تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1359

نساء العالمين ، والحسن والحسين ابناك سيّدا شباب أهل الجنة ، وحمزة عمّك سيد الشهداء ، وجعفر الطيّار ابن عمّك يطير مع الملائكة في الجنة ، والسقاية للعبّاس عمّك ، فما تركت لسائر قريش وهم ولد أبيك ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ويلك يا حارث ، ما فعلتُ ذلك ببني عبد المطّلب ، لكنّ الله سبحانه فعله بهم .
فقال الحارث : «اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء»(1) فأنزل الله سبحانه : «وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم»(2) فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله الحارث فقال : إمّا أن تتوب أو ترحل عنّا .
فقال : إنّ قلبي لا يطاوعني للتوبة ، لكنّي أرحل عنك ، فركب راحلته ، فلمّا أصحر أرسل(3) الله عليه طيراً من السماء في منقاره حصاة مثل العدسة ، فأنزلها على هامته فخرجت من دبره إلى الأرض ، ففحص برجله ، وأنزل سبحانه «سأل سائل بعذاب واقع»(4) للكافرين بولاية عليّ ، [قال :](5) هكذا نزل به جبرائيل عليه السلام .(6)
قال زياد بن كليب : كنت جالساً في نفر فمرّ بنا محمد بن صفوان مع عبيد الله بن زياد ، فدخلا المسجد ، ثمّ رجعا إلينا وقد ذهبت عينا محمد بن صفوان ،
(1 و2) سورة الأنفال : 32 و33 .
(3) في المناقب : أنزل .
وأصحر : أي صار في الصحراء .
(4) سورة المعراج : 1 .
(5) من المناقب .
(6) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 342 ـ 343 ، عنه البحار : 35 / 320 ح 17 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1360

فقلنا : ما شأنه ؟
فقال : إنّه قام في المحراب وقال : إنّه من لم يسبّ عليّاً بيّنةً(1) فأنا أسبّه بيّنة ، فطمس الله بصره .
وقد روى هذا عمرو بن ثابت ، عن أبي معشر .
البلاذري(2) والسمعاني والمامطيري(3) والنطنزي والفلكي أنّ سعد بن مالك مرّ برجل يشتم عليّاً عليه السلام ، فقال : ويحك ما تقول ؟
قال : أقول ما تسمع .
فقال : اللهم إن كان كاذباً فاهلكه ، فخبطه جمل بختيّ فقتله .(4)
ابن المسيّب قال : صعد مروان المنبر وذكر عليّاً عليه السلام فشتمه ، قال سعيد بن المسيّب : فهوّمت عيناي فرأيت كفّاً في منامي خرجت من قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ـ يرى الكفّ ولا يرى الذراع ـ عاقدة على ثلاث وستّين(5)، وسمعت قائلاً يقول : يا أموي «أكفرت بالذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثم سوّاك رجلاً»(6)؟
قال : فما مرّت بمروان الا ثلاث حتى مات .
(1) في الماقب : بنيّة . وكذا في الموضع التالي .
(2) أنساب الأشراف : 2 / 177 ح 204 .
(3) هو أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله المامطيري ، ومامطير : بليدة بناحية آمل طبرستان .
(4) في انساب الأشراف والمناقب : فخبطه جمل حتى قتله .
والبُخت والبُختيّة : هي الإبل الخراسانيّة . «لسان العرب : 2 / 9 ـ بخت ـ» .
(5) على حساب العقود العقد على ثلاث وستّين هو أن يثنّي الخنصر والبنصر والوسطي ويأخذ ظفر الإبهام بباطن العقدةالثانية من السبّابة ، فأشار بعقد الثلاثة إلى أنه لا يعيش أكثر منها .
(6) سورة الكهف : 37 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1361

