تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 143

عليه وآله أخبره انّ ابن ملجم يقتله ، ونسبة جماعة انّ حروبه كانت خطأ(1) ، وانّه قتل المسلمين عمداً ، وقول واحد من علمائهم : إنّ الحسن قتل ابن ملجم ، وكان لعلي أولاد صغار ولم يتربّص به ، وقول القتيبي : أوّل خارج في الاسلام الحسين(2) .
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ، ولعمري انّ هذا الأمر عظيم ، وخطب في الاسلام جسيم ، بل هو كما قال الله : «إنّ هذا لهو البلاء المبين»(3) ، فصارت الغوغاء تزعق(4) على المحدّثين والذاكرين لأمير المؤمنين .
شعر :
إذا ما ذكرنا من عليّ فضيلة رمينا بزنديق وبعض أبي بكر
(1) انظر الغدير : 3 / 188 وص 249 .
(2) وهكذا دواليك إلى ما شاء الله أن يدوّنوا ممّا ارتضته أنفسهم وأزاغهم الشيطان به ، ولقد تصدّت لهذه المتاهات أقلام منصفة سجّلت القول الحقّ تارة في مؤلّفات خاصّة ، وتارة في فصول أو أبواب ضمن تأليفاتهم ، وتارة بالاشارة إلى ما وضعه الوضّاعون تقرّباً لسلطان ، أو حبّاً في جاهٍ أو مالٍ .
وممّن تناول هذا الموضوع بالتأليف أو بالاشارة : ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة : 3 / 17 ، وج 11 / 45 و46 ، والشهيد القاضي التستري في الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة ، والمير حامد حسين النيشابوري اللكنهوي المتوفّى سنة 1306 هـ في كتابيه «شوارق النصوص في تكذيب فضائل اللصوص» و«عبقات الأنوار» ، والعلامة الأميني في موسوعة «الغدير» ، والأستاذ صائب عبد الحميد في منهج في الانتماء المذهبي : 191 وما بعدها ، والسيد علي الميلاني في مقالات نشرت في مجلة تراثنا «الاعداد 20 ـ 31» تحت عنوان : من الأحاديث الموضوعة .
(3) سورة الصافات : 106 .
(4) أصل الغوغاء الجراد حين يخف للطيران ، ثمّ استغير للسفلة من الناس والمتسرّعين إلى الشر ، ويجوز أن يكون من الغوغاء الصوت والجلبة لكثرة لغطهم وصياحهم .
والزعق : الصياح .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 144

وقال آخر :
وإن قلت عيناً من عليّ تغامزوا عليّ وقالوا قد سببتَ معاوية(1)

«أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه وأضلّه الله على عِلم وختم على سمعه وقلبه وجعل علىبصره غشاوة»(2) ، وبقيت علماء الشيعة في أمورهم متحيّرين ، وعلى أنفسهم خائفين ، وفي الزوايا متحجّرين ، بل حالهم كحال الأنبياء والمرسلين ، كما حكى سبحانه على الكافرين : «لئن لم تنته يا لوط لتكوننّ من المُخرجين»(3) ، «لئن لم تنته يا نوح لتكوننّ من المرجومين»(4) ، «لنخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودنّ في ملّتنا»(5) فقلتُ : «اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين»(6) .
فحثثت ركابي عن ديارهم ، وأبعدت قراري من قرارهم ، واستحليت البعد عن مزنهم ، واستعذبت البروز(7) عن برزتهم ، وحططت رحلي ببلاد سيد الوصيّين ، وألقيت كلّي(8) على إمام المتّقين ، وجعلت مشهد قرّة عينه أبي عبد الله موطني ، وحضرته الشريفة في حياتي ومماتي مسكني ومدفني ، لا اريد منها
(1) مناقب ابن شهراشوب : 1 / 5 .
(2) سورة الجاثية : 23 .
(3) سورة الشعراء : 167 .
(4) سورة الشعراء : 116 .
(5) سورة الأعراف : 88 .
(6) سورة الفاتحة : 6 و7 .
(7) البروز : الخروج .
(8) الكَلّ : الذي هو عيال وثقل على صاحبه ، قال الله تعالى : «هو كَلّ على مولاه» أي عِيال . «لسان العرب : 11 / 594 ـ كلل ـ » .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 145

