الحسين في طريقه الى الشهادة 204

الخمر وكان مولعا بالقرود والفهود حتى أباح مدينة الرسول وكانت هناك من المنكرات ما يندى لها الجبين وأعماله كلها في مدة خلافته كانت مضادة للاسلام ، قال الشعبي . كانت ليزيد اخت تسمى هندا . فلما رات اسرى اهل البيت قالت ايها الاسرى ايكن ام كلثوم اخت الحسين (ع) فقالت ام كلثوم ويلك ها انا ابنة الامام الزكي والهمام التقي والصمصام النقي امير المؤمنين وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين . الذي قرن الله طاعته بطاعته وعقابه بمعصيته . والذي فرض الله تعالى ولايته على البدوي والحضري فهو مبيد الاقران والفرسان والمتوج بتاج الولاية والسلطان وهعو الذي كسر اللات والعزى وطهر البيت والصفا . فلما سمعت اخت يزيد ذلك . قالت : يا ام كلثوم ولاجل ذلك اخذتم وبمثله طلبتم وهو نتم . يا بني عبد الملطلب بمثل ربيعة وابي جهل واضرابهم تسفك دماؤكم أنسينا اباك يوم بدر وما قتل من رجالنا . فقالت ام كلثوم . يا بنت من خبث من الولادة والاولاد ويا ابنة اكلة الاكباد . لسنا كنسائهم المشهورات بالزنا والخنا . ولا رجالنا العاكفون على اللات والعزى . أليس جدك ابا سفيان الذي حزب على الرسول الاحزاب أليست امك هند باذلة نفسها لوحشي واكلت كبد حمزة جهرا . أليس ابوك الضارب في وجه امامه بالسيف اليس اخوك قاتل اخي ظلما وهو سيد شباب اهل الجنة وابن بنت الرسول . وكثر ما ملكتموه في الدنيا فانه في الاخرة قليل ، وهذا عبد الملك بن مروان اول من نهى عن الامر بالمعروف في الاسلام . فانه أتى المدينة بعد قتل ابن الزبير فصعد المنبر فقال : لا يأمرني احد بتقوى الله بعد مقامي هذا الا ضربت عنقه واتبعه على ذلك سائر الملوك ولكن أولاده كانوا اكثر الناس اتباعا له عملا بالمنكر وبعدا عن المعروف . فقد كان الوليد اسمه جبارا عنيدا وكان يرغب في بناء القصور . فكان حديث الناس في ايامه البناء ولم يكن للوليد حظ من العلم صعد المنبر يوما فقال : ان علي بن ابي طالب (ع) لص وابن لص بكسر الصاد فيهما وصعد المنبر يوما فقال في خطبته يا ليتها كانت القاضية . بضم التاء . فقال ابن عبد العزيز يا ليتها كانت القاضية تعريضا بالدعاء

الحسين في طريقه الى الشهادة 205

عليه . وجميع ما اقترفه الحجاج في عنق الوليد وعبد الملك لانه كان واليا من قبلهما .
قال ابو العطاء السندي من شعراء الحكومة الاموية والعباسية :
ان الخيار من البـرية هاشـم وبنـوا اميـة ارذل الاشرار
وبنوا امية عودهم من خروع ولهاشم في المجد عود نضار
اما الدعاة الى الجنـان فهاشم وبنوا اميـة من دعـاة النار
وبهاشم زكت البلاد واعشبت وبنوا امية كالسراب الجاري

وكان حديث الناس في زمن سليمان بن عبد الملك الطعام والنكاح لانه كان لا يرغب في سواهما حتى قيل انه اكل يوما احشاء ثلاثين حملا في ثلاثين رغيفا . ولما حضرت المائدة أكل مع الناس كانه لم يكن قد اكل قبل . واكل يوما ماءة رطل من الطعام . وكان لشرهه لا يصبر اذا اتى له بالدجاج المشوي وهو حار . فكان يتناوله بكمه وياكله . وكان اذا نام توضع عند رأسه أطباق الحلوى ليأكل منها اذا استيقظ في اثناء الليل . وقد سبقه الى هذا معاوية بن ابي سفيان . وهذه الخلة لا تناسب الخلافة التي قوامها المواساة للناس ، وانظر الى يزيد بن عبد الملك واستهتاره بالدين والصلوة . يروي انه طرب يوما وعنده حبابة جاريته وسلامة القس . فقال . دعوني اطير . فقالت حبابة على من تدع هذه الامة يا امير المؤمنين قال عليك . وغنته بهذا البيت :
وبين التراقي واللهات حرارة وما ظمأت ماء يسوغ فتبردا

