تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 165

وإنّ على الكوثر أمير المؤمنين عليه السلام وفي يده عصا من عوسج يحطّم بها أعداءنا ، فيقول الرجل منهم : إنّي أشهد الشهادتين ، فيقول له : انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك إذ كان عندك خير الخلق فإنّ خير الخلق لا تردّ شفاعته ، فيقول : يا مولاي ، اهلكت من العطش(1) ، فيقول : زادك الله ظمأً وزادك عطشاً .
قال مسمع : فقلت : يا مولاي ، كيف يقدر على الدنوّ من الحوض ولم يقدر على غيره ؟
قال : إنّه ورع عن أشياء قبيحة ، وكفّ ن شتمنا إذا ذكرنا ، وترك أشياء اجترى عليها غيره ، وليس ذلك لحبّنا ، ولا لهوىً منه لنا ، ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته ، ولما(2) شغل به نفسه عن ذكر الناس ، فأمّا قلبه فمنافق ، ودينه النصب(3) ، وولاية الماضين ، وتقدّمه لهم على كلّ أحد .(4)
وعن عبد الله بن بكير ، قال : حججت مع أبي عبد الله عليه السلام ، فقلت له يوماً : يا ابن رسول الله ، لو نبش قبر الحسين عليه السلام هل كان يصاب في قبره شيء ؟
فقال : يا ابن بكير ، ما أعظم مسألتك(5) ؟ إن الحسين بن علي عليه السلام
(1) في الكامل : فاسلأله أن يشفع لك ، فيقول : تبرّأ منّي إمامي الذي تذكره ، فيقول : ارجع إلى ورائك فقل للّذي كنت تتولّاه وتقدّمه على الخلق فاسأله إذا كان خير الخلق عندك أن يشفع لك ، فإنّ خير الخلق من يشفع ، فيقول : إنّي أهلك عطشاً .
(2) في الكامل : ولما قد .
(3) في الكامل : ودينه النصب ، واتباعه أهل النصب .
(4) كامل الزيارات : 101 ح 6 ، عنه البحار : 44 / 289 ح 31 ، وعوالم العلوم : 17 / 529 ح 13 .
(5) في الكامل : مسائلك .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 166

مع أبيه واُمّه وأخيه في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه يرزقون ويحبرون ، وإنّه لعن يمين العرش متعلّق به يقول : يا ربّ ، انجز لي ما وعدتني ، وإنّه لينظر إلى زوّاره لهو أعرف بأسمائهم(1) وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده ، وإنّه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له، ويسأل أباه الاستغفار له ، ويقول : أيّها الباكي ، لو علمت ما أعدّ الله لك لفرحت أكثر ممّا حزنت ، وإنّه ليستغفر له من كلّ ذنب وخطيئة .(2)
وعن ابن أبي عمير بإسناد متّصل إلى أبي عبد الله ، قال : من ذكرنا عنده ففاض من عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر .(3)
وروىالشيخ الجليل علي بن الحسين بن بابويه القمّي رضي الله عنه بإسناد متّصل إلى الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : إنّ أبي كان إذا أهلّ شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة والحزن غالبين عليه ، فإذا كان يوم عاشوراء كان يوم جزعه ومصيبته ، ويقول : في مثل هذا اليوم قتل جدّي الحسين صلوات الله عليه .(4)
وروى ابن فضّال ، عن أبيه ، عن الرضا علي بن موسى عليه السلام قال :
(1) في الكامل : وإنّه أعرف بهم وبأسمائهم .
(2) كامل الزيارات : 103 ح 7 ، عنه البحار : 44 / 292 ح 35 و36 ، وعوالم العلوم : 17 / 533 ح 8 .
(3) المحاسن للبرقي : 1 / 63 ح 110 ، عنه البحار : 44 / 289 ح 30 ، وعوالم العلوم ، 17 / 527 ح 6 .
ورواه بهذا الاسناد ايضاً في كامل الزيارات : 103 ح 8 ، عنه البحار : 44 / 284 ح 20 ، وعوالم العلوم : 17 / 528 ح 10 .
(4) أمالي الصدوق : 111 ح 2 ، عنه البحار : 44 / 283 ح 17 ، وعوالم العلوم : 17 / 538 ح 1 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 167

من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم جزعه وبكائه جعل الله يومالقيامة يوم فرحه وسروره ، وقرّت بنا في الجنان عينه ، ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة أو ادّخر لمنزله فيه شيئاً لم يبارك له فيه ، وحشره الله في زمرة يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنهم الله في أسفل درك من النار .(1)
وروى الشيخ الفقيه جعفر بن محمد بن قولويه القمّي رضي الله عنه قال : بكى علي بن الحسين بن علي عليه السلام على أبيه صلوات الله عليه عشرين سنة أو أربعين سنة ، وما وضع بين يديه طعام الا بكى حتى قال له مولاه ، جعلت فداك ، يابن رسول الله ، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين(2) ، فقال : إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون ، إنّي لم أذكر مصرع بني(3) فاطمة الا خنقتني العبرة لذلك .(4)
وروى رضي الله عنه قال : أشرف مولى لعلي بن الحسين عليه السلام وهو في سقيفة له ساجد يبكي ، فقال له : يا مولاي ، أما آن لحزنك أن ينقضي ؟
فرفع رأسه إليه ، فقال : يا ويلك ثكلتك اُمّك ، والله لقد شكى يعقوب إلى ربّه
(1) أمالي الصدوق : 112 ح 4 ، علل الشرائع : 227 ح 2 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 298 ح 57 ، عنها البحار : 101 / 102 ح 1 و2 .
وأخرجه في البحار : 44 / 284 ح 18 ، وعوالم العلوم : 17 / 539 ح 3 عن الأمالي .
(2) كذا في الكمال ، وفي الأصل : الجاهلين .
(3) كذا في الكمال ، وفي الأصل ابن .
(4) كامل الزيارات : 107 ح 1 ، عنه البحار : 46 / 109 ح 3 ، وعوالم العلوم : 38 / 157 ح 2 .
ورواه الصدوق في الخصال : 272 ح 15 ، والأمالي : 121 ح 5 ، عنهما البحار ، 46 / 109 ح 2 ، وعوالم العلوم : 18 / 156 ح 1 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 168

في أقلّ ممّا رأيت(1) حين قال : يا أسفي على يوسف ، إنّه فقد ابناً واحداً ، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبّحون حولي .
قا ل: وكان علي بن الحسين عليه السلام يميل إلى ولد عقيل ، فقيل له : لما تميل إلى ابن عمّك هؤلاء دون أولاد جعفر(2) ؟
قال : إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد الله عليه السلام فأرقّ لهم .(3)
وروى أيضاً رضي الله عنه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة(4) ، قتلت مكروباً ، وحقيق عليّ أن لا يأتيني مكروب الا ردّه الله وقلبه إلى أهله مسروراً .(5)
فيا أصحاب القلوب السليمة ، والعقول المستقيمة ، لا يظنّ ظانّ منكم بجهله ، أو يلبس الشيطان على عقله ، أنّ ما حلّ بالسبط الشهيد من البلاء العتيد لهوانه على ربّه ، أو لنقص في زلفته وقربه ، ولكن الحقّ سبحانه يبتلي عباده الصالحين بالتكاليف الشاقّة في أنفسهم وأجسادهم ، ويختبر أولياءه المخلصين بالمحن المتتابعة في أموالهم وأولادهم ، ويحثّهم على جهاد أعدائه بأقوالهم وأفعالهم ، ويوفّقهم لامتثال أوامره ونواهيه في جميع أحوالهم ، قال سبحانه : «ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قُتلوا في
(1) كذا في الكمال ، وفي الأصل : ترى .
(2) في الكمال : دون آل جعفر .
(3) كامل الزيارات : 107 ح 2 ، عنه البحار : 46 / 110 ح 4 ، وعوالم العلوم : 18 / 158 ح 4 .
(4) قال المجلسي رحمه الله : أي قتيل منسوب إلى العبرة والبكاء ، وسبب لها ، أو اُقتل مع العبرة والحزن وشدّة الحال ، والأوّل أظهر .
(5) كامل الزيارات : 109 ح 7 ، عنه البحار : 44 / 279 ح 6 ، وعوالم العلوم : 17 / 536 ح 3 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 169

سبيل الله فلن يُضلّ أعمالهم»(1)، وقال سبحانه : «أنّي لا اُضيع عمل عامل منكم من ذكر أو اُنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا واُخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي وقاتلوا وقُتلوا لاُكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولاُدخلنّهم جنّات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب»(2) ، وقال سبحانه : «أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم»(3) «ولم يتّخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة»(4) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : البلاء(5) موكل بالأنبياء ، ثمّ بالأولياء ، ثمّ بالأمثل فالأمثل(6) .(7)
(1) سورة محمد صلى الله عليه وآله : 4 .
(2) سورة آل عمران : 195 .
(3) سورة آل عمران : 142 .
(4) سورة التوبة : 16 .
(5) قال المجلسي رضي الله عنه في البحار : 67 / 200 : البلاء : ما يختبر ويمتحن به من خير أو شرّ ، وأكثر ما يأتي مطلقاً الشرّ ، وما اُريد به الخير يأتي مقيّداًكما قال تعالى : «بالءً حسناً» ـ سورة الأنفال : 17 ـ ، وأصله : المحنة .
والله تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ، وبما يكره ليمتحن صبره ، يقال : بلاه الله بخير أو شرّ يبلوه بلواً .... بمعنى امتحنه ، والاسم : البلاء مثل سلام .
(6) قال ابن الأثير في النهاية : 4 / 296 : الأمثل فالأمثل : أي الأشرف فالأشرف ، والأعلى فالأعلى في الرتبة والمنزلة ، ثمّ يقال : هذا أمثل من هذا أي أفضل وأدنى إلى الخير ، وأماثل الناس : خيارهم .
(7) روي هذا الحديث بألفاظ متفاوته ، انظر :
مسند أحمد بن حنبل : 6 / 369 ، مستدرك الحاكم : 4 / 404 ، كنز العمّال : 3 / 326 ح 6778 و6780 ـ 6784 .
وروي عن الامام علي بن أبي طالب والامام الباقر والامام الصادق عليهم السلام ، انظر : الكافي : 2 / 252 ح 1 و4 وص 259 ح 29 .
ويأتي في ص 83 هامش 9 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 170

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيثُ بعثهم أن يفتح لهم كنز الذهبان ، ومعادن العِقيان(1) ، ومَغارس الجنان ، وأن يحشرَ معهم طير السماء ووحوش الأرضين لفعل ، ولو فعل ذلك لسقط البلاء(2) ، وبطل الجَزاء ، واضمحلّ(3) الانباء ، ولَما وجب للقابلين اُجور المبتَلين ، ولا استحقّ المؤمنون(4) ثواب المحسنين ، ولا لزِمت الأسماء معانيها ، ولكنّ الله سبحانه جعل رسله اولي قوّةٍ في عزائمهم ، وضَعَفةً فيما ترىالأعين من حالاتهم ، مع قَناعةٍ تملأ القلوب والعيون غنىً ،وخصاصة(5) تملأ الأبصار والأسماع أذىً .
ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا تُرام ، وعزّة لا تضام ، ومُلكٍ تُمدّ نحوه أعناق الرجال [وتشدّ إليه عُقَد الرحال](6) ، لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار ، وأبعد لهم عن الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبةٍ قاهرةٍ لهم ، أو رغبة مائلةٍ بهم ، فكانت النيّات مشتركةً ، والحسنات مقتسَسمة ، ولكنّ الله سبحانه أراد أن يكون الاتّباع لرسله ، والتصديق بكتبه ، والخشوع لوجهه ، والاستكانة لأمره ، والاستسلام لطاعته ، اموراً له خاصّةً ، لاتَشوبها من غيرها شائبة ، فكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاءُ أجزل .(7)
روى حنّان بن سدير ، عن ابي عبد الله عليه السلام [قال : آمن مع نوح من
(1) الذهبان : جمع ذهب . والعِقبان : نوع من الذهب ينمو في معدنه .
(2) أي الامتحان الذي به يتميّز الخبيث من الطيّب .
(3) في النهج : اضمحلّت . والمراد : سقط الوعد والوعيد .
(4) كذا في النهج ، وفي الأصل : الموصوف ، وهو تصحيف .
(5) خصاصة : فقر وحاجة .
(6) من النهج .
(7) نهج البلاغة : 291 خطبة رقم 192 «الخطبة القاصعة» ، عنه البحار : 6 / 114 ح 11 (قطعة) ، وج 13 / 141 ح 61 (قطعة) ، وج 14 / 469 .
ويأتي في ص 65 أيضاً .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 171

من قومه ثمانية نفر .
وفي حديث وهب بن منبّه](1) أن نوحاً عليه السلام دعا قومه إلى الله حتى انقرضت ثلاثة قرون منهم ، كلّ قرن ثلاثمائة سنة يدعوهم سرّاً وجهراً فلا يزدادون الا طغياناً ، ولا يأتي منهم قرن الا كان أعتى على الله من الذين من قبلهم ، وكان الرجل منهم يأتي بابنه وهو صغير فيقيمه على رأس نوح فيقول : يا بنيّ ، إن بقيت بعدي فلا تطيعنّ هذا المجنون .
وكانوا يثورون إلى نوح فيضربونه حتى يسيل مسامعه دماً ، وحتى لا يعقل شيئاً ممّا يصنع به فيحمل ويرمى [به](2) في بيت أو على باب داره مغشيّاً عليه ، فأوحى الله تعالى إليه : «أنّه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن»(3) ، فعندها أقبل بالدعاء عليهم ولم يكن دعا عليهم قبل ذلك فقال : «ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً»(4) إلى آخر السورة .
فأعقم الله تعالى أصلاب الرجال وأرحام النساء فلبثوا أربعين سنة لا يولد لهم [ولد](5) ، وقحطوا في تلك الأربعين سنة حتى هلكت أموالهم وأصابهم الجهد والبلاء ، فقال لهم نوح : «استغفروا ربّكم إنّه كان غفّاراً»(6) فأعذر إليهم وأنذر فلم يزدادوا الا كفراً ، فلمّا يئس منهم أقصر عن كلامهم ودعا عليهم حتى أغرقهم الله سبحانه .(7)
(1 و2 و5) من المجمع .
(3) سورة هود : 36 .
(4) سورة نوح : 26 .
(5) سورة نوح : 10 .
(6) سورة نوح : 10 .
(7) مجمع البيان : 2 / 434 ـ 435 ، عنه البحار : 11 / 299 .
وانظر : قصص الأنبياء : 84 ح 75 و76 ، عنه البحار : 11 / 287 ح 9 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 172

وهذا إبراهيم عليه السلام خليل الله وصفيّه لمّا كسر الأصنام وجعلها أجذاذاً ، وقطعها بشدّة عزمه أفلاذاً(1) قال بعضهم لبعض : «حرّقوه ـ بالنار ـ وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين»(2) أي ناصريها ، والمعنى : أنّكم لا تنصرونها الا بتحريقه بالنار ؛ قيل : وكان الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار رجل من أكراد فارس ، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل(3) فيها إلى يوم القيامة ؛ وقيل : إنّما قاله نمرود .(4)
قال السدّي : فجمعوا له الحطب حتى انّ الرجل منهم ليمرض فيوصي بكذا وكذا من ماله فيُشترى به حطب ، وحتى انّ المرأة لتغزل فتشتري به حطباً حتى جمعوا من ذلك ما أرادوا ، فلمّا أرادوا أن يلقوه في النار لم يدروا كيف يلقونه ، لأنّهم كانوا قد صنعوا للنار حائطاً طوله ثلاثون ذراعاً ، وعرضه عشرة ، وملؤوه حطباً ، وأجّجوا فيه النار ، ولم يقدروا من الدنوّ من النار لشدّة حرّها ، فجاء إبليس فصنع لهم المنجنيق(5) ، وهي أوّل منجنيق صنعت فوضعوه فيها ، ثمّ رموه ، قال الله سبحانه : «قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم»(6) .
قال أبو العالية : لو لم يقل سبحانه : «وسلاماً» لكانت تؤذيه من شدّة
(1) أجذاذاً : أي قِطَعاً ، وكِسَراً . «النهاية : 1 / 250 ـ جذذ ـ » .
والأفلاذ : جمع فِلَذٍ ، والفِلَذُ : جمع فِلذَة ، وهي القطعة المقطوعة طولاً : «النهاية 3 / 470 ـ فلذ ـ » .
(2) سورة الأنبياء : 68 .
(3) كذا في المجمع ، وفي الأصل والبحار : يتخلخل .
وتَجَلجَلَ في الأرض : أي ساخ فيها ودخل . «لسان العرب : 11 / 121 ـ جلل ـ » .
(4) زاد في المجمع : وفي الكلام حذف .
(5) في المجمع : فجاء إبليس فدلّهم على المنجنيق .
(6) سورة الأنبياء : 69 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 173

بردها ، ولكان بردها أشدّ عليه من حرّها فصارت سلاماً(1) عليه ، ولو لم يقل «على إبراهيم» لكان بردها باقياً إلى الأبد .
قال الصادق عليه السلام : لمّا اُجلس إبراهيم في المنجنيق وأرادوا أن يرموا به في النار أتاه جبرئيل عليه السلام وقال : السلام عليك يا إبراهيم [ورحمة الله وبركاته](2) ، ألك حاجة ؟
فقال : أمّا إليك فلا ، فلمّا طرحوه دعا الله سبحانه فقال : يا الله ، يا واحد ، يا أحد ، يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، فحسرت النار عنه ، فرأوه وانّه لمحتبٍ ومعه جبرئيل عليه السلام وهما يتحدّثان في روضة خضراء .
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنّ نمرود الجبّار لمّا ألقى إبراهيم عليه السلام في النار نزل إليه جبرئيل عليه السلام بقميص من الجنّة وطنفسة(3) من الجنّة فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدّثه .. تمام الخبر .
قال كعب : لم تحرق منه النار غير وثاقه ، قال الله سبحانه : «وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين» .(4)
قال ابن عبّاس : هو ان الله سبحانه سلّط على نمرود وخيله البعوض حتى أخذت لحومهم ، وشربت دماءهم ، ووقعت واحدة في دماغه فأهلكته .(5)
(1) كذا في المجمع ، وفي الأصل : سلامة .
(2) من المجمع .
(3) كذا في المجمع ، وفي الأصل : وطبقة ، وكذا في الموضع الآخر .
والطنفِسَة والطنفُسَة : النُمرُقة فوق الرحل ؛ وقيل : هي البساط الذي له خَملٌ رقيق . «لسان العرب : 6 / 127 ـ طنفس ـ » .
(4) سورة الأنبياء : 70 .
(5) مجمع البيان : 4 / 54 ـ 55 ، عنه البحار : 12 / 23 ـ 25 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 174

ثمّ انّ الله سبحانه ابتلاه كما ذكر في محكم كتابه بالكلمات التي أتمّها ، والمحن التي احتملها ، ووفّى بها حتى أثنى الله سبحانه عليه في كتابه بقوله : «وإبراهيم الذي وفّى»(1) والابتلاء هو الاختبار ، وسمّي ذلك اختباراً لأنّ ما يستعمله الانسان ينافي مثل ذلك(2) يجري على جهة الاختبار والامتحان فأجرى سبحانه على أمره اسم اُمور العباد على طريق الاتّساع ، وحقيقة الابتلاء تشديد التكليف .
ووجه آخر هو انّ الابتلاء على ضربين ؛ أحدهما يستحيل عليه سبحانه ، والآخر جائز ، فالمستحيل هو أن يختبره ليعلم ما تكشف الأيّام عنه وهذا لا يصحّ عليه سبحانه ، لأنّه علّام الغيوب ، والآخر أن يبتليه حتى يصبر على ما يبتليه فيكون ما يعطيه على سبيل الاستحقاق ، ولينظر إليه الناظر فيقتدي به فيعلم من حكمة الله سبحانه انّه لم يكل(3) أسباب الامامة الا إلى الكافي المستقلّ بها الذي كشفت الأيّام عنه ، وممّا ابتلاه في نفسه ما ذكرناه أوّلاً وفي أهله حين خلص الله حرمته من عبادة القبطي ، ثم في ولده حين اُمر بذبح ولده في قوله : «إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك»(4) .(5)
روى محمد بن إسحاق بن يسار(6) أنّ إبراهيم عليه السلام كان إذا أراد إسماعيل وهاجر حمل على البراق ، فيغدو من الشام ويقيل بمكّة ، ويروح من
(1) سورة النجم : 37 .
(2) فيا لمجمع : لأنّ ما يستعمل الأمر منّا في مثل ذلك .
(3) كذا في الخصال ، وفي الاصل : يكمل ، وفي المجمع : تكن .
(4) سورة الصافّات : 102 .
(5) الخصال : 305 ـ 306 ح 8 ، عنه البحار : 17 / 66 ـ 67 .
وانظر مجمع البيان : 1 / 200 ـ 201 .
(6) كذا في المجمع ، وفي الأصل : محمد بن إبراهيم بن بشّار .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 175

مكّة فيبيت في الشام عند أهله ، حتى إذا بلغ إسماعيل السعي اُري في المنام أن يذبحه ، فقال : يا بنيّ ، خذ المدية والحبل وانطلق بنا إلى الشعب لنحتطب ، فلمّا خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما قد ذكره الله عنه ، فقال : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف عنّي ثيابك حتى لا تنتضح بدمي فتراه والدتي ، واشحذ شفرتك ، وأسرع مرّ السكّين على عنقي ليكون أهون عليّ فإنّ الموت شديد .
فقال إبراهيم : نعم العون أنت يا بنيّ على أمر الله .
قال : فأقبل شيخ على إبراهيم ، فقال : يا إبراهيم ، ما تريد من هذا الغلام ؟
قال : اُريد أن أذبحه .
فقال : سبحان الله ! تريد أن تذبح غلاماً لم يعص الله طرفة عين قطّ .
قال إبراهيم : إن الله أمرني بذلك .
قال : ربّك ينهاك عن ذلك ، وإنّما أمرك بهذا الشيطان .
فقال إبراهيم : لا والله ، ثمّ قال الغلام : يا أبت ، حمّر وجهي ، واشدد وثاقي .
فقال إبراهيم : الوثاق مع الذبح والله لا أجمعهما عليك اليوم ، ثم تلّه لجبينه وأخذ المدية بيمينه ، هذا والملائكة تنتحب والأرض تنحب ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وانحنى عليه بالمدية ، وقلب جبرئيل المدية على قفاها واجتر إليه الفدية من ثبير ، واجتر الغلام من تحته ، ووضع الكبش مكان الغلام ، ونودي من ميسرة مسجد الخيف : «أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا إنّا كذلك نجزي المحسنين إنّ هذه لهو البلاء المبين»(1) .
(1) سورة الصافات : 104 ـ 106 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 176

قال : ولحق إبلي باُمّ الغلام حين زارت البيت ، فقال لها : ما شيخ رأيته بمنى ؟
قالت : ذاك بعلي .
قال : فوصيف رأيته ؟
قالت : ذاك ابني .
قال : فإنّي رأيته وقد أضجعه ، وأخذ المدية ليذبحه .
قالت : كذبت ! إبراهيم أرحم الناس ، فكيف يذبح ابنه ؟
قال : فو ربّ السماء والأرض ، وربّ هذه الكعبة ، قد رأيته كذلك .
قالت : ولم ؟
قال : زعم أنّ ربّه أمره بذلك .
قالت : حقّ له أن يطيع ربّه ، فوقع في نفسها أنّه قد اُمر في ابنها بأمرٍ ، فلمّا قضت منسكها(1) أسرعت في الوادي راجعة إلى منى ، واضعة يدها(2) على رأسها ، فلمّا جاءت [سارة](3) واُخبرت الخبر ، قامت إلى ابنها تنظر مكان السكّين من نحره فوجدته خدشاً في حلقه ، ففزعت واشتكت ، وكان بدؤ مرضها الذي هلكت فيه .(4)
وهذا يعقوب إسرائيل الله ابتلاه الله بفراق يوسف ، فبكى عليه حتى
(1) في المجمع : نسكها .
(2) في المجمع : يديها .
(3) من المجمع .
(4) مجمع البيان : 4 / 454 ـ 455 ، عنه البحار : 12 / 135 .
وانظر قصص الأنبياء : «المسمّى عرائس المجالس» للثعلبي : 93 ـ 94 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي