العباس بن علي- جهاد وتضحية 49

العباس والأخوّة الصادقة

إن الأخوّة الصادقة التي عبر عنها العباس تجاه أخيه الحسين (عليه السلام) كانت مثلاً أعلى في التضحية والثبات على المبدأ إن أغلى شيء عند الإنسان هي حياته وهذا الأمر لا نقاش فيه لكنّ العباس (عليه السلام) جعل هدفه الأعلى في هذه الحياة هو التضحية بالغالي والنفيس من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة أخيه الحسين (عليه السلام).
حاول العديد من قادة جيش ابن سعد التأثير على معنويّات العباس وإعطاء الأمان له ولإخوته بغية الانفراد بالحسين (عليه السلام) وتضييق الخناق عليه لكنّ العباس تصدّى لهذه المحاولات وأفشلها فشلاً ذريعاً.
تتحدث كتب التأريخ بأن المدعو (عبد الله بن أبي المحل) ابن أخ البنين ذهبَ إلى ابن زياد وطلب منه تزويده بكتاب يعطي بموجبه ابن زياد الأمان للعباس وإخوته إن هموا تركوا الحسين (عليه السلام) فرحّبَ ابن زياد بهذه الفكرة وبادَر إلى كتابة كتاب بهذا الشأن ومن ثمّ أعطى هذا الكتاب إلى المدعو (كرمان) وكان هذا خادماً عندَ ابن أبي المحل وتوجّه هذا نحو العباس وأعطاهُ الكتاب وما أن قرأه العباس (عليه السلام) حتى رّدَّ على كرمان ما نصُّه: اقرأ خالي السلام وقل له أن لا حاجةَ لنا في أمانكُم فأمان الله خيرٌ من أمان ابن سمية فعادَ هذا خائباً حاول الشمر بن ذي الجوشن إعادة الكرّة مرّة أخرى لأنّه كان يعلم بأنّ العباس هذا هو الذراع الأيمن للحسين (عليه السلام)

العباس بن علي- جهاد وتضحية 50

ففي ليلة العاشر من محرّم الحرام ذهبَ الشمر قريباً من مخيم الحسين (عليه السلام) ووقفَ على ربوة تطلّ على معسكر الحسين وصاحَ قائلاً أين بنو أُختنا أم البنين فخرجَ إليه العباس (عليه السلام) وإخوته ونادى العباس ماذا تريد؟ فقالَ أنتم يا بني أختي آمنون فرَدَّ عليه العباس (عليه السلام) لعنَكَ الله ولعنَ أمانك لئن كنتَ خالَنا كما تدّعي فكيف تؤمننا وابن بنت رسول الله لا أمان له.
لقد ضرب العباس بهذا الموقف الصلب الثابت مثلاً أعلى في الإباء والتضحية والسير على طريق الحق والصواب ذلك الطريق الذي خُطَّ له منذ نعومة أظفاره نعم كيف لا يسير على هذا المنهج القويم وهو ابن أمير المؤمنين ابن اسد الله الغالب علي بن ابي طالب (عليه السلام) ، كيف لا يتحلى بهذه الخصال والصفات الرائعة وهو ابن أول القوم إسلاماً وأقدمهم إيماناً.
وهكذا قدّم العباس نفسهُ ضحيّة لمن يريد ان يسيرَ في دروب النضال والكفاح من أجل إسعاد البشرية وإقامة مجتمع نظيف تسودُهُ روح المحبة والألفة والإيثار في سبيل إحقاق الحق وإعلاء كلمة الله وإعطائنا دروساً خالدة في الأخوة الحقّة والتضحية من أجلها. (1)

(1) تاريخ الطبري، ج3/ ص236، عظماء الإسلام/ ص112. 121، الملحمة الإلهية/ ص263، تذكرة الخواص/ ص124، إعلام الورى/ ص140، مثير الأحزان/ ص28، أسرار الشهادة/ ص138، أنساب الأشراف، ق1/ ج1، العباس. للقرشي/ ص183، بطل العلقمي،ج1/ ص110، مصرع العباس/ ص21.20.
العباس بن علي- جهاد وتضحية 51

