تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1385

وروى الأعثم في الفتوح(1)، وشيرويه في الفردوس ، وابن مردويه في فضائل عليّ ، والموفّق في الأربعين ، وشعبة والشعبي أنّ عائشة لمّا سمعت نباح الكلاب قالت : أيّ ماء هذا ؟
فقالوا : الحوأب .
قالت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون، إنّي نهيت ، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده نساؤه [يقول](2): ليت شعري أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدّب [تخرج](3) وتنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها ويسارها قتلى كثيرة ، وتنجو بعدما كادت تقتل ؟
ثمّ لم تعتبر بما رأت وسمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لشدّة حنقها وعداوتها لأمير المؤمنين عليه السلام حتى قصدت البصرة بخيلها ورجلها .
فلمّا نزلت الخريبة خارج البصرة قصدهم عثمان بن حنيف رضي الله عنه ـ وكان والياً على البصرة من قبل أمير المؤمنين ، فحاربهم حرباً شديداً ، وسمّي ذلك اليوم «يوم الجمل الأوّل» وأصدعهم المصاع ، ومنعهم من دخولها أشدّ المنع ، وعلموا أنّه لا طاقة لهم به ، ثمّ كتب إلى أمير المؤمنين يخبره الخبر ، ثمّ بعد ذلك دعوا عثماناً إلى الصلح على أن يكون على حاله في يده بيت المال والإمرة والجمعة والجماعة والمسجد الجامع ، ويقيموا على حالهم في الخريبة حتى يجمع الناس على أمر فيه صلاح المسلمين ، وإلى أن يصل إليهم أمير
= 78 .
(1) الفتوح : 2 / 460 .
(2 و3) من المناقب .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1386

المؤمنين عليه السلام .
فقال طلحة لأصحابه في السرّ : والله لئن قدم عليّ القبصرة لنؤخذنّ بأعناقنا ، وحثّهم على بيات عثمان ونقض عهده ، فأجابوه وقصدوا عثمان في ليلة مظلمة وهو يصلّي بالناس العشاء الآخرة ، وقتلوا من شرطه خمسين رجلاً ، واستأسروه ، ونتفوال شعر لحيته ، وحلقوا رأسه ، وحبسوه .
وكان أمير المؤمنين عليه السلام قد ولّى على المدينة أخاه سهل بن حنيف ، فلمّا بلغه الخبر كتب إلى عائشة : أعطي الله عهداً لئن لم تخلوا سبيله لابلغنّ من أقرب الناس إليكم ، فأطلقوه ، وبعثت عائشة إلى الأحنف بن قيس تدعوه ، فأبى واعتزل في الجَلحاء على فرسخين من البصرة في ستّة آلاف رجل ، ثمّ بعث طلحة والزبير عبد الله بن الزبير في جماعة غلى بيت المال فقتل أبا سالمة الزطّي وكان على بيت المال ؛ وقيل : معه خمسي رجلاً من أصحابه .
وخرج أمير المؤمنين عليه السلام في ستّة آلاف رجل من المدينة ونزل بالربذة ، ومنها إلى ذي قار بالقرب من الكوفة ، وأرسل الحسن وعمّار إلى الكوفة وكتب معهم :
من عبد الله ووليّه عليّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة حمية(1) الأنصار وسنام العرب ، ثم ذكر ما تمّ على عثمان وفعل طلحة والزبير [وعائشة](2)، ثم قال : ألا إنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها ، وجاشت جيش المرجل ، وقامت الفتنة على القطب ، فأسرعوا إلى أميركم ، وبادروا عدوّكم .
فلمّا بلغوا الكوفة قال أبو موسى الأشعري : يا أهل الكوفة ، اتّقوا الله
(1) في المناقب : جبهة .
(2) من المناقب .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1387

