تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1460

تفسير الفلكي : قال النبي صلى الله عليه وآله في قوله سبحانه : «يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه فأمّا الذين اسودّت وجوههم»(1) فهم الخوارج .(2)
وقال صلى الله عليه وآله فيهم : ياتي قوم من بعيد يحتقر أحدكم صلاته في جنب صلاتهم وعبادتهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه .(3)
وروى البخاري ومسلم والطبري والثعلبي في كتبهم أنّ ذا الخويصرة التميمي(4) أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال : أعدل بالسويّة .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ويحك ، إن لم أعدل أنا فمن يعدل ؟
فقال عمر : ائذن لي حتى أضرب عنقه .
فقال : دعه فإنّ له أصحاباً ، فذكر وصفه(5) فنزل «ومنهم من يلمزك في الصدقات»(6).
وروي من طرق شتّى أنّه ذكروه بين يدي(7) رسول الله صلى الله عليه وآله
(1) سورة آل عمران : 106 .
(2) مناقب ابن شهراشوب ك 3 / 186 ـ 187 ، عنه البحار : 33 / 326 ـ 327 ح 573 .
وانظر : العمدة لابن البطريق : 461 ح 967 .
(3) انظر : الأحاديث الغيبيّة : 1 / 281 ـ 307 ح 164 ـ 177 .
(4) هو حرقوص بن زهير رئيس الخوارج .
(5) كذا في المناقب ، وفي الأصل : وصيّه .
(6) سورة التوبة : 58 .
(7) في المناقب : مسند أبي يعلى الموصلي وإبانة ا بن بطّة العكبري وعقد ابن عبد ربّه الأندلسي وحلية أبي نعيم الاصفهاني وزينة أبي حاتم الرازي وكتاب أبي بكر الشيرازي انّه ذُكر بين يدي ..
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1461

بكثرة العبادة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا أعرفه ، فإذا هو قد طلع .
فقالوا : هو هذا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّي لأرى بين عينيه سفعة(1) من الشيطان ، فلمّا رآه قال : هل حدّثتك نفسك إذ طلعت علينا إنّه ليس في القوم مثلك ؟
قال : نعم ، ثمّ دخل المسجد فوقف يصلّي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا رجل يقتله ؟ فجرّد(2) أبو بكر عن ذراعيه وصمد نحوه فرآه راكعاً ، فقال : أقتل رجلاً يركع ويقول : لا إله إلا الله !
فقال صلى الله عليه وآله : لستَ بصاحبه .
ثم قال : ألا رجل يقتله ؟ فقام عمر فرآه ساجداً ، فقال : أقتل رجلاً يسجد ويقول : لا إله إلا الله !
فقال النبي صلى الله عليه وآله : اجلس فلستَ بصاحبه ، قم يا عليّ ، فإنّك أنت قاتله ، فمضى وانصرف ، فقال : ما رأيته .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : أما إنّه لو قتل لكان أوّل فتنة وآخرها .
وفي رواية : هذا أوّل قرن يطلع في اُمّتي لو قتلتموه ما اختلف بعدي اثنان .
وقال ابن عبّاس : أنزل الله فيه «ثاني عطفه ليضلّ عن سبيل الله في
(1) السفعة : العلامة .
(2) في المناقب : فحسر .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1462

الدنيا خزيٌ ـ القتل ـ ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق»(1) بقتاله أمير المؤمنين عليه السلام .
ثم إنّهم أتوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ورؤساؤهم زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير التميمي ـ الذي تقدّم ذكره وهو ذو الثديّة ـ وقالوا : لا حكم الا بالله .
فقال عليه السلام : كلمة حقّ يراد بها باطل .
قال حرقوص : فتب من حطيئتك ، وارجع عن فعلتك(2)، واخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتى نلقى ربّنا .
فقال عليه السلام : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني ، وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتاباً وشروطاً ، وأعطيناهم عليها عهوداً ومواثيقاً ، وقد قال الله سبحانه : «وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم»(3).
فقال حرقوص : فذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه .
فقال أمير المؤمنين : ما هو ذنب ، ولكنّه عجز من الرأي ، وضعف في العقل ، وقد تقدّمت ونهيتكم عنه .
فقال ابن الكوّاء : الآن صحّ عندنا أنّك لستَ بإمام ، ولو كنتَ إماماً لما رجعت .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا ويلكم ، قد رجع رسول الله صلى الله
(1) سورة الحج : 9 .
(2) في المناقب : قصّتك .
(3) سورة النحل : 91 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1463

