العباس بن علي- جهاد وتضحية 26




العباس بن علي- جهاد وتضحية 27

زوجته (عليه السلام)

تذكر العديد من الروايات بأن العباس تزوج من امرأة واحدة هي (لبابة بنت عبد الله بن عباس) وكانت من سيدات عصرها وأفضلهن نسباً وطهارة وعفة.
أما أبوها فهو عبيد الله بن العباس وكان والياً على اليمن من قبل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
أما أمها فهي السيدة الجليلة أم حكيم بنت خالد بن قرض الكنانية وقد فجعت هذه السيدة الفاضلة بمقتل ولديها الصغيرين من قبل السفاح (بسر بن أرطأ) أحد قادة معاوية بن أبي سفيان عندما احتل اليمن حيث لم يتمكن عبيد الله من الصمود أمام الجيش الأموي الأمر الذي دعاه إلى ترك اليمن لكنه لم يتمكن من أخذ طفليه معه لأنه كان قد أرسلهما الى البادية لينشئا هناك وكان هذا الأمر مألوفاً عن أهل الجزيرة العربية لما علم بسر بن أرطأ بوجود هذين الطفلين أرسل لهم رجاله وأمر بذبحهما، ولما وصل خبر مقتلهما إلى أمهما هذه المرأة المجاهدة رثتهما بهذه الأبيات الحزينة:
يـــا مــــن أحســـن بـــابــني الذين هــمــا كالــــدرتــين تــشظى عـــنهــما الصـــدف
يــا مـــن أحســن بـابـني الذيـــن هـــما سمعي وقلبي فـمني الــيوم مخــتــطــف
نبــــئت بــسراً ومـــا صدقت ما زعموا من قولهم ومن الإفـك الذي اقتـــرفــوا
أنحـــي علــى ودجــــى ابنـــي مرهــــفـــة مشــحـــوذة وكــذاك الإثـــم يــقـــتـــــرف


العباس بن علي- جهاد وتضحية 28

حتـــى لـــقيـــت رجـــــالا مــن أرومــتــــه شــم الأنــوف لهـــم فـي قولـــهـــم شــرف
فـــالآن الــــعــن بــســـرا حــــق لـــعنـــة هــــذا لـــعمــــر أبـــي بسر هـــو الســرف
مــــن دل والـــــهة حــرى مــــولــــهة علــــــى صــبيــين ضـــلا اذ عـــد الســرف

لم تمض مدة طويلة على هذا الأمر حتى انتقم الله سبحانه وتعالى من بسر بن أرطأ شر انتقام فسلب عقله وأخذ يأكل بجذرته ويقول لم حوله- انظروا كيف يطعمن هذان الغلامان ابنا عبد الله هذه العذرة.
فأوثقوا يديه الى ورائه ليمتنع عن أكل العذرة، استنجى في مكانه وهوى بفمه ليتناول منها، فمنع منه. هكذا أخزى الله هذا الرجل الضال.
نعود الى السيدة (لبابة) فلقد أنجبت هذه السيدة المظلومة للعباس (عليه السلام) خمسة اولاد وبنت واحدة ، والاولاد هم : الفضل ، عبد الله ، الحسن ، القاسم ، محمد ، وقد انحصر عقب العباس (عليه السلام ) في ولده عبد الله وسنتحدث عن عقب عبد الله فيما بعد.
لم تعش السيدة لبابة بعد استشهاد العباس (عليه السلام) إلا قليلاً وهناك روايات تقول أنها توفيت سنة 63 هجرية أي بعده، بسنتين فقط، وكان عمرها وقت وفاتها ثامنية وعشرون عاماً، أي أنها كانت في زهو شبابها، وقيل إن عمرها كان خمسة وعشرون سنة لكن محنتها كانت كبيرة ولم تستطع تحمل شدة الصدمة وعمق المصيبة فذهبت الى ربها راضية صابرة.
هذا وهناك رواية تقول بأن زوجة العباس هي (لبابة بنت حذام الكلبية) وقيل الكلابية، ومهما يكن من أمر فإن هذه المرأة الصالحة قد واست الإمام الحسين (عليه السلام) ووقفت مع زوجها أحسن وقفة حيث آزرته وساندته

