العباس بن علي- جهاد وتضحية 107

فمدت فوقه العقبان ظلا ليقريها جسومهم طعاما
وواجهت الضيا منه محيا منيراً نوره يجلو الظلاما
أخلاء تصافحه يــداهــا إذ اختلفت بجبهته لطاما
أبي عند مس الضيم يمضـــي بعزم يقطع العضب الحسامــا

الشيخ محمد علي اليعقوبي
شاعر عراقي كبير ولُدَ في مدينة النجف الأشرف سنة 1880 نشأ وترعرَعَ في هذه المدينة المقدسة مدينة العلم والأدب فأصبح أحد أعمدة العلم فيها اتّجه نحو المنبر الحسيني منذُ نعومة أضفارِه حتّى عُدّ من أشهر خطباء المنبر الحسيني في النصف الأول من هذا القرن.
له شعرٌ وفيرٌ انصب معظمهُ في مدح ورثاء أهل البيت (عليهم السلام) من شعره الرائع هذه القصيدة التي تحدث فيها عن مآثر وبطولات العباس (عليه السلام) :
دعاني فلبيتُه مذ دعـا هوى أودعَ القلب ما أودعـــا
وما زلتُ أعصي دواعي الغــرام ولولاكُمُ لم أُجب طيعا
إذا القلبُ فيكم جوىً لا يذوب فقدْ كذبَ القلبُ فيما ادّعى
ولو أن غُلة احشائه بصللد الصفَا كاد أن يصــدعا
فجنب ورد المعين الذي به غلَة السبط لن تُنقَعا
وآب ولن يرو من جرعة وجرّعَهُ الحتف ما جَرّعا
فخرّ على ضفّة العلقمي صريعاً فاعظم به مصرعا
فما كانَ أشجى القلبِ الحسين وآلمَ منهُ ولا أفظعـــا


العباس بن علي- جهاد وتضحية 108

رأى دَمَه للقَنا منهلاً وأوصالُه للضُبا مرتَعا
قطيع اليمينِ عَفير الجبين تشقُ النصالُ له مضجَعا
أبدرَ العشيرةِ من هاشم افلت وهيهاتَ أن تطلعا
فقدتُك يا بنَ أبي واحداً ثكلتُ به مُضراً أجمــعا
قصمَت القرى وهَدمت القوى وأحنيتَ فوقَ الجوى الأضلعا
لقد هَجعت أعيُن الشامتين وأخرى لفقدكَ لن تَهجَعا
بكيتُ على ربعكم قاحلاً فأخصَبَ من أدمعي مُمرعا
فلا النومُ خالطَ لي ناظــراً ولا اللومُ قد خاض لي مَسمعا
يظن الخليُّ إلى لَعلع حَنيني ومن سكنوا لَعلعا
جزعتُ ولولا الذي قد أصابَ بني الوحي ما كدتُ أن أجزعــا
بيوم به ضاعَ عهدُ النـــبيّ وخانت أميّةُ ما استودعــا
غداة أبو الفضل لف الصفوف وفلَّ الضبا والقنا شُرِّعــا
رعى بالوفاء عهود الأخاء رعى الله ذمة موف رعى
فتى ذكَّر القومَ مُذ راعهم أباهُ الفتى البطل الأروعا
إذا ركَع السيفُ في كفِّه هَوت هامُهم سُجّداً رُكعاً
وحَولَ الشريعةِ تحمي الفرات جموعٌ قضى البغي أن تجمعا
أساقي العطاشى لقد كظّها الظما فاستقتْ بعدكَ الأدمعا
حمت الظعينة من يثــرب وأنزلتها الجانبَ الأمنعا
إذا فزعتها عوادي العدى فَمن ذا يكونُ لها مَفــزعا
وإن أنسَ لم أنس أمّ البنين وقد فقدت ولدها أجمعا
تنوح عليهم بوادي البقيع فيذري الطريدُ لها الأدمعا
ولم تلُ من فقدت واحــداً فما حالُ من فقدت أربعا


العباس بن علي- جهاد وتضحية 109

أبا الفضل مالي مغيثٌ ســواكَ إذ الدهرُ في صرفِه جـعجــعا
دهيتُ بما عيلّ صبري به فمالي أنادي ولن تسمعا
قصدتُك أشكو أذى الناظرين وأرجو جلاءَ همالي مَعا
وكيفَ يردُ دعائي الإله وقد جئتُهُ فيكَ مُستشفِعا