عليه وآله عام الحديبيّة عن قتال أهل مكّة ، ففارقوا أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا : لا حكم الا لله ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وكانوا اثني عشر ألف رجل من أهل الكوفة والبصرة وغيرهما ، ونادى مناديهم أنّ أمير القتال شبث بن ربعي ، وأمير الصلاة عبد الله بن الكوّاء ، والأمر شورى بعد الفتح ، والبيعة لله على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وخرجوا من الكوفة إلى المدائن ، ثمّ إلى النهروان ، واستعرضوا الناس ، وقتلوا عبد الله بن خبّاب بن الارت ، وكان عامل أمير المؤمنين عليه السلام على النهروان .
فقصدهم أمير الؤمنين عليه السلام وأرسل إليهم ابن عبّاس ، وقال : امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ، ولماذا اجتمعوا ؟ فلمّا وصل إليهم قالوا : ويلك يا ابن عبّاس أكفرت كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب ؟!
وخرج خطيبهم عتّاب بن الأعور الثعلبي ، فقال ابن عبّاس : من بنى الاسلام ؟ قال : الله ورسوله .
قال : فالنبي أحكم اُموره وبيّن حدوده أم لا ؟
قال : بلى .
قال : فالنبي بقي في دار الاسلام أم ارتحل ؟
قال : بل ارتحل .
قال : فاُمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده ؟
قال : بل بقيت .
قال : فهل أحد قالم بعمارة ما بناه ؟
قال : نعم .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1464

قال : من هو ؟
قال : الذرّيّة والصحابة .
قال : فعمّروها أم خرّبوها ؟
قال : بل عمّروها .
قال : فالآن هي معمورة أم خراب ؟
قال : بل خراب .
قال : خرّبها ذرّيّته أم اُمّته ؟
قال : بل اُمّته .
قال : أنت من الذرّيّة أم من الاُمّة ؟
قال : من الاُمّة .
قال : أنت من الاُمّة وخرّبت دار الاسلام ، فكيف ترجو الجنّة ؟ ـ وجرى بينهما كلام كثير ـ ثمّ حضر أمير المؤمنين عليه السلام بمائة رجل ، فلمّا قابلهم خرج إليه ابن الكوّاء في مائة رجل ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أنشدكم بالله هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف فقلتم : نجيبهم إلى كتاب الله ، فقلت لكم : إنّي أعلم بالقوم منكم ـ وذكر مقاله إلى أن قال ـ فلمّا أبيتم إلى الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحييها ما أحيا القرآن ، وأن ميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكمه ، وإن أبيا فنحن منه(1) براء .
(1) كذا في المناقب ، وفي الأصل : منهم .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1465

قالوا : أخبرنا أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء(1)؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نحن ليس الرجال حكّمنا ، وإنّما حكّمنا القرآن ، والقرآن إنّما هو خطّ مسطور بين دفّتين لا ينطق ، وإنّما يتلكّم به الرجال .
قالوا : فأخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم ؟
قال : ليعلم الجاهل ، ويثبت العالم ، ولعلّ الله يصلح في هذه المدّة هذه الاُمّة ، وجرت بينهم مخاطبات وجعل بعضهم يرجع ، فأعطى أمير المؤمنين عليه السلام راية أمان مع أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه . فنادى أبو أيّوب : من جاء إلى هذه الراية ، وفارق الجماعة فهو آمن ، فرجع منهم ثمانية آلاف رجل فأمرهم أمير المؤمنين عليه السلام أن يتميّزوا منهم ، وأقام الباقون على الخلاف .
وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام استنفر الناس فلم يجيبوه ، فقال :
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى فلم تستبينوا النصح الا ضحى الغدِ

ثمّ استنفرهم فنفر معه ألفا رجل يقدمهم عديّ بن حاتم وهو يقول :
إلى شرّ خلق من شراة تحزّبوا وعادوا إله الناس ربّ المشارق

ثمّ توجّه أمير المؤمنين نحوهم ، وكتب إليهم على يد(2) عبد الله بن أبي عقب ، وفيها : والسعيد من سعدت به رعيّته ، والشقيّ من شقيت به رعيّته ، وخير
(1) كذا في المناقب ، وفي الأصل : الدنيا .
(2) في المناقب : يدي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1466