العباس ساقي العطاشى

في اليوم السادس من محرم أشار الشمر بن ذي الجوشن على عمر بن سعد قائد العسكر الذي توجه من الكوفة لمحارية الحسين (عليه السلام) بأن يوجه عسكره وخيله للسيطرة على شاطئ الفرات والطرق المؤدية إليه ليمنعوا الحسين (عليه السلام) وأصحابه من ورود الماء الأمر الذي أدى بالحسين (عليه السلام) أن يكلف أخاه العباس (عليه السلام) بجلب الماء من الفرات فما كان من العباس إلا أن ينفذ هذا الأمر بفرحة غامرة فاختار عشرين رجلاً من أصحابه وتوجه نحو الفرات.
لما اقترب العباس ورجاله من الماء تصدى لهم عمر بن الحجاج الذي كان على رأس خمسمائة مقاتل لمنع الحسين (عليه السلام) وأصحابه من الوصول إلى نهر الفرات فأمر أصحابه بالتعرض للعباس (عليه السلام) ومقاتليه لما وصل العباس إلى الشاطئ ولاحظ تهيؤ عسكر ابن سعد لمنعه من الوصول إلى الماء وأخذه قسم رجاله إلى قسمين قسم يملأ القرب وكان العباس في مقدمتهم والقسم الثاني يحمي مؤخرتهم فملؤوا قربهم بكل اطمئنان ولما علم أصحاب ابن سعد أن العباس على رأس هذه المجموعة لم يتعرض له أحد منهم وذلك لعلمهم بشجاعته وشدة بأسه.
وفي أثناء العودة تصدى قسم آخر من عسكر ابن سعد فدار قتال ضار بين الطرفين وكان العباس فارس هذه الجولة حيث تمكن (عليه السلام) من

العباس بن علي- جهاد وتضحية 52

قتل ثلاثين شخصاً وعلى إثر هذا القتال الضاري إنهزم أصحاب ابن سعد من أماكنهم وعادَ العباس إلى مخيم أصحابه وهم يحملون الماء والزهو والفخر يعلوان وجوههم وهكذا كان العباس رجل المهمات الصعبة.
لم يبقَ الماء إلاّ مدّة وجيزة فسرعان ما نفد وذلك لشدّة الحر فلمّا رأى الحسين (عليه السلام) اشتداد العطش على أهل بيته وأصحابه الميامين وخاصّة الأطفال والنساء استدعى العباس مرّة أخرى وطلبَ منه التوجه إلى نهر الفرات لجلب الماء فلبّى العباس الطلب على الفور فركبَ جوادَه واتجه وحدُه نحو النهر.
وعندما أصبح قريباً منه اعترضه جماعة من جيش عمر بن سعد فقاتلهم قتالاً ضروساً فقتل جمعاً كبيراً منهم وتذكر الروايات بأن عدد القتلى كان على عن خمسين قتيلاً.
بعدها توجه إلى النهر ونزل من جواده وملأ القرب التي جلبها معه ثم عادَ إلى المخيم وهو فرحٌ مستبشر وما أن وَصَلَ حتى استقبله الإمام الحسين (عليه السلام) وقبّله شاكراً له هذا الجهد الكبير.
أمّا في اليوم العاشر من المحرم وهو يوم الملحمة وبعد أن أشتد العطش بعيال الحسين (عليه السلام) وأصحابه وارتفع صراخ الأطفال طلب الحسين (عليه السلام) من أخيه أبي الفضل أن يجلب الماء إلى الأطفال وذلك لعلمه بأنّ العباس أهل لهذه المهمّة.
اتجه العباس نحو النهر بعد أن شمَّر عن ساعديه وهو يهتزّ فرحاً بطلب أخيه فوَصلَ النهر بسرعة فائقة ونزل إلى النهر وملأ القربة بالماء وبعد انتهائه من ملء القربة غرفَ قليلاً من الماء وأبت نفسه الكريمة أن يذوق الماء.
بعدها اتجه نحو فرسه وما أن هم بركوبه فاجأهُ نفرٌ من جند عمر بن سعد

العباس بن علي- جهاد وتضحية 53

فتصدّى لهم بشجاعته المعروفة وفي أثناء هذا الاشتباك شدَّ عليه حكيم بن الطفيل الذي كان مختبئاً وراءَ نخلة فضربه على يمينه فقطعها فأخذَ العباس اللواء بيساره فضربه زيد بن ورقاء فقطع يسارَه فضمَّ اللواء إلى صدره بعدها قام نفرٌ من الأعداء بضربه بعمود على رأسه فخرَّ صريعاً على الأرض وما أن سقطَ حتّى توجه إليه الحسين (عليه السلام) بعد أن شقّ صفوف الأعداء فجلسَ عندَ رأسه وجعل يمسح الدماء عن وجهه وفي هذه اللحظات ظنَّ العباس بأنَّ القريب منه هو أحد الأعداء فخاطبه قائلاً بالله أمهلني قليلاً حتى أرى أخي وإمامي الحسين (عليه السلام) فقال له الحسين أنا عندك يا أخي فقالَ له سيّدي ضع فمكَ على فمي فما أن وضع الحسين فمه الطاهر على فمِ أخيه حتى فاضت روحه الطاهرة بين يدي أبي عبد الله (عليه السلام) نهضَ الحسين (عليه السلام) من عند أخيه وقد بانَ عليه الانكسار فحمَلَ على عسكر ابن سعد فجعلَ يضربُ فيهم يميناً وشمالاً وهم يَفرّون من أمامه إلى أن وصلَ المخيّم بعد أن ضعفت قواه وبان عليه الهمّ كيف لا وقد فقد حاملَ لوائه وساعدهُ الأيمن وكأني بلسان حاله وهو يردد ويقول(الآن شَمُتَ بي عدوَّي وانكسر ظهري وقلّت حيلتي) إنّ هذه العبارات توضح لنا أهمية الدور الكبير الذي كان قد عهده الحسين (عليه السلام) لأخيه العباس لكنّ إرادة الله فوق كل شيء. (1)