فأهوى ليطير . فقالت يا امير المؤمنين . ان لنا فيك حاجة . فقال : والله لاطيرن . فقالت على من تخلف الامة والملك ؟ قال : عليك والله وقبل يدها . فخرج بعض خدمه وهو يقول سخنت عينك فما أسخفك .
وخرجت يوما تتنزه معه الى ناحية الاردن فرماها بحبة عنب فدخلت حلقها فشرقت ومرضت وماتت فتركها اسبوعا لم يدفنها حتى انتنت وهو يشمها ويقبلها وينظر اليها ويبكي فكلم في أمرها حتى اذن في دفنها وعاد الى قصره كئيبا حزينا . وسمع جارية تتمثل بعدها :
كفى حزنا بالهائم الصب أن يرى منازل من يهوى معطله قفرا

الحسين في طريقه الى الشهادة 206

فبكى . وبقي بعد موتها سبعة أيام لا يظهر للناس . اشار عليه اخوه ـ مسلمة ـ بذلك مخافة أن يظهر منه ما يسفهه عندهم .
وقال آخر : ووجد يزيد بعد موت حبابة وجدا شديدا . فخرج مشيعا لجنازتها ومعه أخوه مسلمة بن عبد الملك ليسليه ويعزيه فلم يجبه بكلمة . ولم يطلق الركوب من الجزع . وعجز عن المشي . فأمر مسلمة فصلى عليها . ولما دفنت بقي بعدها خمسة عشر يوما ومات ودفن الى جانبها ، واخبار يزيد مع حبابة كثيرة . تدل على ما بلغت به امية من الدعارة وترويج الزنا والفجور ومخالفة احكام الاسلام .
واليك ما يروي من اخبار هشام . اشترى هشام جارية بمال جزيل اسمها صدوف فعتب عليها في شيء ذات يوم فحلف ان لا يبدأها بكلام . فجلس مغموما . فدخل عليه الكميت . فقال له : مالي أراك مغموما يا أمير المؤمنين ؟ فاخبره بالقصة فانشأ استرضاء له .
اعتبت ام عتبت عليك صدوف وعتاب مثلك مثلها تشريف
لا تقعـدن للـوم نفسـك دائما فيها وأنت بحبها مشغـوف
ان العزيمة لا تقـوم بمثلـهـا الا القوي بها وأنت ضعيف

فقال هشام صدقت والله . فقام من مجلسه ودخل عليها . ونضهت اليه فاعتنقته . وأعطى هشام الكميت ألف دينار . وعندما اشترى يزيد بن عبد الملك سلامة القس التي كانت بارعة بالجمال قال للشاعر صفها . فقال :
هي شمس النهار في الحسن الا أنها فضلـت بفتك الطراف
غضة بضة رخيـم لـعـوب وعثة المتـن نحثة الاطراف
خلقت فوق منيـة المتمـنـى فاقبل النصح يابن عبد مناف

هذه خلافة بني امية ودعارتها . وهي تدعي الخلافة على المسلمين ويدعى لها على المنابر تعالوا على الاسلام نبكي ونلطم .
والوليد بن يزيد بن عبد الملك كان ماجنا مولعا بشرب الخمر . فقال له

الحسين في طريقه الى الشهادة 207

هشام يوما . ما ادرى اعلى الاسلام انت ام لا . ما تدع شيئا من المنكرات الا اتيته غير متحاش فاجابه الوليد :
يا ايها السـائل عن ديننا نحن على دين ابي شاكر
نشربها صرفا وممزوجة بالسخن احيـانا وبالفاتر