الناس خيرهم لنفسه ، وشرّ الناس شرّهم لنفسه ، وليس بين الله وبين أحد قرابة ، و«كلّ نفس بما كسبت رهينة»(1).
فلمّا وصل إليهم أمير المؤمنين عليه السلام استعطفهم فأبوا الا قتاله ، وتنادوا أن دعوا مخاطبة عليّ وأصحابه وبادروا إلى الجنّة ، وصاحوا : الرواح الرواح إلى الجنّة ، وأمير المؤمنين يعبّئ أصحابه ونهاهم أن يتقدّم إليهم أحد .
فكان أوّل من تقدّم من الخوارج أخنس بن العيزر(2) الطائي ، وجعل يقول :
ثمانون من حيي جديلة قـتّـلوا على النهر كانوا يخضبون العواليا
ينـادون لا لا حكم إلا لـربّنـا حنـانـيك فاغفر حوبنا والمساويا
هم فارقوا من جار في الله حكمه فكلّ إلـى(3) الرحمن أصبح ثاويا

فقتله أمير المؤمنين عليه السلام .
وخرج عبد الله بن وهب الراسبي ، وقال :
أنا ابن وهب الراسبي الشاري أضرب في القوم لأخذ الثار
حتـى تـزولـه دولة الأشرار ويرجـع الحقّ إلى الأخيار

فقُتل .
وخرج مالك بن الوضّاح قائلاً :
إنّي لبائع ما يفنى بباقية ولا اُريد لدى الهيجاء تربيضا
(1) سورة المدّثر : 38 .
(2) في المناقب : العيزار ، وفي البحار : العزير .
(3) في المناقب : على .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1467

وخرج إلى أمير المؤمنين عليه السلام الوضّاح بن الوضّاح من جانب ، وابن عمّه حرقوص من جانب ، فقتل الوضّاح ، وضرب ضربة على رأس حرقوص فقطعه ، ووقع [رأس](1) سيفه على الفرس فشرد وأرجله في الركاب حتى أوقعه في دولاب خراب فصارت الحروريّة كرمادٍ اشتدّت به الريح في يوم عاصفٍ .
وكان المقتولون من عسكر أمير المؤمنين عليه السلام : رؤبة بن وبر البجلي ، ورفاعة بن وائل الأرحبي ، والفياض بن خليل الأزدي ، وكيسوم بن سلمة الجهني ، وحبيب بن عاصم الأزدي ، إلى تمام تسعة ، وانفلت من الخوارج تسعة ، كما أخبر أمير المؤمنين عليه السلام في بدء الأمر ، فقال : إنّهم لا يقتلون منّا عشرة ، ولا يسلم منهم عشرة .(2)
أبو نعيم الأصفهاني : عن سفيان الثوري أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر أن نفتّش على المُخدَج بين القتلى وفلم نجده .
فقال رجل : والله ما هو فيهم .
(1) من المناقب .
(2) انظر : الكامل للمبرّد : 3 / 102 ، مقتل الامام أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : 22 ، الفتوح لابن أعثم : 4 / 120 ، الهداية الكبرى : 137 ، كمال الدين : 1 / 120 ، نهج البلاغة : 93 خطبة رقم 59 ، المحاسن والمساوئ : 385 ، السنن الكبرى للبيهقي : 8 / 158 ، تاريخ بغداد : 14 / 365 ، مناقب ابن المغازلي : 406 ، البدء والتاريخ : 5 / 224 ، مناقب الخوارزمي : 263 ح 245 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 273 ، إعلام الورى : 173 ، الخرائج والجرائح : 1 / 228 ، الكامل في التاريخ : 3 / 345 ، مطالب السؤول : 132 ، الفخري : 95 ، كشف الغمّة : 1 / 274 ، مشارق أنوار اليقين : 80 ، مجمع الزوائد : 6 / 241 ، كنز العمّال : 11 / 290 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1468