(1) عظماء الإسلام/ ص94، بطلة كربلاء/ ص97، المجالس السنيّة،ج1/ ص73، هذا الحسين/ ص119، الملحمة/ ص242، بطل العلقمي، ج2/ ص100، العباس. للأشيقر/ ص91.
العباس بن علي- جهاد وتضحية 54




العباس بن علي- جهاد وتضحية 55

ألقاب العباس (عليه السلام)

للعباس (عليه السلام) ألقاب عديدة اشتهر بها مأخوذة من صفاته (عليه السلام) وذلكَ لشجاعته ووفائه للأخوّة الصادقة وقد تداولتها ألسن الناس مُنذُ استشهاده (عليه السلام) وحتى يومنا هذا ومنها:
1 -قمر بني هاشم:
ويرمز هذا اللقب إلى وجهه المشرق والصفات والخصال النادرة التي اتصف بها.
2- حامي الظعينة:
لقب بهذا اللقب لدوره البارز في حماية عيال الحسين (عليه السلام) وأصحابه حيث كان يقوم بحراسة المخيم الحسيني ليلا عندما عسكر في كربلاء وظل هذا العمل شغله الشاغل إلى أن استشهد يوم العاشر من محرم الحرام.
3- ساقي عطاشى كربلاء:
هذا اللقب لا يحتاج إلى شرح حيث أنه من المعلوم كان مستمراً في جلب الماء إلى عيال الحسين (عليه السلام) وأصحابه ويذكر المؤرخون بأنه قد جلب الماء ثلاث مرات قبل أن ينال الشهادة وأنه في هذه المرات الثلاث اقتحم صفوف الأعداء وفرقهم وشتت شملهم بالرغم من كثرة عددهم وعدتهم

العباس بن علي- جهاد وتضحية 56

4- بطل العلقمي:
أطلق عليه هذا اللقب وذلك للدور البطولي الذي قام به للوصول إلى نهر العلقمي الذي كان قد سدت منافذُ الوصول إليه من قبل عسكر ابن سعد.
5- كبش الكتيبة:
هذا اللقب أطلقه عليه الإمام الحسين (عليه السلام)، وذلك عندما طلب العباس (عليه السلام) منه البروز لعسكر ابن سعد بعد أن نفذ صبره وقد امتنع الحسين (عليه السلام) من إعطائه الإذن وقاله له (عليه السلام): أنت كبش كتيبتي، وقد ورد هذا اللقب على لسان عدد كبير من الشعراء والأدباء.
6- أسد آل محمد (صلى الله عليه وآله) :
أُطلق هذا اللقب على العباس (عليه السلام) وذلك لشجاعته وشدّة بأسه وقوّة عزيمته وصلابة إيمانه.
7- حامل اللواء:
لقب بهذا اللقب (عليه السلام) لأنه كان حامل لواء الإمام الحسين (عليه السلام) معركة الطف الدامية.
8- العميد:
وهو من الألقاب الكبيرة في الجيش التي تمنح لأبرز الرجال الشجعان في المعارك التي تدورها رحاها بين الجيوش، وقد منح هذا اللقب للعباس (عليه السلام) لأنه كان من أبرز رجال الإمام الحسين (عليه السلام) في معركة الطف في كربلاء بل كان قائد قوات الحسين (عليه السلام).