مناقب إسحاق [العدل](1): انّه كان في خلافة هشام خطيب يلعن عليّاً عليه السلام على المنبر ، فخرجت كفّ من قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ـ يُرى الكفّ ولا يُرى الذراع ـ عاقدة على ثلاث وستّين ، وإذا كلام من القبر : ويلك [من أمويّ](2) «أكفرت بالذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة» الآية ، وألفت ما فيها ، فإذا دخان أزرق ، قال : فما نزل عن المنبر الا وهو أعمى يقاد ، وما مضت عليه ثلاثة أيّام حتى مات .(3)
وروى علماء واسط أنّه لمّا رفع عمر بن عبد العزيز اللعائن جعل خطيب واسط يلعن ، فإذا هو بثور عبر الشط ، وشقّ السور ، ودخل المدينة ، وأتى الجامع ، وصعد المنبر ، ونطح الخطيب فقتله ، وغاب عن أعين الناس ، فسدّوا الباب الذي دخل منه(4)، وأثره ظاهر وسمّوه باب الثور .
وقال هاشميّ : رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه ـ وهو يغطّيه ـ فسألته عن سبب ذلك ، فقال : نعم ، قد جعلت على نفسي أن لا يسألني أحد عن سبب ذلك الا أخبرته ، كنت شديد الوقيعة في عليّ ، كثير الذكر له بالمكروه ، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذا بآتٍ أتاني في منامي فقال : أنت صاحب الوقيعة في عليّ ؟ فضرب شقّ وجهي ؟ فأصبحت وشقّ وجهي أسود كما ترى .(5)
(1 و2) من المناقب .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 343 ـ 344 ، عنه البحار : 39 / 318 ح 19 ، ومدينة المعاجز : 2 / 283 ـ 284 ح 551 و552 إلى قوله : فخبطه جمل حتى قتله .
(4) كذا في المناقب ، وفي الأصل : فيه .
(5) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 344 ، عنه البحار : 39 / 319 ح 20 ، ومدينة المعاجز : 1 / 314 ح 198 من قوله «قال هاشمي» .
وأورد نحوه في الفضائل لشاذان : 115 ، والروضة في الفضائل : 10 (مخطوط) ، عنهما البحار : 42 / 8 ح 10 .
وأورده أيضاً في الثاقب في المناقب : 241 ح 6 .
=
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1362

وكان بالمدينة رجل ناصبيّ، ثم تشيّع بعد ذلك ، فسئل عن السبب ، فقال : إنّي رأيت في منامي عليّاً عليه السلام يقول [لي](1): لو حضرت صفّين مع من كنت تقاتل ؟
قافل : فأطرقت اُفكّر ، فقال عليه السلام : يا خسيس ، هذه مسألة تحتاج إلى [هذا](2) الفكر العظيم ! اصفعوا قفاه ، فصفعت(3) حتى انتبهت وقد ورم قفاي ، فرجعت عمّا كنت عليه .(4)
روى شيخنا ووسيلتنا إلى ربّنا الشيخ الجليل الفقيه عناد الدين محمد بن علي بن الحسين [بن موسى](5) بن بابويه القمّي في أماليه ، قال : حدّثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدّثني محمد بن جرير الطبري ، قال : حدّثني أحمد بن رشيد ، قال حدّثنا أبو معمر سعيد بن خثيم(6)، قال : حدّثني سعد ، عن الحسن البصري أنّه بلغه أنّ زاعماً يزعم أنّه ينتقص عليّاً صلوات الله عليه ، فقام في أصحابه يوماً فقال : لقد هممت أن أغلق بابي ثمّ لا أخرج من بيتي حتى يأتيني أجلي ، بلغني أنّاعماً منكم يزعم أنّي أنتقص خير الناس بعد نبيّنا صلى الله عليه وآله ، وأنيسه وجليسه ، والمفرّج عنه الكرب عند الزلازل ، والقاتل للأقران يوم التنازل ، لقد فارقكم رجل قرأ القرآن فوقّره ، [وأخذ العلم
= وأخرجه في مدينة المعاجز : 1 / 314 ح 199 عن البرسي ـ ولم نجده في مشارق أنوار اليقين ـ وما فيه يوافق ما في فضائل شاذان .
(1 و2) من المناقب .
(3) في المناقب : اعطوا قفاه . فصفقت .
(4) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 344 ، عنه البحار ك 42 / 7 ح 7 .
(5) من الأمالي .
(6) في الأمالي : خيثم (خثيم) .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1363