فقال صلوات الله عليه : والله ما كذبت ولا كذّبت .
وروي(1) أنّ أمير المؤمنين قال : اطلبوا المُخدَج .
فقالوا : لم نجده .
فقال : والله ما كذبت ولا كذّبت ، يا عجلان : ائتني ببغلة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأتاه بالبغلة ، فركبها وجال في القتلى ، [ثم](2) قال : اطلبوه هاهنا .
قال : فاستخرجوه من تحت القتلى في نهر وطين ، فسجد أمير المؤمنين شكراً لله .
تاريخ القمّي : إنّه رجل أسود ، عليه قريطق ، مُخدَج اليد(3)، أحد ثدييه كثدي المرأة ، عليه شعيرات مثل شعيرات تكون على ذنب اليربوع(4).
وفي مسند الموصلي : حبشيّ [مثل البعير](5) في منكبه مثل ثدي المرأة ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : صدق الله ورسوله .
وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : من يعرف هذا ؟ فلم يعرفه أحد .
(1) انظر : سنن أبي داود : 4 / 245 ، صحيح مسلم : 749 ذح 156 .
(2) من المناقب .
(3) قريطق : تصغير قرطق ، وهو قباء . ومُخدَجُ اليد : ناقصها .
(4) اليَربوعُ : حيوان صغير على هيئة الجُرَذ الصغير ، وله ذنب طويل ينتهي بخصلة من الشعر ، وهو قصير اليدين طويل الرجلين . «المعجم الوسيط : 1 / 325» .
(5) من المناقب .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1469

فقال رجل : أنا رأيت هذا بالحيرة فقلت : إلى أين تريد ؟
فقال : هذه ، وأشار إلى الكوفة ، ومالي بهذا(1) معرفة .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : صدق ، هو من الجانّ .
وفي رواية : هو من الجنّ .
وفي مسند الموصلي : من زعم من الناس أنّه رآه قبل مصرعه فهو كاذب .
وفي مسند أحمد : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : أما إنّه أخبرني خليلي بثلاثة إخوة من الجنّ هذا أكفرهم(2)، والثاني له جمع كثير ، والثالث فيه ضعف .
وفي رواية عن سعد بن أبي وقّاص : هو شيطان الردهة(3).
وإلى هذا أشار أمير المؤمنين في خطبته القاصعة(4): ألا وقد أمرني الله سبحانه بقتال أهل البغي والنكث والفساد في الأرض ، فأمّا الناكثون فقد قاتلت ، وأمّا القاسطون فقد جاهدت ، وأمّا المارقة فقد دوّخت ، وأمّا شيطان الردهة فقد كفيته بصعقةٍ سمعت لها وبجة قلبه ورجّة صدره(5).
(1) في المناق : بها .
(2) في المناقب : أكبرهم .
(3) الرَدهة : النُقرة في الجبل قد يجتمع فيها الماء ، وشيطان الرَدهة : ذو الثَدِيّة وُجِد مقتولاً في ردهة .
(4) نهج البلاغة :؛ 299 ـ 300 خطبة رقم 192 .
(5) الصَعقة : الغشيّة تصيب الانسان من الهول . ووجبة القلب : اضطرابه وخفقانه . ورجّة الصدر : اهتزازه وارتعاده .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1470

[للحميري :](1)
إنّي أدينُ بما دان الوصيّ به يوم الخُرَيبة(2) من قتل المحلّينا
وما به دان يوم النهر دنت به وبايعت كَفّه كفّي بصفّينا
في سفكِ ما سفكت فيها إذا حضروا وأبرزَ الله للقسط المَوازينا
تلك الدماء معاً يا ربّ في عنقي ثمّ اسقِني مثلَها آمينَ آمينا(3)

الحميري :
ومارقة في دينهم فارقوا الهدى ولم يأتلوا بغياً عليه وحكّموا
سطوا بابن خبّاب وألقى بنفسه وقتل ابن خبّاب عليهم محرّم
فلمّا أبوا في الغيّ الا تمادياً سما لم عبل الذراعين ضيغم
فأضحوا كعادٍ أو ثمود كأنّما تساقوا عقاراً أسكرتهم فنوّموا(4)

ثمّ لمّا انقضى أمر الخوارج عليهم اللعنة خاض الناس في أمر الحكمين ، فقال بعض الناس ، ما يمنع أمير المؤمنين عليه السلام أن يأمر بعض أهل بيته فيتكلّم ؟
فقال للحسن عليه السلام : قم فتكلّم في هذين الرجلين : عبد الله بن قيس ، وعمرو بن العاص .
(1) من المناقب .
(2) الخريبة : موضع بالبصرة كانت فيه واقعة الجمل .
(3) العقد الفريد : 3 / 285 ، الأغاني : 7 / 273 ، أعيان الشيعة : 3 / 416 ، ديوان السيّد الحميري : 418 .
(4) ديوان السيّد الحميري : 372 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1471