بدلاً ، ولا أبغي عنها حولاً ، اُزيّن منابرها ببديع نظامي ، واُسرّ محاضرها بمعاني كلامي ، واُقلّد أجياد مدائحه بدرر لفظي ، واُزيّن خرائد محامده بملابس وعظي ، ملازماً على الدعاء آناء ليلي وأطراف نهاري ، وعقيب تهجّدي وتلاوتي في أسحاري ، بدوام دولة من أعلى كلمة الاسلام بعد رفضها ، ورفع درجة الايمان بعد خفضها ، وقطع عصب النفاق بقاطع غضبه ، وقمع أرباب الشقاق بسطوة حربه ، وأقرّ عين جدّه المصطفى ، وأبيه المرتضى ، وأسخن عيون اُولي الضلالة والشقاء ، وجعل الدين الحنيف يميس(1) في حلل المهابة والبهاء ، والحقّ يرفل في ميادين القوّة والعلاء .
فرع النبوة ، وشجرة الفتوّة ، الناطق بالصدق ، والداعي إلى الحقّ ، قامع كلّ ظالم ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، عماد الدين ، وعميد المؤمنين ، علم الشريعة النبويّة ، ومؤيّد الشيعة الاماميّة .
شعر :
علويّ النجار(2) من آل موسى أبحر العلم والجبال الرواسي
هاشـميّ لا من بني عبد شمس فاطميّ لا من بـني العبّـاس

صاحب الأصل الراسخ ، والفرع الشامخ ، والمجد الأطول ، والشرف الأعبل ، قاتل الكفرة ، وخاذل الفجرة ، وطاهر الاُسرة ، وجمال العترة ، السيّد الأفخر ، والعنصر الأطهر ، والليث الغضنفر ، زينة ولد جدّه أمير المؤمنين حيدر ، وعمدة ذرّيّة السيد الشهيد السعيد شاه حيدر ، مولانا وسيّدنا السلطان الجليل شاه إسماعيل أبو المظفّر ، الذي أيّد الله الاسلام بعزيز نصره ، وقطع دابر البهتان
(1) العَيس : التبختُر .
(2) النجرُ والنجّار والنُجار : الأصل والحسب . «لسان العرب : 5 / 193 ـ نجر ـ » .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 146

بغالب أمره ، وأظهر بدر الحقّ بعد خفائه ، وأنار نور الصدق بعد انطفائه ، وأنطق لساني بمدح سادتي وأئمّتي ، وأطلق جناني بسبّ حسدتي وأعداء ملّتي .
أقطع بحدّي غراسهم ، وأقلع بجدّي أساسهم ، معتقداً ذلك من أفضل أعمالي ، وأكمل أفعالي ، الذي أتّصل به إلى منازل السعادة الباقية ، والجنّة العالية ، جعل الله أركان دولته في صعيد السعادة الثابتة ، ودوحة سلطنته في ربوة السيادة نابتة ، وأعلام النصر منصوبة على هامة رفعته ، وكلل المجد مضروبة على عظمة سدته ، وآيات الايمان بدوام أيّامه متلوّة ، ورايات الاسلام بسديد آرائه مجلوّة ، وشمس شرفه في أفلاك التأييد سائرة ، وأنجم عظمته في منازل التأييد دائرة ، والعكوس إلى قضايا عدوّه موجّهة ، والنحوس بذكر مساوئ ضدّه منوّهة .
اللهم اجعل أعداءه في قبضة أسرة مأسورين ، وبصارم سطوته مقهورين ، وبعد الامرة مأمورين ، وبعد الرفعة مدحورين ، واجعل لهم بأنفسهم شغلاً شاغلاً ، ومن أعدائهم بلاءً نازلاً ، واشف صدورنا بغيظهم ، وأظللنا بظلّك من فيضهم ، فإنّهم قد ألحدوا في آياتك ، ولدّنوا(1) ببيّناتك ، وأهانوا أولياءك ، وأعزّوا أعداءك ، وراموا إطفاء أنوار الايمان ، وإخفاء اعلام القرآن ، وقتل ذرّيّة نبيّك سيد المرسلين ، وهضم عترة وليّك أفضل الوصيّين ، ونصبوا نصاب الشرك ، وأظهروا كلمة الكفر ، وقصدوا المؤمنين في أنفسهم وأموالهم ، وأجلبوا عليهم بخيلهم ورجالهم ، وغزوهم في ديارهم ، وراموا قلع آثارهم ، وقطع أدبارهم ، واستئصال شأفتهم ، واستحلال حرمتهم ، وأسر ذراريهم ونسائهم ، وقهر علمائهم وأعلامهم ، وشنّوا عليهم الغارات ، وأظهروا فيهم الترّات ،
(1) يقال : تلدّن عليه إذا تلكّأ عليه . «لسان العرب : 13 / 383 ـ لدن ـ » .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 147

