في ظلال الصيحيفة السجادية 539

الدعاء السادس والأربعون

دعاؤه للعيد ، الفطر ، والجمعة

يا من يرحم من لا يرحمه العباد ، ويا من يقبل من لا تقبله البلاد ، ويا من لا يحتقر أهل الحاجة إليه ، ويا من لا يخيب الملحين عليه ، ويا من لا يجبه بالرد أهل الدالة عليه .
ويا من يجتبي صغير ما يتحف به ، ويشكر يسير ما يعمل له ؛ ويا من يشكر على القليل ؛ ويجازي بالجليل ؛ ويا من يدنو إلى من دنا منه ؛ ويا من يدعو إلى نفسه من أدبر عنه ، ويا من لا يغير النعمة ، ولا يبادر بالنقمة . ويا من يثمر الحسنة حتى ينميها ، ويتجاوز عن السيئة حتى يعفيها .


لله رحمتان

( يا من يرحم من لا يرحمه العباد ) الله سبحانه رب العالمين جميعاً ، ولا يختص بفئة دون فئة ، أو شعب دون شعب ، أو بالأقوياء دون الضعفاء ، والأتقياء دون

في ظلال الصيحيفة السجادية 540

الأشقياء ، وهو سبحانه الرحمن الرحيم أي له رحمتان : عامة تشمل المستحق ، وغير المستحق من بني الإنسان ، وأيضاً تعم كل ما في الكون ، ولولاها لم يكن شيء على الإطلاق . وقيل : هذه الرحمة العامة يدل عليها اسم الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء ، ولا يسمى به غيره . الرحمة ، والاجتهاد ، وأعمال الخيرات ، والحسنات ، والذرية المؤمنة البارة ، والزوجة المطيعة الصالحة . وقيل : تدل على هذه الرحمة الخاصة ، كلمة الرحيم ، وإليها الإشارة بقوله تعالى : « يختص برحمته من يشآء » (1) . . . . « ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء » (2) . والعبد الضعيف الذي لا يقدر على شيء ، ولا راحم من العباد ، ومعين ـ يشمله سبحانه برحمته العامة ، والخاصة ، وبالأخص إذا توسل بالله ، وتوكل عليه .
( ويا من يقبل . . . ) عطف تكرار ( ويا من لا يحتقر أهل الحاجة إليه ) قال سبحانه : « فأما اليتيم فلا تقهر وأما السآئل فلا تنهر » (3) . . .
« قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعهآ أذى » (4) ، ومحال في حقه تعالى أن يفعل الشيء الذي نهي عنه . وفي نهج البلاغة : « فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها » (5) ، هذا إلى أنه تعالى هو الذي خلق الإنسان مفتقراً إليه أكثر من أي كائن بنص الآية : « يا أيها الناس أنتم الفقرآء إلى الله والله هو الغني الحميد » (6) .
(1) آل عمران : 74 .
(2) المائدة : 54 .
(3) الضحى : 10 .
(4) البقرة : 264 .
(5) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 15 ، الحكمة ( 66 ) ،شرح النهج للمعتزلي : 18 / 211 ، الوسائل : 6 / : 309 .
(6) فاطر : 15 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 541

فكيف يحتقر من ساله مضطراً إلى فضله ، ورحمته ؟ ( ويا من لا يجبه بالرد أهل الدالة عليه ) يجبه : يستقبله بمكروه ، والدالة : ما تدل على ما لك من منزلة ، ومكانة عند من تثق به ، وحطم موسى عليه السلام الألواح في سورة من سورات غضبه ، « وأخذ برأس أخيه يجره » (1) ؛ ولكنه استدرك فوراً : « قال رب اغفرلي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين » (2) ، فغفر له ، وانزل سبحانه غضبه على الذين عبدوا العجل من دون الله .
( ويا من يجتبي صغير ما يتحف به ) الله سبحانه يتقبل من عبده ، ويثيب عليه ، شريطة أن يكون لوجهه الكريم . وفي الحديث : « تصدقوا ولو بشق تمرة » (3) . وفي نهج البلاغة : « لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل » (4) . . . « لا تستح من إعطاء القليل ، فإن الحرمان أقل منه » (5) . . . « افعلوا الخير ، ولا تحقروا منه شيئاً ، فإن صغيره كبير ، وقليله كثير ، ولا يقولن أحدكم : إن أحداً أولى بفعل الخير مني ، فيكون والله كذلك » (6) . ( ويشكر يسير ما يعمل له ) عطف تكرار ( ويا من يشكر على
(1) الأعراف : 150 .
(2) الأعارف : 151 .
(3) انظر ، الكافي : 5 / 514 ، جواهر العقود : 1 / 287 ، مسالك الافهام : 1 /76 ، الوسائل : 6 / 265 ح 1 و 5 .
(4) انظر ، عيون الحكم والمواعظ : 541 ،شرح اصول الكافي : 8 / 240 ، تحف العقول : 278 ، الوسائل : 15 / 251 .
(5) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 15 ، الحكمة ( 67 ) ، روضة الواعظين : 384 ، شرح النهج للمعتزلي : 18 / 212 .
(6) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 99 ، الحكمة ( 422 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 20 / 66 ، شرح اصول الكافي : 8 / 403 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 542

القليل ، ويجازي بالجليل ) يكافيء القليل بالكثير ، بل يعطي ابتداء . وقد تقدم (1) . ( ويا من يدنو إلى من دنا . . . ) فتح سبحانه بابه الكريم لكل راغب ، ورحب بالمقبل ، ودعا المدبر إلى مائدة عرضها السموات ، والأرض ، وفيها ما تشتهي الأنفس ، وتلذ الأعين ، وما لا يخطر على قلب . من دون تغيير ، ولا زوال ( ويا من لا يغير النعمة . . . ) شريطة أن لا يستعين المرء بنعمة الله على معصية الله : « ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم » (2) . وفي الآية : « لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد » (3) . وقد تقدم في الدعاء الخامس والأربعين ( ويا من يثمر الحسنة حتى ينميها ) إشارة إلى قوله تعالى : « من جآء بالحسنة فله عشر أمثالها » (4) ، وغير ذلك من الآيات ( ويتجاوز عن السيئة . . ) إشارة إلى قوله سبحانه : « ويعفو عن كثير » (5) . وقد تقدم (6) .
. . . انصرفت الآمال دون مدى كرمك بالحاجات ، وامتلأت بفيض جودك أوعية الطلبات ، وتفسخت دون بلوغ نعتك الصفات .
فلك العلو الأعلى فوق كل عال ، والجلال الأمجد فوق كل جلال ، كل جليل عندك صغير ، وكل شريف في جنب شرفك حقير .
خاب الوافدون على غيرك ، وخسر المتعرضون إلا لك ، وضاع
(1) انظر ، الدعاء الثاني عشر ، وغيره .
(2) الأنفال : 53 .
(3) إبراهيم : 7 .
(4) الأنعام : 160 .
(5) المائدة : 15 .
(6) انظر ، الدعاء الحادي والثلاثون ، والخامس والأربعون .
في ظلال الصيحيفة السجادية 543

الملمون إلا بك ، وأجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك .
بابك مفتوح للراغبين ، وجودك مباح للسائلين ، وإغاثتك قريبة من المستغيثين .
( انصرفت الآمال دون مدى كرمك بالحاجات ) قضيت حوائج المحتاجين ، وحققت آمال الآملين من جودك ، وكرمك الذي لا منتهى لحده ، ولا حساب لعده ، ولا انقطاع لأمده ( وامتلأت بفيض جودك أوعية الطلبات ) : الحاجات ، والعطف للتكرار . وتقدم في الدعاء الثالث عشر بأسلوب أجمع ، وأوسع( وتفسخت دون بلوغ نعتك الصفات ) تفسخت : عجزت ، والمعنى عجزت عن نعته تعالى أوهام الواصفين ، وألسنة الذاكرين . وتقدم في الدعاء الثاني والثلاثين ( فلك العلو . . . ) والكمال المطلق وحدك لا شريك لك . وفي نهج البلاغة : « سبق في العلو فلا شيء أعلى منه ، وقرب في الدنو فلا شيء أقرب منه » (1) . أي علا بكماله ، وقرب بعلمه .
( كل جليل عندك صغير . . . ) لأنك غني عن كل شيء ، ولا عنى لأي شيء عنك ( خاب الوافدون على غيرك . . . ) لأن كرمك لا يضيق بسؤال السائلين ، وأن يدك بالعطايا أعلى من كل يد ( وضاع الملمون إلا بك ) الملمون : النازلون ، وفي دعاء آخر : « أللهم بك أنزلت فقري ، وفاقتي ، ومسألتي » (2) ، ( وأجدب المنتجعون ) أجدب المكان : انقطع عنه المطر ،وانتجع : طلب المعروف ( وإغاثتك قريبة من المستغيثين ) الغوث : النصرة ، والمعونة . وتقدم في الدعاء السادس عشر ، وغيره .
لا يخيب منك الآملون ، ولا ييأس من عطائك المتعرضون ، ولا
(1) انظر ، نهج البلاغة : 1 / 98 ، الكتاب ( 49 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 3 / 216 ، شرح اصول الكافي : 8 / 390 .
(2) انظر ، إقبال الأعمال : 1 / 379 ، بحار الأنوار : 95 / 163 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 544

يشقى بنقمتك المستغفرون ؛ رزقك مبسوط لمن عصاك ، وحلمك معترض لمن ناواك .
عادتك الإحسان إلى المسيئين ، وسنتك الإبقاء على المعتدين ، حتى لقد غرتهم أناتك عن الرجوع ، وصدهم إمهالك عن النزوع ؛ وإنما تأنيت بهم ليفيئوا إلى أمرك ، وأمهلتهم ثقةً بدوام ملكك ؛ فمن كان من أهل السعادة . . . ختمت له بها ، ومن كان من أهل الشقاوة . . . خذلته لها .
كلهم صائرون إلى حكمك ، وأمورهم آئلة إلى أمرك ، لم يهن على طول مدتهم سلطانك ، ولم يدحض لترك معاجلتهم برهانك .
حجتك قائمة لا تدحض ، وسلطانك ثابت لا يزول .

( لا يخيب منك الآملون . . . ) واضح ، وتقدم قبل قليل ( ولا يشقى بنقمتك المستغفرون ) التائبون . وفي الحديث : « لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار » (1) . وفي الآية : « وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون » (2) . ( رزقك مبسوط لمن عصاك ) بل ، ويقوى به على المعصية ، وفي نهج البلاغة : « الحذر الحذر ، فو الله لقد ستر حتى كأنه قد غفر » (3) . وتقدم في الدعاء السابع والثلاثين ، ( وحلمك معترض لمن ناواك ) معترض : متصد ، أو موجود ، وناواك : عاداك . وقد
(1) انظر ، كشف القناع : 6 / 533 ، الكافي : 2 / 288 ح 1 ، وسائل الشيعة : 11 / 268 ح 3 ، بدائع الصنائع : 6 / 270 .
(2) الأنفال : 33 .
(3) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 7 ، الحكمة ( 30 ) ، غرر الحكم : 2611 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 3 / 286 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 545

تقدم في الدعاء الخامس والأربعين ، ( عادتك الإحسان إلى المسيئين ) تكرار لقوله قبل قليل : « يتجاوز عن السيئة » ( وسنتك الإبقاء . . . ) جرت حكمتك البالغة أو لا تعاجل المسيء ، والمعتدي بالعذاب كي يستبدل المعصية بالتوبة . وقد تقدم في الدعاء السابع والثلاثين .
( وأمهلتهم ثقة بدوام ملكك ) الذي لا يفوته المقيم ، ولا يعجزه الهارب ، وفي دعاء آخر : « إنما يعجل من يخاف الفوت » (1) ( فمن كان من أهل السعادة ) الذين عملوا عمل السعداء ، قال سبحانه : « والذين اهتدوا زادهم هدىً وءاتاهم تقواهم » (2) ، ( ومن كان من أهل الشقاوة ) الذين عملوا عمل الأشقياء ، قال تعالى « في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً » (3) ، وبأسلوب آخر : الإعتقاد ، والعمل يتركان لحرية الإنسان ، لا لشيء إلا يتحمل تبعة سلوكه ، ومسؤولية إختياره ( كلهم صائرون إلى حكمك . . . ) أبداً ، لا مفر منك إلا إليك . وتقدم في الدعاء الحادي والعشرين ( لم يهن على طول مدتهم سلطانك . . . ) المراد بالسلطان هنا حجة الله على عباده ، والمعنى أن إمهاله تعالى للعتاة لا يبطل حجته عليهم ، ولا تضعف بمرور الزمن ، بل هي قائمة ، ولازمة مدى الدهر ، بل الإمهال حجة أخرى ، أو تكون به أقوى ، وأبلغ . وقد تقدم في الدعاء الخامس والأربعين ، وأيضاً يأتي بعد قليل .
فالويل الدائم لمن جنح عنك ، والخيبة الخاذلة لمن خاب منك ،
(1) انظر ، مصباح المتهجد : 563 ، أمالي الصدوق : 542 ، مكارم الأخلاق : 295 ، الوسائل : 13 / 280 .
(2) محمد : 17 .
(3) البقرة : 10 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 546

والشقاء الأشقى لمن اغتر بك ، ما أكثر تصرفه في عذابك ، وما أطول تردده في عقابك ؛ وما أبعد غايته من الفرج ، وما أقنطه من سهولة المخرج ! !
. . . عدلاً من قضائك لا تجور فيه ، وإنصافاً من حكمك لا تحيف عليه ؛ فقد ظاهرت الحجج ، وأبليت الأعذار ، وقد تقدمت بالوعيد ، وتلطفت في الترغيب ، وضربت الأمثال ، وأطلت الإمهال ؛ وأخرت ، وأنت مستطيع للمعاجلة ، وتأنيت ، وأنت مليء بالمبادرة .
لم تكن أناتك عجزاً ، ولا إمهالك وهنا ، ولا إمساكك غفلةً ، ولا انتظارك مداراةً ، بل لتكون حجتك أبلغ ، وكرمك أكمل ؛ وإحسانك أوفى ، ونعمتك أتم ؛ كل ذلك كان ، ولم تزل ؛ وهو كائن ولا تزال .
حجتك أجل من أن توصف بكلها ، ومجدك أرفع من أن تحد بكنهه ، ونعمتك أكثر من أن تحصى بأسرها ، وإحسانك أكثر من أن تشكر على أقله .
( فالويل الدائم لمن جنح عنك ) الويل : الهلاك ، والهوان : وجنح ، مال ، وانحرف ، ومن انحرف عن إرادته تعالى فقد مال إلى الشر ، والباطل ، والضلال ، والفساد ( والخيبة الخاذلة لمن خاب منك ) أخيب الناس سعياً من تخلت عنه عناية الله ،ووكلته إلى نفسه ( والشقاء الأشقى لمن اغتر بك ) أشقى الشقاء لمن عصاك غير خائف من غضبك ، وعذابك ( ما أكثر تصرفه . . . ) أي تقلبه ، وتردد في أنواع من عذاب جهنم خالداً فيها إلا ما شاء ربك ( وما أطول تردده في عقابك ، وما أبعد

في ظلال الصيحيفة السجادية 547

غايته من الفرج ) أي لا فرج له ، ولا مخرج ( وما أقنطه من سهولة المخرج ! ! ) يئس من النجاة ، والخلاص ( عدلاً من قضائك . . . ) قضاؤك العدل ، وحكمك الفصل . وقد تقدم في الدعاء الخامس والأربعين .


الحجة ضد الخصم ، وشروطها

( فقد ظاهرت الحجج ، وأبليت الأعذار . . . ) تظاهرت الحجج : تكاثرت ، وتعاضدت حتى أعجزت ، وأفحمت المنكر ، والجاحد ، وأبليت الأعذار : بينتها كاملةً ، واضحةً على وجه لا يدري الطرف الآخر بماذا يعتذر ، ويتعلل ، وللحجة الدامغة القاطعة شروط ، وأهمها :
1 ـ أن تدل على المعنى المقصود دلالة واضحة ، لا يبقى معها احتمال التأويل ، أو للتخصيص .
2 ـ أن يكون الحجة على مستوى الخصم وعياً ، وثقافة بحيث يتمثلها ، ويهضمها بيسر ، وسهولة .
3 ـ أن تكون مقنعة بذاتها ، وطبيعتها ، يستجيب لها الضمير الحي ، والعقل الخالص ، ولا ينكرها إلا معاند ، ومكابر بشهادة كل عالم منصف .
وقد دعا القرآن الناس إلى التعقل ، والتبصر في كل شيء ابتداءً من أنفسهم ، وما يأكلون ، ويشربون ، وما يزرعون ، ويمارسون ، وانتهاءً بآفاق الكون ، وأشِيائه من الذرة الصغيرة إلى المجرة الكبيرة ، وحشد العديد من الآيات الكونية ، وضرب الكثير من الأمثال ، وتقدم بالعبر ، والعظات ترغيباً ، وترهيباً ، وتبشيراً ، وإنذاراً ، وما أبقى لاحد من حجة يتعلل بها ، ومعذرة يلجأ إليها .
( وأطلت الإمهال . . . ) ولو تعجل ما ترك على ظهرها من دابة . وتقدمت هذه

في ظلال الصيحيفة السجادية 548

الحقيقة ، أو الجملة ، وما يتبعها مرات ، منها في الدعاء الأول ، والسادس عشر ، والخامس والأربعين ( كل ذلك كان ) ذلك : إشارة إلى ما تقدم من الوعيد ، والترغيب ، والإنتظار ( ولم تزل ) حججك يا إلهي قائمة لازمة إلى أبد الدهر ( وهو كائن ) ضمير الغائب يعود إلى كلمة « ذلك » والمعنى « سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً » (1) ، ( ولا تزال حجتك أجل من أن توصف ) وصفاً كاملاً ، وجامعاً مانعاً ( ومجدك أرفع من أن تحد ) بحقيقته ، وإنما يتجلى بخلقك ، وآثارك ، والمراد بمجده تعالى عزته ، وجلاله ، وما من شك أن المخلوق يعجز عن الإحاطة بالخالق ( ونعمتك أكثر . . . ) واضح ، وقد تقدم في الدعاء السابع والثلاثين ، وغيره .
وقد قصر بي السكوت عن تحميدك ، وفههني الإمساك عن تمجيدك ، وقصاراي الإقرار بالحسور لا رغبة ـ يا إلهي ـ بل عجزاً ، فها أنا أؤمك بالوفادة ، وأسألك حسن الرفادة .
فصل على محمد وآله ، واسمع نجواي ، واستجب دعائي ؛ ولا تختم يومي بخيبتي ، ولا تجبهني بالرد في مسألتي ؛ وأكرم من عندك منصرفي ، وإليك منقلبي .
إنك غير ضائق بما تريد ، ولا عاجز عما تسأل ، وأنت على كل شيء قدير ؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
( عن تحميدك ) أي تكرار الحمد لك ، انظر الدعاء الأول فقرة الحمد ( وفههني ) : عجز لساني عن النطق ( وقصاراي الإقرار بالحسور لا رغبة ـ يا إلهي
(!) الأحزاب : 62 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 549

ـ بل عجزاً ) قصاراي : غاية جهدي ، وكل ما عندي ، والحسور : الضعيف ، أو المتلهف ، والمعنى كل ما لدي هو الاعتراف بأني ما سكت عن التحميد ، والتمجيد إلا عن ضعف ، وعجز لا عن قصد ، وعمد ( فها أنا ذا أؤمك ) : أقصدك ( بالوفادة ) بالقدوم ، والتوجه إليك طلباً لفضلك ( وأسألك حسن الرفادة ) : العطاء ، والمعونة ( واسمع نجواي ) : استجب دعائي ، وما بعده تكرار ( ولا تختم يومي بخيبتي ) اسعدني في يومي هذا بقبول دعوتي ، ومسألتي ( واكرم من عندك . . . ) من علي بالسلامة ، والكرامة في ذهابي ، وإيابي ( إنك غير ضائق . . . ) بل واسع الإحسان ، وباسط اليدين بالرحمة ، وقادر على كل شيء ، وما شئت كان ، وما لم تشأ لم يكن .

في ظلال الصيحيفة السجادية 550




السابق السابق الفهرس التالي التالي