فقام الحسن عليه السلام ، فقال : أيّها الناس ، إنّكم قد أكثرتم في أمر عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص ، وإنّما بعثناهما(1) ليحكما بكتاب الله فحكما بالهوى على الكتاب ، ومن كان هكذا لم يسمّ حكماً ولكنّه محكوم عليه ، وقد أخطأ عبد الله بن قيس إن أفضى(2) بها إلى بعد الله بن عمر ، فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال : في أنّ أباه لم يرضه لها ، وفي أنّه لم يستأمره ، وفي أنّه لم يجتمع عليه الأنصار والمهاجرون الذين نفذوها لمن بعده ، وإنّما الحكومة فرض من الله ، وقد حكّم رسول الله صلى الله عليه وآله سعداً في بني قريظة لحكم فيهم بحكم الله لا شكّ فيه ، فأنفذ رسول الله صلى الله عليه وآله حكمه ولو خالف ذلك لم يجزه ، ثمّ جلس .
ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام لابن عبّاس : قم فتكلّم .
فقام ، وقال : أيها الناس ، إنّ للحقّ أهلاً أصابوه بالتوفيق والناس بين راضٍ به وراغب عنه ، وإنّما بعث عبد الله بن قيس لهدىً من ضلالة ، وبعث عمرو لضلالة من هدى(3)،/ فلمّا التقيا رجع عبد الله عن هداه وثبت عمرو على ضلالته ، والله لئن حكما بالكتاب لقد حكما عليه ، وإن حكما بما اجتمعا عليه معاً ما اجتمعا على شيء ، وإن كانا قد حكما بما سارا إليه لقد سار عبد الله وإمامه عليّ ، وسار عمرو وإمامه ومعاوية ، فما بعد هذا من غيب ينتظر ، ولكنّهم سئموا الحرب وأحبّوا البقاء ، ودفعوا البلاء ، ورجا كلّ قوم صاحبهم .
(1) في المناقب : بعثا .
(2) في المناقب : أوصى .
(3) في المناقب : بهدى إلى ضلالة ... بضلالة إلى الهدى .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1472

ثم قال عليه السلام لعبد الله بن جعفر : قم فتكلّم .
فقام عبد الله ، وقال : أيها الناس ، إنّ هذا الأمر كان النظر فيه إلى عليّ عليه السلام والرضى فيه لغيره فجئتم بعبد الله بن قيس فقلتم : لا نرضى الا بهذا فارض به فإنّه رضانا ، وأيم الله ما استفدنا علماً ، ولا انتظرنا منه غائباً ، ولا أمّلنا ضعفه ، ولا رجونا به صاحبه ، ولا أفسدا بما عملا العراق ، ولا أصلحا الشام ، ولا أماتا حقّ عليّ ، ولا أحييا باطل معاوية ، ولا يذهب الحقّ رقية راقٍ ولا نفحة الشيطان ، وإنّا اليوم على ما كنّا عليه أمس ، وجلس .
ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام(1): الا ومن دعا إلى هذا الشعار(2) فاقتلوه ، ولو كان تحت عمامتي هذه ، فإنّما حُكّم الحكمان ليحييا ما أحيى القرآن ، ويميتا ما أمات القرآن ، وإحياؤه الاجتماع عليه ، وإماتته الافتراق عنه ، فإن جرّنا القرآن إليهم اتّبعناهم ، وإن جرّهم إلينا اتّبعونا ، فلم آت ـ لا أبا لكم ـ بُجراً ، ولا ختلتكم عن أمركم ، ولا لبّسته(3) عليكم ، إنّما اجتمع رأي ملئِكم على اختيار رجلين ، أخذنا(4) عليهما الا يعتدّيا القرآن ، فتاها عنه ، وتركا الحقّ وهما يبصرانه ، فكان الجور هواهما فمضيا عليه ، وقد سبق استثناؤنا
(1) نهج البلاغة : 185 خطبة رقم 127 .
(2) الشِعار : علامة القوم في الحرب والسفر ، وهو ما يتنادون به ليعرف بعضهم بعضاً .
(3) البُجر : الشرّ والأمر العظيم . وختلتكم : خدعتكم . والتلبيس : خلط الأمر وتشبيهه حتى لا يعرف . وفي الأصل : لأ أبا لكم بجواب ، لا قلبّنكم عن أمركم ، ولا لبسنّه عليكم . وما أثبتناه في المتن وفقاً للنهج .
(4) كذا في النهج ، وفي الأصل : أخذتما .

السابق السابق الفهرس التالي التالي