تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1473

عليهما ـ في الحكومة بالعدل والصمد(1) للحقّ ـ سوء رأيهما ، وجور حكمهما .
ثم إنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب الخطبة المذكورة في نهج البلاغة(2) من كلامه عليه السلام الذي رواه نوف البكالي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب بها قائماً على حجارةٍ نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي وهو ابن اُخت أمير المؤمنين عليه السلام ، وهي التي أوّلها : الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق ، وعواقب الأمر ، إلى آخرها ، فلمّا فرغ من خطبته عليه السلام نادى بأعلا صوته : الجهاد الجهاد عباد الله ، ألا وإنّي معسكر في يومي هذا ، فمن أراد الرواح إلى الله تعالى فليخرج .
قال نوف : وعقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف ، وللحسن في عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف ، ولأبي أيّوب الأنصاري في عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد اُخر وهو يريد الرجعة إلى صفّين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه ابن ملجم لعنة الله عليه ، فتراجعت العساكر ، فكنّا كأغنام فقدت راعيها تتخطّفها الذائب من كلّ مكان .(3)
قلت : ولمّا تفكّرت في هذه العصابة المارقة عن الدين ، الخارجة عن الحق المبين ، التي كفى الله المؤمنين فتنتها ، وأدحض حجّتها ، واستأصل شأفتها ، وأوضح فسادها ، وبيّن إلحادها ، على لسان لسانه الناطق ، وأمينه الصادق ، خير الخلق بعد نبيّ الله ، وأعلمهم بصفات الله ، وأقومهم بحدود الله ، نظمت هذه
(1) الصمد : القصد .
(2) نهج البلاغة : 260 خطبة رقم 182 .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 187 ـ 194 ، عنه البحار : 33 / 388 ـ 394 ح 618 من قوله : «ثمّ إنّهم أتوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه» .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1474

الأبيات تقرّباً إلى الله بلعنتهم وسبّهم ، ووشحت نظامي بذمّهم وثلبهم ، وأوضحت من مساوئهم ، وكشفت عن مخازيهم ، وخاطبتهم خطاب المجاهد المناجز ، وقاتلتهم مقاتلة المصاول المبارز ، وجرّدت عضب لساني من عمد مقولي ، وطعنت بعامل نظامي في أعداء معاذي وموئلي ، قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، أعلى من فاز بالمعلّا من قول ربّ العالمين : «وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربّيّون كثيراً فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين»(1).
يا اُمّة فـارقـت منـهاج هاديـهـا وأوضعت بوجيف فـي مغاويها
وأصبحت عن طريق الحقّ خارجـة كالنّبل تمرق من مـحني راميها
سوق العسوف بـها قامـت فأنفسـها بالسيف اُرخص منها سعر غاليها
ما ان شرى الله منها أنـفساً زهقـت في النهروان بل الشيطان شاريها
عن نور شمس الهدى أبصارها برقت إذ البصائر فرط الجهل معشيـها
زلّت مطالبهـا ضلّـت مـذاهـبـها عمّت مصائبها خابت مساعيهـا
ترى حـرورا بهـا معـنى لأعظمها لمّا غدا البغي نحو الحتف داعيها
رامت على الحق أن تعـلو بشـبهتها فانهدّ بنيانهـا وانحـطّ عاليـها
تنكّبت عن طريق الرشـد وارتكـبت سبل الضلال فأضحى حتفها فيها
بسيف أعلا الورى جـدّاً وأشـرفـها جدّاً وأعظمـها مـجداً وواليـها
وخير من فـرض الـلـه الـولاء له على الخلائـق دانيـها وقاصيها
وأعظم النـاس قـدراً بـل وأسمحهم كفّاً وأجـملهم وصفـاً وبـنويها
أخ الرسـول وفاديـه بـمهـجتـه وخير اُمّـته طـرّاً وقـاضيـها
(1) سورة آل عمران : 146 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1475