الشاعر محمد علي الحيدر آبادي
شاعرنا هذا أحد شعراء الهند المسلمين في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري.
ولد في مدينة حيدر آباد إحدى مدن الهند والتي يعيش فيها عدد كبير من المسلمين.
انصبّ معظم شعره في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) ومن الذين أثنى على بطولاتهم ومواقفهم سيدنا العباس (عليه السلام) وقد خصه بالقصيدة التالية:
يُهنيك يا بطل الهدى والثـــأر ما قد حويت بمدرك الأوتار
لكَ عند آل محمدكمْ من يد مشكورةٍ جلّت عن الأكبار
عرفتك مقبلةَ الخطوبِ محنّكاً فيه حنانُ مهذّب مغوار
أضرمت للحرب العوان لظىً بها أضحت بنو صخر وقــــودَ النــــار
وأذقتَ نغل سُميّة بأسَ الهدى وأميّة كأسَ الردى والعار
فرأوا هواناً عند ضفة حاذر بمهندٍ عند الكريهة وار
فرقتَ جمعهم العرمرمَ عُنوةً يوم الهياج بفيلق جرّار
وفوارسٍ من حزبِ آل المــصــطـــفى أسدُ الوغى خـــواضّةُ الأخـطــار


العباس بن علي- جهاد وتضحية 110

وبواسلٍ لم نُعرهم وثباتهــــم إلاّ بكل مـــدجحٍ نَــــــــــوّار
لم يعرفوا إلاّ الإمام وثــأرَه فتشادقوا فيها بيا للــثأر
فتفرقت فِرقاً عــلوجُ أميّــة من كُلِّ زنّاءٍ إلــى حمّــــار

ثم يثني في قصيدته على جهود العباس (عليه السلام) في معركة الطف الخالدة قائلاً:
ومآثر مثل النجوم عدادها قد شفعت بمحاسنِ الآثار
وكفاهُ آل محمد ومديحُهم عمّا ينضد فيه من أشعار

ثم يمضي ويقول:
لك سميثُ مرتبع الفخارِ مـــبـاءةٌ ولـــمــن قلاكَ مَذلّـــة الأغــــــرار
ومُبوء لك في جوارِ محمد وملاذُ عترتهِ حماةُ الجــــــار

هذا ولشاعرنا الحيدر آبادي تشطير قالها الفضل بن الحسين أحد أحفاد العباس (عليه السلام) يقول فيها:
أحقّ الناسِ أن يبكي عليه بدمع شابُه عَلقُ الدِماء
بجنب العلقمي سريُّ فهـــر فتىً أبكى الحسينَ بكربـــلاءِ
أخوهُ وابنُ والده علــــــيّ هــزبــرُ الملتقى رَبّ الـــــلـــواء
صريعاً تَحتَ مشتبكِ المواضي أبو الفضلِ المضَرّجِ بالدِمـــــاء
ومن واساهُ لا يثنيه شـــيءٌ عن ابن المصطفى عند البــــــلاء
وقد ملكَ الفراتَ فلم يذقـــهُ وجادَلَه على عطشٍ بمـــــــاء


العباس بن علي- جهاد وتضحية 111

الشاعر سلمان هادي طعمة
ولد الشاعر السيد سلمان هادي طعمة في مدينة كربلاء سنة 1935 دخل مدارس المدينة ثم واصل دراسته الجامعية في بغداد.
عشق الشعر في مطلع شبابه فاتجه إلى نظمه واستمرت محاولاته إلى أن أصبح أحد شعراء كربلاء البارزين إضافة إلى بروزه في مجال التأليف حيثُ ألّفَ العشرات من الكتب وخاصّةً عن تاريخ مدينة كربلاء المقدسة والمراحل التي مرّت بها.
له شعر كثير ومن شعره في العباس (عليه السلام) هذه القصيدة:
جرى القضا وأي خطب قـــــد جـــــرى من ساقي عـــطاشى كربـــــــلاء
حام على ورد المنون ثائــــــــراً وجرّد العضب وأوقد الوغــــى
لاقى خمساً ماَدت الأرضُ لـــــــه وماَله حامٍ سوى سمر القــــــنا
لم أنه يدعو أخاهُ السبط هل من شربة أسقي بها على الظمأ
خاضَ غمار الموت وهو باسم وعبَّس القومُ وفرّوا مذ ســــطَا
صالَ أبو الفضل على أعدائه صولةَ ليثٍ في عراصِ نينوى
خرّ أبيّ الظيم عن جـــــواده مقطع الأعضاء مسلوب الردا
قضى سليل المكرمات صابراً لك من صدر حوى كنز الهُدى
قضى بجنب العلقمي ظامـــياً وذادَ عن ماء الفراتِ ما ارتوى
تالله لا أناهُ كالبدر علــــــــى العسّال يجلو بضيائه الدجى
لهفي عليه ثاوياً منفــــرداً وجسمه على جمر الغضا
مادت لرزيه السماوات العلى وزلزل الكون وضجت المــــــلا
يا وقعة الطف وما أعظمها مــــن وقعة دهماء أورت الحــــشا


