|
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
578 |
|
 |
|
المولود ، والفطرة
|
|
|
 |
( فجعلته ممن هديته لدينك . . . ) من المعلوم بالحس ، والبديهة أن السبيل الأول لتكوين العقيدة الدينية عند الطفل هو دين أمه ، وأبيه ، وتقليده للكبار في محيطه ، وبيئته ، ويؤكد هذا حديث « كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه ، أو ينصرانه » (1) . ومعنى هذا أن الطفل يمتلك الإستعداد الكافي للتدين بدين الحق ، ولكن التربية ، والبيئة هي التي تنحرف به عنه . وفي دعاء سيد الشهداء عليه السلام : « لم تخرجني لرأفتك بي ، ولطفك لي ، وإحسانك إلي في دولة أيام الكفرة الذين نقضوا عهدك ، وكذبوا رسلك ، لكنك أخرجتني رأفة منك ، وتحنناً علي للذي سبق لي من الهدى الذي فيه يسرتني ، وفيه أنِشأتني » (2) . وهو عهد الإسلام الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وما من شك أن من أعظم النعم على الإنسان أن يتولد ممن يدين بدين الحق ، وينشأ في حجر الطهر ، والقداسة .
( ثم أمرته فلم يأتمر ، وزجرته فلم ينزجر . . . ) وفي دعاء سيد الشهداء عليه السلام : « يا من قل له شكري فلم يحرمني ، وعظمت خطيئتي فلم يفضحني ، ورآني على المعاصي فلم يخذلني . . .ا لهي ما أقربك مني ، وأبعدني عنك » (3) . ( فخالف أمرك إلى نهيك ، لا معاندةً لك ، ولا استكباراً عليك ، بل دعاه هواه إلى ما زيلته . . . ) من زلت
|
(1) انظر ، مسند أحمد : 2 / 233 و 393 و 481 ، صحيح البخاري : 2 / 104 ، سنن الترمذي : 3 / 303 .
(2) انظر ، إقبال الأعمال : 2 / 74 ، بحار الأنوار : 57 / 372 ، تفسير نور الثقلين : 3 / 533 ، صحيفة الحسين : 168 .
(3) انظر ، البلد الأمين : 251 ، زاد المعاد : 146 ، حياة الإمام الحسين عليه السلام : 175 ، صحيفة الحسين : 188 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
579 |
|
 |
الشيء عن مكانه إذا نحيته ، وأبعدته ، والمعنى ما تجرأ على معاصيك يا إلهي جلاً بها ، ولا عناداً لأمرك ، أو تكبراً على طاعتك ، كلا ، بل غلبه الهوى ، وفتنته الدنيا ، وأظله الشيطان ، ( فأقدم عليه ) أي على ما حذر سبحانه ، ونهي عنه ( عارفاً بوعيدك ، راجياً لعفوك . . . ) اغتر بمغفرة الغافر ، وفضله الزاخر ، ولكن الأجدر أن يخاف ، ويحذر ، لأن من خاف أمن ، ومن استسلم للطمع تاه في الظلمات ، وارتبك في الهلكات .
وها أنا ذا بين يديك صاغراً ، ذليلاً ، خاضعاً ،خاشعاً ، خائفاً ، معترفاً بعظيم من الذنوب تحملته ، وجليل من الخطايا اجترمته ، مستجيراً بصفحك ، لآئذاً برحمتك ، موقناً أنه لا يجيرني منك مجير ، ولا يمنعني منك مانع .
فعد علي بما تعود به على من اقترف من تغمدك ، وجد علي بما تجود به ـ على من ألقى بيده إليك ـ من عفوك ، وامنن علي ـ بما لا يتعاظمك أن تمن به على من أملك ـ من غفرانك ، واجعل لي في هذا اليوم نصيباً أنال به حظاً من رضوانك .
ولا تردني صفراً مما ينقلب به المتعبدون لك من عبادك ؛ وإني وإن لم أقدم ما قدموه من الصالحات ، فقد قدمت توحيدك ، ونفي الأضداد ، والأنداد ، والأشباه عنك ؛ وأتيتك من الأبواب التي أمرت أن تؤتي منها ؛ وتقربت إليك بما لا يقرب به أحد منك إلا بالتقرب به .
ثم أتبعت ذلك بالإنابة إليك ، والتذلل ، والاستكانة لك ، وحسن الظن بك ، والثقة بما عندك ، وشفعته برجآئك الذي قل ما يخيب عليه راجيك .
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
580 |
|
 |
( وها أنا ذا بين يديك صاغراً ، ذليلاً . . . ) كله واضح ، وقد تقدم مرات (1) . ومع هذا نشير ، ونكرر ، ولمجرد التدبر ، والتذكير ، أن الإمام عليه السلام يعلم بأنه في حصن من العصمة يحجبه عن معصية الله ، ولكنه يعلم أيضاً بأن من الكلام الذي لا يسمعه سبحانه ، ولا يرفعه إليه كلام العبد الذي يبريء نفسه ، ويقول : أنا المحسن ، أو المطيع الذي يستحق من الله الأجر ، والثواب ، وأنه تعالى لا يستجيب إلا لمتضرع خاضع ، ومتصاغر جازع كما في هذا الدعاء ، وغيره ، وفي دعاء سيد الشهداء عليه السلام الذي أعطى الله كل شيء يقول له : « إن عدلك مهلكي ، ومن عدلك مهربي ، فإن تعذبني فبذنوبي يا مولاي ! بعد حجتك علي ، وإن تعف فبحلمك ، وجودك ، وكرمك . . . إلهي مني ما يليق بلؤمي ، ومنك ما يليق بكرمك . . . أسألك فكاك رقبتي من النار » (2) رقبة الحسين التي قطعت في سبيل الله ( رهينة الذنوب بين يدي الله ، ورقابنا طليقة بريئة ! ! ) وهكذا حزب الشيطان يرون السيئات حسنات ، أما حزب الرحمن فيتجردون حتى عن رؤية الطاعات ، والقربات ، وقد تقدم (3) .
( وإني وإن لم أقدم ما قدموه من الصالحات . . . ) إن لم يكن لدي من عمل أتقرب به إليك فإني استشفع لديك بإيماني إنك الخالق الذي لا معاند له ، ولا نظير ، والصمد الذي لا كفؤ له ، ولا شريك ، والدائم القائم ، والمبديء المعيد ( وأتيتك من الأبواب . . . ) كالتوبة ، والثقة بفضلك ، ورحمتك ، ومودة القربى ( قل ما يخيب عليه راجيك ) واضح ، وقد تقدم في الدعاء السادس عشر ، والسادس والأربعين .
|
(1) انظر ، الدعاء العاشر ، والسادس عشر ، والحادي والعشرون .
(2) انظر ، صحيفة الإمام الحسين عليه السلام : 210 ، بحار الأنوار : 95 / 225 ، كلمات الإمام الحسين عليه السلام : 803 .
(3) انظر ، الدعاء الثاني والثلاثون فقرة : من رضي عن نفسه أسخط الله عليه .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
581 |
|
 |
وسألتك مسألة الحقير الذليل الفقير الخائف المستجير ؛ ومع ذلك خيفةً ، وتضرعاً ، وتعوذاً ، وتلوذاً ؛ لا مستطيلاً بتكبر المتكبرين ، ولا متعالياً بدالة المطيعين ، ولا مستطيلاً بشفاعة الشافعين ؛ وأنا بعد أقل الأقلين ، وأذل الأذلين ، ومثل الذرة ، أو دونها .
فيا من لم يعاجل المسيئين ، ولا ينده المترفين ، ويا من يمن بإقالة العاثرين ، ويتفضل بإنظار الخاطئين . . . ، أنا المسيء المعترف الخاطئ العاثر : أنا الذي أقدم عليك مجترئاً ، أنا الذي عصاك متعمداً ، أنا الذي استخفى من عبادك وبارزك .
أنا الذي هاب عبادك ، وأمنك ، أنا الذي لم يرهب سطوتك ، ولم يخف بأسك ، أنا الجاني على نفسي ، أنا المرتهن ببليته ، أنا القليل الحياء ، أنا الطويل العنآء .
( وسألتك مسألة الحقير . . . ) هذي هي بالذات علاقة العارفين بالله مع الله ، علاقة المخلوق بالخالق ، والمرزوق بالرازق ، والحقير بالعظيم ، والذليل بالعزيز ، والمستجدي بالمعطي . . . وهذا هو توحيد المؤمن حقاً ، وصدقاً لا يرى إلا الله ، ولا يثق بجهده ، وجهاده بالغاً ما بلغ إلا أن يرحم الله ، ويتكرم ( وأنا بعد أقل الأقلين . . . ) هذا ضرب من التواضع لعظمة الله ، وإذعان لعزته ، وما من شك أنه عين العزة ، والرفعة ( ويا من لم يعاجل المسيئين ) واضح وقد تقدم مرات ، منها في الدعاء السابع والثلاثين ، انظر في شرحه فقرة لماذا أملي سبحانه ، وأمهل ؟ وفي دعاء سيد الشهداء : « يا من لم يعجل على من عصاه من خلقه ، يا من استنقذ السحرة بعد طول الجحود » (1) . يشير بهذا إلى السحرة الذين عبدوا فرعون من دون
|
| (1) انظر ، بحار الأنوار : 95 / 220 ، كلمات الإمام الحسين عليه السلام : 798 ، حياة الإمام الحسين عليه السلام :
=
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
582 |
|
 |
الله أمداً طويلاً ، ومع ذلك أمهلهم سبحانه ، ثم تحدوا موسى عليه السلام كليم الله ، ورسوله فلم يعاجل سبحانه بالعذاب ، فكانت النتيجة أن آمنوا بالله ، وكفروا بفرعون : « قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض مآ أنت قاض » (1) .
( ولا ينده المترفين ) من نده فلان فلاناً إذا زجره ، وطرده ، والمراد هنا إن الله سبحانه لم يزجر المترفين الطغاة بتعجيل العقاب ( بإقالة العاثرين ) : تعفو عن السيئات ، وتقدم في الدعاء الحادي والثلاثين ، وغيره ( ويتفضل بإنظار الخاطئين ) عطف تكرار على « لم يعاجل المسيئين » ( أنا المسيء المعترف الخاطئ . . . ) تقدم في قليل في قوله : « أمرته فلم يأتمر ، وزجرته فلم ينزجر . . . » وبرجاء العفو ، والمغفرة نذكر ما قاله سيد الشهداء عليه السلام : « إلهي أمرتني فعصيتك ، ونهيتني فارتكبت نهيك ، فأصبحت لا ذا براءة فأعتذر ، ولا ذا قوة فأنتصر فبأي شيء أستقبلك » (2) . هذا وأنت ـ يا أبا عبد الله ـ صاحب كربلاء ، ولا تضحية ، ودماء أقدس ، وأزكى ، وأسعد ، وأتقى من دمك . . . فمسكين أنا ، وأمثالي . بأي شيء نستقبل الخافض الرافع ؟ أللهم إنك تعلم أني أحب الحسين ، وجد الحسين ، وأبا الحسين ، وأم الحسين ، وأخا الحسين ، وأولاد الحسين ، وأحفاد الحسين على جميعهم أفضل الصلوات مادام مجدك ، وجلالك . وقلت أنت ، عظمت كلمتك ، بلسان نجيك : « المرء مع من أحب » (3) ، أقولها رجاءً لرحمتك مع الخوف منك .
|
= 1 / 174 .
(1) طه : 72 .
(2) انظر ، بحار الأنوار : 95 / 222 ، زاد المعاد : 146 ، البلد الأمين : 251 ، كلمات الإمام الحسين عليه السلام : 800 .
(3) انظر ، مسند أحمد : 1 / 392 و : 3 / 227 ، السنن الكبرى : 3 / 442 ح 5873 ، مناقب أمير
=
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
583 |
|
 |
( أنا الذي لم يرهب سطوتك ، ولم يخف بأسك . . . ) وتسأل : أعلن الإمام عليه السلام خوفه من الله مرات ، ومرات ، منها ما جاء بالحرف الواحد في الدعاء التاسع والثلاثين : « تفعل ذلك يا إلهي بمن خوفه منك أكثر من طمعه فيك . . . ، فكيف نقض هنا ما أبرم في أدعيته السابقة ، واللاحقة ، وقال : لم يرهب سطوتك ، ولم يخف بأسك ؟
الجواب : ليس المراد بنفي الخوف ، والرهبة هنا المعنى الظاهر ، بل المراد محاسبة النفس ، وجهادها الذي سماه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله الجهاد الأكبر ، هذا إلى أن الشرط الأساس في لغة الدعاء ، والمناجاة أن تكون بلسان التذلل ، والإنكسار كما أشرنا قبل أسطر .
بحق من انتجبت من خلقك ، وبمن اصطفيته لنفسك ؛ بحق من اخترت من بريتك ، ومن اجتبيت لشأنك ؛ بحق من وصلت طاعته بطاعتك ، ومن جعلت معصيته كمعصيتك ؛ بحق من قرنت موالاته بموالاتك ، ومن نطت معاداته بمعاداتك .
تغمدني في يومي هذا بما تتغمد به من جار إليك متنصلاً ، وعاذ باستغفارك تائباً ؛ وتولني بما تتولى به أهل طاعتك ، والزلفى لديك ، والمكانة منك ؛ وتوحدني بما تتوحد به من وفى بعهدك ، وأتعب نفسه في ذاتك ، وأجهدها في مرضاتك .
|
| =
المؤمنين للكوفي : 2 / 447 ، المعتبر للحلي : 2 / 294 ، سنن الترمذي : 4 / 22 ح 2492 و ص : 595 ح 2385 و : 5 / 205 ، سنن ابن ماجه : 2 / 1118 ح 3368 ، مجمع الزوائد : 9 / 364 ، عوالي اللئالي : 3 / 99 ح 122 ، المجموع : 525 ، إعانة الطالبين : 2 / 99 ، علل الشرائع للشيخ الصدوق : 1 / 139 ، فتح الباري : 10 / 460 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
584 |
|
 |
ولا تؤاخذني بتفريطي في جنبك ، وتعدي طوري في حدودك ، ومجاوزة أحكامك ؛ ولا تستدرجني بإملآئك لي . . . استدراج من منعني خير ما عنده ، ولم يشركك في حلول نعمته بي .
ونبهني من رقدة الغافلين ، وسنة المسرفين ، ونعسة المخذولين ؛ وخذ بقلبي إلى ما استعملت به القانتين ، واستعبدت به المتعبدين ، واستنقذت به المتهاونين .
( بحق من انتجبت من خلقك . . . ) الإنتجاب ، والإصطفاء ، والإختيار ، والإجتباء من الكلمات المترادفة المتشابكة في معناها ، وما يراد منها ، وناط : علق ، ووصل . ومحمد صلى الله عليه وآله هو لسان الله ، وبيانه بنص القرآن الكريم : « ومآ ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا » (1) . . . « من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً » (2) ، والإمام السجاد عليه السلام يسأل الله سبحانه بما لجده النبي صلى الله عليه وآله عنده من المنزلة ، والكرامة أن يستر ذنوبه ، ويحفظه من كل مكروه وعبر عن ذلك بقوله : ( تغمدني في يومي هذا بما تتغمد به من جأر إليك ) أي رفع صوته بالدعاء متضرعاً إليك ( متنصلاً ) تنصل مما نسب إليه : نفاه ، وتبرأ منه . والمعنى عاملني يا إلهي معاملة الذي تضرع ، والتجأ إليك ، وتاب من ذنوبه ، وعيوبه .
( وتولني بما تتولى به أهل طاعتك . . . ) اشملني برعايتك كما تشمل المقربين لديك ( وتوحدني . . . ) : خصني بما تخص به الوفي التقي الذي جاهد في سبيلك ، وعمل من أجل مرضاتك ( ولا تؤاخذني . . . ) بأعمالي ، بل بغفرانك ، وإحسانك .
|
(1) الحشر : 7 .
(2) النساء : 80 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
585 |
|
 |
وتقدم في الدعاء العاشر ، وغيره ( ولا تستدرجني بإملآئك لي ) : الإستدراج : أن يسوق سبحانه المغضوب عليه إلى الهلاك شيئاً فشيئاً ، ودرجة درجة تماماً كمن يرتقي درج السلم ، والإملاء : الإمهال ، والتأخير ، ونعوذ بالله من المخبآت ، والمفاجآت ( استدراج من منعني خير ما عنده ، ولم يشركك في حلول نعمته بي ) يفترض الإمام عليه السلام بقوله هذا وجود إنسان أنعم الله عليه ، فاحتكر نعمة الله ، ولم ينفق منها لوجه الله ، فأملى له سبحانه ، وأمهله حتى إذا تعدى ، وتمادى في طغيانه أخذه الله أخذ عزيز مقتدر .
والإمام عليه السلام يتعوذ بالله أن يكون على شاكلة هذا الشقي المغرور .
( ونبهني من رقدة الغافلين ) أيقظني من السهو ، والغفلة عن طاعتك ، وفي نهج البلاغة : « ولا تغفل فلست بمغفول عنك » (1) . وتقدم في الدعاء السابع عشر ( وسنة المسرفين . . . ) عطف تكرار ( القآنتين ) : القائمين الدائمين على الطاعة ( المتعبدين ) : العاملين لله لا لسواه ( المتهاونين ) بأمر الله ، ونهيه ، ثم تابوا فتاب الله عليهم .
وأعذني مما يباعدني عنك ، ويحول بيني وبين حظي منك ، ويصدني عما أحاول لديك ؛ وسهل لي مسلك الخيرات إليك ، والمسابقة إليها من حيث أمرت ، والمشاحة فيها على ما أردت .
ولا تمحقني فيمن تمحق من المستخفين بما أوعدت ؛ ولا تهلكني مع من تهلك من المتعرضين لمقتك ؛ ولا تتبرني فيمن تتبر من
|
| (1) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 93 ، الحكمة ( 391 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 19 / 339 ، عيون الحكم والمواعظ : 84 ، غرر الحكم : 1 / 44 الحكم ( 138 ) ، مستدرك الوسائل : 12 / 47 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
586 |
|
 |
المنحرفين عن سبلك .
ونجني من غمرات الفتنة ، وخلصني من لهوات البلوى ، وأجرني من أخذ الإملآء ؛ وحل بيني وبين عدو يضلني ، وهوى يوبقني ، ومنقصة ترهقني .
ولا تعرض عني إعراض من لا ترضى عنه بعد غضبك ؛ ولا تؤيسني من الأمل فيك ؛ فيغلب علي القنوط من رحمتك ؛ ولا تمنحني بما لا طاقة لي به ، فتبهظني مما تحملنيه من فضل محبتك .
ولا ترسلني من يدك إرسال من لا خير فيه ، ولا حاجة بك إليه ، ولا إنابة له ؛ ولا ترم بي رمي من سقط من عين رعايتك ، ومن اشتمل عليه الخزي من عندك .
( وأعذني مما يباعدني عنك . . . ) اهدني إليك ، وقربتني منك ، ووفقتني إلى العمل لثوابك ، ونوالك . وقد تقدم (1) . ( وسهل لي مسلك الخيرات . . . ) وفقني للأعمال الصالحات ، واجعلني من أهل السبق إلى الخيرات ( والمشاحة فيها ) : التزاحم ، والتنافس بين أهل الخير على عمل الخير ( ولا تمحقني فيمن تمحق ) نجني من سخطك ، وعذابك . ( ولا تهلكني . . ) عطف تكرار ( ولا تبرني . . ) لا تهلكني أيضاً عطف تكرار ، قال سبحانه : « وكلاً ضربنا له الأمثال وكلاً تبرنا تتبيراً » (2) أي هلكنا إهلاكاً ( ونجني من غمرات الفتنة ) : من شدائد المصائب ، والمحن ( وخلصني من لهوات ) : جمع لهاة ، وهي لحمة مشرفة في أقصى سقف الفم .
|
(1) انظر : الدعاء الخامس ، والحادي والعشرون ، والثاني والعشرون .
(2) الفرقان : 39 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
587 |
|
 |
( وحل بيني وبين عدو يضلني ، وهوى يوبقني ، ومنقصة ترهقني ) حل : احجز ، ويوبقني : يهلكني ، وترهقني : تحملني ما لا أطيق ، والمراد بالعدو هنا كل ما يغري بالإنحراف عن جادة الحق ، والخير ، ويبعث على ممارسة الشر ، والباطل ، سواء أكان هذا الباعث من داخل الإنسان ، أم من خارجه . وما من شك أن صاحب الوعي ، والحزم لا يأمن مكر عدوه حتى ولو كان هذا العدو نفسه التي بين جنبيه ، بل يكبحها ، ويردعها ، والإمام عليه السلام يدعو الله سبحانه أن يعينه على نفسه ، وعلى كل مخادع ، ومراوغ ( ولا تعرض عني . . . ) الله سبحانه يدعو إليه من أدبر عنه ، فكيف يعرض عمن أقبل عليه ؟ وإذن فالمعنى عاملني بلطفك ، ورحمتك لا بما أستحق .
