تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 153

في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، قرعت أسماعهم(1) رنّة آيات الذكر الحكيم «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقّاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومَن أوفى بعهده من الله فاستبشروا بببيعكم الذي بايعتم به وذلك هوا لفوز العظيم»(2) فهاموا بلذيذ نعمتها طرباً ، وقضوا بامتثال أوامرها من السعادة الأبديّة إرباً ، لمّا رؤا انّ الجهاد في سبيل ربّهم من أفضل الطاعات ، وبذل الوسع في إعلاء كلمة خالقهم من أعظم القربات ، تلقّوا حدود الصفاح بوجوههم الشريفة ، وصبروا على ألم الجراح شوقاً إلى تلك المنازل المنيفة .
وكان أفضل من فاز بالمعلّى من سهامها ، وتلقّى بشريف طلعته مواقع نصالها وسهامها ، سبط سيّد المرسلين ، وقرّة عين إمام المتّقين ، صفوة المصطفين ، أبا عبد الله الحسين ، الذي هُدِم ركن الايمان بوفاته ، وقُصِم حبل الاسلام بفواته ، واهتزّ العرش لمصيبته ، وبكت الأفلاك لرزيّته ، وأمطرت السماء دماً وتراباً ، وحيّرت من اولي العرفان أفكاراً وألباباً .
يا لها من مصيبة لا ترقى عبرتها ، ولا تخبو(3) زفرتها ، ولا نتسى واقعتها ، ولا توشى جراحتها ، تضرم نيران الأحزان في قلوب خالصي الايمان ، وتشيّد قواعد الأشجان في نفوس أرباب أهل العرفان ، فهي التي كست السماء شفقاً من دماء شهدائها ، وأذكت في القلوب حرقاً بشدّة بلائها ، لم تَحدُث في الخلق مصيبة مثلها منذ قامت السماوات والأرض ، ولم يغضب الجليل غضبها إلى يوم الحساب والعرض ، زفرت جهنّم حين حدوثها زفرة
(1) أي ضربت بشدّة الاعتماد .
(2) سورة التوبة : 111 .
(3) أي ولا تسكن .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 155

لولا أنّ الحقّ منعها إلى أجل مسمّى لأحرقت الأرض بزفرتها ، وشهقت شهقة لولا الأمر الذي كتب الله لعباده لأهلتك الخلق بفضيع شهقتها ، شردت على خزّانها فخوطبت : قرّي فلأجعلنّك لقتلته سجناً مؤبّداً ، ولأكتبنّ على أغلالهم وأصفادهم دواماً مخلّداً ، ولأجعلنّ فراعنة الأنبياء وأعداء الدين تستعيذ من عذابهم ، ولأُصيّرنّ الكفرة والفجرة من أهل سجّين يعجبوا من عقابهم ، يشرف عليهم إبليس فيلعنهم ، ويطلع عليهم عبدة الأوثان فتوبّخهم ، ولأجعلنّ وليّي وابن أوليائي ، وصفيّي ونجل أصفيائي ، صاحب هذه المصيبة العظمى ، والواقعة الكبرى ، المجاهد بنفسه وولده ، والموفي بعقده وعهده ، الذي لم يجاهد جهاده نبيّ من أنبيائي ، ولا صبر صبره مخلص من اُمنائي ، سيد الشهداء في الدنيا والآخرة ، ولاُقيمنّ حججي على عبادي من ذرّيّته الطاهرة .
فيا إخواني ، أفي غفلة أنتم من هذا الشهر الذي أظلّكم ؟ أم في رقدة من هذا العشر الذي نزل بكم ؟ أتعلمون أيّ رحم فيه للرسول قطعت ؟ وأيّ مصيبة على بني البتول وقعت ؟ وأيّ سادة منهم على الصعيد صرعت ؟ وأيّ قادة بكؤوس الحمام جرعت ؟ وأيّ كبد لسيّد الأنبياء فريت ؟ وأيّ مهجة منه بسهام الأعداء رميت ؟
فيا له من شهر لا يحسن الجزع الا في أيّامه ولياليه ، وياله من عشر لا يليق الهلع الا في أعجازه وبواديه ، سقيت فيه بنو الرسول كؤوس الحتوف بعد الظماء ، واُسلبت أرواحهم بغروب(1) السيوف والظباء ، وصارت أجسادهم على الرمضاء بلا وطاء ، منعوا فيه من شرب المباح ، وصدروا من دم الجراح ،
(1) الغَربُ : الحدّة ، غَربُ السيف ، أي كانت تُدارَى حّدّتُه وتُتّقى . «لسان العرب : 1 / 641 ـ غرب ـ » .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 156