العباس بن علي- جهاد وتضحية 112

الشاعر جواد بدقت:
أحد شعراء كربلاء الكبار ولد عام 1210 هجريّة وتوفي سنة 1281 هجريّة كان شاعراً كبيراً أنصب معظم شعره في مدح ورثاء آل البيت (عليهم السلام) ومن قصائده هذه القصيدة التي قالها بحق العباس (عليه السلام):
نبت بالذي رام المعالي صوارمه إذا ما حكتها بالنضاء عزائمه
حسامك مشهود وعزمك مغمد هوى بالخوافي من تحته قوادمه
فإن تم العليا تجردهما معا وإلاّ فابعد بالذي أنت رائمه
ضللت الذي ينهى إلى مدرك العـــلـــى وقد نجمت في كل أوج نواجمـه
ألم تر من قد أحرز الفخر كلّه وحازت به العرش العظيم مكارمه
أبا الفضل في يوم به جمع القضا وعائت بكل العالمين عظائمه
أقام مقام يملأ الكون سبقه وحسبك مما كان إن هو قائمه
يطول والأولين بنوهم وإن لم شأوا به طال هاشمه
يقوم ببحر بالعظائم مترع وأعظم منه كف هو عائمه
فإن لأسباب القضاء عوالما وإن الردى يمنى أبي الفضل عالمه
فنازلها حرباً تذوب لهوله الـ- سماوات لولا إنه هو حاجمه
على سابح لو شاء من طول به لداست مناط النيران مناسمه
فأرسله في الجيش حتى تفالمت حدود مواضيه وخارت ضراغمه
فأحرز مجرى الماء كف يفوقـــــه بمجرى الندى في بعض ما هو ســـاجـــمــه
فأعيني بأن تطغي ضراغم قلبه وقلب حسين ليس تطغي ضراغمه
فلم يزو منه غير قلبه مزاده وعاد كوجس الرعد ترجى همائمه
تنازله الأساد علماً بأنه يصادم محتوم القضا من يصادمه
فامضى بهم عزماً ترى دون الردى وأن الردى أن لا تهب عزائمه


العباس بن علي- جهاد وتضحية 113

إلى أن أشاد الشرك حاســـم بــاعــــــه وقد حسم الدين الحنيفــي حاسمـــــــه
وأهوى فماد العرش حــزناً لـــه وهــــــل وأنى لعرش إذ هويـــــــن دعائــــمـــــه

الشاعر عبد المنعم الجابري:
شاعر عراقي ولد في مدينة كربلاء سنة 1937م وتوفي سنة 1969م وهو في ريعان شبابه حيث أصيب بمرض عضال لم يمهله طويلاً. للجابري شعر وفير في آل البيت (عليه السلام) ومن قصائده هذه القصيدة التي قالها في العباس (عليه السلام) منها هذه الأبيات:
الموت في سيفك البتّار هداف وصوتك الرعد للأرواح خطاف
ورمحك القدر المحتوم مترعة ورد المنية تستعديه إجلاف
مدجج بسلاح العزم مدرع برد الوفاء فبالامجاد تستاف
بالحق مئز للدين معتصب روح الفداء وللأعداء مقطاف
فأنت من كرم الأخلاق منطلق وفي الشجاعة لا تحويك أوصاف
ورئتها من علي المرتضى فنمت وأرضعتك العلى للحرب أسلاف
طهرت من طاهر من طهر أصلهم الهاشميون إسلام وأحناف
من حيدر من مناف من قصي ومن فواطم الأسد أتباع وأحــلاف

الشاعر عبد الحسين صادق العاملي:
شاعر لبناني كبير انصب معظم شعره في تمجيد آل بيت رسول الله (عليهم السلام) ومن قصائده في العباس (عليه السلام) هذه القصيدة التي اخترنا منها هذه الأبيات:

