تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1435

قرومها رئيساً ؟
أبدان الشجعان ضرام وقودها ، وأجساد الأمجاد طعام حديدها ، ما صيحة عاد وثمود بأهول من وقعة صفعتها ، ولا ظلّة أصحاب الأيكة بأصحى من ظلمة ظلّتها ، طفى نحرها فأعرق ، واضطرم جرها فأحرق ، وعمّ قطرها فاجتاج فرعها وأصلها ، ودارت رحى منونها فطحنت خيلها ورجلها ، صبح عادياتها يذهل السامع ، وقارعة قوارعها تصخّ المسامع ، تزلّ الأقدام لتكاثر زلزالها ، ويحجم الأبطال لخطر نزالها ، اختلط خاثرها بزبادها ، واُشبهت أمجادها بأوغادها ، وموافقها بمنافقها ، ومخخالفها بموالفها ، ودنيّها بشريفها ، وصريحها بحليفها ، وبرّها بفاجرها ، ومؤمنها بكافرها ، فئة تقاتل في سبيل الله واُخرى كافرة ن وفرقة تبتغي عرض الحياة الدنيا وفرقة ترجو ثواب الآخرة .
قد فتحت أبوا بالجنان لأرواح بذلت وسعها في طاعة ربّها ووليّها ، وشجرة دركات النيران لأنفس أخلفت عهد إمامها ونبيّها ، طالت ليلة هريرها فكم حلايلاً تمت ؟ واضطربت حطمة سعيرها فكم أطفالاً أيتمت ؟ امتدّت ظلمتها ، واشتدّت سدفتها ، وثلمت صفاحها ، وحطمت رماحها ، وعلا ضجيجها ، وارتفع عجيجها ، وتكادمت فحولها ، وتصادمت خيولها ، وتزأّرت آسادها ، وتقطّرت أمجادها .
وكان أمير المؤمنين عليه السلام نجمها الثاقب ، وسهمها الصائب ، وليثها الخادر ، وعينها الهامر ، وبحرها الزاخر ، وبدرها الزاهر ، كم أغرق في لجّة بطشه منافقاً ؟ وكم أخرق بشهاب سيفه متنافقاً ؟
جبريل في حروبه مكتب كتابته ، وميكائيل في وقائعه يعجب من
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1436

ضرائبه ، وملك الموت طوع أمر حسامه ، وروح القدس يفخر بثبات جأشه وإقدامه .
كم فلّ بحدّ غضبه حدّاً ؟ وكم قدّ بعزم ضربه قدّاً ؟ وكم عفّر في الثرى بصارمه جبيناً وخدّاً ؟ وكم بني للاسلام بجهاده فخراً ومجداً ؟
اُمثّله في فكرتي ، واُصوّره في سريرتي ، في حالتي مسيره بكتائبه إلى خصمه ، وجلوسه على وسادته لنشر غرائب علمه ، طوداً يقلّه طرف ، وبحراً يظلّه سقف ، إن تكلّم بيّن وأوضح ، وإن كلم هشم وأوضح ، يقط الأصلاب بضربه ، ويقصّ الرقاب في حربه ، آية الله في خلقه ، ومعجز النبي على صدقه ، ومساويه في وجوب حقّه ، ومضاهيه في خَلقه وخُلقه ، أفضل خلق من بعده ، وأشرف مشارك له في مجده ، كلّ من الرسل الاولى عاتبه ربّه على ترك الأولى ؛ قال سحانه في آدم : «وعصى آدم ربّه فغوى»(1)، وفي نوح : «إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين»(2)، وفي الخليل : «قال أولم تؤمن»(3)، وفي الكليم : «فعلتها إذاً وأنا من الضالّين»(4)، وفي داود : «وظنّ داود أنّما فتنّاه»(5)، وفي سليمان : «إنّي أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّي»(6)، وفي يونس : «وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليه»(7).
وأمير المؤمنين باع نفسه من ربّه ، وحبس قلبه على حبّه ، ووقف
(1) سورة طه : 121 .
(2) سورة هود : 46 .
(3) سورة البقرة : 260 .
(4) سورة الشعراء : 20 .
(5) سورة ص : 24 .
(6) سورة ص : 32 .
(7) سورة الأنبياء : 87 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1437