فيا ليت نفيس كانت لأنفسهم فداء ، ووجهي لأوجههم وقاء ، فلو أنّ عين الرسول عاينت سبطه وقد تحوّطت عليه بقيّة الأحزاب ، وأحاطت به كتائب كفرة الكتاب ، وهو يذكّرهم بآياتالله ، ويحذّرهم من سخط الله ، ويورد عليهم الحجّة ، ويوضح بهم المحجّة ، ولا يزدادون من عظته الا نفوراً ، ولا من تذكِرَته الا غروراً ، وراموا منه خطّة لا تليق بمثله ، وطلبوا منه خصلة لا تحسن بفرعه وأصله .
فأبى أبو الاُسد الهاصرة(1) ، أو الليوث الحاسرة(2) ، وقدّم بينه وبين الله أفراطاً بين يديه ، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وبذلوا الوسع في طاعة ربّهم ووليّهم ، واستشعروا الصبر في نصرة ابن نبيّهم ، يرون القتل في العزّ حياة ، والحياة في العزّ القتل ، كشف الله عن بصائرهم ، وتجلّى لهم في سرائرهم ، فرأوا ما أعدّ لهم من السعادة الباقية «في جنّةٍ عاليةً قطوفها دانيةٌ ـ وقيل لهم : ـ كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية»(3) فتلقّوا رماح الأعداء بصدور بنيت على الاخلاص قواعدها ، وبقلوب بنيت على الايمان عقائدها ، وقابلوا صفاح الأشقياء بوجوه طالما أحيت ليلها بسجودها وركوعها ، وارضت ربّها بتهجّدها وخشوعها ، محامية عن ابن إمامها ورسولها ، تابعة أمر هاديها ودليلها ، كلّ منهم قد أرضى بتصمّم عزيمة إلهه وربّه قائلاً : اليوم
(1) أسدٌ هَصورٌ وهصّارٌ وهَيصرٌ وهَيصارٌ ... : يَكسِرُ ويُميلُ . «لسان العرب : 5 / 264 ـ هصر ـ » .
(2) في الحديث : يخرج في آخر الزمان رجلٌ يسمّى أمير العُصَب ، وقال بعضهم : يسمّى أمير الغَضَب ، أصحابه مُحشّرون مُحقّرون مُقصَون عن أبواب السلطان ومجالس الملوك ، يأتونه من كل أوبٍ كأنّهم قَزَع الخريف ، يُورّثهم الله مشارق الأرض ومغاربها ، محسّرون محقّرون أي مؤذون محمولون على الحسرة أو مطرودون متعبون من حَسَرَ الدابّة إذا أتعبها . «لسان العرب : 4 / 190 ـ حسر ـ » .
(3) سورة الحاقّة : 22 ـ 24 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 157