ومن إذا أشـكلت فـي الدين معضلة فـهو الـذي بقـضايـاه يـجليـها
في محكم الذكر كـم في مدحه نطقت آياته وجـــلت عنـه مـعانيـها
عن حاز بالبضعة الزهـراء مكرّمة دون الـعبـاد فـلا خلـق بـواليها
الله زوّجـهـا والـروح شـاهـدها أكرم بتشـاهدها أعـظم بـوالهـيا
نثار طوبى لـحسـد العـرس يومئذ كان النـثار فـيا طوبـى مواليـها
في سورة الدهر حاز الفخر من مدحٍ في شأنه انزلت سبحـان مـنشيـها
حتى القيامة تـتلى فـي خصائصه يسرّ قلب اولي الايـمـان تـاليـها
يا من يــروم بلا عـلم مراتـبه أقدام رومـك زلـّت عـن مـراقيها
أبالاُصول التي شاعت فضـائحـها أم بالفروع التي جمـّت مخـازيـها
ترجو بجهلك يا مــغرور منـزلة من المهيـمن لا ترقـى مـعاليـهـا
منّتك نفـسك سلطانـاً مـناصبـه لا يستطيع خبيث الأصـل يأتيـتهـا
هي الخـلافة بالنصّ الجليّ من الله الجـليـل فـما اعـلى مبـانيـهـا
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1476

فصل

في مقتله صلوات الله وسلامه عليه ، وما ورد فيه من الأحاديث
الصحيحة عن أئمّة الهدى وغيرهم من أهل العلم .

روى الشيخ محمد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضي الله عنه بإسناد صحيح متّصل إلى عليّ بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الرضا علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم ـ قلت : وربّما كانت هذه الخطبة آخر جمعة من شهر شعبان ـ فقال : أيها الناس ، قد أظلّكم هر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور ، وأيّامه أفضل الأيّام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات .
شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم من أهل كرامة الله ، أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ن ودعاؤكم فيه مستجاب ، فاسألوا الله ربّكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه وتلاوة كتاب الله فيه ، فإنّ الشقيّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ـ إلى تمام الخطبة ، ذكرها الشيخ المذكور رضي الله عنه في أماليه ، إلى أن قال : ـ أيها الناس ، إنّ
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1477

أبواب الجنان مفتّحة في هذا الشهر الشريف فاسألوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم ، وأبواب النيران مغلقة في هذا الشهر الشريف فاسألوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم ، والشياطين مغلولة فاسألوا ربّكم الا يسلّطها عليكم .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : فقمت وقلت : يا رسول الله ، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر الشريف ؟
فقال : يا أبا الحسن ، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّ وجلّ ، ثمّ بكى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقلت : يا رسول الله ، ما يبكيك ؟
قال : أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر ، كأنّي بك وأنت تصلّي ربّك ، وقد انبعثت أشقى الأوّلين وأشقى الآخرين ، شقيق(1) عاقر ناقة ثمود ، فضربك على قرنك ضربة خضب منها لحيتك .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : فقلت : يا رسول الله ، أفي سلامة من ديني ؟
فقال : في سلامة من دينك .
ثم قال صلى الله عليه وآله : يا عليّ من قتلك فقد قتلني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبّك فقد سبّني ، لأنّك منّي كنفسي ، روحك من روحي ، وطينتك من طينتي ، إنّ الله سبحانه خلقني وإيّاك ، واصطفاني وإيّاك ، واختارني للنبوّة ، واختارك للامامة ، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي .
يا عليّ ، أنت وصيّي ، وأبو ولدي ، وزوج ابنتي ، وخليفتي على اُمّتي في
(1) كذا في الأمالي ن وفي الأصل : شبيه .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1478