تقتلوا أنفسكم ، إنّ الله كان بكم رحيماً «ومن يقتل مؤمناً متعمّداً»(1) الآية ، وجعل يثبّط الناس ، وكان رأساً من رؤساء المنافقين لأمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت عائشة قد أرسلته أن يثبّط الناس عن عليّ عليه السلام ، فسكّته عمّار .
فقال أبو موسى : هذا كتاب عائشة تأمرني أن اُثبّط الناس من أهل الكوفة ، وأن لا يكوننّ لنا ولا علينا ليصل إليهم صلاحهم .
فقال عمّار : إنّ الله تعالى أمرها بالجلوس فقامت ، وأمرنا بالقيام لندفع الفتنة فنجلس !! فقام زيد بن صوحان ومالك الأشتر في أصحابهما وتهدّدوه ، فلمّا أصبحوا قام زيد بن صوحان وقرأ : «الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون»(2) الآيات .
ثم قال : أيها الناس ، سيروا إلى أمير المؤمنين ، وانفروا إليه أجمعين ، تصيباو الحق راشدين .
ثم قال عمار : هذا ابن عم رسول الله يستنفركم فأطيعوه ـ في كلام له ـ .
وقال الحسن بن علي عليهما السلام : أجيبوا دعوتنا ، وأعينونا على ما بلينا به ـ في كلام له ـ ، فخرج قعقاع بن عمرو ، وهند بن عمرو ، وهيثم بن شهاب ، وزيد بن صوحان ، والمسيّب بن نجبة ، ويزيد بن قيس ، وحجر بن عديّ ، وابن مخدوج ، والأشتر ، يوم الثالث في تعسة آلاف ، فاستقبلهم أمير المؤمنين على فرسخ ، ووقال : مرحباً بكم أهل الكوفة سنام العرب ، وفئة الإسلام ، ومركز الدين ـ في كلام له ـ وخرج إلى أمير المؤمنين من شيعته من أهل البصرة من
(1) سورة النساء : 93 .
(2) سورة العنكبوت : 1 و2 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1388

ربيعة ثلاث آلاف رجل ، وبعث الأحنف إلى أمير المؤمنين : إن شئت جئتك في مائتي فارس فكنت معك ، وإن شئت اعتزلت ببني سعد وكففت عنك ستّة آلاف سيف ، فاختار يا أمير المؤمنين .
ثمّ كتب أمير المؤمنين إلى طلحة والزبير :
أمّا بعد :
فإنّي لم اُرد الناس حتى أرادوني ، ولم اُبايعهم حتى أكرهوني ، وأنتما ممّن أراد بيعتي ، ثم قال عليه السلام بعد كلام : ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما .
البلاذري : قال : لمّا بلغ أمير المؤمنين قولهما : ما باثعناه الا مكرهين تحت السيف ، قال : أبعدهما الله إلى أقصى دار وأحرّ نار .
وكتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عائشة :
أمّا بعد :
فإنّك خرجت من بيتك عاصية لله تعالى ولرسوله محمد صلى الله عليه وآله تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً ، ثمّ تزعمين أنّك تريدين الاصلاح بين المسلمين ، فخبّريني ما للنساء وقود العساكر والاصلاح بين الناس ؟ وطلبت كما زعمت بدم عثمان ، وعثمان رجل من بني اُميّة ، وأنت امرأة من بني تيم بن مرّة ، ولعمري إنّ الذي عرّضك للبلاء ، وحملك على العصبيّة ، لأعظم إليك ذنباً من قتلة عثمان ، وما غضبت حتى أُغضبت ، ولا هجت حتى هيّجت ، فاتّقي الله ـ يا عائشة ـ وارجعي إلى منزلك ، واسبلي عليك سترك .
فقال طلحة والزبير : احكم كما تريد ، فلن ندخل في طاعتك .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1389

وقالت عائشة : لقد جلّ الأمر عن الخطاب ، وأنشأ حبيب بن يساف الأنصاري :
أبا حسن أيقظت من كان نائماً وما كلّ من يدعو(1) إلى الحق يتبعُ
وإنّ رجالاً بايعـوك وخـالفوا هواك وأجروا في الضلال وضيّعوا(2)
وطلحة فيها والزبيـر قرينـة وليـس لـما لا يدفـع الـله مدفع
وذكرهم قتل ابن عفّان خدعة هـم قـتـلوه والمـخادع يـخدع

تاريخ الطبري والبلاذري : أنّه ذكر مجيء طلحة والزبير عند الحسن البصري ، فقال : يا سبحان الله ! ما كان للقوم أن يقولوا ، والله ما قتله غيركم .
تاريخ الطبري : قال يونس النحوي : فكّرت في أمر عليّ وطلحة والزبير إن كانا صادقين أنّ عليّاً عليه السلام قتل عثمان ، فعثمان هالك ، وإن كذبا عليه فهما هالكان .
ثم أنفذ أمير المؤمنين عليه السلام زيد بن صوحان وابن عبّاس فوعظاها وخوّفاها .
فأجابتهم : لا طاقة لي بحجج عليّ .
(1) في المناقب : وما كان من يدعى .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : وأوضعوا .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1390