فوفّره ،](1) وحاز البأس فاستعمله في طاعة ربّه ، صابراً على مضض الحرب ، شاكراً عند اللأواء والكرب ، عمل بكتاب الله ، ونصح لنبيّه وابن عمّه وأخيه ، آخاه دون أصحابه ، وجعل عند سرّه ، وجاهد عنه صغيراً ، وقاتل معه كبيراً ، يقتل الأقران ، وينازل الفرسان دون دين الله حتى وضعت الحرب أوزارها ، مستمسكاً بعهد نبيه صلى الله عليه وآله ، لا يصدّه صادّ ، ولا يمالي عليه مضادّ ، ثمّ مضى النبي صلى الله عليه وآله وهو عنه راض .
أعلم المسلمين علماً ، وأفهمهم فهماً ، وأقدمهم في الإسلام ، لا نظير له في مناقبه ، ولا شبيه له في ضرائبه ، فظلفت(2) نفسه عن الشهوات ، وعمل لله في الغفلات ، وأسبغ الوضوء(3) في السبرات ، وخشع(4) لله في الصلوات ، وقطع نفسه عن اللذات ، مشمّراً عن ساق ، طيّب الأخلاق ، كريم الأعراق ، واتّبع سنن نبيّه ، واقتفى آثار وليّه ، فكيف أقول فيه ما يوبقني ؟ وما أحد أعلمه يجد فيه مقالاً ، فكفّوا عنّا الأذى ، وتجنّبوا طريق الردى .(5)
وقال أيضاً رضي الله عنه في أماليه : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان وعلي بن أحمد بن موسى الدقّاق ومحمد بن أحمد السناني وعبد الله بن محمد الصائغ ، قالوا : حدّثنا أبو العبّاس [أحمد بن يحيى بن](6) زكريّا القطّان ، قال : حدّثنا أبو محمد بكر بن عبدالله بن حبيب ، قال : حدّثني علي بن محمد ، قال : حدّثنا الفضل بن العبّاس ، قال حدّثنا عبد القدّوس الورّاق ، قال : حدّثنا
(1) من الأمالي .
(2) كذا في الأمالي ، وفي الأصل : طلقت . وظلفت : منعت .
(3) في الأمالي : الطهور . والسيرات : جمع السبرة ، الغداة الباردة .
(4) كذا في الأمالي ، وفي الأصل : وخضع .
(5) أمالي الصدوق : 352 ح 1 ، عنه البحار : 40 / 117 ح 2 .
(6) من الأمالي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1364

محمد بن كثير ، عن الأعمش .
وحدّثنا الحسن بن إبراهيم بن أحمد المكتّب ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى القطّان ، قال : حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدّثني عبيد الله بن محمد بن باطويه(1)، قال : حدّثنا محمد بن كثير ، عن الأعمش .
وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيّوب اللخمي فيما كتب إلينا من أصفهان ، قال : حدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ستّ وثمانين ومائتين ، قال : حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي ، قال : حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي ، قال : حدّثنا مندل بن علي العنزي(2)، عن الأعمش .
وحدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، قال : حدّثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي ، قال : حدّثنا علي بن عيسى الكوفي ، قال : حدّثنا جرير(3) بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، وزاد بعضهم على بعض في اللفظ ، وقال بعضهم ما لم يقل بعض ، وسياق الحديث لمندل بن علي العنزي ، عن الأعمش ، قال : بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أجب ، قال : فبقيت(4) متفكّراً فيما بيني وبين نفسي وقلت : ما بعث إليّ [في](5) هذه الساعة الا ليسألني عن فضائل علي عليه السلام ، ولعلّي إن أخبرته قتلني .
قال : فكتبت وصيّتي ، ولبست كفني ، ودخلت عليه ، فقال ادن منّي ، فدنوت وعنده عمرو بن عبيد ، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئاً ثم قال : ادن منّي ،
(1) في الأمالي : عبد الله (عبيد الله) بن محمد بن باطويه (ناطويه) .
(2) في الأمالي : العنزي (العتري) . وكذا في الموضع التالي .
(3) كذا في الأمالي ، وفي الاصل : حريز .
(4) في الأمالي : فقمت .
(5) من الأمالي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1365