العباس بن علي- جهاد وتضحية 29


وحثته على المضي قدماً في الوقوف مع أخيه سيد الشهداء وظلت بجانب زوجها وهو يرفع راية الإيمان ضد السلطة الأموية، واستمرت هذه المرأة تقارع السلطة حتى بعد استشهاد زوجها (عليه السلام) وصمدت أمام تعسف أزلام السلطة حيث وقفت مع السيدة زينب بنت علي (عليهما السلام) تلك المرأة المجاهدة التي سكبت قطرات من السم الزعاف في كؤوس الكافرين وقلبت نصرهم إلى هزيمة وفضحت سياستهم الظالمة
فهنيئاً لآل البيت هذه المنزلة الرفيعة وهذه الوقفة العظيمة. (1)

(1)العباس (عليه السلام). باقر القريشي/ ص69، العباس (عليه السلام). للمقرم/ ص 81، مرقد العباس (عليه السلام). لسلمان طعمة/ ص، مروج الذهب، ج3/ ص66، الأغاني، ج15/ ص45، بطلة كربلاء/ ص130.
العباس بن علي- جهاد وتضحية 30




العباس بن علي- جهاد وتضحية 31

أولاد وأحفاد العباس (عليه السلام)

للعباس بن علي (عليه السلام) ذرية طاهرة حيث تذكر كتب التأريخ والسيرة بأنَّ العباس خمسة أولاد وبنت واحدة وأولاده الخمسة هم الفضل وعبيد الله والحسن والقاسم ومحمد وقد انحصر عقب العباس في ولده عبيد الله وانحصر عقب عبيد الله في ولده الحسن وللحسين خمسة أولاد هم الفضل وحمزة وإبراهيم والعباس وعبيد الله وقد أعقبَ الفضل ثلاثة أولاد هم جعفر والعباس الأكبر ومحمد فمن ولد محمد بن الفضل بن الحسن أبو العباس الفضل بن محمد الخطيب وكان هذا شاعراً بليغاً وله ولد منهم يحيى بن عبد الله بن الفضل وولد العباس بن الفضل بن الحسن عبد الله وعبيد الله ومحمد وفضلاً. وولدَ العباس بن الفضل بن الحسن. عبد الله وعبيد الله ومحمد والفضل.
لكل واحدٍ منهم ولد وولد جعفر بن الفضل بن الحسن الفضل أيضاً أمّا إبراهيم جردقة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس فأعقب في ثلاثة رجال هم الحسن ومحمد وعلي أما الحسن بن جردقة فأعقب من محمد بن الحسن من ولده أبو القاسم حمزة بن الحسين بن محمد. أمام محمد بن جردقة فأعقبَ من أحمد وحدّه وله ثلاثة أولاد هم محمد والحسن والحسين.
أما علي بن جردقة فقد أنجب تسعةَ عشرَ ولداً منهم يحيى بن علي بن جردقة وقد أعقب هذا أبو الحسن علي بن يحيى والعباس بن علي وإبراهيم

العباس بن علي- جهاد وتضحية 32

بن علي والحسن بن علي.
أما حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس والذي كان يكنى أبا القاسم فقد أعقبَ علي بن حمزة ومن ولده أبو عبد الله محمد بن علي.
ومن بني الحمزة بن الحسن بن عبيد الله أبو محمد القاسم بن حمزة ومن ولد أبي محمد الحسين بن علي بن الحسين بن القاسم. ومنهم الحسن بن القاسم بن حمزة ومنهم ابو الحسن علي بن الحسين بن الحسن. ومنهم العباس وعلي ومحمد والقاسم وأحمد أما العباس الخطيب بن الحسن بن عبيد الله بن العباس فأعقب أربعة رجال هم أحمد وعبيد الله وعلي عبد الله.
وقد أعقب هذا عبد الله الذي كان يلقب بابن الأفطسيّة والأفطسيّة هو اسم والدته وأعقبَ هذا علي أبو الحسن وقد أعقبَ هذا أبو محمد الحسن وأبو عبد الله. ومنهم حمزة بن عبد الله بن العباس ومن ولدهم أبو الطيّب محمد بن حمزة والذين لقبوا ببني الشهيد.
أمّا الحسن بن عبيد الله فقد ولد عبد الله فقد أعقبَ أحد عشر ولداً منهم القاسم بن عبد الله بن الحسن بن عبيد الله ومن ذريته العباس أيضاً.
ومحمد بن محمد بن أحمد بن حمزة بن الحسين بن القاسم بن الحمزة بن الحسين بن علي بن عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس.
هؤلاء هم ذرية العباس (عليه السلام) والذينَ توزعوا في العديد من الدول الإسلامية وهذه الدول هي فلسطين ومصر واليمن والحجاز والعراق.
هذا وقد كان معظم هؤلاء من أساتذة العلم والحديث إضافةَ إلى بروز العشرات منهم في مجال الشعر حيث كانوا شعراء بارزين تحدثت عنهم كتب التأريخ كما كانت لهم منزلة كريمة عند الخلفاء والولاة والقضاة وخاصة في