العباس بن علي- جهاد وتضحية 114

بكر الردى فاجتاح في نكبائه نور الهدى ومحاسن سيمائه
ودهى الرشاد بناسف لأشمه وبخاسف أواه بدر سمائه
ورمى فاصمي الدين في نفاذه وارحمتاه لمنتهى أحشائــــه
يوماُ به قمر الغطارف هاشم صكت يد الحلى جبين بهائـــه
سليم الهوان بكربلاء فطار للــعــز الرفيع به جناح آبائـــــــــــه
أنى يلين إلى الدنية ملمـــا أو تنحت الأقدار من لمسائه
هو ذلك البسام في الهيجاء والعباس نازلة على أعدائــــه
من حيدر هو بضعة وصفيحة من عزمه مشحوذة بمضائه
واسى أخاه بمواقف العز الذي وقفت سواري الشهب دون علائه
ملك الفرات على ظماه وأسوة بأخيه مات ولم يذق من مائـــــه
لم أنسه مذ كر منعطفاً وقــــد عطف الوكاء على معين سقائه
ولوى عنان جواده سرعان نحو مخيم يطفي أوار ظمائـــــــه
فاعتقه السدان من بيض ومن سمر وكل سد رحب فضائه
فانصاع يخترق الصوارم والقنا لا يرعوي كالسهم في غلوائه
يفري الطلى ويخيط أفلاذ الكلا بشياه أبيضه وفي سمرائه

الشاعر رضا الخفاجي:
ولد الشاعر رضا الخفاجي في مدينة كربلاء سنة 1948م ودخل مدارس المدينة ثم واصل تحصيله الدراسي وتخرج بعدها من الجامعة المستنصريّة ونالَ شهادة البكالوريوس علوم سياسيّة عام 1973.
له مجموعة شعريّة طبعها سنة 1988 ولديه مجموعات شعريّة أخرى.

العباس بن علي- جهاد وتضحية 115

أنجز مسرحيات شعريّة حول الملحمة الحسينية بعنوان ( بهجة الدماء في سفر كربلاء) ومسرحيات أخرى هي: صوت الحرّ الرياحي، مسلم بن عقيل، قمر بني هاشم، صوت الحسين وغيرها من المسرحيّات الرائعة.
أمّا ما نظمه في مدح ورثاء أهل البيت (عليه السلام) فكان كثيراً ومنها هذه القصيدة التي يتحدث فيها عن العباس (عليه السلام) أسماها( يا كافل الحوراء) وهذا نصُّها:
يا واهبَ الراية يوم الطفوف مجداً تسامى في خضمِّ السيُــــــوف
والمجُد مقرونٌ بنور اليقيـــــــــــــن منحتَه دونَ رياء وخـــــــــــــــــوف
من دمكَ الطاهرِ عَمّدتــــــــــــــــهُ حتى تجلّى يا قطيع الكُفوف
فأنت يا مولاي من يومها صنعت نهجاً باركتهُ السماء
يا قمراً أزهر في هولــــــــــــــها وفاقَ في الجودِ كرامَ الورى
وصالَ في الحومة ضرغامُها حتى مضى فارسُهم مدبــــــــــــــرا
فاستجمعت أحقادها عصبةٌ لتقهر الحقَّ الذي كَبّـــــــــــــــــرا
لكنّ نورَ اللهِ غَلاّبُــــــــــــــــــــــها فانهزم الباطلُ يومَ اللقاء
الغدرُ من شيمة أنجاسها والمكرُ مخذولٌ بإذن الإله
حتّى وإن حققَّ غاياتــــــــــــــه ونالَ في ساعتها مبتغـــــــــــــاه
لكنّ مَكر الله يعلو علــــــــــــــى من حارب الحقّ ليطفي سناه
فاندرست آثارهم بغتة ولم يزلْ يسطَعُ نورُ النقاء
تبقى أبا الفضل ويبقى الفرات ما دامت الأرضُ على حالِها
شمساً لها ومانح المكرمات ومسلكاً جدّد آمالــــــــــــــــــها
أفحمتها في ساحة المعجزات والحُرّ من يحيا بأثقالها
فاستلهمت غايتها في الحياة كي تهتدي بمنهج الأولياء


