تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1398

فخرج مازن الضبي قائلاً :
لا تطمعوا في جمعنا المكلّل الموت دون الجمل المجلّل

فبرز إليه عبد الله بن نهشل قائلاً :
إن تنكروني فأنا ابن نهشل فارس هيجاء وخطب فيصل

فقتله .
وكان طلحة يحثّ الناس ويقول : عباد الله ، الصبر الصبر ـ في كالم له ـ .(1)
قال(2): وكان مروان بالقرب منه ، فقال : والله لا أطلب أثراً بعد عين ، ما أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم ابداً ، فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته ، والتفت إلى أبان بن عثمان ، وقال : لقد كفيتك أحد قتلة أبيك .
وفي ذلك يقول السيد الحميري من جملة قصيدته :
واغتر طلحة عند مختلف القنا عبلالذراع شديد عـظـم(3) المنكب
فاخـتل حبّـة قلـبه بـمدلق ريان مـن دم جـوفـه المـتصبّب
في مارقين من الجماعة فارقوا دين الهدى وحيا(4) الربيع المخصب
(1) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 155 ـ 157 ، عنه البحار : 32 / 157 ـ 177 .
(2) نقله ابن شهراشوب عن البلاذري في أنساب الأشراف : 2 / 246 .
(3) في المناقب : أصل .
(4) في المناقب : باب الهدى وجباء .
والجباء : الحوض .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1399

وكانت بنو ضبّة مكتنفثي الجمل ، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام عليهم فكانوا كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ، وكان كلّ من استقبل قبض على زمام الجمل ، وانصرف الزبير فتبعه عمرو بن جرموز فقتله ، وأتى برأسه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ... القصّة .
فقالوا العامّة : قتل طلحة والزبير وخرج عبد الله بن عامر ، وقال : يا عائشة ، صافحي عليّاً على يدي .(1)
فقالت : كبر(2) عمرو عن الطوق ، وجلّ أمر عن العتاب ، ثمّ تقدّمت .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وجعل يخرج واحد بعد واحد ويأخذ الزمام حتى قطع أيدي ثمانية وتسعين رجلاً ، ثمّ تقدّمهم كعب بن سور الأزدي ـ وكان قاضياً على البصرة ـ وهو يقول :
يا معشر الناس عليكـم اُمّكم فإنّها صـلاتكم وصـومـكم
والحرمة العظمى التي تعمّكم لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم

فقتله الأشتر .
فخرج وائل بن كثير باكياً مرتجزاً :
يا ربّ فارحم سيّد القبائل كعب بن سور غرّة الأوائل
(1) في المناقب : فقالوا : يا عائشة ، قتل طلحة والزبير وجرح عبدالله بن عامر من يدي علي ، فصالحي عليّاً .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : شب .
قال في القاموس المحيط : 3 / 259 ـ طوق ـ : «كَبِرَ عمروٌ عَن الطَوقِ» يضرب لمُلابس ما هو دون قدره ، وهو عمرو بن عديّ ....
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1400

غَداة يُنادي والرماح تنوشه وسمر العوالي اقتلوني ومالكاً
فنجّاه منّي سبعة وشبابه وإنّي شيخ لم أكن متماسكاً

وشدّ رجل من الأزد على محمد بن الحنفيّة وقال : يا معشر الأزد ، فرّوا .
فخرج الأسود بن البختري السلمي قائلاً :
ارحم إلهي الكهل(1) من سليم وانظر إليه نظرة الرحيم(2)

فقتله عمرو بن الحمق .
فخرج جابر الأزدي قائلاً :
يا ليت أهلي من عمار حاضري من سادة الأزد وكانوا ناصري(3)

فقتله محمد بن أبي بكر .
وكانت عائشة تنادي بأعلى صوتها : أيها الناس عليكم بالصبر ، فإنّما يصبر الأحرار .
فأجابها كوفيّ :
قلنا(4) لها وهي على مهوات انّ لنا سواك اُمّهات
في مسجد الرسول ثاويات