العباس بن علي- جهاد وتضحية 33

زمن الدولة العباسية وذلك لسعة علمهم ومعرفتهم بشؤون الفقه الاسلامي والعلوم الأخرى. (1)

(1) عمدة الطالب/ ص357. 358، الغدير، ج3/ ص3، تأريخ بغداد،ج3/ ص63، ج10/ ص314، معجم الشعراء. للمرزباني/ ص435، قمر بني هاشم/ ص140، تأريخ مرقد الحسين والعباس/ ص250.247، العباس. لباقر القرشي/ ص 73.71، العباس. للمقرم/ ص 350.
العباس بن علي- جهاد وتضحية 34




العباس بن علي- جهاد وتضحية 35

مواعظ وحكم العباس (عليه السلام)

للعباس (عليه السلام) مواعظ وحكم كثيرة لكنها لم تجمع في كتاب واحد أو خصص لها فصلٌ في كتب التأريخ والسيرة لكننا ومن خلال مطالعاتنا في العشرات من الكتب المذكورة والتي كنّا نطالعها استعداداً لتأليف هذا الكتاب الذي بينَ يديك عزيزي القارئ الكريم فقد شاهدتُ وقرأت كثيراً من الحكم والمواعظ الرائعة وقد اخترت قسماً منها وها أنا أبدأ:
1- من أطاع هواه أعطى عَدوَّهُ منُاه.
2- راكب الشهوات لا تُستقالُ له عثرة.
3- إيّاك ومصاحبة الشرِّير فإنّه كالسيف المسلول يحسنُ منظره ويقبحُ أثره.
4- من جمع لك وُدَّه ورأيه فاجمع له طاعتك.
5- من هانت عليه نفسه فلا تأمن شرّه.
6- خيرٌ من الخير فاعله وأجمل من الجميل قائلهُ وأرجحُ من العلم حاملهُ وشرُّ من الشر جالبهُ وأهول من الهول راكبهُ.
7- ليس من الأدب إظهار الفرح عند المحزون.
8- التواضع نعمةٌ لا تحسد عليها.
9- من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه.
10- لسان العاقل وراء قلبه.
11- من حذرك كمن بشرك.

العباس بن علي- جهاد وتضحية 36

12- الدنيا دار ممر لا دار مقر.
13- ما أعال من اقتصر.
14- إذا تم العقل نقص الكلام.
15- لا تظن بكلمة خرجت من أحد سوء وأنت تجد لها في الخير محتملاً.
16- البخل جامع لمساوئ العيوب.
17- من عظم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها.
18- الصدقة دواء منجح.
19- شر الإخوان من تكلف له.
20- من صارع الحق صرعه.
21- الخلاف يهدم الرأي.
22- عجب المرء بنفسه أحد حساء نفسه.
23- أفضل الزهد إخفاء الزهد.
24- لا تأمن المال إذا كثر.
25- إيّاك وصحبة الفاسد.
26- ما أفضل من إصلاح البين.
27- الدين ذلة في النهار وهم في الليل.
28- لا تنظر إلى جمال المرأة بل انظر إلى أخلاقها.
29- سل عن أصل المرأة قبل الاقتران بها.
30- إيّاك والكذب فإنه يمحق البركة.
31 - الصد علامة المؤمن.
32- التواضع منتهى الأخلاق.
33- صلوا أرحامكم ففيه رضاء الرب.

