تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1200

دواخلهم لمتاجرته ، وأغروا سفهاءهم وجهّالهم بمحاورته .
ولم يزل الله الله سبحانه مؤيّداً له بنصره ، مشيّدا بنيانه بأخيه وصهره ، قاصماً فقرات ظهور اولي النفاق بمشهور فقاره ، قامعاً هامات ذوي الشقاق بمشحوذ غراره ، مظهراً دين الاسلام بشدّة عزمته ، مدمّراً حزب الشيطان بعالي همّته ، حتى أعلى الله بسيفه كلمة الاسلام وشيّدها ، وأيّد ملّة الإيمان وأيّدها ، وفلّ جنود الطغيان وفرّقها ، وأذلّ جموع العدوان ومزّقها ، وقتل من قريش أبطالها وطواغيتها ، وألقى عن البيت الحرام أنصابها وجوابيتها .
ولمّا علم الله أنّه لا مزيد على تعنّيه وإخلاصه ، ولا أقرب إلى الرسول من قرباه واختصاصه ، توّجه بتاج العصمة والزعامة ، وجعل الامامة فيه وفي نسله إلى يوم القيامة .
ولمّا أكمل الله دين الحقّ وأظهره ، ونصب علم العدل ويسّره ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، وسلكوا إلى سبيل رضان الله منهاجاً ، أراد الله أن ينقل نبيّه من داره الفانية إلى داره الباقية ، وأن يتحفه بالحياة الدائمة في الجنّة عالية ، أنزل عليه بعد أن فتح حصون الشرك ودمّرها ، وأعلى كلمة الحق وأظهرها ، ونسف جبال الشرك وجعلها سراباً ، وفتح لأهل الحقّ إلى عرفان جلاله أبواباً ، وصيّر لهم باتّباع نبيّه ووليّه إلى رضوانه مآباً «إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابا»(1) .
قال المفسّرون : لمّا نزلت هذه الآية «إنّك ميّت وإنّهم ميّتون»(2) قال
(1) سورة النصر : 1 ـ 3 .
(2) سورة الزمر : 30 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1201

رسول الله صلى الله عليه وآله : ليتني أعلم متى يكون ذلك ، فأنزل الله سبحانه سورة النصر ، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يسكت بين التكبير والقراءة بعد نزول هذه السورة ، فيقول : سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب اليه .
فقيل : يا رسول الله ، لم تكن تقوله قبل هذا ! [فقال](1) : أما إنّ نفسي نعيت إليّ ، ثمّ بكى بكاء شديداً . فقيل : يا رسول الله ، أو تبكي من الموت وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟!
قال : فأين هول المطّلع ؟ وأين ضيق القبر ، وظلمة اللحد ؟ وأين القيامة والأهوال ؟
فعاش صلى الله عليه وآله بعد نزولها عاماً تامّاً .
ثمّ نزلت «لقد جاءكم رسول من أنفسكم»(2) الآية إلى آخر السورة ، وهذه السورة آخر سورة كاملة نزلت من القرآن ، فعاش صلى الله عليه وآله بعدها ستّة أشهر ، ثمّ لمّا مضى صلى الله عليه وآله في حجّة الوداع نزلت عليه في الطريق «يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة»(3) إلى آخرها ، فسمّيت آية الصيف .(4)
ثمّ لمّا أتمّ صلوات الله عليه وآله مناسكه نزل عليه «يا أيّها الرسول بلّغ ما اُنزل عليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته»(5) .
(1) من المناقب .
(2) سورة التوبة : 128 .
(3) سورة النساء : 176 .
(4) مناقب ابن شهراشوب : 1 / 234 ، عنه البحار : 22 / 471 ح 20 .
(5) سورة المائدة : 67 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1202

روى العيّاشي(1) بإسناده عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة ، عن الكلبي ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله قالا : أمر الله محمداً صلى الله عليه وآله أن ينصب عليّاً عليه السلام للناس فيخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقولوا حابى ابن عمّه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأنزل الله هذه الآية ، فقام صلوات الله عليه وآله بولايته يوم غدير خم .
وروى هذا الخبر أيضاً الحاكم ابو القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن أبي عمير إلى آخره في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفضيل(2)، وفيه أيضاً(3) قال : لمّا نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد عليّ عليه السلام ورفعها ، وقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه .
وقد أورد هذا الخبر أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في تفسيره .(4)
و[قد](5) اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام انّ الله اوحى إلى نبيّه صلى الله عليه وآله أن يستخلف عليّاً عليه السلام ، فكان يخاف أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه ، فأنزل الله تعالى(6) هذه الآية
(1) تفسير العيّاشي : 1 / 331 ح 152 ، عنه البحار : 37 / 139 ح 31 ، وتفسير البرهان : 1 / 489 ح 4 ، وعوالم العلوم : 15 / 3 / 50 ح 16 «حديث الغدير» .
(2) شواهد التنزيل : 1 / 255 ح 249 .
(3) شواهد التنزيل : 1 / 251 ح 245 وص 252 ح 247 .
(4) الكشف والبيان للثعلبي : 78 (مخطوط) ، عنه كشف المهمّ : 107 ح 20 وص 108 ح 22 ، والغدير : 1 / 217 وص 274 .
(5) من المجمع .
(6) لفظ الجلالة من المجمع .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1203