حياتي وبعد موتي ، أمرك أمر ، ونهيك نهيي ، اُقسم بالذي بعثني بالنبوّة وجعلني خير البريّة إنّك لحجّة الله على خلقه ، وأمينه على سرّه(1)، وخليفته على عباده(2).
تفسير وكيع والسدّي وسفيان وأبي صالح : أنّ عبد الله بن عمر قرأ قوله تعالى : «أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها»(3) قال : هو يوم قتل فيه أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، لقد كنتَ الطرف الأكبر في العلم ، اليوم نقص علم الاسلام ، ومضى ركن الايمان .
وروى الزعفراني ، عن المزني ، عن الشافعي(4)، عن مالك ، [عن سمّي ،](5) عن أبي صالح ، قال : لمّا قتل عليّ بن أبي طالب قال ابن عبّاس : هذا اليوم نقص العلم والفقه من أرض المدينة ، ثمّ قال : إنّ نقصان الأرض نقصان علمائها وخيار أهلها ، إنّ الله لا يقبض هذا العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ، لكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم اتّخذ الناس دوننا(6) جهّالاً ، فيسألوا فيفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا .
سعيد بن جيبر ، عن ابن عبّا س في قوله سبحانه : «ربّ اغفر لي ولوالديّ ولمن دخل بيتي مؤمناً» وقد كان قبر أمير المؤمنين عليه السلام مع نوح في
(1) كذا في الأمالي ، وفي الأصل : بريّته .
(2) أمالي الصدوق : 84 ح 4 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 295 ح 53 ، فضائل الأشهر الثلاثة : 77 ح 61 ، عنها البحار : 96 / 356 ح 25 .
وأخرجه في البحار : 42 / 190 ح 1 عن الأمالي والعيون .
(3) سورة الرعد : 41 .
(4) كذا في المناقب ، وفي الأصل : وروى المازني عن الشافعي .
(5) من المناقب .
(6) في المناقب : رؤساء .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1479

السفينة ، فلمّا خرج من السفينة ترك قبره خارج الكوفة ، فسأل نوح ربّه المغفرة لعليّ وفاطمة قوله : «وللمؤمنين والمؤمنات» ، ثم قال : «ولا تزيد الظالمين ـ لآل محمد ـ الا تباراً»(1).
وروي أنّه نزل فيه ـ أي في قاتل عليّ ـ : «وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون»(2).
وروى أبو بكر بن مردويه في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، وأبو بكر الشيرازي في نزول القرآن ، أنّه قال سعيد بن المسيّب : كان أمير المؤمنين يقرأ : «إذ انبعث أشقاها»(3) قال : والذي نفسي بيده لتخضبنّ هذه من هذا ـ وأشار بيده إلى رأسه ولحيته ـ(4).
وروى الثعلبيّ والواحديّ بإسنادهما عن عمّار وعن عثمان بن صهيب وعن الضحّاك . وروى ابن مردويه بإسناده عن جابر بن سمرة وعن صهيب وعن عمّار وعن ابن عديّ وعن الضحّاك . والخطيب في التاريخ عن جابر بن سمرة . وروى الطبري والموصلي عن عمّار . وروى أحمد بن حنبل عن الضحّاك أنّه قال(5) النبيّ صلى الله عليه وآله : يا عليّ ، أشقى الأوّلين عاقر ناقر ثمود ، وأشقى الآخرين قاتلك .
(1) سورة نوح : 28 .
(2) سورة الشعراء : 227 .
(3) سورة الشمس : 12 .
(4) نعى أمير المؤمنين عليه السلام نفسه كثيراً ، انظر : الأحاديث الغيبيّة : 2 / 132 ـ 150 ح 427 ـ 441 .
(5) كذا في المناقب ، وفي الأصل : وروى الثعلبيّ والواحديّ بإسنادهما عن عمّار وجابر بن سمرة عن عمّار أنّه قال .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1480

وفي رواية : من يخضّب هذه من هذا .
وروى الحسن البصري أنّه عليه السلام سهر في تلك الليلة التي ضرب فيها ولم يخرج لصلاة الليل على عادته ، فقالت اُمّ كلثوم : ما هذا السهر ؟
قال : إنّي مقتول لو قد أصبت .
فقالت : مر جعدة فليصلّ بالناس .
[قال : نعم ، مروا جعدة ليصلّ](1)، ثمّ مرّ وقال : لا مفرّ من الأجل ، وخرج قائلاً :
خلّوا سبيل الجاهد المجاهد في الله ذي الكتب وذي المشاهد
في الله لا يعبد غير الواحد ويوقظ النـاس إلى المســاجد