وابو شاكر هو مسلمة بن هشام . وكان شريبا للخمر كالوليد . ولما مات هشام . كان الوليد بالاردن . فجاءته الرسل تهنئه بالخلافة . وحمل اليه الخاتم والقضيب . فقال غنوا بهذه الابيات :
طاب يومي ولذ شـرب السلافه واتانا نعي من بالرصافه(9)
واتانا البـريـد ينعـى هشـاما واتانا بخـاتـم للخـلافة
فاصطبحنا من خمر عانة صرفا ولهونـا بقـنـية عزافه

وحلف أن لا يبرح من موضعه حتى يغني في هذا الشعر ويشرب عليه . ففعلوا ذلك . ولم يزالوا يغنون الى الليل . وكان مدة خلافته مدمنا للخمر واللهو منادما للفساق . ولم يبال بانتهاك الحرمات . وكان يغشى امهات أولاد أبيه غير مبال بما نهى الله عنه في الذكر الحكيم . وقوله «ولا تنكحوا ما نكح اباؤكم» حتى قال فيه الشاعر :
يا وليد الخنـا تركت الطريقا واضحا وارتكبت فجا عميقا
وتماديت واعتديت وأسرفـ ـت واغويت وابتغيت فسوقا
أبدا هات ثم هـات وهـات ثم هاتى حتى تخر صعيـقا
أنت سكران ما تفيق فما تر تق فتفا وقد فتـقت فتـوقا

وذكر الانطاكي(10) ان الوليد عشق فتاة نصرانية . فقصدها في يوم عيد بغير زيه لان معشوقته أبت مواصلته . ودخل بستانا كانت قد مضين بنات النصارى للتنزه فيها . فالتفتت معشوقته الى صاحب البستان . وقالت من هذا ؟ فقال مصاب .

(9) الرصافة اراد بها رصافة الشام .
(10) انظر تزيين الاسواق .
الحسين في طريقه الى الشهادة 208

فرحمته ممازحة حتى سكن . فقيل لمشوقته هل تعرفينه ؟ قالت لا : قيل لها هذا الخليفة فمكنته من نفسها وتزوجها فقال فيها :
أضحى فـؤادك يا وليـد عميـدا صبـا قديمـا للحسان صيودا
من حب واضحـة العوارض طفلة برزت لنا نحو الكنيـسة عيدا
ما زلت ترمقهـا بعيـنـي وامق حتى بصرت بها تقبـل عودا
عود الصليب فويح نفسي من راى منكم صليبـا مثلـه معبـودا
فسألت ربـي ان اكـون مكـانه واكون في لهب الجحيم وقودا

ولما اشتهر امره فيها قال :
الا حبذا سعدي وان قيل اني كلفت بنصـرانيـة تشـرب الخمرا
يهون علينـا أن نظل نهارنا الى الليل لا أولى نصلي ولا عصرا

وفي تاريخ الخميس . ان الوليد أتى منزله فرأى بنتا له مع مرضعتها فجلس على فخذها ولم يفارقها حتى افتض بكارتها . فقالت المرضعة اخترت دين المجوس فقال الوليد :
من راقب الناس مات هما وفاز باللذة الجسور

قال ابن ابي الحديد : وجلال الدين السيوطي : ان سليمان عبد الملك . قال : لعن الله الوليد كان فاسقا . وقد دعاني يوما الى الفاحشة ـ اي اللواط ـ فقال بعض قومه اسكت لو اراد ذلك لفعل . واذن مؤذن للصلوة . وكان الوليد سكرانا . فخرج مع جارية له وحلف لتصلين بالناس فمضت الى المسجد وصلت بالناس وهي سكرانة في جنابتها .
وذكر المسعودي ، ان ابن عائشة المغني جاء يوما الى الوليد فغناه بقوله :
اني رأيـت صبيحـة النحـر حورا تعين عزيمة الصبر
مثل الكـواكـب في مطالعها عند الغناء أطفـن بالبـدر
وخرجت ابغي الاجر محتسبا فرجعت موفورا من الوزر

قال الوليد أحسنت . وعزم عليه بحق عبد شمس لما اعادها . فأعاد . ثم عزم عليه بحق امية فأعادها . وهكذا عزم عليه بواحد واحد من بني امية وهو