العباس بن علي- جهاد وتضحية 116

من مكرمات الخلد أنهارُهــــــــــــــا ونهرُكم يا سيدي كوثَـــــــــــــرُ
جَدّكَ يسقي من تلظَى بـــــــــــــها في محنة الطفِّ وذا يؤجـــــــــــرُ
وأجرهُ في صفكم يرتقــــــــــــــي ومن تسمَى باسمكم يـــــــــــزهرُ
فدتكم الأرواح أنّى لـــــــــــــــها بدونكم ترقى لذاك البَـــــــــــــــــها
يا فارسَ الطَفِّ منحت الفــــــــــــــــداء منزلةً أذهلت العالـــــــــمــــــــــين
أنكرتَ ذاتاً في لظى كربــــــــــلاء وتلكَ من سجيّة المتـــــــــــقيـــــــــن
سقيتَ آل البيت فخراً ومـــــــــــاء وبتَّ عطشاناً تواسي حُسيــــــــــــن
ولم تزل تحملُ ثِقل الوفــــــــــــــاء حتى غدا مُضرجاً بالدمــــــــــــــاء


العباس بن علي- جهاد وتضحية 117

العباس (عليه السلام) في قلوب محبّيه

إن الأعمال الجليلة والمواقف المشرفة التي قدمها العباس (عليه السلام) في واقعة كربلاء جعلت منه قدوة للذين ينشدون الحرية والذين يجاهدون من أجل الحصول على حقوقهم المغصوبة التي سلبها منهم حكام الجور والمتسلطين على رقابهم.
إن هذه الأعمال الخالدة جعلت مكاناً للعباس (عليه السلام) في قلوب محبيه ومحبي آل البيت (عليهم السلام) فنرى الأدباء والشعراء يتبارون في مدح هذا الرجل العظيم ويثنون على مواقفه الرائعة تجاه الإسلام وتجاه أخيه الإمام الحسين (عليه السلام)، ولو نظرنا في بطون عشرات الكتب لوجدنا العديد من القصائد الخالدة التي تشير إلى ما قام به العباس(عليه السلام) من مآثر وصولات جريئة ضد معاقل الأعداء وكيف طارد فلولهم وانقض عليهم واجتث رؤوسهم العفنة.
وفي شهر محرم الحرام يستذكر المسلمون فاجعة الطف فيقيمون المآتم والمجالس الحسينية في شتى أنحاء العالم لكي يحيوا هذه المناسبة المؤلمة ويعبرون عن مدى ارتباطهم بإمامهم الخالد الحسين بن علي (عليهما السلام)

العباس بن علي- جهاد وتضحية 118

وليعطوا للعالم صورة حيّة عن عظمة هذا الإمام العظيم ويوصلوا أهداف الثورة الحسينية إلى مسامع كل الشرفاء في العالم تستمر إقامة الشعائر الحسينية من الأول إلى العاشر من شهر محرم الحرام ولما كان العباس (عليه السلام) أحد أركان هذه الثورة الباسلة فقد خصص له اليوم السابع من المحرّم يوماً يشاد به حيث يتحدث خطباء المنبر الحسيني فيه عن سيرة وجهاد ومآثر العباس (عليه السلام) وكذلك وفائه وإخلاصه لأخيه الحسين (عليه السلام) وكيف كان العباس (عليه السلام) السباق دائماً لتنفيذ ما كان يطلب منه، إضافة إلى أنه كان الحارس الأمين لمخيّم الحسين (عليه السلام) ومن فيه فقد كان لا يخلد إلى النوم ليلاً إلاّ قليلاً، وكان يتجول في أرجاء المخيم لإعطاء وإدخال الطمأنينة في قلوب النساء والأطفال الذين يشاهدون زخم قوات الأعداء وهي تحيط بهم.
أمّا صولاته وجولاته عند بدء المنازلة بين جيش ابن سعد وبين الحسين (عليه السلام) وأنصاره فهي لا تحتاج إلى تفصيل فقد تحدثت عنها العشرات من الكتب القيّمة إضافة إلى ما تحدث به خطباء المنبر الحسيني.
هذا من جانب أمّا من الجانب الآخر فقد تبارى شعراء اللهجات المحليّة (الشعر الشعبي) في العديد من الدول الإسلامية إلى نظم القصائد المؤثرة التي تثير الحزن والشجن في القلوب، لذا نرى أن هذه القصائد تلقى في تجمعات جماهيرية تهتف بهذه القصائد التي تمجد الدور الذي لعبه العباس (عليه السلام) في معركة الشرف معركة الطف في كربلاء المقدّسة، وتستمر الجماهير بهذه الأعمال والمراسيم لتخليد الأعمال البطولّية الرائعة للعبّاس (عليه السلام) والتي جعلته يعيش في قلوب المسلمين الذين أحبّوا أهل البيت (عليهم السلام)، وهكذا أصبح العباس (عليه السلام) قدوة للمناضلين

العباس بن علي- جهاد وتضحية 119

وقائداً للأحرار في كل مكان الذين حملوا معاناة شعوبهم وهبّوا للدفاع عن حقوقهم المسلوبة وضحّوا بأنفسهم على دروب الشهادة فدخلوا صفحات التاريخ بأحرف من هور بينما ذهب خصومهم إلى مزبلة التأريخ.

