تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1336

من ضربةنجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز

فلمّا دنا أمير المؤمنين عليه السلام منه قال عمرو : من أنت ؟
قال : أنا علي .
قال : ابن عبد مناف .
قال : أنا علي بن أبي طالب .
قال : غيرك يا ابن أخي من أعمامك [مَن هو](1) أسنّ وأكبر منك فإنّي أكره أن اُهريق دمك .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لكنّي والله ما أكره [أن](2) اُهريق دمك ، فغضب ونزل عن فرسه وسلّ سيفه كأنّه شعة نار ، ثمّ أقبل نحو عليّ مغضباً فاستقبله أمير المؤمنين بدرقته ، وضربه عمرو في الدرقة فقدّها وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأس أمير المؤمنين فشجّه ، وضربه أمير المؤمنين على حبل عاتقه فسقط .
وفي رواية حذيفة : فسيّف عليّ رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه ، وثارت بينهما عجاجة ، فسمع عليّ يكبّر .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قتله والذي نفسي بيده ، فكان أوّل من ابتدر العجاج عمر بن الخطّاب فإذا عليّ يمسح سيفه بدرع عمرو ، فكبّر عمر بن الخطّاب ، وقال : يا رسول الله قتله ، فحزّ أمير المؤمنين رأسه وأقبل به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ووجهه يتهلّل .
فقال له عمر : هلا سلبته درعه فإنّه ليس في العرب درع خير منها ؟
(1 و2) من المجمع .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1337

فقال : ضربته فاتّقاني بسوءته فاستحييت أن أسلب ابن عمّي .
وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني(1) أنّ عبد الله بن مسعود كان يقرأ : «وكفى الله المؤمنين القتال ـ بعلي ـ»(2).
وخرج أصاحبه منهزمين حتى طفرت خيولهم الخندق ، [وتبادر المسلمون](3) فوجدوا نوفل بن عبد العزى قد سقط ، فجعل المسلمون يرمونه بالحجارة ، فقال : موتة(4) أجمل من هذه ، ينزل إليّ بعضكم اُقاتله .
قال ابن إسحاق : فنزل إليه علي عليه السلام فطعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه ، فمات في الخندق .
قال : وأرسل المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف درهم ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : هو لكم لا نأكل ثمن الموتى .
وذكر أمير المؤمنين صلوات الله عليه أبياتاً ، [منها](5):
نَصَرَ الحجارةَ من سفاهة رأيه ونصرتُ ربّ محمدٍ بـصواب
فضربته وتـركتـه متـجدّلاً كالجذع بيـن دكـادك وروابي(6)
وعففت عن أثوابه ولـو أنّني كنت المـقطّر بـزّنـي أثوابي(7)
(1) شواهد التنزيل : 2 / 7 ـ 9 ح 629 ـ 632 .
(2) سورة الأحزاب : 25 .
(3 و5) من المجمع .
(4) في المجمع : قتلة .
(6) الدكادك : جمع دكداك : الرمل الليّن . والروابي : جمع الرابية : ما ارتفع وعلا وأشرف من الأرض .
(7) أي قتلته ولم اُفكّر في سلبه ، ولو كان هو الذي قتلني لأخذ أثوابي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1338

وروى عمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري ، قال : إنّ عليّاً لمّا قتل عمرو حمل رأسه وألقاه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقام أبو بكر وعمر فقبّلا رأس علي عليه السلام .
وروي عن أبي بكر بن عيّاش أنّه قال : ضَرب عليّ ضربة ما كان في الاسلام أعزّ منها ـ يعني ضربة عمرو ـ وضُرب عليّ ضربة ما كان في الاسلام أشأم منها ـ يعني ضربة ابن ملجم عليه لعنة الله ـ .(1)
قلت في المعنى :
يا منكراً فـضل الوصـيّ وحقّـه حـسداً وغـدرا
وعليـه أعـلن بـالتقـدّم بعد خيـر الخـلق طـرّا
هلا جسـرت بيوم سلـع في الوغا وأجـبت عمرا
إذ ضلّ يخـطر شبه ليث الغاب يــزأر مكفهـرّا
في كفّه ماضـي الـغرار بحدّه الأعنـاق تــبرا
أسـدي جري بـأســه قد فاق في الآفـاق ذكرا
لا ينـثني عـن قـرنـه إذ لا يرى الاحجام غدرا
نادى فصرت تحيد عـنه مخـافة وتـروم سـترا
شبه الكمـاع إذا جـرت من ربّها ترجـو مفـرّا
هلا أجـبت كمـا أجـاب مجدّل الأبـطال قـسرا
أعني الوصيّ أخا الـنبي أجلّ خـلق الـله قـدرا
من أطلع الرحـمن فـي بدر بـه للحـقّ بـدرا
وكـذاك فـي الأحـزاب شدّ به لخير الخلق أزرا
(1) مجمع البيان : 4 /342 ـ 344 ، عنه البحار 20 / 202 ـ 206 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1339