جسده على طاعته ، وفرغ روحه لمراقبته ، أطلعه سبحانه على جلال عظمته ، وكمال معرفته ، وسقاه من شراب حبّه ، واختصّه بشرف قربه ، فما في فؤاده الا إيّاه ، وما في لسانه الا ذكراه ، يفني وجوده في شهوده إذا هو ناجاه ، ويصفو أبحر ندّه في سجوده عمّا سواه ، قد استشعر لباس المراقبة ، وحاسب نفسه قبل المحاسبة .
يأنس بالظلام إذا الليل سجى ، ويستضيء بأنوار الكشف إذا الغسق دجا ، ويستوحش من الخلق في حال خلوته مع حبيبه ، ويستنشف نفحات الحقّ إذ هو كمال مطلوبه ، رقي لقدم صدقه صفوف الكروبيّين بروحانيّته ، وطار بقوادم عشقه ففات أشباح الصافّين الحافّين بإخلاص محبّته ، جذبته يد المحبّة بزمام العناية إلى حضرة معشوقه ، وأزاحت كدورات الطبيعة عن مسالك طريقه ، حتى إذا آيس من جانب طور قيّوم الملكوت أنوار عظمته ، واستأنس بمناجاة صاحب العزّة والجبروت واطّلع على أسرار إلهيّته ، وقرع بيد إخلاصه شريف بابه ، وأصغى بصماخ «وتعيها اُذن واعية»(1) إلى لذيذ خطابه ، وأشعر قلبه لباس الخضوع بين يديه ، وأحضر لبّه جلال من وجّه مطايا عزمه إليه ، وشاهد بعين يقينه عزّه هيبة سلطانه ، وقطع العلائق عمّا سوى القيام بشروط الخدمة لكبرياء عظم شأنه .
كشف فياض العناية به الحجاب عن جلال كمال عزّته ، ورفع النقاب عن ذلك الجناب فأدرك بكمال عرفانه بهجة حضرته ، أجلسه على بساط المنادمة في غسق الدجا ، وناجاه بلسان المحبّة وقد برح الخفا ، وسقاه بالكأس الرويّة من شراب «يحبّهم ويحبّونه»(2)، ويثب في مدارج السلوك إلى عين اليقين
(1) سورة الحاقّة : 12 .
(2) سورة المائدة : 54 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1438

يقينه ، وتوّجه بتاج «إنّما وليّكم»(1)، ونفعه نحلة «وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم»(2)، وجعل له الرئاسة العامّة في خلقه ، وقرن طاعته بطاعته ، وحقّه بحقّه ، وأثبت في ديوان الصفيح الأعلى منشور عموم ولايته ، ووقّع بيد القدرة العليا توقيع شمول خلافته ، يطالع رهبان صوامع العالم الأشرف في اللوح المحفوظ أحرف صفاته ، ويصغي بصماخ توجّهاتها إلى لذيذ مناجاته ، فتحتقر شدّة كدحها في طاعة ربّها في حبّ طاعته ، وترى عبادتها لمبدعها كالقطرة في اليمّ في جانب عبادته .
باهى الله به ليلة الفراش(2) أمينيه جبرئيل وميكائيل ، وناداهما بلسان الابتلاء وهو العالم من أفعال عباده بكلّ دقيق وجليل : إنّي قد جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيّكما يؤثر أخاه بالزيادة ؟ فكلّ منهما بخل ببذل الزيادة لأخيه ، وتلكّأ عن جواب صانعه ومنشيه ، فأوحى إليهما : هلّا كنتما كابن أبي طالب ؟! فإنّه آثر أخاه بالبقيّة من أجَله ، وبات مستاقا(4) بسيوف الأعداء من أجله ، اهبطا إلى الأرض فاحسنا كلاءته وحفظه ، وامنعاه من كيد عدوّه في حالتي المنام واليقظة .
وكذلك يوم اُحد وقد ولّوا الأدبار ، واعتصموا بالفرار ، وأسلموا الرسول إلى الجبن ، ولم يعد بعضهم الا بعد يومين ، هذا ووليّ الله يتلقّى عنه السيوف
(1) سورة المائدة : 55 .
(2) سورة الأنعام : 153 .
(3) حديث مبيت أمير المؤمنين علي عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله من الأحاديث المتواترة والمشهورة ، انظر : الفصول المائة في حياة أبي الأئمّة : 1 / 227 ـ 263 فقد أوفى الكلام في هذا الحديث .
(4) كذا في الأصل .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1349