العباس بن علي- جهاد وتضحية 57

9- باب الحوائج:
هذا اللقب أكثر انتشاراً من الألقاب الأخرى، وذلك لأن الباري عز وجل جعل للعباس (عليه السلام) كرامة خاصة، حيث أن العديد من المحبين لآل البيت (عليهم السلام) يأتون إلى مرقده الطاهر ويطلبون ويتوسلون بالباري عزوجل أن يقضي حوائجهم بمنزلة هذا الشهيد الخالد، وكثيراً ما كانت تقضى حاجات الناس ببركة وكرامة العباس (عليه السلام)، فسمي بذلك باب الحوائج.
10- أخو زينب (عليها السلام):
يطلق هذا اللقب على العباس (عليه السلام) لأنّه كان يكن احتراماً كبيراً لأخته السيدة زينب (عليها السلام) وكذلك كانت عليها السلام تحبّه كثيراً وتلجأ إليه في كل حوائجها ومصائبها، لذلك نرى إن المحبين لآل البيت (عليه السلام) ينتخون بالعباس (عليه السلام) وينادونه بهذا اللقب.
11- ابن البدوية:
يطلق هذا اللقب على العباس (عليه السلام) لأن والدته كانت من العوائل البدوية المعروفة في الجزيرة العربية إضافة إلى أنها لم تكن من بني هاشم.
12- قمر بني هاشم:
أُطلق عليه هذا اللقب لأنه كان صورة بارعة من صور الجمال وقد تحدث العديد من المؤرخين الذين وصفوا العباس (عليه السلام) بأنه كان وسيماً جميلاً وعملاقاً وأنه عندما يركب الفرس المطهم تخط رجلاه في الأرض.

العباس بن علي- جهاد وتضحية 58

أما كنيته الغالبة فهي (أبو الفضل) وذلك لأنه كان له ولد اسمه الفضل وهو أكبر أولاده وقد كان العباس (عليه السلام) جديراً بهذه الكنية لأنّه أفاض من جوده وكرمه وجاد بروحه عندما استشهد مع أخيه الحسين (عليه السلام) .
هذه أهم وأشهر الألقاب التي أُطلقت على العباس(عليه السلام) ومن خلالها نستدل على رصانة موقف هذا الرجل المجاهد الذي كان الساعد الأيمن لأخيه الإمام الحسين (عليه السلام) الشهيد، فنعم الأخ المواسي لأخيه المجيب إلى طاعة ربّه.
ذكر لي رجل موثوق فيه أنه قرأ في جريدة المنار المصريّة هذا الخبر، إن نابليون بونابرت قائد الجيوش الفرنسية التي غزت مصر في القرن الثامن عشر الميلادي أنه اصطحب معه في غزوه لمصر أحد أشقائه، وبعد احتلاله مصر، كان في نيته احتلال بلدان أخرى، وبينما هو يسير مع أخوه تحادثا حول هذا الموضوع وسرعان ما رد عليه أخوه بعدم الموافقة على هذا الأمر وإنه يرغب بالعودة إلى فرنسا فالتفت إليه نابليون والغضب يبدو على محياه قائلاً له: (ظننتك كأخ الحسين).
انظر عزيزي القارئ الكريم إلى أي مدى أثر موقف العباس (عليه السلام) في نفوس الناس، فهذا نابليون رجل مسيحي من أوربا لكنّه عندما تصفح كتب التاريخ وقرأ سيرة الأبطال تأثّر بذلك الموقف الذي وقفه العباس (عليه السلام) مع أخيه الحسين (عليه السلام) والذي أعطى مثالاً غالياً للتضحية بأغلى ما يملك الإنسان وهو الروح من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل. (1)

(1)مقاتل الطالبين/ ص84، عظماء الإسلام/ ص92، المجالس السنيّة، ج1/ ص110، تأريخ مرقد الحسين والعباس/ ص237، قمر بني هاشم/ ص114، بطل العلقمي، ج2/ ص41، العباس (عليه السلام) . للقرشي/ ص35، أنساب الأشراف. ق1.ج10، تنقيح المقال، ج1/ ص128.
العباس بن علي- جهاد وتضحية 59

كرامات العباس (عليه السلام)

للعباس (عليه السلام) كرامات عديدة وكثيرة لا تحصى وقد ذكرت العشرات من هذه الكرامات في العديد من الكتب وقد اخترنا قسماً منها وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ كرامات أهل البيت (عليهم السلام) كثيرة جداً وهذا أمرٌ طبيعي وقد يقول القارئ الكريم بأن الباري عزّوجل هو وحده الذي يعطي ويأخذ ولا يجوز أن نستغني بغيره وهذا قول صحيح.
لكن الله سبحانه وتعإلى منحَ آل البيت (عليهم السلام) منزلةً عظيمةً عنده لأنّهم أهل لذلك وقد خصّهم جّلّت قدرته بآيات عديدة في كتابه المجيد ومن هذا يتضح بأنّ لهذا البيت الطاهر خصوصيات واعتبارات الأمر الذي دعا المسلمين إلى التمسك بحب هذه العترة الطاهرة فنراهم يلجؤون إليهم في محنهم يتقربون إلى الله جل وعلا بموالاتهم لأنهم هم الذين باركَ الله فيهم وجعلهم ملاذاً للحائرين والخائفين.
وها أنا أذكر الآن خبراً تناقلته الصحف والمجلاّت في البلاد الإسلامية في الأربعينيات من هذا القرن وملخّصه أن المدعو(حبيب بنك) وهو تاجر هندي كبير كان لديه ولدٌ واحد وقد أصيب بالشّلل فسافر به إلى العديد من دول أوربا وعادَ خائباً دون أن يحقق شيئاً.
وفي أثناء رجوعه قرر التوجه إلى سوريا وما أن وصل إلى عاصمتها دمشق حتّى توجه إلى مرقد السيدة زينب (عليها السلام) أخت الحسين (عليه السلام)