نـادى ألا هـل من مبارز منـكم ويـحـوز فـخرا
فأجـابه هـا قــد أتـاك مجـيب صـوتك لن يفرّا
في مـعـرك كــلا ولا اولى المبـارز منه ظـهرا
مـن كان دون الـخلـق للهادي النبـي أخا وصهرا
كـم أسبـغت حملاته في الحرب جـامعـةٍ ويسـرا
فتـخـالـسا نـفسيـهما وترامقا بالظـرف شـزرا
هذا لـديـن الحـقّ قـام مؤيـّداً عـزّاً ونـصـرا
وقرينه فـي الـحـرب أضحى ناصرا عزّاً ونسرا
فعـلاه مـنه بـصـارم كم هـدّ ركـناً مـشمخرا
فهوى كجذع فـي الثرى نحرته أيد الدهـر نحـرا
وأفاض من فيض الدماء حللٍ عليـه صبغن حمرا
وأبـان مـنه الـرأس ثمّ أتى به المخـتار جهرا
أعني بـه مولى الورى وغمامهـم بـرّاً وبـحرا
من بالزعامة والصرامة والامـامـة كـان أحـرا
ليث الحـروب مـجدّل أبطالهـا فتكـاً وصـبرا
رفع الـفخـار لمجـده في هاشم نـسبـاً أغـرّا
ما خـاب متـّخذ ولايته ليوم الحشــر ذخــرا
كـلا ولا تـربت يـداه ولا غدا مسـعاه خـسرا
مـن فيه سورة هل أتى أبداً مـدى الأيّـام تـقرا
ردّت عليه الشمس حتى عاد وقت الفرض عصرا
فقضى فريضته وعادت كالشهـاب إذا اسـتمرّا
هذا الذي قبّـلت مـنه الرأس تلـبيـساً ومكراً
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1340

وفديـتـه بـالـروح لكـن في حشاك حشوت غدرا
حتى إذا خـلـت الـديـار من النـبي وعـدن قفرا
أبديت مـا أخـفـيت مـن فرط النفاق وجرت كفرا
عن مذهب الحـق السـويّ فجئت يا مغرور نكـرا

وأمّا قتلاه عليه السلام يوم حنين فقتل أربعين رجلاً وفارسهم(1) أبو جَروَل(2)، وإنّه صلوات الله عليه قدّه بنصفين بسيفه بضربه واحدة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن إلى القربوس .
ووقوفه صلوات الله عليه يوم حنين وسط أربعة وعشرين ألف ضارب سيف إلى أن ظهر المدد من السماء(3)، من أعظم الآيات على صحّة إمامته ، وانّ هذه كرامة أكرمه الله بها ، وقوّة اختصّه الله بفضلها ، وكذلك جميع خواصّه التي اصطفاه الله بهاإذا استقرأها من له قلب سليم ولبّ مستقيم قضى منها عجباً ، واستدلّ بها أنّ الله سبحانه ما أيّده بهذه الفضائل التي تخرج عن طوق البشر الا لكونه أفضل خلقه ، وأقربهم منزلة من جلال كبريائه ، وأحقّ الخلق بالرئاسة العامّة في أمر الدين والدنيا ، لكونه أكمل الخلق في علمه وحلمه زهده ،
(1) كذا في المناقب ، وفي الأصل : وأمّا قتلاه عليه السلام يوم اُحد فقتل أربعين رجلاً ـ وقد ذكرت أسماءهم من قبل ـ وفارسهم .
(2) كان أبو جرول يرتجز ويقول :
أنا أبو جَروَلَ لا بَراحُ حتى نُبيحَ القوم أو نُباح
فصمد له أمير المؤمنين عليه السلام فضرب عجز بعيره فَصَرَعه ، ثم ضربه فَقَطّره ، ثمّ قال :
قد عَلِم القومُ لدى الصَباح أنّي في الهيجاء ذو نِصاح
فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جَروَل لعنه الله . انظر «إرشاد المفيد : 1 / 143» .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 83 ، عنه البحار : 41 / 66 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1341