بشريف طلعته ، ويمنع عوامل الحتوف بشدّة عزمته ، حتى باهى الله يومئذ ملائكته ببطشه القويّ ، ونادى منادٍ من السماء : لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا عليّ .
وفي بدر إذا التقى الجمعان ، واصطدم الفيلقان ، وشخصت الأعين ، وخرست الألسن ، وجبت الجيوب ، ووجبت القلوب ، كان صلوات الله عليه وآله قاصم أبطالها ، وميتّم أشبالها ، وليث ناديها ، وصل داريها ، صبّ الله بشدّة بطشه على أعدائه سوط عذابه ، وأنزل بالملحدين في آياته من صولة سطوته وخيم عقابه .
صاحب بطشتها الكبرى ، وناصب رايتها العظمى ، جعل الله الملائكة المسوّمين فيها من جملة حشمه وجنده ، ولواء الفتح المبين خافقاً على هامة رفعته ومجده ، وشمس الشرك ببدر وجهه مكوّرة ، وجموع البغي بتصحيح عزمه مكسّرة ، وهل أتاك نبأ الخصم الألدّ ؟ أعني مقدام الأحزاب عمرو بن ودّ ، البطل الأعبل ، وفارس يليل ، إذ أقبل برز كالليث القرم ، ويهدر كالفحل المغتلم ، ويصول مدلّاً بنجدته ، ويجول مفتخراً بشدّته ، ويشمخ بأنفه كبراً ، ويبذخ بخدّه صعراً ، قد تحامته الفرسان خوفاً من سطوته ، وأحجمت عنه الشجعان حذراً من صولته ، وانهلعت قلوب الأبطال لمّا طبق الخندق بطرفه ، وذهلت عقول الرجال لمّا شزرهم بطرفه ، كالأسد الكاسر في غابه ، أو النمر الكاشر عن نابه ، فزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، وأحجمت الأنصار لمّا سمعت زئير الأسد المبادر ، وامتدّت نحوه الأعناق ، وشخصت إليه الأحداق ، وخشعت الأصوات ، وسكنت الحركات ، وهو يؤنّب بتعنيفه ، ويجبر بتأفيفه .
فعندها أشرق بدر الحقّ من شفق الفتوّة ، وطلعت شمس المجد من برج
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1440

النبوّة ، وأقبل علم الاسلام يرفل في ملابس الجلال ، وتبدّى نور الايمان يخطر في حلل الكمال ، كالطود الشامخ في مجده ، أو البحر الزاخر عند مدّه ، قد أيّده الله بروح قدسه ، وأوجب من ولائه ما أوجب من ولاء نفسه ، وأيّده بالعصمة التامّة ، وشرّفه بالرئاسة العامّة ، كالقمر المنير في كفّه شهاب ساطع ، أو الموت المبير إذا علا بسيفه القاطع ، حتى إذا قارنه وقاربه وشزره بطرفه عند المصاولة علاه بمشحوذ العذاب لو علا به رضوى لغادر كثيباً مهيلاً ، ولو أهوى به على أكبر طود في الدنيا لصبّره منفطراً مقلولاً ، فخرّ كالجذع المنقعر ، أو البعير إذا نحر ، يخور بدمه ، ويضطرب لشدّة ألمه ، قد سلبته ملابس الحياة أيدي المنيّة ، وكسته من نجاح دمه حلّة عدميّة ، وكفى الله المؤمنين القتال بوليّه المطلق ، صدّيق نبيّه المصدّق ، الذي أعزّ الله الاسلام وأهله بعزمه ، وأذلّ الشرك وجنده بقدمه .
فيا من كفر بأنعم ربّه ، وأجلب بخيله ورجله على حربه ، ورابطه مصابراً ، وعانده مجاهراً ، وأظهر نفاقه الكامن ، وغلّه الباطن ، ألم يكن أبوك في تلك المواطن رأساً للمشركين ؟ ألم يكن في حرب نبيّه ظهيراً للكافرين ؟ ألست ابن آكلة الأكباد البغيّة ؟ ألست زعيم العصابة الأمويّة ؟ ألست فرع الشجرة الملعونة ؟ ألست رأس الاُمّة المفتونة ؟ أليس قائد احزاب المشركين أباك ؟ أليس أوّل المبارزين في بدر جدّك وخالك وأخاك ، اُديرت كؤوس المنون بيد وليّ الله عليهم ، وبطرت الحتوف من كثب إليهم ، وأنزل سبحانه «فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان»(1) منهم ذلك بما قدّمت أيديهم ، قلبت أشلاءهم بعد الموت في القلب ، «ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت
(1) سورة الأنفال : 12 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1441