العباس بن علي- جهاد وتضحية 60

ودعا الباري عزوجل وبمنزلة هذه السيدة المظلومة أن يمن على ولده المشلول بالشفاء بعدها قرر العودة إلى الهند وما أن وصل إلى مدينته حتّى رأى ولده قد عادت إليه العافية وهو على أحسن ما يرام. هذا ما ذكرته جريدة الزمان السورية في عددها 1218 الصادر في1941/8/10.
ونعودُ إلى قصدنا من ذكر هذه الحادثة ليصبح لدينا قناعة تامة بأن الباري عزّوجل قد جعل لعترة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) مكانة سامية عنده وما سنذكره لك عن كرامات العباس(عليه السلام) هنا هو أمر طبيعي.
والآن أذكر عدداً من هذه الكرامات وأبدأ بقول الأستاذ عبد الواحد المظفر في كتابه بطل العلقمي أن أحد خطباء المنبر الحسيني أصيبَ بمرض السل وراجَع العديد من الأطباء الحاذقين إلاّ أنّه لم يحصل على نتيجة، وبعد أن يئس من الشفاء دبَّ فيه الخوف وأصابه الوهن فأخذ جسمه يضعفُ تدريجياً وفي إحدى الليالي رأى في المنام أن رجلاً يشير عليه بالتّوجّه إلى زيارة قمر بني هاشم (عليه السلام) وما أن أصبح الصبّاح حتّى توجّه بلهفةٍ وشوقٍ إلى ضريح العباس (عليه السلام) واضطجع إلى جانب الضريح المقدس وأخذ يدعو الباري عزّوجل أن يشفيه ببركة وكرامة العباس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام) وبعد أن غادر المرقد الطاهر شعر بأن صحته أخذت تتحسن شيئاً فشيئاً ولم تمضِ إلاّ أيام قلائل حتى شفاه الله من علته هذا وقد لمحَ المظفّر بانّ هذا الرجل لا يزال حياً يرزق.
أمّا الأستاذ الفاضل السيد عبد الرزاق المقرّم فيذكر في كتابه(قمر بني هاشم) كرامات عديدة للعباس (عليه السلام) منها يقول المقرّم نقلاً عن الشيخ عبد الرحيم التستري واحدٌ من العلماء الأعلام في القرن الثالث عشر

العباس بن علي- جهاد وتضحية 61

الهجري يقول الشيخ بينما أنا في حرم أبي الفضل العباس (عليه السلام) رأيت زائراً من الأعراب ومعه غلام مشلول وقد ربطه بالشباك وتوسل بالله أن يشافيه ببركة ومنزلة العباس (عليه السلام) عنده وإذا بالغلام قد نهض وهو يصيح بأعلى صوته (شافاني العباس) فاجتمع الناس حول الغلام ومزقوا ثيابه للتبرك بها.
ثم يذكر السيد المقرم قضية أخرى وهي أن الشيخ التستري نفسه لما رأى هذا الموقف عاتب العباس وطلب منه أن يقضي حاجته وخاصة أنه في ضائقة مالية وأنه أي الشيخ قد طلب ذلك من العباس (عليه السلام) سابقا وقال الشيخ في نفسه (سوف لا أزور العباس أبداً) وعاد إلى داره في مدينة النجف الأشرف وفي اليوم الثاني من عودته جاءه الشيخ مرتضى الأنصاري وهو أحد العلماء الكبار في تلك الفترة وسلم عليه وأعطاء صرتين من المال وقال له هذا ما طلبت من أبي الفضل العباس (عليه السلام) فأخذ الشيخ المبلغ بقسم منه دارا ثم أخذ القسم الباقي وسافر إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج.
أما الاستاذ سلمان هادي طعمة فيذكر في كتابه(تأريخ مرقدي الحسين والعباس) هذه الحادثة وملخصها:
أنه في سنة 1306هجرية انقطع نهر الحسينية عن الجريان وقد كان هذا النهر يسقي ولا يزال بساتين مدينة كربلاء فتوجه أهالي المدينة إلى الوالي العثماني وطلبوا منه معالجة هذا الأمر فأمر الوالي بحفر نهر في أراضي أحد الملاكين ولما جاء أمر الوالي رفض هذا الملك تنفيذ الطلب وذلك لأن المنطقة عائدة له.
لما علم الفلاحون بامتناع هذا الملاك توجهوا إلى عالم ديني كبير في