فدنوت حتى كادت تمسّ ركبتي ركبته ، قال : فوجدمنّي رائحة الحنوط ، فقال : والله لتصدقّنني والا لأصلبنّك .(1)
فقلت : ما حاجتك ، يا أمير المؤمنين ؟
قال : ما شأنك متحنّطاً ؟
قلت : أتاني رسولك في جوف الليل أن أجب ، فقلت : عسى أن يكون أمير المؤمنين بعث إليّ [في](2) هذه الساعة ليسألني عن فضائل عليّ عليه السلام . فلعلّي إن أخبرته قتلني ، فكتبت وصيّتي ، ولبست كفني .
قال : وكان متّكئاً فاستوى جالساً وقال : لا حول ولا قوّة الا بالله ، سألتك ـ يا أعمش(3)ـ كم حديثاً ترويه في فضائل عليّ عليه السلام ؟
قال : فقلت : يسيراً ، يا أمير المؤمنين .
قال : كم .
قلت : عشرة آلاف وما زاد .
فقال : يا سليمان ، لاُحدّثنّك بحديث في فضل عليّ عليه السلام تنسى كلّ حديث [سمعته](4) .
قال : قلت : حدّثني ، يا أمير المؤمنين .
قال : إنّي كنت هارباً من بني اُميّة وكنت أتردّد في البلدان(5) وأتقرّب إلى الناس بفضائل عليّ عليه السلام ، وكانوا يطعموني ويزوّدوني حتى وردت إلى
(1) في الأمالي : لتصدّقني أو لاُصلبنّك .
(2 و4) من الأمالي .
(3) في الأمالي : سألتك بالله يا سليمان .
(5) كذا في الأمالي ، وفي الأصل : من بني يزدد في البلدان .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1366

بلاد شام ، وإنّي لفي كساءٍ خلق ما عليّ غيره ، فسمعت الاقامة وأنا جائع ، فدخلت المسجد لاُصلّي وفي نفسي أن اُكلّم الناس في عشاءٍ [يعشوني](1)، فلمّا سلّم الإمام دخل المسجد صبيّان ، فالتفت الإمام اليهما وقال : مرحباً بكما ، ومرحباً بمن اسمكما على اسمهما ، وكان إلى جانبي شابّ فقلت : يا شابّ ، ما الصبيّان ؟ ومن الشيخ ؟
قال : هو جدّهما ، وليس أحد في هذه المدينة يحبّ عليّاً الا [هذا](2) الشيخ ، فلذلك سمّى أحدهما الحسن والآخر الحسين ، فقمت فرحاً إلى الشيخ ، فقلت : أيها الشيخ ، هل لك حاجة في حديثٍ اُقرّ به عينك ؟
قال : إن أقررت عيني أقررت عينك .
قال : قلت : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن أبيه قال : كنّا قعوداً عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ جاءت فاطمة عليها السلام وهي تبكي ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : ما يبكيك يا فاطمة ؟
قالت : يا أبة ، خرج الحسن والحسين فما أدري أين باتا .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا فاطمة ، لا تبكي ، فإنّ الله الذي خلقهما هو ألطف بهما منك ، ورفع النبي صلى الله عليه وآله يديه إلى السماء ، وقال : اللهم إن كانا أخذا برّاً أو بحراً فاحفظهما وسلّمهما ، فنزل جبرائيل عليه السلام من السماء وقال : يا محمد ، إنّ الله سبحانه يقرئك السلام ويقول : لا تحزن ولا تغتمّ فإنّهما فاضلان في الدنيا وفاضلان في الآخرة ، وأبوهما أفضل منهما ، هما نائمان في حظيرة بني النجّار ، وقد وكّل الله بهما ملكاً .
قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فرحاً ومعه أصحابه حتى أتى
(1 و2) من الأمالي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1367

حظيرة بني النجّار ، فإذا الحسن(1) معانقاً للحسين عليه السلام ، وإذا الملك الموكّل بهما قد افترش أحد جناحيه تحتهما وغطّاهما بالآخر .
قال : فمكث النبي صلى الله عليه وآله يقبّلهما حتى انتبها ، فلمّا استيقظا حمل النبي صلى الله عليه وآله الحسن ، وحمل جبرائيل الحسين فخرج من الحظيرة وهو يقول : والله لاُشرّفنّكما كما شرّفكم الله عزّ وجل .
فقال له أبو بكر : ناولني أحد الصبيّين اُخفّف عنك .
فقال : يا أبا بكر ، نعم الحاملان ، ونعم الراكبان ، وأبوهما أفضل منهما فخرجت حتى أتى باب المسجد فقال : يا بلال ، هلمّ عليّ الناس ، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله في المدينة ، فاجتمع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد ، فقام على قدميه ، فقال : يا معشر الناس ، هل أدلّكم على أفضل الناس جدّاً وجدّة ؟
قالوا : بلى ، يا رسول الله .
قال : الحسن والحسين فإنّ جدّهما محمد صلى الله عليه وآله ، وجدّتهما خديجة بنت خويلد .
يا معشر الناس ، هل أدلّكم على خير الناس اُمّاً وأباً ؟
قالوا : بلى ، يا رسول الله .
قال : الحسن والحسين فإنّ أباهما يحبّ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، واُمّهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله .
يا معشر الناس : هل أدلّكم على خير الناس عمّاً وعمّة ؟
(1) في الأمالي : حتى أتوا حظيرة بني النجّار ، فإذا هم بالحسن .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1368

قالوا : بلى ، يا رسول الله .
قال : الحسن والحسين فإنّ عمّهما جعفر الطيّار في الجنّة مع الملائكة ، وعمّتهما اّمّ هانئ بنت أبي طالب .
يا معشر الناس ، هل أدلّكم على خير الناس خالاً وخالة ؟
قالوا : بلى ، يا رسول الله .
قال : الحسن والحسين فإنّ خالهما القاسم بن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وخالتهما زينب بنت رسول الله ، ثمّ قال بيده هكذا يحشرنا الله(1)، ثم قال : اللهم إنّك تعلم أنّ الحسن في الجنّة ، والحسين في الجنّة ، وجدّهما في الجنّة ، وجدّتهما في الجنّة ، [وأباهما في الجنّة ، واُمّهما في الجنّة](2)، وعمّهما في الجنّة ، وعمّتهما في الجنّة ، وخالهما في الجنّة ، وخالتهما في الجنّة .
اللهم إنّك تعلم من يحبّهما في الجنّة ، ومن يبغضهما في النار .
قال : فلمّا قلت ذلك للشيخ قال : من أنت يا فتى ؟
قلت : رجل من أهل الكوفة .
قال : اعربيّ أنت أم مولى ؟
قلت : بل عربيّ .
قال : فأنت تحدّث بهذا الحديث وأنت في هذا الكساء ، فكساني خلعته ،
(1) الظاهر أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله ضمّهما إلى صدره وأشار إلى الناس : هكذا يحشرنا الله .
(2) من الأمالي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1369

وحملني على بغلته فعبتها بمائة دينار ، وقال يا شابّ(1)، أقررت عين فوالله لأقرّنّ عينك ، ولأرشدنّك إلى شابّ يقرّ عينك اليوم .
قال : قلت : أرشدني .
قال : إنّ لي أخوين أحدهما إمام والآخر مؤذّن ، أمّا الإمام فإنّه يحبّ عليّاً منذ خرج من بطن اُمّه ، وأمّا المؤذّن فإنّه يبغض عليّاً منذ خرج من بطن اُمّه .
قال : قلت : أرشدني ، فأخذ بيدي حتى أتى بي إلى باب الامام ، فإذا برجل خرج إليّ وقال : أمّا البغلة والكسوة فأعرفهما ، والله ما كان فلان يكسوك ويحملك الا لأنّك تحبّ الله ورسوله ووصيّ رسوله ، فحدّثني بحديث في فضل عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
قال : قلت : أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : كنّا قعوداً عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ جاءت فاطمة تبكي بكاءً شديداً ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : ما يبكيك ، يا فاطمة ؟
قالت : يا أبة ، عيّرتني نساء قريش وقلن : إنّ أباك زوّجك من معدم لا مال له .
فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : لا تبكي فوالله ما زوّجتك حتى زوّجك الله من فوق عرشه ، وأشهد بذلك جبرائيل وميكائيل ، وإنّ الله سبحانه اطّلع على أهل الأرض(2) فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار من الخلائق عليّاً ، فزوّجك إيّاه ، واتّخذه وصيّاً ، فعليّ أشجع الناس قلباً ، وأحلم الناس حلماً ، وأسمح الناس كفّاً ، وأقدم الناس سلماً ، وأعلم الناس علماً ،
(1) كذا في الأمالي ، وفي الأصل : بغلته باعها بمائة دينار ، وقال : يا شيخ .
(2) في الأمالي : الدنيا .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1370