فقال ابن عبّاس : لا طاقة لك بحجج المخلوق ، فكيف طاقتك بحجج الخالق ؟(1)
ولمّا رأى أمير المؤمنين انّ الشيطان قد استحوذ ، وانّالآيات والنذر لا تغني عنهم ، زحف عليه السلام بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ستّ وثلاثين ، وعلى ميمنته الأشتر وسعيد بن قيس ، وعلى ميسرته عمّار بن ياسر وشريح بن هانئ ، وعلى القلب محمد بن أبي بكر وعديّ بن حاتم ، وعلى الجناح زياد بن كعب وحجر بن عديّ ، وعلى الكمين عمرو بن ا لحمق وجندب بن زهير ، وعلى الرجّالة أبو قتادة الأنصاري ، وأعطى رايته محمد بن الحنفيّة ، ثم أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر يدعوهم ويناشدهم ، ويقول لعائشة : إنّ الله أمرك أن تقرّي في بيتك ، فاتّقي الله وارجعي ، ويقول لطلحة والزبير : خبّاتما نساءكما وأبرزتما زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله واستغررتماها !(2)
فيقولان : إنّما جئنا للطلب بدم عثمان ، وأن نردّ الأمر شورى .
واُلبست عائشة درعاً ، وضربت على هودجها صفائح حديد ، واُلبس الهودج أيضاً درعاً ، وكان الهودج يومئذ عند لواء أهل البصرة(3) وهو على جمل يدعى عسكرا .(4)
ابن مردويه في كتاب الفضائل : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للزبير : أما تذكر يوماً كنت مقبلاً بالمدينة تحدّثني إذ خرج رسول الله صلى الله عليه
(1) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 149 ـ 153 ، عنه البحار : 32 / 117 ح 94 .
(2) في المناقب : واستفززتماها .
(3) في المناقب : وكان الهود لواء أهل البصرة .
(4) إلى هنا رواه في أنساب الأشراف : 2 / 239 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1391

وآله فرآك معي وأنت تتبسّم إليّ ، فقال : يا زبير ، أتحبّ عليّاً ؟
فقلت : وكيف لا اُحبّه وبيني وبينه من النسب والمودّة في الله ما ليس لغيره ؟!
فقال : إنّك ستقاتله وأنت ظالم له .
فقلتَ : أعوذ بالله من ذلك .
فقال : اللهم نعم .
فقال : أجئت تقاتلني ؟
فقال : أعوذ بالله من ذلك .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : دع هذا ، بايعتني طائعاً ، ثم جئت محارباً ، فما عدا ممّا بدا ؟!
فقال : لا جرم والله لا قاتلتك .
قال : فلقيه عبد الله ابنه ، فقال : جُبناً جُبناً .
فقال : يا بنيّ ، قد علم الناس أنّي لست بجبان ، ولكن ذكّرني عليّ شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فحلفت [أن](1) لا اُقاتله .
فقال : دونك غلامك فلان فأعتقه كفّارة عن يمينك .
فقالت عائشة : لا والله ، [بل](2) خفت سيوف ابن أبي طالب ، فإنّها طوال حداد ، تحملها سواعد أنجاد(3)، ولئن خفتها فقد خافها الرجال من قبلك ، فرجع
(1 و2) من المناقب .
(3) كذا في المناقب ، وفي الأصل : أمجاد .
ورجل نَجدٌ : شجاع ماض فيما يعجز عنه غيره ؛ وقيل : هو الشديد البأس ؛ وقيل : هو
=
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1392

إلى القتال .
فقيل لأمير المؤمنين : إنّه قد رجع .
فقال : دعوه ، فإنّ الشيخ محمول عليه .
ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام : أيّها الناس ، غضّوا أبصاركم ، وعضّوا على نواجذكم ، وأكثروا من ذكر ربّكم ، وإيّاكم وكثرة الكلام فإنّه فشل .
ونظرت إليه عائشة وهو يجول بين الصفّين ، [فقالت :](1) انظروا إليه فإنّه يفعل كفعل رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر .
فقال أمير المؤمنين : يا عائشة ، عمّا قليل لتصبحنّ نادمين .
فجدّ الناس في القتال ، فنهاهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال : اللهم أعذرت وأنذرت ، فكن لي عليهم من الشاهدين ، ثم أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا»(2) الآية .
فقال مسلم المجاشعي : هاأنذا يا أمير المؤمنين ، فخوّفه أمير المؤمنين بقطع يمينه وشماله وقتله .
فقال : لا عليك يا أمير المؤمنين ، فهذا قليل في ذات الله ، فأخذوه وهو يدعوهم إلى الله فقطعوا(3) يده اليمنى ، فأخذ المصحف بيده اليسرى فقطعت ، فأخذه بأسنانه فقتل رضي الله عنه ، فقالت اُمّه :
= السريع الإجابة إلى ما دُعي إليه . «لسان العرب : 3 / 417 ـ نجد» .
(1) من المناقب .
(2) سورة الحجرات : 9 .
(3) في المناقب : فأخذه ودعاهم إلى الله فقطعت .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1393

يا ربّ إنّ مسـلماً أتاهم بمحكم التنزيل إذ دعاهم
يتلو كتاب الله لا يخشاهم فرمّلوه رمّلـت لحـاهم

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الآن طاب الضراب ، ثم قال لابنه محمد بن الحنفيّة والراية في يده : يا بنيّ ، تزول الجبال ولا تزول ، عضّ على ناجذك ، أعر الله جمجمتك ، تد في الأرض قدميك ، ارم ببصرك أقصى القوم وغضّ بصرك ، واعلم أنّ النصر من عند الله(1)، ثمّ صبر سويعة ، فصاح الناس من كلّ جانب من وقع النبال .
فقال أمير المؤمنين : تقدّم يا بنيّ ، وقال :
اطعن بها طعن أبيك تحمد لا خير في حـرب إذا لم توقد
بالمشرفي والقـنا [المسدّد والضرب بالخطيّ](2) والمهنّد(3)

وروي أن امير المؤمنين عليه السلام لمّا دفع الراية إلى ابنه محمد يوم الجمل وقال : تزول الجبال ولا تزول ـ الكلام المتقدّم ـ ، ثم قال : احمل ، فتوقّف محمد قليلاً ، فقال أمير المؤمنين : احمل .
فقال : يا أمير المؤمنين ، أما ترى السهام كأنّها شآبيب المطر ؟
فدفع أمير المؤمنين في صدره وقال : أدركك عرق من اُمّك ، ثمّ أخذ عليه السلام الراية منه وهزّها وأنشد الأبيات المتقدّمة ، ثم حمل عليه السلام ، وحمل الناس خلفه ، ففرّق عسكر البصرة كما تتفرّق الغنم من سطوة الذئب ، ثمّ رجع
(1) نهج البلاغة : 55 خطبة رقم 11 ، عنه البحار : 32 / 195 ح 144 ، وج 100 / 39 ح 41 .
(2) من المناقب .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 153 ـ 155 ، عنه البحار : 32 / 172 ح 132 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1394

عليه السلام ودفع الراية إلى محمد ، وقال له : امح الاولى بالاخرى وهؤلاء الأنصار معك ، وضمّ إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من البدريّين ، فحمل حملات منكرة ، وأبلى بلاء حسناً ، وقتل خلقاً كثيراً ، وصيّر عسكر الجمل كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ، ورجع إلى أمير المؤمنين .
فقال خزيمة بن ثابت : أما إنّه لو كان غير محمد لافتضح .
وقال الأنصار : لولا ما نعلم من جعل الإمامة للحسن والحسين لما قدّمنا على محمد أحداً .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أين النجم من الشمس والقمر ؟ أين نفع ابني من ابنيّ رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
وأنشأ خزيمة بن ثابت رضي الله عنه يقول :
محمّد ما في عودك اليوم وضمة ولا كنت في الحرب الضروس معرّدا(1)
أبوك الذي لم يركب الخيل مثله عـلـيّ وسمـّـاك النـبي محـمّدا
وانت بحمد الـله أطـول هاشم لسانـاً وأنـداها بـما مـلكـت يدا
سوى أخويك السيّـدين كلاهما إمام الورى والـداعيان إلى الـهدى
(1) التعريد : الفِرار ، وقيل : سرعة الذهاب في الهزيمة . «لسان العرب : 3 / 288 ـ عرد ـ» .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1395

قيل لمحمد بن الحنفيّة : لِمَ كان أبوك يغرر بك في الحرب ولم يغرر بالحسن والحسين ؟
قال : لأنّهما عيناه وأنا يمينه ، فهو يدفع عن عينيه بيمينه .(1)
وروي أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه أمر الأشتر أن يحمل ، فحمل وقتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل ، وكان زيد بن صوحان يحمل ويقول :
ديني ديني وبيعتي بيعتي .(2)
وجعل مخنف بن سليم(3) يقول :
قد عشت يا نفس وقد غنيت دهراً وقبل اليوم ما عييت
وبعد ذا لا شـك قـد فنيت أما مللت طول ما حيـيت