العباس بن علي- جهاد وتضحية 120




العباس بن علي- جهاد وتضحية 121

كتب أُلفت عن العباس (عليه السلام)

ألف عن العباس (عليه السلام) كتب عديدة تناول فيها المؤلفون جوانب مختلفة من حياة هذه الشخصية النادرة والفريدة، لكن هذه الكتب كانت قليلة العدد ومعظمها رديئة الطباعة، حيث طبع معظم هذه المؤلفات في الخمسينات من القرن العشرين حيث كانت الطباعة في تلك الفترة غير متطّورة ومختلفة عن وقتنا الحاضر حيث المطابع الحديثة وطرق الطباعة الالكترونية البحتة، وهذا يجعل الكتب التي تطبع في الوقت الحاضر جميلة المنظر وأنيقة وذات طباعة راقية.
أمّا أهم الكتب التي أُلفت عن العبّاس (عليه السلام) فهي:
1- أعلام الناس في فضائل العباس (عليه السلام):
مؤلف هذا الكتاب هو السيد سعيد السيد إبراهيم الخطيب وقد تناول فيه السيد الخطيب سيرة العباس (عليه السلام) ومواقفه يوم العاشر من المحرّم وكيف وصل إلى نهر العلقمي لجلب الماء إلى نساء وأطفال الحسين (عليه السلام) وأصحابه الأبرار.
2- قمر بني هاشم (عليه السلام):
مؤلف هذا الكتاب هو السيد عبد الرزاق المقرّم، والسيد المقرم يعد من

العباس بن علي- جهاد وتضحية 122

خيرة الأدباء الذين ألفوا كتباً عديدة عن آل البيت (عليه السلام) وقد اعتُبر كتابه القيم هذا من أهم المصادر التي يعتمد عليها عند الحديث عن سيرة ومواقف العباس (عليه السلام).
3- بطل العلقمي:
مؤلف هذا الكتاب هو الشيخ عبد الواحد المظفر ويقع في ثلاثة أجزاء وقد تحدث فيه المظفر عن كفاح وجهاد العباس (عليه السلام) ومواقفه الصلبة ضد الأعداء وصولاته وجولاته البطوليّة في يوم العاشر من المحرّم ودفاعه المستميت عن أخيه الحسين (عليه السلام) ورفضه القاطع للمحاولات اليائسة التي قام بها قادة عسكر ابن سعد لاستمالة العباس (عليه السلام) وإخوته إلى جنبهم، الأمر الذي رفضه العباس (عليه السلام) بشّدة بل أن هذا الأمر زاده عزيمة فانقض على الأعداء وشتت شملهم إلى أن نال الشهادة.
4- العباس بن علي (عليه السلام) قمر بني هاشم:
مؤلف هذا الكتاب الكاتب المصري الكبير محمد كامل المحامي، وقد تحدث فيه عن جوانب عديدة من حياة العباس (عليه السلام) ومنها شجاعته الفائقة منذ أن كان شاباً يافعاً حيث تطّرق إلى دوره الكبير في معركة صفين التي دارت بين جيش الإمام علي (عليه السلام) وجيش معاوية بن أبي سفيان ثم تطّرق المؤلف إلى الموقف الشجاع الذي وقفه العباس (عليه السلام) عندما قاد الهجوم على دار الوالي الأموي للمدينة عندما احتدم النقاش بين الإمام الحسين (عليه السلام) وبين الوالي الأموي حينما طلب الوالي من الحسين (عليه السلام) مبايعة يزيد الأمر الذي رفضه الإمام بشدة كما تطرق الأستاذ المحامي في كتابه هذا إلى الكرامات التي حدثت للعباس (عليه السلام) .

