(1) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 155 ـ 157 ، عنه البحار : 32 / 157 ـ 177 .
(2) نقله ابن شهراشوب عن البلاذري في أنساب الأشراف : 2 / 246 .
(3) في المناقب : أصل .
(4) في المناقب : باب الهدى وجباء .
والجباء : الحوض .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
399
وكانت بنو ضبّة مكتنفثي الجمل ، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام عليهم فكانوا كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ، وكان كلّ من استقبل قبض على زمام الجمل ، وانصرف الزبير فتبعه عمرو بن جرموز فقتله ، وأتى برأسه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ... القصّة .
فقالوا العامّة : قتل طلحة والزبير وخرج عبد الله بن عامر ، وقال : يا عائشة ، صافحي عليّاً على يدي .(1)
فقالت : كبر(2) عمرو عن الطوق ، وجلّ أمر عن العتاب ، ثمّ تقدّمت .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وجعل يخرج واحد بعد واحد ويأخذ الزمام حتى قطع أيدي ثمانية وتسعين رجلاً ، ثمّ تقدّمهم كعب بن سور الأزدي ـ وكان قاضياً على البصرة ـ وهو يقول :
يا معشر الناس عليكـم اُمّكم
فإنّها صـلاتكم وصـومـكم
والحرمة العظمى التي تعمّكم
لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم
فقتله الأشتر .
فخرج وائل بن كثير باكياً مرتجزاً :
يا ربّ فارحم سيّد القبائل
كعب بن سور غرّة الأوائل
(1) في المناقب : فقالوا : يا عائشة ، قتل طلحة والزبير وجرح عبدالله بن عامر من يدي علي ، فصالحي عليّاً .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : شب .
قال في القاموس المحيط : 3 / 259 ـ طوق ـ : «كَبِرَ عمروٌ عَن الطَوقِ» يضرب لمُلابس ما هو دون قدره ، وهو عمرو بن عديّ ....
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
400
غَداة يُنادي والرماح تنوشه
وسمر العوالي اقتلوني ومالكاً
فنجّاه منّي سبعة وشبابه
وإنّي شيخ لم أكن متماسكاً
وشدّ رجل من الأزد على محمد بن الحنفيّة وقال : يا معشر الأزد ، فرّوا .
فخرج الأسود بن البختري السلمي قائلاً :
ارحم إلهي الكهل(1) من سليم
وانظر إليه نظرة الرحيم(2)
فقتله عمرو بن الحمق .
فخرج جابر الأزدي قائلاً :
يا ليت أهلي من عمار حاضري
من سادة الأزد وكانوا ناصري(3)
فقتله محمد بن أبي بكر .
وكانت عائشة تنادي بأعلى صوتها : أيها الناس عليكم بالصبر ، فإنّما يصبر الأحرار .
فأجابها كوفيّ :
قلنا(4) لها وهي على مهوات
انّ لنا سواك اُمّهات
في مسجد الرسول ثاويات
والتحم القتال وشكت السهام الهودج حتى كأنّه جناح نسر أو شوك قنفذ ،
(1) في المناقب : الكلّ .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : الرحمة .
(3) كذا في المناقب ، وفي الأصل : حاضري .
(4) في المناقب : قلت .
(1) في المناقب: أصحاب .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : عبد الله بن خلف .
(3) من المناقب .
مناقب ابن شهراشوب : 3 / 157 ـ 162 ، عنه البحار : 32 / 177 ـ 182 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
404
ضروريّة لا يختلف في صحّتها ، ومتواترة لا يشكّ في واقعتها ، ونقلها المخالف ، ودوّنها الموالف ، وصارت في وضوحها كالشمس ، منزّهة عن الشك واللبس .
أمّا المؤمن التقيّ فلا يرتاب في كفر من أضرم نارها ، وشبّ اوارها(1)، وارتكب عارها ، واحتقب أوزارها ، وربك جملها ، وسلك سبلها .
وأمّا المنافق الشقيّ فيعدل عن ظواهر حقائقها ، ويصوّب فعل قائدها وسائقها ، ويرتكب التعسّف في تأويلها ، والتعصّب في تنزليها ، ويعتذر لمن سلب وقودها ، ونصبت عمودها ، وخالفت بعلها ونبيّها ، وحاربت سيّدها ووليّها .
ولمّا رأيت شدّة عضتها ، وحدة كلتها ، لا يرتدع بوعظ واعظ ، ولا ينتفع بلفظ لافظ ، قد طبع الشيطان على قلبها ، واستحوذ على فيها ، فغرقت في لجّة نفاقها ، وتاهت في بيداء شقاقها ، قد أحدقت الطغاة بجملها ، وحفّت البغاة بمحملها ، تمثّلتها في فكري ، وعنّفتها بزجري ، وخاطبتها بلسان الحال ، وعنّفتها ببيان المقال ، وقلت مشيراً إليها ، وزارياً عليها :
أيّها المائحة في غرب غيّها وجهلها ، المخالفة أمر ربّها وبعلها ، المنافقة بإسلامها ، والخارجة على إمامها ، الباغية بخروجها وحربها ، الكافرة بقالبها وقلبها ، ما للنساء وعقد البنود ؟ وما لذوات وقود الجنود ؟ ألم تؤمرين بالقرار في منزلك ؟ أما كان لك شغل شاغل بمغزلك ؟ نهيت أن تتبرّجي(2)، وعن بيتك
(1) الاُوار : شدّة حرّ الشمس ولفح النار ووهجها والعطش . «لسان العرب : 4 / 35 ـ أور ـ» .
(2) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب : 32 و33 : «يا نساء النبيّ ... وقرن في بيوتكنّ ولا تتبرّجن تبرّج الجاهليّة الاولى» .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
405
أن لا تخرجي ، فهتكت حجابك ، وأسفرتِ نقابك ، وقدت الفتنة بخطامها ، وأرخيت لها فاضل زمامها ، فحبطت بأرجلها ، وقنصت بأحبلها ، وكَشرت عن نابها ، ومرقت عجلاً بها ، لمّا أقبلتِ يحثّ بك جملك ، عصيت ربّك بتفصلك وجملك ، خرجت من ديارك بطراً ورئاء الناس ، وفصلت عن قرارك تكتفك الأوغاد الأرجاس ، لما علمك سيّد المرسلين بخروجك ، جريت في تيه الضلال بل فروحك .
يا صاحبة العطفة ، كفرت بالذي خلقك من نطفة ، يا ربّة الهودج ، خالفت ربّك في المولج والمخرج ، أظهرت غلّاً كامناص بحربك ، وحسداً قاطناً في قلبك ، لمّا انتقلت الزهراء إلى جوار ربّها ، امتنعت من حضور عزيتها وقربها ، وتعلّلت باستيلاء علّة على هامتك وفسادك ، وذلك أعظم دليل على فكرك وإلحادك ، فهلّا تعلّلت يوم مسيرك على بعيرك ، قاصدة حرب حليلها بعيرك وبغيرك ؟ ولم لا عصّبت رأسك يوم موت ولدها ؟ بل أظهرت الشماتة بهلاك فلذّة كبدها ، وأقبلت على بغلك ، ولم تراع حرمة بعلك ، ولم تر عوي عن جهلك ، بل أجلبتِ على هضم آل الرسول بخيلك ورجلك .
فلعنة الله على فرعك وأصلك ، وقومك وأهلك ، اُمثّلك في يوم البصرة في محملك ، تحرّضين الأوغاد بقولك وعملك ، كالحيّة النافثة بسمّها ، أو الذئبة الضارية بكلمها ، حتى إذا خاب أملك ، وعقر جملك ، وقتلت رجالك ، وخذلت أبطالك ، وصار طلحتك طليحاً ، وزبيرك طريحاً ، ومعلّاك سفيحاً ، ونافسك منيحاً .
ألحفك ساتر العورات جناح رحمته ، وأسبل عليك مقيل العثرات سرت مغفرته ، وأرجعك إلى قرارك الذي أخرجك الشيطان منه ، وأعادك إلى منزلك الذي فصلك العدوان عنه ، وسدّ عنك باب الانتقام ، وستر منك ما فضحته
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
406
الآثام ، كل ذلك وجدك يغلي بنار حقدك ، وحودك يشبّ ضرام حسدك ، ثم أتبعت بالطلقاء وأبناء الطلقاء على حربه ، وأغريت الأشقياء اللصقاء بسبّه ، وفعلت إلى ابن هند محرّضة له عليه ، وأغريت بني حرب بإرسال شواظ حربهم إليه ، ونبذت كلّ عهدٍ عهده الرسول إليك فيه ، ثائرة بدم عثمان وكنت من أعظم خاذليه ، لمّا وضعت قميصه على رأسك ، وحفت به الأوغاد من أرجاسك .
حقّت عليكِ كلمة العذاب ، واستوجبتِ اللعنة من ربّ الأرباب ، واُقسم لو شاهدتك يوم بصرتك ، وقد انفردت من أهلك واُسرتك ، وعقر بعيرك ، وقلّ نصيرك ، وقتل جندك ، وفلّ حدّك ، لم اولك منّي صفحاً ، ولم أطوِ عنك شكحاً ، ولقرعت سمعك بقوارع عذلي ، ولو جأت(1) خدّك بسبت نعلي ، ولسفعت ناصيتك بسوطي ، ولرفعت بلعنتك صوتي ، لا لأنّي مخالف سيّدي في فعله ، ولا زار على صفحه بفضله ، إذ ستر بحلمه ما فضح منك ، وعفا بمنّه ما صدر عنك ، بل غضباً لله ، وتعصّباً لأولياء الله .
لمّا فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من هذه الفتنة التي طار شررها ، وشاع خبرها ، واشتهرت أوغادها ، وأظهرت أحقادها ، وعمّت بليّتها ، وغمّت ظلمتها ، وأحرق لهبها ، واشتدّ كلبها ، وأبرزت أعداء الرحمن فيها رؤوساً ، وبذلت في طاعة الشيطان نفوسها ، وسلكت طرق البغي بقتالها مولاها ، وارتكبت سبيل الغيّ فما أحقّها بخزي الله وأولاها ، لم تشكر ربّها على ما أولاها ، ولم تحفظ نبيّها فيما أوصاها ، الذي أضرمت المخدّرة المصونة مقباسها ، ووصلت البرّة الميمونة أمراسها ، وأقامت السجاعة المطرقة سوقها ، وأظهرت الأصيلة المعرقة فسوقها ، حتى قتلت رجالها ، وجدّلت أبطالها ، وعقر مركبها
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
408
وخاب مطلبها .
فيالها فتنة كفر قتامها لراكبها ، وغمر غمامها كتائبها ، وبرقت بوارق صفاحها في سحائب غبرتها ، ولمعت أسنّة رماحها في ظلمة فترتها ، فكم اقتطفت فيها رؤوس ، واختطفت نفوس ، واُريق دم ، وبري قدم ، واُبين عضد وساعد ، واُبيد معاضد ومساعد ، أشنع فتنة في الاسلام حدثت ، وأفضع واقعة بها القصاص تحدّثت ، قطعت آجال رجالها بمصاعها ، وصبغت أثباج أبطالها بجريانها .
يالها فتنة كانت رأساً لكلّ فتنة ، وبدعة وضعت أساساً لأقبح سنّة ، وهل قتال القاسطين الا فرع شجرتها ؟ وهل جهاد المارقين الا شزرة من جمرتها ؟ وهل اقتدى ابن حرب الا بحربها ؟ وهل اغترف نجل هند الا من شربها ؟ وهل نسج الطاغي الا على منوالها ؟ وهل احتذى الباغي الا بمثالها ؟
وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه أثر جلاها ، وطلا عثناياها ، وفحل شولها ، وصاحب قولها ، وخائض هولها ، والمخصوص بقوّتها وحولها ، كبش الكتيبة ، مشهور الضريبة ، جبر صدع الاسلام ، لمّا كسر الأصنام ، ونصب من الحقّ الأعلام ، لمّا خفض الأنصاب والأزلام ، كم كسر بعامله منصوباً ؟ وكم وفّر من نائله نصيباً ؟ كاسر هبل الكفرة ، ,عاقر جمل الغدرة ، الفائز من قداح النجدة بمعلّاها ، والحائز من خلال الشجاعة بأعلاها ، قاطع أمراس(1) البغاة ، وقالع أساس الطغاة ، منه تعلّم الناس الشجاعة في قتالهم ، ومن علومه فرّعوا مآخذ أقوالهم .
بنصرته جماعة الحقّ نصرت ، وبطريقه طريقة العلم ظهرت ، لمّا صبغ
الحمرة نجيع(1) الأبطال صعيد البصرة ، صار بياض وجه الاسلام لا يرهقه قترة ، لكن بقي خدّ الخارجة من عتبة بيتها لقتاله صار حالكاً ، وداخل فيضها من يدها منتزعاً هالكاً .
دراية فرحها نكيساً ، وتدبير فكرها معكوساً ، وصارت كرّتها خاسرة ، وهمّتها قاصرة ، وسلعتها بائرة ، وخسرت الدنيا والآخرة ، وقرعت بقوارع الملام ، وكملت بمعابل الكلام .
فيا من يصوّب آراءها ، ويداوي أدواءها ، ويستخفّ وزرها ، ويستقلّ شرّها ، ويسدّد اجتهادها ، ويصوّب مرادها ، لقد أبعدت مرماك ، واتّبعت هواك ، ومهّدت قاعدة نفاقك ، وغرست في ظلمة محاقك ، وأوردت تصحيح المعتلّ من فعل وترجيح المرجوع من نقلك ، لقد ا جتثت اصولك ، وفسد معقولك ، وعتم قياسك ، وقلع أساسك ، واهملت قضيّتك ، وانقبضت بسطتك ، وفلّت غرستك ، وقلّت بطشتك .
يا من عصت ربّها بخروجها وحربها ، وتعصّبت على مولاها بقالبها وقلبها ، أنّى لك هذه الشجاعة والقوّة ، والشدّة والنخوة ؟ أمن أبيك يوم خيبر ؟ أم من جدّك المبجّل الموقّر ، صاحب خوان بن جذعان ، وناصب أنصاب الأوثان ، أقتم قريش أصلاً ، وألأمهم فعلاً ، وأرذلهم بيتاً ، وأنذلهم حيّاً وميّتاً .....(2) من آل قصي ، ولا في السراة من بني لؤي ، فأنتم يا ابنة الكاذب المصدّق ، كما قال فيكم الشاعر وصدق :
ويقضي الأمر حين تغيب تيم
ولا يستأذنون وهم شهود
فإنّك لو رأيـت عبـيد تـيم
وتيما قلت إنّهم العـبيـد
(1) النجيع : الدمُ .
(2) فير مقروءة في الأصل .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1
410
فلعن الله ابن صهّاك المغتلمة ، ونجل البغيّة حنتمة ، فهو الذي أعلى قدركم ، وأسمى ذكركم ، ورفع بعضكم ، وصحّح المكسّر من جمعكم ، وجعلكم أعلاماً تفضلون على أولياء الله ، تفخرون على أهل بيت نبيّكم وبهم فخركم ، وتتأمّرون على عترة وليّكم وبهم علا أمركم ، وزيّن الشيطان للاُمّة الضالّة اتّباعكم ، وصيّرهم أشياعكم وأتباعكم ، فاتّبعوه الا فريقاً من المؤمنين ، وأطاعوه الا قليلاً من المخلصين ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وحرّفوا كلام الله بزخرفهم وغرورهم ، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، ونصروا من أوجب العقل له أن يخذل ، ونصبوا الغوائل لأهل بيت نبيّهم ، وأراقوا القواتل لذرّيّة وليّهم ، وجعلوا أحفادهم إلى يوم الناس هذا عالة يتكفكفون ، وخاملين لا يعرفون .
قد أبكم الفقر فصيحهم ، وقبح العسر صبيحهم ، يرهن أحدهم إزاره لسدّ فورته ، ويبذل مقداره لفرط عسرته ، منعتموهم ما فرض الله لهم في محكم تنزيله ، وحرمتموهم ما أوجب لهم من الحقّ على لسان رسوله ، حتى نكحت به الفروج المحرّمة ، واستبيحت من دين الله كلّ حرمة ، واشتريت منه البغايا والقيان ، وصار زمام الاسلام بأيدي عبدة الصلبان ، فأنتم أصل البلاء ، وفرع الشقاء ، وحمة الشيطان ، وجمة البهتان ، هذه الشجرة الملعونة في القرآن ، والطائفة المارقة عن الايمان ، أعداء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، قربتموها وكان أحقّ أن تبعد ، ونشأتموها وكان أولى أن تعضد ، وغرستم أصلها على رقاب المؤمنين ، وسقيتم فرعها بدماء المهاجرين الأوّلين ، رآهم الرسول ينزون على منبره نزو القردة فما رئي بعد ضاحكاً حتى بلغ من الحياة أمده .
روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنّ رسول الله صلى الله