فخرج عبد الله بن اليثربي يقول :
يا ربّ إنّي طالب أبا الحسن ذاك الذي يعرف حقّاً بالفتن

فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً .:
(1) أورده في شرح نهج البلاغة : 1 / 244 باختلاف يسير ، عنه البحار : 42 / 99 . وفي ذوب النضار لابن نما ـ بتحقيقنا ـ : 55 .
وأورده في كشفا لغمّة : 2 / 25 بهذا اللفظ : قيل لمحمد بن الحنفيّة رحمه الله : أبوك يسمح بك في الحرب ويشحّ بالحسن والحسين عليهما السلام !!
فقال : هما عيناه وأنا يده ، والانسان يقي عينيه بيده .
وقال مرّة اُخرى ـ وقد قيل له ذلك ـ : أنا ولده وهما ولدا رسول الله صلى الله عليه وآله ، عنه البحار : 42 / 96 ح 27 .
(2) في المناقب : وبيعي بيعي .
(3) كذا في البحار ، ,في الأصل والمناقب : مسلم .
وهو مخنف بن سليم الأزدي ، ابن خالة عائشة . راجع رجال الطوسي : 58 رقم 12 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1396

إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن فاليوم تلقاه مليّاً فاعلمن

وضربه ضربة فقتله .
فخرج بنو ضبّة وجعل بعضهم يقول :
نحن بنو ضبّة أعداء عليّ ذاك الذي يعرف فيهم بالوصيّ

وقال آخر منهم :
نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل والموت أحلى عندنا من العسل
ردّوا علينا شيخـنا بـمر تحل إنّ عليّاً بعد مـن شـرّ النـذل

وقيل : إنّ ابن اليثربي عمرو ـ أخوه عبد الله المذكور ـ يقول :
إن تنكروني فأنا ابن اليثربي قاتل علباء ثم(1) هند الجملي
ثمّ ابن صوحان على دين عليّ

فبرز إليه عمّار رضي الله عنه قائلاً :
لا تبرح العرصة يا ابن اليثربي اثبت اُقاتلك على دين عليّ

فأرداه عمّار عن فرسه وجرّ برجله إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقتله بيده .
فخرج أخوه أيضاً قائلاً :
أضربكم ولو أرى عليّا عمّمته أبيض مشرفـيّا
وأسمراً عنطنطاً خطيّا(2) اُبكي عليه الولد والوليّا
(1) في المناقب : يوم .
(2) الأسمر : الرمح وعنطنط : الطويل . والخَطُّ : مرفأ السفن بالبحرين تنسب إليه الرماح .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1397

فخرج إليه أمير المؤمنين عليه السلام متنكّراً وهو يقول :
يا طالباً في حربه عليّا يمنحه(1) أبيض مشرفيّا
اثبت لتلقاه(2) بها مليّا مهذّباً سميدعاً(3) كمـيّا

فضربه فرمى بنصف رأسه ، فنادى عبد الله بن خلف الخزاعي صاحب منزل عائشة بالبصرة لعليّ : أتبارزني ؟
فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ما أكره ذلك ، ولكن ويحك يا ابن خلف ما راحتك في القتل وقد علمت من أنا ؟
فقال : ذرني من بذخك يا ابن أبي طالب ، ثم قال :
إن تدن منّي يا عليّ فترا فإنّنـي دان إلـيك شـبرا
بصارم يسقيك كأساً مرّا إن في صدري عليك وترا

فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً :
يا ذا الذي تطلب منّي الوترا إن كنت تبغي أن تزور القبرا
حقّاً وتُصلى بعد ذاك جمرا فادن تجدني أسـداً هـزبـرا
اُذيقك(4) اليوم ذعافاً صبرا

فضربه أمير المؤمنين عليه السلام فطيّر جمجمته .
(1) في المناقب : يمنعه .
(2) في المناقب : ستلقاه .
(3) السميدع : السيد الشريف السخيّ والشجاع .
(4) في المناقب : اصعطك .
واصعطه : أي أدخله في أنفه . والذعاف : السمّ الذي يقتل من ساعته .

السابق السابق الفهرس التالي التالي