والحسن والحسين ابناه وهما سيّدا شباب أهل الجنة ، واسمهما في التوراة شبير وشبر لكرامتهما على الله سبحانه .
يا فاطمة ، لا تبكي فوالله إذا كان يوم القيامة يكسى أبوك حلّتين ، وعليّ حلّتين ، ولواء الحمد بيدي ، فاُناوله عليّاً لكرامته على الله .
يا فاطمة ، لا تبكي فإنّي إذا دعيت إلى ربّ العالمين يجيّ عليّ معي ، وإذا شفّعني الله شفّع عليّ معي .
يا فاطمة ، لا تبكي فإنّه إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ في أهوال ذلك اليوم : يا محمد ، نعم الجدّ جدّك إبراهيم خليل الرحمن ، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب .
يا فاطمة ، علي يعينني على مفاتيح الجنّة ، وشيعته هم الفائزون غداً يوم القيامة في الجنّة ، فلمّا قلت ذلك قال : يا بنيّ ممّن أنت ؟
قلت : من أهل الكوفة .
قال : أعربيّ أنت أم مولى ؟
قلت : عربيّ .
قال : فكساني ثلاثين ثوباً ، وأعطاني عشرة آلاف درهم ، ثمّ قال : يا شابّ ، أقررت عيني ولي إليك حاجة ، قلت : انقضيت إن شاء الله .
قال : فإذا كان غداً فائت مسجد آل فلان كيما ترى أخي المبغض لعليّ بن أبي طالب عليه السلام .
قال : فطالت عليّ تلك الليلة ، فلمّا أصبحت أتيت المسجد الذي وصف لي وقمت في الصف الأوّل فإذا إلى جانبي شابّ متعمّم فذهب ليركع فسقطت
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1371
عمامته ، فنظرت في وجهه فإذا رأسه رأس خنزير ، ووجهه وجه خنزير ، فوالله ما علمت ما تكلّمت [به](1) في صلاتي حتى سلّم الامام ، فقلت : يا ويحك ما الذي أرى بك ؟
فبكى وقال لي : انظر إلى هذه الدار ، فنظرت ، فقال لي : ادخل ، فدخلت ، فقال لي : كنت مؤذّناً لآل فلانٍ كلّما أذّنت(2) لعنت عليّاً صلوات الله عليه ألف مرّة بين الاذان والإقامة ، وكلّما كان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرّة ، فخرجت من منزلي وأتيت داري واتّكأت على هذا الدكّان الذي ترى فرأيت في منامي كأنّي في الجنّة وفيها رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام فرحين ، ورأيت كأنّ النبي صلى الله عليه وآله عن يمينه الحسن ، وعن يساره الحسين ومعه كأس ، فقال : يا حسن ، اسقني فسقاه ، ثمّ قال : اسق الجماعة ، فسقاهم(3)، ثمّ رأيته كأنّه قال : اسق المتّكئ على [هذا](4) الدكّان .
فقال الحسن عليه السلام : يا جدّ ، أتأمرني أن أسقي هذا وهو يلعن أبي في كلّ يوم ألف مرّة بين الأذان والإقامة ، وقد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرّة بين الأذان والإقامة ؟! فأتاني النبي صلى الله عليه وآله وقال : مالك عليك لعنة الله تعلن عليّاً ، وعليّ منّي ، [وتشتم عليّاً وعليّ منّي](5)؟ ورأيته كأنّه تفل في وجهي وضربني برجله ، وقال : قم غيّر الله ما بك من نعمة ، فانتبهت [من نومي](6) فإذا رأسي رأس خنزير ، ووجهي وجه خنزير .
ثم قال لي أبو جعفر المنصور : أهذان الحديثان في يدك ؟
(1 و4 و5 و6) من الأمالي .
(2) في الأمالي : أصبحت .
(3) في الأمالي : فشربوا .

السابق السابق الفهرس التالي التالي