العباس بن علي- جهاد وتضحية 123

5- تاريخ مرقد العباس (عليه السلام):
ألف هذا الكتاب من قبل السيد سلمان هادي طعمة وقد تناول المؤلف في هذا الكتاب قسم من المراحل التي مرّ بها مرقد العباس (عليه السلام) والشخصيّات الإسلامية التي زارت المرقد إضافة إلى الموقف الأخوي الأصيل الذي وقفه العباس (عليه السلام) جنب أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) وخاصّة وقفته في معركة الطف الخالدة.
6-العباس (عليه السلام) رائد الكرامة والفداء في الإسلام:
مؤلف هذا الكتاب هو العلامة الشيخ باقر القرشي، والشيخ القرشي غني عن التعريف فهو أستاذ وكاتب بارع له العديد من المؤلفات القيمة التي تتناول سيرة الائمة الاطهار (عليهم السلام ) ، اضافة الى تاليفة للعديد من الكتب الإسلامية الأخرى. يتناول الشيخ القرشي في كتابه هذا السيرة المتلألئة والمواقف البطولية للعباس (عليه السلام) وجهاده الدؤوب في سبيل إحقاق الحق ومساندة أخيه الحسين (عليه السلام) .
7- العباس (عليه السلام) بطولة الروح وشجاعة السيف:
مؤلف هذا الكتاب السيد محمد هادي تناول فيه الحديث عن بطولة العباس (عليه السلام) وشجاعته الفائقة في الذود عن المبادئ السامية التي دعا إليها الإمام الحسين (عليه السلام) وكيف تصدى لجيش ابن سعد وحصد رؤوس الأعداء وأنزل أفدح الخسائر بهم.
8-العباس (عليه السلام):
مؤلف هذا الكتاب هو الشيخ عبد الحميد المهاجر، تناول فيه الوقفة الجهادية للعباس في معركة الطف الخالدة والأخوة الصادقة

العباس بن علي- جهاد وتضحية 124

والإيمان الصميمي الذي يكنّه العباس (عليه السلام) لقضية أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) وكيف كان العباس (عليه السلام) الساعد الأيمن لأخيه الحسين (عليه السلام).
9- العباس (عليه السلام):
وهو من تأليف السيد محمد علي الأشيقر تناول فيه سيرة وجهاد العباس (عليه السلام) مع أخيه الحسين (عليه السلام) كما ذكر العديد من الكرامات التي حدثت ببركة زيارة مرقد العباس (عليه السلام) كما تحدّث عن مراحل القبر الطاهر للعباس (عليه السلام).
10- السير الفيّاض-باب الحوائج إلى الله-سيدنا ومولانا أبو الفضل العباس (عليه السلام):
مؤلف هذا الكتاب المحقق السيد أحمد شكر الحسيني، تناول فيه منزلة العباس (عليه السلام) عند الله والأئمة الأطهار (عليه السلام) والمكانة السامية للعباس (عليه السلام) في قلوب المؤمني ومحبّي آل البيت (عليهم السلام).
11-مصرع العباس (عليه السلام):
وهو كرّاس صغير أصدرته المكتبة الحيدريّة في مدينة النجف الأشرف ويتحدث عن كيفيّة استشهاد العباس (عليه السلام) بعد وصوله إلى نهر العلقمي لجلب الماء إلى النساء والأطفال في مخيّم الحسين (عليه السلام).
12- العباس (عليه السلام) وبنوه:
هذا الكتاب المخطوط من تأليف الأستاذ زهير محمد عبد المصحب،

العباس بن علي- جهاد وتضحية 125

تناول فيه شجاعة العباس (عليه السلام) ومن ثم أولاده وأحفاده وهو كتاب جيد وإن شاء الله سيرى النور بإذن الله تعالى.
13- العباس بن علي (عليه السلام) تاريخ مجيد:
مؤلف هذا الكتاب المخطوط هو الحاج مهدي السعيد وهو أحد أبناء كربلاء المثقفين والمعروفين في أواسط الخمسينيات وقد تناول فيه الحديث عن جهاد العباس (عليه السلام) في اليوم العاشر من المحرّم وكيفيّة استشهاده.
هذه هي أهم الكتب التي ألفت عن سيدنا العباس (عليه السلام) وهنا يجب أن نذكر بأن هناك المئات من الكتب التاريخيّة المعتبرة قد تحدّثت عن سيرة وجهاد هذا البطل الخالد الذي قدّم نفسه من أجل المبادئ والمثل العليا التي كان ينادي بها الإمام الحسين (عليه السلام) عندما أعلن عن مبادئ ثورته الجبارة ضد الطغيان الأموي المتمثل بيزيد بن معاوية الذي ضرب عرض الحائظ كل المبادئ الإسلامية والإنسانية وحوّل دولة الاسلام التي كان يدعيه إلى سلطة تعسّفيّة لتنفيذ رغباته وأهدافه الشريرة.
وقد ألفت هذه الكتب من قبل كتّاب مسلمين وغير المسلمين ومن مختلف القوميات والجنسيّات وقد أشرنا إلى قسم كبير منها لدى قيامنا بتأليف كتابنا هذا إلاّ أن الكتب الذي ذكرناها كانت مستقلّة في بحوثها عن العباس (عليه السلام) فهنيئاً لسيدنا العباس (عليه السلام) تلك الوقفة الجهاديّة التي وقفها مع أخيه الحسين (عليه السلام) وألف تحيّة له على تلك الأخوة الأصيلة والإيمان الراسخ الذي كان يحمله هذا البطل الشجاع.