والتحم القتال وشكت السهام الهودج حتى كأنّه جناح نسر أو شوك قنفذ ،
(1) في المناقب : الكلّ .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : الرحمة .
(3) كذا في المناقب ، وفي الأصل : حاضري .
(4) في المناقب : قلت .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1402

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما أراه يقاتلكم الا هذا الهودج ، اعقروا الجمل . وفي رواية : عرقبوه فإنّه شيطان .
وقال أمير المؤمنين لمحمد بن أبي بكر : إذا عرقب الجمل فادرك اُختك فوارها ، فعرقب رجل منه فدخل تحته رجل ضبيّ ، ثم عرقب اُخرى [عبد الرحمان](1) فوقع على جنبه ، فقطع عمّار نسعه ، فأتاه أمير المؤمنين عليه السلام ودقّ رمحه على الهودج ، وقال : يا عائشة ، أهكذا أمرك رسول الله أن تفعلي ؟
فقالت : يا أبا الحسن ، ظفرت فأحسن ، وملكت فأسجع(2).
فقال لمحمد بن أبي بكر : شأنك واُختك فلا يدنو أحد منها سواك .
قال محمد بن أبي بكر : فقلت لها : ما فعلت بنفسك ؟ عصيت ربّك ، وهتكت سترك ، ثمّ أبحت حرمتك ، وتعرّضت للقتل ، فذهب بها إلى دار عبد الله بن خلف الخزاعي ، فقالت : أقسمت عليك أن تطلب عبد الله بن الزبير جريحاً كان أو قتيلاً ، فقلت : إنّه كان هدفاً للأشتر ، فانصرف محمد إلى المعركة(3) فوجده بين القتلى ، فقال : أجلس يا ميشوم أهل بيته ، فأتاها به ، فصاحت وبكت ، ثمّ قالت : يا أخي استأمن له من عليّ ، فأتى أمير المؤمنين عليه السلام : فاستأمن له منه .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أمنته وأمنت جميع الناس .
وكانت وقعة الجمل بالخريبة ، وقع القتال بعد الظهر ، وانقضى عند المساء ،
(1) من المناقب .
(2) أي قدرت فسهّل وأحسن العفو .
(3) في المناقب : العسكر .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1403

وكان مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه عشرون ألفاً ، منهم البدريّون ثمانون رجلاً ، وممّن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون ، ومن الصحابة غير هؤلاء ألف وخمسمائة رجل ، وكانت عائشة في ثلاثين ألفاً أو يزيدون ، منها المكّيون ستّمائة رجل .
قال قتادة : قتل يوم الجمل عشرون ألفاً . وقال الكلبي : قتل من عسكر(1) علي ألف راجل وسبعون فارساً ؛ منهم زيد بن صوحان ، وهند الجملي ، وأبو عبد الله العبدي ، وعبد الله بن رقيّة .
وقال أبو مخنف والكلبي : قتل من أصحاب الجمل من الأزد خاصّة أربعة آلاف رجل ، ومن بني عديّ ومواليهم تسعون رجلاً ، ومن بني بكر بن وائل ثمانمائة رجل ، ومن بني حنظلة تسعمائة رجل ، ومن بني ناجية أربعمائة رجل ، والباقي من أخلاط الناس إلى تمام تسعة آلاف الا تسعين رجلاً ، والقرشيّون منهم طلحة ، والزبير ، وعبد الله بن عتّاب بن أسيد ، وعبد الله بن حكيم بن حزام ، وعبد الله بن شافع بن طلحة ، ومحمد بن طلحة ، وعبد الله بن أبي خلف(2) الجمحي ، وعبد الرحمان بن معد ، [وعبد الله بن معد](3).
وعرقب الجمل أوّلا أمير المؤمنين عليه السلام ، ويقال : مسلم بن عدنان ، ويقال : رجل من الأنصار ، ويقال : رجل من ذهل .(4)
قلت : ولمّا صارت أحاديث هذه الفتنة الصمّاء ، والمحنة العظمى
(1) في المناقب: أصحاب .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : عبد الله بن خلف .
(3) من المناقب .
مناقب ابن شهراشوب : 3 / 157 ـ 162 ، عنه البحار : 32 / 177 ـ 182 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1404