العباس بن علي- جهاد وتضحية 62

المدينة وطلبوا منه التوسط لدى هذا الملاّك ليوافق على حفر النهر فقام هذا العالم الفاضل بنظم بيتين من الشعر وأرسلهما إلى هذا الملاّك وقال في هذين البيتين ما نصّه:
لـــك عصــبةٌ في كربلاء تشكو الضــمأ من فيض كفّك تـــــستـــــمد رواءهـــا
وأراك يا ساقي عطاشى كربـــــلاء وأبوك ساقــي الحوض تمنع ماءهــــا

وهذه كرامة أخرى: روى لي هذه الحادثة الشيخ موسى الشماع، وكان أحد خدم المرقد العباسي المطهر، يقول الشيخ موسى رحمه الله أنه في مطلع هذا القرن أي القرن العشرين أصدرت الحكومة العثمانية أمراً بتجنيد كل من تراه قادراً على حمل السلاح وعليه تم استدعاؤه وجهز بالسلاح وسفر إلى مدينة البصرة ومنها إلى جبهات القتال، وفي أثناء مكوثه في مدينة البصرة قرر هو وعدد من رفاقه ترك الخدمة بصفوف الجيش العثماني لأن الأتراك كانوا لا يحترمون العنصر العربي.
وعليه قرروا السير مشياً على الأقدام إلى مدينة كربلاء، وفي الليل انسحبوا من معسكرهم حتى لا يفتضح أمرهم.
بعد أن خرجوا من المعسكر قرروا الالتجاء إلى أحد البساتين، وبعد استراحة قصيرة قرروا المضي في تنفيذ خطتهم.
يمضي الشيخ موسى في حديثه، بعد مسيرهم عدة أيام تم إلقاء القبض على رفاقه وحاول العسكر إلقاء القبض عليه لكن تمكن من الاختباء عند أحد العوائل، وبعد أن أيقن أن الخطر قد زال عنه قرر المسير نحو مدينته وفي أثناء الطريق تعرض له عدد من قطاع الطرق وأخذوا منه كل ما لديه.
ويستمر الشيخ موسى في حديثه، بعد أن سلب كل ما لديه ألح عليهم بأن

العباس بن علي- جهاد وتضحية 63

يعطوه قسم من النقود فنهروه، لكنه أخذ يلح عليهم مرة أخرى، وبعد أن يئس منهم قال لهم أنه خادم في مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) فما كان منهم إلا أن يأخذوه إلى عشيرتهم ويكرموه ويعطوه مزيد من النقود ويسير معه عدد من أفراد العشيرة وإيصاله إلى الطريق الآمن، والاعتذار منه.
وأخيراً وصل إلى مدينة كربلاء بعد أن حفظه الله سبحانه وتعالى بكرامة العباس (عليه السلام)، يقول الشيخ موسى أنه بعد أن يئس من رحمة هؤلاء «قطاع الطرق» خاطبت العباس (عليه السلام) وقلت: يا أبا الفضل نجني من هؤلاء بمنزلتك عند الله ولم تمض إلا بضعة دقائق حتى دخلت الرحمة قلوب هؤلاء فأكرموني وعاملوني معاملة حسنة ومن ثم أوصلوني إلى مكان آمن.
وهذه كرامة أخرى من كرامات العباس (عليه السلام) في مطلع الستينيات.
كان رجل من أهالي كركوك متواجداً في مدينة كربلاء بحكم الوظيفة وفي أثناء دوامه في دائرته شعر ذات يوم بألم في مثانته، وأخذ الألم يشتد يوماً بعد يوم الأمر الذي دعاه بأن يراجع أحد الأطباء المختصين في بغداد فأخبره الطبيب بأن في مثانته حصاة كبيرة ولا يمكن إخراجها إلا بعملية جراحية كبرى.
بعد أن أبلغه الطبيب بهذا الخبر اتفق معه على موعد لإجراء العملية بعدها عاد إلى كربلاء وقد سيطر عليه الوهن وغلبه الهم، وما أن وصل إلى كربلاء حتّى توّجه إلى مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) لزيارته والدعاء تحت قبته المطهرة متوسلاً إلى الباري عزّوجل أن يمنّ عليه بالشّفاء، وفي أثناء زيارته شاهد أحد الزوار يوزع بعض الحلويات بمناسبة تحقيق طلبه