واُخِذوا من مكان قريب»(1)، لرأيت أعناقهم تقطع صبراً ، وأشلاءهم تبضّع هبراً ، واُمراءهم قد ولّوا الأدبار ، ثمّ لا ينصرون ، واُسراءهم كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون .
هؤلاء أسلافك الماضية ، وآباؤك الغالية ، الذين قصّ الله قصصهم في محكم تنزيله ، ولعنهم على لسان نبيّه ورسوله ، وسمّاهم الشجرة الملعونة في القرآن(2)، والعصابة الخارجة عن الايمان ، الذين اتّخذوا الأصنام آلهة من دون الله ، واستقسموا بالأزلام خلافاً لأمر الله ، وكان سيّدنا ووليّ أمرنا ومعتقدنا ووسيلتنا إلى ربّنا حينئذٍ أوّل من أسلم لربّ العالمين ، قائماً يومئذ بنصر سيّد المرسلين .
مقالـكم في اُحدٍ اُعـل هــبل وقولـه الـله أعـلى وأجـل
أوّل مـن آمـن بالـله ومـن صلّى وصام تابعاً خير الرسل
وخير من واسى النبيّ في الوغا وخير من في الله نفـسه بـذل
يا من تلـمني في هواه لا تـلم فحبّه وجـدته خـير العـمـل
من كفّـه رجـوت اُسقى شربة ختامها مـسك وفـي ذلـك فل
أنا الذي من عـهده مسـتمسك بعروةو عـقد ولاها لاتـحـل
خير وليّ ليس يحـصى فضله ومجـده عزّ عن الوصف وجل
بعـد إلـهي ونـبيـّي لا أرى سواه ينجيني إذا الـخطب نزل
في القلب منّي منـزل لـحبّه متحكّم بصـدق عهـدي لم يزل
أهتف باسمـه إذا خطب عرا وأسـأل الـله بـه وأبـتـهـل
فإنّنـي ومـن أجـل كـيـده بساحتي العكس جـابـني الأمـل(3)
(1) سورة سبأ : 51 .
(2) إشارة إلى الآية : 60 من سورة الاسراء .
(3) البيت لا يخلو من اضطراب ـ كما تلاحظ ـ .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1442

رفضت رجسـين تسـمّـيا بما سمّـاه ذو الـعرش قديماً في الأُول
ودنـت ديـنـاً قيّـماً إنـّهـما في الكفر شـرّ مـن يـغوث وهبل
وهكـذا ثـالـثـهم أظلـم من حلّ علـى وجـه الثرى أو ارتحل
ومن أتت لـحربـه وخـالفت إلـهـهـا وبـعلـها يوم الجـمل
وسائقي بعيرها وقائدي نفيرها ومـن رضــي ومـن دخــل
ومن بـصفّين علـيه جـرّدوا بيض الضـبا واعتقلوا سمر الأسل
وأقبلـوا يـقدمـهم زعيـمهم رأس النفـاق والـغرور والحـيل
نجل الـطغـاة الطلقاء والذي لعنهم في مـحـكم الـذكر نـزل
ومن عن الحقّ السـويّ مرقوا وخالفوا جميـع أربـاب الـمـلل
كلّهم قد فـارقـوا ديـن الهدى وقارفـوا الكـفر بـقول وعـمل
عليهم مـن ذي الجـلال لعنة دوامهـا حجتـى الــقيام متّصل
ما سيّرت أفلاكها بشمـسهـا وابتلج الصبـح وأظلـم الطـَفَل(1)