ضروريّة لا يختلف في صحّتها ، ومتواترة لا يشكّ في واقعتها ، ونقلها المخالف ، ودوّنها الموالف ، وصارت في وضوحها كالشمس ، منزّهة عن الشك واللبس .
أمّا المؤمن التقيّ فلا يرتاب في كفر من أضرم نارها ، وشبّ اوارها(1)، وارتكب عارها ، واحتقب أوزارها ، وربك جملها ، وسلك سبلها .
وأمّا المنافق الشقيّ فيعدل عن ظواهر حقائقها ، ويصوّب فعل قائدها وسائقها ، ويرتكب التعسّف في تأويلها ، والتعصّب في تنزليها ، ويعتذر لمن سلب وقودها ، ونصبت عمودها ، وخالفت بعلها ونبيّها ، وحاربت سيّدها ووليّها .
ولمّا رأيت شدّة عضتها ، وحدة كلتها ، لا يرتدع بوعظ واعظ ، ولا ينتفع بلفظ لافظ ، قد طبع الشيطان على قلبها ، واستحوذ على فيها ، فغرقت في لجّة نفاقها ، وتاهت في بيداء شقاقها ، قد أحدقت الطغاة بجملها ، وحفّت البغاة بمحملها ، تمثّلتها في فكري ، وعنّفتها بزجري ، وخاطبتها بلسان الحال ، وعنّفتها ببيان المقال ، وقلت مشيراً إليها ، وزارياً عليها :
أيّها المائحة في غرب غيّها وجهلها ، المخالفة أمر ربّها وبعلها ، المنافقة بإسلامها ، والخارجة على إمامها ، الباغية بخروجها وحربها ، الكافرة بقالبها وقلبها ، ما للنساء وعقد البنود ؟ وما لذوات وقود الجنود ؟ ألم تؤمرين بالقرار في منزلك ؟ أما كان لك شغل شاغل بمغزلك ؟ نهيت أن تتبرّجي(2)، وعن بيتك
(1) الاُوار : شدّة حرّ الشمس ولفح النار ووهجها والعطش . «لسان العرب : 4 / 35 ـ أور ـ» .
(2) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب : 32 و33 : «يا نساء النبيّ ... وقرن في بيوتكنّ ولا تتبرّجن تبرّج الجاهليّة الاولى» .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1405

أن لا تخرجي ، فهتكت حجابك ، وأسفرتِ نقابك ، وقدت الفتنة بخطامها ، وأرخيت لها فاضل زمامها ، فحبطت بأرجلها ، وقنصت بأحبلها ، وكَشرت عن نابها ، ومرقت عجلاً بها ، لمّا أقبلتِ يحثّ بك جملك ، عصيت ربّك بتفصلك وجملك ، خرجت من ديارك بطراً ورئاء الناس ، وفصلت عن قرارك تكتفك الأوغاد الأرجاس ، لما علمك سيّد المرسلين بخروجك ، جريت في تيه الضلال بل فروحك .
يا صاحبة العطفة ، كفرت بالذي خلقك من نطفة ، يا ربّة الهودج ، خالفت ربّك في المولج والمخرج ، أظهرت غلّاً كامناص بحربك ، وحسداً قاطناً في قلبك ، لمّا انتقلت الزهراء إلى جوار ربّها ، امتنعت من حضور عزيتها وقربها ، وتعلّلت باستيلاء علّة على هامتك وفسادك ، وذلك أعظم دليل على فكرك وإلحادك ، فهلّا تعلّلت يوم مسيرك على بعيرك ، قاصدة حرب حليلها بعيرك وبغيرك ؟ ولم لا عصّبت رأسك يوم موت ولدها ؟ بل أظهرت الشماتة بهلاك فلذّة كبدها ، وأقبلت على بغلك ، ولم تراع حرمة بعلك ، ولم تر عوي عن جهلك ، بل أجلبتِ على هضم آل الرسول بخيلك ورجلك .
فلعنة الله على فرعك وأصلك ، وقومك وأهلك ، اُمثّلك في يوم البصرة في محملك ، تحرّضين الأوغاد بقولك وعملك ، كالحيّة النافثة بسمّها ، أو الذئبة الضارية بكلمها ، حتى إذا خاب أملك ، وعقر جملك ، وقتلت رجالك ، وخذلت أبطالك ، وصار طلحتك طليحاً ، وزبيرك طريحاً ، ومعلّاك سفيحاً ، ونافسك منيحاً .
ألحفك ساتر العورات جناح رحمته ، وأسبل عليك مقيل العثرات سرت مغفرته ، وأرجعك إلى قرارك الذي أخرجك الشيطان منه ، وأعادك إلى منزلك الذي فصلك العدوان عنه ، وسدّ عنك باب الانتقام ، وستر منك ما فضحته
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1406

