تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1372

فقلت : لا .
فقال : يا سليمان ، حبّ عليّ إيمان ، وبغضه نفاق ، والله لا يحبّه الا مؤمن ، ولا يبغضه الا منافق .
قال : فقلت : الأمان ، يا أمير المؤمنين .
قال : لك الأمان .
فقتل : ما تقول في قاتل الحسين عليه السلام ؟
فقال : في النار ، وإلى النار .
قلت : وكذلك من يقتل ولد رسول الله صلى الله عليه وآله في النار ، وإلى النار .
قال : يا سليمان ، الملك عقيم ، اخرج فحدّث بما سمعت .(1)
قلت : ثمّ لم تغن عنه الآيات والنذر ، ولم يعتبر بما شاهد وحقّه أن يعتبر ،
(1) أمالي الصدوق : 353 ح 2 ، عنه مدينة المعاجز : 1 / 311 ح 196 ، وج 3 / 276 ح 894 ، وغاية المرام : 657 ح 108 ، وحلية الأبرار : 2 / 137 ح 1 .
ورواه في مناقب ابن المغازلي : 143 ح 188 ، ومناقب الخوارزمي : 200 ، وباشرة المصطفى : 170 ـ 175 .
وأورده في روضة الوعظين : 120 ـ 124 ، وفضائل شاذان : 116 ـ 121 .
وأخرجه في البحار : 37 / 88 ح 55 عن أمالي الصدوق وبشارة المصطفى ومناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة في العترة الطاهرة .
وفي ج 43 / 302 ، وعوالم العلوم : 16 / 60 ـ 61 عن كشف الغمّة : 1 / 523 ـ 525 مختصراً .
وفي مدينة المعاجز : 4 / 11 ح 1051 عن عيون المعجزات : 60 ـ 61 . وفي غاية المرام : 653 ح 107 عن مناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة .
وفي حلية الأبرار : 2 / 138 ح 2 عن مناقب الخوارزمي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1373

حتى يتبع بالأذى ذرّيّته ، وقصد بالأدا(1) عترته ، فكم علويّ أضحى منه ومن ولده في أضيق سجن وأسر ، وأسبغ حكم وقهر ، قد أكلت الجوامع لحم سواعده ويديه ، ووضعت الأصفاد من قدميه إلى حقويه ، وأثّرت الأغلال في عنقه وعضديه ، ونظرت الحتوف عن كثب إليه ، يستعذب الموت من أليم عذابهم ، ويستطب الفوت لوخيم عقابهم .
وكم فاطميّ فطم عن ثدي الحياة بقواتل سمومهم ، وكم حسينيّ انتظم في سلك الأموات بسيوف وقائعهم ونقمهم ، سل فخّاً(2) وما حلّ بآل الرسول في عراها ، والزوراء وما غيّب من ولد البتول في ثراها ، وخراسان ومن شرّفت به مرابع طوسها ، والعراق وما حلّ من أمجادهم في ضرائح رموسها .
ترى مشاهدهم في الأقطار تشهد بجلالة قدرهم ، وتعاهدهم في الأمصار ينبي عن غزارة فضلهم ، وأنوار الايمان تسطع من قباب مزاراتهم ، وسحائب الغفران تهمع من اكمال زياراتهم ، يغفر الله الذنوب بالهجرة إليها ، ويكشف الكروب بالعكوف بحضراتها ومبانيها .
كلّما تقادمت الأيّام تجدّد فجرهم ، وكلّما تعاقبت الأعوام تعالى ذكرهم ، ورثوا المجد بالأصالة ، لما تمّمت بجدّهم الرسالة ، وعلت كلمتهم في الآفاق ، لما اُقيم أبوهم وليّاً على الإطلاق ، شدّ الله بزكيّهم أزر ملّته ، واستشهد بشهيدهم على برهان ربوبيّته ، وزيّن بعابدهم أوراد عبادته ، وبيّن بباقرهم وصادقهم أسرار شيعته ، وأظهر بعالمهم وكاظمهم أنوار حكمته ، وجعل رضاه مقروناً برضاهم ، وعلمه مخزوناً في جوادهم ومرتضاهم ، وهداه في اتّباع سبيل
(1) كذا في الأصل .
(2) فخّ : واد بمكّة ، قتل به الحسين بن علي بن الحسين يوم التروية سنة تسع وستّين ومائة ، وقتل جماعة من أهل بيته .... «مراصد الاطّلاع : 3 / 1019» .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1374