الحسين في طريقه الى الشهادة 209

يستعيدها فيعيد حتى وصل الى نفسه . فقال بحقي عليك لما أعدتها . فاعادها . فأخذه الطرب ووقع على ابن عائشة . وجعل يقبل أعضاء بدنه عضوا عضوا حتى وصل الى مذاكيره فانحنى ليقبلها . فجمع ابن عائشة فخذيه فسترها فحلف الوليد ليقبلها فقبل حشفته فنادى وهو سكران واطرباه واطرباه وخلع لباسه عنه وخلعه على ابن عائشة وبقي عريانا حتى جيئ له بلباس فلبسه . وأمر له بألف دينار ذهبا . وجيئ له ببغل . فأركب ابن عائشة وقال : لابد أن تطأ فراشي ببغلك فقد أضرمت قلبي نارا ، قال : المسعودي : وكان ابن عائشة . قد غنى يزيد ابا الوليد بهذه الابيات . قبل ذلك وأطربه . وقيل انه الحد في طربه وفاه بكلمة الكفر . وقال للساقي اسقني الشراب فاني في السماء الرابعة . وفي مروج الذهب . والكامل للمبرد . ان الوليد أظهر كفره والحاده في قوله :
تلعب بالخلافة هاشمي بلا وحي أتاه ولا كتاب
فقل لله يمنعني طعامي وقل لله يمنعني شرابي

هذه اعمال امية فكان منهم من ادمن الخمر كيزيد بن معاوية الذي يقول في الخمرة :
شمسيـة كـرم برجها قعر دنها ومشرقها فـدم ومغـربـها فمي
فان حرمت يوما على دين احمد فخذها على دين المسيح بن مريم

ويزيد بن عبد الملك والوليد ابنه . وتكتم بها من أقل من شرب الخمر منهم . ولقد سبق يزيد الى ذلك الوليد بن عقبه . وكان واليا في خلافة عثمان بن عفان على الكوفة . فخرج الى المسجد سكرانا . وصلى الصبح أربع ركعات . ثم التفت الى الناس . وقال : لو شئتم ان ازيدكم ركعة أزدتكم . ولم يقم عثمان عليه الحد لقرابته منه . فعيب على عثمان بذلك . وكان من اسباب قتل عثمان ، وفيهم قال الكميت :
لا كعـبـد الملك أو كـولـيـد او سليمـان بعـده أو هشام
من يمت لا يمت فقيدا وان يحـ ـيى فلا ذو الٍ ولا ذو ذمام

الحسين في طريقه الى الشهادة 210

وللسيد علي جليل الوردي رادا بقصيدته على قصيدة شوقي اذ راح يشيد بذكرهم الخامل :
بنو اميـة للشيـطـان ما صنـعـوا وللضـلالة مـا شـادوا وما دانوا
القـرد اشـرف منهـم فـي سجيـته اذ تـوجـوه فهـم للـقـرد عبدان
بوركـت (شوقي) هل اغراك بارقهم فرحـت تبكـي ودمـع العين هتان
مررت بالمسـجـد المحـزون تسأله هل في المصلى او المحراب مروان
أأنت اعمى فيا عوفيـت مـن عمـه فكيف يوجـد في المحـراب شيطان
شدوت فـي ملكهـم هـدل ان ملكهم الاضـلال وتـدليـس وبـهـتـان
من كل محـتـقـر فـي زي محترم ومبصـريـن وهـم تالله عمـيـان
أهـؤلاء يـسـودون الانـام هــدى وهــؤلاء لــديـن الله اعــوان
انالـهـم باصـول الـديـن معـرفة هل يعـرف الـديـن خمـار ودنان
الطـاس والكـأس والطنـبـور دينهم فجـدهـم نـاقـر والابن سكـران
فـلا الاذان اذان فـي ديــارهــم فـقــد تـعـالـى ولا الآذان اذان
وقيل قـد فتـح الانصـار جـيـشهم وامتد منهـم علـى الافـاق سلطان
فـقـلـت واعجـبا فتـح ولا خلـق ومجـد سيـف ولا عـدل وايمـان
ما قيـمـة الفـتـح ان ساد الفساد به وعم فـي ظلـه ظلـم وطغـيـان
ما الفتح ان تخضع الاقطار عن جشع الفتـح عـدل واخـلاق وعمـران
يا من قد ارتاب فيمـا قلت معترضا الحـق للـحـق تـأيـيـد وبرهان
فتلك يثـرب سلهـا عـن مثـالبهم تنبئـك يثـرب والانـبـاء اشبحان
كم هتكت من بنات الخدر محصنـة وريـع غيـد واطـفـال ورضعان
حمـى النبـي اباحـوه فـواعجبـا كيف استقرت علـى الاقذاء اجفان
وذلك البيـت بيـت الله قـد نسفت جوانب منه حـيـث انـدك اركان
مجـانـق آل سفيـان رمـوه بها لا كان سفيان فـي الدنيا ولا كانوا
طغت علوجهم من فرط ما غصبوا حتى كان جميـع الـناس عبـدان
ونكلـوا بدعـاة الحـق جهـدهم فضـج منهم محـاريـب وقـرآن

