تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1411

عليه وآله رأى في منامه أنّ قروداً تنزوا على منبره وتنزل وتصعد ، فساءه ذلك واغتمّ ، ولم ير بعدها ضاحكاً حتى مات .
«والشجرة الملعونة في القرآن»(1) هم بنو اُميّة أخبره سبحانه بتغلّبهم(2) على مقامه وقتلهم ذرّيّته .(3)
روي عن منهال بن عمرو ، قال : دخلت على علي بن الحسين عليه السلام ، فقلت : كيف أصبحت ، يا ابن رسول الله ؟
قال : أصبحنا والله كبني إسرائيل في أيدي القبط ، يذبّحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، وأصبح خير البريّة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله يلعن على المنابر ، وأصبح من يحبّنا منقوصاً حقّه بحبّه إيّانا .(4)
وقيل للحسن البصري : يا أبا سعيد ، قتل الحسين بن علي عليه السلام ،
(1) سورة الاسراء : 60 .
(2) كذا في المجمع ، وفي الأصل : تغليبهم .
(3) انظر : كتاب سليم بن قيس : 153 ، سنن الترمذي : 5 / 414 ح 3350 ، الكافي : 8 / 222 ح 280 ، تفسير العيّاشي : 2 / 298 ح 98 ، تفسير القمّي : 2 / 431 ، مستدرك الحاكم : 3 / 170 ـ 171 ، أمالي الطوسي : 2 / 300 ، إعلام الورى : 46 ، مجمع البيان : 3 / 424 ، ترجمة الامام الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق : 198 ح 327 ، مناقب ابن شهراشوب : 4 / 35 ـ 36 ، تفسير الرازي : 20 / 236 ، الكامل في التاريخ : 3 / 407 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 16 / 16 ، تفسير القرطبي ، 20 / 132 ، البداية والنهاية : 10 / 48 ، تأويل الآيات : 1 / 281 ح 12 ، تفسير الصافي : 5 / 351 ، إثبات الهداة : 1 / 156 ح 16 وص 366 ح 479 ، البحار : 44 / 58 ح 7 ، وج 61 / 155 وص 168 ح 23 ، تفسير نور الثقلين : 3 / 180 ح 281 ، وج 4 / 65 ـ 66 ح 87 .
(4) انظر : مقتل الخوارزمي : 2 / 71 ـ 72 ، مجمع البيان : 3 / 424 ، مناقب ابن شهراشوب : 4 / 169 ، البحار : 45 / 175 ضمن ح 22 ، عوالم العلوم : 17 / 409 ـ 410 ضمن ح 6 ، إحقاق الحقّ : 12 / 121 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1412

فبكى حتى اختلج جنباه ، ثم قال : واذلّاه لاُمّة قتل ابن دعيّها ابن بنت نبيّها .(1)
فهل تجرّوا على أولياء الله الا بكم ؟ وهل ألحدوا في دين الله الا بسببكم ؟ ما أقام أبو كابن صهّاك والياً من بعده ولا قلّده ولاية عهده الا لعلمه بقوّة شقاقه ، وشدّة نفاقه ، وعظيم إلحاده ، وعميم فساده ، فقام عدوّ الله ناسجاً على منواله ، مقتدياً بأقواله وأفعاله ، فرفع بضبع المنافق الشقيّ ، وأعلا كعب المارق الغويّ ، أعني ابن هند البغيّة ، رأس العصابة الأمويّة ، فولّاه رقاب المسلمين ، وأذلّ بتوليته أعلام المؤمنين ، ومهّد له قواعد ظلم الأطهار ، وأوضح له مقاصد هضم الأخيار ، وقرن دولته بدولته ، وولايته بولايته ، ثمّ جعل الأمر شورى بعد انقضاء أجله ، وانتهاء اُكله ، بيد ابن عوفه قرين الشيطان وأليفه ، رأس الغدرة الكذبة ، أصحاب ليلة العقبة ، الذي نصبوا الغوائل لنبيّهم ، وأضمروا له القواتل بغيّهم ، وراموا تنفير ناقته ، واستئصال شأفته ، وأطلع الله نبيّه على ما أضمروا ، وحاق بهم سيّئات ما مكروا .
ما أدخله الزنيم في مشورته ، ولا جعله اللعين قياس نتيجته ، الا لعلمه بخبث سريرته ، وسوء عقيدته ، وبغضه للحق وأهله ، وتعصّبه للباطل بقوله وفعله ، فجعلها في البيت الذي رسخت في الشرك قوائمه ، وشمخت بالظلم دعائمه ، وشقيت بالنفاق شجرته ، وشاعت في الآفاق بدعته .
أوّل الاثمة ، وثالث الظلمة ، وفرع الشجرة الملعونة ورأس الاُمّة المفتونة ، حتى إذا قام منه زرع الباطل على سوقه ، وعمّ المسلمين بظلمه وفسوقه ، أجمعت الاُمّة على خلعه وخذله ، واجتمعت لحربه وقتله ، وسقته من كؤوس
(1) مجمع البيان : 61 / 155 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1413

