في ظلال الصيحيفة السجادية 493

الدعاء الثالث والأربعون

دعاؤه إذا نظر إلى الهلال

أيها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتردد في منازل التقدير ، المتصرف في فلك التدبير ، آمنت بمن نور بك الظلم ، وأوضح بك البهم ؛ وجعلك آية من آيات ملكه ، وعلامة من علامات سلطانه ، وامتهنك بالزيادة ، والنقصان ، والطلوع ، والأفول ، والإنارة ، والكسوف ، في كل ذلك أنت له مطيع ، وإلى إرادته سريع .
. . . سبحانه ما أعجب ما دبر في أمرك ! وألطف ما صنع في شأنك ! جعلك مفتاح شهر لأمر حادث .
( أيها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتردد في منازل . . . ) الخلق : المخلوق كاللفظ ، والأكل بمعنى الملفوظ ، والمأكول ، والدائب : من جد في عمله ، وواظب عليه ، والقمر مطيع لله تعالى بمعنى أنه يتحرك في فلكه ، ومداره تبعاً لقوانين أودعها سبحانه في الطبيعة ، ولو حاد عنها لاختل نظامه ، أو نظام بأسره . . . هذا إلى أنه تعالى خالق الأشياء كلها ، أوجد بعضها من لا شيء ، وبعضها الآخر من

في ظلال الصيحيفة السجادية 494

الشيء الذي أوجده من لا شيء ، أما المنازل فهي إشارة إلى ما قاله علماء الفلك : إنها ( 28 ) ، ينزل القمر كل ليلة في واحد منها ، ويستتر في ليلتين إذا كان الشهر ( 30 ) يوماً ، وفي ليلة واحدة إذا كان ( 29 ) يوماً ، والمنازل القمرية تحدد أيام الشهر القمري (1) . أما الشمس فتحدد ساعات النهار .
وبالمناسبة نشير أن الفيلسوف اليوناني « انكسا جوراس » أدرك بالفراسة ، واللفتة الواعية قبل الميلاد بخمسة قرون : أن القمر مجرد جسم يشبه الأرض ، وفي القرن الثالث قبل الميلاد قال : « بلوتارك » : في القمر أودية ، وتلال تماماً كالأرض . وهذا ما ثبت بالحس بعد صعود الإنسان على القمر (2) .
( آمنت بمن نور بك الظلم ) قيل : إن نور القمر مستمد من ضياء الشمس (3) . وما نحن بتأويل الكواكب بعالمين (4) ( وأوضح بك البهم ) : المجهولات ، والمشكلات ، والعطف هنا للتكرار ، والتفسير ( وجعلك آية . . . ) وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد (5)( وامتهنك بالزيادة والنقصان . . . ) امتهنك : استخدمك ،
(1) انظر ، المطالع البدرية في المنازل القمرية لأبي بكر بن عبد الله بن محمد تقي الدين الشافعي المعروف بابن البدري ( ت 894 هـ ) ، النهاية : 5 / 122 ، تفسير القرطبي : 15 / 291 .
(2) انظر ، الاكتشافات العلمية من خلال القرآن والسنة النبوية لإبراهيم مجذوب : 245 .
(3) انظر ، شرح اصول الكافي : 11 / 369 ، الحديقة الهلالية للشيخ البهائي : 139 ، كشف القناع : 1 / 368 .
(4) اقتباساً من الآية 44 من سورة يوسف : « وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين » .
(5) نسب هذا البيت لأبي العتاهية كما جاء في ديوانه : 62 طبعة دار الكتب العلمية ، وسبل الهدى والرشاد : 3 / 27 ، البداية والنهاية : 13 / 375 ، تاريخ بغداد : 6 / 251 ، تاريخ دمشق : 13 / 453 ، تفسير القرطبي : 4 / 313 ، تفسير ابن كثير : 1 / 26 و 62 و : 3 / 45 ، تفسير الثعالبي : =
في ظلال الصيحيفة السجادية 495

وسيرك ، والأفول : الغياب ، والقمر لا ينقص ، ويزيد ، ولا يغيب ، ويؤوب ، وإنما جاء التعبير بهذه الألفاظ باعتبار رؤية البصر لا البصيرة ، والظاهر دون الواقع .


كل يوم هو في شأن

( ما أعجب ما دبر في أمرك . . . ) كل ما في الكون من الذرة الصغيرة إلى المجرة الكبيرة ، عجيب في صنعه ، وتدبيره ، ومحال أن يحدث صدفة من غير علم ، وقصد وحكمة ، ومن قال بالإتفاق ، والصدفة تاه في الظلمات ، وانتقل من شك إلى شك ، ومن هنا قال فولتير : « وجود الله فرض ضروري ، لأن الفكرة المضادة حماقات » (1) .
( جعلك مفتاح شهر حادث ) كل شهر ، وكل يوم ، وكل ساعة ، وكل شيء في تغير دائم ـ سوى الخالق ـ شئنا أم أبينا ، هكذا قال العلم الحديث ، ومن قبله بقرون قال القرآن الكريم : « كل يوم هو في شأن » (2) وضمير « هو » يعود إلى اليوم ، والمراد به هنا مطلق الوقت ، وما يقع فيه . وفي اصول الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنما العلم ما يحدث بالليل ، والنهار يوماً بيوم ، وساعة بساعة » (3) . وقد تقدم (4) .
= 2 / 149 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6 / 412 ، المجازات النبوية للشريف الرضي : 221 ، شرح اصول الكافي : 3 / 147 .
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
(1) انظر ، البرهان على ضعف الإنسان للدكتور ميخائيل : 316 ، طبع بيروت .
(2) الرحمن : 29 .
(3) انظر ، الكافي : 1 / 225 ، شرح اصول الكافي : 5 / 305 ، الوافي : 3 / 554 ، بحار الأنوار : 48 / 117 .
(4) انظر ، الدعاء السادس .
في ظلال الصيحيفة السجادية 496