هاديهم ، وولاه منوطاً بولاء عسكريّهم وزكيّهم ، وقوام الخلق بقائمهم ، وقيام الحقّ بعالمهم ، صاحب الشوكة والقوّة ، وظاهر الملّة والدعوة ، حجّة الله على بريّته ، ومحجّته في خليقته ، والقائم بالقسط في اُمّة جدّه ، والداعي إلى الحق بجدّه وجهده .
ذكر راحة روحي وقلبي ، ومدحه مجلي همّي وكربي ، وخياله نصب سواد مقلتي ، وجماله في سويداء قلبي ومهجتي ، أحنّ إلى ؤرؤيته ولو في طيف المنام ، وأشتاق الى بهجته وإن بعد المرام ، أودّ لو ثبّتني في جرائد الخالصين من عبيده ، وأن يرقمني في دفاتر المخلصين من جنوده ، وأن يسمني بميسم العبوديّة في جنبي لعزيز جنابه ، وأن يطوّقني بطوق الرقّية لملازمة ركابه ، أسير بين يدي طرفه ولو على رأسي وطرفي ، وأستلمح أنوار بهجته من بين يديّ ومن خلفي ، واُسارع إلى أمره بقلبي وقالببي ، ,أستظلّ بظلّ جواده وذلك أقصى مطالبي ، رافعاً صوتي مدّة مسيري بين يديه ، متابعاً لفظي حين إشارتي بالصلاة عليه ، قائلاً : معاشر المؤمنين ، افرجوا عن سبيل سبيل ربّكم ، وتنحّوا عن طريق وليّ أمركم .
هذا علّة وجودكم ، هذا دليلكم على معبودكم ، هذا صاحب زمانكم هذا ناصب أعلامكم ، هذا وسيلتك إلى ربّكم يوم حشركم ، هذا نوركم الذي يسعى بين أيديكم ومن خلفكم حين بشركم ، هذا الذي وعدكم به سيّد المرسلين ولا خلف لوعده ، هذا الذي الروح الأمين من بعض حشمه وجنده ، هذا فرع الشجرة المباركة ، هنذا خليفة الله بلا مشاركة ، هذا علم العترة الطاهرة ، هذا مصباح الاُسرة الفاخرة ، هذا شمس الشريعة النبويّة ، هذا بدر الذرّيّة العلويّة ، هذا ممصّر الأمصار ، هذا مدمّر الفجّار ، هذا هادم أركان النفاق ، هذا قاطع أسباب الشقاق ، هذا الصادق بالحقّ ، هذا الناطق بالصدق ، هذا طود الحلم ، هذا
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1375

بحر العلم ، هذا إمام الاُمّة ، هذا صاحب «ونريد أن نمنّ على الذين استضعفو في الأرض ونجعلهم أئمّة»(1)، هذا الذي لولا وجوده لصاخت الأرض بكم ، ولأخذكم العذاب من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، هذا خليفة الأنبياء ، هذا خاتمة الأوصياء .
غضّوا أبصاركم إذا أشرتم بالصلاة عليه ، واخفضوا أصواتكم ولا تقدّموا بين يديه ، واسألوا الله بحقّه فهو من أعظم وسائلكم إليه ، لا يقبل الله منكم صرفاً ولا عدلاً الا باتّباع سبيله ، ولا يقيم لكم يوم القيامة وزناً الا باقتفاء دليله .
فلا أزال أهتف بهذه الكلمات مدّة مسيري في ظلّ ركابه ، وأبهج بهذه الصفات منذ مصيري غاشياً دار جنابه ، حتى إذا التقى الجمعان ، واصطدم الفيلقان ، ضربت بين يديه بسيفي قدماً قدماً ، وقصمت الأصلاب بشدّة بطشي قصماً قصماً ، وقيّضت الأجساد بثعلب رمحي شكاً شكاً ، وجندلت الأبطال بقوّة عزمي فتكاً فتكاً ، لا اوقر كبير أهل النفاق ، ولا أرحم صغيرهم ، ولا أغمد حسامي حتى اُبيد أميرهم ومأمورهم .
لو نشر لي صدّيقهم نجل قحّافهم في تلك الحال لفلقت قحفته بنصفين ، ولو تراءى لعيني زعيمهم فاروقهم عند مقارعة الأبطال لفرقت فرقه شطرين ، ولصبغت من ذي نوريهم أثباجه من دم أوداجه ، ولأطفأت لابن هندهم من نور الحياة ضوء سراجه ، ولآذيت أهل هودجهم بقولي وفعلي ، ولو جأت جبينها وخدها بسبت نعلي ، وللعنت أباها وجدّها بعالي صوتي ، ولشفيت عليك صدري منها ومن جندها قبل موتي ، حتى أجعلها في عرصة الجمع تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع .
(1) سورة القصص : 5 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1376