العباس بن علي- جهاد وتضحية 64

الذي سبق وأن طلبه من الله وتوسّل بمنزلة العباس (عليه السلام) أن يقضي حاجته، فأخذ الرجل قطعة الحلوى(الملبّس) وقال في داخل نفسه أنه سيوزّع مثل هذه الحلوى إن تم شفاؤه بكرامة العباس (عليه السلام).
وبعد تناوله لهذه الحلوى شعر بألم شديد في المثانة فاتّجه مسرعاً إلى داره ليستريح قليلاً ومن ثم ذهب إلى بغداد لعرض حالته على طبيبه الخاص.
وقبل أن يذهب أو يغادر البيت ذهب إلى المرافق الصحّية في داره فأخرج الحصاة من الإدرار بعد أن تفسرت الى عدة قطع صغيرة فهاله هذا المنظر وخرج من داره مسرعاً إلى الشارع وقد بدا عليه الفرح وهو يصيح بأعلى صوته شفاني العباس (عليه السلام)، واتجه مسرعاً نحو السوق واشترى الحلوى، وذهب إلى مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) للوفاء بنذره.
وهذه كرامة أخرى: ذكر لي رجل موثوق به أنه شاهد امرأة مسنّة وهي جالسة عند شبّاك العباس (عليه السلام) وهي تبكي بكاءً شديداً فتوجّهت نحوها وسألتها عن سبب بكائها ظناً منّي بأنها محتاجة وأنّي ميسور الحال فقلت في نفسي سأعطيها بعض النقود لقضاء حاجتها فقالت لي أنّ كل ما موجود عندها هو مبلغ (مائة دينار) وان هذا المبلغ قد فقد منها، وهو مبلغ كبير في مطلع الستينيات.
وقد جاءت إلى العباس (عليه السلام) لتطلب منه بمنزلته عند الله أن يرد المبلغ لها فقلت لها هذا مبلغ كبير وهل من المعقول أن الذي سرقه أو عثر عليه سوف يردّه إليك، فقالت إن إيماني بالعبّاس كبير، فقلت انشاء الله.
ثم اتجهت لأداء الصلاة وفي هذه الأثناء سمعت صوتاً عالياً فأسرعت وأنهيت صلاتي واتجهت إلى مكان الصوت وإذا بالمرأة تهلهل وتكبّر وتقول:

العباس بن علي- جهاد وتضحية 65

عظم شأنك يا سيّدي يا أبا الفضل فسألتها وقلت هل عثرت على نقودك، فقالت الحمد لله، فقلت كيف حدث ذلك، فقالت جاء رجل إلى كليدار الرّوضة العبّاسية وقال له إني عثرت على هذا المبلغ فأرجوا أن تخبر الخدام بذلك، ولما كان الخدم على علم مسبق بفقدي المبلغ جاؤوا إلي وسألوني عن أوصاف المحفظة ومبلغ النقود، فأعطيت الاوصاف وهي مطابقة لما عثروا عليه فاعطوني محفظتي والحمد لله. وهذه كرامة أخرى: في إحدى زياراتنا لمرقد أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) شاهدت عدد من الرجال وبينهم امرأة حامل وقد جاؤوا بها إلى مرقد العباس (عليه السلام) لكي تؤدي القسم وذلك ظنّاً منهم بأنّها قد سلكت طريقاً غير شرعي، أدّى الى حملها هذا، وكان أحد إخوانها هو الذي ظنّ بها هذا الظنّ السيء وبعد أن جاء أحد خدّام الرّوضة العبّاسية المطهّرة اتجهت هذه المرأة نحو ضريح الإمام (عليه السلام) وأقسمت بأنّها امرأة طاهرة عفيفة وأنها لم ترتكب أي عمل يمس بشرفها، وأن الاتّهام الموجّه إليها من أخيها هو اتهام كاذب وباطل. بعدها غادر هؤلاء الرجال والمراة معهم وما أن وصلوا أو غادروا باب القبلة (قبلة العباس (عليه السلام)) حتى سقط الرجل الذي كان قد اتهم المرأة على الأرض وقد أصابته الرعشة وهو يصيح بأنه اتهم شقيقته بعمل السوء هذا وذلك للإيقاع بأحد أقاربه الذي كان على خلاف معه، وكان يروم من عمله هذا الانتقام من ذلك الرجل والإساءة إلى أسرته وتصفية حساب قديم معه، لكن الله سبحانه وتعالى فضح دجله وكذبه بكرامة العبّاس (عليه السلام) وأنقذ هذه المرأة المسكينة من القتل ومن هذه التهمة الباطلة وعادت إلى زوجها الذي مضى على زواجه منها ثلاث سنوات لم ينجب منها لكنه كان يراجع الأطباء وقد