فأسأل الله ربي ، وربك ، وخالقي ، وخالقك ، ومقدري ومقدرك ، ومصوري ، ومصورك : أن يصلي على محمد وآله ، وأن يجعلك هلال بركة لا تمحمقها الأيام ، وطهارة لا تدنسها الآثام ؛ هلال أمن من الآفات ، وسلامة من السيئات ، هلال سعد لا نحس فيه ، ويمن لانكد معه ، ويسر لا يمازجه عسر ، وخير لا يشوبه شر ؛ هلال أمن ، وإيمان ، ونعمة ، وإحسان ، وسلامة ، وإسلام .
( وخالقي ، وخالقك ، ومقدري ، ومقدرك ، ومصوري ، ومصورك ) التقدير يسبق الخلق ، والتصوير ، لأنه تخطيط ، وتصميم قال سبحانه : « وخلق كل شيء فقدره تقديراً » (1) أي عن قصد ، وتخطيط ، وعلم ، وإتقان لحكمة بالغة : « ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار » (2) ، والخلق هنا يسبق التصوير قال عز من قائل : « ولقد خلقناكم ثم صورناكم » (3) و « ثم » للترتيب ، أي خلق ءادم من تراب ، وأولاده من نطفة ، ثم صورهم ، ومثلهم على هيئة الإنسان الكامل بأعضائه ، وشكله ، كما قال تعالى : « فتبارك الله أحسن الخالقين » (4) .
( وأن يجعلك هلال بركة لا تمحقها الأيام ) محق الشيء : أبطله ، ومحاه ، والبركة : النماء ، والزيادة . . . وخير الأوقات على الإطلاق ما تمحى فيه السيئات ، وتثبت الحسنات ، وكل شيء ما عدا ذلك فإلى زوال ، والزائل ليس بشيء ، وإن كان ملك سليمان ( وطهارة لا تدنسها الآثام ) ولا إثم كإثارة الحروب ، والفتن ، والفساد
(1) الفرقان : 2 .
(2) آل عمران : 191 .
(3) الأعراف : 11 .
(4) المؤمنون : 14 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 497

في الأرض بالإعتداء على حقوق الناس .


الأمان ، والإيمان

والكلمة الجامعة لخصال الخير بالكامل قوله : ( هلال أمن ، وإيمان ) حيث لا طيب للعيش ، ولا خير الحياة بلا أمن ، وأمان ، وهل للصحة ، والمال ، والسلطان من طعم مع الخوف ، والهلع ؟ بل المخف أحسن حالاً من المثقل ألف مرة في يوم الشدة والمحنة . . . أما الإيمان فأمان من سوء العذاب في الآخرة ، وحاجز عن تقحم الفساد ، وأذى العباد في الحياة الدنيا ، وما تقدمت الإنسانية خطوة إلى الأمام إلا بالجهاد ، والإيمان ، وما تأخرت ، وتخلفت إلا بالخوف ، وضعف العقيدة .
أللهم صل على محمد وآله ، واجعلنا من أرضى من طلع عليه ، وأزكى من نظر إليه ، وأسعد من تعبد لك فيه ، ووفقنا فيه للتوبة ، وأعصمنا فيه من الحوبة ، واحفظنا فيه من مباشرة معصيتك ، وأوزعنا فيه شكر نعمتك ، وألبسنا فيه جنن العافية ، وأتمم علينا باستكمال طاعتك فيه المنة .
( إنك المنان الحميد ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
( واجعلنا من أرضى من طلع عليه ) وفقني فيه إلى العمل بطاعتك ، ومرضاتك ( وأزكى من نظر إليه . . . ) وفي دعاء آخر : « أللهم إن الناس إذا نظروا إلى الهلال نظر بعضهم إلى وجوه بعض ، ويتبرك بعضهم ببعض ، وإني نظرت إلى أسمائك ـ أي سبحت ، وهللت ، وكبرت ـ وأسماء نبيك ، ووليك ، وأوليآئك ـ أي صليت عليهم وسلمت وإلى كتابك » (1) قرأت بعض آياته ( وأعصمنا فيه من الحوبة ) : الخطيئة
(1) انظر ، مكارم الأخلاق للطبرسي : 342 ، الدروع الواقية لابن طاووس : 37 ، بحار الأنوار : =
في ظلال الصيحيفة السجادية 498

( وأوزعنا ) ألهمنا ( جنن ) : جمع جنة بضم الجيم بمعنى الستر ، والوقاية ( المنة ) : النعمة ، والإحسان ، والمنان : المنعم ، والمحسن .
وبعد ، فإن الهدف الأول من دعاء الهلال أن لا تمضي علينا ساعة من ساعاته إلا بخير ، وأن نغتنم الفرصة للتفكير عما اجترحنا من سيئات ، ولا نزداد فيه خساراً ، وإصراراً على الموبقات .
= 92 / 345 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 499

الدعاء الرابع والأربعون

دعاؤه لدخول شهر رمضان

الحمد لله الذي هدانا لحمده ، وجعلنا من أهله ، لنكون لإحسانه من الشاكرين ، وليجزينا على ذلك جزآء المحسنين . والحمد لله الذي حبانا بدينه ، واختصنا بملته ، وسبلنا في سبل إحسانه ، لنسلكها بمنة إلى رضوانه . . . حمداً يتقبله منا ، ويرضى به عنا .
والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان ، شهر الصيام ، وشهر الإسلام ، وشهر الطهور ، وشهر التمحيص ، وشهر القيام ، « شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان » (1) .


الإيمان

تكلم العلماء قديماً ، وحديثاً حول الإيمان ، وأطالوا الخلاف ، والكلام فيما
(1) البقرة : 185 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 500

بينهم : هل هو عين الإسلام ، أو أخص منه ؟ وهل العمل جزء من مفهومه ، وهويته ؟ وهل ينقص ، ويزيد كماً ، وكيفاً ؟ (1) ومهما يكن فإن الإيمان بشتى مظاهره لا ينفصل إطلاقاً عن الحب ، سواء أكان إيماناً بالله أم بالوطن ، أم بأي مبدأ من المبادئ ، ومن المعلوم بالبديهة أن المحب يضحي في سبيل محبوبه ، ويصبر على المكاره من أجله تماماً كما تتحمل الأم المشاق ، والمتعاعب لراحة وليدها .
وشهر الصيام هو شهر القرآن الذي دعا إلى الإيمان بالله ، والعمل بطاعته ، والكفر بما عداه من كل أنواع الجور ، والضلال ، والفساد ، والاستغلال . . . وعليه فإن المؤمن حقاً ، وصدقاً يستقبل هذا الشهر بالحب ، والابتهاج تماماً كما يستقبل الحبيب الذي طال غيابه . وكان سيد العابدين ، وإمام الساجدين عليه السلام يترقب مجيء رمضان بحرارة المشتاق ، ويستقبل هلاله بهذا الدعاء الذي افتتحه بقوله :
( الحمد لله الذي هدانا لحمده ) الحمد على الحمد تماماً كالشكر على الشكر ، يتسلسل إلى ما لا نهاية ، وقد تقدم الكلام عنه (2) . ( وجعلنا من أهله ) لنتفرغ إلى صيامه ، وقيامه ، وإلى التوبة ، والعمل الصالح ، ويجزينا سبحانه على ذلك جزاء المحسنين ( والحمد لله الذي حبانا بدينه ) : خصنا به ( واختصنا بملته ) عطف تكرار ، لأن المراد بالملة الدين ( وسبلنا ) : سيرنا .
( والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره ، شهر رمضان . . . ) ما أكثر سبل الخير لمن يريده ، وينشده ! ويكون بالقصد ، والقول ، والفعل ، وأيضاً بالمكان ، والزمان ، ومن فعل خيراً في مكان كريم ، أو زمان مبارك فهو نور على نور ، وشبه
(1) انظر ، البحر الرائق : 5 / 204 ، سعد السعود : 244 ، سنن ابن ماجه : 1 / 28 ح 74 ، شرح صحيح مسلم : 1 /144 .
(2) انظر ، الدعاء الأول ، فقرة : الحمد .
في ظلال الصيحيفة السجادية 501

الشيخ محمد عبد الله دراز فضل رمضان على الشهور بفضل الربيع ، وفضله على سائر الفصول ، قال : « إن الربيع يورق فيه الشجر ، ويتفتح فيه الزهر ، وتطيب فيه التربة ، وتبارك فيه الحبة ، فتؤتي أكلها أضعافاً كثيرة . . . وهكذا رمضان هو ربيع الأرواح ، كل ما أزلفت فيه النفس من خير يزكو ، وينمو : صيامه ، وقيامه ، وصدقاته ، وغدواته ، وروحاته كلها مباركة مضاعفة الأجر ، وحسبه أن فيه ليلة القدر ، وما أدراك ما ليلة القدر » (1) . ولا أدري : هل قرأ الشيخ دراز قول الإمام الباقر عليه السلام : « لكل شيء ربيع ، وربيع القرآن شهر رمضان » (3) ؟
فأبان فضيلته على سائر الشهور بما جعل له من الحرمات الموفورة ، والفضائل المشهورة ؛ فحرم فيه ما أحل في غيره إعظاماً ، وحجر فيه المطاعم ، والمشارب إكراماً ؛ وجعل له وقتاً بيناً لا يجيز جل وعز أن يقدم قبله ، ولا يقبل أن يؤخر عنه .
ثم فضل ليلة واحدةً من لياليه على ليالي ألف شهر ، وسماها ليلة
(1) انظر ، كتابه : « في الدين ، والأخلاق ، والقومية » ، وهو محمد بن عبد الله دراز ، فقيه متأدب مصري أزهري ، ولد في قرية محلة دياي بمصر ، وانتسب إلى معهد الإسكندرية الديني ، وحصل على الشهادة الثانوية الأزهرية ، وكذلك على الشهادة العالمية ، ثم تعلم اللغة الفرنسية ، واختير للتدريس بالقسم العالي بالأزهر ، ثم ارسل في بعثة علمية إلى فرنسا ، وحصل على شهادة الدكتوراة من السوربون ، واشترك في المؤتمر الإسلامي بمدينة لاهور الباكستانية وتوفي بها فجأة في 16 جمادي الآخرة سنة 1958 م . انظر ترجمته في الأعلام للزركلي ، وهداية العارفين .
(2) انظر ، الكافي : 2 / 630 ح 10 ، ثواب الأعمال : 103 ، شرح اصول الكافي : 11 / 75 ، معاني الأخبار : 228 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 502

القدر ، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، سلام ، دائم البركة إلى طلوع الفجر ، على من يشاء من عباده بما أحكم من قضائه .
( فأبان فضيلته على سائر الشهور . . . ) خطب رسول الله صلى الله عليه وآله في شهر رمضان ، فقال في خطابه من جملة ما قال : « قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة ، والرحمة ، والمغفرة ، هو عند الله أفضل الشهور ، وأيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته افضل الساعات ، وقد دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله . . . فاسألوا الله بنية صادقة ، وقلوب طاهرة . . . من فطر منكم صائماً كان له بذلك عتق رقبة ـ قالوا : يا رسول الله ! ليس كلنا يقدر على ذلك ـ قال : اتقوا النار ولو بشق تمرة . . . ولو بشربة ماء . . . (1) من كف شره عن الناس كف الله غضبه عنه يوم القيامة » (2) .
) فحرم فيه ما أحل . . . ) قال سبحانه : « كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون » (3) فقوله تعالى : لعلكم تتقون بيان لحكمة الصيام ، وأن الهدف منه أن يملك الإنسان الصائم زمام شهوته ، وينتصر عقله على طيشه ،
(1) انظر ، أمالي الصدوق : 154 ، إقبال الأعمال : 1 / 26 ، بشارة المصطفى : 345 ، ينابيع المودة : 1 / 166 ، صحيح مسلم : 2 / 704 ، النهاية : 2 / 491 و 517 ، الفائق : 1 / 670 ، روضة الطالبين : 2 / 204 ، الكافي : 2 / 151 .
(2) انظر ، كنز العمال : 6 / 434 ح 16421 ، فقه الرضا : 360 ، عدة الداعي : 135 ، الكافي : 2 / 72 ح 2 ، شرح اصول الكافي : 8 / 229 . والدعاء التاسع والثلاثون فقرة : كف الأذى ، والمصادر السابقة .
(3) البقرة : 183 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 503

وحمقه ، ودينه على عاطفته ، ونزقه ( وجعل له وقتاً بيناً . . . ) للصوم حد ، وللصلاة حد ، ولكل حكم من أحكامه حد لا يتقدم عليه ، ولا يتأخر عنه . وفي أصول الكافي عن الإمام الباقر عليه السلام : « جعل سبحانه لكل شيء حداً ، وجعل عليه دليلاً يدل عليه ، وجعل على من تعدى على الحد حداً » (1) .


ليلة القدر

( ثم فضل ليلةً واحدةً من لياليه على ليالي ألف شهر ، وسماها ليلة القدر . . . ) لا أحد من المسلمين يشك في فضل ليلة القدر ، وبركاتها قال سبحانه : « إنا أنزلناه في ليلة مباركة » (2) ، وايضاً لا شك أنها من ليالي رمضان ، لأن أول آية هبط بها جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وآله كانت في شهر رمضان : « شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان » (3) ، فإذا عطفنا عليها الآية الأولى من القدر : « إنا أنزلناه في ليلة القدر » (4) جاءت النتيجة أن ليلة القدر هي أحدى ليالي رمضان ، وتعددت الأقوال في تعيين هذه الليلة من الشهر المبارك ، وسكت القرآن الكريم عن تعيينها لحكمة لا تبدلها الأقوال ، ولا تدركها الأفهام (5) . سبحانك ! لا نعلم من أحكامك ، وحكمتك إلا ما علمتنا .
(1) انظر ، الكافي : 1 / 59 ح 2 و : 7 / 176 ح 11 ، شرح اصول الكافي : 2 / 276 ، المهذب البارع : 1 / 10 ، بصائر الدرجات : 6 .
(2) الدخان : 3 .
(3) البقرة : 185 .
(4) القدر : 1 .
(5) انظر ، الخصائص الكبرى للسيوطي : 2 / 118 ، شرح اصول الكافي : 5 / 272 ، الغارات : 1 / 187 ، فتح الباري : 1 / 187 ، تفسير القرطبي : 20 / 134 ، فتح القدير للشوكاني : 5 / 472 ، سير أعلام النبلاء للذهبي : 11 / 356 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 504


وقال الشيخ محمد عبده : « ليلة القدر هي ليلة عبادة ، وخشوع ، وتذكر بنعمة الحق ، والدين ، ولكن المسلمين في هذه الأيام يتحدثون فيها بما لا ينظر الله إليهم ، ويسمعون شيئاً َمن كتاب الله لا ينظرون فيه ، ولا يعتبرون بمعانيه ، بل إن أصغوا إنما يصغون إلى نغمة تالي القرآن . . . ولهم خيالات في ليلة القدر لا تليق بعقول الأطفال فضلاً عن الراشد من الرجال » (1) .
أللهم صل على محمد وآله ، وألهمنا معرفة فضله ، وإجلال حرمته ، والتحفظ مما حظرت فيه ، وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك ، واستعمالها فيه بما يرضيك .
. . . حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو ، ولا تسرع بأبصارنا إلى لهو ، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور ، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور ، وحتى لا تعي بطوننا إلا ما أحللت ، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت ، أو قلت ، ولا نتكلف إلا ما يدني من ثوابك ، ولا نتعاطى إلا الذي يقي من عقابك .
ثم خلص ذلك كله من رئآء المرائين ، وسمعة المسمعين ، لا نشرك فيه أحداً دونك ، ولا نبتغي فيه مراداً سواك .
(1) هو الشيخ محمد عبده بن حسن خير الله ، من آل التركماني ، فقيه ، مفسر ، متكلم ، حكيم ، أديب ، لغوي ، سياسي ، ولد في شنيرا من قرى الغربية بمصر ، ونشأ في محلة نصر بالبحيرة ، وتعلم بالجامع الأحمدي بطنطا ، ثم بالأزهر ، تولى منصب القضاء ، ثم مستشاراً في محكمة الأستئناف ، فمفتياً للديار المصرية . انظر ، ترجمته في الأعلام للزركلي ، ومقدمة تفسير القرآن الكريم الذي لم يتمه .
في ظلال الصيحيفة السجادية 505

( وألهمنا معرفة فضله . . . ) أعنا ، وسهل لنا طريق العلم ، والعمل الذي افترضته علينا في شهرك هذا ، ولا تجعلنا فيه من الكسالى ، والمقصرين ( وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك . . . ) والجوارح : الأعضاء ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « ليس الصيام من الشراب ، والطعام وحده ، وإن على كل جارحة حقاً للصيام ، فإذا صمت فليصم سمعك ، وبصرك ، وجلدك ، ولسانك ، وبطنك ، وفرجك ، واحفظ يديك عن الأذى » (1) . « إن النبي صلى الله عليه وآله سمع امرأة تسب جارية لها ، وهي صائمة ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بطعام ، وقال لها : كلي ، فقالت : إني صائمة . فقال : كيف تكونين صائمة ، وقد سببت جاريتك ، إن الصوم ليس من الطعام ، والشراب فقط » (2) .
( ثم خلص ذلك كله من رئآء المرائين . . . ) من قدر على الحرام ، وتركه لوجه الله لا رياء ، ولا خوفاً من الناس ـ فهو مأجور ، ما في ذلك ريب ، وهو مراد الإمام عليه السلام من دعائه هذا ، ومن ترك الحرام عن عجز ، أو خوف مع قدرته عليه ، فما هو بمأجور ، ولا مأزور . قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « من العصمة تعذر المعاصي » (3) ، من قدر على الحرام ، وتركه رياءً ، أو خوفاً فليس بمأجور ، بل هو مذموم ، وملوم ، ولكنه لا يعاقب ، لأن الرياء كالحسد ، وغيره من النوايا الخبيثة لا يتبعها شيء إلا أن يكون معه قول ، أو فعل .
(1) انظر ، الكافي : 4 / 87 ح 1 ، إقبال الأعمال : 1 / 195 ، الفقيه : 2 / 109 ح 1862 ، البحار : 96 / 292 .
(2) انظر ، الوسائل : 10 / 163 ، إقبال الأعمال : 1 / 195 ، الكافي : 4 / 87 ح 3 ، مصباح المتهجد : 627 .
(3) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 81 ، الحكمة (345) ، عيون الحكم والمواعظ : 472 ، شرح النهج للمعتزلي : 19 / 260 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 506


أللهم صل على محمد وآله ، وقفنا فيه على مواقيت الصلوات ، الخمس بحدودها التي حددت ، وفروضها التي فرضت ، ووظائفها التي وظفت ، وأوقاتها التي وقت ، وأنزلنا فيها منزلة المصيبين لمنازلها ، الحافظين لأركانها المؤدين لها في أوقاتها ، على ما سنه عبدك ورسولك صلواتك عليه وآله ، في ركوعها ، وسجودها ، وجميع فواضلها على أتم الطهور ، وأسبغه ، وأبين الخشوع ، وأبلغه .
يختص هذا المقطع من الدعاء بالصلاة ، وأجزائها ، وشروطها ، وأحكامها ، ومستحباتها ، وكل ذلك وما إليه معروف مسطور في كتب الفقه من الرسائل العملية إلى جواهر النجفي ، ووسائل الحر العاملي ، أما مكانها من الدين فهي عموده ، وأما سرها فالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر : ( من الله أكبر إلى الصلاة على محمد وآله والسلام على عباد الله الصالحين المتقين . . . وتكلمت عن حكمة الصلاة ، وفوائدها في التفسير الكاشف ، وفي ظلال نهج البلاغة ، وسبقني إلى ذلك العشرات من الأولين ، والآخرين ، وكتبوا أفضل ، واجمل مما كتبت في الصلاة أحكاماً ، وتفصيلاً ، وأسراراً ، وتعليلاً ، ولكن ما قرأت لواحد من الشيوخ الذين كتبوا ، ونشروا عن الصلاة ـ أية إشارة إلى السر الموجب لتهاون شباب الجيل بالصلاة علماً بأن توضيح هذا السر هو الاهم لان العديد من الشباب يؤمنون ـ نظرياً ـ بالله ، ورسوله ، واليوم الآخر . بل البعض من هؤلاء يغارون على الإسلام ، والمسلمين غيرة الشيوخ ، وزيادة ، وربما كتب من كتب ، ولم أقتص أثره .


واقع الشباب المؤلم

ومن قراءتي الصحف ، وغيرها تبين لي أن الصهيونية العالمية بتضامنها ،

في ظلال الصيحيفة السجادية 507

وتلاحمها مع الإستعمار تهدف إلى السيطرة ، والتغلب على العالم كله ، بخاصة العالم الإسلامي ، والعربي ، أما التصميم ، والمخطط للوصول إلى هذا الهدف فهو زرع الشقاق ، وبذور الإنحلال ، والفساد في عقول ، وأفكار الشباب عن طريق الصحف ، والإذاعات ، والكتب ، والتدريس في المدارس ، والجامعات الأجنبية ، وغير ذلك من الدعايات المضللة ، وفيما يلي أذكر بعض الأمثلة مما قرأت :
« بدأ التخطيط الصهيوني للغزو الفكري ، والثقافي في العالم الإسلامي بالمؤتمر المشهور الذي ترأسه هيرتزل عام 1877 م . . . ومن هذا التخطيط تقديم نظريات علمية في مجال الطبيعة ، والنفس ، والإقتصاد ، والسياسة على نحو ما يراه ( دارون ) في التطور ، و ( فرويد ) في الدراسات النفسية ، و ( ماركس ) في التفسير المادي للتأريخ ، و ( مكيا فيللي ) في السياسة ، وإن لم يقل هؤلاء : إن القصد من نظرياتهم هو معاداة الإسلام ، وكل هؤلاء يهود ، ولا يمكن أن يكون هذا من باب الصدفة » (1) .
ومما قرأت : « الصهيونية تزرع الشقاق ، وبذور الإنحلال ، والفساد في خفاء ، ونفاق ، وغدر ، لإضعاف الروح القومية ، وإفساد الوطنية في أبناء الشعوب كي يتحولوا فريسة سهلة بين فكي السياسة الصهيونية . . . وهناك أرقام تثبت ممارسة هذا النشاط المدمر في مختلف البلاد بخاصة العربية منها تسهيلاً لإخضاعها عن طريق محق التقاليد وكل موروث تماماً كما فعلت في الولايات المتحدة » (2) .
هذا غيض من فيض ، وأتمنى أن لا يجهل ذلك أي مسلم ، وعربي ليعرف عدوه
(1) انظر ، جريدة الأهرام بتاريخ : 14 / 4 / 1978 مقالاً بعنوان « الصهيونية مع الغزو الفكري ، والثقافي » ، ( منه قدس سره ) .
(2) انظر ، مجلة الكفاح العربي البيروتية بتأريخ : 27 / 11 / 1978 م ، بعنوان « ديانة الشر الصهيونية » ، ( منه قدس سره ) .
في ظلال الصيحيفة السجادية 508

الأصيل ، وعدو الله ، والإنسانية قبل أن يسأل عن الحكمة في وجوب الصلاة لله « في ضوء معطيات العلم الحديث » ! . . .
ووفقنا فيه لأن نصل أرحامنا بالبر ، والصلة ، وأن نتعاهد جيراننا بالإفضال ، والعطية ؛ وأن نخلص أموالنا من التبعات ، وأن نطهرها بإخراج الزكوات .
وأن نراجع من هاجرنا ، وأن ننصف من ظلمنا ؛ وأن نسالم من عادانا . . . حاشا من عودي فيك ولك ، فإنه العدو الذي لا نواليه ، والحزب الذي لا نصافيه .
وأن نتقرب إليك فيه من الأعمال الزاكية بما تطهرنا به من الذنوب ، وتعصمنا فيه مما نستأنف من العيوب ، حتى لا يورد عليك أحد من ملآئكتك إلا دون ما نورد من أبواب الطاعة لك ، وأنواع القربة إليك .
( ووفقنا فيه لأن نصل أرحامنا ) قال سبحانه : « واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام» (1) أي وصلوا الارحام ، وفي الآية : « فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم » (2) ( وأن نتعاهد جيراننا بالإفضال ) في الآية : « والجار ذى القربى والجار الجنب » (3) ، أي يوصيكم الله بالجار سواء أكان رحماً أم أجنبياً ( وأن نخلص أموالنا . . . ) « والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم » (4) ( وأن نراجع من هاجرنا ) أن نصل من قطعنا ، وقد
(1) النساء : 1 .
(2) محمد : 22 .
(3) النساء : 36 .
(4) المعارج : 24 ـ 25 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 509

تقدم (1) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « فمن قال لك : إن قلت واحدة سمعت عشراً ، فقل له : إن قلت عشراً لم تسمع واحدة » (2) .
( وأن ننصف من ظلمنا ) « فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله » (3) افعلوا بالظالم مثل فعله بكم ، ومن زاد في القصاص تشفياً ينتقم الله منه . وقد تقدم (4) . ( وأن نسالم من عادانا حاشا من عودي فيك ، ولك . . . ) حاشا من عودي : إلا من عاديناه ، والمعنى نحن نصفح عمن أساء إلى شخصنا بالخصوص ، ونسامحه طاعة لقولك يا إلهنا : « وأن تعفوا أقرب للتقوى » (5) ، ولكن لا هوادة عندنا إطلاقاً لمن عاديناه فيك ، ومن أجلك . أيضاً طاعة لقولك : « لا تتخذوا عدوى وعدوكم أوليآء » (6) .
( وأن نتقرب إليك فيه من الأعمال . . . ) ضمير « فيه » لشهر رمضان ، والمعنى تكرم ، وتفضل يا إلهي علينا بالتوفيق في شهرك العظيم إلى أعمال تطهرنا من الذنوب ، وتحفظنا من العيوب ، وتقربنا من مرضاتك ، وتبتعد بنا عن سخطك . وقد تقدم (7) . ( حتى لا يورد عليك أحد من ملائكتك . . . ) كتاب الأعمال لا يغادر صغيرة ، ولا كبيرة إلا أحصاها بنص الآية : « مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراًُ ولا يظلم ربك أحداً » (8) ، وعليه يكون
(1) انظر ، الدعاء العشرون .
(2) انظر ، مستدرك الوسائل : 11 / 290 ، منية المريد : 150 ، بحار الأنوار : 1 / 226 ح 17 .
(3) البقرة : 194 .
(4) انظر ، الدعاء الثاني والعشرون ، والتاسع والثلاثون .
(5) البقرة : 237 .
(6) الممتحنة : 1 .
(7) انظر ، الدعاء العشرون .
(8) الكهف : 49 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 510

المعنى المراد : حتى نكون بصالح الأعمال أقرب إليك من الملك الذي جعلته رقيباً علينا ، ورفع لعظمتك كتاباً ، وتقريراً مفصلاً عن أعمالنا .
أللهم إني أسألك بحق هذا الشهر ، وبحق من تعبد لك فيه من ابتدائه إلى وقت فنائه : من ملك قربته ، أو نبي أرسلته ، أو عبد صالح اختصصته . . . أن تصلي على محمد وآله ، وأهلنا فيه لما وعدت أولياءك من كرامتك ، واوجب لنا فيه ما أوجبت لأهل المبالغة في طاعتك ، واجعلنا في نظم من استحق الرفيع الأعلى برحمتك .
أللهم صل على محمد وآله ، وجنبنا الإلحاد في توحيدك ، والتقصير في تمجيدك ، والشك في دينك ، والعمى عن سبيلك ، والإغفال لحرمتك ، والانخداع لعدوك الشيطان الرجيم .
( أللهم إني أسألك بحق هذا الشهر . . . ) من بدايته إلى نهايته ، وبحق كل من رضيت عن أعماله فيه ، وبكل من له شأن لديك نبياً كان ، أو ملكاً ، أو عبداً تقياً ( أن تصلي على محمد وآله ، وأهلنا فيه . . . ) إجعلنا أهلاً لكرامتك ، ورحمتك ، ونيل الدرجات الرفيعة لديك . وهذا تكرار ، أو تلخيص لمضمون ما تقدم في أسلوب آخر .
(وجنبنا الإلحاد . . . ) وأين الإلحاد من زين العباد ! وإذن فالمعنى ما نحن من الذين عنيتهم بقولك لنجيك الحبيب : « يمنون عليك أن أسلموا » (1) ، بل من الذين يشكرون الله أن هداهم للإيمان ( والشك في دينك ) أي في الإسلام لقوله تعالى : « إن الدين عند الله الإسلام » (2) ، ( والعمى عن سبيلك ) : عن كتابك ، وسنة نبيك
(1) الحجرات : 17 .
(2) آل عمران : 19 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 511

( والأغفال لحرمتك ) : لحلالك ، وحرامك ( والانخداع لعدوك الشيطان الرجيم ) بطاعته ، ومعصيتك .
أللهم صل على محمد وآله ، وإذا كان لك في كل ليلة من ليالي شهرنا هذا رقاب يعتقها عفوك ، أو يهبها صفحك . . . فاجعل رقابنا من تلك الرقاب ، واجعلنا لشهرنا من خير أهل ، وأصحاب .
أللهم صل على محمد وآله ، وأمحق ذنوبنا مع أمحاق هلاله ، وأسلخ عنا تبعاتنا مع انسلاخ أيامه ، حتى ينقضي عنا ، وقد صفيتنا فيه من الخطيئات ، وأخلصتنا فيه من السيئات .
أللهم صل على محمد وآله ، وإن ملنا فيه فعدلنا ، وإن زغنا فيه فقومنا ، وإن اشتمل علينا عدوك الشيطان فاستنقذنا منه .
أللهم اشحنه بعبادتنا إياك ، وزين أوقاته بطاعتنا لك ، وأعنا في نهاره على صيامه ، وفي ليله على الصلاة ، والتضرع إليك ، والخشوع لك ، والذلة بين يديك ، حتى لا يشهد نهاره علينا بغفلة ، ولا ليله بتفريط .
( وإذا كان لك في كل ليلة . . . ) من هنا إلى آخر الدعاء واضح بنفسه ، وتوضيح الواضح محال تماماً كقتل المقتول ، أو كلام فارغ كتفسير الماء بالماء ، فلم يبق إلا الإشارة إلى بعض الأحاديث ، قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « وإن لله عزوجل في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء ، وطلقاء من النار إلا من أفطر على مسكر ، فإذا كان آخر ليلة منه أعتق مثل ما أعتق في جميعه » (1) . وما من شك أن عتقاء شهر الصيام
(1) انظر ، الكافي : 4 / 68 ح 7 ، الوسائل : 12 / 237 ح 4 ، أمالي الصدوق : 113 ، ثواب الأعمال : 65 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 512

كلهم من الصائمين ، ولا أحد منهم مفطر بلا عذر ، بدليل قوله صلى الله عليه وآله : إلا من أفطر على مسكر .
( وأمحق ذنوبنا مع امحاق هلاله ) ليالي المحاق ثلاث من آخر الشهر القمري لذهاب نوره (1) ، والسعيد من تذهب ذنوبه بذهاب يومه ، أو شهره ، أو سنته ، وأسعد منه من لا ذنب له ( واسلخ عنا تبعاتنا ) : خطايانا ، والعطف للتكرار ( وإن زغنا فيه فقومنا ) وقد تسأل : « إن الله سبحانه يعامل العبد تبعاً لعمله كما قال في الآية : « فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم » (2) ، والإمام يقول لله : إذا زغنا فلا تزغ قلوبنا ، ألا يوميء هذا إلى ما يشبه الإعتراض ؟ .
الجواب : يسأل الإمام في دعائه هذا أن يعامله سبحانه بفضله ، لا بعدله ، ولا يكله إلى نفسه إن بدرت منه بادرة ، بل يشمله بعنايته ، ويهديه إلى التوبة ، والإنابة تماماً كما قال في أول الدعاء التاسع : « أللهم صل على محمد وآله ، وصيرنا إلى محبوبك من التوبة ، وزلنا عن مكروهك من الإصرار » .
( أللهم اشحنه ) الضمير لرمضان ، واشحنه : املأه ( وزين أوقاته بطاعتنا لك ) عطف تكرار ( وأعنا في نهاره . . . ) أحسن معونتنا على الجد ، والإجتهاد حتى نبلغ من طاعتك في ليل رمضان ، ونهاره ما يرضيك ( لا يشهد نهاره علينا بغفلة ) عن وعيدك ، وتهديدك ( ولا ليله بتفريط ) في شكرك ، وطاعتك .
أللهم ، واجعلنا في سائر الشهور ، والأيام كذلك ما عمرتنا ، واجعلنا من عبادك الصالحين : « الذين يرثون الفردوس هم فيها
(1) انظر ، مسالك الافهام : 7 / 37 ، لسان العرب : 1 / 70 ، تاج العروس : 7 / 67 .
(2) الصف : 5 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 513

خالدون » (1) ، « والذين يؤتون مآ ءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون » (2) ، ومن الذين « يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون » (3) .
أللهم صل على محمد وآله ، في كل وقت ، وكل أوان ، وعلى كل حال عدد ما صليت على من صليت عليه ، وأضعاف ذلك كله بالأضعاف التي لا يحصيها غ يرك ، إنك فعال لما تريد .
( أللهم واجعلنا في سائر الشهور ، والأيام . . . ) في حصن حصين من الذنوب ، والعيوب حتى نلقاك بسلام آمنين ( الذين يرثون الفردوس . . . ) : الجنة ، وهي للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وكرر سبحانه ذلك في العديد من الآيات دون أن يبين المراد من هذه الأعمال الصالحة ، ثم أنزل سورة خاصة حدد فيها عدد صفات المؤمنين وأعمالهم في بيان لا لبس فيه ، وإبهام وهي : « سورة المؤمنون » ، وأشار الإمام عليه السلام في دعائه هذا إلى ما جاء في الآية : « والذين يؤتون مآ ءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون » (4) أي ينفقون مما أعطاهم الله ، ومع ذلك يخافون أن لا يتقبل منهم ، وأيضاً يسرعون إلى كل خير ، ولا يتوانون ، ومن أجل هذا يسبقون الناس إلى الجنة ( أللهم صل على محمد وآله . . . ) صلاةً لا يحصيها إلا أنت . وقد تقدم مراراً (5) .
(1) المؤمنون : 11 .
(2) المؤمنون : 60 .
(3) المؤمنون : 61 .
(4) المؤمنون : 60 ـ 61 .
(5) انظر ، الدعاء الثاني ، والسادس ، والعشرون ، والثاني والثلاثون .
في ظلال الصيحيفة السجادية 514




السابق السابق الفهرس التالي التالي