يا ابن من أسرى به الله إلى حضرته وبه أظهر دين الـحقّ مـن بعـثته
يا سميّ الفاتح الخاتم يا نـور الهدى يا منار الحائر التـائـه فـي حيرته
يا أمان المـلك الجبـّار في عـالمه يا أمين المصطفى المختـار في اُمّته
كم غياب عـن عليل عظمت علّته كم حجاب من مشوق مات من غصّته
لو تزره عائداً لو في الكرى أحييته وبثثت الـروح بعد الـموت في جثّته
لم يزل منك جمال في سويداء قلبه وخيال فـي سواد الطـرف من مقلته
مستمرّ عهده مـن عالـم الذرّ إلى أن يوافيكم غـداً بالصدق في رجعته
نوره مذتمّ منكم صار لا يخشى بكم زخرفاً من باطـل يوديه فـي ظلمته
مذ خلا عمّا سواكم قلـبه صار له ذكـركـم دأباً به يأنس في خـلوته
نحوكم منطقه كالدرّ فـي ترصيعه ببديع يطـرب الأسمـاع من دقّـته
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1377

ببيان مـن معـان صـرفهـا في مدحكم يزدريه الجاهل الهالك فـي شبهته
قسماً بالـله ثـمّ المصـطـفى أكرم من أرسل الله وبالأطهار من عتـرتـه
انّ لـي صدق يقـين بـولاكـم لا أرى غيره ينقذ للإنسـان فـي لعـنـته
يا مليكاً جــعـل اللـه له فـي ملـكه بسطة منها مدار الخلق في قبـضته
لو نهيت الشمس عن إشراقها ما أشرقت ومنعت الـفلـك الدوّار عن دورته
كلّما فكّرت فـي جرمـي ومـا أسلفته من كبير موبق أسعـفت مـن تبعته
قال لي حسن يقيـني لك حـصن مانع ذلك المولى الذي بالـغت في مدحته
حجّة الـوقـت ولـيّ الـله في عالمه ساطع البرهان والظاهر فـي حجّته
بحر علم طود حلـم لا يضاهـى مجده كنز جود لا يسامى في عـلا رفعته
غائب عن مقلتي لـكن بقـلبي حاضر لم يزل فيه خيال مـن سـنا بهجته
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1378

يا مديد العمر صل صبا تقضّى عمره في انتظار واشفِهِ بالوصل من عـلّته
يا إلهي إن تقضّى أجلي من قبتل أن تقض لي بالسعد في دنياي من رؤيته
فامح عنّي موبقات ليس تحصى كثرة واجعلنّي يوم حشرالخلق فـي زمرته

أقول : إنّ هذه الجملة المعترضة التي قرّرتها ، والأبيات المسطّرة التي ذكرتها ، ليست من ملازمات المجلس المذكور ، ولا من غصون المقصد المذكور ، لكن لما صبّت الصبابة شآبيبها على قلبي ، وأضرمت الكآبة لهيبها في لبّي ، وذلك لما ألقى الله على لسان الحائد عن الحق ، ونطق به الجاحد من الصدق ، وشهد بما هو حجّة عليه في الدنيا والاُخرى ، فصار ومن انتمى إليه نحري الله أحقّ وأحرى ، أوحى جناني إلى لساني ، وألقى بياني على بناني ، هذه الكلمات المحلّاة بترصيعي وتسجيعي ، والأبيات المستمعة بمعاني بياني وبديعي ، فصارت كالعقد في صدر الخريدة ، أو العهد في صدر الجريدة .
ولنرجع إلى تمام المجلس الموعود ، والله المستعان على كلّ جبّار كنود .
الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام : كان إبراهيم بن هاشم المخزومي والياً على المدينة ، وكان يجمعنا كلّ يوم جمعة قريباً من المنبر ويشتم عليّاً عليه السلام ، فلصقت بالمنبر فأغفيت ، وفرأيت القبر قد انفرج فخرج منه رجل عليه ثياب بيض ، فقال لي : يا أبا عبد الله ، ألا يحزنك ما يقول هذا ؟
قلت : بلى ، والله .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1379