العباس بن علي- جهاد وتضحية 126




العباس بن علي- جهاد وتضحية 127

مرقد العباس (عليه السلام) الآن

من يشاهد مرقد العباس (عليه السلام) المقدس الآن يشعر بالفرحة والسرور حيث ضخامة البناء وشموخه فيرى تلك القبّة الزاهية التي تعلو الضريح الطاهر إذ يقع الضريح البهيج في وسط الحضرة الشريفة والشبّاك مكسو بالفضة والذهب الخالص الذي قد جيء به سنة 1385 هـ كما ذكرنا من قبل.
ومن ينظر ذلك الضريح الجميل بنقوشاته وزخرفته الإسلامية والأنوار تتلألأ حوله يهتز شوقاً وفرحاً لزيارة هذا المكان الطاهر الذي يليق ويتناسب مع مكانة ومنزلة أبي الفضل (عليه السلام) في قلوب زائريه ومحبيه في العالم الإسلامي.
وتحيط بالمرقد المطّهر أربعة أروقة واسعة متداخلة فيما بينها نراها مزدحمة على مدار السنة بالمصلّين المؤمنين وهم يؤدون مراسيمهم الدينيّة بفرح غامر في هذه البقعة المباركة التي أعزّها الله وأكرمها إذ قال تعالى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } وقد تم تغليف جدران الحرم المقدّس بالمرمر البديع الملّون وللحضرة المقدّسة خمسة أبواب يدخل منها الزائرون الكرام بأدب واحترام وأمام الأبواب الثلاثة التي تقع في جهة القبلة توجد ساحة كبيرة مبلّطة بالمرمر المعرق ومسيّجة بسياج جميل ويطلها سقف كونكريتي كبير زيّن بالمرايا الجميلة التي تسرّ الناظر وتدخل البهجة في نفوس الزائرين الكرام.

تاريخ مرقد الحسين والعباس 128


وفوق هذا السقف ترتفع عالياً مئذنتان مطليتان بالذهب الخالص وهما تشاهدان مع القبة من مكان بعيد ثم هناك ساحة واسعة تحيط بالحضرة الشريفة من جهاتها الأربعة وهي الصحن وتشرف على هذا الفناء الواسع عشرات الغرف تزيّن واجهاتها وجدرانها بالكاشي الكربلائي الجميل وقد كانت هذه الغرف سابقاً مقابر لأبناء الأسر الكربلائية أمّا الآن فقد أصبحت مخازن ومستودعات للمواد الخاصة بالحضرة العباسيّة كالسجاد والمواد الكهربائية وغيرها من الأشياء التي تخص الحضرة.
وللصحن العباسي المطّهر تسعة أبواب لدخول الزائرين والوافدين شيّدت بتقنية عالية الأمر الذي أعطى لها شكلاً هندسياً رائعاً وفي باب القبلة وهي الباب الرئيسية التي تعتبر أكبر الأبواب وأجملها من الناحية الهندسية تقوم ساعة دقّاقة كبيرة شيدت على برج شاهق مقابلة للمئذنتين أمّا من الخارج فقد جرى تغليف سياج الصحن وجدرانه بالكاشي الكربلائي الجميل وحجر الحلان.
وهذا هو المرقد الطاهر لأبي الفضل العباس (عليه السلام) جسد طريح على الأرض دون تغسيل وتكفين ثم حضرة بسيطة ثم بناء صغير ثم قبر مرتفع زاهٍ ثم ضريح شامخ وقبة سامقة ومنائر رائعة تسطع منها الأنوار ويرتفع منها نداء الله أكبر وذكر الله الأعز الأجل ورسوله الأمين (صلى الله عليه وآله).

السابق السابق الفهرس التالي التالي