العباس بن علي- جهاد وتضحية 66

اشتغل شقيق المرأة هذا السبب للإيقاع بخصمه لكن الله أخزاه وأنقذ المرأة المسكينة التي تبين بأنها قد حملت من زواجها بعد أن كان قد تم علاجه وأصبح جديراً بالانجاب.
وهذه كرامة أخرى أيضاً: روى لي أحد خدّام الرّوضة العبّاسية المطهّرة أن رجلاً من جيرانه مرّت عليه ضائقة ماليّة شديدة علماً بأنه كان ميسور الحال، فاعتكف في داره حتّى لا يواجه النّاس، وبعد مرور عدّة أيّام افتقدته فسألت عنه فقيل لي أنه جليس الدار، فتوجهت إليه وبعد الاستفسار عن صحتّه طلبت منه أن يخرج معي لزيارة مرقد العبّاس (عليه السلام) والتوسّل عند الزيارة بالباري عزّوجل وطلب الرزق منه، وفعلاً ذهب معي إلى المرقد الطاهر، وبعد أداءنا لمراسيم الزيارة جاء رجل طويل القامة فسلّم علينا وجلس بجانب الرّجل وقاله له: أنت فلان، فقال له: نعم، فقال له: نعم، فقال له: أتعرفني، فأجابه: لا ، فقال له: أنا فلان وقد كنت أحد زبائنك في الخمسينيات ولك دين قديم على المرحوم والدي، وقد شاهدت والدي في المنام وهو يطلب مني أن أسدد مبلغاً من المال لك كان والدي قد استقرضه منك، ثمّ أخرج من جيبه مبلغاً من المال، وأعطاه إليه ثم غادر الصحن الشريف فملأ الفرح قلب هذا الجار العزيز وغادر المرقد الطاهر مسرعاً بعد أن قبّل شبّاك الضريح.
وفي اليوم الثاني توجه إلى بغداد واشترى البضائع التي كان يتعامل بها ثم عاد إلى محله وأخذ يمارس عمله على أحسن ما يكون.
وهذه كرامة أخرى: في مطلع السبعينيات، وبينما كنّا نقوم بتهيئة لوازم التعزية الحسينية في أحد جوامع مدينة كربلاء، لاحظت أحد العاملين معنا قد بدا على وجهه الوهن، بعد أن جاء إليه أحد أقاربه وهمس في أذنه، فما كان مني،

العباس بن علي- جهاد وتضحية 67

إلاّ أن أسأله عن سبب قلقه وذلك لوجود صلة قربى بيني وبينه.
فقال لي أن فلان قد جاء إليّ وأخبرني بأنّ ولدي الصغير البالغ من العمر أربعة سنوات قد تدهورت حالته وإن صحته ليست على ما يرام وأن زوجته تطلب منه الإسراع إلى البيت لنقله إلى المستشفى فطلب منه الإسراع إلى البيت ونقل الولد إلى المستشفى، وفعلاً غادر المكان متوجّهاً إلى داره.
وبعد انتهاء مجلس التعزية اتصلت به هاتفياً وسألته عن حالة ولده فقال لي اطمئن فإني قد ذهبت إلى مرقد العباس (عليه السلام) بعد مغادرتي الجامع وأقسمت على أبي الفضل العباس (عليه السلام) بأن يشافي ولدي بمنزلته عند الله، ثم ذهبت إلى داري القريبة من الصحن وإذا بي أرى ولدي الصغير وهو يتخاصم مع أخيه الذي يكبره سنة واحدة على ركوب الدرّاجة الهوائية الصغيرة فحمدت الله عزوجل على شفائه وعلى لطفه الجميل وقلت في نفسي حاشا أخو زينب أن يرد طلب محبيه.
وهذه كرامة أخرى: روى لي العديد من خدمة المرقد العبّاسي المقدّس إن زائراً هندياً جاء إلى مرقد العباس (عليه السلام) ومعه أموال كثيرة وقام بتوزيعها على المحتاجين والفقراء بعدها أعطانا نحن الخدم مبالغ ماليّة أيضاً، وبعد أن فرّق الأموال سألناه عن سبب توزيع هذه المبالغ الكثيرة فقال: إن لكبير أسرتنا ولداً شاباً أصيب بالعمى فعُرض على أشهر الأطباء لمعالجته فلم يحصل على نتيجة بعدها سافر إلى لندن وعرض ولده على الأطباء هناك وجرت محاولات عديدة ولم تسفر عن نتيجة، بعدها عاد الرجل وابنه إلى الهند وبعد عودته بأسابيع حل شهر محرّم الحرام فكنّا نقيم في القرية مجلساً للتعزية بمناسبة استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وكان الرجل يأتي مع ولده الضرير إلى المجلس وصادف يوم مجيئهم إلى المجلس يوم السابع من المحرم

السابق السابق الفهرس التالي التالي