قال : افتح عينيك انظر ما يصنع الله به ، وإذا هو قد ذكر عليّاً فرمي به من فوق المنبر فمات .(1)
عثمان بن عفّان السجستاني : [إنّ محمد بن عبّاد](2) قال : كان في جواري رجل صالح ، فرأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه على شفير الحوض والحسن والحسين يسقيان الاُمّة ، فاستسقيت فأبيا عليَّ ، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله أسأله ، فقال : لا تسقوه ، فإنّ في جوارك رجل يلعن عليّاً فلم تنهه ، ثم ناولني سكّيناً ، وقال : اذهب فاذبحه .
قال : فخرجت فذبحته ودفعت السكّين إليه ، فقال : يا حسين ، اسقه ، فسقاني ، فأخذت الكأس بيدي ولا أدري أشربت أم لا ، فانتبهت فإذا بولولة ويقولون : فلان ذبح على فراشه ، وأخذ الشرطة الجيران ، فقمت إلى الأمير ، فقلت : أصلحك الله أنا فعلت به هذا والقوم براء ، وقصصت عليه الرؤيا ، فقال : اذهب جزاك الله خيراً .(3)
عبد الله بن السائب وكثير بن الصلت ، قالا : جمع زياد بن أبيه أشراف الكوفة في مسجد الرحبة ليحملهم على سبّ أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه ، فأغفيت فإذا أنا بشخص طويل العنق ، أهدل أهدب(4)، قد سدّ ما بين السماء والأرض ، فقلت له : من أنت ؟
(1) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 345 ، عنه البحار ، 39 / 320 ، ومدينة المعاجز : 2 / 285 ح 554 .
(2) من المناقب .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 345 ، عنه البحار : 39 / 320 .
وأخرجه في مدينة المعاجز : 2 / 286 ح 555 عن مناقب ابن شهراشوب والثاقب في المناقب : 239 ح 203 .
(4) الأهدل : المسترخي الشفة السفلى الغليظها . والأهدب : طويل شعر الأجفان .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1380

قال : أنا النقّاد ذو الرقبة طاعون بعثت إلى زياد ، فانتبهت فزعاً فسمعت الواعية ، وأنشأت أقول :
قد جشم الناس أمراً ضاق ذرعهـم بحملهم(1) حين أدّاهم إلى الرحبة
يدعو على ناصر الإسلام حين يرى له على المشركين الطول والغلبة
ما كان منتـهـياً عـمّا أراد بـه(2) حـتى تـناوله النقّاد ذو الرقبة
فأسط الـشقّ مـنه ضـربة عجباً كما تناول ظلماً صاحب الرحبة(3)(4)
ولمّا أتم الله سبحانه به دينه ، وأثبت في صحائف الاخلاص يقينه ، قاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله ، وشدّ أركان الإيمان بواضح دليله ، ومهّد سبيل الإسلام براسخ علمه ، وبيّن طريق الأحكام بصائب حكمه ، وأبطل شبهة أهل البغي بظاهر حجّة أدلّته ، وأدحض حجّة اولي الغيّ بصائب حكمته ، وأحيا سنّة أخيه الصادق الأمين في قوله : لتقاتلنّ بعدي الناكثين والقاسطين
(1) كذا في المناقب ، وفي الأصل : يحمله .
(2) في الأمالي : بنا .
(3) المراد من «صاحب الرحبة» أمير المؤمنين عليه السلام .
(4) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 345 ، عنه البحار : 39 / 321 .
ورواه في أمالي الطوسي : 1 / 238 (مختصراً) ، عنه البحار : 39 / 314 ح 10 .
وفي ج 2 / 232 ، عنه البحار : 42 / 6 ح 6 .
وأخرجه في مدينة المعاجز : 2 / 262 ح 542 ، عن الأمالي ـ الرواية الثانية ـ والمناقب .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1381