تشجيعاً له على القيام بما أمره الله(1) بأدائه .(2)
الباقر والصادق عليهما السلام : لمّا نزلت هذه الآية وهي «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي»(3) آلى آخرها قال يهوديّ لابن عبّاس(4) : لو كان هذا اليوم فينا لاتّخذناه عيداً .
فقال ابن عبّاس : وأيّ يوم أكمل من هذا اليوم(5) ؟(6)
وساُورد خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله في أثناء هذا الفصل عند ذكر خطبتي ، فإنّي بنيتها على خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله .
وجاء في تفسير قوله تعالى : «فأوحى إلى عبده ما أوحى»(7) ليلة المعراج في علي ، فلمّا دخل وقته أوحى الله : بلّغ ما اُنزل إليك من ربّك في ليلة المعراج(8) :
(1) لفظ الجلالة من المجمع .
(2) مجمع البيان : 2 / 223 ، عنه البحار : 37 / 249 ـ 250 ، وعوالم العلوم : 15 / 3 / 352 «حديث الغدير» .
(3) سورة المائدة : 3 .
(4) في المناقب : لعمر .
(5) في المناقب : العيد .
(6) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 23 ، عنه البحار : 37 / 156 ح 39 ، وعوالم العلوم : 15 / 3 / 115 ح 148 «حديث الغدير» .
وانظر الإبانة لابن بطّة : 2 / 632 ـ 635 ح 818 ـ 821 .
(7) سورة النجم : 10 .
(8) في المناقب : قال : بلّغ ما انزل إليك من ربّك وما أوحى ، أي بلّغ ما انزل اليك في علي عليه السلام ليلة المعراج .
ونسب فيه الأبيات الآتية إلى الشريف المرتضى .
وهو السيد المرتضى علم الهدى ذو المجدين عليّ بن الحسين بن موسى ، وهو إمام في الفقه ومؤسّس لاصوله ، شاعر ، متكلّم ، مفسّر ، ولد سنة «355» هـ ، وتوفّي سنة «436» هـ .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1204

لله درّ الـيوم ما أشرفا ودرّ من كـان بـه أعرفا
ساقَ إلينا فيه ربّ العلى ما أمرض الأعداء أو أتلفا
وخصّ بالأمر عليّاً وإن بدّل مـن بدّل أو حـرّفا
إن كان قولاً كافياً فالذي قال بـخمّ وحدَه قد كـفى
قيل له بلّغ فمن لم يكـن مبلّغاً عـن ربـّه ما وفى(1)

عن أبي حاتم الرازي أنّ جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قرأ «فإذا فرغت»(2) من إكمال الشريعة «فانصب» لهم عليّاً إماماً .
وروى النطنزي في كتابه الخصائص قال : لمّا نزل قوله : «اليوم أكملت لكم دينكم» قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتي ، وولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعدي .
وروي : لمّا نزل قوله : «إنّما وليّكم الله ورسوله»(3) أمر الله سبحانه أن ينادي بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وضاق النبي بذلك ذرعاً لمعرفته بفساد قلوبهم ، فأنزل الله سبحانه : «يا أيها الرسول بلّغ ما اُنزل إليك»(4) الآية ، ثم أنزل «اذكروا نعمة الله عليكم»(5) ثم أنزل «اليوم أكملت لكم دينكم» ، وفي
(1) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 21 ، عنه البحار : 37 / 155 ح 39 .
(2) سورة الشرح : 7 .
(3) سورة المائدة : 55 .
(4) سورة المائدة : 67 .
(5) سورة المائدة : 11 و20 ، سورة الأحزاب : 9 ، سورة فاطر : 3 . وانظر سورة البقرة : 231 ، سورة آل عمران : 103 ، سورة المائدة : 7 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1205

هذه الآية خمس إشارات(1) : إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضا الرحمن ، وإهانة الشيطان ، ويأس الجاحدين .
وفي الحديث أنّ الغدير عيد المؤمنين ، وعيد الله الأكبر .
وعن ابن عبّاس قال : اجتمعت في ذلك اليوم ـ الذي نصب رسول الله صلى الله عليه وآله [فيه](2) عليّاً ـ خمسة أعياد : الجمعة والغدير وعيد اليهود والنصارى والمجوس ، ولم يحتمل قبل ذلك قطّ .
والعلماء مطبقون على قبول هذا الخبر ، وإنّما وقع الخلاف في تأويله .
ذكره محمد بن إسحاق ، وأحمد البلاذري ، ومسلم بن الحجّاج ، وأبو إسحاق الثعلبي ، وأحمد بن حنبل من أربعين طريقاً .(3)
وذكر عن الصاحب كافي الكفاة رحمه الله أنّه قال : روى لنا قصّة غدير خم القاضي أبو بكر الجعابي عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة
(1) في المناقب : بشارات .
(2) أثبتناه لضرورة السياق .
(3) في المناقب : ومسلم بن الحجّاج ، وأبو نعيم الاصفهاني ، وأبو الحسن الدارقطني ، وأبو بكر بن مردويه ، وابن شاهين ، وأبو بكر الباقلاني ، وابو المعالي الجويني ، وأبو إسحاق الثعلبي ، وأبو سعيد الخرگوشي ، وأبو المظفّر السمعاني ، وأبو بكر بن شيبة ، وعليّ بن الجعد ، وشعبة ، والأعمش ، وابن عبّاس ، وابن الثلاج ، والشعبي ، والزهري ، والأقليشي ، وابن البيع ، وابن ماجة ، وابن عبد ربّه ، والألكاني ، وأبو يعلى الموصلي من عدّة طرق ، وأحمد بن حنبل من أربعين طريقاً ، وابن بطّة من ثلاث وعشرين طريقاً ، وابن جرير الطبري من نيّف وسبعين طريقاً في كتاب الولاية ، وابو العبّاس بن عقدة من مائة وخمس طرق ، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً .
وقد صنّف عليّ بن بلال المهلّبي كتاب الغدير ، وأحمد بن محمد بن سعيد كتاب من روى غدير خمّ ، ومسعود السجزي كتباً فيه رواه هذا الخبر وطرقه ، واستخرج منصور اللائي الرازي في كتابه أسماء رواته على حروف المعجم .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1206

والزبير ، والحسن ، والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وعبّاس بن عبد المطلّب ، وعبد الله بن عبّاس ، وأبي ذرّ ، وسلمان ، وعبد الرحمان ، وابي برزة الأسلمي ، وسهل بن حنيف ، إلى أن عدّ قريباً من مائة من أكابر الصحابة .
ومن النساء قد رواه : فاطمة الزهراء ، وعائشة ، واُمّ سلمة ، واُمّ هانئ بنت أبي طالب ، وفاطمة بنت حمزة .
والغدير بين مكّة والمدينة في واد يقال له وادي الأراك ، وهو على أربعة أميال من الجحفة عند شجرات خمس دوحات غظام .
الصادق عليه السلام : تعطى حقوق الناس بشهادة عدلينز(1) ، وما اُعطي عليّ حقّه بشهادة عشرة آلاف نفس [ـ يعني الغدير ـ](2).(3)
فضائل أحمد بن حنبل وأحاديث أبي بكر بن مالك وإبانة ابن بطّة وكشف الثعلبي عن البراء ، قال : لمّا أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في حجّة الودعا كنّا بغدير خم ، فنادى صلى الله عليه وآله : [انّ](4) الصلاة جامعة ، فكسح النبي صلى الله عليه وآله بين(5) شجرتين : وأخذ بيد عليّ ، وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟
قالوا : بلى ، يا رسول الله .
ثم قال : ألست أولى من كلّ مؤمن بنفسه ؟
قالوا : بلى ، يا رسول الله .
(1) في المناقب : شاهدين .
(2 و4) من المناقب .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 23 ـ 26 ، عنه البحار : 37 / 156 ـ 158 ح 39 و40 .
(5) في المناقب : تحت .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1207

فقال : هذا مولى من أنا مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه .
قال : فلقيه عمر بن الخطّاب ، فقال : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة .
وروي هذا الحديث من عدّة طرق عن عمر بن الخطّاب .
السمعاني في فضائل الصحابة(1) : قيل لعمر بن الخطّاب : إنّا نراك تصنع بعليّ شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي ؟!
قال : لأنّه مولاي .(2)
فقد أجرى الله الحق على لسانه ، ولكن كان باطنه بخلاف ظاهره .
روى معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه السلام في خبر قال : لمّا قال النبي : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، قال العدويّ : لا والله ما أمره بهذا ، وما هو إلا شيء تقوّله ، فأنزل الله سبحانه «ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل ـ إلى قوله ـ على الكافرين»(3) يعني محمداً ، وقوله : «وإنّه لحقّ اليقين»(4)
(1) زاد في المناقب : بإسناده عن سالم بن أبي الجعد .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 35 ـ 36 ، عنه البحار : 37 / 159 ، وعوالم العلوم : 15 / 3 / 202 ح 270 وص 207 ح 284 «حديث الغدير» .
انظر : مسند أحمد بن حنبل : 1 / 84 و119 و152 ، وج 4 / 281 و370 و372 ، وج 5 / 361 و366 و370 و419 ، فضائل الصحابة لأحمد : 2 / 563 ح 947 وص 569 ح 959 وص 598 ح 1021 وص 610 ح 1042 وص 613 ح 1048 وص 682 ح 1167 وص 705 ح 1206 .
وانظر : كشف المهمّ : 99 ح 1 وص 103 ح 11 وص 107 ح 21 وص 128 ح 53 وص 129 ح 55 ، عوالم العلوم المذكور : 60 ح 29 وص 102 ح 118 وص 103 ح 120 وص 202 ح 270 وص 205 ح 278 وص 207 ح 284 .
(3) سورة الحاقّة : 41 ـ 50 .
(4) سورة الحاقّة : 51 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1208

يعني عليّاً .(1)
فهذا الحديث عن الصادق عليه السلام يؤيّد ما قلناه من فساد باطنه .
حسّان الجمّال ، عن أبي عبد الله عليه السلام في خبر أنّ المنافقين لمّا رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وآله رافعاً يد عليّ ، قال بعضهم لبعض : انظروا عينيه كأنّهما عينا مجنون ، فنزل جبرئيل بهذه الآية : «وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لمّا سمعوا الذكر ويقولون إنّه لمجنون»(2).(3)
عبد العظيم الحسني : عن الصادق عليه السلام في خبر : قال رجل(4) من بني عديّ : اجتمعت إليّ قريش ، فأتينا النبي صلى الله عليه وآله ، فقالوا : يا رسول الله ، إنّا تركنا عبادة الأوثان واتّبعناك ، فأشركنا في ولاية علي عليه السلام ، فهبط جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : «لئن أشركت ليحبطنّ عملك»(5) .
قال الرجل : فضاق صدري ، فخرجت هارباً لما أصابني من الجهد ، فإذا أنا بفارس قد تلقّاني على فرس أشقر ، عليه عمامة صفراء ، تفوح منه رائحة المسك ، وقال لي : يا رجل ، لقد عقد محمد عقدة لا يحلّها إلا كافر أو منافق .
(1) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 37 ، عنه البحار : 37 / 160 ، وكشف المهمّ : 170 ح 17 ، وعوالم العلوم : 15 / 3 / 141 ح 207 «حديث الغدير» .
(2) سورة القلم : 51 .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 37 ، عنه البحار : 37 / 160 ، وعوالم العلوم : 15 / 3 / 141 ح 208 «حديث الغدير» .
ورواه في الكافي : 4 / 466 ح 2 . وفي التهذيب : 3 / 263 ح 746 ، عنه كشف المهمّ : 169 ح 16 .
(4) كذا في المناقب ، وفي الأصل : قال : جاء رجل .
(5) سورة الزمر : 65 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1209

[قال :](1) فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته ، فقال : هل عرفت الفارس ؟ ذاك جبرئيل عليه السلام عرض عليك(2) الولاية ، إن حللتم أو شككتم كنت خصمكم يوم القيامة .(3)
الباقر عليه السلام قال : قام ابن هند وتمطّى(4) وخرج مغضباً واضعاً يمينه على عبد الله بن قيس الأشعري ، ويساره على المغيرة بن شعبة ، وهو يقول : والله لا نصدّق محمداً على مقالته ، ولا نقرّ لعليّ بولايته ، فنزل «فلا صدّق ولا صلّى»(5) الآيات ، فهمّ به رسول الله صلى الله عليه وآله أن يردّه ويقتله .
فقال جبرئيل : «لا تحرّك به لسانك لتعجل به»(6) فسكت [عنه](7) رسول الله صلى الله عليه وآله(8) .
ورى الشيخ الطوسي وأبو علي الطبرسي في تفسيرهما(9) بإسناده متّصل بالامام الصادق عليه السلام قال : لمّا نصب رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً علماً يوم غدير خم ، وقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، وطار ذلك في البلاد ،
(1 و7) من المناقب .
(2) في المناقب : عليكم .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 38 ، عنه البحار : 37 / 161 ، وعوالم العلوم : 15 / 3 / 149 ح 224 «حديث الغدير» .
(4) أي تبختر وتكبّر .
(5) سورة القيامة : 31 .
(6) سورة القيامة : 16 .
(8) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 38 ، عنه البحار : 37 / 161 ، وعوالم العلوم : 15 / 3 / 124 ح 174 «حديث الغدير» .
(9) تفسير البيان : 10 / 113 ، مجمع البيان : 5 / 352 .
وانظر شواهد التنزيل : 2 / 381 وما بعدها .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1210

فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله النعمان بن الحارث الفهري(1) ، فقال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّك رسول الله ، وأمرتنا بالجهاد والصوم والصلاة والزكاة فقبلنا ، ثم لم ترض حتى فضّلت هذا الغلام ، فقلت : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، فهذا شيء منك أو أمر من الله ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : والله الذي لا إله إلا هو انّ هذا من الله .
فولّى النعمان بن الحارث وهو يقول : «اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم»(2) فرماه الله بحجر على رأسه فقتله ، وأنزل الله تعالى «سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج»(3).(4)
وروي أنّه في الحال قام يريد راحلته فرماه الله بحجر قبل أن يصل إليها .
وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لمّا فرغ من غدير خمّ وتفرّق الناس اجتمع نفر من قريش يتأسّفون على ما جرى ، فمرّ بهم ضبّ ، فقال بعضهم : ليت محمداً أمّر علينا هذا الضبّ دون عليّ .
(1) في المناقب : الحارث بن النعمان الفهري ـ وفي رواية : أبي عبيد جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدريّ .
وفي التبيان أنّ السائل هو : النضر بن كلدة ، وفي المجمع : النضر بن الحارث بن كلدة .
(2) سورة الأنفال : 32 .
(3) سورة المعارج : 1 ـ 3 .
(4) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 40 ، عنه البحار : 37 / 162 ، وعوالم العلوم : 15 / 3 / 68 ح 45 «حديث الغدير» .
ورواه في الكافي : 8 / 57 ح 18 ، عنه البحار : 35 / 323 ح 22 ، والبرهان : 4 / 150 ، وغاية المرام : 425 ب 184 ح 1 ، ومدينة المعاجز : 2 / 265 ح 544 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1211

فسمع ذلك أبو ذرّ ، فحكى ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فبعث إليهم وأحضرهم ، وأعرض عليهم مقالهم ، فأنكروا وحلفوا ، فأنزل سبحانه تعالى : «يحلفون بالله ما قالوا»(1) الآية .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء ، الخبر .
وفي رواية أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام : أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : نزل عليَّ جبرئيل وأخبرني أنّه يؤتى يوم القيامة بقوم إمامهم ضبّ ، فانظروا ألا تكونوا اولئك ، فأنزل سبحانه : «يوم ندعوا كلّ اُناسٍ بإمامهم»(2).(3)
وروى شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في أماليه عن أحمد [بن محمد](4) بن نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال : حدّثني ابي ، عن أبيه أنّ يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض ، إنّ لله سبحانه في الفردوس قصراً لبنة من فضّة ، ولبنة من ذهب ، فيه مائة ألف خيمة من ياقوتة حمراء(5) ، ومائة ألف خيمة من ياقوتة خضراء ، ترابه المسك والعنبر ، فيه أربعة أنهار : نهر من خمر ، ونهر من ماء ، ونهر من لبن ، ونهر من عسل ، حواليه أشجار جميع الفواكه ، عليها(6) طيور أبدانها من لؤلؤ ، وأجنحتها من ياقوت ، تصوّت بأنواع الأصوات ، إذا كان يوم الغدير ورد إلى ذلك القصر أهل السماوات يسبّحون الله
(1) سورة التوبة : 74 .
(2) سورة الإسراء : 71 .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 3 / 41 ، عنه البحار : 37 / 136 ، وتفسير البرهان : 2 / 147 ح 7 ، وعوالم العلوم : 15 / 3 / 163 ح 240 «حديث الغدير» .
(4) من المناقب .
(5) في المناقب : فيه مائة ألف قبّة حمراء .
(6) في المناقب : عليه .

السابق السابق الفهرس التالي التالي