المنون صبراً ، واخترمته بسيوف الحتوف صبراً ، وأعادته طريحاً مهيناً ، وطليحاً ظميناً ، وأخرجه الله من دار الفناء ملوماً مسحوراً ، وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً ، حتى إذا عاد الحقّ إلى أهله ، والتفّ الفرع على أصله ، وقام بأمر الله وليّه الكامل ، وجاء الحق وزهق الباطل ، ظهر كامن غلّك وحسدكِ ، واشتعلت نار البغي في فؤادك وجسدكِ ، وشيّدتِ ما شيّد أبوك وعمّكِ ، وأظهرت الطلب بدم المخذول بزعمكِ ، ونصر الله الحقّ على رغمك ، وخاب من سهام الخير وعد سهمك .
ثمّ لم يزل غلّك يغلي عليكِ ، وحقدك يلقى إليك ، والخنّاس يوسوس في صدرك ، وينفث في سرّك ، حتى أغريت الجبّار العنيد بعدواته ، وحمّلت الشيطان المريد على مناجزته ، فكفر الطليق بأنعم ربّه ، وأجهد اللصيق جهده في حربه ، ورابطه ثمانية عشر شهراً ، مجدّاً في عداوته سرّاً وجهراً ، فلولا خليفة أبيك ، ونتيجة ذويك ، لما حصل ما حصل ، ولا اتّصل من اتّصل ، فأنتم أصل البغي وفرعه ، وموقف الظلم وجمعه ، ووتر العدوان وشفعه ، وبصر الشيطان وسمعه ، فلعنة الله على اُصولك الماضية ، وقرونك الخالية ن وجموعك الباغية ، وجنودك الطاغية ، لعناً لا انقطاع لعدده ، ولا نفاد لأمده ، آمين ربّ العالمين .
ولنرجع إلى تمام المجلس :
نزل صلوات الله عليه بعد انقضاء الحرب في الرحبة السادس من رجب وخطب فقال : الحمد لله الذي نصر وليّه ، وخذل عدوّه ، وأعزّ الصادق المحقّ ، وأذلّ الناكث المبطل .
ثمّ إنّه عليه السلام دعا الأشعث بن قيس من ثغر آذربايجان ، والأحنف
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1414

بن قيس من البصرة ، وجرير بن عبد الله البجلي من همذان فأتوه إلى(1) الكوفة ، ووجّه جرير إلى معاوية يدعوه إلى طاعته .(2)
وأمّا عائشة فإنّ أمير المؤمنين ردّها إلى المدينة وأرسل معها قريباً من مائتي امرأة(3)، فلم تلبث الا قليلاً حتى لحقت بمعاوية بالشام ووضعت قميص عثمان ملطّخاً بالدم على رأسها .
فقال عمرو لمعاوية : حرّك لها جوارها نحن(4)، فأخذه معاوية وصعد المنبر ، فكان من أمر صفّين ما أنا ذاكره :
لمّا قدم جرير على معاوية يدعوه إلى طاعة أمير المؤمنين عليه السلام توقّف معاوية وماطل جرير وطاوله حتى قدم عليه شرحبيل ، فصعد معاوية المنبر وخطب ، وقال : أيها الناس ، قد علمتم أنّي خليفة عمر وعثمان ، وقد قتل عثمان مظلوماً ، وأنا وليّه وابن عمّه وأولى الناس بالطلب بدمه ، فما رأيكم ؟
فقالوا : نحن طالبون بدمه .
فدعا عمرو بن العاص ووعده أن يطعمه مصر ـ وكان والياً عليها من قبل عثمان ـ فسار إليه ، وكان يتثاقل في مسيره .
فقال له غلام له يقال له وردان ، تفكّر في أمرك انّ الآخرة مع عليّ والدنيا مع معاوية .
(1) كذا في المناقب ، وفي الأصل : فأقره في .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 164 .
(3) انظر : تاريخ اليعقوبي : 2 / 183 ، تذكرة الخواصّ : 81 ، تاريخ الطبري : 4 / 544 ، تجارب الاُمم : 1 / 331 ، الكامل في التاريخ : 3 / 258 ، فقد ذكرت فيهما كيفيّة إرسال عائشة إلى المدينة ، وفي عدد النساء اللاتي أرسلهنّ أمير المؤمنين عليه السلام مع عائشة اختلاف .
(4) كذا في الأصل .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1415

فقال عمرو :
يا قاتل الله ورداناً وفطنته لقد أصاب الذي في القلب وردان(1)

فقال له ابن عمرو :
ألا يا عمرو ما أحرزت نصراً ولا أنت الغداة إلى رشادِ
أبعت الديـن بالدنيـا خساراً فأنت لذاك من شرّ العبادِ

فانصرف جرير ،](2) وكتب معاوية إلى أهل المدينة : إنّ عثمان قتل مظلوماً ، وعليّ آوى قتلته ، فإن دفعهم إلينا كففنا عنه ، وجعلنا الأمر شورى بين المسلمين كما جعله عمر عند وفاته ، فانهضوا معنا ـ رحمكم الله ـ إلى حربه .
فأجابوه بكتاب :
معاوي إنّ الحـقّ أبلـج واضـحٌ وليس كا ربصت(3) أنت ولا عمرو
نصبت لك(4) اليوم ابن عفّان خدعة كما نصب الشيخان إذ زخرف الأمر
(1) البيت في المناقب هكذا :
لا قاتل الله ورداناً وابنه أبدى لعمري ما في الصدر وردان .
(2) من المناقب .
(3) كذا في المناقب ، وفي الأصل غير مقروءة .
(4) في المناقب : لنا .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1416

رميتم عليّاً بالذي لم يضـرّه وليس له في ذاك نهي(1) ولا أمر
فما ذنبه إن نال عثمان معشر أتوه من الأحياء يـجمـعهم مصر(2)
وكان عليّ لازماً قعر بيـته وهمّته التسبيح والحـمد والـذكر
فما أنتما لا درّ درّ أبـيكـما وذكركم الشورى وقد وضح الأمر
فما أنتما والنصر منّا وأنتما طليقا اُسارى ما تبوح به الـخمر(3)

وأرسل معاوية أبا مسلم الخولاني بكتاب إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، من جملته :
وكان أنصحهم لله خليفة الأوّل ، ثم خليفة خليفته ، ثم الخليفة الثالث المقتول ظلماً ، فكلّهم حسدت ، وعلى كلّهم بغيت ، عرفنا ذلك من(4) نظرك الشزر ، وقولك الهجر ، وتنفّسك الصعداء ، وإبطاؤك عن الخلفاء ، وفي كلّ ذلك تقاد كما يقاد الجمل المغشوش ، ولم تكن لأحدٍ [منهم](5) أشدّ حسداً منك لابن
(1) كذا في المناقب ، وفي الأصل : سعي .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل غير مقروءة .
(3) في المناقب : طليق اُسارى ما تبوح بها الخمر .
(4) في المناقب : ثم .
(5) من المناقب .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1417

عمّك ، وكان أحقّهم الا تفعل [ذلك](1) لقرابته وفضله ، فقطعت رحمه ، وبّحت حسنه ، وأظهرت له العداوة ، وبطنت له بالغشّ ، وألّبت الناس عليه ، فقتل معك في المحلّة ، وأنت تسمع الواعية(2)، لا تدرأ عنه بقول ولا فعل .
فلمّا وصل أبو مسلم وقرأ الكتاب على الناس قالوا : كلّنا قاتلون ، ولأفعاله منكرون .
فكان جواب أمير المؤمنين عليه السلام :
وبعد ، فإنّي رأيتك قد أكثرتَ في قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي ، ثمّ حاكم القوم إليّ أحملكم على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله ، وأمّا الذي تريده في خدعة(3) الصبي عن اللبن ، ولعمري لئن نظرت بعقلك [دون هواك](4) لعلمت أنّي من أبرأ الناس من دم عثمان ، وقد علمت أنّك من أبناء الطلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة .
قال : ثم صعد عليه السلام المنبر وحضّهم على ذلك .
قال ابن مردويه : قال قيس بن أبي حازم التميمي وأبو وائل : قال أمير المؤمنين عليه السلام : انفروا إلى بقية الأحزاب وأولياء الشيطان ، انفروا إلى من يقول كذب الله ورسوله .
وجاء رجل من عبس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسئل : ما الخبر ؟ فقال : إنّ في الشام يلعنون قتلة عثمان ، ويبكون على قميصه .
(1 و4) من المناقب .
(2) في المناقب : الهائعة .
(3) في المناقب : وأمّا تلك التي تريدها فإنّها خدعة .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1418

فقال عليه السلام : ما قميص عثمان بقميص يوسف ، ولا بكاؤهم عليه الا كبكاء أولاد يعقوب ، فامّا فتح الكتاب وجده بياضاً فحولق .
وكتب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام : ليت القيامة قد قامت فترى المحقّ من المبطل .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها»(1) .
وكتب معاوية أيضاً إلى أمير المؤمنين ـ بعد كلام طويل ـ :
يا عليّ ، اتّق الله ، ولا تفسدنّ سابقة قدمك ، وذر الحسد فلطالما لم ينتفع به أهله ، فإنّ الأعمال بخواتيمها ، ولا تعمدن بباطل في حقّ من لا حقّ له ، فإنّ تفعل ذلك فلن تضرّ الا نفسك ، ولا تمحق الا عملك .
فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام ـ بعد كالم طويل ـ :
عظتي لا تنفع من حقّت عليه كلمة العذاب ، ولم يخف العقاب ، ولا يرجو الله وقاراً ، ولم يخف الا حذاراً(2)، فشأنك وما أنت عليه من الضلالة والحيرة والجهالة تجد الله عز وجل في ذلك بالمرصاد .
ثم قال في آخر كلامه :
فأنا أبو الحسن قاتل جدّك عتبة ، وعمّك شيبة ، وخالك الوليد بن عتبة ، وأخيك حنظلة الذين سفك الله دماءهم على يدي في يوم بدر ، وذلك السيف معي ، وبذلك القلب ألقى عدوّي .
(1) سورة الشورى : 18 .
(2) في المناقب : ولم يخف حذاراً .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1419

[ومن كلامه :](1) ومتى ألفيت بني عبد المطّلب عن الأعداء ناكلين ، وبالسيوف مخوفين ، فالبث قليلاً تلحق الهيجاء جمّل ، فسيطلبك من تطلب ، ويقرب منك من تستبعد ، وأنا مرقل نحوك في جحفل(2) من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم ، ساطع قتامهم ، متسربلين سرابيل الموت ، أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربّهم ، قد صحبتهم ذرّيّة بدرّية ، وسيوف هاشميّة ، قد عرفت مواقع نصلها في أخيك وخالك وجدّك ، وما هي من الظالمين ببعيد .
فنهاه عمرو عن مكاتبته ولم يكتب بعدها الا بيتاً واحداً :
ليس بيني وبين قيس عتاب غير طعن الكلا وضرب الرقاب

قال أمير المؤمنين عليه السلام : قاتلت الناكثين هؤلاء القاسطين وساُقاتل المارقين ، ثم سار أمير المؤمنين راكباً فرس رسول الله صلى الله عليه وآله وقصده في تسعين ألفاً .
قال سعيد بن جبير : منها تسعمائة رجل من الأنصار وثمانمائة من المهاجرين .
وقال عبد الرحمان بن أبي ليلى : وسبعون رجلاً من أهل بدر ؛ وقيل : مائة وثلاثون رجلا .
وخرج معاوية في مائة ألف وعشرين ألف ، يتقدّمهم مروان وقد تقلّد بسيف عثمان ، فنزل [صفّين](3) في المحرّم على شريعة الفرات .
(1) من المناقب .
(2) المرقل : المسرع . والجحفل : الجيش .
(3) من المناقب .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1420

ومنعوا عسكر أمير المؤمنين عليه السلام من الماء ، فأنفذ أمير المؤمنين صعصعة(1) بن صوحان العبدي فقال في ذلك عنفاً .
فقال معاوية : أنتم قتلتم عثمان عطشاً .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : روّوا السيوف من الدماء ترووا من الماء والموت في حياتكم قاهرين خير من الحياة في دنياكم مقهورين(2).
وقال الأشتر رضي الله عنه :
ميعادنا الآن بياض الصبح لا يصلح الزاد بغير ملحِ

وحملوا في سبعة عشر ألف رجل حملة واحدة فغرق بعضهم ولزم الباقون من عسكر معاوية ، فملك الشريعة أصحاب علي عليه السلام ، فأمر أمير المؤمنين أن لا يمنعوهم من الماء ، وكان نزوله عليه السلام بصفّين لليال بقين من ذي الحجّة سنة ستّ وثلاثين ، فأمر معاوية النقّابين أن ينقّبوا تحت عسكر عليّ أمير المؤمنين عليه السلام .
فقال أمير المؤمنين :
فلو أنّي أطعت عصيت قومي إلى ركن اليمامة أو شئام
ولكنّـي إذا أبـرمـت أمراً تخالفـني أقاويل الطغام

فتقدّم الأشتر وقتل صالح بن فيروز العكّي(3) ومالك بن الأدهم وزيد(4) بن عبيد
(1) في المناقب : شبث بن ربعي الرياحي وصعصعة .
(2) في المناقب : في موتكم قاهرين .
(3) كذا في وقعة صفّين : 174 ، وفي الأصل : العاملي ، وفي المناقب : العتلي .
وفي وقعة صفّين هكذا عدّ الباقين : ومالك بن أدهم السلماني ، ورياح بن عتيك الغسّاني ، والأجلح بن منصور الكندي ـ وكان فارس أهل الشام ـ وإبراهيم بن وضّاح
=
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1421

الكناني وزامل بن عبيد الخزاعي ومالك بن روضة الجُمحي مبارزة . وطعن الأشعث لشُرَحبِيل بن السِمط ولأبي الأعور السلمي ، فخرج حوشب ذو الظليم وذو الكلاع في نفر فقالوا : أمهلونا هذه الليلة :
فقالوا : لا نبيت الا في معسكرنا ، فانكشفوا .
ثم إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أنفذ سعيد بن قيس الهمداني وبشر(5) بن عمرو الأنصاري إلى معاوية ليدعواه إلى الحق فانصرفا بعد ما احتجّا عليه .
ثم أنفذ أمير المؤمنين عليه السلام [شبث بن ربقي و](6) عديّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وزياد بن خصفة(7) بمثل ذلك ، فكان معاوية يقول : سلّموا إلينا قتلة عثمان لنقتلهم به ، ثمّ نعتزل الأمر حتى يكون شورى ، فتقاتلوا في ذي الحجّة وأمسكوا في المحرّم ، فلمّا استهلّ صفر سنة سبع وثلاثين أمر أمير المؤمنين عليه السلام فنودي في عسكر الشام بالاعذار والانذار ، ثم عبّى عسكره فجعل على ميمنة الجيش الحسنين وعبد الله بن جعفر ومسلم بن عقيل ، وعلى ميسرته محمد بن الحنفيّة ومحمد بن أبي بكر وهاشم بن عتبة المرقال ، وعلى القلب عبد الله بن العبّاس والعبّاس بن ربيعة بن الحارث والأشتر والأشعث ، وعلى الجناح سعد(8) بن قيس الهمداني وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ورفاعة بن شدّاد البجلي وعديّ بن حاتم ، وعلى الكمين عمّار بن ياسر وعمرو بن الحمق وعامر بن واثلة الكناني وقبيصة بن
= الجُمحي ، وزامل بن عبيد الله الحِزامي ، ومحمد بن روضة الجُمحي .
(4) في المناقب : زياد .
(5) في وقعة صفّين : بشير . وأضاف إليهما شبث بن رِبعي التميمي .
(6) من وقعة صفّين والمناقب .
(7) كذا في وقعة صفّين ، وفي الأصل والمناقب : حفص .
(8) كذا في وقعة صفّين والمناقب ، وفي الأصل : سعيد . وكذا في الموضع الآتي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1422

جابر الأسدي .
وجعل معاوية على ميمنته ذا الكَلاع الحميري وحوشب ذا الظليم ، وعلى الميسرة عمرو بن العاص وحبيب بن مَسلمة ، وعلى القلب الضحّا بن قيس الفهري وعبد الرحمان بن خالد بن الوليد ، وعلى الساقة بسر بن أرطاة الفهري ، وعلى الجناح عبد الله بن مسعدة الفزاري وهمام بن قبيصة النمري ، وعلى الكمين أبا الأعور السلمي وحابس بن سعد الطائي .
فبعث أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية أن اخرج إليّ اُبارزك ، فلم يفعل ، وقد جرى بين العسكرين أربعون وقعة تغلّب فيها أهل العراق : أوّلها يوم الأربعاء بين الأشتر وحبيب بن مسلمة ، والثانية بين المرقال و[أبي](1) الأعور السلمي ، والثالثة بين عمّار وعمرو بن العاص ، والرابعة بين محمد بن الحنفيّة وعبد الله بن عمر ، والخامسة بين عبد الله بن عبّاس والوليد بن عقبة ، والسادسة بين سعد بن قيس وذي الكلاع ، إلى تمام الأربعين ، وكان آخرها ليلة الهرير .(2)
ولأبطال أهل العراق مع أبطال أهل الشام وقعات وحروب وأشعار لا نطوّل بذكرها خوف الملل ، ففي بعض أيّامها جال أمير المؤمنين عليه السلام في الميدان قائلاً :
أنا علي فاسـألوني تخبروا ثمّ ابرزوا لي في الوغى وابتدروا
سيفي حسام وسناني يزهرُ منّا النـبـي الـطاهر المـطّهرُ
وحمزة الخير ومـنّا جعفر وفـاطـمُ عرسـي وفيـها مفخرُ
(1) من المناقب .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 164 ـ 169 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1423

هذا لهذا وابن هند محجرٌ مذبذب مطرد مؤخّر

فاستلحقه(1) عمرو بن الحصين السكوني على أن يطعنه فرآه سعيد بن قيس فطعنه .
وأنفذ معاوية ذا الكلاع إلى بني همدان فاشتبكت الحرب بينهم إلى الليل ، ثم انهزم أهل الشام ، وأنشد أمير المؤمنين عليه السلام :
فوارس من همدان ليسوا بعزل غداة الوغى من شاكر وشبام
يقودهـم حـامي الحقيقة ماجد سعيد بن قيس والكريم محام
جزى الله همدان الجنان فإنّهم سهام العدى في يوم كلّ حمام(2)

ونادى خال السدوسي من أصحاب علي عليه السلام : من يبايعني على الموت ؟ فأجابه تسعة آلاف ، فقاتلوا حتى بلغوا فسطاط معاوية ، فهرب معاوية فنهبوا فسطاطه ، وأنفذ معاوية إليه : يا خالد ، لك عندي إمرة خراسان [متى](3) ظفرت فاقصر ويحك عن فعالك هذا ، فنكل عنه ، فتفل أصحابه في وجهه وحاربوا إلى الليل .
وخرج حمزة بن مالك الهمداني من أصحاب معاوية قائلاً لهاشم المرقال :
يا أعور العين وما فينا عور نبغي ابن عفّان ونلحَى من غَدَر(4)
(1) في المناقب : فاستخلفه .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 171 ـ 172 .
(3) من المناقب .
(4) اورد الأرجاز في وقعة صفّين : 347 هكذا :
يا أعور العين وما بي من عَوَر أثُبت فإنّي لستُ من فَرعَي مُضر
نحن اليمانون وما فينا خَوَر كيـفَ ترى وقع غُلامٍ من عُذَر

السابق السابق الفهرس التالي التالي