الحسين في طريقه الى الشهادة 211

ليت المشرع الذي أنقذنا من ظلمة الغـي الى أسنى هدى
يرى بناته تُساق حُسراً تُساقط الدمـع كهطـال السما

ليت . حرف تمني متعلق بالمستحيل غالبا . وعلى الرجاء قليلا . نحو ليت العليل الصحيح . وهي تنصب الاسم وترفع الخبر . والمشرع هو سيد الكائنات ، نبي هذه الامة رسول الله (ص) الذي أخرج الامة من هوة الضلالة . فأنقذها الى سمو الهداية والرشاد . قلت ليته يرى كرائمه سبايا تساق حسرا وهي تساقط الادمع كالمطر . قال الشريف الرضي :
ومسوق عاثـر يسعـى بـه اثر محمول على غير وطا
متعب يشكو اذى السير على نقب المنسم مجزول المطا(1)

وقال ابن هاني الاندلسي(2) :
وقد غصت البيداء بالعيس فوقها كرائم أبنـاء النبـي المكرم
ذعـرن بأبناء الضباب وأعوج فأبكين أبناء الجديل وشـدقم
يشلونها في كـل غارب دوسر عليه الولايا بالخشاش مخزم
فما في حريم بعدها في تحرج ولا هتك ستر بعدها بمحرم

والهطال . على وزن فعال . مثل قتال . من امثلة المبالغة . اسم مجرور بكاف التشبيه . والسما اسم للسحاب . قال السيد حيدر (ره) :
سبق الدمع حين قلت سقتها فتركت السما وقلت الدموع

ذكر الشبراوي(3) بعد كلام له . وأخذ عمر بن سعد بنات الحسين واخواته ومن كان معه من الاطفال وعلي بن الحسين مريض . فأدخلهم على ابن زياد . وطيف

(1) المنسم خف البعير . ونقب المنسم . أي رق وثقب . والجزل . حدوث درة في الغارب تهجم على الجوف فتهلكه . والمطا الظهر .
(2) انظر ديوان ابن هاني الاندلسي ص 684 ، مطبعة المعارف بمصر .
(3) انظر الشبراوي ـ الاتحاف ـ ص 55 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 212

برأس الحسين (ع) في الكوفة على خشبة . ثم ارسل به الى يزيد بن معاوية . وأرسل معها لصبيان والنساء . مشدودين على اقتاتب الجمال موثوقين بالحبال والنساء مكشفات الوجوه والرؤوس . ويقال : ان الذي حضر بالرأس الى الشام عمر بن سعد بن ابي وقاص . وفي عنق علي بن الحسين ويديه الغل . فدخل بعض بني امية على يزيد . فقال : ابشر يا امير المؤمنين فقد أمكنك الله من عدوك قد قتل الحسين (ع) ووجه برأسه اليك . فلم يلبث الا اياما فلائل حتى جيئ برأس الحسين . قال الشاعر :
رأس ابن بنت محمـد ووصيـه للناظرين على قناة يرفع
والمسلمون بمنظر وبمسمع لا منكر منهم ولا متفجع

وينظر الرجس يزيـد ناكثاً بعـوده ثغر الحسين ذي العلا
أبدى لذاك الحقد ما لم يُبده طالـب وترٍ قط من كـل الملا
عليه دام اللعن كلمـا جرى دم على الارض وغصنُ التـوى