والمارقين .(1)
روى الحسن وقتادة أنّ الله أكرم نبيّه صلى الله عليه وآله بأن لم يره تلك النقمة ، ولم ير في اُمّته الا ما قرّت به عينه ، وكان بعده صلى الله عليه وآله نقمة شديدة .
وقد روي أنّه صلى الله عليه وآله اُري ما تلقى اُمّته من بعده ، فما زال منقبضاً ولم ينبسط ضاحكاً حتى لقي الله تعالى .
وروى جابر بن عبد الله الأنصاري [قال](2): إنّي لأدناهم من رسول الله صلى الله عليه وآله في حجّة الوداع بمنى حين(3) قال : لألفينّكم ترجعون بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنّني في الكتيبة التي تقاتلكم(4)، ثم التفت إلى خلفه فقال : أو عليّ أو عليّ ـ ثلاث مرّات ـ فرأينا انّ جبرئيل غمزه(5)، فأنزل الله على أثر ذلك «فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون»(6) بعليّ بن أبي طالب عليه السلام .(7)
(1) حديث مشهور روي من طرق الخاصّة والعامّة . انظر الأحاديث الغيبيّة : 1 / 72 ـ 80 ح 35 ـ 38 ففيه جملة وافرة من المصادر .
(2) من المجمع .
(3) في المجمع : حتى .
(4) في المجمع : تضاربكم .
(5) انظر في هذا المعنى : أمالي المفيد : 112 ح 4 ، عنه البحار : 32 / 304 ح 268 .
وأمالي الطوسي : 2 / 75 ، عنه إثبات الهداة : 1 / 309 ح 239 .
ومناقب ابن شهراشوب : 3 / 219 .
وتأويل الآيات : 2 / 559 ح 18 ، عنه البحار : 32 / 313 ح 279 ، والبرهان : 4 / 144 ح 4 .
(6) سورة الزخرف : 41 .
(7) مجمع البيان : 5 / 49 ، عنه البحار : 5 / 150 ، وج 32 / 290 ح 242 وما قبله ، وج 36 / 23 ذ ح 6 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1382

وقال الشافعي كلاماً معناه : إنّما علم الناس قتال أهل البغي من عليّ عليه السلام .(1)
وقال محمد بن الحسن الفقيه : لولا عليّ بن أبي طالب ما علمنا حكم أهل البغي ، ولمحمد بن الحسن كتاب يشتمل على ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي بناها على فعله صلوات الله عليه ، والأصل في قتال أهل البغي قوله سبحانه : «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاُخرى فقاتلوا التي تبغي ...»(2) فإذا بغت طائفة من أهل الإسلام على اُخرى وقلنا بوجوب قتالهم للأمر ، فقتال الطائفة الخارجة على إمام الحقّ أولى ، وقد قاتل أمير المؤمنين عليه السلام الناكثين والقاسطين والمارقين وهم أهل البصرة وعائشة وطلحة والزبير وعبد الله بن الزبير وغيرهم وهم الناكثون الذين نكثوا بيعته ، وقاتل أهل الشام معاوية ومن تابعه وهم القاسطون أي الحائرون ؛ وقيل : أهل النهروان وهم الخوارج ، وهؤلاء جميعهم عندنا كفّار محكوم بكفرهم ، لأنّ الإمامة عندنا من شرائط الإيمان كما انّ التوحيد والعدل والنبوّة من أركانه وشروطه ولا يستحق الثواب الدائم الا به ، ولقول النبي صلى الله عليه وآله : «يا عليّ ، حربك حربي ، وسلمك سلمي»(3) وهذا الحديث لم يختلف أحد من أهل الاسلام فيه ، وقد رواه أهل الخلاف في صحاحهم .(4)
(1) كنز العرفان للمقداد السيوري : 386 .
ونقل عن أبي حنيفة قوله : لولا سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في اهل البغي ما كنّا نعرف أحكامهم . «شرح الأصول الخمسة : 141» .
(2) سورة الحجرات : 9 .
(3) الإفصاح : 128 ، تلخيص الشافي : 2 / 134 ـ 135 ، مناقب ابن المغازلي : 50 ، مناقب ابن شهراشوب : 3 / 217 ، مناقب الخوارزمي : 129 ، شرح المقاصد : 5 / 308 ، لسان الميزان : 2 / 483 .
(4) رووه بهذا اللفظ : يا عليّ ، أنا حرب لمن حاربك ، وسلم لمن سالمك .
=
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1383

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما سمع واعيتنا أهل البيت أحد فلم يجيبنا الا أكبّه الله على منخريه في النار(1).(2)
وكانت عائشة لمّا اجتمع الناس لقتل عثمان من أعظم المحرّضين عليه ، كانت تقول : اقتلوا نعثلاً(3) ، قتل الله نعثلاً . وكانت تقول : هذا قميص رسول الله لم يبل وقد بليت سنّته ، وتركته في الفتنة ومضت إلى مكّة ، وكانت تؤلّب عليه وتقول : لا يصلح للخلافة الا ذو الاصبع ـ يعني طلحة ـ .(4)
ولمّا سمعت بقتله أقبلت من مكّة قاصدة المدينة ، وفي كلّ منزل تثني على طلحة وترجو أن يكون الأمر له ، فلمّا وصلت إلى مكان في طريق مكّة يقال له «سرف» وسمعت ببيعة علي عليه السلام قالت : ردّوني ، وانصرفت راجعة إلى مكّة تنتظر الأمر ، وجعلت تؤلّب على علي عليه السلام ، وكاتبت طلحة والزبير وعبيد الله بن عامر بن كريز ، فلحقوا بها بعد أن طلبوا من أمير
= انظر : مسند أحمد : 2 / 442 ، سنن ابن ماجة : 1 / 52 ، سنن الترمذي : 5 / 656 ، المستدرك على الصحيحين : 3 / 149 ، تاريخ بغداد : 7 / 137 ، مناقب ابن المغازلي : 64 ، أسد الغابة : 3 / 11 ، ذخائر العقبى : 25 ، الإحسان : 9 / 61 ، مجمع الزوائد : 9 / 169 .
(1) قال المجلسي رحمه الله : لعل المراد أنّ مع سماع الواعية وترك النصرة العذاب أشدّ ، وغلّا فالظاهر وجوب نصرتهم على أيّ حال .
(2) روى الصدوق في الأمالي : 118 ح 6 قول الحسين عليه السلام : فوالذي نفس الحسين بيده لا يسمع اليوم واعيتنا أحد فلا يعيننا الا أكبّه الله لوجهه في جهنّم . عنه البحار : 44 / 256 ح 4 ، ومدينة المعاجز : 2 / 171 ح 473 ، وعوالم العلوم : 17 / 147 ح 3 .
(3) قال ابنا لأثير في النهاية : 5 / 80 : النَعثَل : الشيخ الأحمق . ومنه حديث عائشة : «اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً» تعني عثمان .
وقال الغفيروز آبادي في القاموس المحيط : 4 / 59 : النَعثَل : الذَكَر من الضباع ، والشيخ الأحمق ، ويهودي كان بالمدينة ، ورجل لِحيانيّ كان يُشبّه به عثمان .
(4) انظر : كشف الغمّة : 1 / 238 ـ 239 ، ونهج الحقّ وكشف الصدق : 368 ـ 369 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1384

المؤمنين عليه السلام الاذن في المضيّ إلى مكّة .
فقال لهم : ما تريدون بمضيّكم إلى مكّة ، وليس موسم حجّ ؟
فقالوا : نريد العمرة .
فقال عليه السلام : والله ما تريدون الا الغدرة ، ثمّ أذن لهم بعد أن أخذ عليهم العهود والمواثيق ، فأدركوا عائشة بمكّة ، وعزموا على قتال أمير المؤمنين ، ونكثوا بيعته ، وأرادوا عبد الله بن عمر على البيعة ، فقال : تريدون أن تلقوني في مخالب عليّ وأنيابه ، لا حاجة لي بذلك .
ثمّ أدركهم يعلى بن منية من اليمن(1) وأقرضهم ستّين ألف دينار ، وأرسلت عائشة إلى اُمّ سلمة تلتمس منها الخروج معها فأبت ، وأمّا حفصة فأجابت ، وصوّبت رأيها ، ثمّ خرجت عائشة في النفر الأوّل عامدة إلى البصرة لكثرة ما بها من أهل النفاق وشيعة بني اُميّة ، حتى إذا كانت بالحوأب وهو ماء على طريق البصرة من مكّة ، صاحت كلابه عليها ، فقالت : ما هذا الماء ؟
فقيل : اسمه الحوأب .
فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وكانت قد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لنسائه : أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبّ(2) تنبحها كلاب الحوأب ؟(3)
(1) في البحار : قادماً من اليمن .
(2) جَمَلٌ أدَبّ : كثير الوَبَر . «المحيط في اللغة : 9 / 267 ـ دب ـ» .
(3) انظر : المصنّف لعبد الرزّاق : 11 / 365 ح 20753 ، المعيار والموازنة : 28 ، الفتن لنعيم بن حمّاد : 1 / 83 ح 188 وص 84 ح 189 ، المصنّف لابن أبي شيبة : 15 / 259 ـ 260 ح 19617 ، مسند إسحاق بن راهويه : 3 / 891 ـ 892 ح 1569 .
ومن أراد المزيد من مصادر هذا الحديث فليرجع إلى الأحاديث الغيبيّة : 1 / 135 ح
=

السابق السابق الفهرس التالي التالي