وشرّدوهم عن بلادهم ، وقطعوهم عن موادّهم ، وجعلوا الجزع شعارهم ، والهلع دثارهم ، وتركوهم عماله يتكفكفون ، وحاملين لا يعرفون ، عباديد(1) في الأقطار ، ومتفرّقين في الأمصار ، قد اُخرجوا من ديارهم بغير حقّ الا أن يقولوا ربّنا الله(2) ، واوذوا لاعتقادهم العصمة والصدق في أولياء الله لا ذنب لهم إلا حب أهل بيت نبيهم الأطهار ، وبغض أعدائهم الظلمة الفجّار ، الذين خالفوا نبيك ، وهضموا وليّك ، واستحلّوا حقّه ، وأكذبوا صدقه ، وجحدوا نصّ النبي عليه ، ووجّهوا وجهة ظلمهم إليه ، ومنعوا الزهراء نحلتها ، واستصفوا بلغتها ، وخالفوا والدها ، وكذّبوا شاهدها ، وقتلوا ذرّيّتها بعدها .
اللهم فطوّقهم أطواق لعنتك ، واقرعهم بقوارع نقمتك ، وصبّ عليهم سوط عذابك ، وصخّ(3) أسماعهم بصوت عقابك ، وارفع لنا عندك درجة ببغضهم ، وهيّئ لنا من أمرنا رَشداً(4) ـ بغضهم ـ ولا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين ، ونجّنا برحمتك من القوم الكافرين(5) .
اللهمه الحظ سلطاننا بعين عنايتك ، ونوّر نصره واحففه بملائكتك ، وافرغ عليه منك واقية باقية ، وثبّت له قدم صدق في معارج التوفيق راقية ، واجعل له من لدنك سلطاناً نصيراً ، واقسم له من مغانم ألطافك فضلاً كبيراً ، وردّ أعداءه بغيظهم لن ينالوا خيراً «ربّنا ءاتهم ضعفَين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً»(6)
(1) عباديد وعباييد : أي متفرّقين . «لسان العرب : 3 / 276 ـ عبد ـ » .
(2) إشارة إلى الآية : 40 من صورة الحجّ .
(3) الصاخّة : صيحة تصخّ الأذن أي تطعنها فتصمّها لشدّتها ، ومنه سمّيت القيامة الصاخّة . «لسان العرب : 3 / 33 ـ صخخ ـ » .
(4) إشارة إلى الآية : 10 من سورة الكهف .
(5) إشارة إلى الآيتين : 85 و86 من سورة يونس .
(6) سورة الأحزاب : 68 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 148

فإنّه والى أولياءك ، وعادى أعداءك ، وقطع فيك الأقربين ، ووصل الأبعدين .
ولمّا استقرّت لي الدار في حضرة سيّد الشهداء ، وطاب لي القرار في مقام خامس أصحاب الكساء ، أردت أن أسم حبيبي بميسم العبوديّة لشريف حضرته ، وأرقم اسمي في دفاتر أرقّاء خدمته ، واُعطّر المَجالس بنشر مناقبه ، واُسرّ المُجالس بذكر مراثيه ، فجمعت هذا الكتاب مع قلّة بضاعتي ، وركود قريحتي ، فكنتُ بإهدائه إلى عزيز جنابه كناقل التمر إلى هجر(1) ، ومهدي الحصى إلى الدرر ، وقد روى لساني عن قلبي ، ورقم بناني عن لبّي :
فارَقـتُ قـَومـاً دينهـُم نَـصبٌ وإلحـاد وكُفـرُ
بذوي الفـسـوق بأرضهم سـوق وللـفجّـار فجر
لقَضائهم فـي هتـك دين المـصطـفى نابٌ وظفرُ
إن قلت عينـاً مـَن عليّ أظـهروا حـِقـداً وهرّوا(2)
شبه الكـلاب إذا عـوت فالشر منــهـم مسـتمرّ
علماؤهـم علـماء سـوء طبعـهـم غـدر ومـكر
ورجـالـهم بــقـر إذا ذُكِر الوصـيّ عتوا ومكر
ونـساؤهم بالـغنـج كم من زاهـد فتـنوا وغرّوا
هـذا وكـم مــنـزلة بعد الغنى مـنهـنّ فقـر
كم ليـلة مـن هـجرهم أمسى فؤادي فيـه جـمر
فهجرت منصرفــي إذ لي لِسَـمع الهـجر وقـر
وحثثت رحلي نحـو مَن هو للنبـيّ أخٌ وصـهـر
(1) أورد هذا المثل الميداني في مجمع الأمثال : 2 / 152 رقم 3080 بهذا اللفظ : كَمُستَبضع التمر إلى هَجَرَ .
(2) الهرّ : الاسم من قولك هررته هرّاً أي كرهته . «لسان العرب : 5 / 260 ـ هرر ـ » .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 149

