تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1347

الزكاة وهم راكعون ، كما تقول : إنّما الفصاحة للعرب ، فحصرت الفصاحة فيهم ونفيتها عن غيرهم ، وكما تقول : إنّما أكلت رغيفاً ، وإنّما رأيت زيداً ، فنفيت أكل أكثر من رغيف ورؤية غير زيد .
ووجه آخر وهو انّ الولاية مختصّة بمن ذكرنا هو انّه سبحانه قال : «إنّما وليّكم الله» فخاطب جميع المؤمنين ، ودخل في الخطاب النبي وغيره ، ثم قال : «ورسوله» فأخرج النبي من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته ، ثم قال : «والذين آمنوا» فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي حصلت له الولاية ، ولا أدّى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه ، وإلى أن يكون كلّ واحد من المؤمنين وليّ نفسه ، وهذا باطل ، فثبت بذلك الولاية العامّة لله ولرسوله وللمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة هم راكعون ، ولي لأحد أن يقول : إنّ لفظ «الذين آمنوا» جمع ولا يجوز أن يتوجّه إلى أمير المؤمنين على الانفراد ، وذلك انّ أهل اللغة يعبّرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التعظيم والتفخيم ، وذلك أشهر في كلامهم من الاستدلال عليه ، وليس لهم أن يقولوا : إنّ المراد بقوله : «وهم راكعون» انّ هذه سمتهم(1) فلا يكون حالاً لإيتاء الزكاة وذلك لأنّ قوله : «يقيمون الصلاة» قد دخل فيه الركوع ، فإذا حملناه على أنّ من سمتهم(2) الركوع كان ذلك كالتكرار الغير مفيد ، وتأويل المفيد أولى من البعيد الذي لا يفيد ، فثبتت الولاية العامّة لأمير المؤمنين عليه السلام كما ثبتت لله ورسوله .(3)
كلمات ألقاها جناني إلى لساني ، وسجعات أملاها إيماني على بياني ،
(1) في المجمع : شيمتهم .
(2) في المجمع : صنعهم .
(3) راجع مجمع البيان : 2 / 211 ـ 212 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1348

ومناجاة توسّلت بها إلى ربّي ، وفقرات أسداها صادق عهدي إلى قلبي :
اللهم إنّك طهرت قلوبنا من كلّ ريب ، ونزّهت نفوسنا من كلّ عيب ، وجعلتها مأوى الإخلاص لولاية وليّك ، ومثوى الإمحاض(1) لوصيّ نبيّك ، لا نعتقدبعد نبيّك أقرب منه إليك ، ولا نعلم وليّاً نتوسّل به سواه لديك ، قرنت طاعته بطاعتك ، وأوجبت ولايته كولايتك ، ونوّهت بذكره في محكم تنزيلك ، وشددت به عضد نبيّك ورسولك ، وأرفغت على أعطاف إمامته خلع الرئاسة الكبرى ، وجعلته أفضل خلقك بعد رسولك في الدنيا والاُخرى ، لا يدخل الجنّة الا مستمسكاً بحبله ، ولا يذوق النار الا جاحداً لفضله ، حبّه فرض على كافّة بريّتك ، وبغضه كفر موجب لنكال عقوبتك .
يطرب ذكره قلبي ويكشف مدحه كربي ، وينشي وصفه نشوة السرور في سرائري ، وينتج ذكره نشاءة الحبور في ضمائري .
حبّه منوط بلحمي ودمي ، ولفظه شفاي من أوصابي وسقمي ، لا تقبل صلاتي الا بالصلاة عليه ، ولاتخلص طاعتي الا بتفويض اموري إليه ، لما جعلت حبّه عنوان الإيمان بك ، التفريط في جنبه تفريط في جنبك ، فهو وليّك في عبادك حين أخذت عليهم الميثاق ، وخليفتك في بلادك على الاطلاق ، ولسانك الناطق بالحق ، ويدك الباسطة على الخلق ، من أطاعه أدخلته جنّتك وإن عصاك ، ومن عصاه خلّدته نارك وإن أطاعك ، كنز علمك ، ومعدن حكمك ، ومشرق أنوارك ، ومظهر أسرارك .