اللهم يا من أفرغ على أعطاف عقولنا ألطاف كرامته ، وحلّى أجياد نفوسنا بجلي عنايته ، ورفع قواعد ملّتنا ، وجمع على التقوى كلمتنا ، وأثبت في دوحة الايمان اصولنا ، وسقى بزلال الاخلاص فروعنا ، وتمّم باتّباع سبيل نبيّه ووليّه حدودنا ورسومنا ، فصرنا لا نعتقد سواه قديماً أزليّاً ، ولا نرى وجوداً غير وجوده أبديّاً ديموميّاً ، ننزّهه عن الشريك والعديل ، ونقدّسه عن الشبيه والمثيل ، خلقنا لننزّهه ونمجدّه ، وأوجدنا لنعبده ونوحّده ، وجعل نفح ذلك واصلاً إلينا ، ومضاعفاً علينا ، لا لحاجة منه إلى عبادتنا ، ولا لفائدة عائدة إليه من طاعتنا .
(1) الطَفَل : المساء .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1443

ظهر لأفكارنا بآثار صنعته ، واحتجب عن أبصارنا بكبريائه وعظمته ، وفرض علينا بعد الاقرار بأنّه الواحد الأحد المبتدع المخترع ، وعرفان ما يصحّ على ذاته الشريفة ويمتنع ، وتعاليه عمّا لا يليق بجلاله من تعارض خلقه ، والاذعان بالتسليم لأمره وقضاء حقّه ، سلوك سبيل من أقامهم هداة إليه ، وإدلاء في مفاوز الضلالة عليه ، والتسليم لأمرهم ، والتنويه بذكرهم ، والاخلاص بشكرهم ، والاتّضاع لقدرهم ، والاغتراف من بحر علمهم ، والاعتراف بصواب حكمهم ، وأن لا يقدّم عليهم من سجد لصنم ، أو استقسم بزلم ، أو بحر بحيرة ، أو عتر عتيرة ، قد نمته الخبيثون والخبيثات ، وحاق به دناءة الآباء وعهر الاُمّهات .
ونعتقده انّه سبحانه قرن حبّهم بحبّه ، وجعل حربهم كحربه ، وسلمهم كسلمه ، وعلمهم من علمه ، فهم اولوا الأمر الذين قرن طاعتهم بطاعته ، وهداة الخلق إلى ما اختلفوا فيه من فرض دينهم وسنّ حسدهم من لعنه الله وغضب عليه ، وأعدّ له خزيه يوم يقوم الناس لديه .
أغرى الشيطان بهم سفهاءه ، وأعلى عليهم أولياءه ، وزيّن للناس اتّباعهم ، وجعلهم أشياعهم واتباعهم ، وسمّى رأس الكذبة صدّيقهم ، وأساس الظلمة فاروقهم ، وخائن الاُمّة وليّ أمرهم ، وأجهل الاُمّة كاتب وحيهم ، وولّوا الناس بغرورههم ، وحرّفوا كتاب الله بزورهم ، وأخلفوا عهد الرسول ونبذوا ميثاقه المأخوذ عليه ، وجرّدوا عليهمه سيوفهم وعواملهم ، وفوّتوا نحوهم سهامهم ومعابلهم .
ثمّ تفكر في حال الرجس اللئيم ، والدنس الأثيم ، ابن آكلة الأكباد ، ونتيجة الآثمة الأوغاد ، وما أظهر من الكفر والالحاد ، والبغي والعناد ، وليس ذلك ببدع من قبيح فعله ، وزنيم أصله ، فهو من قوم طوّقهم الله بطوق لعنته في
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1444