( ولا تؤيسني من الأمل فيك ) الخطاب ، أو المناجاة مع الله سبحانه ، وعليه يتجه السؤال : ألم يهدد ، جل جلاله ، ويتوعد الذين يئسوا من رحمته ، بالعذاب الأليم ، ويعلن ذلك بقوله : « أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم » (1) ؟ فهل بعد هذا يقال لله تعالى : « لا تؤيسني » ؟
الجواب : يريد الإمام عليه السلام بقوله : « لا تؤيسني » أنت يا إلهي ثقتي ، ورجائي فحقق ما أملت ، ورجوت قبل أن يغلبني اليأس ، ولذا قال بلا فاصل : ( فيغلب علي القنوط من رحمتك ) وفي الدعاء الثالث عشر : « وتولني بنجح طلبتي ، وقضاء حاجتي ، ونيل سؤلي قبل زوالي عن موقفي هذا . . . ، ولا تقطع رجائي عنك ، ولا تبت سببي منك » ( ولا تمنحني بما لا طاقة لي به ) هذا اقتباس من الآية : « ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به » (2) . قال بعض المفسرين : أي لا تكلفنا بما لا يطاق ! . ويدحض هذا التفسير قوله تعالى في نفس الآية : « لا يكلف الله نفساً إلا وسعها » (3)
|
(1) العنكبوت : 23 .
(2) البقرة : 286 .
(3) البقرة : 286 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
588 |
|
 |
وإذن التكليف غير مراد من هذه الآية ، بل المراد العذاب ، والعقوبة ، والمعنى أجرنا من عذابك ، فإنه لا طاقة لنا به ، ولا بعدلك . قال الشيخ الأنصاري في رسائله باب البراءة : « فلا يبعد أن يراد بما لا يطاق في الآية العذاب ، والعقوبة ، فمعنى ( لا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) ، لا تورد علينا ما لا نطيقه من العقوبة » (1) .
( ولا ترسلني من يدك . . . ) المراد بيده تعالى لطفه ، وعنايته ، والمعنى اشملني بلطفك ، ولا تكلني إلى نفسي الأمارة الغرارة . وفي نهج البلاغة : « إن أبغض الرجال إلى الله تعالى لعبداً وكله الله إلى نفسه جائراً عن قصد السبيل سائراً بغير دليل » (2) . وتقدم مراراً ، منها في الدعاء الثاني والثلاثين ( ولا إنابة له ) أي لا رجوع لهذا المنبوذ المرذول ، إلى خالقه سبحانه بعد أن أسقطه ، وتخلى عنه . أستجير بك يا الله ! ومنك أطلب الوصول إليك ( ولا ترم بي ) في سلة المهملات ، ومهاوي الهلكات .
بل خذ بيدي من سقطة المترددين ، ووهلة المتعسفين ، وزلة المغرورين ، وورطة الهالكين ؛ وعافني مما ابتليت به طبقات عبيدك ، وإمآئك ، وبلغني مبالغ من عنيت به ، وأنعمت عليه ، ورضيت عنه ، فأعشته حميداً ، وتوفيته سعيداً .
وطوقني طوق الإقلاع عما يحبط الحسنات ، ويذهب بالبركات ، وأشعر قلبي الازدجار عن قبائح السيئات ، وفواضح الحوبات .
|
(1) انظر ، فرائد الاصول للشيخ مرتضى الأنصاري : 2 / 31 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 1 / 51 ، من كلامه (17) ، شرح النهج للمعتزلي : 7 / 107 ، عيون الحكم والمواعظ : 153 ، غرر الحكم : 230 ، بحار الأنوار : 2 / 58 ، تأريخ دمشق : 34 / 32 ، تأريخ اليعقوبي : 2 / 211 ، قريب منه .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
589 |
|
 |
ولا تشغلني بما لا أدركه إلا بك عما لا يرضيك عني غيره ، وانزع من قلبي حب دنيا دنية ، تنهى عما عندك ، وتصد عن ابتغآء الوسيلة إليك ، وتذهل عن التقرب منك .
وزين لي التفرد بمناجاتك بالليل ، والنهار ، وهب لي عصمة تدنيني من خشيتك ، وتقطعني عن ركوب محارمك ، وتفكني من أسر العظائم .
وهب لي التطهير من دنس العصيان ، وأذهب عني درن الخطايا ، وسربلني بسربال عافيتك ، وردني ردآء معافاتك ، وجللني سوابغ نعمائك ، وظاهر لدي فضلك ، وطولك .
( وخذ بيدي من سقطة المترددين ) في بؤرة الفساد ، والضلال ( ووهلة المتعسفين ) المراد بالوهلة هنا الوهم ، والإشتباه ، والمتعسف : المتكلف بغير علم ، ولا هدى ( وزلة المغرورين ) الزلة : الخطيئة ، والمغرور كله خطايا ، ورزايا ( وورطة الهالكين ) الورطة : الداهية التي لا خلاص منها ، ومناص . وفي نهج البلاغة : « احذروا الذنوب المورطة ، والعيوب المسخطة » (1) . وكل ما سبق من ترك واجباً ، أو فعل محرماً بلا عذر شرعي فهو من الهالكين . ونكرر ما سبق أكثر من مرة : إن الله سبحانه لا يجعل الإنسان صالحاً الا أذا صح منه العزم ، وسعى له سعيه تماماً ، كالعلم بعد الدرس ، والثمرة بعد الغرس ، والله سبحانه أمر عباده بالتوكل عليه في العمل لا في البطالة ، والكسل .
|
| (1) انظر ، نهج البلاغة : 1 / 146 ، شرح النهج للمعتزلي : 6 / 375 ، عيون الحكم : 103 ، البحار : 74 / 429 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
590 |
|
 |
( وعافني مما ابتليت به طبقات عبيدك ) المراد بالطبقات هنا بقرينة السياق الفئات ، والجماعات الضالة كالمتردين ، والمتعسفين ، والمغرورين ، والهالكين ( وبلغني مبالغ من عنيت به ، وأنعمت عليه . . . ) والله سبحانه يهتم ، ويعتني بجميع خلقه دون استثناء ، وهل من عاقل يهدم ما بنى ، ويفسد ما غرس ؟ ولكن أبى الله إلا أن يجري الأمور على أسبابها ، ومن أسباب الهداية لأي إنسان أن يصح منه العزم كما أشرنا ، فإن أصر على الضلال فهو ، وما يختار : « فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها » (1) . . . « ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون » (2) . ( وطوقني طوق الإقلاع عما يحبط الحسنات . . . ) اجعلني في حصن حصين من السيئات التي تذهب الحسنات ، وقريب منه هذا الدعاء : « أعوذ بك أللهم من الذنوب التي تغير النعم ، وتحدث النقم ، وتورث الندم . . . وتنزل البلاء ، وتجلب الشقاء » (3) . وكم من حسنة محت سيئات ، وسيئة محت حسنات ( وأشعر قلبي . . . ) عطف تكرار وقد تقدم في الدعاء الحادي والعشرين ( الحوبات ) جمع حوبة وهي الإثم ، والخطيئة .
( ولا تشغلني بما لا أدركه إلا بك عما لا يرضيك عني غيره ) عما لا يرضيك متعلق بلا تشغلني ، وغيره فاعل لا يرضيك ، ومن المعلوم أن الشيء الذي لا يرضى الله بسواه هو السمع ، والطاعة لأمره تعالى ، ونهيه ، وتقدير الكلام ، ومعناه لا تشغلني يا إلهي عن طاعتك بالخروج عن حدي المحدود ، والخوض فيما لا أعلم ،
|
(1) يونس : 108 .
(2) الأنفال : 23 .
(3) انظر ، الكافي : 2 / 590 ، شرح اصول الكافي : 10 / 489 ، إقبال الأعمال : 1 / 115 و : 2 / 197 ، بحار الأنوار : 110 / 91 و 231 ، مصباح المتهجد : 146 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
591 |
|
 |
لأنك ما يسرت ، وسهلت لي الطريق إلى معرفته ( وأنزع من قلبي حب دنيا . . . ) أي دنيا الحرام ، ولذا وصفها الإمام بالخسيسة الدنية ، والناهية الصادة عما فيه لله رضىً ، وللناس خير ، وصلاح ، إن الدين ، ودنيا الخير شيء واحد ، كل منهما وسيلة لصالح الإنسان ، ومرضاة الله ، وثوابه ( وزين لي التفرد بمناجاتك بالليل ، والنهار . . . ) واضح ، وقد تقدم في الدعاء الثاني والأربعين .
( وهب لي عصمةً تدنيني من خشيتك . . . ، ) هذا وما بعده تكرار لما سبق في هذا الدعاء بالذات ، والأدعية السابقة (1) . ( وهب لي التطهير من دنس العصيان . . . ) عطف تكرار ، لأن التطهير من العصيان عين الإنقطاع عن الحرام ، ( وسربلني بسربال عافيتك . . . ) السربال القميص ، والرداء : ما يلبس فوق الثياب ، كالعباءة ، والجبة ، والعافية : السلامة من الأذى دنيا ، وآخرة ، والمعافاة : غناك عن الناس ، وغناهم عنك . وفيما دعا به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي . . ، ولكن عافيتك أوسع لي » (2) ، وفيه إيماء إلى أن الأفضل أن تجمع بين الأمرين : الرضا ، والعافية ، ( وظاهر لدي فضلك ، وطولك ) تابع علي عطاءك ، وإحسانك .
وأيدني بتوفيقك ، وتسديدك ، وأعني على صالح النية ، ومرضي القول ، ومستحسن العمل .
ولا تكلني إلى حولي وقوتي دون حولك وقوتك ، ولا تخزني يوم تبعثني للقائك ، ولا تفضحني بين يدي أوليائك ؛ ولا تنسني
|
(1) انظر ، الدعاء الخامس ، والسادس عشر ، والحادي والثلاثون .
(2) انظر ، كنز العمال : 2 / 175 ح 3613 ، البداية والنهاية : 3 / 166 ، تفسير القرطبي : 16 / 211 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
592 |
|
 |
ذكرك ، ولا تذهب عني شكرك ؛ بل ألزمنيه في أحوال السهو عند غفلات الجاهلين لآلائك ، وأوزعني أن أثني بما أوليتنيه ، وأعترف بما أسديته إلي .
واجعل رغبتي إليك فوق رغبة الراغبين . . . ، وحمدي إياك فوق حمد الحامدين ؛ ولا تخذلني عند فاقتي إليك ؛ ولا تهلكني بما أسديته إليك ، ولا تجبهني بما جبهت به المعاندين لك .
فإني لك مسلم ، أعلم ان الحجة لك ، وأنك أولى بالفضل ، وأعود بالإحسان ، وأهل التقوى ، وأهل المغفرة ؛ وإنك بأن تعفو أولى منك بأن تعاقب ؛ وأنك بأن تستر أقرب منك إلى أن تشهر .
فأحيني حياةً طيبةً ، تنتظم بما أريد ، وتبلغ ما أحب من حيث لا آتي ما تكره ، ولا أرتكب ما نهيت عنه .
وأمتني ميتة من يسعى نوره بين يديه ، وعن يمينه .
|
التوفيق
|
|
|
 |
( وأيدني بتوفيقك ، وتسديدك . . ) قال سبحانه حكاية لقول شعيب : « وما توفيقى إلا بالله » (1) ، ومعناه أن يطلب العبد من خالقه تعالى العون ، والتأييد لبلوغ الصلاح ، والسلامة في النية ، والقصد ، والرشد ، والهداية في الدين ، والعقيدة ، وفي العلم ، والمعرفة ،والحق ، والصدق في الأقوال ، والخير ، والنجاح في الأفعال . وما من شك أن آرادة التوفيق من التوفيق . أيضاً ما من شك أن الله يستجيب ، ويهب هذا
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
593 |
|
 |
التوفيق ، والتسديد لكل طالب ، وراغب . لأنه تعالى يحب من عباده الخير ، والصلاح ، والإستقامة ، ولكن الطلب المجرد عن الطاعة لا وزن له ، ولا أثر ، كيف ؟ وهل من العقل ، والمنطق أن نطلب الرضا ممن أغضبناه ، والسمع ، والإستجابة لمن عصيناه ؟ قال سبحانه وتعالى : « وإذا سألك عبادى عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون » (1) .
( ولا تكلني إلى حولي وقوتي . . . ) ، الحول : القدرة على التصرف ، ولا قوة ، وقدرة للمخلوق إلا بخالقه ، وأي قوي ، وغني يأمن المفاجآت ، والمخبآت ؟ وفي نهج البلاغة : « ما قال الناس لشيء طوبى له إلا وقد خبأ له الدهر يوم سوء » (2) .
ولا دافع له ، ولا مانع له إلا أن يشاء الله . وفي دعاء سيد الشهداء عليه السلام : « إلهي كيف تكلني وقد توكلت لي » ؟ (3)
( ولا تخزني . . . ) واضح ، وقد تقدم في الدعاء السادس ، وغيره ، ( وأوزعني . . . ) ألهمني الثناء على فضلك ، وإحسانك ، وقد تقدم في الدعاء العشرين ، والثالث والعشرين ، ( ولا تخذلني . . . ) ، واضح ، وقد تقدم في الدعاء الثاني والثلاثين ، ( وأنك بأن تعفو أولى منك بأن تعاقب . . . . ) ؛ لأنه تعالى الغني ذو الرحمة وهو القائل : (4) ، ويأتي
|
(1) البقرة : 186 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 69 ، الحكمة ( 286 ) ، عيون الحكم والمواعظ : 482 ، شرح النهج للمعتزلي : 19 / 178 .
(3) انظر ، بحار الأنوار : 95 / 225 ، البلد الأمين : 251 ، زاد المعاد : 146 ، كلمات الإمام الحسين عليه السلام : 803 .
(4) النساء : 147 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
594 |
|
 |
في الدعاء الخمسين « ولو أن عذابي مما يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه ، وأحببت أن يكون ذلك لك » ، وقيل للإمام السجاد عليه السلام : « إن الحسن البصري قال : ليس العجب ممن هلك كيف هلك ، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا ؟ . قال الإمام عليه السلام أما أنا فأقول : ليس العجب من نجا كيف نجا ؟ ، وإنما العجب ممن هلك كيف هلك ؟ مع سعة رحمة الله » (1) .
( فأحيني حياةً طيبةً . . . ) اقتباس من قوله تعالى : « فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون » (2) ، والحياء الطيبة في الدنيا الرزق الحلال ، وفي الآخرة الجنة . وقد تقدم في الدعاء الأول ، والعشرين ، وغير ذلك ( وتبلغ ما أحب من حيث لا آتي ما تكره ) ، هبني ما أحب ، شريطة أن لا تكرهه أنت . وفي الدعاء الحادي والعشرين « حتى لا أحب شيئاً من سخطك ، ولا أسخط شيئاً من رضاك » . وكلنا يحفظ قوله تعالى : « وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون » (3) .
( وأمتني ميتة من يسعى نوره بين يديه ، وعن يمينه ) ، اقتباس من الآية : « يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم » (4) ، من آمن بالله ، وعمل بموجب إيمانه سار في الحياة الدنيا على هدىً من ربه ، وفي يوم الحساب ، والجزاء يشع من هذا الإيمان ، والهدى نور محسوس تماماً كنور المصباح
|
(1) انظر ، أمالي المرتضى : 1 / 113 ، بحار الأنوار : 75 / 153 ، إعلام الورى بأعلام الهدى : 1 / 489 .
(2) النحل : 97 .
(3) البقرة : 216 .
(4) الحديد : 12 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
595 |
|
 |
المحمول ، يتحكم به حامله كيف شاء ، ويستضيء أنى يريد . وقد تقدم في الدعاء الثاني والعشرين .
وذللني بين يديك ، وأعزني عند خلقك ، وضعني إذا خلوت بك ، وارفعني بين عبادك ، وأغنني عمن هو غني عني ، وزدني إليك فاقةً ، وفقراً .
وأعذني من شماتة الأعداء ، ومن حلول البلاء ، ومن الذل ، والعنآء ؛ وتغمدني فيما اطلعت عليه مني بما يتغمد به القادر على البطش لولا حلمه ، والآخذ على الجريرة لولا أناته .
وإذا أردت بقوم فتنةً ، أو سوءً فنجني منها لواذاً بك ؛ وإذ لم تقمني مقام فضيحة في دنياك . . . فلا تقمني مثله في آخرتك ؛ واشفع لي أوائل مننك بأواخرها ، وقديم فوائدك بحوادثها .
ولا تمدد لي مداً يقسو معه قلبي ، ولا تقرعني قارعةً يذهب لها بهآئي ، ولا تسمني خسيسةً يصغر لها قدري ، ولا نقيصةً يجهل من أجلها مكاني ؛ ولا ترعني روعةً أبلس بها ، ولا خيفةً أوجس دونها . اجعل هيبتي في وعيدك ، وحذري من إعذارك وإنذارك ، ورهبتي عند تلاوة آياتك ، واعمر ليلي بإيقاظي فيه لعبادتك ، وتفردي بالتهجد لك ، وتجردي بسكوني إليك ، وإنزال حوائجي بك ، ومنازلتي إياك في فكاك رقبتي من نارك ، وإجارتي مما فيه أهلها من عذابك .
( وذللني بين يديك ، وأعزني عند خلقك ) ، وفي دعاء سيد الشهداء : « وفي
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
596 |
|
 |
نفسي فذللني ، وفي أعين الناس فعظمني » (1) ، طلب الإمام عليه السلام ، من الله سبحانه وتعالى أن يتصور كبيراً كيلا يرى الناس صغاراً ، وليكون قدوة في التواضع ، والخلق الكريم ، وأيضاً طلب منه تعالى أن يكون عظيماً عند الناس لا حباً بالسمعة ، والشهرة ، بل ليكون لدعوته أحسن الوقع ، والأثر في النفوس ، فتنفذ إلى أعماقها ، وتعمل عليها للخير ، والرشاد ، والصلاح ، وعلى هذا الأساس قال العلماء : « يجب أن تتوافر في النبي خير الصفات ، وأكملها لئلا تنفر منه الأذواق السلمية . ولا ينتقض الغرض المطلوب من بعثه .
( وأغنني عمن هو غني عني ) وما من شك أن الغنى خير ، وعافية ، وقد أمتن سبحانه وتعالى على نبيه الكريم بالغنى : « ووجدك عآئلاً فأغنى » (2) ، وفي الحديث : « أللهم إني أسألك الهدى ، والتقى ، والعفاف ، والغنى » (3) ، فقد قرن سبحانه وتعالى الغنى بالهدى ، والتقى كما قرن الفقر بالفحشاء في الآية : « الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشآء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً والله واسع عليم » (4) . وقد تقدم الكلام عن ذلك في الدعاء العشرين فقرة الفقر ، ( وزدني إليك فاقةً ، وفقراً ) ، الفاقة : الحاجة ، والفقر ، والفقر إلى الله عز ، وإلى الناس ذل ؛ لأن الفقر إليه تعالى انقطاع عن الخلق إلى الخالق وحده . وفي دعاء سيد الشهداء عليه السلام : « أنا الفقير في غناي ،
|
(1) انظر ، إقبال الأعمال : 1 / 306 و : 2 / 79 ، العدد القوية للحلي : 376 ، بحار الأنوار : 94 / 318 .
(2) الضحى : 8 .
(3) انظر ، مسند أحمد ، 1 / 389 ، إقبال الأعمال : 2 / 298 ، المجموع : 4 / 653 ، مغني المحتاج : 1 / 497 .
(4) البقرة : 268 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
597 |
|
 |
فكيف لا أكون فقيراً في فقري » (1) ، أي الغني فقير إليه تعالى ، فكيف بالفقير ؟
( وأعذني من شماتة الأعداء . . . ) واضح ، وقد تقدم في الدعاء الثامن ، ( تغمدني فيما اطلعت عليه مني . . . ) استر عيوبي ، وذنوبي ، وقد تقدم في الدعاء السادس عشر ، والثاني والثلاثين ، والتاسع والثلاثين ، ( وإذا أردت بقوم فتنةً ، أو سوءً فنجني منها لواذاً بك ) ، المراد بالفتنة هنا العذاب ، والسوء : الآفة ، والشر ، والأذى ، والفساد ، لواذاً : لائذاً ، والمعنى نسألك أللهم النجاة من كل شر ، وعذاب تنزله بأهل الكفر ، والبغي ( وإذ لم تقمني مقام فضيحة في دنياك . . . ) شملتني في دنياي بحلمك ، وأناتك . فامنن علي في آخرتي بعفوك ، ورحمتك ( واشفع لي أوائل مننك . . . ) ، أضف نعمك ، وإحسانك في الآخرة إلى نعمك علي ، وإحسانك إلي في الدنيا ( ولا تمددلي مداً يقسو معه قلبي ) أسألك أللهم أن لا يكون ما أنعمت علي به من العمر المديد ، والصحة ، والمال ـ إمهالاً ، وإملاءً يقودني إلى الإثم ، والضلال كالذين عنيتهم بقولك : « أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين » (2) .
( ولا تقرعني قارعةً يذهب لها بهآئي . . . ) ، لا تنزل بي نازلة تذهب بهيبتي ، ويصغر لها قدري عند عبادك ( ولا ترعني روعةً أبلس بها ) ، لا ترعني : لا تفزعني ، أبلس : تحير ، والمعنى لا تخيفني بما يدهشني ، ويؤلمني ، ( ولا خيفةً أوجس دونها ) ، ودون هنا بمعنى عند ، والعطف للتكرار .
|
(1) انظر ، بحار الأنوار : 95 / 225 ، البلد الأمين للكفعمي : 215 ، زاد المعاد للمجلسي : 146 ، الإقبال لابن طاووس : دعاء عرفة ، صحيفة الحسين عليه السلام جمع الشيخ جواد القيومي : 211 ، بالإضافة إلى كل كتب مناسك الحج .
(2) آل عمران : 178 .
|
|
|