وتوجّهه إلى معبوده ، وإخلاصه بطاعة ربّه في سرّه وعلانيته ، وجهاده في سبيل خالقه ، وشدّة بأسه ، ومحاماته عن صاحب الدعوة وبذله نفسه وقاية له من أعدائه ، فيظهر له بذلك أعظم دليل على وجوب اتّباعه ، وهذه مقدّمة إجماعيّة لا يختلف فيها مسلم ، بل جيمع الاُمّة مجمعة على صحّة ذلك ، المؤالف والمخالف ، الا ما شذّ من أهل الزيغ والتعصّب بالباطل ، الذين لا يعبأ بشذوذهم ، لكونهم قد خرجوا عن ربقة المؤمنين والصغرى ضروريّة ، فثبت انّه صلوات الله عليه واجب الطاعة على الأحمر والأبيض .
روي أنّ عمرواً بن العاص قال : والله ما أحد يعيّر بفراره من عليّ بن أبي طالب .
ولمّا نعي بقتل أمير المؤمنين عليه السلام بالعراق دخل عمرو بن العاص على معاوية مبشّراً فقال : إنّ الأسد المفترش ذراعيه بالعراق لاقى شعوبه .(1)
صاحب الفائق(2) قال : كانت ضربات عليّ أبكاراً . إذا اعتلى قدّ ، وإذا اعترض قطّ ، وإذا أتى حصناً هدّ .
وقالوا أيضاً : كانت ضربات علي أبكاراً لاعوناً : يقال : ضربه بكر أي [قاطعة](3) لا يحتاج أن يثنّى ، والعوان التي يحتاج أن تثنّى . زعمت الفرس أنّ اُصول الضرب سبعة(4)، وكلّها مأخوذة عنه صلوات الله عليه ، [وهي :](5) علويّة
(1) مانقب ابن شهراشوب : 2 / 85 ـ 86 ، عنه البحار : 41 / 69 .
(2) الفائق في غريب الحديث للزمخشري : 1 / 125 .
(3 و5) من المناقب .
(4) في المنانقب : ستّة .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1342

وسفيّة وغاله(1) وماله وحاله وجر وهام(2).
ولولا خوف الإطالة لأوردنا نبذة يسيرة بالنسبة إلى كثرة قتلاه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده ؛ كمرحب في خيبر ، وذي الخمار والعنكبوت ، ما لا يحصى كثرة في غزاة السلاسل ، وقتاله بعد الرسول الناكثين والقاسطين والمارقين في وقعة الجمل حتى بلغ إلى قطع يد الجمل ثمّ قطع رجليه حتى سقط ، وله ليلة الهرير خمسمائة وستّ وثلاثين تكبيرة ـ وفي رواية : سبعمائة(3)ـ .
وقال صلوات الله عليه : لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها .
وكانت قريش إذا رأته في الحرب تواصت خوفاً منه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يخوّف المشركين به .(4)
وأمّا كرمه فلا مزيد عليه حتى انّه آثر بقوته وقوت عياله حتى أنزل الله فيه وفي زوجته وابنيه سورة تتلى إلى يوم القيامة .
وروى المخالف أنّ عليّاً عليه السلام كان يحارب رجلاً من المشركين ، فقال المشرك : يا ابن أبي طالب ، هبني سيفن ، فرماه إليه .
فقال المشرك : عجباً يا ابن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إليّ سيفك !
(1) في المناقب : وغلبة .
(2) في المناقب : وجرهام .
(3) في المناقب : وله ليلة الهرير ثلاثمائة تكبيرة ، أسقط بكلّ تكبيرة عدوّاً ، وفي رواية : خمسمائة وثلاثة وعشرون ، رواه الأعثم ، وفي رواية : سبعمائة ، ولم يكن لدرعه ظهر ، ولا لمركوبه كرّ وفرّ .
(4) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 83 ـ 84 ، عنه البحار : 41 / 67 ـ 68 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1343

فقال : يا هذا ، إنّك مددت إليّ يد المسالة ، وليس من الكرم أن يردّ السائل ، فرمى الكافر بنفسه إلى الأرض وأسلم ، وقال : هذه شيمة(1) أهل الدين ، وقبّل قدم أمير المؤمنين .
وقال جبرائيل في حقّه : لا سيف الا ذو الفقار ، ولا فتى الا علي .(2)
وحسبه صلوات الله عليه فضيلة صدقته بخاتمه في ركوعه حتى أنزل الله فيه «إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون»(3) وأجمع الموالف والمخالف انّها نزلت في علي عليه السلام لمّا تصدّق بخاتمه في ركوعه ، رواه أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن(4) على ما حكاه المغربي عنه والطبري والرمّاني ، وهو قول مجاهد والسدّي . وأمّا علماء أهل البيت لا يختلفون في ذلك كأبي جعفر الباقر وابنه أبي عبد الله عليهما السلام . ورواه أبو صالح ، عن ابن عبّاس .
وأورد الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي رضي الله عنه في تفسيره بإسناد متّصل ، قال : بينا ابن عبّاس رضي الله عنه جالس على شفير زمزم يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أقبل رجل معتمّ(5) بعمامة ، فجعل ابن عبّاس لا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله الا قال الرجل : قال رسول الله صلى الله عليه وآله .
(1) في المناقب : سيرة .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 87 نقلاً عن أبي السعادت في فضائل العشرة ، عنه البحار : 41 / 69 .
(3) سورة المائدة : 55 .
(4) أحكام القرآن : 2 / 446 .
(5) في المجمع : متعمّم .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1344

فقال ابن عبّاس : سألتك بالله ـ يا أيّها الرجل ـ من أنت ؟
فكشف العمامة عن وجهه وقال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا اُعرّفه بنفسي ، أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرّ الغفاري سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله بهاتين والا فصمّتا ، ورأيته بهاتين والا فعميتا ، يقول : عليّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، أما إنّي صلّيت العصر مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد شيئاً ، فرفع السائل يده إلى السماء ، فقال : اللهم اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يعطني أحد شيئاً ، وكان عليّ راكعاً فأوما بخنصره اليمنى إليه ـ وكان يتختّم فيها ـ فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك حين صلاة النبي صلى الله عليه وآله(1)، فلمّا فرغ النبي من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إنّ أخي موسى سألك وقال : «ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري»(2) فأنزلت عليه قرآناً ناطقا : «سنشدّ عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما»(3).
اللهم وأنا محمد نبيّك وصفيّك فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً اشدد به أزري .
قال أبو ذرّ : فوالله ما استتمّ رسول الله كلامه حتى نزل عليه جبرائيل من عند الله ، فقال : يا محمد ، اقرأ .
(1) في المجمع ، وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وآله .
(2) سورة طه : 25 ـ 32 .
(3) سورة القصص : 35 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1345

قال : وما أقرأ ؟
قال : اقرأ «إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون»(1) .
وروى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسره بهذا الاسناد بعينه ، وروى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن ، على ما حكاه المغربي عنه والطبري والرمّاني ، وهو قول مجاهد والسدّي ، وهو المرويّ عن جميع أهل البيت عليهم السلام .(2)
وفي رواية اُخرى أنّ النبي صلى الله عليه وآله دخل المسجد والناس بين راكع وساجد فبصر بسائل ، فقال : هل أعطاك أحد شيئاً ؟
فقال : نعم ، خاتم من فضّة .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : من أعطاكه ؟
قال : ذلك القائم ـ وأومأ بيده إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه ـ .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : علي أيّ حال أعطاكه ؟
قال : أعطاني وهو راكع .
فكبّر النبي صلى الله عليه وآله ، ثمّ قرأ «ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون»(3).
فأنشأ حسّان بن ثابت(4):
(1) سورة المائدة : 55 .
(2) مجمع البيان : 2 / 210 ، عنه البحار : 35 / 195 .
(3) سورة المائدة : 56 .
(4) في المناقب : خزيمة بن ثابت .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1346

أبا حسن تفديك روحي(1) ومهجتي وكلّ بطيء في الهدى ومـسارع
أيذهب مدحيك المحبـر ضائـعاً وما المدح في جنب الإله ببضائع
فأنت الذي أعطيتَ إذ كنتَ راكعاً زكاة فدتك النفـس يا خَيـر راكع
فأنـزل في اللـه خـير ولايـة وبيّنهـا في محكـمات الشـرائع(2)

فمن أوّل هذه الآية بالتأويلات الواهبة ، ولآراء الساهية ، فقد عدل عن الظاهر ، وارتكب الطريق الجائر ، وأعمت العصبيّة قلبه فما له من قوّة ولا ناصر ، وأصمّت الضلالة سمعه فصار من أهل المثل السائر ، حبك الشيء يعمي ويصمّ ، والا فالظاهر الذي لا يعدل عنه في هذه الآية أنّ الله سبحانه بيّن في هذه الآية من له التصرّف في الخلق والولاية عليهم فقال : «إنّما وليّكم الله ورسوله» [أي](3) الذي يتولّى مصالحكم وتدبيركم هو الله الذي لا إله الا هو ، ثمّ من بعده رسول الله صلى الله عليه وآله ، يفعل فيكم ما يفعل بأمر الله «والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون»(4) أي في حال ركوعهم .
وفي هذه الآية أعظم دلالة على صحّة إمامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعد رسول الله بلا فصل ، والدلالة فيه انّ لفظة إنّما تفيد الحصر ، فصارت الولاية منحصرة في الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة يؤتون
(1) في المجمع : نفسي .
(2) مجمع البيان : 2 / 210 ـ 211 .
وانظر : مناقب ابن شهراشوب : 3 / 2 ـ 6 ، كشف الغمّة : 1 / 301 و311 ، عنهما البحار : 35 / 189 ح 13 وص 194 ح 15 وص 196 ح 16 .
(3) من المجمع .
(4) سورة المائدة : 55 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي