في ظلال الصيحيفة السجادية 598



خوف المطيعين

( اجعل هيبتي في وعيدك . . . ) الوعيد بالشر ، والعذاب ، والوعيد بالخير ، والثواب ، والهيبة ، والرهبة ، والحذر كلمات تتضمن معنى الخوف ، وهو مراد الإمام عليه السلام منها ، وما من شك أن الخوف من الله تعالى يأتي على قدر العلم به تماماً كالإيمان يقاس رسوخه برسوخ العلم بعظمته جل جلاله ، وبهذا نطق القرآن الكريم : « إنما يخشى الله من عباده العلمؤا إن الله عزيز غفور » (1) . . . « والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا » (2) ، وفي هاتين الآيتين دلالة واضحة أن الدين علم في اصطلاح القرآن . وقد يظن الجاهلون أن الخوف من الله لا يجب ، ولا ينبغي إلا من المعاصي ، أما خوف المطيع فلا موجب له ! ولكن أهل العلم بالله يرجون مغفرته ، ورحمته مع المعصية ، ويخافونه أشد الخوف مع الطاعة لظن التقصير ، وعدم القبول لشائبة العجب ، أو الرياء ، أو الخلل بفوات جزء ، أو شرط ، أو للتهاون في الخشوع ، والإقبال عليه تعالى كما يجب . وفي دعاء سيد الشهداء عليه السلام : « إن رجائي لا ينقطع عنك وإن عصيتك ، كما أن خوفي لا يزايلني وإن أطعتك » (3) .
( واعمر ليلي بإيقاظي فيه لعبادتك ) اشغل ليلي بالعبادة لا بالنوم ( وتفردي بالتهجد لك ، وتجردي بسكوني إليك ) ، تفرد : كان فرداً ، وتهجداً : سهر الليل للعبادة ، وتجرد : تفرغ ، وسكوني : أنسي ، وراحتي ، واطمئناني ، والمعنى اصرفني يا إلهي بكياني كله روحاً ، وجسماً إلى عبادتك في كل ليلة من ليالي عمري ، وحياتي ،
(1) فاطر : 28 .
(2) آل عمران : 7 .
(3) انظر ، إقبال الأعمال : 339 ، بحار الأنوار : 95 / 227 ، كلمات الإمام الحسين عليه السلام : 805 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 599

عسى أن أكون واحداً من الذين عنيتهم ، ومدحتهم بقولك : « أمن هوقانت ءانآء الليل ساجداً وقآئماً يحذر الأخرة ويرجو رحمة ربه » (1) . وفي نهج البلاغة : « أما الليل فصافون أقدامهم ، تالين لأجزاء القرآن يرتلونها ترتيلاً » (2) ، وقد تقدم في الدعاء الثاني والأربعين .
( وإنزال حوائجي بك ) ، واضح ، وقد تقدم في الدعاء الثالث عشر ، ( ومنازلتي إياك في فكاك رقبتي ) المراد بالمنازلة هنا المراجعة ، والمسألة المرة تلو المرة ، وجاءت بصيغة المفاعلة لمجرد المبالغة في الإلحاح ، والتكرار ، وقد تقدم في الدعاء الخامس ، ( وإجارتي مما فيه أهلها من عذابك ) ، الضمير في أهلها يعود إلى رقبتي ، ومن عذابك بيان لما فيه ، والمعنى رقبتي يا إلهي تستحق عذابك ، وأنا أستجير بك راجياً أن تطلقها ، وتحررها من غضبك ، وعذابك .
ولا تذرني في طغياني عامهاً ، ولا في غمرتي ساهياً حتى حين ، ولا تجعلني عظةً لمن اتعظ ، ولا نكالاً لمن اعتبر ، ولا فتنةً لمن نظر ؛ ولا تمكر بي فيمن تمكر به ، ولا تستبدل بي غيري .
ولا تغير لي إسماً ، ولا تبدل لي جسماً ، ولا تتخذني هزواً لخلقك ، ولا سخرياً لك ، ولا تبعاً إلا لمرضاتك ، ولا ممتهناً إلا بالانتقام لك . وأوجدني برد عفوك ، وحلاوة رحمتك ، وروحك ، وريحانك ،
(1) الزمر : 9 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 161 ، الخطبة ( 193 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 10 / 133 ، كنز العمال : 3 / 719 ح 8566 ، تحف العقول : 159 ، كشف التمحيص لمحمد بن همام الإسكافي : 71 ، الكافي : 2 / 132 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 600

وجنة نعيمك ؛ وأذقني طعم الفراغ لما تحب بسعة من سعتك ، والاجتهاد فيما يزلف لديك ، وعندك .
وأتحفني بتحفة من تحفاتك ، واجعل تجارتي رابحة ، وكرتي غير خاسرة ؛ وأخفني مقامك ، وشوقني لقاءك ؛ وتب علي توبةً نصوحاً لا تبق معها ذنوباً صغيرةً ، ولا كبيرةً ، ولا تذر معها علانيةً ، ولا سريرةً .
( ولا تذرني في طغياني عامهاً ) ، العمه في البصيرة ، والعمى في البصر ، وهذه الجملة اقتباس من قوله تعالى : « من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم في طغيانهم يعمهون » (1) ، والمعنى اشملني بهدايتك ، وعنايتك ، ولا تتركني لإلحاح الشهوات ، وتضليل الشبهات . وقد تقدم في الدعاء الثامن ، ( ولا في غمرتي ساهيا حتى حين ) الغمرة : الشدة ، وهذا اقتباس من الآية : « فذروهم في غمرتهم حتى حين » (2) ، والمعنى مدني بحراستك ، ولا تدعني في شدتي غافلاً عن نفسي حتى يباغتني الموت أو العذاب ، ( ولا تجعلني عظةً لمن اتعظ ) ، لا تنزل بي نازلة يتعظ بها الآخرون . وفي نهج البلاغة : « اتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم » (3) ، ( ولا نكالاً لمن اعتبر ) ، عطف تكرار .
( ولا فتنةً لمن نظر ) أي لا تجعلني ضعيفاً فيستخف بي من أحب ، وأراد . وفي الآية : « ربنا لا تجعلنا فتنةً للذين كفروا » (4) ، أي لا تجعلنا ضعافاً ينكل بنا
(1) الأعراف : 186 .
(2) المؤمنون : 54 .
(3) انظر ، نهج البلاغة : 1 / 79 ، الخطبة ( 32 ) ، عيون الحكم والمواعظ : 89 ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 2 / 175 .
(4) الممتحنة : 5 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 601

الكفار ، ( ولا تمكر بي فيمن تمكر به ) يفتح سبحانه وتعالى أبواب النعم ، والخيرات لمن لا يسمعون ، ولا يتعظون حتى إذا فرحوا بها أخذهم بغتة وهم لا يشعرون ، والإمام عليه السلام يدعو الله سبحانه وتعالى أن لا يكون من هذه الزمرة ( ولا تستبدل بي غيري ) أيضاً يدعو الإمام عليه السلام أن لا يكون من الذين خاطبهم الله تعالى بقوله : « وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم » (1) ، ( ولا تغير لي إسماً ) فتجعله شقياً بعد أن كان سعيداً ( ولا تبدل لي جسماً ) ، كما تفعل بأهل النار : « كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها » (2) .
( ولا تتخذني هزواً لخلقك ) : للجناس ( ولا سخرياً لك ) ، ومعنى سخريته تعالى إنزال الخزي ، والهوان بمن يستحق ، ومن هذا الباب : « نسوا الله فنسيهم » (3) ، أي أهملهم ، ( ولا تبعاً إلا لمرضاتك ) ، أبداً لا أخضع إلا لك . وفي دعاء جدهم الرسول صلى الله عليه وآله : « أللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، ومن الخوف إلا منك » (4) ، ( ولا ممتهناً إلا بالانتقام لك ) ، لا ينالني أي مكروه إلا في سبيل الله ، ( وأوجدني برد عفوك . . . ) اصفح ، وارحم ، وافتح لنا أبواب نعمتك ، وجنتك ،
(1) محمد : 38 .
(2) النساء : 56 .
(3) التوبة : 67 .
(4) انظر ، مسند أحمد : 2 / 305 و 325 ، سنن أبي داود : 1 / 344 ح 1544 ، الأدب المفرد للبخاري : 146 ، السنن الكبرى : 4 / 450 و : 7 / 12 ، صحيح ابن حبان : 3 / 305 ، بحار الانوار : 94 / 233 ، كتاب الدعاء للطبراني : 409 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6 / 191 ، موارد الظمآن : 605 ، الجامع الصغير : 1 / 234 ، كنز العمال : 2 / 189 ح 3688 و 3746 ، أرواء الغليل : 3 / 354 ، سير أعلام النبلاء : 15 / 492 ، مستدرك الحاكم : 1 / 540 ، سنن النسائي : 8 / 261 ، المبسوط للسرخسي : 30 / 253 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 602

وقد تقدم مرات ، ومرات ، ( وأذقني طعم الفراغ . . . ) اغنني ، وأوسع علي في رزقي ، وقد تقدم في الدعاء العشرين ، وغيره ، ( والاجتهاد فيما يزلف لديك ، وعندك ) في طاعتك ، ورضوانك ، وقد تقدم في الدعاء الحادي والعشرين ، وغيره ، ( وأتحفني بتحفة ) : بهدية ثمينة .
( واجعل تجارتي رابحةً . . . ) ، المراد بالتجارة هنا الطاعة ، والربح الثواب ، وقد تقدم في الدعاء الخامس والعشرين ، وغيره ، ( وكرتي غير خاسرة ) : رجوعي إليك ، وإلحاحي عليك ( وأخفني مقامك ) لا تظهر عند حسابي غداً بهيبتك أمامي فيهتز ، ويرتعش كياني . وقد تقدم في الدعاء الثاني عشر ، وغيره ، ( وشوقني لقاءك ) ، واضح ، وقد تقدم في الدعاء الحادي والعشرين ، ( وتب علي توبةً نصوحاً . . . ) تقدم مرات بخاصة في الدعاء الحادي والثلاثين .
وانزع الغل من صدري . . .للمؤمنين ، واعطف بقلبي على الخاشعين ، وكن لي كما تكون للصالحين ، وحلني حلية المتقين ، واجعل لي لسان صدق في الغابرين ، وذكراً نامياً في الآخرين ، وواف بي عرصة الأولين ؛ وتمم سبوغ نعمتك علي ، وظاهر كراماتها لدي .
املأ من فوائدك يدي ، وسق كرائم مواهبك إلي ، وجاور بي الأطيبين من أوليآئك في الجنان التي زينتها لأصفيآئك ، وجللني شرآئف نحلك في المقامات المعدة لأحبائك ، واجعل لي عندك مقيلاً آوي إليه مطمئناً ، ومثابةً أتبوأها ، وأقر عيناً .
( وانزع الغل من صدري . . . ) الغل : الحقد ، والبغضاء ، وفي الحديث : « شر

في ظلال الصيحيفة السجادية 603

الناس من أبغض الناس ، وأبغضه الناس » (1) ، وقال أحد فلاسفة اليونان : « على الناس أن يبادروا إلى أزالة الحقد أكثر من مبادرتهم إلى إطفاء الحريق » (2) ؛ لأن النار تحرق بعض البيوت ، والحقد يثير الحروب التي تدمر البلاد وتهلك العباد ، ( واعطف بقلبي على الخاشعين ) إجعلني محباً لأبرار الطيبين ، ومناصراً للمستضعفين . وفي الحديث : « فمن أحب عبداً في الله فإنما أحب الله ، ولا يحب الله تعالى إلا من أحبه الله » (3) ، ونجد تفسير الحب في الله بالآية : « أشدآء على الكفار ( أي أعداء الله ) رحمآء بينهم » (4) ، ( وكن لي كما تكون للصالحين ) الذين يرجى منهم الخير ، ولا أحد يخشى من شرهم .
( وحلني حلية المتقين ) الحلية بكسر الحاء : ما يزين به من مصوغ المعادن ، والحجارة الكريمة ، قال سبحانه وتعالى : « يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً » (5) ، والمعنى ألبسني زينة المتقين ، وتقدم في الدعاء العشرين ، ( واجعل لي لسان صدق في الغابرين ) ، وفي الآية : « واجعل لي لسان صدق في الأخرين » (6) ، والمعنى : اجعل لي ذكراً جميلاً فيمن بقي من خلقك من اليوم إلى يوم الدين . ( وذكراً نامياً في الآخرين ) عطف تكرار ، ( وواف بي عرصة الأولين ) وافاه : أتاه ، والعرصة بفتح العين : البقعة الواسعة ، والمعنى أحشرني غداً مع السابقين الأولين إلى الخيرات ، وكرر الإمام عليه السلام هذا المعنى بأسلوب أوضح ، وهو قوله بعد لحظة :
(1) انظر ، مستدرك سفينة البحار : 5 /387 ، بحار الأنوار : 75 / 54 و : 77 / 124 .
(2) انظر ، أدبيات فلاسفة اليونان لعبد الله بن ميخائيل طراد المقدسي ، طبعة شيخو : 241 .
(3) انظر ، مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق عليه السلام : 194 ، بحار الأنوار : 66 / 251 ح 30 .
(4) الفتح : 29 .
(5) فاطر : 33 .
(6) الشعراء : 84 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 604

« وجاور بي الأطيبين من أوليآئك في الجنان التي زينتها لأصفيآئك » .
( وتمم سبوغ نعمتك علي ، وظاهر كراماتها لدي ) وقد تقدم هذا الدعاء بالذات ما نصه بالحرف : « وجللني سوابغ نعمائك ، وظاهر لدي فضلك ، وطولك » ( واملأ من فوائدك يدي ) ، كناية عن العطاء الجزيل ، والخير الكثير ( وسق كرائم مواهبك إلي ) ، الطلب الأول يعود إلى الكم ، وهذا إلى الكيف لأن الكرائم هي الغوالي والنفائس ( وجللني شرآئف نحلك . . . ) أعددت لمن تحب أجراً كريماً ، وثواباً عظيماً ، فتفضل علي كما تفضلت عليهم ، وقد تقدم في هذا الدعاء بالذات « تجزل لهم بها من تحفك خ ل ، ( أو نحلك ) ، وكرامتك ، وتكمل لهم الأشيآء من عطاياك . . . » ، ( واجعل لي عندك مقيلاً . . . ) مكاناً ( آوي إليه ) للراحة ، والمراد هنا الجنة ، قال سبحانه وتعالى « أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً » (1) ، ( ومثابةً أتبوأها ،وأقر عيناً ) ، مثابة : ثواب ، تبوأ المكان : حل فيه ، وقرة العين : السرور .
ولا تقايسني بعظيمات الجرائر ، ولا تهلكني يوم تبلى السرائر ؛ وأزل عني كل شكً ، وشبهة ، واجعل لي في الحق طريقاً ، من كل رحمة ؛ وأجزل لي قسم المواهب من نوالك ، ووفر علي حظوظ الإحسان من إفضالك .
واجعل قلبي واثقاً بما عندك ، وهمي مستفرغاً لما هو لك ؛ واستعملني بما تستعمل به خالصتك ، وأشرب قلبي عند ذهول العقول طاعتك .
(1) الفرقان : 24 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 605


واجمع لي الغنى ، والعفاف ، والدعة ، والمعافاة ، والصحة ، والسعة ، والطمأنينة ، والعافية ، ولا تحبط حسناتي بما يشوبها من معصيتك ، ولا خلواتي بما يعرض لي من نزغات فتنتك .
( ولا تقايسني بعظيمات الجرائر ) : جمع جريرة أي لا تقس عقوبتي بجرمي ، وجريرتي ، وبتعبير الدعاء المكرر ، والمشهور : « عاملني بعفوك لا بعدلك » (1) ، ( ولا تهلكني يوم تبلى السرائر ) ، اقتباس من الآية : « يوم تبلى السرآئر » (2) ، أي يكشف عن كل سر كان في القلب خفياً عقيدةً كان ، أو ظناً ، أو قصداً ، ويوضع هذا السر غداً على المحك تمييزاً بالإختبار لما خبث ، وطاب ، وقد تقدم في الدعاء الثاني والثلاثين ، ( وأزل عني كل شك ، وشبهة ) الشك : أن تردد ، ولا تعتقد نفياً ، أو إثباتاً ، والشبهة : أن تعتقد خطأً من حيث لا تشعر ، وقد تقدم في الدعاء الثاني والعشرين بهذا النص : « وهب لي نوراً أمشي به في الناس ، وأهتدي به في الظلمات ، وأستضيء به من الشك والشبهات » .
( واجعل لي في الحق طريقاً ، من كل رحمة ) ، في الحق أي في علمك يا إلهي الذي هو عين الحق ، والواقع ، ومن هنا بمعنى إلى ، والمعنى سهل علي الطريق الموصل إلى كل نوع ، ولون من فضلك ، ورحمتك ، ( وأجزل لي قسم المواهب من نوالك ) ، اجعل حظي من عطاياك كبيراً ، وكثيراً ، وقد تقدم قبل لحظة هذا المعنى في قوله : « وسق كرائم مواهبك إلي » ، ( ووفر علي حظوظ الإحسان من إفضالك ) عطف تكرار ( واجعل قلبي واثقاً بما عندك ) ، معنى الثقة بالله الغنى به عن كل شيء ، والرجوع إليه في كل شيء ، وحدد الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام صدق الإيمان بقوله :
(1) انظر ، نور البراهين للجزائري : 1 / 39 ، شرح اصول الكافي : 10 / 214 ، قريب منه .
(2) الطارق : 9 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 606

« لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده » (1) وقد تقدم في الدعاء الثاني والثلاثين .
( وهمي مستفرغاً لما هو لك ) ، اجعل كل أفعالي ، وأقوالي لوجهك الكريم ، وقد تقدم قبل قليل في هذا الدعاء : « وأذقني طعم الفراغ لما تحب » ( واستعملني بما تستعمل به خالصتك ) ، اجعلني من أهل التقى ، والزلفة عندك ، واختصصهم بفضلك . واستعملتهم في الخيرات ، والمبرات ( وأشرب قلبي عند ذهول العقول طاعتك ) ، اذا تجرأت عقول أهل الهوى ، والعمى على معصيتك فاشغل جوانحي ، وجوارحي كلها بطاعتك عن كل طاعة . وقد تقدم في الدعاء الحادي عشر ، والحادي والعشرين ، وغير ذلك ( واجمع لي الغنى . . . . ) ، خير الدنيا ، والآخرة . وقد تقدم بصورة أطول ، وأوسع في الدعاء الثالث عشر ، والثاني والعشرين ، وغير ذلك ( ولا تحبط حسناتي ) لا تجعلني من الذين يخربون بيوتهم بأيديهم ، وقد تقدم في هذا الدعاء نفسه ما نصه بالحرف : « وطوقني طوق الإقلاع عما يحبط الحسنات ، ويذهب بالبركات » .
( ولا خلواتي بما يعرض لي من نزغات فتنتك ) خلواتي : صلواتي ، وعبادتي ، والمراد بالنزغات هنا خطرات الوسواس ، وفتنته تعالى : محنته ، وابتلاؤه ، والمعنى لا تبطل أعمالي بتصور أسود يمر بالخاطر أبتلى به ، وأمتحن ، ونسبه الإمام إلى الله ؛ لأنه خالق الأشياء كلها . وسبق القول بأن الأفكار لا أثر لها ما دامت في طي الكتمان . وقد تقدم في الدعاء الثاني والأربعين .
(1) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 74 ، الحكمة ( 310 ) ، شرح النهج لمحمد عبده : 3 / 227 ، شرح النهج للمعتزلي : 19 / 216 ، بحار الأنوار : 64 / 313 و : 100 / 37 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 607


وصن وجهي عن الطلب إلى أحد من العالمين ، وذبني عن التماس ما عند الفاسقين ، ولا تجعلني للظالمين ظهيراً ، ولا لهم على محو كتابك يداً ونصيراً .
وحطني من حيث لا أعلم حياطةً تقيني بها ، وافتح لي أبواب توبتك ، ورحمتك ، ورأفتك ، ورزقك الواسع ، إني إليك من الراغبين .
وأتمم لي إنعامك ، إنك خير المنعمين ، واجعل باقي عمري في الحج ، والعمرة ابتغآء وجهك يا رب العالمين ؛ وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، والسلام عليه وعليهم أبد الآبدين .
( وصن وجهي عن الطلب . . . ) واضح ، وقد تقدم في الدعاء العشرين ، وغيره .


فوت الحاجة أهون

( وذبني عن التماس ما عند الفاسقين ) ، السؤال من حيث هو ذل ، وهوان إلا أن يكون المسؤول الخالق الرازق . فكيف إذا السائل أشرف ، وأرفع عن المسئول ديناً ، وخلقاً ؟ قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « ماء وجهك جامد يقطره السؤال ، فانظر عند من تقطره » (1) . . « فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها » (2) ، والمعنى إن أحوجك الدهر فاسأل أهل الدين ، والإيمان ، والنجدة ، والمروءة ، لأن سؤال
(1) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 81 ، الحكمة ( 346 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 19 / 261 ، ينابيع المودة : 2 / 249 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 15 ، الحكمة ( 66 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 18 / 211 ، ينابيع المودة : 2 / 239 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 608

الفاسق ، والظالم يستدعي السكوت عن الحق ، والمعروف ، وتجاهل الباطل ، والمنكر ، وبه يذهب من دين السائل أكثر مما ينال من دنيا المسئول ، وقول الإمام : صن ديني . . . واضح في هذا المعنى ، وكم قرأنا عن أهل الله كيف فروا بدينهم من أهل المال ، والسلطان . وقد تقدم في الدعاء العشرين .
وفيما روى الرواة أن اثنين من العلماء كانا في عهد الأمويين ، وكان أحدهما يسكت عن الحق ، ويماليء الظلمة ، ويركن إليهم لأنه يقبل عطاياهم ، والآخر يرفضها ، وينطق بالحق ، ويجبههم به غير هياب . وفي ذات يوم التقى الحاكم بالنزيه المخلص ، فقال له : أدع لنا ، فقال : كيف أدع لكم ، والألوف تدعوا عليكم ؟ أيستجاب لواحد ، ولا يستجاب للكثرة الكاثرة ؟ فقال الجائر : ولماذا خلق الله الذباب ؟ قال : ليذل به الجبابرة . قال الحاكم الظالم : فأين رحمة الله ؟ قال : هي للمحسنين لا للمسيئين (1) . وهكذا كل من تجرد عن الأهواء ، والأغراض ينطق بالحق ، ولا يخشى في الله لومة لائم ، أما المرتزقة فيعبثون بدين الله ، ويحللون حرامه بالتأويل ، والتعليل .
( ولا تجعلني للظالمين ظهيراً ) انظر شرح الدعاء الرابع عشر فقرة الظالم كافر
(1) قال أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي : وقع الذباب على وجه المنصور فذبه فعاد فذبه فعاد حتى أضجره ، وكان عنده جعفر بن محمد عليه السلام في ذلك الوقت ، فقال المنصور : يا أبا عبد الله لأي شيء خلق الله عزوجل الذباب ؟ قال : ليذل به الجبابرة ، فسكت المنصور . انظر تأريخ دمشق : 60 / 13 ، تهذيب الكمال : 5 / 93 و : 28 / 439 ، سير أعلام النبلاء : 6 / 264 و : 7 / 202 ، المناقب لابن شهر آشوب : 3 / 375 ، و : 4 / 251 طبعة أخرى ، علل الشرايع : 2 / 496 ح 1 ، كشف الغمة : 2 / 158 ، حلية الأولياء لأبي نعيم الإصبهاني : 3 / 198 ، مطالب السؤول : 82 ، نور الأبصار : 299 ، أخبار الدول وآثار الأول للقرماني : 112 ، المختار في مناقب الأخبار : 17 ، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : 353 ، الأنوار القدسية للسنهوتي : 38 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 609

( وحطني من حيث لا أعلم حياطةً . . . ) احفظني بعينك الذي لا تنام من كل سوء من حيث لا أحس ، وأشعر ، وقد تقدم في الدعاء السادس ، وغيره ( وافتح لي أبواب توبتك ، ورحمتك ) أبواب توبته ، ورحمته مفتوحة لكل تائب ومسترحم ، والسبل إلى رزقه لا يبلغها الإحصاء تماماً كنعمته ، وهي بينة واضحة لكل من سعى لها سعيها ، وتقدم في الدعاء الثاني والثلاثين ، وغيره . والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، والسلام عليه ، وعليهم أبد الآبدين .

في ظلال الصيحيفة السجادية 610



في ظلال الصيحيفة السجادية 611

الدعاء الثامن والأربعون

دعاؤه في يوم الأضحى والجمعة

أللهم هذا يوم مبارك ميمون ، والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك ، يشهد السائل منهم ، والطالب ، والراغب ، والراهب ، وأنت الناظر في حوائجهم ؛ فأسألك بجودك وكرمك ، وهوان ما سألتك عليك . . . ، أن تصلي على محمد وآله .
وأسألك أللهم ربنا بأن لك الملك ، ولك الحمد ، لا إله إلا أنت ، الحليم الكريم ، الحنان المنان ، ذو الجلال ، والإكرام ، بديع السموات والأرض ، مهما قسمت بين عبادك المؤمنين ، من خير ، أو عافية ، أو بركة ، أو هدىً ، أو عمل بطاعتك ، أو خير تمن به عليهم ، تهديهم به إليك ، أو ترفع لهم عندك درجةً ، أو تعطيهم به خيراً من خير الدنيا ، والآخرة . . . أن توفر حظي ، ونصيبي منه .
( هذا يوم مبارك . . . ) الإشارة إلى اليوم العاشر من ذي الحجة ، وتجب فيه

في ظلال الصيحيفة السجادية 612

الأضحية على من حج إلى البيت الحرام ، وتستحب على أهل كل بيت في كل عام ، وإن يحج واحد منهم ، وقيل : بل تجب . وهذا القول متروك ( والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك . . . ) للصلاة ، والدعاء يسألون الله العفو ، والعافية . وقد تقدم في الدعاء الخامس والأربعين ( وهوان ما سألتك عليك ) أي هو على الله يسير لأنه على كل شيء قدير ( الحنان ) : الكثير الرحمة ( المنان ) الكثير الإنعام ( ذو الجلال ، والإكرام ) لا جلال ، ولا كرامة إلا له ، ومنه ( بديع السماوات ، والأرض ) أوجدتهما من غير مثال سابق . وقد تقدم في الدعاء السابع والأربعين .
( مهما قسمت . . . ) اشركني في كل ما تفضلت به على عبادك الصالحين ، واجعل حظي منه أوفر الحظوظ . وقد تقدم في الدعاء السابع والأربعين .
وأسألك أللهم بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت . . . أن تصلي على محمد وآل محمد ، عبدك ، ورسولك ، وحبيبك ، وصفوتك ، وخيرتك من خلقك ، وعلى آل محمد الأبرار الطاهرين الأخيار . . . ، صلاةً لا يقوى على إحصائها إلا أنت ، وأن تشركنا في صالح من دعاك في هذا اليوم من عبادك المؤمنين يا رب العالمين ، وأن تغفرلنا ، ولهم إنك على كل شيء قدير .
أللهم إليك تعمدت بحاجتي ، وبك أنزلت اليوم فقري ، وفاقتي ، ومسكنتي ، وإني بمغفرتك ، ورحمتك ، أوثق مني بعملي ، ولمغفرتك ، ورحمتك أوسع من ذنوبي .
فصل على محمد وآل محمد ، وتول قضآء كل حاجة هي لي بقدرتك عليها ، وتيسير ذلك عليك ، وبفقري إليك ، وغناك عني ؛

في ظلال الصيحيفة السجادية 613

فإني لم أصب خيراً قط إلا منك ، ولم يصرف عني سوءاً قط أحد غيرك ، ولا أرجو لأمر آخرتي ، ودنياي سواك .
( وأسألك أللهم . . . أن تصلي على محمد وآل محمد . . . ) تقدم ، وتكرر مرات ، ولا بدع فإن الشمس تشرق في كل يوم ، وهي على روعتها تماماً ، وكيومها الأول . انظر شرح الدعاء الثاني فقرة ( طبيعة الدعوى ، وشخصية الداعي ) ، والدعاء السادس فقرة ( الشخصية اللامعة الجذابة ) ، والدعاء الثاني والأربعون فقرة ( شخصية محمد ) ، والدعاء السابع والأربعون فقرة ( محمد هو الوحيد في كتاب جديد ) .
( وأن تشركنا في صالح من دعاك ) يطلب الإمام عليه السلام من الله سبحانه أن يشركه في دعاء من دعاه من عباده الصالحين حتى ولو كان الدعاء خاصاً بصيغة « أدعوك » والأفضل أن يكون عاماً كـ « ندعوك » و « نسألك ». قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إذا دعا أحدكم فليعمم ، فإنه أوجب للدعاء » (1) ( أللهم إليك تعمدت بحاجتي ) قصدتك دون سواك ، لأنك أرحم الراحمين ( وبك أنزلت اليوم فقري ) لأنك أكرم الأكرمين .


من خصائص العالم ، والجاهل

( وإني بمغفرتك ، ورحمتك أوثق مني بعملي . . . ) كل عاقل ، وعالم يتوقع الخطإ من نفسه فيما يرى ، ويقول ، ويفعل مهما احتاط ، وتحفظ ـ بخاصة من آمن بالله ، واليوم الآخر ـ وبالرغم من ذلك فعليه أن يمضي ، ولا يتوقف ، وأن يعمل بموجب ما يرى راجياً الصواب ، وعدم الاشتباه ، وإلا لأحجم عن كل شيء ، والجاهل الأرعن هو الذي يصر على أن كل ما يصدر عنه حق لا ريب فيه ، وكلما
(1) انظر ، الكافي : 2 / 487 ح 1 ، شرح اصول الكافي : 10 / 264 ، ثواب الأعمال : 162 ، البحار : 90 / 340 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 614

ازداد الإنسان جهلاً ازداد رفضاً للنقد ، وإعجاباً برأيه ، وإصراراً عليه ، أما العالم فعلى العكس كلما ازداد علماً ازداد توقعاً للخطإ ، وقبولاً للنقد برحابة صدر ، أجل العالم المؤمن يثق بمغفرة الله ، ورحمته أكثر مما يثق بوجوده ، لأنه على علم اليقين برحمة الله ، ومغفرته ، وأنهما أوسع من كل ذنب ، بل ومن الدنيا ، والآخرة . وفي دعاء سيد الشهداء : « يا رحمن الدنيا ، والآخرة ، ورحيمهما ، ليس كمثلك مسؤول ، ولا سواك مأمول » (1) .
( وتول قضآء كل حاجة هي لي بقدرتك عليها ) أقض حاجتي أنت دون سواك بقدرتك التي لا تعجز عن شيء ، وإن عظم . وتقدم مرات ، منها في الدعاء الثاني والعشرين ( فإني لم أصب خيراً قط إلا منك ) وتسأل : أليس التعاون بين الناس هو أساس الحياة ؟ وهل لأحد من غنى عن الناس إلا أن يكون من وحوش الغاب ، أو من ملائكة السماء ؟ ويروى أن الإمام سمع رجلاً يدعو الله أن يغنيه عن الناس ، فقال له : لا بد من معونة الناس ، ولكن أدع أن يغنيك عن شرار الناس . فما هو المبرر لقول الإمام عليه السلام : لم أصب خيراً قط إلا من الله ؟ الجواب : أجل بعض الناس يستعين ببعض ، ما في ذلك ريب ، ولكن كل الناس يستمدون المعونة ، والتيسير ، والنجاح منه تعالى .
أللهم من تهيأ ، وتعبأ ، وأعد ، واستعد ، لوفادة إلى مخلوق ، رجاء رفده ، ونوافله ، وطلب نيله ، وجائزته ، فإليك يا مولاي كانت اليوم تهيئتي ، وتعبئتي ، وإعدادي ، واستعدادي ، رجآء عفوك ، ورفدك ، وطلب نيلك ، وجائزتك .
(1) انظر ، إقبال الأعمال : 2 / 85 ، بحار الأنوار : 95 / 223 ، حياة الإمام الحسين عليه السلام : 1 / 178 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 615


أللهم فصل على محمد وآل محمد ، ولا تخيب اليوم ذلك من رجائي ، يا من لا يحفيه سائل ، ولا ينقصه نائل ؛ فإني لم آتك ثقةً مني بعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته . . . إلا شفاعة محمد وأهل بيته عليه وعليهم سلامك .
أتيتك مقراً بالجرم ، والإساءة إلى نفسي ، أتيتك أرجو عظيم عفوك الذي عفوت به عن الخاطئين ، ثم لم يمنعك طول عكوفهم على عظيم الجرم . . . أن عدت عليهم بالرحمة ، والمغفرة .
فيا من رحمته واسعة ، وعفوه عظيم ، يا عظيم يا عظيم ، يا كريم يا كريم ، صل على محمد وآل محمد ، وعد علي برحمتك ، وتعطف علي بفضلك ، وتوسع علي بمغفرتك .
( أللهم من تهيأ ، وتعبأ . . . ) التهيئة ، والتعبئة ، والإعداد ، والاستعداد للأمر كلمات تعبر من معنىً واحد ، وهو إيجاد كل ما يلزم لتحققه ، ووجوده ، والوفادة : القدوم ، والرفد : العطاء ، والمعونة ، والنوافل : جمع نافلة بمعنى العطية بالمجان ، والنيل : ما ينال ، والجائزة : العطية مكافأة ، ويتلخص المعنى إذا سأل الناس يا إلهي ، وتوجهوا إلى سواك ، فما أنا بطالب ، وراغب في أية حاجة من حوائجي إلا إليك ، وحدك لا شريك لك . وتقدم مراراً ، منها في الدعاء الثاني عشر ، والثالث عشر ( ولا تخيب . . . ) واضح وتقدم ( يا من لا يحفيه . . . ) لا يضيق ، ويتبرم من الإلحاح في السؤال ، بل يحبه ، ويريده من عباده ( ولا ينقصه . . . ) خزائنه تفيض ، ولا تغيض بالعطاء ، وتقدم في الدعاء الخامس والأربعين ، وغيره .
( فإني لم آتك ثقةً . . . ) بأي شيء إطلاقاً ( إلا شفاعة محمد وأهل بيته عليه وعليهم سلامك ) وجاء في الحديث : « أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام : « أنت قسيم

في ظلال الصيحيفة السجادية 616

الجنة ، والنار يوم القيامة غيري » (1) . ومن كان قسيم الجنة ، والنار فهو شفيع ، وزيادة .
( أتيتك مقراً بالجرم . . . ) قال الإمام الباقر عليه السلام : « والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به » (2) . . . « لا والله ما أراد الله من الناس إلا خصلتين أن يقروا له بالنعم ، فيزيدهم ، وبالذنوب فيغفر لهم » (3) ، فكيف إذا كان الإقرار بالذنب ممن لا ذنب له ؟ ( ثم لم يمنعك طول عكوفهم على عظيم الجرم . . . ) الله سبحانه يرحم الخلائق بالكامل لا لشيء إلا لكونه خلقهم ، فكيف بمن آمن به ، وسمع له ، وأطاع ، وهو جل جلاله يدعو كل مذنب إلى مغفرته ، ويمن بها على كل طالب لها ، وراغب فيها ، كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « ما كان الله ليفتح على عبد باب الدعاء ، ويغلق عنه باب الاجابة ، ولا ليفتح على عبد باب التوبة ، ويغلق عنه باب المغفرة » (4) . وقد أعلن سبحانه فتح هذا الباب في كتبه ، وبلسان رسله حيث قال : « ألا تحبون أن يغفر
(1) انظر ، فضائل الخمسة : 3 / 105 ، ونقل صاحب الكتاب المذكور عن الصواعق المحرقة : 75 و 93 ، طبعة سنة 1312هـ ، وعن كنز العمال للمتقي الهندي : 6 / 402 طبع حيدر آباد سنة 1312 هـ ، وعن كنوز الحقائق للمناوي : 92 طبع بإستانبول سنة 1285 هـ . ( منه قدس سره ) ، وانظر ، لسان الميزان : 3 / 247 ، المناقب لابن المغازلي : 67 ح 97 ، الفردوس بمأثور الخطاب : 3 / 64 ح 4180 ، بشارة المصطفى : 259 ، ينابيع المودة : 1 / 254 و : 2 / 404 .
(2) انظر ، كتاب الزهد لحسين بن سعيد الأهوازي : 72 : مستدرك الوسائل : 2 / 345 ، بحار الأنوار : 6 / 38 .
(3) انظر ، الكافي : 2 / 426 ح 2 ، شرح اصول الكافي : 10 / 157 ، وسائل الشيعة : 16 / 59 ، البحار : 6 / 36 .
(4) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 102 ، الحكمة ( 435 ) مثله مع تقديم وتأخير ، شرح النهج للمعتزلي : 20 / 82 ، بحار الانوار : 6 / 36 و : 90 / 366 ، لسان الميزان لابن حجر : 2 / 349 ، عن النبي صلى الله عليه وآله
في ظلال الصيحيفة السجادية 617

الله لكم والله غفور رحيم » (1) . ولا يحرم ، ويمنع سبحانه أي مذنب من مغفرته إلا أن يرفضها هو بسوء إختياره لإصرارهم على الحجود بخالقه ، أو لإهمال التوبة ، وطلب المغفرة : « وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون » (2) .
( وعد علي برحمتك . . . ) هذا وما بعده عطف تكرار ، إضافة إلى ما سبق في العديد من الأدعية ، ويأتي .
أللهم إن هذا المقام لخلفائك ، وأصفيائك ، ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها ، قد ابتزوها وأنت المقدر لذلك ، لا يغالب أمرك ، ولا يجاوز المحتوم من تدبيرك ، كيف شئت ! وأنى شئت ! ولما أنت أعلم به ، غير متهم على خلقك ، ولا لإرادتك .
حتى عاد صفوتك ، وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين ؛ يرون حكمك مبدلاً ، وكتابك منبوذاً ، وفرائضك محرفةً عن جهات أشراعك ، وسنن نبيك متروكةً . أللهم العن أعدآءهم من الأولين ، والآخرين ، ومن رضي بفعالهم ، وأشياعهم ، وأتباعهم .
( أللهم إن هذا المقام لخلفائك ، وأصفيائك . . . ) الأئمة المعصومين ، وأشار الإمام عليه السلام إليهم ، لأن هذا الدعاء للعيد ، والجمعة ، وفيها يجتمع المسلمون حول إمامهم ، وقائدهم يعبون من فيضه ، ويهتدون بنوره ( قد ابتزوها ) أي سلبوا الدرجة الرفيعة ، وهي الخلافة ، وتغلبوا عليها ( وأنت المقدر لذلك ) ليس المراد بالتقدير هنا الحتم ، واللزوم وإلا بطل الحساب ، والعقاب ، وسقط الوعد ، والوعيد ، وإنما المراد به
(1) النور : 22 .
(2) الأنفال : 33 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 618

علمه تعالى بأنه الظلم ، والجور واقع على المظلومين بإرادة الظالمين ، واختيارهم ( لا يغالب أمرك ، ولا يجاوز المحتوم من تدبيرك ) ؟ أي شاءت حكمتك أن تترك العبد وما يختار لنفسه ، وأن لا تلجئه على فعل ، أو ترك . ولو شئت لفعلت ، ولكنك لم تفعل حيث لا إنسانية بلا حرية ، ومن هذا الباب قوله تعالى : « ولو شآء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً » (1) .
( كيف شئت . . . ) ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ( ولما أنت أعلم به . . . ) على المؤمن بالله أو يلوذ به ، ولا يعترض ويسأل عما يفعل ، كما هو شأننا مع الطبيب الخبير الأمين ( حتى عاد صفوتك ، وخلفاؤك مغلوبين . . . ) أي كانت النتيجة لحكمتك البالغة ـ وهي ترك الإنسان وما يختار ـ نبذ الكتاب ، وتحريف السنة ، وإضاعة الصلاة ، وإتباع الشهوات ، ولكن للباطل جولة ثم يضمحل ، وللحق سلاح لا تراه الأعين : « ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار » (2) ، وكثيراً ما يكون هذا اليوم في الدنيا قبل الآخرة ، كما رأينا بالحس ، والعيان .
( أللهم العن أعدآءهم . . . ) قال الإمام الصادق عليه السلام : « إن اللعنة إذا خرجت من صاحبها ترددت بينها وبين الذي يلعن ، فإن وجدت مساغاً وإلا رجعت على صاحبها » (3) . ومعنى هذا أن اللعنة تأخذ طريقها إلى صاحبها الظالم الآثم تلقائياً ، لا يصدها عنه شيء ، وإن اللعين حقاً ، وصدقاً لو نطق بها قاصداً من لا يستحق اللعن
(1) هود : 118 .
(2) إبراهيم : 42 .
(3) انظر ، قرب الإسناد : 10 ، الكافي : 2 / 268 ح 6 ، ثواب الأعمال : 230 ، البحار : 72 / 208 ، الوسائل : 8 / 613 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 619

لعادت إلى الناطق بالذات تماماً كالكذاب يلعن الكاذبين .
أللهم صل على محمد ، وآل محمد إنك حميد مجيد ، كصلواتك ، وبركاتك ، وتحياتك على أصفيآئك إبراهيم ، وآل إبراهيم ، وعجل الفرج ، والروح ، والنصرة ، والتمكين ، والتأييد لهم .
أللهم واجعلني من أهل التوحيد ، والإيمان بك ، والتصديق برسولك ، والأئمة الذين حتمت طاعتهم ممن يجري ذلك به ، وعلى يديه آمين رب العالمين .
أللهم ليس يرد غضبك إلا حلمك ، ولا يرد سخطك إلا عفوك ، ولا يجير من عقابك إلا رحمتك ، ولا ينجيني منك إلا التضرع إليك ، وبين يديك .
فصل على محمد وآل محمد ، وهب لنا يا إلهي من لدنك فرجاً بالقدرة التي بها تحيي أموات العباد ، وبها تنشر ميت البلاد .
ولا تهلكني يا إلهي غماً حتى تستجيب لي ، وتعرفني الإجابة في دعآئي ، وأذقني طعم العافية إلى منتهى أجلي ، ولا تشمت بي عدوي ، ولا تمكنه من عنقي ، ولا تسلطه علي .
( حميد ) : مثني عليه لجلاله ، وكماله ( مجيد ) جليل ، وهاب ( وعجل الفرج ) إشارة إلى المهدي المنتظر ، أنظر شرح الدعاء السابع والعشرون فقرة المهدي المنتظر ثورة إجتماعية ، والدعاء السابع والأربعون فقرة الدولة الإنسانية ( الروح ) بفتح الراء : الراحة ، والرحمة ( واجعلني من أهل التوحيد ) كلنا موحدون في القول ، والفكر ، نقول : لا إله إلا الله . « قل هو الله أحد » ، ونستدل على الواحد المطلق

في ظلال الصيحيفة السجادية 620

بأقوى الأدلة العقلية ، ولكن الكثرة الكاثرة منا مشركون عملياً يعبدون ، ويوحدون أصنام الهوى والغرض ! أنظر شرح الدعاء السابع والأربعون فقرة إيماننا نظري لا عملي ، والإمام عليه السلام يدعو الله تعالى أن يجعل أقواله ، وأعماله لوجه الله وحده تماماً كعقيدته .
( والتصديق برسولك ) لأن مجرد الإيمان بالله لا يجعل الإنسان مسلماً ، فالإسلام في حقيقته هو الإيمان بالله ، ورسوله محمد ، واليوم الآخر ( والأئمة الذين حتمت طاعتهم ) تماماً كما أوجب سبحانه بالقرآن الكريم ، وطاعته ، والشاهد حديث الثقلين . أنظر شرح الدعاء الثاني والأربعون فقرة مودة آل الرسول ، والدعاء السابع والأربعون فقرة أهل البيت ، والدعاء التاسع والثلاثون فقرة علي والنص على إمامته ( ممن يجري ذلك به ، وعلى يديه ) ذلك إشارة إلى دين الله الكامل الجامع بين التوحيد ، والولاء للنبي ، وآله صلى الله عليه وآله ، وأيضاً يعود ضمير « به » إلى هذا الدين ، أما ضمير « يديه » فيعود إلى من يجري ، والمراد بـ « يجري » نشر الدعوة إلى دين الله ، والمعنى اجعلني يا إلهي من المؤمنين بالله ، والموالين للنبي، وأهل بيته عليهم السلام ، وأيضاً اجعلني داعياً إلى هذا الإيمان ، والولاء ، وأن تستجيب الناس لدعوته ، ويهتدوا على يديه .
( أللهم ليس يرد غضبك إلا حلمك . . . ) في الدعاء السادس عشر : ( وأنت الذي عفوه أعلى من عقابه ، وأنت الذي تسعى رحمته أمام غضبه ) وهذا ما نطق به الحديث وفيه أيضاً : « إذا سمعتم الرجل يقول : هلك الناس فهو أهلكهم » (1) . وسبق الكلام مرات عن رحمته تعالى ، وعفوه ، وحلمه . وحاشا كماله ، وجلاله أن يأمر
(1) انظر ، كنز العمال : 3 / 559 ح 7903 و 7904 ، شرح مسلم : 16 / 175 ، مسند أحمد : 2 / 272 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 621

بالرحمة ، ولا يرحم ، وبالعفو ، ولا يعفو ، وبالحلم ، ولا يحلم ( وهب لنا يا إلهي من لدنك فرجاً بالقدرة . . . ) إذا اشتدت الأزمات ، وضاقت الحلقات ، ولا دواء ، وعلاج إلا قدرتك التي تحي الأموات ، وتقول للشيء كن فيكون ـ فامنن علينا عندئذ بهذه القدرة ( ولا تهلكني يا إلهي غماً ) بحجب الدعاء ، والحرمان من هذا الدواء ( وأذقني طعم العافية . . . . ) والسلامة من كل داء ما دمت حياً ( ولا تشمت بي عدوي . . . ) واضح ، وتقدم في الدعاء الثامن .
إلهي إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وإن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني ، وإن أكرمتني فمن ذا الذي يهينني ، وإن أهنتني فمن ذا الذي يكرمني ، وان عذبتني فمن ذا الذي يرحمني .
وإن أهلكتني فمن ذا الذي يعرض لك في عبدك ، أو يسألك عن أمره ، وقد علمت أنه ليس في حكمك ظلم ، ولا في نقمتك عجلة ، وإنما يعجل من يخاف الفوت ، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف ، وقد تعاليت يا إلهي عن ذالك علواً كبيراً .
أللهم صل على محمد وآل محمد ، ولا تجعلني للبلاء غرضاً ، ولا لنقمتك نصباً ، ومهلني ، ونفسني ، وأقلني عثرتي ، ولا تبتليني ببلاء على أثر بلاء ، فقد ترى ضعفي ، وقلة حليتي ، وتضرعي إليك .
( إلهي إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني . . . ) أبداً لا واضع لمن رفعته التقوى ، ولا رافع لمن خفضته معصية الله .
وإن قال قائل : لقد رأينا الناس يرفعون من شأن الأغنياء ، والوجهاء .
قلنا في جوابه : الحديث في الرفع ، والخفض عن الله سبحانه لا عند الناس ،

في ظلال الصيحيفة السجادية 622

وهو تعالى القائل : « ولكن أكثر الناس لا يعلمون » (1) . . . « وأكثرهم لا يعقلون » (2) . وفي كتاب كيف يحيا الإنسان للفيلسوف الصيني يوتانج « كلما زاد عدد المصفقين ، والهاتفين زاد عدد المداحين المنافقين » ( وإن أكرمتني . . . ) عطف تكرار ( ليس في حكمك ظلم ) لأنك الغني عن كل شيء ، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف كما قال الإمام عليه السلام . وتقدم في الدعاء السابع والثلاثين ، وغيره ( ولا في نقمتك عجلة . . . ) واضح ، وتقدم مراراً . أنظر شرح الدعاء السابع والثلاثون فقرة لماذا أملى سبحانه وأمهل ؟ .
( ولا تجعلني للبلاء غرضاً ) : هدفاً ، ومرمى للمصائب ، والنوائب . وتقدم في الدعاء الخامس والعشرين ، وغيره ( فقد ترى ضعفي . . . ) وشدة حالي ، ويأسي من كل مخلوق . ولا أملك أي شيء إلا أملي ، ورجائي بفضلك ، ورحمتك . وتقدم في الدعاء الثاني والثلاثين .
أعوذ بك أللهم اليوم من غضبك . فصل على محمد وآله وأعذني ، وأستجير بك اليوم من سخطك ، فصل على محمد وآله ، وأجرني .
واسألك امنا من عذابك ، فصل على محمد واله ، وامني ،واستهديك ، فصل على محمد واله ، واهدني ، واستنصرك ، فصل على محمد واله ، وانصرني .
وأسترحمك ، فصل على محمد وآله ، وارحمني ، وأستكفيك ، فصل على محمد وآله ، واكفني ، وأسترزقك ، فصل على محمد
(1) الأعراف : 187 .
(2) المائدة : 103 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 623

وآله ، وارزقني ، وأستعينك ، فصل على محمد وآله ، وأعني .
وأستغفرك لما سلف من ذنوبي فصل على محمد وآله ، واغفرلي ، وأستعصمك فصل على محمد وآله ، واعصمني ؛ فإني لن أعود لشيء كرهته مني إن شئت ذالك .
( أعوذ بك أللهم اليوم من غضبك ) هذا هو دعاء الصالحين ، والعارفين ، رضا الله عند الموت ، والأمان من غضبه يوم التلاق ، قال سبحانه : « ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى » (1) وفي دعاء سيد الشهداء : « أن لا تميتني على غضبك ، ولا تنزل بي سخطك » (2) . وتقدم في الدعاء العشرين : ( فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إلي ، أو يستحكم غضبك علي . ) ( وأستجير بك . . . ) عطف تكرار ( وأسألك أمناً من عذابك ) أنا الآن ، وساعة دعائي ، ومناجاتي آمن من نزول عذابك بي ( وآمني ) أي وهب لي أمن يوم الحساب ، وادرأ عني العذاب بلطفك ، وكرمك . وتقدم في الدعاء العشرين .
( وأستهديك . . . ) يتضرع الإمام عليه السلام لخالقه جل جلاله ، ويتقرب إليه بتكرار الصلاة على محمد وآله أن يمن عليه بالهداية ، والكفاية ، والرحمة ، والمغفرة ، والمعونة ، والنصرة ، وكل ذلك تقدم مرات . وفي دعاء سيد الشهداء عليه السلام : « إلهي أغنني بتدبيرك لي عن تدبيري ، وبإختيارك عن إختياري ، وأوقفني على مراكز اضطراري ، إلهي أخرجني من ذل نفسي ، وطهرني من شكي وشركي قبل حلول رمسي » (3) .
(1) هود : 81 .
(2) انظر ، البحار : 95 / 220 ، كلمات الإمام الحسين ، للقرشي : 797 ، حياة الإمام الحسين ، للقرشي : 1 / 173 .
(3) انظر ، بحار الأنوار : 95 / 226 ، صحيفة الإمام الحسين عليه السلام : 216 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 624


يا رب ، يا رب ، يا حنان يا منان ، يا ذا الجلال ، والإكرام ، صل على محمد وآله ، واستجب لي جميع ما سألتك ، وطلبت إليك ،ورغبت فيه إليك ، وأرده ، وقدره ، واقضه ، وأمضه ، وخر لي فيما تقضي منه ، وبارك لي في ذالك ، وتفضل علي به ، وأسعدني بما تعطيني منه .
وزدني من فضلك ، وسعة ما عندك ، فإنك واسع كريم ، وصل ذلك بخير الآخرة ، ونعيمها يا أرحم الراحمين .
( يا حنان ) : الكثير الرحمة ( يا منان ) : الكثير العطاء ( يا ذا الجلال ، والإكرام ) يا ذا الكمال ، والكرامة . وتقدم في أول هذا الدعاء ( واستجب لي . . . ) أعطني بكرمك كل ما طلبت ، وأردت ، ولا تمسك عني شيئاً منه ( وخر لي فيما تقضي منه . . . ) اجعل الخير ، والبركة ، والسعادة فيما تهب ، وتتفضل ( وصل ذلك بخير الآخرة . . . ) أجمع لي خير الدنيا ، والآخرة ، ونجني من أهوال هذه ، وكربات تلك ، أسألك كل ذلك ، وفوق ذلك لإيماني الراسخ برحمتك ، ومغفرتك ، وفضلك وجودك . والصلاة على محمد وآله الطاهرين . وتقدم مرات .


السابق السابق الفهرس التالي التالي