نلقى الأحبّة ، محمد وحزبه ، حتى إذا فازوا من السعادة بالدرجة العليّة ، وحازوا أعظم سهم من السعادة الأبدية ، وأصبحت أجسادهم بسيوف الأعداء مبضّعة ، وأطرافهم بصفاح الأشقياء مقطّعة ، ورؤوسهم عن الأجساد منتزعة ، وعلى الرماح مرفعة ، قد سقوا من كؤوس الحتوف بالكأس المترعة ، وتلقّوا حدود السيوف بوجوه كانت إلى ربّها مسرعة ، وعمّا نهى عنه ورعة ، قد أشرق صعيد كربلاء بدمائهم ، وشرف طفّ نينوى باسلابهم ، وصار مختلف أرواحالأنبياء والمرسلين ، ومهبط ملائكة الله المقرّبين ، فهم التائبون العابدون الحامدون الراكعون الساجدون(1) يحسبهم الجاهل أمواتاً وهم أحياء عند ربّهم يرزقون(2) ويظنّهم رفاتاً وهم في الغرفات آمنون(3) «لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقّاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون»(4) «فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون»(5) .
ولمّا شاهد فوزهم بالشهادة العظمى ، ونيلهم السعادة الكبرى ، وصار وحيداً من أهله واُسرته ، فقيداً لإخوانه وصَحَبَتِه ، وقد أحدقت به الأعداء من كلّ جانب ، وضاقت به المسالك والمذاهب ، وفوّقت(6) الأعداء نحوه سهامها ومعابلها ، وجرّدت عليه مناصلها وعواملها ، وبنات المصطفى يلذن به صارخات ، ويتوسّلن
(1) إشارة إلى الآية : 112 من سورة التوبة .
(2) إشارة إلى الآية : 169 من سورة آل عمران .
(3) إشارة إلى الآية : 37 من سورة سبأ .
(4) سورة الأنبياء : 103 .
(5) سورة آل عمران : 170 .
(6) الفوق من السهم : موضع الوتر ... ومَشَقّ رأس السهم حيث يقع الوتر .
وفَوّقتُه تفويقا : عملت له فُوقاً . وفَوّقَ نبله تَفويقاً إذا فرضها وجعل لها أفواقاً . «لسان العرب : 10 / 319 و320 ـ فوق ـ » .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 158

ضارعات ، وهو يدافع عنهنّ ، ويمانع دونهنّ ، ويتلقّى السيوف بشريف طلعته ، ويفرّق الصفوف بشدّة عزمته ، قد قتلت رجاله ، وذبحت أطفاله ، وانتهكت حرمة الرسول بانتهاك حرمته ، وعظمت مصيبة البتول لعظيم رزيّته .
فما ظنّكم بسيّد المرسلين لو رآه في تلك الحال عديم الأعوان ، فقيد الاخوان ، ممنوعاً من شرب المباح ، مخضوباً بدم الجراح ، قد أجمعت أئمّة السوء على قتله ، واجتمعت عصابة البغي لخذله ؟ هل كان يتلقّى عنه السيوف بيديه وساعديه ؟ أم يدفع عنه الحتوف بجنبيه وعينيه ؟
بل لو رآه أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، وهو يستغيث ولا يغاث ، ويستسقى فلا يسقى ، قد أثخنه الجراح ، وأثقله السلاح ، وجعلته عصبة الضلال طعمة لمناصلها ، ومَورداً لعواملها ، وهو يحمل كَحَمَلات أبيه في احد وبدر ، ويتلقّى سيوف أهل البغي والغدر ، لا يزيده قلّة الأنصار الا بصيرة من أمره ، ولا يكسبه تظافر الأشرار الا إخلاصاً في علانيته وسرّه ، أهل كان يليق الصبر بجلال كماله ؟ أم يتلقّى عنه السيوف بأعضائه وأوصاله ؟
بل لو رأته سيّدة النساء وهو يتلظّى ظمأً ، ويتلهّف عطشاً ، وعاينت بناتها اُسارى على الأقتاب ، حيارى بغير نقابٍ ولا جلباب ، يطاف بهنّ في البلاد ، ويتشرّفهنّ الحاضر والباد ، وشاهدت تلك الوجوه التي طالما قبّلها الرسول المجتبى ، وأكرمها الوصي المرتضى ، أصحاب سورة هل أتى ، وأرباب «قل لا أسألكم عليه أجراً الا المودّة في القربى»(1) ، يسار بها على رماح الأعداء مخضباً شيبها بالدماء ، أكانت تهنأ لها الحياة بعدها أم تتمنّى
(1) سورة الشورى : 23 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 159

الممات عندها ؟(1)
روي من طريق أهل البيت عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وىله قال : تقبل فاطمة يوم القيامة على ناقة من نوق الجنّة ، خطامها من لؤلؤ رطب ، وقوائمها من الزمرّد الأخضر ، وذنبها من المسك الأذفر(2) ، وعيناها ياقوتتان حمراوان ، عليها قبّة من النور ، يرى باطنها من ظاهرها ، وظاهرها من باطنها ، داخلها عفو الله ، وخارجها رحمة الله(3) ، وعلى رأسها تاج من نور ، للتاج سبعون [ركناً ، كلّ ركن مرصّع بالدر والياقوت يضيء كما يضيء الكوكب الدرّي في اُفق السماء ، وعن يمينها سبعون ألف ملك ، وعن شمالها سبعون](4) ألف ملك وجبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة ، فتسير حتى تحاذي عرش ربّها وتزّج بنفسها عن الناقة وتقول : إلهي وسيّدي احكم بيني وبين من ظلمني ، اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي ، فإذا النداء من قبل الله : يا حبيبتي وابنة حبيبي ، سلي تعطي ، واشفعي تشفّعي ، فوعزّتي وجلالي لا يفوتني في هذا اليوم ظلم ظالم .
(1) وردت في «ح» عدّة أبيات :
وآل رسول الله تسـبى نساؤهم ومن حـولهنّ الستر يهتك والخدر
سبايا بأكوار المطـايا حواسراً يلاحظهنّ العبدُ فـي الناس والحرّ
ورملة في ظلّ القصور مصانة يناط على أقراطـها الـتبر والدرّ
فويل يزيد مـن عـذاب جـهنّم إذا أقبلت في الحـشر فاطمة الطهر
ملابسها ... مـن السـمّ سـود وآخـر قـان من دم الـسبط يخرّ
تنادي وأبصار الأنـام شواخص وفي كـلّ قلـب من مـهابتها ذعر
(2) أي طيّب الريح .
(3) كنابة عن أنّها مشمولة بعفو الله ورحمته ، وتجيء إلى القيامة شفيعة للعباد معها رحمة الله وعفوه لهم .
(4) من أمالي الصدوق .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 160

فتقول : إلهي ذرّيّتي وشيعتي وشيعة ذرّيّتي ومحبّي [ومحبّي](1) ذرّيّتي ، فإذا النداء من قبل الله : أين ذرّيّة فاطمة وشيعتها ومحبّوها ومحبّوا ذرّيّتها ؟ فيقومون وقد أحاطت بهم ملائكة الرحمة فتقدّمهم فاطمة كلّهم حتى تدخلهم الجنّة .(2)
وفي حديث آخر : قال صلى الله عليه وآله : تحشر فاطمة وتخلع عليها الحلل وهي آخذة بقميص الحسين ملطّخ بالدماء وقد تعلّقت بقائمة العرش تقول : يا ربّ احكم بيني وبين قاتل ولدي ، فيؤخذ لها بحقّها .(3)
(1) من أمالي الصدوق .
(2) أمالي الصدوق : 25 ح 4 ، عنه غاية المرام : 594 ح 45 ، والبحار : 43 / 219 ح 1 ، وعوالم العلوم : 11 / 564 ح 4 .
وأورده في مناقب ابن شهراشوب : 3 / 326 ، وروضة الواعظين : 148 ، والفضائل لشاذان : 11 .
وفي «ح» عدّة أبيات أخرى :
إذا عـلـى الـدنيا الدنيـّة ظفرت أيدي بغاة طغـاتهـا بهـداتـها
فـهـناك ينـصفـها الإله بـعدله وتـسـوق شيـعهـا إلى جنّاتها
يـومـاً بـه تأتـي بتـولـة أحمد تتمـرّغ الأمـلاك فـي خطواتها
وخديجة الـكـبـرى وحـوّا حولها مع مريم يبـكيـان مـن كرباتها
وبكفّهـا ثـوب الـشهـيد مضمّـخ ودموعها تـجري علـى وجناتها
تبـدي شـكايتـها لجبّـار السـما ولها الخلائـق هـوّدت أصواتها
يا مصرخ المستـصرخـين وناصر المستضـعفــين منتهى دعواتها
هل امـّة فعـلت بـآل نـبـيّـهـم كـفـعـال اُميـّة مـع ساداتهـا
غصبت نصيبي من أبـي واستضعفت بَعلي مزيل الـكـرب في شدّاتـها
وغدت إلى ولدي تـسـنّ سـيوفهـا وسقته كـأس الـموت في حملاتها
وسبت بـناتـي جهـرة ومضت بها نـحو الـشـام هديّـة لـبغاتهـا
(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 8 ح 21 وص 26 ح 6 ، مناقب ابن شهراشوب : 3 / 327 .
وروي في صحيفة الامام الرضا عليه السلام : 89 ح 21 ، وفيه تخريجات اُخرى ، فراجع .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 161

وفي حديث آخر : انّها تقبل يوما لقيامة ومعها ألف نبيّ وألف صدّيق وألف شهيد ، ومن الكرّوبيّين ألف ألف يسعدونها على البكاء ، وانّها لتشهق شهقة فلا يبقى في السماء ملك الا بكى رحمة لها ، وما تسكن حتى يأتيها أبوها ، فيقول : يا بنيّة ، قد أبكيت أهل السماوات وشغلتيهم عن التسبيح ، فكفّي حتى يقدّسوا ، فإنّ الله بالغ أمره .(1)
سوف تأتي الزهراء تلتمس الحكـ ـمَ إذا حان محشـر الـتعديل
وأبـوهـا وبـعلـها وبـنـوها حولها والخصام غـير قـليل
وتُـنـادي يـا ربّ ذُبــّح أولا دي لماذا وأنـت خيـر مديل(2)
فينـادى بمـالـكٍ ألهـب الـنا رَ وأجّج وخُذ بأهـل الـغلول
ويُجازى كـل بـما كـان مـنه من عقاب ال تخليد(3) والتنكيل(4)

فيا إخواني ، أظهروا في هذا الشهر شعار الأحزان ، وأفيضوا الدموع المقرحة للأجفان ، فإنّ البكاء في هذا الشهر لمصاب آل الرسول من أفضل الطاعات ، وإظهار الجزع لما نال عترة الوصيّ من أكمل القربات .
روى الشيخ الجليل الفقيه جعفر بن محمد [بن قولويه بإسناده إلى الامام
(1) كامل الزيارات : 87 ذح 16 ، عن البحار : 45 / 225 ذح 17 ، وعوالم العلوم : 17 / 11 ، ح 2 .
(2) كذا في ديوان الصاحب ، وفي الأصل : يا ربّ تذبح .... وأنت أنت مزيل .
(3) كذا في ديوان الصاحب ، وفي الأصل : عذاب التجليد .
(4) الأبيات للصاحب بن عبّاد ، المولود سنة «326 هـ» ، والمتوفّى سنة «385 هـ» ، انظر ديوانه ص 263 ، ومقتل الخوارزمي : 2 / 150 ، ومناقب ابن شهراشوب : 3 / 328 ، والبحار : 45 / 292 ، وعوالم العلوم : 17 / 589 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 162

أبي جعفر محمد](1) بن علي الباقر عليه السلام قال : كان أبي علي الحسين صلوات الله عليه يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام دمعة حتى تسيل على خدّه بوّأه الله بها في الجنة [غرفاً يسكنها](2) أحقاباً ، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خدّه لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه [الله بها](3) في الجنة مبوّأ صدق ، وأيّما مؤمن مسّه أذىً فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خدّه من مضاضة ما اوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار(4) .(5)
ورى بإسناده متّصل إلى الامام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : كان يقول : إنّ الجزع والبكاء مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء على الحسين عليه السلام فإنّه فيه مأجور .(6)
وروى رضي الله عنه بإسناده متّصل بالامام أبي عبد الله عليه السلام قال : من ذكر عنده الحسين عليه السلام فخرج من عينه [من الدموع](7) مقدار جناح
(1) أثبتناه لما يتطلّبه السياق .
(2) من الكامل .
(3) من الكامل .
(4) كذا في الكامل ، وفي الأصل : سخط النار .
(5) تفسير القمّي : 2 / 291 ، كامل الزيارات : 100 ح 1 ، ثواب الأعمال : 108 ح 1 ، الملهوف : في مقدمة المؤلف ، عنها البحار : 44 / 281 ح 13 ، وعوالم العلوم : 17 / 526 ح 4 .
وأخرجه في مدينة المعاجز : 4 / 152 ح 217 ، وعوالم العلوم : 17 / 532 ح 1 عن القمّي .
(6) كامل الزيارات : 100 ح 2 ، عنه البحار : 44 / 291 ح 32 ، وعوالم العلوم : 17 / 533 ح 5 .
(7) من الكامل .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 163

ذباب كان ثوابه على الله عز وجل ولم يرض له بدون الجنّة .(1)
وروى رضي الله عنه عن مسمع بن عبد الملك البصري قال : قال لي أبو عبد الله الصادق عليه السلام : يا مسمع ، أنت من أهل العراق ؟
قلت : نعم .
قال : أما تأتي قبر الحسين عليه السلام ؟
قلت : يا مولاي ، أنا رجل مشهور عند أهل البصرة ، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة وأعداؤنا كثير من القبائل(2) من النصّاب وغيرهم ، ولست آمنهم أن يرفعوا خبري عند ولد سليمان فيمثّلون بي .
قال : أما تذكر ما صنع به ؟
قلت : بلى والله .
قال : فتجزع ؟
قلت : نعم والله وأستعبر لذلك حتى يرى أهلي ذلك(3) ، فأمتنع من الطعام الشراب حتى يستبين ذلك في وجهي .
قال : رحم الله دمعتك ، أما إنّك من الذين يعدّون في أهل الجزع لنا ، والذين يفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويخافون لخوفنا ، ويأمنون إذا أمنّا ، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملك الموت بك ، وما
(1) كامل الزيارات : 100 ح 3 ، عنه البحار : 44 / 291 ح 33 ، وعوالم العلوم : 17 / 533 ح 4 .
(2) في الكامل : من أهل القبائل .
(3) في الكامل : أثر ذلك .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 164

يلقونك به من البشارة أفضل لك(1) ، ثم استعبر واستعبرت معه ، فقال : الحمد لله الذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة .
يا مسمع ، إنّ السماوات والأرض لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا ، ومن يبكي لنا من الملائكة أكثر منكم ، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا ، وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه ، فإذا سالت دمعته(2) على خدّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها ، حتى لا يوجد لها حرارة ، وإن الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا لاحوض ، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبّينا إذا وردوا عليه(3) .
يا مسمع ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ، ولم يستق بعدها أبداً ، وهو في برد الكافور ، وريح المسك ، وطعم الزنجبيل ، أحلى من العسل ، وألين من الزبد ، وأصفى من الدمع ، وأذكى من العنبر ، يخرج من تسنيم ، ويمرّ في أنهار الجنان ، يجري على رضراض(4) الدر والياقوت ، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء ، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام ، قد حانه من الذهب والفضّة وألوان الجواهر ، وما عين(5) بكت لنا الا نعمت بالنظر إلى الكوثر وسقيت منه(6) ،
(1) زاد في الكامل : ولملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الامّ الشفيقة على ولدها ، قال .
(2) في الكامل : دموعه .
(3) في الكامل : وإنّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه حتى انّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه .
(4) الرضراض : الحصى أو صغارها .
(5) في الكامل : وما من عين .
(6) زاد في الكامل : من أحبّنا ، وإنّ الشارب منه ليُعطى من اللذّة والطعم والشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا .

السابق السابق الفهرس التالي التالي