر محفور ، ولحد ملحود ، ولبن موضوع ، فالحداني واشرجا اللبن عليَّ ، وارفعا لبنة من عند(3) رأسي فانظرا ما تسمعان .
وعن منصور بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن جدّه [زيد بن عليّ ، عن أبيه ، عن جدّه](4) الحسين بن علي عليهم السلام في خبر طويل يذكر فيه :
اوصيكما وصيّة فلا تظهرا على أمري أحداً ، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحاً وأن يكفّناه فيما يجدان ، فإذا غسّلاه وكفّناه وضعاه على اللوح وإذا وجدا السرير يشال مقدّمه فيشيلان مؤخّره ، وأن يصلّي الحسن مرّة والحسين مرّة صلاة إمام ، ففعلا بما رسم عليه السلام ، فوجدا اللوح وعليه مكتوب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما ادّخره نوح النبي لعلي بن أبي طالب ،
(1) تهذيب الأحكام : 6 / 106 ح 3 .
ورواه في الكافي : 1 / 457 ح 9 ، وفرحة الغريّ : 30 ، عنهما البحار : 42 / 213 ح 14 .
وأخرج قطعة منه في البحار : 42 / 251 ح 53 عن الكافي .
(2) من المناقب .
(3) في المناقب : ممّا يلي .
(4) من المناقب .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
491
وأصابا الكفن في دهليز الدار موضوعاً فيه حنوط د أضاء نوره على نور النهار .
وروي أنّ الحسين عليه السلام قال وقت الغسل : أما ترى خفّة أمير المؤمنين ؟
فقال الحسن : يا أبا عبد الله ، إنّ معنا قوماً يعينونا ، فلمّا قضينا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدّم السير ، ولم نزل نتّعه إلى أن وردنا الغريّ ، فأتينا إلى قبر كما وصف عليه السلام ونحن نسمع خفق أجنحة كثيرة وضجّة وجَلَبة(1)، فوضعنا السرير وصلّينا على أمير المؤمنين عليه السلام كما وصف لنا ، ونزلنا قبره فأضجعناه في لحده ، ونضّدنا عليه اللبن .
وفي الخبر عن الصادق عليه السلام : فأخذنا اللبنة من عند رأسه بعدما أشرجنا عليه اللبن ، وإذا ليس في القبر شيء ، وإذا هاتف يهتف : أمير المؤمنين عليه السلام كان عبداً لاحاً ، فألحقه الله بنبيّه صلى الله عليه وآله ، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء ، حتى لو أنّ نبيّاً مات بالمشرق و[مات](2) وصيّه بالمغرب لألحق الله الوصيّ بالنبيّ .
وفي خبر عن اُمّ كلثوم بنت علي عليه السلام : فاشنقّ القبر عن ضريح فإذا هم بساجة(3) مكتوب عليها بالسريانيّة :
بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا قبر حفره نوح لعليّ بن أبي طالب وصيّ
(1) الجلبة ـ بالتحريك ـ : اختلاط الصوت .
(2) من المناقب .
(3) الساجة : الطيلسان الواسع المدوّر .
(1) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 348 ـ 350 ، عنه البحار : 42 / 234 ـ 236 ح 44 .
(2) الغيلة : المكر .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
494
وقال : السلام عليك يا وليّ(1) الله في أرضه ، وحجّته على عباده ، إلى آخر الزيارة ، ثمّ قال : اللهم إنّ قلوب المخبتين إليك والهة(2)، وسبل الراغبين إليك شارعة ، إلى آخره ، كما ذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي في مصباحه(3).
ولم يزل قبره عليه السلام مخفيّاً عند العامّة معلوماً عند الخاصّة إلى أ، انقرضت دولة الشجرة الملعونة في القرآن ـ أعني بني اُميذة عليهم لعائن الله ـ فأظهره الصادق عليه السلام لخاصّته وأصحابه(4).
وكان يأتي إليه من المدينة جماعة من شيعته ، وكان معلوماً لأكثر الناس في تلك الناحية ، حتى انّ بعض خلفاء بني العبّاس خرج يتصيّد في ناحية الغريّين والثويّة وأرسل الكلاب فلجأت [الظباء](5) إلى أكمة ورجعت الكلاب ، ثمّ إنّ الضباء هبطت منها وصنعت الكلاب مثل الأوّل ، فسئل شيخاً من بني أسد فقال : إنّ فيها قبر علي بن أبي طالب عليه السلام جعله الله حرماً لا يأوى إليه شيء الا أمن .(6)
(1) في الصحيفة السجّاديّة ومصباح المتهجّد : يا أمين . وهذه الزيارة معروفة بزيارة أمين الله .
(2) المخبتين : الخاشعين : والهة : متحيّرة من شدّة الوجد .
(3) مصباح المتهجّد : 738 ، الصحيفة السجّاديّة الجامعة : 590 دعاء 255 .
وانظر أيضاً : كامل الزيارات : 39 ب 11 ح 1 ، مزار الشهيد : 95 ، البلد الأمين : 295 ، مصباح الكفعمي : 480 ، فرحة الغريّ : 40 .
(4) انظر : إرشاد المفيد : 12 .
(5) من المناقب .
(6) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 350 .
ورواه مفصّلاً في فرحة الغريّ : 119 وفيه أنّ الخليفة هو هارون الرشيد ، عنه البحار : 42 / 329 ح 16 .