«هل أتى»(2) في شأنه اُتيت ، «إنّما وليّكم»(3) في بيانه اُنزلت ، وآية
(1) كلّ شيء أخلصتَه فقد أمحَضتَه . «الصحاح : 3 / 1104 ـ محض ـ» .
(2) سورة الانسان : 1 وما بعدها .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1349

المباهلة(4) تشهد بمساواته لنبيّك ، والإخلاص بحبّه أجر بلاغ صفيّك ، ومائدة شرفه بحديث : «لحمك لحمي»(5) كملت ، وملّة الاسلام بنصبه علماً للاُمّة كملت ، وسمت نفسي بميسم العبوديّة لحضرته ، وقدّرت انّي أقلّ خدمه وإن كنت من حفدته .
إذا ذكرت صغائر ذنوبي وكبائرها ، وموبقات عيوبي وتكاثرها ، قرعت باب الرجاء بيد حبّه ، وتوسّلت إلى خالقي بإخلاصه وقربه ، فيناجيني بلسان نبيذه في سرائري ، ويخاطبني ببيان وليّه في ضمائري : «حبّ علي حسنة لا يضرّ معها سيّئة ، وبغضه سيّئة لا ينفع معها حسنة»(6)، فيحلو مكرّر حديثها في لهواتي ، ويجلو ترداد خطابها همومي في خلواتي .
لا أعتقد بعد توحيد ربّي وتنزيهه عمّا لا يليق بكماله والاقرار لنبيّي بعدم المماثل له في شرفه وجلاله أوجب طاعة ، ولا أفوض متابعة ، ولا أثبت إيماناً ، ولا أعلى تبياناً ، ولا أشدّ ركناً ، ولا أبين معنى ، ولا أوضح حجّة ، ولا أهيع
(3) سورة المائدة : 55 .
(4) «فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين» آل عمران : 61 .
(5) ورد هذا الحديث بألفاظ متفاوتة ، انظر : إحقاق الحقّ : 4 / 78 و149 و245 ـ 248 و482 و484 ـ 486 ، و ج 5 / 1 ـ 2 ، و ج 6 / 443 ـ 448 ، و ج 15 / 61 و664 و692 ، و ج 16 / 117 ، و ج 20 / 249 و290 و292 و295 و315 .
(6) أورده الديلمي في فردوس الأخبار : 2 / 142 ح 2725 عن معاذ ، عنه كشف الغمّة : 1 / 93 ، والبحار : 39 / 304 ح 118 .
وأخرجه في مناقب ابن شهراشوب : 3 / 197 عن أبي تراب في الحدائق ، والخوارزمي في الأربعين بإسنادهما عن أنس ، والديلمي في الفردوس ، وجماعة ، عن ابن عمر ، عنه البحار : 39 / 256 ح 31 .
وفي البحار : 39 / 248 ح 10 عن كشف الغمّة .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1350

محجّة ، ولا أشمخ فخراً ، ولا أرفع ذكراً ، من الاذعان بالطاعة لنهيه وأمره ، ولا يعاد بالمتابعة لسرّه وجهره .