الدار الفانية ، وأعدّ لهم أليم عقوبته في جحيمه الهاوية .
اللهم إنّا نتقرّب إليك بلعنته وسبّه ، وتكفير مصوّبي اجتهاده في حربه ، ولمّا تصوّرت شدّة شكيمته في غيّه ، وخبث سريرته ببغيه ، وأذاه للنبيّ وأهله ، وعداوته للوصيّ ونجله ، كنت اُخاطبه بكلمات أوحاها جناني ، وأقصده بلعنتي في سرّي وإعلاني ، وأذبحه بذكر مساويه ببليغ نثري ، واورد نبذة من مخازيه بفصيح شعري ، فمن جملة ذلك أبيات ألقاها خالص الايمان على بنان نطقي ، وأهداها الملك الديّان إلى لسان صدقي ، تحلّي الطروس بذكرها ، وتسرّ النفوس بنشرها ، وهي هذه :
يا ابن البغـيّة يـا رأس البغــاة ويا نجل الطغاة وأهل الزيـغ والـزلـلِ
وأهل بدر واُحـدٍ والـذيـن سـروا لحرب خير الورى بالبيض والأسـل
ومن بلعنـتهم جـاء الكـتاب وفـي الأحزاب ذكرهم حتى القيـام جلـي
ويا ابن من كان رأس المشركين ويا رأس النفاق وأهل الشـرك والخطل
رمتم بأن تطـفئوا نور الهدى بعدت أحزابكم مثل سهـل الأرض والجبلِ
فأرسل الله جـنداً لـم تـروه على جموعكم فانثنيـتم خائـبي الأمـلِ
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1445

حتى إذا قـام ديـن الحـقّ منتــصباً يزهو فخاراً إذ المحفوظ مـنه غلي
وذلّ ما عزّ مـن عُــزّاكـم وغــدا مكسراً جمعها للكسر مـن هـبـل
وعـمرو ودّكم أمـسـى كـودّكـــم مقسماً بحسام الضـيغـم البـطـل
هـادي الخـليقة محـمود الـطريقـة معصوم الحقيقة نور الله فـي الأزل
ليث الكـتيبـة مشـهور الـضريـبة ذي القربى القريبة ثاني خاتم الرسل
نفس الرسـول وواقــيه بمـهجـته وناصر دينه بـالـقـول والـعمل
ربّ الفراش إذا المختـار اخرج مـن مقامه في الدجا يسري على وجـل
بدت لأهل العـلى انــوار طلـعته فوق الفراش كبدرٍ تمّ فـي الـطَفَل
من جدّك الرجس في بـدرٍ وخالك مع أخيك عمّا لقـوه منه قـف وسـَل
يُنبيك صارمـه عنهــم بـأنـّهـم ما بين منـعفـر مـنه ومـنجـدل
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1446

يا أكفر الـخلق مـن بدوٍ ومن حضرٍ وأظـلم النـاس فـي حلٍّ ومـرتحـل
لو تؤمـنوا رغباً فـي الدين بل رهباً وخشيتـه مـن حسـام قـاطـع الأجل
في كـفّ أبلـج يـوم الروع طلعته كالشـمس مـشرقة في دارة الـحـمل
غدا وليدكـم مـن ثـدي صـارمـه لبـان صـرف الردى بالـغلّ والنـهل
كهف الأنـام وهـاديـهم ومنـقذهم ومن بهم سـالـك في أوضـح السـبل
وغيث ما حلتم إن أزمـّه قـرعـت وغيـث صـارخهم في الحاديث الجلل
سل عن فضـائـله جـماً فـإنّ له في الذكر ذكـر جلـيل سـار كالمـثل
يوم القموص على شأناً بسـطوتـه إذ ردّ شـانـئـه بـالـخذل والفشـل
كانت حصوناً حـصاناً فـي شـوا هقها إلى ذراها سـحاب المزن لم تصل
فافتضّ بالذكر الصـمصـام عذرتها فأصبحت من دمـاء الـقـوم فـي حلل

السابق السابق الفهرس التالي التالي