مولىً اُزيحُ بِقصده عن ساحتي ضرّ وعَسِرُ

وتلوت : «الحمد لله الذي نجّانا من القوم الظالمين وقل ربّ أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين»(1) .
ثمّ إنّي بعد أن منّ الله عليّ بمجاورة سبط نبيّه ، وأهّلني للاقامة في حضرة وليّه وابن وليّه ، أطلق لساني بمدح رسوله المصطفى ، ووليّه المرتضى ، وأهل بيتهما الأئمّة النجباء سادة أهل الدنيا والاخرى ، الذين جعل الله أجر الرسالة مودّتهم ، وألزم الكافّة طاعتهم ، فصرت اُحلّي بذكرهم المنابر ، واُزيّن بشكرهم المحاضر ، واُشنّف بمدحهم المسامع ، واُشرّف بوصفهم الجوامع ، واقمع هامات من ناواهم بمقامع نظمي ونثري ، وارغم معاطس(2) من عاداهم بأكفّ خطبي وشعري .
فقلّ أن يمضي يوم من الأيّام التي حباهم الله فيها بتفضيله ، ونوّه بذكرهم في محكم تنزيله ، الا وقد وضعتُ خطبة في فضل ذلك اليوم الشريف ، وأوردت كلمة في عمل ذلك الوقت المنيف ، كخطبة «مولد البشير النذير» ، وخطبة «يوم الغدير» وذيّلتها بأحاديث رائقة ، ونكت شائقة ، يطرب لها المؤمن التقي ، ويهجرها سمع المنافق الشقيّ ، وخطبة «يوم السادس من شهر ذي الحجّة» الذي كان فيه تزويج البتول من صنو الرسول ، ويوم نزول سورة «هل أتى» ، وما في فضلهم أتى ، والمجلس المشهور بـ «تحفة الزوّار ومنحة الأبرار» وهو مجلس ذكرت فيه ثواب زيارة سيد الشهداء وفضل كربلاء ، وكالتعزية الموسومة بـ «مجرية العبرة ومحزنة العترة» وهي خطبة يوم التاسع من المحرّم ، وكالمجلس
(1) سورة المؤمنون : 28 و29 .
(2) المَعطِس والمَعطَس : الأنف لأنّ العُطاس منه يخرج . «لسان العرب : 6 / 142 ـ عطس ـ » .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 150