الواو عاطفة . وينظر الضمير يعود الى المشرع الاعظم وهو رسول الله (ص) . والرجس هنا القبيح . وهو يزيد بن معاوية . ونكت ضرب بقضيبه . يقال . نكت الارض بقضيبه حال التفكر فأثر فيها . والثغر مقدم الاسنان . قال الشبراوي(1) . فوضع أي رأس الحسين (ع) بين يدي يزيد بن معاوية . فأمر الغلام فرفع الثوب الذي كان عليه . فحين رآه غطى وجهه بكمه . كأنه شم رائحة(2) . وقال

(1) انظر الشبراوي ـ الاتحاف ـ ص 55 .
(2) اقول أن اللعين لما رفع المنديل من على رأس الحسين (ع) شم رائحة طيبة . وانما غطى وجهه بكمه أراد أن يموه على الجلاس لئلا يشمه الحاضرون فيفتتنوا به .
الحسين في طريقه الى الشهادة 213

الحمد لله الذي كفانا المؤن بغير مؤنة .« كلما اوقدوا نارا للحرب أطفأها الله»(3) . قالت . ديا حاضنة يزيد : دنوت من رأس الامام الحسين (ع) حين شم يزيد منه رائحة لم تعجبه . فاذا تفوح منه رائحة من روح الجنة كالمسك الاذفر(4) بل أطيب . والذي ذهب بنفسه وهو قادر أن يغفر لي . لقد رأيت يزيد وهو يقرع ثناياه بقضيب في يده . ويقول ـ ليت اشياخي ببدر شهدوا ـ قال الشبراوي . وأصل هذه الابيات ـ لابن الزبعري ـ كما في الصواعق . وزاد يزيد فيها بيتين مشتملتين على الكفر ، أقول : لقد أبدى يزيد في ذلك اليوم الشماتة برسول الله (ص) واظهر حقده الذي كان قد اوغر صدره على النبي وابنائه واشتفى غليله بقتل سبطه وريحانته . وأخذ ثارات عتبة بن ربيعة وشيبة أخوه والوليد بن عتبة اذ قتلهم علي (ع) في واقعة بدر . الا تراه كيف راح يتمثل بشعر المشرك ابن الزبعري الذي كان ممن هجا رسول الله (ص) ويذكر قتلاه ببدر اذ قال :
يا غراب البين ما شئت فقل انمـا تنطـق شيئـا قد فعل
ان للخيـر وللـشـر مدى وكتـلا ذلك وجـه وقـبـل
والعطيـات خسـاس بينهم وسـواء قبـر مثـر ومقـل
كسل عيـش ونعيـم زائل وبنـات الـدهـر يلعبن بكل(5)
أبلغا حسـان عنـي آيـة فقريض الشعر يشفى ذا الغلل(6)
كم ترى بالجر من جمجمة واكـف قـد اتـرت ورجل(7)
وسرابيل حسـان سربت من كماة اهلـكوا في المنتزل(8)

(3) سورة المائدة .
(4) الاذفر صفة للمسك ـ أي الشديد الرائحة .
(5) بنات الدهر حوادثه .
(6) هو حسان بن ثابت شاعر النبي (ص) والاية . العلامة . والغلل جمع غلة وهي الحرارة والعطش .
(7) الجر أصل الجبل .
(8) السرابيل يريد هنا الدروع . وسربت أي جردت . والمنتزل موضع الحرب .
الحسين في طريقه الى الشهادة 214

كم قـتـلنـا من كـريم سيد ماجد الجـدين مقـدام بطـل
صادق النـجـدة قـرم بارع غي ملتاث لـدى وقع الاسل(9)
فسل «المهـراس» من ساكنه بين أقحـاف وهام كالحجـل(10)
ليت أشيـاخـي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
حين حكـت بقـبـاء بركها واستحر القتل في عبد الاشل(11)
ثم خفوا عنـد ذاكـم رقصا رقص الحفان يعلو في الجبل(12)
فقتلنا الضعـف من أشرافهم وعدلنـا ميل بـدر فاعتـدل
لا ألـوم النـفـس الا أنـنا لو كررنا لفعلنـا المفتـعـل
بسيوف الهنـد تعلو هامهم عللا تعلـوهـم بعـد نهـل(13)

وقد أضاف اليها يزيد بيتين وهما :
لعبـت هاشـم بالملك فـلا خبـر جاء ولا وحي نزل(14)
لست من خندف ان لم انتقم من بني أحمد ما كان فعل

قال الشبراوي أخزاه الله في هذه الابيات . ان كانت صحيحة عنه فقد كفر فيها بانكار الرسالة ولا ريب ان الله سبحانه . قضى على يزيد بالشقاء . فقد تعرض لال البيت الشريف بالاذى . فأرسل جنده لقتل الحسين (ع) وقتله وسبى حريمه وأولاده وهم أكرم أهل الارض حينئذ على الله سبحانه ، ولقد أبدى ابن ميسون في ذلك اليوم الشماتة بآل الرسول وأظهر كل ما كان يكنه ضميره من ـ الحقد الجاهلي ـ كما قال ابن هاني الاندلسي رحمه الله تعالى :

(9) الملتاث الضعيف .
(10) المهراس . ماء بأحد بالقرب من قبر الحمزة عم النبي (ص) .
(11) قوله عبد الاشل ـ اي عبد الاشهل والبرك الصدر .
(12) الرقص المشي السريع والحفان النعام .
(13) العلل والعل الشرب بعد الشرب والنهل . الشرب الاول . والعل الشرب الثاني .
(14) وهاشم هنا اراد به بني هاشم . كناية عن النبي الهاشمي .
الحسين في طريقه الى الشهادة 215

والحقـد حقـد الجـاهليـة أنه الى الآن لم يظعن ولم يتضرر
وبالثار في بدر اريقت دماؤكم وقيد اليكـم كل أجرد صلـدم(15)

اللعن . العذاب . جمعه لعان ولعنات . والملعون . المسيب المطرود . المشؤم . الممسوخ المخزي . المهلك . الشيطان . ذكر سبط ابن الجوزي(16) في باب كفر يزيد . قال ابن عقيل : ومما يدل على كفره وزندقته . فضلا عن سبه ولعنه أشعاره التي أفصح بها بالالحاد . وأبان عن خبث الضمائر وسوء الاعتقاد في قصيدته التي أولها :
علية هاتي واعلنـي وتر نمى بذلك انـي لا اجيـب التناجـيا
حديث ابي سفيان قدما سما به الى احد حتـ ى أقـام البـواكيا
الاهات سقيني على ذاك قهوة تخيرها العنسـى كـرما شئاميا
اذا ما نظرنا فـي أمور كثيرة وجدنا حـلالا شربـهـا متواليا
وان مت يا ام الحميرا فأنكحي ولا تأملي بعد الفـراق تـلاقـيا
فان الذي حدثت عن يوم بعثنا أحاديث طسم تجعل القلب ساهيا
ولابد لي من أن أزور محمدا بمشمولة صفراء تروي عظاميا

ومن قوله لعنه الله :
معشر الندمان قوموا واسمعوا صوت الأغاني
واشربـوا كأس مدام واتركـوا ذكـر المغاني
شغلتنـي نغمة العيـ ـدان عن صوت الاذان
وتعوضت عن الحو ر عجـوزا فـي الدنان

وقال محمد بن نظام الدين الانصاري(17) «وكان الاكثر» من الناس

(15) انظر ديوان ابن هاني الاندلسي (ره) .
(16) انظر سبط ابن الجوزي ـ التذكرة ص 146 .
(17) انظر محمد بن نظام الدين ـ فواتح الرحموت ـ وشرحه لمحب الله بن مشكور والمتن بين قوسين .
الحسين في طريقه الى الشهادة 216