العباس بن علي- جهاد وتضحية 37

34- لا تكن ناقلاً لكلام السوء.
35- إيّاك والضجر فإنه يؤدي إلى اليأس وهذا يؤدي إلى ضعف الإيمان.
36- إيّاك ومجالسة الجهلاء فإنهم فساد المجتمع.
37- إيّاك ومصاحبة الجاهل فإنه لا يعرف إلاّ نفسه.
38- لا تجعل لسانك يلهج بكلام السوء.
39- أفضل الأعمال إلى الله رعاية اليتيم وإكرام الضيف وأداء الأمانة.
40- عليكم بقراءة القرآن فإنه يهذب النفس ويطهر القلب.
41- من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت إن الصمت باب من أبواب الحكمة إن الصمت يكسبُ المحبّة إنّه دليلٌ على كلِّ خير.
42- صديقُ كلِّ امرئ عقلهُ وعدوّهُ جهله.
43- لا يجمع المال إلاّ بخصال خمس ببخلٍ شديد وأمل طويل وحرصٍ غالب وقطيعة الرحم وإيثار الدنيا على الآخرة.
هذا غيضٌ من فيض من حكم ومواعظ العباس (عليه السلام) وإن هذه المواعظ والحكم لم تكن جديدة على العباس بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) فهو ابن ذلك الرجل العالم المجاهد الذي قالَ فيه الرسول (صلى الله عليه وآله) أنا مدينة العلم وعليٌ بابها نعم إنه شبل ذلك البطل أسد الإسلام الإسلام الغالب فكيف يكونُ إذن.

العباس بن علي- جهاد وتضحية 38




العباس بن علي- جهاد وتضحية 39

نماذج من شعر
أبي الفضل (عليه السلام)

يعتبر الشعر من سمات الرجولة والبلاغة وخاصّة في الجزيرة العربية سواء قبل الإسلام أو بعده حيث كان الشعراء يتبارونَ بإنتاجهم الشعري الوفير.
ولما كان بنو هاشم من أبلغ رجال العرب فقد برزوا في هذا المجال أمّا أهل البيت (عليهم السلام) الذي زّقوا العلم زقّاً فقد فاقوا إخوانهم أبناء العرب حيث أصبحوا أهل العلم والأدب والبلاغة والبيان دون منازع.
ينسب إلى أهل البيت (عليهم السلام) شعر كثير وخاصّة في أثناء الحروب فهذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) يرتجز في معاركه الخالدة التي خاضها ضدّ المشركين وهذا الحسين بن علي سيد الشهداء يقول الشعر وهو في مقتبل عمره أمّا شعرهُ في معركة كربلاء الدامية فكان كثيراً أيضاً ولما كان حديثنا عن شعر العباس (عليه السلام) فقد اخترنا نماذج من شعره في المعركة البطولية التي خاضها مع أخيه الحسين وأصحابه الميامين ضد جيوش عبيد الله بن زياد والشعر ليس مستغرباً عن أبي الفضل (عليه السلام) فهو أحد أبناء ذلك البيت المقدس الذي تحلّى بكل الفضائل والصفات الحميدة.
ومن الأشعار التي قالها العباس عندما توجه إلى نهر الفرات لجلب الماء إلى أسرة الحسين (عليه السلام) وأسر أصحابه وبعد أن انقضّ على جموع

العباس بن علي- جهاد وتضحية 40

من عسكر ابن زياد وفرّق شملهم أخذ ينادي قائلاً:
لا أرهــبُ المــــوتَ إذا الــمـــوتُ زقـــــــــا حتــــى أُواري فـــي المـــصالــيت لـــقا
إنـــــي صـــــبورٌ شـــاكــرٌ لـــلمـــلتقـــى ولا أخـــافُ طـــارقــاً إن طـــــرقـــــــا
بــــل أضــــربُ الهـــــامَ وأفري المرفقا إنـــــي أنا العباس صـعبُ المـــلتـــــــقى
نفسي لنفس الطاهر السبط وقا

شدّ على الأعداء وهو يردد هذه الأبيات ووصلَ إلى المشرعة ونزل من على ظهر جواده وبعدَ نزوله همَّ بشرب قليل من الماء لكنّه تذكر عطش أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) وعياله وأطفاله فرمى الماء وأنشد يقول:
يــــا نفــــس من بعـــــد الحســين هونــــي (وبعـــــده لا كــــــنـت أو تـــــكونـــــــي) (1)
هـــــــــذا الحسيـــــنُ شــــــاربُ المـــنونِ وتـــــشربــــينَ باردَ المعيــــــــــــــــــــنِ
هيــــــــهاتَ مــــــــا هــــــذا فِعالُ ديني ولا فـــــــــعالُ صـــــــــادق اليـــقيــــــنِ

ثم ملأ القربة ونهضَ وارتقى ظهر جواده وهوَ مكلل بالفخر والعزّ بعد أن اجتازَ صفوف الأعداء واتّجه نحوَ مخيّم الحسين (عليه السلام) ليُطفئ

(1) في الكتاب وتشربينَ بارد المعين وهو تصحيف.
العباس بن علي- جهاد وتضحية 41

حرارة ظمأ الأطفال وإذا بجلاوزة ابن سعد يرمونه بالسهام من كل صوب وهو يقاتلهم قتال الأبطال وفي أثناء هذه الجولة حمل عليه أحد أصحاب ابن سعد بن سنان فأصابه بيمينه فقطعها فأنشأ قمر بني هاشم (عليه السلام) يقول:
واللــه إن قطـــــعتموا يمينــــــــي لأحـــــمين جـــاهدا عن دينــــــــي
وعــــــــن إمام صادق الـــــيقيــــن سبـــــط النبي الطاهـــــر الأمــــين
نـــــــبي صــــدق جاءنا بالـــــدين مصـــــدقا بالـــــــــــــوا حـــــــــد

ظل يحارب أعداء الله إلى أن قطعت يده اليسرى وهو يقول:
يـــا نفــــــــس لا تخـــشــي من الــــكــفــــار وأبـــــشــــــري بــــرحمــــــة الـــجبـــــــــار
مـــــــع الـــــــنبــــي ســـــيد الأبـــــــرار وجـــــــــملـــة الســـــــادات والأخـــــــيار

وجلس ليستريح قليلاً وحاول أن ينهض بالرغم من جراحه البليغة لكن جند الأعداء، فأحاطوا به من كل جانب ففوض أمره إلى الله وهو يردد هذه الأبيات:
أقســـــمت بـــــالله الأعـــــز الأعـــظــــم وبالــــــحجــــور صـــــادقا وزمــــــــــزم
وذو الحــــــطيم والفـــــــنا المــــــــــحرم لـــــــيخـــــضبن اليــــــوم جسمي بالـــدم


العباس بن علي- جهاد وتضحية 42

إمـــام ذي الفــــضل وذي الــتــــكرم ذاك حســـينُ ذو الـــفـــخارِ الأقــــدم

عند ذلك خارت قواه وظل على الأرض وهو مضرج بدمائه.
هذه نماذج قليلة من الأبيات الشعرية التي نسبت إلى العباس (عليه السلام) والتي وجدناها في العديد من الكتب التأريخية التي تحدثت عن معركة كربلاء ودور العباس البطولي والبارز في استماته (عليه السلام) في الدفاع عن الحق في هذه المعركة الخالدة. (1)

(1) هذا الحسين/ ص119، المجالس السنية، ج/ ص115، تراث كربلاء /ص83، تأريخ مرقد الحسين والعباس/ ص244، العباس. للمقرم/ ص200، العباس. للقرشي/ ص75، بطل العلقمي، ج1/ ص11، مصرع العباس/ ص25.
العباس بن علي- جهاد وتضحية 43

شجاعة العباس (عليه السلام)

شجاعة العباس الحديث عنها طويلٌ جداً حيث تحدث عدد كبير من المؤرخين عن شجاعته ومنذ نعومة أظفاره ومن المؤرخين الذين تحدثوا عن هذا الجانب (الخوارزمي) حيث يذكر بأن العباس بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) قد اشترك في معركة صفين التي دارت بين الإمام علي (عليه السلام) ومعاوية بن أبي سفيان وأنه أي العباس (عليه السلام) قد أبلى بلاءً حسناً في هذه المعركة وتمكن من قتل عدد من فرسان جيش معاوية ثمّ عادَ من المعركة وهو مكللٌ بالعزّ والفخار.
يقول الخوارزمي عن هذه الصولة الجهادية:
إن معاوية عندما منع الماء عن جيش الإمام علي (عليه السلام) وقبل أن يأمر الإمام رجاله بالهجوم على جنود معاوية خرجَ من جيش الإمام علي (عليه السلام) شابٌ وضعَ قناعاً على وجهه وكانت تبدو عليه الهيبة وتظهر عليه الشجاعة.
تقدم هذا الشاب في خطوات ثابتة نحو جيش معاوية ثم ارتقى مرتفعاً من الأرض وصاحَ بأعلى صوته يتحدّى أشجع الشجعان من جيش معاوية لكي يبارزوه ولما سمِعَ معاوية نداء هذا الشاب التفت إلى أحد أعوانه وكانَ يدعى بـ-(أبي الشعثاء) وقال له إنك أبرع فارس في الشام فتقدم واقتل هذا الرجل ليكون في قتله عبرة للآخرين فقال أبو الشعثاء لمعاوية كلاّ إن أهل الشام

العباس بن علي- جهاد وتضحية 44

يقدرونني بألف فارس وهو لا يستحق أن أنازله، سأبعث إليه باحد أولادي عندها نادى أبو الشعثاء أحد أولاده وأمره بأن يتقدم نحو الشاب الملثم لقتله.
تبارز الاثنان ولم تمض إلاّ لحظات حتى قُتلَ ابن أبي الشعثاء ثم أمر أبو الشعثاء ابنه الثاني بالتوجه لقتل هذا الشاب الملثم فكان مصير هذا كمصير أخيه.
واستمر أبو الشعثاء يدفع بأبنائه الواحد تلو الآخر إلى أن قتلوا جميعاً وكان عددهم سبعة أولاد، بعدها توجه أبو الشعثاء نفسهُ نحو هذا الشاب الذي كان كالطود الشامخ وما أن نزل أبو الشعثاء إلى ساحة المعركة حتى سقط مضرجاً بدمائه بعد أن انقض عليه هذا الشاب المقنع.
لم تتعب هذه المنازلة الطويلة هذا الشاب المقتدر فسرعانَ ما وقف وهو يصيح بأعلى صوته هل من مبارز؟
فلم يخرج إليه أحد بعدها عاد هذا المقاتل الشجاع إلى صفوف جيشه وما أن عاد حتى استدعاه الإمام علي (عليه السلام) الذي كان لا يدري من هذا المقاتل العنيد فأزال القناع عن وجهه فإذا هو ابنه العباس (عليه السلام) فقبّل جبينهُ.
تلك صورةٌ مشرقة عن شجاعة العباس (عليه السلام) وهو لم يكمل العقد الثاني من عمره فهكذا تبدو البسالة التي اتصف بها أبناء علي (عليه السلام) هذا من جانب ومن الجانب الآخر فقد كان للعباس (عليه السلام) دورٌ آخر في الشجاعة وشدة البأس وهي أنَّ الإمام الحسن بن علي (1) (عليهما السلام) عندما أحسّ بدنو أجله أوصى إخوته الجالسين بجنبه ومنهم العباس (عليه السلام) بأن يدفن جنب جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعد

(1)في الكتاب الحسين بن علي وهو تصحيف.
العباس بن علي- جهاد وتضحية 45

أن توفي الإمام (عليه السلام) تم تغسيله وتكفينه من قبل إخوته ثم جرى تشييعه تشييعاً مهيباً شاركَ فيه كبار صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله) وزعماء بني هاشم وسار الموكب نحو قبر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وكان العباس (عليه السلام) في مقدمة الموكب وقبلَ ان يصل الموكب إلى قبر الرسول حاول عددٌ من أصحاب النفوس المريضة وفي مقدمتهم مروان بن الحكم إثارة المشاكل وذلك لمنع دفن الإمام الحسن (عليه السلام) جنب جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما كان من العباس (عليه السلام) إلآّ وأشهر سيفه البتّار ومن ثمّ تبعه بنو هاشم وأصرّوا على دفن جثمان الإمام (عليه السلام) جنب جسد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) ولما رأى الإمام الحسين (عليه السلام) تأزم الموقف طلب من العباس وبني هاشم التريث وخاطب أخاه العباس قائلاً (ليس يومك هذا يا أخي) فعاد الهدوء إلى الموكب ودُفن الإمام الحسن (عليه السلام) في البقيع.
ظل العباس (عليه السلام) الساعد الأيمن لأخيه الحسين في كل المحن والصعاب التي جرت عليه.
بعد تسلم يزيد بن معاوية السلطة بعد وفاة أبيه طلب من والي المدينة أخذ البيعة من الحسين (عليه السلام) ومن عدد من وجهاء المدينة وما أن وصل أمر يزيد إلى الوالي حتى استدعى الإمام الحسين (عليه السلام) لمناقشة الموضوع وكان الامام الحسين(عليه السلام) طلب من أخيه أبي الفضل (عليه السلام) ان يستدعي عدداً من بني هاشم ويخبرهم أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمهاجمة قصر الوالي عندما يحتدم النقاش بيه وبين الوالي فلبّى العبّاس طَلَبَ أخيه الحسين (عليه السلام) وهيّأ مجموعةَ من بني هاشم جلبوا سلاحهم معهم وأصبحوا على أهبة الاستعداد.

العباس بن علي- جهاد وتضحية 46

وعندما طلب الوالي من الحسين (عليه السلام) إقرار البيعة ليزيد بن معاوية رفضَ الإمام الحسين (عليه السلام) هذا الأمر رفضاً قاطعاً فتدخل مروان بن الحكم الذي كان جالساً وقال للوالي احبس هذا الرجل حتى يبايع او اضرب عنقه فرَّد عليه الحسين(عليه السلام) بصوتٍ عال (يا بن الزرقاء أنتَ تقتلني أم الوليد؟ كذبت والله وأثمت) وكان الحسين (عليه السلام) قد اتفق مع أخيه العباس ورفاقه عندما يسمعون احتدام النقاش بينه وبين الوالي فما عليهم إلاّ اقتحام القصر فلمّا سمع العباس صوتَ الحسين (عليه السلام) شهر سيفه وصاحَ في رجاله هَلمَّ بنا.
فاقتحم العباس ورفاقه دار الوالي وأخرجوا الحسين من الدار وساروا وهم مرفوعوا الرؤوس بعد أن أهانوا الوالي وحُراسه.
أمّا الحديث عن شجاعة العباس يوم العاشرمن المحرمّ فلا يحتاج الى إيضاح فقد سَطّر العباس (عليه السلام) في هذا اليوم الخالد أروع الملاحم في الانقضاض على معاقل الأعداء وتشتيت شملهم واجتثاث رؤوسهم.
إن مبادئ الاخوة الصادقة التي سار عليها العباس (عليه السلام) بقيت تستطع بأنوارها المتلألئة لتنير للأجيال دربَ الحرية والكفاح ولكي تجعل قلوبنا نحن المسلمين عامرةً بروح الإيمان والمحبة والاخوةّ لنكون يداً واحدة ضدّ أعداء الإسلام وأعداء الإنسانية.
لقد ضرب العباس لنا أروعَ الأمثلة في الدفاع عن الحقّ والوقوف بوجه الباطل وعبّر بذلكَ عن مدى إيمانه العميق وتضحيته العظيمة واستبساله حتى آخر لحظة من أجل الدفاع عن سيّد شباب أهل الجنة الحسين العظيم وقد أجادَ حفيد العباس الفضل بن محمد حين ذكر موقف جدّه أبي الفضل في معركة كربلاء حيث قال:

العباس بن علي- جهاد وتضحية 47

إني لأذكر للعباس موقفــه بكربلاءَ وهام القـــوم تُختطفُ
يحمي الحسين ويحميه على ظمــأ ولا يولي ولا يثني فيخــتلــــفُ
ولا أرى مشهداً يوماً كمشهدهِ مع الحسين عليه الفضل والشرف
أكرم به مشهداً بانت فضيلتُه وما أضاع له أفعالهُ خـــلَفُ

يقول الإمام الصادق (عليه السلام) عن صلابة إيمان العباس (عليه السلام) ما نصُّهُ (كان عمُّنا العباس بن علي نافذَ البصيرة صلبَ الإيمان جاهدَ مع أبي عبد الله وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً)
فهنيئاً لك يا سيدي يا ابا الفضل على هذا الجُهد الكبير الذي قدمته في نصرة الدين ونصرة أخيك سيد الشهداء قائد أوّل ثورة جهادية في تاريخ أمة الإسلام. (1)

(1) المجالس السنية، ج1/ ص117، عظماء الإسلام، ثورة الحسين /ص172، مناقب الخوارزمي/ ص147، الكبريت الأحمر، ج3/ص 24، العباس.للمقرام/ ص110، هذا الحسين/ ص80، بطل العلقمي، ج1/ ص110، العباس. للأشيقر/ ص80.
العباس بن علي- جهاد وتضحية 48




السابق السابق الفهرس التالي التالي