المشهور بـ «قاطع أسباب النفاق ، وقامع أرباب الشقاق» وهو مجلس قلته بإذن الله في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجّة ، وخطبت به على صهوة(1) المنبر ، وأوردت فيه مآثم على عدوّ الله إبليس الأكبر ، وكالرسالة الموسومة بـ «السجع النفيس في محاورة الدلام وإبليس» .
وغير ذلك من رسالات وخطب وأشعار تحثّ على اقتناء الفضائل ، وتنهى عن اقتراف الرذائل ، وتوضح من أدلّة التوحيد ما فيه تلال الطالب ، وبلاغ الراغب ، بأدلّة قاطعة ، وحجج ساطعة ، والتحذير من الدار الفانية ، والترغيب في الحياة الباقية ، وكان ذلك يشتمل على مائتي ورقة وأكثر ، أبهى من عقود اللآلئ وأبهر ، قد فاز من البلاغة بالسهم المعلّى ، وحاز من الفصاحة السهم الأعلى ، تمجّ فقراته مسمع الحاسد البغيض ، وتسمر(2) حلاوة ترصّعاته فم المعاند المريض ، كما وصفت في راتق(3) نظمي من رام بصعر خدّه هظمي :
كـم شـامـخ بأنـفـه تـكبـّراً وبـاذخ بـخـدّه تـصعـّرا
ومـضمر لحـسن لفـظي حسداً ووجهه يظهر مـا قد أضمرا
ترجـف منه وحـشـاه حـنـقاً يـكاد يزلـقـني بـما يـرا
يـنأى وينهى عن مقامي جـاهداً يريد أن يشنأنـي بين الورى
كـانّ لـفـظي أسهـم بـقلـبه حـدّ يـبالي لمعـاينـها برا
في مدح صنو المصطفى اسنادها بالصدق ما كان حديثاً مفـترا
يمـجّها مســمع ذي وقـاحـة أعسى النفاق سمعه والمبصرا
يعرض عنّـي مـعرضاّ بعارضٍ فداً له كم فيه من لــوم جرا
(1) صَهوَةُ كل شيء : أعلاه . «لسان العرب : 14 / 471 ـ صها ـ » .
(2) السمرُ : شَدّك شيئاً بالمسمار . «لسان العرب : 4 / 378 ـ سمر ـ » .
(3) الراتق : الملتئم .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 151

كذا مريض القلب في لهاته يرى الزلال العذب صابا ممقرا
لا زال في أحشائه وقـلبه من سقط زند مقولي نار الـشرا

ثمّ إنّي بعد ذلك عثرت على كتاب لبعض فصحاء اللغة الفارسيّة(1) ، وفرسان البلاغة الأعجميّة ، أصحاب المجد القديم ، والدين القويم ، الذين قال الله سبحانه فيهم : «وءاخرين منهم لمّا يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم»(2) تزيّن بتحقيقهم وتدقيقهم المجامع والمجالس ، وكيف لا يكون ذلك كذلك وقدقال سيد المرسلين : لو كان العلم معلّقاً بالثريّا لناله رجال من فارس(3) ؟
(1) مراده كتاب «روضة الشهداء» ، للمولى الواعظ الحسين بن علي الكاشفي البيهقي ، المتوفّى في حدود سنة 910 هـ ، مرتّب على عشرة أبواب وخاتمة ، وهو أوّل مقتل فارسي شاعت قراءته بين الفرس حتى عرف قاريه بـ «روضة خوان» ، «الذريعة : 11 / 294 رقم 1775» .
(2) سورة الجمعة : 3 .
(3) روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة ، ففي بعضها : لو كان الدين ، وفي بعضها : لو كان الإيمان . وإليك جملة من مصادره :
مصنّف عبد الرزّاق : 11 / 66 ح 19923 ، مصنّف ابن أبي شيبة : 12 / 206 ح 12561 وص 207 ح 12562 ، مسند أحمد : 2 / 296 ـ 297 وص 308 ـ 209 وص 417 وص 420 وص 422 وص 469 ، صحيح البخاري : 6 / 188 ، صحيح مسلم : 4 : 1972 ب 59 ح 2546 ، سنن الترمذي : 5 / 384 ب 48 ح 3261 وص 413 ب 63 ح 3310 وص 725 ب 71 ح 3933 ، شعب الايمان : 4 / 342 ح 5330 ، مسند أبي يعلى : 3 / 23 ح 1433 وص 27 ح 1438 ، تفسير الطبري : 26 / 42 وج 28 / 62 ، المطالب العالية : 4 / 158 ح 4228 ، المعجم الكبير للطبراني : 10 / 251 ح 10470 ، حلية الأولياء : 6 / 64 ، دلائل النبوّة : 6 / 333 و 334 ، فردوس الأخبار : 4 / 367 ح 7060 ، تفسير البغوي : 4 / 187 وص 339 ، البداية والنهاية : 6 / 197 ، تفسير الكشّاف : 4 / 530 ، زاد المسير : 7 / 415 ، كنز العمّال : 12 / 92 ح 34134 ، جامع الأصول : 16 / 258 وج 18 / 93 ، مدارك التنزيل : 4 / 143 ، لباب التأويل : 4 / 143 وص 264 ، البحر المحيط : 8 / 86 ، تفسير ابن كثير : 4 / 196 ، وص 388 ، مجمع الزوائد : 10 / 64 وص 65 ، كشف الهيثمي : 3 / 316 ح 2835 ، تفسير أبي
=
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 152