(في زمان بني امية على امامة معاوية) مع ان الحق كان بيد امير المؤمنين علي كرم الله وجهه من غير ريبة (و) على امامة (يزيد) ابنه مع انه كان من اخبث الفساق . وكان بعيدا بمراحل من الامامة بل الشك في ايمانه خذله الله تعالى . والصنيعات التي صنعها معروفة من أنواع الخبائث (وأشباهها) من الظلمة والفسقة . وذكر المسعودي(18) . قال شمل الناس جور يزيد وعماله وعمهم ظلمه وما ظهر من فسقه من قتل ابن بنت رسول الله (ص) وما ظهر من شرب الخمر وسيرته سيرة فرعون . بل كان فرعون أعدل منه في رعيته وروى الطقطقي(19) . قال : ان يزيد بن معاوية كان موفر الرغبة في اللهو والقنص والخمر والنساء والشعر الخ : فمن شعره :
جاءت بـوجه كأن البدر برقعه نورا على مائس كالغصن معتدل
احدى يـديها تعاطيني مشعشعة كخدهـا عصفرته صفحة الخجل
ثم استبـدت وقالت وهي عالمة بما تقـول وشمـس الراح لم تقل
لا ترحلـن فما أبقيت من جلدي ما أستطيـع به تـوديـع مرتحل
ولا من النوم ما ألقى الخيال به ولا من الدمع ما ابكى على الطلل

وذكر ابن سعد في طبقاته : في ترجمة حنظلة : انه لما بايع اهل المدينة ليالي الحرة على الموت وقال : يا قوم اتقو الله وحده لا شريك له . فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء . ان رجلا ينكح الامهات والبنات والاخوات . ويشرب الخمر ويدع الصلاة . والله لو لم يكن معي أحد من الناس لابليت لله فيه بلاء حسنا ، وذكر صاحب البداية والنهاية(20) عن الطبراني عن محمد بن زكريا الغلابي . عن ابي عائشة عن ابيه . قال : كان يزيد في حداثته صاحب شراب يأخذ مأخذ الاحداث . فأحس معاوية بذلك

(18) انظر المسعودي ـ مروج الذهب ج 2 ص 75 بولاق .
(19) انظر محمد بن علي بن طباطبا المعروف بالطقطقي ـ الفخري ص 103 .
(20) انظر ابن كثير البداية والنهاية . قسم 4 ج 2 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 217

فأحب أن يعظه في رفق . فقال : يا بني ما أقدرك على أن تصير الى حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك وقدرك وانشده :
انصب نهارا في طلاب العلا واصبر على هجر الحبيب القريب
حتـى اذا اللـيل أتى بالدجى واكنحلـت بالغمض عين الرقيـب
فباشـر الليل بمـا تشتـهي فانما اللـيـل نـهـار الا ريـب
كم فاسـق تحسبـه ناسكـا قد بـاشـر الليل بأمـر عجيـب

قال سبط ابن الجوزي(21) لهذا تطرق الى هذه الامة العار بولايته عليها . حتى قال ابو العلاء المعري :
أرى الايـام تفعل كل نكر فما أنا في العجائب مستزيد
أليس قريشكم قتلت حسينا وكان علـى خلافتكم يزيد(22)

قال سبط ابن الجوزي(23) . قلت ولما لعنه جدي ابو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الامام الناصر وأكابر العلماء . قام جماعة من الجفاة من مجلسه . فقال : جدي : «الا بعدا لمدين كما بعدت ثمود»(24) وحكى لي بعض أشياخنا . عن ذلك اليوم ان جماعة سألوا جدي . عن يزيد . فقال : ما تقولون في رجل . ولى ثلاث سنين في السنة الاولى قتل الحسين (ع) وفي الثانية أخاف المدينة وأباجها(25) وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق . وهدمها(26) . فقالوا : نلعنه

(21 ، 22 ، 23) انظر سبط بن الجوزي ـ التذكرة ـ ص 164 .
(24) سورة هود .
(25) اشار الى واقعة الحرة . ذكر المدايني . في كتاب الحرة عن الزهري قال : كان القتلى يوم الحرة سبعماءة من وجوه الناس من قريش والانصار والمهاجرين . ووجوه الموالي . واما من لم يعرف من عبد أو حر أو امرأة فعشرة آلاف . وخاض الناس في الدماء الى قبر رسول الله (ص) ومنبره والسيف يعمل فيهم . وعن ابي قرة . قال : قال : هشام بن حسان . ولدت ألف امراة بعد وقعة الحرة من غير زوج . وقال : المدائني عشرة الاف امرأة . وكانت وقعة الحرة سنة ثلاث وستين في ذي الحجة ، من الاشهر الحرم .
(26) اشار الى ما فعله الحصين بن نمير . فانه رمى الكعبة بالمناجيق

السابق السابق الفهرس التالي التالي