وروي أنّه عليه السلام سهر في تلك الليلة فأكثر الخروج والنظر إلى السماء ، وهو يقول : والله ما كذبت ولا كذّبت ، وإنّها الليلة التي وعدت بها ، ثمّ يعاود مضجعه ، فلمّا طلع الفجر نادى ابن النباح(2): الصلاة ، فقام فاستقبلته الإوزّ ، فصحن في وجهه ، فقال : دعوهنّ ، فإنّهنّ صوائح تتبعها نوائح ، وتعلّقت حديدة غلق(3) الباب بمئزره ، فشدّ إزاره وهو يقول :
اُشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت إذا حلّ بنـاديـك
(1) من المناقب .
(2) في المناقب : ابن التياح .
(3) في المناقب على .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1481

فقد أعرف أقواماً وإن كانوا صعاليك(1)
مساريع إلى الخير وللشرّ متـاريـك(2)

أبو صالح الحنفي :؛ قال : سمعت عليّاً عليه السلام يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي ، فشكوت إليه ما لقيت من اُمّته من الأود واللد(3)، وبكيت ، فقال : لا تبك يا عليّ ، والتفتَ والتفتُّ ، فإذا رجلان مصفّدان ، وإذا جلاميد ترضخ بها رؤوسهما .
وروي أنّه عليه السلام قال لابنته اُمّ كلثوم : يا بنيّة ، إنّي أراني قلّ ما أصحبكم .
قالت : وكيف ذاك يا أبتاه ؟
قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وهو يمسح الغبار عن وجهي ، ويقول : يا عليّ ، لا عليك قضيت ما عليك .
قالت : فما مكثنا حتى ضرب في تلك الليلة .
وروي أنّه قال : يا بنيّة ، إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يشير إليّ بكفّه ، ويقول : يا علي ، إلينا ، فإنّ ما عندنا خير لك .
أبو مخنف الأزدي ، وابن راشد ، والرفاعي ، والثقفي جميعاً ، قالوا : لمّا رجع أمير المؤمنين عليه السلام من حرب الخوارج وقتلهم الله على يده ، وأنجز ما وعده ، اجتمع في مكّة جماعة من الخوارج فقالوا : إنّا شرينا أنفسنا لله فلو
(1) الصعاليك : جمع الصعلوم ، وهو الفقير ، الضعيف .
(2) انظر خصائص الأئمّة عليهم السلام : 63 .
(3) الاود : الاعوجاج . اللدد : الخصومة .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1482

أتينا أئمّة الضلال ، وطلبنا غِرّتهم أرحنا العباد والبلاد منهم .
فقال عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله : أنا أكفيكم عليّاً ، وقال الحجّاج بن عبد الله السعدي الملقّب بالبُرَك : أنا أكفيكم معاوية ، وقال عمرو بن بكر التميمي : أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، واتّعدوا ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ، ثمّ تفرّقوا ، فدخل ابن ملجم الكوفة فرأى رجلاً من تيم الرباب عند قَطام التميميّة ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها الأخضر وأخاها الأصبغ بالنهروان فشغف بها ، وخطبها فأجابته بمهر ذكره العبدي في كلمته :
فلم أر مهراً ساقـهُ ذو سمـاحةٍ كمهر قَطام مـن فصيـح وأعجم
ثـلاثـة آلافٍ وعبـدٌ وقَـينَةٌ وقتل(1) عليّ بالحـسام الـمسمّم
فلا مهر أغلى من عليّ وإن غلا ولا فتك إلا دون فتك(2) ابن ملجم

فقبل ابن مُلجَم ذلك ، ثمّ قال : يا ويلك ، ومن يقدر على قتل عليّ ، وهو فارس الفرسان ، ومغالب الأقران ، والسبّاق إلى الطعان ؟ وأمّا المال فلا بأس عليّ منه .
قالت : اقبل ، فقبل ، وقال لها : إنّي ما أتيت هذه البلدة الا لذلك ، ولم اُظهر ذلك لأحد الا لك .
قالت : فإنّي أرسل إلى جماعة رأيهم رأيك في ذلك ، فبعثت إلى ابن عمّ لها يقال له وردان(3) بن مجالد التميمي وسألته معونة ابن ملجم ، واستعان ابن ملجم بشبيب بن بَجَرة ، وأعانه رجل منوكلاء عمرو بن العاص فأطعمتهم
(1) في المناقب : وعبدٌ وفتية وضرب عليّ .
(2) في المناقب : ولا قتل الا دون قتل .
(3) كذا في المناقب ، وفي الأصل : ورقاء .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1483

اللوزينج والجوزينق وسقتهم الخمر العكبري ، فنام شبيب وتمتّع ابن ملجم معها ، ثمّ قامت فأيقظتهم وعصبت صدورهم بحرير ، وتقلّدوا أسيافهم .
وقيل : إنّ ابن ملجم قال لها : أترضين منّي بضربة واحدة ؟
قالت : نعم ، ولكن اعطني سيفك ، فأعطاها فأمست ملطّخة بالسمّ ، ثمّ مضوا وكمنوا له مقابل السدّة ، وحضر الأشعث بن قيس لمعونتهم ، وقال لابن ملجم : النجا النجا لحاجتك ، فقد فضحك الصبح ، فأحسّ حجر بن عديّ بما أراد الأشعث ، فقال : قتلته يا أشعث ، وخرج مبادراً ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف .
وعن عبد الله بن محمد(1) الأزدي ، قال : أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ينادي : الصلاة الصلاة ، فإذا هو مضروب ، وسمعت قائلاً يقول : الحكم لله يا عليّ لا لك ولا لأصحابك ، وسمعت عليّاً يقول : فزت وربّ الكعبة ، ثمّ قال : لا يفوتنّكم الرجل .
وكان قد ضربه شبيب فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق ، ومضى هارباً حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عمّ له فرآه يحلّ الحرير عن صدره ، فقال : لعلّك قتلت أمير المؤمنين ؟ فاراد أن يقول : لا ، فقال : نعم ، فقتله الأزدي .
وأمّا ابن ملجم فإنّ رجلاً من همدان لحقه وطرح عليه قطيفة وصرعه .
وانسلّ الثالث بين الناس وأتوا بابن ملجم إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : النفس بالنفس ، إن أنا متّ فاقتلوه كما قتلني ، وإن سلمت رايت فيه رأيي .
وفي رواية : إن عشت رأيت فيه رأيي ، وإن هلكت فاصنعوا به ما يفعل
(1) في المناقب : محمد بن عبد الله .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1484

بقاتل النبيّ صلى الله عليه وآله .
فسئل : ما معناه ؟
فقال : اقتلوه ، ثمّ حرّقوه بالنار .
فقال ابن ملجم : لقد ابتعته بألفٍ وسممته بألف ، فإن خانني فأبعده الله ، ولقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم .
وفي محاسن الجوابات عن الدينوريّ : أنّ ابن ملجم قال : لقد سألت الله أن يقتل به شرّ خلقه .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لقد أجاب الله دعوتك ، يا حسن ، إذا متّ فاقتله بسيفه .
روي أنّه عليه السلام قال : أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره ، فإن أصحّ فأنا وليّ دمي ، إن شئت عفوت ، وإن شئت استنفذت ، وإن هلكت فاقتلوه .
وروي أنّه لمّا ضرب أمير المؤمنين عليه السلام وسمعوا قوله : فزت وربّ الكعبة ، وارتفع الصياح في المسجد : قُتِل أمير المؤمنين ، أقبل أهل الكوفة رجالاً ونساءً بالمصابيح ، فوجدوا أمير المؤمنين عليه السلام مطروحاً في محرابه ، فارتفعت أصوات الناس بالبكاء والنحيب .
وأقبل الحسن والحسين ، فلمّا رأيا أمير المؤمنين وقعا على قدميه وأعلنا بالبكاء والنحيب ، وأقبلت بنات أمير المؤمنين مشقّقات الجيوب ، وجعل أمير المؤمنين يأخذ الدم من رأسه ويلطّخ وجهه ومحاسنه ، ويقول : هكذا ألقى الله ، هكذا ألقى رسول الله ، هكذا ألقى فاطمة ، هكذا ألقى جعفر الطيّار ، وسمع أمير المؤمنين بكاء بناته ، فقال : احملوني إلى المنزل لاُودّع بناتي وأهلي ،

السابق السابق الفهرس التالي التالي