ووجدته رضي الله عنه قد رتّبه على عشرة مجالس لقيام المآتم ، لمصاب الغرّ الميامين من بني هاشم ، شهداء كربلاء وأهل «قل لا أسألكم عليه أجراً الا المودّة في القربى»(1) وجعلها خاصّة بالعشر الاول من شهر محرّم الحرام الذي فيه هتكت حرمة الاسلام ، وقتلت ذرّيّة سيد الأنام ، وجعل لكلّ يومٍ من أيّامه مجلساً لقواعد الحزن والتعزية مؤسّساً .
أثابه الله ثواب الصدّيقين ، وحشره في زمرة أوليائه الطاهرين .
فاستخرت الله سبحانه أن أنسخ على منواله في التصنيف والترتيب ، وأقتدي بأفعاله في التأليف والتهذيب ، واُزيّن مجالس أهل الإيمان بمناقب سادتهم ومواليهم ، واُهيّج أحزان قلوب أهل العرفان من شيعتهم ومواليهم ، واُحلّي أجياد اللسان العربي بدرر نظمي ونثري ، واُجدّد معاهد الأشجان بنواضح بدائع فكري ، ورتّبته كترتيبه ، وبوّبته كتبويبه ، لكن لم أقصد ترجمة كلامه ، ولا سلكت مسلكه في نثاره ونظامه ، وجعلته عشرة مجالس ، وسمّيته بـ «تسلية المُجالس وزينة المَجالس» ، ولم اورد فيه من الأحاديث الا ما صحّحه علماؤنا ، ورجّحه أعلامنا ، ودوّنوه في كتبهم ، ونقلوه عن أئمّتهم .
اللهم اجعلنا من السالكين بقدم الصدق إلى ما أوردوا ، والمؤيّدين من السنّة النبويّة لما أيّدوا ، إنّك على كل شيء قدير .
= السعود : 8 / 103 ، الجامع الصغير : 2 / 434 ح 7459 و7464 ، الدر المنثور : 6 / 76 وص 215 ، الفتوحات الإلهيّة : 4 / 155 ، روح المعاني : 26 / 75 وج 28 / 83 ، قرب الاسناد : 52 ، مجمع البيان : 5 / 108 وص 284 ، تفسير أبي الفتوح الرازي : 10 / 198 وج 11 / 143 ، منهج الصادقين : 8 / 357 وج 9 / 274 ، تفسير الصافي : 5 / 32 وص 173 ، نور الثقلين : 5 / 46 ح 39 وص 323 ح 22 .
(1) سورة الشورى : 23 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 153

المجلس الأوّل

في ذكر امور تتعلّق بظلامة أبي عبد الله الحسين عليه السلام
وما في معناها ، وطرق في ذكر ثواب من أظهر الجزع
لمصابه ومصاب أهل بيته ، وثواب من بكى
لرزيّتهم ، وجلس لعزيّتهم

الحمد لله الذي زيّن قلوب أوليائه بملابس عنايته ، وحلّى نفوس أصفيائه بنفائس كرامته ، وشرى منهم أنفسهم وأموالهم بنعيم جنّته ، وأطلعهم على أسرار ملكوته ، فعزفت(1) أنفسهم عن الدنيا الدنيّة إلى جوار حضرته لما جذب أنفسهم بزمام عنايته إلى جنابه الأقدس ، وأجلسهم على بساط اُنسه في ظلّجواره المقدّس ، وناداهم في سرائرهم في ذلك المقام المشرّف ، وخاطبهم في ضمائرهم بخطابه الجليل الأشرف ، وسقاهم من شراب جنّته بالكأس الرويّة ، وأطلعهم على ما أعدّ للمجاهدين في سبيله من المقامات السنيّة والدرجات العليّة .
بذلوا أنفسهم فنالوا فضلها ، وكانوا أحقّ بها وأهلها ، وصلوا بقدوم صدقهم إلى تلك المعاهد والمعالم ، واستظلّوا بظلال تلك العواطف والمراحم ، يجاهدون
(1) العَزف ـ بفتح العين المهملة وسكون الزاي المعجمة ـ : الزهد . «ح» .

السابق السابق الفهرس التالي التالي