الآثام ، كل ذلك وجدك يغلي بنار حقدك ، وحودك يشبّ ضرام حسدك ، ثم أتبعت بالطلقاء وأبناء الطلقاء على حربه ، وأغريت الأشقياء اللصقاء بسبّه ، وفعلت إلى ابن هند محرّضة له عليه ، وأغريت بني حرب بإرسال شواظ حربهم إليه ، ونبذت كلّ عهدٍ عهده الرسول إليك فيه ، ثائرة بدم عثمان وكنت من أعظم خاذليه ، لمّا وضعت قميصه على رأسك ، وحفت به الأوغاد من أرجاسك .
حقّت عليكِ كلمة العذاب ، واستوجبتِ اللعنة من ربّ الأرباب ، واُقسم لو شاهدتك يوم بصرتك ، وقد انفردت من أهلك واُسرتك ، وعقر بعيرك ، وقلّ نصيرك ، وقتل جندك ، وفلّ حدّك ، لم اولك منّي صفحاً ، ولم أطوِ عنك شكحاً ، ولقرعت سمعك بقوارع عذلي ، ولو جأت(1) خدّك بسبت نعلي ، ولسفعت ناصيتك بسوطي ، ولرفعت بلعنتك صوتي ، لا لأنّي مخالف سيّدي في فعله ، ولا زار على صفحه بفضله ، إذ ستر بحلمه ما فضح منك ، وعفا بمنّه ما صدر عنك ، بل غضباً لله ، وتعصّباً لأولياء الله .
يا من عصـت بخروجها قصداً لحـرب ولـيّها
كفرت بأنـعـم ربـّهـا وخلاف أمر نبيّـهـا
وأتت من البـلد الحـرام بفـتنةٍ مـن غيـّهـا
تذكي سعـير ضـرامها بسـفيههـا زهـريّها
وبذي السلا أحـببـت(2) غـادرٍ تيـمـيـّهـا
وكذا بنـجل طـريدها وعتلـّها أمـويّـهـا
تنحب عـليها عاويات الحـوب عنـد مجيّها
ومضت لشدّة حقـدها لم تعتبر بعـويّــها
(1) الوجء : اللكز ، الضرب .
(2) كذا في الأصل .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1407

حتى إذا نشرت صـحاف بغيـها مـن طـيـّها
في عصبةٍ سـلكت سبيل عنيـدها وعـصيّـها
صارت حماة بـعيـرها قد فلّ حـلّ نـديّـها
بـسيوف أقـوام علـت أعلامـهـم بعـلـيّها
صــنـوا الـرسـول وخير اُمّتـه وربّانيها
وأب الحـروب وربـّها ومـدار قطب رحيّها
بـدريـّهـا اُحــديّها سلـعيّها جمـليّهــا
عــلويّهـا قـدسـيّها نوريّـها مـهديّـهـا
أعـني قصـيّ رتـبته من ذاتـها وقصـيّها
أبدت خـضوعاً ظاهراً والغدر حشو طـويّها
فلذاك موت الـسـبط أبد الغلّ من مخفيّهـا
وأتت على بغل تـحثّ بـكـفرها وفـديـّها
فالله يلعـن حـشدهـا مـن تيـمها وعديّهـا
والسائقـين بعـيرهـا ومن استظلّ بـفيـّها

لمّا فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من هذه الفتنة التي طار شررها ، وشاع خبرها ، واشتهرت أوغادها ، وأظهرت أحقادها ، وعمّت بليّتها ، وغمّت ظلمتها ، وأحرق لهبها ، واشتدّ كلبها ، وأبرزت أعداء الرحمن فيها رؤوساً ، وبذلت في طاعة الشيطان نفوسها ، وسلكت طرق البغي بقتالها مولاها ، وارتكبت سبيل الغيّ فما أحقّها بخزي الله وأولاها ، لم تشكر ربّها على ما أولاها ، ولم تحفظ نبيّها فيما أوصاها ، الذي أضرمت المخدّرة المصونة مقباسها ، ووصلت البرّة الميمونة أمراسها ، وأقامت السجاعة المطرقة سوقها ، وأظهرت الأصيلة المعرقة فسوقها ، حتى قتلت رجالها ، وجدّلت أبطالها ، وعقر مركبها
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1408

وخاب مطلبها .
فيالها فتنة كفر قتامها لراكبها ، وغمر غمامها كتائبها ، وبرقت بوارق صفاحها في سحائب غبرتها ، ولمعت أسنّة رماحها في ظلمة فترتها ، فكم اقتطفت فيها رؤوس ، واختطفت نفوس ، واُريق دم ، وبري قدم ، واُبين عضد وساعد ، واُبيد معاضد ومساعد ، أشنع فتنة في الاسلام حدثت ، وأفضع واقعة بها القصاص تحدّثت ، قطعت آجال رجالها بمصاعها ، وصبغت أثباج أبطالها بجريانها .
يالها فتنة كانت رأساً لكلّ فتنة ، وبدعة وضعت أساساً لأقبح سنّة ، وهل قتال القاسطين الا فرع شجرتها ؟ وهل جهاد المارقين الا شزرة من جمرتها ؟ وهل اقتدى ابن حرب الا بحربها ؟ وهل اغترف نجل هند الا من شربها ؟ وهل نسج الطاغي الا على منوالها ؟ وهل احتذى الباغي الا بمثالها ؟
وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه أثر جلاها ، وطلا عثناياها ، وفحل شولها ، وصاحب قولها ، وخائض هولها ، والمخصوص بقوّتها وحولها ، كبش الكتيبة ، مشهور الضريبة ، جبر صدع الاسلام ، لمّا كسر الأصنام ، ونصب من الحقّ الأعلام ، لمّا خفض الأنصاب والأزلام ، كم كسر بعامله منصوباً ؟ وكم وفّر من نائله نصيباً ؟ كاسر هبل الكفرة ، ,عاقر جمل الغدرة ، الفائز من قداح النجدة بمعلّاها ، والحائز من خلال الشجاعة بأعلاها ، قاطع أمراس(1) البغاة ، وقالع أساس الطغاة ، منه تعلّم الناس الشجاعة في قتالهم ، ومن علومه فرّعوا مآخذ أقوالهم .
بنصرته جماعة الحقّ نصرت ، وبطريقه طريقة العلم ظهرت ، لمّا صبغ
(1) المَرِس : الشديد الذي مارَسَ الامور وجرّبها : والجمع : أمراس .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1409

الحمرة نجيع(1) الأبطال صعيد البصرة ، صار بياض وجه الاسلام لا يرهقه قترة ، لكن بقي خدّ الخارجة من عتبة بيتها لقتاله صار حالكاً ، وداخل فيضها من يدها منتزعاً هالكاً .
دراية فرحها نكيساً ، وتدبير فكرها معكوساً ، وصارت كرّتها خاسرة ، وهمّتها قاصرة ، وسلعتها بائرة ، وخسرت الدنيا والآخرة ، وقرعت بقوارع الملام ، وكملت بمعابل الكلام .
فيا من يصوّب آراءها ، ويداوي أدواءها ، ويستخفّ وزرها ، ويستقلّ شرّها ، ويسدّد اجتهادها ، ويصوّب مرادها ، لقد أبعدت مرماك ، واتّبعت هواك ، ومهّدت قاعدة نفاقك ، وغرست في ظلمة محاقك ، وأوردت تصحيح المعتلّ من فعل وترجيح المرجوع من نقلك ، لقد ا جتثت اصولك ، وفسد معقولك ، وعتم قياسك ، وقلع أساسك ، واهملت قضيّتك ، وانقبضت بسطتك ، وفلّت غرستك ، وقلّت بطشتك .
يا من عصت ربّها بخروجها وحربها ، وتعصّبت على مولاها بقالبها وقلبها ، أنّى لك هذه الشجاعة والقوّة ، والشدّة والنخوة ؟ أمن أبيك يوم خيبر ؟ أم من جدّك المبجّل الموقّر ، صاحب خوان بن جذعان ، وناصب أنصاب الأوثان ، أقتم قريش أصلاً ، وألأمهم فعلاً ، وأرذلهم بيتاً ، وأنذلهم حيّاً وميّتاً .....(2) من آل قصي ، ولا في السراة من بني لؤي ، فأنتم يا ابنة الكاذب المصدّق ، كما قال فيكم الشاعر وصدق :
ويقضي الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود
فإنّك لو رأيـت عبـيد تـيم وتيما قلت إنّهم العـبيـد
(1) النجيع : الدمُ .
(2) فير مقروءة في الأصل .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1410

فلعن الله ابن صهّاك المغتلمة ، ونجل البغيّة حنتمة ، فهو الذي أعلى قدركم ، وأسمى ذكركم ، ورفع بعضكم ، وصحّح المكسّر من جمعكم ، وجعلكم أعلاماً تفضلون على أولياء الله ، تفخرون على أهل بيت نبيّكم وبهم فخركم ، وتتأمّرون على عترة وليّكم وبهم علا أمركم ، وزيّن الشيطان للاُمّة الضالّة اتّباعكم ، وصيّرهم أشياعكم وأتباعكم ، فاتّبعوه الا فريقاً من المؤمنين ، وأطاعوه الا قليلاً من المخلصين ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وحرّفوا كلام الله بزخرفهم وغرورهم ، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، ونصروا من أوجب العقل له أن يخذل ، ونصبوا الغوائل لأهل بيت نبيّهم ، وأراقوا القواتل لذرّيّة وليّهم ، وجعلوا أحفادهم إلى يوم الناس هذا عالة يتكفكفون ، وخاملين لا يعرفون .
قد أبكم الفقر فصيحهم ، وقبح العسر صبيحهم ، يرهن أحدهم إزاره لسدّ فورته ، ويبذل مقداره لفرط عسرته ، منعتموهم ما فرض الله لهم في محكم تنزيله ، وحرمتموهم ما أوجب لهم من الحقّ على لسان رسوله ، حتى نكحت به الفروج المحرّمة ، واستبيحت من دين الله كلّ حرمة ، واشتريت منه البغايا والقيان ، وصار زمام الاسلام بأيدي عبدة الصلبان ، فأنتم أصل البلاء ، وفرع الشقاء ، وحمة الشيطان ، وجمة البهتان ، هذه الشجرة الملعونة في القرآن ، والطائفة المارقة عن الايمان ، أعداء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، قربتموها وكان أحقّ أن تبعد ، ونشأتموها وكان أولى أن تعضد ، وغرستم أصلها على رقاب المؤمنين ، وسقيتم فرعها بدماء المهاجرين الأوّلين ، رآهم الرسول ينزون على منبره نزو القردة فما رئي بعد ضاحكاً حتى بلغ من الحياة أمده .
روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنّ رسول الله صلى الله

السابق السابق الفهرس التالي التالي