فيا من يحسده على ما آتاه الله من فضله ، ويدّعي رتبته ، وهو لا يعادل عند الله شسع نعله ، لقد طرت مستكبراً ، وتعاظمت صغيراً ، وأوثقت نفسك ، وأنكرت جنسك ، وجهلت قدرك ، وشبت درّك ، وبادرت خالقك بمعصيتك ، ولم يحسن يوماً تؤخذ فثيه بناصيتك ، أتريد أن تستر الشمس بكفّك ، أو تنقص البحر بغرفك ، وتجار الجواد بأناتك ، أو تنال السماء ببنانك ؟
ويك ارفق بنفسك ، ولاتفخر بغرسك ، لهذا الذي شرّفت بذكره مقالي ، ووجّهت إلى كعبة جوده آمالي ، ورجوته معادي في حشري ، ونوري في قبري ، وكنزي لفقري ، ووجهتي في عسري ويسري ، هو البحر الذي لا ينزف ، والعارف الذي لا يعرف ، والشمس التي لا تخفى ، والنور الذي لا يطفأ ، المنزّه بكماله عن الأنداد ، الجامع في خصاله بين الأضداد ، يحيي بجوده الآمال ، ويميت بفتكه الأبطال ، وتصل بكفّه الاقصار ، وتقطع بسيفه الآجال .
إن ذكر ليل فهو راهب دجاه ، أو ذكر حرب فهو قطب رحاه ، أسد الله المحراب ، حليف المسجد والمحراب ، يجزّ بصارمه الأعناق ، ويدرّ بنائله الأرزاق ، نقمة الله على أعدائه ، ورحمته لأوليائه ، الشامخ بأنفه في الحرب ، والمتواضع من عظمته للربّ ، الناسك في خطوته ، والفاتك بسطوته ، قتّال الأبطال إذا الاحروب وقعت ، وبدل الأبدال إذا الجنوب اضطجعت ، امتحن الله به خلقه ، وأبان بالأدلّة الواضحة صدقه ، وأكرمه بالشهادة التي فضّله بها على من سواه ، وأحبّ سبحانه لقاءه ، كما أحبّ صلوات الله عليه لقاءه ، لما تفرّد عن النظير من أبناء جنسه ، وتعالى عن التمثيل في طهارته وقدسه .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1351

تعصّبت عصب الضلالة لقتاله ، وتحزّبت أحزاب الجهالة لاغتياله ، وضربت إلى حربه بطون رواحلها ، وأجلبت على هظمه بأبطال كفرها وباطلها .
فتبّاً لها من امّةٍ الغدر شعارها ، والمكر دثارها ، والنفاق قرينها ، والشقاق حديثها ، خسرت صفقتها ، وكسدت تجارتها ، فما أضمى فيها ، وظمي ربّها ، وأضلّ سعيها ، وأشقى ميّتها وحيّها ، تاهت في بيداء حيرتها ، وغرقت في متلاطم شقوتها ، وزيّن الشيطان لها سوء فعلها ، ودلّاها بغروره فأوقعها في ورطة جهلها .
أفهذا كان جزاء نعمة ربّها عليها ، ومننه إليها ؟ إذ أقام لها وليّاً من أوليائه يثقف(1) أودها ، ويقوّم عوجها ، ويوضح بها الدليل ، ويهديها سواء السبيل ، أن تشنّ عليها غاراتها ، وتطلبه بنزّاتها(2)، وتقصده في نفسه وعترته ، وتغمّده في حفدته وشيعته ، وتنصب له الغوائل ، وتضمي منه المقاتل ، وأن تتقدّمه أو غادها سامريّها وعجلها ، وأن تجلب مرافقها عليه بخيلها ورجلها ، وأن تجمع فسّاقها على حربه في صفّينها وجملها ، وأن تنكر فجّارها ما بيّن الرسول من قربه بتفضيلها وجملها .
وهكذا لم يزل الدنيّ حسد العليّ ، والطفيف يحسد الشريف ، والباخل يحسد الباذل ، واللئيم يحسد الكريم ، والأوغاد تتقدّم الامجاد ، والناس أميل في أشكالهم ، وأشبه بأمثالهم ، أتباع كلّ ناعق ، وأشياع كلّ زاهد ، العلم أكسد بضاعة تجبى إليهم ، والكتاب أنكد كلمة تتلى عليهم ، يبدّلونه بأهوائهم ،
(1) الأوَدُ : العوج ، والثقاف : هو تقويم المعوج . «لسان العرب : 3 / 75 ـ أود ـ» .
(2) قتلته النزّة : أي الشهوة . «لسان العرب : 5 / 417 ـ نزز ـ» .
والتَنزّي : اللتوثّب والتسرّع ... والانتِزاءُ والتنزّي أيضاً : تسرّع الإنسان إلى الشر . «لسان العرب : 15 / 320 ـ نزا ـ» .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1352

ويلحدون في آياته ، ويكذّبون بيّناته ، ويتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة(1)، ويقصدون من سفه أحلامهم لتبديلهم بكلّ حجّة ، ولما روى صلوات الله عليه شدّة شكيمتهم ، وخبث عقيدتهم ، يحرّفون الكلم عن مواضعه ، ويعدلون بالحقّ عن مواقعه ، لا يجيبون صوته ، ولا يرهبون سوطه ، ولا يستجيبون لدعائه ، ولا يجعلون بندائه ، فبرم من صحبتهم ، وتظلّم من معصيتهم ، وشكاهم إلى الله في خطبه ونثره ، واستعدى عليهم الله في سرّه وجهره .
كقوله صلوات الله عليه :
اللهم إنّي قد مللتهم وملّوني ، وسمئتهم وسئموني ، فأبدلني بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بي شرّاً منّي .
اللهم مِث قلوبهم(2) كما يُماث الملح في الماء .(3)
وكقوله صلوات الله عليه ـ من جملة كلامه ـ :
أيها القوم الشاهد أبدانهم(4)، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، المبتلى بهم اُمراؤهم ، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه ، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه ، لوددت ـ والله ـ أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ منّي عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم !
يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاثٍ واثنتين : صمّ ذوو أسماع ، وبكم ذوو كلام ، وعمي ذوو أبصارٍ ، لا أحرار صدقٍ عند اللقاء ، ولا إخوان ثقةٍ
(1) إشارة إلى الآية : 7 من سورة آل عمران .
(2) أي أذبها .
(3) نهج البلاغة : 67 خطبة رقم 25 . وانظر البحار : 34 / 19 .
(4) كذا في النهج ، وفي الأصل : أيها المشاهد أبدانهم .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1353

عند البلاء ! تربت أيديكم ! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها ! كلّما جمعت من جانبٍ تفرّقت من آخر ، والله لكأنّي [بكم](1) فيما إخالكم : [أن](2) لو حمس الوغى ، وحمي الضراب ، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها . وإنّي لعلى بيّنةً من ربّي ، ومنهاجٍ من نبيّي ، وإنّي لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً .(3)
ومن كلام له صلوات الله عليه يخاطب به أصحابه :
يا اشباه الرجال ولا رجال ! حلوم الأطفال ، وعقول الحِجال(4)، وددت أنّي لم أركم ولم أعرفكم معرفةً ـ والله ـ جرّت ندماً ، وأعقيت سدماً(5)، قاتلكم الله ! لقد ملأتم قلبي قَيحاً ، وشحنتم صدري غيظاً ، وجرّعتموني نُغب التِهمام أنفاساً ، وأفسدتم(6) عليَّ رأيي بالعصيان والخذلان ؛ حتى [لقد](7) قالت قريش : إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب .
لله أبوهم ! وهل أحد منهم أشدّ لها مِراساً(8)، وأقدم فيها مَقاماً منّي ؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها أنذا قدر ذرّفت على الستّين(9)! ولكن لا
(1 و2) من النهج : وإخال : أظنّ . وحمس : اشتدّ . والوغى : الحرب .
(3) نهج البلاغة : 142 خطبة رقم 97 .
(4) ربّات الحِجال : النساء .
(5) كذا في النهج ، وفي الأصل : ذمّاً .
والسدم : الهم مع أسف أو غيظ .
(6) كذا في النهج ، وفي الأصل : وجرّعتموني قعب البهتان ، وأفسدتم .
ونُغب : أي جُرَع . والتِهمام : الهمّ . والمراد أنّ أنفاسه أمست همّاً يتجرّعه جرعة بعد جرعة .
(7) من النهج .
(8) أي عالجه وزاوله وعاناه .
(9) أي زدت على الستين . وفي رواية المبرّد . نيّفت ، وهو بمعناه .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1354

رأي لمن لا يُطاع !(1)
ومن كلام له في ذمّ أهل العراق :
أمّا بعد [ـ يا أهل العراق ـ](2)، فإنّما أنتم كالمرأة الحامل ، حملت فلمّا أتمّت أمصلت(3)، ومات قيّمها ، وطال تأيّمها(4)، وورثها أبعدها . أما والله ما أتيتكم اختياراً ، ولكن جئت إليكم سَوقاً . ولقد بلغني أنّكم تقولون : [عليّ](5) يكذب ، قاتلكم الله تعالى ! فعلى من أكذب ؟ أعلى الله ؟ فأنا أوّل من آمن به ! أم على نبيّه ؟ فأنا أوّل من صدّقه ! كلّا ـ والله ـ ولكنّها لهجة غبتم عنها ، ولم تكونوا من اهلها .(6)
وغير ذلك من مقاماته المشهورة ، ومكاناته المرموزة ، فبعداً لها من اُمّة شرت الضلالة بالهدى ، والعذاب المغفرة ، فما أصبرها على النار ، وأولاها بغضب الجبّار ؟! ثم لم يجترئ أعلامها بغصب حقّه وتكذيب صدقه ، حتى أعلنوا بسبّه على منابرهم ، وتشادقوا بثلبه في منائرهم ، وأبى الله الا أن يتمّ نوره ، ويجري في خلقه اُموره .
وأخفى الأعداء فضله حنقاً ، وكتم مدحه الأولياء فرقاً ، وظهر من بينهما ما طبق الآفاق ، وملأ الأوراق ، واستمرّت به الأزمان ، وسادت به الركبان ، وثبت على الحق من ثبّته الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة(7)،
(1) نهج البلاغة : 70 خطبة رقم 27 .
(2 و5) من النهج .
(3) أملصت : أسقطت ، وألقت ولدها ميّتاً .
(4) قيّمها : زوجها . وتأيّمها : خلوّها من الأزواج .
(6) نهج البلاغة : 100 خطبة رقم 71 .
(7) إشارة إلى الآية : 27 من سورة إبراهيم .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1355

واستقام على الصدق من طاب خيمه(1) وصفا معينه ، وكانت ينابيع اُصوله ظاهرة ، لا تحرّكه الرياح العواصف ، كما قال صلوات الله عليه : لو ضربت خيشوم(2) المؤمن بسيفي على أن يبغضني لما بغضني ، ولو صببت الدنيا بحذافيرها على المنافق أن يحبّني لما أحبّني ، وذلك عهدعهده إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله(3): لا يحبّك الا مؤمن ، ولا يبغضك الا منافق .(4)
روى الحاتمي بإسناده إلى ابن عبّاس ، قال : دخل أسود على أمير المؤمنين عليه السلام وأقرّ أنّه سرق ، فسأله عليه السلام ثلاث مرّات ، فقال : يا أمير المؤمنين ، طهّرني فإنّي سرقت ، فأمر عليه السلام بقطع يده ، فأخذ يمينه بشماله ومضى ، فاستقبله بن الكوّاء فقال : من قطع يدك ؟
فقال : ليث الحجاز ، وكبش العراق ، ومصادم الأبطال ، المنتقم من الجهّال ، كريم الأصل ، شريف الفضل ، محلّ الحرمين ، وارث المشعرين ، أبو السبطين ، أوّل السابقين ، وآخر الوصيّين من آل يس ، المؤيّد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل ، حبل الله المتين ، المحفوظ بجنود السماء أجمعين ، ذلك والله أمير المؤمنين على رغم الراغمين ـ في كلام له ـ .
فقال ابن الكوّاء : قلع يدك وتثني عليه !
قال : لو قطّعني إرباً إرباً لمل ازددت له الا حبّاً ، فدخل ابن الكوّاء على
(1) الخِيم : الشيمة والطبيعة والخُلُق والسجيّة ... والخِيم : الأصل . «لسان العرب : 12 / 194 ـ خيم ـ» .
(2) الخيشوم : أصل الأنف .
(3) كذا ، وفي النهج : وذلك أنّه قُضي فانقضى على لسان النبي الاُمّي صلى الله عليه وآله وسلّم ؛ أنّه قال : يا علي ، لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبّك منافق .
(4) نهج البلاغة : 477 حكمة رقم 45 ، عنه البحار ك 39 / 296 ح 97 .
وانظر شرح نهج البلاغة لابن أب الحديد : 4 / 83 ، عنه البحار : 39 / 295 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1356

أمير المؤمنين وأخبره بقصّة الأسود .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا ابن الكوّاء ، إنّ محبّينا لو قطّعناهم إرباً إرباً لما ازدادوا لنا الا حبّاً ، وإنّ في أعدائنا من لو ألعقناهم السمن والعسل ما ازدادوا لنا الا بغضاً .
وقال أمير المؤمنين للحسن عليه السلام : عليك بعمّك الأسود .
فأحضر الحسن عليه السلام الأسود بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام ، فأخذ يده فنصبها في موضعها ، وغطّاها بردائه ، وتكلّم بكلمات أخفاها ، فاستقرّت يده كما كانت ، فصار يقاتل بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن استشهد بالنهروان ، ويقال : كان اسم الأسود أفلح .(1)
وأمّا من كان من أعدائه بسبّه موسوم ، وببغضه موسوم ، وأصله دنيّ ، وخيمه خني ، قد اكتنفه فجور الآباء وعهر الاُمّهات ، وأحاطت به رذالة الأقرباء والاُمور المظلمات ، فأعلن بسبّه وبغضه ، ولم يحسن الله يوم حشره وعرضه ، وزيّن له الشيطان سوء عمله ، وقبيح زلله ، فاتّخذ بغضه وسيلة إلى أئمّة الضلال ، وتقرّباً إلى الآثمة الضلّال ، فأحلّ الله بهم أليم عقابه ووخيم عذابه ، في دار الفناء
(1) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 335 ، عنه البحار : 41 / 210 ح 24 .
وأورد نحوه شاذان في الفضائل : 172 ـ 173 ، والروضة في الفضائل : 42 (مخطوط) ، عنهما البحار : 40 / 281 ـ 283 ح 44 .
وفي الخرائج والجرائح : 2 / 561 ح 19 (مختصراً) ، عنه البحار : 41 / 202 ح 15 ، وج 79 / 188 ح 24 ، ومستدرك الوسال : 18 / 151 ح 11 .
وأخرجه في إثبات الهداة : 2 / 518 ح 454 (مختصراً) عن الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب .
وفي مدينة المعاجز : 2 / 68 ح 403 عن البرسي ـ ولم نجده في مشارق أنوار اليقين ـ الا أنّ ما فيه يوافق ما في الفضائل والروضة . وفي ص 71 ح 404 عن السيد الرضي في المناقب الفاخرة .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1357

قبل يومك الجزاء ، ولعنهم كما لعن أصحاب السبت إذا اعتدون سبتهم ، وأنزل بهم نكاله لما صرفوا عن آيات الله بزورهم وبهتهم ، وجعلهم عبرة في بلاده ، وتذكرة لعباده ، وغيّر سبحانه صورهم ، وقطع بدعائه دابرهم ، فقد خرجوا عن حدّ الإحصاء ، وفاتوا العدّ والاستقصاء ، وبلغت أخبارهم من التواتر حدّاً شافياً ، وقدراً كافياً .
كما روي عن الأعمش ، [عن رواته ،](1) عن حكيم بن جبير ؛ وعن عقبة الهجري ، عن عمّته ؛ وعن أبي يحيى ، قال : شهدت عليّاً عليه السلام على منبر الكوفة يقول : أنا عبد الله ، وأخو رسول الله ، ورثت نبيّ الرحمة ، ونكحت سيّدة نساء الاُمّة(2)، وأنا سيّد الوصيّين ، وآخر أوصياء النبيّين ، لا يدّعي ذلك غيري الا أصابه الله بسوء .
فقال رجل من عبس : من الذي لا يحسن أن يقول : أنا عبد الله ، وأخو رسول الله ؟ فلم يبرح مكانه حتى تخبّطه الشيطان ، فجرّ برجله إلى باب المسجد .(3)
العيّاشي(4): بإسناده إلى الصادق عليه السلام في خبر قال النبي صلى الله عليه وآله : يا عليّ ، إنّي سألت الله سبحانه أن يوالي بيني وبينك ففعل ، وسألته أن
(1) من المناقب .
(2) في المناقب : أهل الجنّة .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 341 ـ 342 ، عنه مدينة المعاجز : 2 / 284 ح 553 .
وأورده في كشف الغمّة : 1 / 284 مرسلاً .
وأخرجه في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2 / 287 عن الغارات .
وفي البحار : 41 / 205 ح 22 عن إرشاد المفيد : 1 / 352 ـ 353 ، والمناقب ، والخرائج والجرائح : 1 / 209 ح 51 .
(4) تفسير العيّاشي : 2 / 141 ح 11 ، عنه البحار : 36 / 100 ح 44 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1358

يؤاخي بينهم وبينك ففعل ، وسألته أن يجعلك وصيّي ففعل .
فقال رجل : والله لصاعٍ من تمر في شنّ(1) بالٍ خير ممّا سأل محمد ربّه ، هلّا سأل ملكاً يعضده على عدوّه ، أو كنزاً يستغني به على فاقته ؟ فأنزل سبحانه «فلعلّك تارك بعض ما يوحى إليك»(2) الآية . وفي رواية : انّه أصاب قائله علّة .(3)
أبو بصير ، عن الصادق عليه السلام ، قال : لمّا قال النبي صلى الله عليه وآله : يا علي ، لولا أنّي أخاف أن يقال فيك كما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالة لا تمرّ بملأٍ من المسلمين الا أخذوا التراب من تحت قدميك(4)، قال الحارث بن عمرو الفهري لقوم من أصحابه : ما وجدمحمد لابن عمّه مثلاً الا عيسى بن مريم يوشك أن يجعله نبيّاً من بعده والله إنّ آلهتنا التي كنّا نعبد خير منه ، فأنزل الله تعالى : «ولمّا ضُرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدّون ـ قوله : ـ وإنّه لعلم للساعة فلا تمترنّ بها واتّبعون هذا صراط مستقيم»(5).
وفي ريواة أنّه نزل ايضاً «إن هو الا عبد أنعمنا عليه»(6)، فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا حارث ، اتّق الله وارجع عمّا قلت من العدواة لعليّ .
فقال : إذا كنت رسول الله ، وعليّ وصيّك من بعدك ، وفاطمة بنتك سيّدة
(1) الشنّ : القرية الخلفة «خ» .
(2) سورة هود : 12 . وفي الأصل والمناقب : «فلعلّك باخع نفسك»، وهي الآية : 6 من سورة الكهف ، وما أثبتناه وفقاً لما في العيّاشي .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 342 ، عنه البحار : 40 / 72 ذ ح 19 وعن أمالي المفيد : 279 ح 5 ، وأمالي الطوسي : 1 / 105 .
(4) كذا في المناقب ، وزاد في الأصل : الخبر . ممّا يوهم بتقطيع الخبر .
(5) سورة الزخرف : 57 ـ 61 .
(6) سورة الزخرف : 59 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي