في ظلال الصيحيفة السجادية 465

الدعاء الحادي والأربعون

دعاؤه في طلب الستر والوقاية

أللهم صل على محمد وآله ، وأفرشني مهاد كرامتك ، وأوردني مشارع رحمتك ، وأحللني بحبوحة جنتك .
ولا تسمني بالرد عنك ، ولا تحرمني بالخيبة منك ، ولا تقاصني بما اجترحت ، ولا تناقشني بما اكتسبت ، ولا تبرز مكتومي ، ولا تكشف مستوري .
ولا تحمل على ميزان الإنصاف عملي ، ولا تعلن على عيون الملأ خبري ؛ أخف عنهم ما يكون نشره علي عاراً ، واطو عنهم ما يلحقني عندك شناراً .
شرف درجتي برضوانك ، وأكمل كرامتي بغفرانك ، وانظمني في أصحاب اليمين ، ووجهني في مسالك الآمنين ، واجعلني في فوج الفائزين ، واعمر بي مجالس الصالحين ؛ آمين رب العالمين .

في ظلال الصيحيفة السجادية 466


هذا الدعاء واضح لا يحتاج إلى شرح ، وتفسير ، إضافة إلى أن مضامينه ، ومعانيه امتداد ، وتكرار لما سبق ، ولذا نوجز ، ولا نفرط في التعبير ، ولولا العادة المألوفة لكنا في مندوحة عن الأسطر التالية :
( وأفرشني مهاد كرامتك ) المهاد : بكسر الميم : الفراش ، والمعنى ابسط لي فراش الكرامة عندك ، وبكلمة أكرم لديك منزلتي ( وأوردني مشارع رحمتك ) مشارع جمع مشرعة : موضع الشرب ، والمعنى تفضل علينا بسلامتك ، ورحمتك ( وأحللني بحبوحة جنتك ) انزلني في ساحتها ، ومن علي بنعمتها ( ولا تسمني ) : لا تذلني ، وتهني ( ولا تقاصني بما اجترحت ) لا تجزني بما ارتكبت من إثم ( ولا تناقشني . . . ) لا تحاسبني بالحق ، والعدل ، بل بالرحمة ، والفضل ( ولا تبرز مكتومي ) لا تفضحني بسيئاتي ( ولا تحمل على ميزان الإنصاف . . . ) هذا ، وما بعده تكرار لما سبق ؛ لأن معناه في جوهره عاملني برحمتك ، وإحسانك لا بعدلك ، وإنصافك .
( شرف درجتي برضوانك . . . ) أكرم لديك منزلتي ، وابقني على كرامتي إفضالاً منك ، وإحساناً ( وانظمني في أصحاب اليمين ) اجمعني بالمتقين ، وجد علي بما تجود به عليهم ( ووجهني في مسالك الآمنين . . . ) والفائزين ، والصالحين ، وكل أولاء من أصحاب اليمين . وفي دعاء آخر : « أللهم ألحقني بصالح من مضى ، واجعلني من صالح من بقي ، وخذ بي سبيل الصالحين » (1) .
(1) انظر ، مصباح المتهجد : 143 و 273 و 596 ، الكافي : 2 / 586 ، إقبال الأعمال : 1 / 173 ، بحار الأنوار : 83 / 116 و : 95 / 92 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 467

الدعاء الثاني والأربعون

دعاؤه عند ختمه القرآن

أللهم إنك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً ، وجعلته مهيمناً على كل كتاب أنزلته ، وفضلته على كل حديث قصصته ، وفرقاناً فرقت به بين حلالك ، وحرامك ، وقرآناً أعربت به عن شرائع أحكامك ؛ وكتاباً فصلته لعبادك تفصيلاً ، ووحياً أنزلته على نبيك محمد صلواتك عليه وآله تنزيلاً .
وجعلته نوراً نهتدي من ظلم الضلالة ، والجهالة باتباعه ، وشفآءً لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه ، وميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه ، ونور هدىً لا يطفأ عن الشاهدين برهانه ، وعلم نجاة لا يضل من أم قصد سنته ولا تنال أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته .


الإسلام دين العقل

( أللهم إنك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً ) يدعو إلى الوحدة

في ظلال الصيحيفة السجادية 468

الإنسانية جمعاء . بلا حدود من الأرض ، ولا قيود من الجنسيات ، والطبقات ، واللغات ، ولا تباين ، وتعدد في الدين ، والمذهب ، بل ولا في الأمة ، والدولة ، فالناس كلهم سواء كأسنان المشط ، ربهم واحد ، وأبوهم واحد ، وهو من تراب ، والإنسان الأكرم ، والأعظم من ترك لأخيه الإنسان شيئاً جديداً ، ومفيداُ . وهذا هو بالذات دين العقل ، والفطرة ، والحياة الذي به يستدل على كل فكرة ، ومبدأ ، ولا يستدل عليه بغيره ، لأنه من المعطيات الأولية التي إليها تنتهي الأدلة النظرية ، ومن ارتاب في أن الإسلام هو دين العقل ، والفطرة ، أحلناه إلى القرآن وهو بين يديه ، ويدي كل طالب وراغب (1) .
( وجعلته مهيمناً على كل كتاب ) اقتباس من قوله تعالى : « وأنزلنآ إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه » (2) أي رقيباً يشهد بصحة الصحيح ، وتحريف المحرف ( وفضلته على كل حديث قصصته ) اقتباس من : « نحن نقص عليك أحسن القصص بمآ أوحينآ إليك هذا القرءان وإن كنت من قبله لمن الغافلين » (3) لأن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي وضع مخططاً لحياة الناس في كل عصر ، ومصر يخلصها من الجهل ، والفساد ، والعبودية ، والإستبداد .


شخصية محمد

قرأت في مجلة العربي الكويتية (4) نقلاً عن سيرة النبي لشبلي نعماني : « الذين
(1) انظر ، الدعاء الرابع شعر ، فقرة : الإسلام دين الجهاد ، وفقرة : لا هدف من الدين إلا الإنسان في الدعاء العشرين ، وفقرة : كف الأذى في الدعاء التاسع والثلاثين .
(2) المائدة : 48 .
(3) يوسف : 3 .
(4) انظر ، العدد 232 في الصفحة : 23 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 469

ظهروا قبل الرسول محمد صلى الله عليه وآله بعامة كانوا نماذج لفضائل معينة ـ وعلى سبيل المثال ـ مدرسة المسيح كانت للتحمل ، والصبر ، والسلام ، والتسامح ، والتواضع ، ولا مكان فيها للصفات الرفيعة اللازمة للإدارة ، والحكم ، بينما لا مجال فيما جاء عن نوح ، وموسى للتسامح العام . ومن أجل ذلك دعت الحاجة إلى قائد جديد في كل مرحلة من مراحل الإنسانية . هذا القائد يستطيع أن يرفع سيفه ، وأن يعيش معتكفاً أيضاً ، قائد يستطيع أن يمارس حياة الحاكم ، والفاتح ، والتالي لأسماء الله الحسنى ، يستطيع أن يعيش حياة الفقر بالرضا ، وحياة الغنى بالقلب الكريم ، هذا الرسول الكامل بين الخالق ، والكون ، هذه الشخصية المحيطة هي شخصية محمد » (1) .
( وفرقاناً فرقت به بين حلالك ، وحرامك ) اقتباس من هذه الآية : « تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً » (2) . وسمي القرآن فرقاناً لفصله بين الحق ، والباطل ( وقرآناً أعربت به عن شرائع أحكامك ) الإسلام عقيدةً ، وشريعةً ، وأصل الاصول في عقيدته التوحيد ، والأصل ، والأساس في شريعته العدل ، والمصلحة ، وعليهما تبتني أحكام الله تحليلاً ، وتحريماً ، فحيث يكون العدل ، والمصلحة يكون الحلال ، وحيث يكون الظلم ، والمفسدة يكون النهي ، والحرام ( وكتاباً فصلته لعبادك تفصيلاً ) قال سبحانه : « الر كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير » (3) . وقلت في التفسير الكاشف حول هذه الآية : « المعنى أن القرآن الكريم واضح المعاني ، محكم النظم ، لا نقص فيه ، ولا خلل ، لأنه ممن يقدر الأمور ، ويدبرها على أساس العلم ، والحكمة » (4) . قال بعض العارفين : إن لله
(1) انظر ، الدعاء الثاني ، فقرة : طبيعة الدعوة ، وشخصية الداعي .
(2) الفرقان : 1 .
(3) هود : 1 .
(4) انظر ، تفسير الكاشف : 2 / 214 ، للمؤلف .
في ظلال الصيحيفة السجادية 470

كتابين : واحد تكويني وهو هذا الكون ، والآخر تدويني وهو القرآن ، وكل منهما محكم من جميع جهاته على أتم الوجوه ، وأكملها » (1) .


ليس الله بأصم

( وجعلته نوراً نهتدي من ظلم الضلالة ، والجهالة بأتباعه ) بالعمل بموجبه لا بمجرد التغني به ، والصياح بكلماته من مكبرات الصوت على المآذن ، وفي المحافل . . . وسمع رجل من أهل الله ، والعلم به من يجهر بقراءته فقال له : « إن كنت تريد الله فاخفض صوتك ، فإن الله ليس بأصم ، وإن كنت تريد الناس ؛ فإنهم لم يغنوا عنك شيئاً » (2) . وفي أصول الكافي : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « سيجيء بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء ، والنوح ، والرهبانية ، لا يجوز تراقيهم ، قلوبهم مقلوبة ، وقلوب من يعجبهم شأنهم » (3) . وفي أحياء العلوم عن النبي صلى الله عليه وآله : « أنت تقرأ القرآن ما نهاك ، فإذا لم ينهك فلست تقرأه » (4) . أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها . وعن الإمام علي عليه السلام : « ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها
(1) لم أعثر على قائله .
(2) مأخوذ من قوله صلى الله عليه وآله : ( إن ربكم ليس بأصم ، ولا غائب ، وهو بين رحالكم ، وفي رواية : رواحلكم ) ، انظر ، سنن الترمذي : 5 / 172 ، تحفة الأحوذي : 9 / 301 ، السنن الكبرى : 6 / 97 ، صحيح ابن خزيمة : 4 / 149 .
(3) انظر ، الجامع لأحكام القرآن : 1 / 71 ، شرح مشكاة المصابيح : 2 / 618 ، الإتقان : 1 / 101، مجمع البيان 1 / 16 ، وسائل الشيعة : 6 / 210 ح 1 ، التغني بالقرآن لبيب السعيد : 42 ، الموطأ : 1 / ح 10 .
(4) انظر ، إحياء علوم الدين : 2 / 105 ، مجمع الزوائد : 1 / 184 ، كنز العمال : 1 / 606 ح 2776 ، تهذيب التهذيب : 9 / 372 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 10 / 23 تحت عنوان شرح المختار ( 177 ) .
في ظلال الصيحيفة السجادية 471

تدبر » (1) .
( وشفآءً لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه ) القرآن دواء ، وشفاء من داء الكفر ، والنفاق ، والجهل ، والفساد ، والضلال ، والأحقاد ، ومن كل رذيلة بشرط الإصغاء له ، والإتعاظ به كما قال سبحانه : « وإذا قريء القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون » (2) . . . « إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون » (3) « إنما » للحصر (4) ، وبها تدل هذه الآية أن من ذكر بالله ، وآياته فتجنبها دون أن يخشى فهو تماماً كالذي عناه تعالى بقوله : « سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى » (5) .


ميزان الآخرة

( وميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه . . . ) القسط : العدل ، ولا يحيف : لا يميل عن الحق ، والمعنى بالقرآن تقاس جميع العقائد ، والآراء ، والأقوال ، والأفعال . ومن جملة ما قاله الملا صدرا في الأسفار : « ميزان الآخرة هو القرآن الذي أنزله المعلم الأول ، وهو الله ، على المعلم الثالث ، وهو الرسول صلى الله عليه وآله بواسطة المعلم الثاني ، وهو جبريل ، فبأحكام القرآن يقاس علم الإنسان ، وعقله ، وجميع أقواله ، وأفعاله ،
(1) انظر ، الكافي : 1 / 36 ح 3 ، شرح اصول الكافي : 2 / 69 ، إرشاد الأذهان : 1 / 17 ، المعالم : 21 .
(2) الأعراف : 204 .
(3) الأنفال : 2 .
(4) انظر ، المعتبر : 1 / 81 ، منتهى المطلب : 3 / 174 ، المجموع : 1 / 311 ، البحر الرائق لابن نجيم : 1 / 50 .
(5) الأعلى : 10 ـ 12 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 472

وتعرف حسناته من سيئاته » (1) .
أللهم فإذ أفدتنا المعونة على تلاوته ، وسهلت جواسي ألسنتنا بحسن عبارته ، فاجعلنا ممن يرعاه حق رعايته ، ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته ، ويفزع إلى الإقرار بمتشابهه ، وموضحات بيناته .
أللهم إنك أنزلته على نبيك محمد صلى الله عليه وآله مجملاً ، وألهمته علم عجائبه مكملاً ، وورثتنا علمه مفسراً ، وفضلتنا على من جهل علمه ، وقويتنا عليه لترفعنا فوق من لم يطق حمله .
( أللهم فإذ أفدتنا المعونة على تلاوته ، وسهلت جواسي ألسنتنا بحسن عبارته ) جواسي ألسنتنا : حركات ألسنتنا ، والعبارة :
البيان ، والمعنى أعنت يا إلهي ، وسهلت السبيل لأن نتلو كتابك بالكامل ، فأتمم إنعامك هذا بالهداية إلى تدبيره ، ورعايته ، والعمل بموجبه ، وإلا فمجرد التلاوة لا تحقق الهدف المطلوب .


من يجيب عن كل سؤال فهو مجنون ؟

( التسليم لمحكم آياته ، ويفزع إلى الإقرار بمتشابهه ) المحكم : الواضح الذي يمكن العلم بالمراد من ظاهره مثل لا إله إلا الله ، والمتشابه (2) : المبهم الذي لا يمكن العلم بالمراد حيث لا ظاهر له مثل « آلم~ » (3) ، ويفزع : يلجأ ، والمعنى وفق
(1) انظر ، الأسفار : 2 / 254 ، طبعة القاهرة .
(2) انظر ، المحكم والمتشابه للسيد المرتضى علم الهدى ( ت 436 هـ ) .
(3) البقرة : 1 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 473

عبادك المؤمنين إلى التمييز بين الظاهر ، والمبهم من آيات القرآن كيلا يقتحموا الشبهات ، ويتعسفوا في التأويل (1) . قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن أقتحام السدد المضروبة دون الغيوب الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب » (2) ، وما أكثر ما نجهل . . . وقال عليه السلام : « إن الله افترض عليكم الفرائض فلا تضيعوها ، وحد لكم حدوداً فلا تعتدوها ، ونهاكم عن اشياء فلا تنتهكوها ، وسكت لكم عن أشياء ، ولم يدعها نسياناً فلا تتكلفوها » (3) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « إن من أجاب عن كل ما يسأل عنه فهو المجنون » (4) .
( أللهم إنك أنزلته على نبيك محمد صلى الله عليه وآله مجملاً ، وألهمته علم عجائبه مكملاً ) في القرآن آيات ، منها كاملات بينات أشار إليها الإمام عليه السلام بقوله « مكملاً » أي كاملة البيان يعرف النبي صلى الله عليه وآله المراد منها دون الرجوع إلى الله سبحانه في تفسيرها كآية تحريم الزواج بالأقارب (5) ، وآية تحريم الميتة ، والدم ،
(1) انظر ، الأنتصار : 16 ، حلية العلماء : 1 / 238 ، الاستذكار لابن عبد البر : 2 / 11 ، روضة الطالبين : 2 / 133 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 1 / 162 ، الخطبة ( 91 ) ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 6 / 403 ، تفسير الميزان : 3 / 69 ، تاريخ بغداد : 13 / 77 ، تاريخ مدينة دمشق : 60 / 338 ، الكافي : 8 / 394 .
(3) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 24 ، الحكمة ( 105 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 18 / 267 ، شرح النهج للبحراني : 5 / 294 .
(4) انظر ، وسائل الشيعة : 27 / 165 ، معاني الأخبار : 2 / 238 .
(5) النساء : 23 .
« حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسآئكم وربآئبكم التي في حجوركم من نسآئكم اللاتي دخلتم =
في ظلال الصيحيفة السجادية 474

والخنزير (1) . . . وبعض آيات القرآن ، رموز ، وإشارات لا يعرف النبي صلى الله عليه وآله معانيها بالتفصيل إلا ببيان ثان من الله تعالى ، وأِشار إليها الإمام بقوله « مجملاً » مثل « وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير » (2) فإن الله عزوجل بين لنبيه الكريم كيفية الصلاة ، ومقدار الزكاة بوحي ثان ، وهو ما يعبر عنه بالسنة النبوية ، أما غرائب القرآن الكريم ، وعجائبه التي أشار إليها الإمام عليه السلام فتشمل ، وتعم كل ما فيه ، لأنه معجزة المعاجز من ألفه إلى يائه .
( وورثتنا علمه مفسراً ) كل علوم القرآن الكريم ، والرسول العظيم هي عند الأئمة الأطهار من أهل بيته بنص الحديث المتواتر المعروف بحديث الثقلين حيث جعلهم عدلاً للقرآن الذي فيه تبيان كل شيء ، وقد جاء هذا الحديث في اربعين كتاباً ، أو أكثر من كتب السنة ، وقد تتبعها الشيخ قوام الدين الوشنوي ، وسجل أسماءها مع النص في رسالة خاصة بعنوان « حديث الثقلين » (3) .
( وفضلتنا على من جهل علمه ) كل أهل السماء ، والأرض يفضلون العلم على
= بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبناءكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً » .
(1) المائدة : 3 .
« حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ومآ أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وأخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم » .
(2) البقرة : 110 .
(3) سبقت الإشارة إلى ذلك في شرح الدعاء الرابع والعشرين .
في ظلال الصيحيفة السجادية 475

الجهل بالطبع ، والفطرة ، وهل من أحد يوازن بينهما ؟ أللهم إلا من يتخبط في ظلمات الحقد ، والتعصب الموروث ( وقويتنا عليه ) أي على فهمه ، والعلم بأسراره ، وأهدافه تماماً كما هو في علم الله ، ورسول الله ، وأيضاً قواهم سبحانه على العمل بجميع أحكامه ، وآدابه ( لترفعنا فوق من لم يطق حمله ) يشير بهذا إلى الذين يمتطون الدين إلى الدنيا ، وما أكثرهم في كل عصر ، بخاصة في العصر الراهن ، والسر التضخم الهائل في أموال النفط . وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام : « إن في جهنم ( خمساً ) أفلا تسألون ما طحنها ؟ فقيل له : فما طحنها ؟ قال : العلماء الفجرة ، والقراء الفسقة ، والجبابرة الظلمة ، والوزراء الخونة ، والعرفاء الكذبة » (1) .
أللهم فكما جعلت قلوبنا له حملةً ، وعرفتنا برحمتك شرفه ، وفضله ، فصل على محمد الخطيب به ، وعلى آله الخزان له ، واجعلنا ممن يعترف بأنه من عندك حتى لا يعارضنا الشك في تصديقه ، ولا يختلجنا الزيغ عن قصد طريقه .
أللهم صل على محمد وآله ، واجعلنا ممن يعتصم بحبله ، ويأوي من المتشابهات إلى حرز معقله ، ويسكن في ظل جناحه ، ويهتدي بضوء صاحبه ، ويقتدي بتبلج إسفاره ، ويستصبح بمصباحه ، ولا يلتمس الهدى في غيره .
( أللهم فكما جعلت قلوبنا . . . ) أوعية لكتابك ، وخزنة لعلمك ( فصل على محمد الخطيب به . . . ) : البشير النذير بالقرآن ( واجعلنا ممن يعترف بأنه من عندك . . . )
(1) انظر ، الخصال : 296 ، ثواب الأعمال : 253 ، روضة الواعظين : 507 ، مستدرك الوسائل : 4 / 251 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 476

وقد تسأل : إن قول الإمام عليه السلام أولاً : « جعلت قلوبنا له حملةً » معناه الإعتراف بأن القرآن من عند الله ، فكيف قال بعده : « اجعلنا ممن يعترف بأنه من عندك » ؟ أليس هذا تحصيلاً للحاصل تماماً كقول القائل : اجعل الماء ماءً ؟
الجواب : المراد بالإعتراف الثاني البقاء ، والإستمرار على الإيمان ، واليقين به كقوله تعالى : « وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحاً ثم اهتدى » (1) أي بقي واستمر على إيمانه ، وتوبته حيث لا توبة بلا إيمان .
( واجعلنا ممن يعتصم بحبله ) : من المهتدين بنوره ( ويأوي من المتشابهات . . . ) إذا عرضت له معضلة ، ومشكلة بحث عن حلها في نصوص القرآن فإن اهتدى إلى الحل فذاك ، وإلا فأحجم ، وفوض الأمر إليه تعالى ( ولا يلتمس الهدى في غيره ) قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « من ابتغى الهدى في غير القرآن أضله الله » (2) . « ومن يضلل الله فما له من هاد » (3) .
أللهم وكما نصبت به محمداً علماً للدلالة عليك ، وأنهجت بآله سبل الرضا إليك . . . فصل على محمد وآله ، واجعل القرآن وسيلةً لنا إلى أشرف منازل الكرامة ، وسلماً نعرج فيه إلى محل السلامة ، وسبباً نجزى به النجاة في عرصة القيامة ، وذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة .
(1) طه : 82 .
(2) انظر ، إعجاز القرآن لمحمد إسماعيل إبراهيم : 32 ، مستدرك سفينة البحار ، : 8 / 304 و : 10 / 501 قريب منه ، ومناقب أمير المؤمنين للكوفي : 2 / 30 ، شرح الأخبار : 2 / 310 .
(3) الرعد : 33 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 477

أللهم صل على محمد وآله ، واحطط بالقرآن عنا ثقل الأوزار ، وهب لنا حسن شمائل الأبرار ، واقف بنا آثار الذين قاموا لك به آناء الليل ، وأطراف النهار ، حتى تطهرنا من كل دنس بتطهيره ، وتقفو بنا آثار الذين استضآءوا بنوره ، ولم يلههم الأمل عن العمل فيقطعهم بخدع غروره .
( أللهم وكما نصبت به محمداً علماً للدلالة عليك ) الضمير في « به » القرآن ونصبت أقمت ، وأرسلت ، والمعنى أرسل سبحانه محمداً إلى عباده ، وعياله برسالة ترشد الخلق إلى الحق ، وتكرم كل إنسان ، وتصونه من العنف ، والجور ، والجهل ، والفقر ، وتوفر له حياة فاضلة ، وكريمةً ( وأنهجت بآله سبل الرضا إليك ) أنهجت : أوضحت ، والمعنى أن الأئمة من العترة الطاهرة امتداد لجدهم الرسول صلى الله عليه وآله في هداية الخلق إلى الحق ، والسبيل إلى رضوانه تعالى ، وجنانه ( واجعل القرآن وسيلة لنا إلى أشرف منازل الكرامة . . . ) وفقنا إلى العمل بالقرآن لنحظى لديك بالسلامة ، والكرامة ، وهذا من الإمام عليه السلام أصدق شاهد على أن أهل البيت عليهم السلام لا يتوسلون إلى الله سبحانه بالأنساب ، ولا يدعون التفوق على الناس ، لأنهم شعب الله المختار ، كيف ؟ وهم يروون عن جدهم صلى الله عليه وآله : « كلكم لآدم ، وءادم من تراب » (1) ، ويقرأون قوله تعالى : « إن أكرمكم عند الله أتقاكم » (2) وفي أصول الكافي عن الإمام الباقر عليه السلام : « والله ما معنا من الله براءة ، ولا بيننا وبين الله قرابة ، ولا لنا على الله حجة ، ولا نتقرب إليه إلا بالطاعة » (3) . وبالعلم ، والعمل أصبحوا خلفاء الله في
(1) انظر ، شرح النهج للمعتزلي : 17 / 381 ، سنن البيهقي : 9 / 118 ، سبل الهدى والرشاد : 5 / 242 .
(2) الحجرات : 13 .
(3) انظر ، الكافي : 2 / 75 ح 6 ، شرح اصول الكافي : 8 / 241 ، وسائل الشيعة : 15 / 234 ، أمالي =
في ظلال الصيحيفة السجادية 478

أرضه ، وحجته على عباده .
( أللهم أحطط بالقرآن عنا ثقل الأوزار ) أهدنا إلى العمل بالقرآن ، وأحكامه هدايةً تطهرنا من الذنوب الماضية ، وتعصمنا من الذنوب الآتية ( وهب لنا حسن شمائل الأبرار . . . ) ألحقنا بعبادك الصالحين الذين يقيمون الصلاة طرفي النهار ، وآناء من الليل ( حتى تطهرنا من كل دنس بتطهيره ) الدنس : الذنب ، والمعنى مدنا يا إلهي بالعون ، والتوفيق إلى العمل بالقرآن لتكون نفوسنا تقيةً نقيةً من كل ما يشينها ، ويدنسها ( وتقفو بنا آثار . . . ) اجعلنا من التابعين بإحسان للعاميلن بالقرآن ( ولم يلههم الأمل عن العمل . . . ) لا تخدعهم حلاوة الدنيا عن نعيم الآخرة ، بل يعملون لهذه ، وتلك لا باعتبار أنهما مختلفتين منفصلتين ، بل لأن العمل الصالح النافع هو الوسيلة إلى خير الآخرة . وكررنا فيم سبق أن دنيا الحلال دعامة مجد ، وعز للدين بشهادة سيد المرسلين حيث قال : « المؤمن القوي خير ، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف » (1) ، « واليد العليا خير من اليد السفلى » (2) .
أللهم صل على محمد وآله ، واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنساً ، ومن نزغات الشيطان ، وخطرات الوساوس حارساً ،
= الصدوق : 371 .
(1) انظر ، شرح صحيح مسلم : 6 / 22 ، فتح الباري : 13 / 193 ، مسند الحميدي : 2 / 474 ، السنن الكبرى : 6 / 159 ح 80457 و 80459 ، مسند أبي يعلى : 11 / 124 ، صحيح ابن حبان : 13 / 29 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 1 / 110 ، سبل السلام من أدلة الأحكام لابن حجر العسقلاني : 4 / 207 .
(2) انظر ، مجمع الزوائد : 3 / 98 و : 8 / 139 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 8 / 162 ، المجموع : 6 / 245 ، مستدرك الوسائل : 7 / 161 و 240 ، مسند الشهاب : 97 ح 538 ، طبعة 1361 هـ .
في ظلال الصيحيفة السجادية 479

ولأقدامنا عن نقلها الى المعاصي حابساً ، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرساً ، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجراً ، ولما طوت الغفلة عنا من تصفح الاعتبار ناشراً ، حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه ، وزواجر أمثاله التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله .


حديث الليل

( واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مونساً ) لحديث الليل متعةً ، ونكهةً . وهناك كتب في اللغة الآجنبية ، تحمل إسم حديث الليل ، قرأت عنها ، وما قرأتها لأن ثقافتي عربية بحت ، وإذا حرمت من لغة الإجانب فإني قرأت العديد من المترجمات عن لغات شتى ، وفي مواضيع مختلفة . . . وإذا كان حديث الليل مع الحبيب فهناك الفردوس ، والنشوة ، وحديث القرآن في كل آن أحب الأحاديث لدى الذين يحبون في الله ، ومن أجله يكرهون ، فكيف إذا كان حديث القرآن في غسق الليل ، وسكونه ؟ .
( ومن نزغات الشيطان . . . ) : أحابيله ، وأباطيله ، قال سبحانه : « وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم » (1) وفي اصول الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام : « البيت الذي يقرأ فيه القرآن ، ويذكر الله عزوجل فيه تكثر بركته ، وتحضره الملائكة ، وتهجره الشياطين » (2) وعن الإمام الصادق عليه السلام : « إنه ليعجبني أن
(1) الأعراف : 200 .
(2) انظر ، الكافي : 2 / 610 ، شرح اصول الكافي : 11 / 37 ، وسائل الشيعة : 6 / 199 ، تحفة =
في ظلال الصيحيفة السجادية 480

يكون في البيت مصحف يطرد الله عزوجل به الشياطين » (1) . ( ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابساً ) قال سبحانه : « يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون » (2) . وفي الحديث : « من مشى على الأرض اختيالاً لعنته الأرض من تحته ، والسماء من فوقه » (3) . فكيف بمن سعى في الأرض الفساد ؟ .
( ولما طوت الغفلة عنا من تصفح الاعتبار ناشراً ) طوى الحديث : كتمه ، وتصفح الشيء : نظره بتأمل ، وإمعان ، والمعنى اجعل القرآن لنا عاصماً من سنة الغفلة كي ننظر إلى الدنيا ، وزينتها بأعين تبصر ، وتعتبر ، وفي الحديث : « القرآن هدى من الضلالة ، وتبيان من العمى ، واستقالة من العثرة ، ونور من الظلمة ، وضياء من الأحداث ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من الفتن ، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة ، فيه كمال دينكم ، وما عدل أحد عن القرآن إلا إلى النار » (4) .


القرآن ، والزمان

( حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه ) وروى صاحب الكافي أن الإمام السجاد عليه السلام صاحب هذا الدعاء قال : « آيات القرآن خزائن ، فكلما فتحت خزائنة
= الأحوذي : 2 / 436 ، المصنف للصنعاني : 3 / 369 و : 7 / 166 ، المعجم الكبير : 9 / 129 ، الجامع الصغير : 1 / 496 .
(1) انظر ، الكافي : 2 / 613 ، ثواب الأعمال : 103 ، شرح اصول الكافي : 11 / 43 ، الوسائل : 6 / 206 .
(2) النور : 24 .
(3) انظر ، مستدرك الوسائل : 8 / 238 و : 12 / 31 ، مكارم الأخلاق : 110 .
(4) انظر ، الكافي : 2 / 600 ، شرح اصول الكافي : 11 / 16 ، المزار : 577 ، بحار الأنوار : 89 / 26 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 481

ينبغي لك أن تنظر ما فيها » (1) . قال الإمام عليه السلام هذا منذ ( 13 ) قرناً ، أو تزيد ، ومعناه أن مضامين القرآن تزداد وضوحاً بالإمعان ، والتدبر ، وبالفهم ، والعلم ، وهذا ما حدث بالفعل حيث كشف العلم الحديث عن حقائق ، وأسرار ، لها أصول ، وجذور في القرآن الكريم ، وفيما قرأت : « أن القرون القادمة ستوضح معاني كلمات الله للبشر أكثر فأكثر » .
( وزواجر أمثاله ) في القرآن أمثال ضربها الله سبحانه ، تزجر عن الموبقات ، والمحرمات ، وفي نهج البلاغة : « فالقرآن آمر زاجر » (2) أي يأمر بالخير ، والصلاح ، ويزجر عن الشر ، والفساد ( ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله ) الإنسان هو الذي يتحمل المسؤولية عن التكليف ، لأن الله سبحانه منحه العقل ، والحرية ، والإرادة ، والقدرة على التنفيذ ، ولا شيء من ذلك في الجبال كي تكلف ، وتحاسب ، وتسال ، وعليه يكون ضعف الجبال هنا كناية عن عدم تكليفها من الأساس ، وان المسؤول عن التكليف ، وأمانة الله سبحانه هو الإنسان ، ويجب أن يحرص كل الحرص على الطاعة ، والتنفيذ (3) .
أللهم صل على محمد وآله ، وأدم بالقرآن صلاح ظاهرنا ، واحجب به خطرات الوساوس عن صحة ضمائرنا ، وأغسل به درن قلوبنا ، وعلائق أوزارنا ، واجمع به منتشر أمورنا ، وأرو به في موقف
(1) انظر ، الكافي : 2 / 609 ، وسائل الشيعة : 6 / 198 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 111 ، الخطبة ( 183 ) ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 10 / 115 ، نهج السعادة : 8 / 409 ، بحار الأنوار : 89 / 20 ، مستدرك سفينة البحار : 3 / 102 .
(3) انظر ما قاله المؤلف في التفسير المبين حول الآية 72 من الأحزاب : « إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً » .
في ظلال الصيحيفة السجادية 482

العرض عليك ظمأ هواجرنا ، واكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا .
أللهم صل على محمد وآله ، واجبر بالقرآن خلتنا من عدم الإملاق ، وسق إلينا به رغد العيش ، وخصب سعة الأزراق ، وجنبا به الضرائب المذمومة ، ومداني الأخلاق .
( وأدم بالقرآن صلاح ظاهرنا ، واحجب به خطرات الوساوس . . . ) اجعلنا بالقرآن من الذين استقاموا على الطريق المثلى في المظهر ، والمخبر ، وتقدم بالمحتوى ، والمضمون هو ، وكل ، أو جل البقية الباقية من هذا الدعاء ، ولا جدوى من طول الشرح ، أجل قد نقف هنيهة حول بعض الكلمات ، إن يك في الوقوف شيء من الفائدة .


خطرات الوساوس

الوساوس : جمع وسواس ، وهو حديث النفس الذي يمر بالفكر من حين إلى حين ، ولا مفر منه لكبير ، أو صغير (1) ، ولكن العاقل يمضي في سبيلة كأن لم يكن شيء ، أما الإنسان الخرافي فيندفع ورائه ، ويبني الدور ، والقصور في الهواء من زبد الماء ، وهذه هي الرعونة بالذات ، ومثله تماماً من يفقد الصبر ، ويهيج لأتفه الأسباب . . . إن التمييز بين الوهم ، والواقع هو الحجر الأساس لبناء شخصية قوية تواجه الأحداث ، والمشكلات بأعصاب باردة راكدة ، وتعالجها بالحكمة ، وتنجو منها بسلام .
( واغسل به درن قلوبنا ، وعلائق أوزارنا ) درن القلوب : اللؤم ، والحقد ، وما
(1) انظر ، تاج العروس : 4 / 271 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 483

أشبه ، والعلائق : الصلات ، والعلاقات ، والأوزار : الذنوب ، والمعنى طهرنا بالقرآن من المعاصي ، والرذائل ، وكل ما يتصل بها من قريب ، أو بعيد ( واجمع به منتشر أمورنا ) انتشار الأمور : تمزق الطاقات ، والقوى ، والمعنى اجمع شملنا ، ووحد قوانا ( وأرو به في موقف العرض عليك ظمأ هواجرنا ) أرو : اسق ، وموقف العرض : الوقوف بين يدي الله لنقاش الحساب ، والظمأ : العطش ، والهواجر : جمع الهاجرة بمعنى شدة الحر ( واكسنا به حلل . . . ) اعذنا من عذاب السعير يوم القيامة ، وقد تقدم (1) .
( واجبر بالقرآن خلتنا من عدم الإملاق ) خلتنا بفتح الخاء : حاجتنا ، والإملاق : الفقر ، و« من » بيانية ، والمعنى أن الحاجة التي نطلبها منك يا الله هي عدم الفقر ، وتقدم مرات ، ومرات ( وسق إلينا به رغد العيش ) الرغد : السعة ، والعطف للتكرار ، ومثله ما بعده ( الضرائب ) : جمع ضريبة ، وهي الطبيعة ، والسجية ( ومداني الأخلاق ) أسافلها ، ورذائلها .
واعصمنا به من هوة الكفر ، ودواعي النفاق حتى يكون لنا في القيامة إلى رضوانك ، وجنانك قائداً ، ولنا في الدنيا عن سخطك ، وتعدي حدودك ذائداً ، ولما عندك بتحليل حلاله ، وتحريم حرامه شاهداً .
أللهم صل على محمد وآله ، وهون بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السياق ، وجهد الأنين ، وترادف الحشارج إذا بلغت النفوس التراقي ، وقيل من راق ؟ وتجلى ملك الموت لقبضها من حجب
(1) انظر ، الدعاء الخامس والعشرون ، وغيره .
في ظلال الصيحيفة السجادية 484

الغيوب ، ورماها عن قوس المنايا بأسهم وحشة الفراق ، وداف لها من ذعاف الموت كأساً مسمومة المذاق ، ودنا منا إلى الآخرة رحيل ، وانطلاق ، وصارت الأعمال قلائد في الأعناق ، وكانت القبور هي المأوى إلى ميقات يوم التلاق .
( واعصمنا به من هوة الكفر ، ودواعي النفاق . . . ) الهوة : الحفرة ، والدواعي : البواعث ، وكل من يعمل بكتاب الله فهو في حصن ، حصين . وقد تقدم (1) . وأيضاً في هذا الدعاء بحفظ الحبس عن المعاصي ، والخواض بالباطل ( ولما عندك بتحليل حلاله ، وتحريم حرامه شاهداً ) في الحديث : « إن القرآن يشهد بالخير لمن عمل به ، وبالشر على من حرف ، وخالف » (2) ( كرب السياق ) الكرب : الشدة ، والمشقة ، والسياق : نزع الروح من البدن ( وترادف الحشارج ) : جمع حشرجة بمعنى تردد النفس عند الموت ( التراقي ) : جمع ترقوة ، وهي عظمة في اعلى الصدر بين العاتق ، وثغرة النحر ، قال سبحانه : « كلآ إذا بلغت التراقي وقيل من راق » (3) ، أي هل من راق يرقيه ، أو طبيب يداويه ( وداف ) يقال : داف الدواء بالماء إذا خلطه به ( ذعاف الموت ) أي سمه القاتل لساعته ( رحيل وانطلاق ) رحيل من قضاء الأرض إلى زنزانة مظلمة ، طولها ست أقدام بعرض قدمين ونصف ( وصارت الأعمال قلائد في الأعناق ) « كل امرئ بما كسب رهين » (4) . وقد تقدم (5) .
(1) انظر ، الدعاء الخامس والعشرون ، وغيره .
(2) انظر ، عوالي اللئالي : 1 / 65 ، قريب منه .
(3) القيامة : 26 ـ 27 .
(4) الطور : 21 .
(5) انظر ، الدعاء الأربعون .
في ظلال الصيحيفة السجادية 485


وبعد ، فلا أحد أجهل ، وأشقى ممن يعيش كما يحلو له بلا حدود ، وقيود ، ولا يرى إلا قضاء وطره ، غير مكترث بعاقبة ، ومآل ! ولو لم يكن من شيء إلا الموت الذي يعم الخلائق بالكامل ـ لكفى به واعظاً ، ومخوفاً ، والخوف يبعث العاقل على التحفظ ، والاحتراز .
أللهم صل على محمد وآله ، وبارك لنا في حلول دار البلى ، وطول المقامة بين أطباق الثرى ؛ واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا ، وافسح لنا برحمتك في ضيق ملاحدنا ، ولا تفضحنا في حاضري القيامة بموبقات آثامنا .
وارحم بالقرآن في موقف العرض عليك ذل مقامنا ، وثبت به عند اضطراب جسر جهنم يوم المجاز عليها زلل أقدامنا ، ونور به قبل البعث سدف قبورنا ؛ ونجنا به من كل كرب يوم القيامة ، وشدائد أهوال يوم الطامة ، وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الظلمة في يوم الحسرة ، والندامة ، واجعل لنا في صدور المؤمنين وداً ، ولا تجعل الحياة علينا نكداً .
( وبارك لنا في حلول دار البلى ) وهي الزنزانة التي أشرنا إليها قبل لحظة ، والمراد بالبركة الإحساس بالكرامة لا بالمهانة التي يحسها ، ويعاني منها السجناء في دار الحياة . وفي الآية : « وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين » (1) ، حيث يثيب ، ويكرم سبحانه الذين ينزلهم في داره ، وجواره بالخيرات ، والمسرات ( وطول المقامة بين أطباق الثرى ) أطباق : جمع طبق أي الغطاء ، والثرى :
(1) المؤمنون : 29 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 486

التراب ، والمعنى ندفن بعد الموت في حفرة تنقطع في ظلمتها آثارنا ، وتغيب أخبارنا ، ومن فوقنا يعلو التراب المتراكم ، ونبقى في هذا الظلام الأبهم إلى قيام الساعة . وقد تقدم (1) .
( واجعل القبور . . . ) في الحديث : « القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار » (2) . « ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون » (3) ، أبداً لا خوف على البريء السليم من الآثام ، وإن كان تحت الثرى ، وإنما الخوف كل الخوف على من خان ، واعتدى ، وإن تحصن بالألوف ، والسيوف ( ولا تفضحنا في حاضري القيامة بموبقات آثامنا ) كل الناس يحضرون ، ويشهدون القيامة ، وموبقات الآثام : الذنوب المهلكة ، وفي دعاء آخر : « نعوذ بك أللهم من الذنوب التي تنزل البلاء ، . . . وتقطع الرجاء . . . ، وتورث الشقاء » (4) . وقد تقدم (5) ( وارحم بالقرآن في موقف العرض . . . ) بين يديك لنقاش الحساب من استسلم لعزتك ، وافتقر إلى جودك ، وفضلك . وقد تقدم قبل قليل ( وثبت به عند اضطراب جسر جهنم . . . ) أي ثبتنا على صراط القرآن الذي من استقام عليه فإلى الجنة ، ومن زل ، ومال عنه فإلى النار .
( أهوال يوم الطامة ) : الداهية ، والمراد بها هنا القيامة ، قال سبحانه : « فإذا
(1) انظر ، الدعاء الثالث .
(2) انظر ، سنن الترمذي : 4 / 55 ، الجامع الصغير : 1 / 242 ، كنز العمال : 15 / 546 ح 4219 ، إثبات الهداة : 4 / 544 ح 188 ، الذكرى للشهيد الأول : 77 ، عوالي اللئالي : 1 / 145 ، الخرائج والجرائح : 1 / 172 ح 2 .
(3) الأنعام : 132 .
(4) انظر ، إقبال الأعمال : 1 / 344 ، مصباح المتهجد : 572 ، بحار الأنوار : 95 / 137 .
(5) انظر ، الدعاء الثلاثون ، وغيره .
في ظلال الصيحيفة السجادية 487

جاءت الطآمة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى » (1) ، وقالوا : ما من طامة إلا وفوقها طامة ، والقيامة فوق كل طامة ( وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الظلمة ) بياض الوجه هنا كناية عن الفرح بالنعيم ، وسواده عن الحزن الأليم بالجحيم ، أما الظالمون فلهم ألوان من التنكيل ، والعذاب الأليم .


مودة آل الرسول

( واجعل لنا ـ نحن أهل البيت ـ في صدور المؤمنين وداً ) في الجزء الأول من كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروز آبادي أن الآية : « قل لآ أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى » (3) نزلت في قربى الرسول صلى الله عليه وآله (3) .
(1) النازعات : 34 ـ 35 .
(2) الشورى : 23 .
(3) أقول : اختلفت الأقوال ، وتضاربت الآراء في تأويل معنى القربة في هذه الآية الكريمة .
وعند مراجعتنا للمصادر التأريخية ، والحديثية ، والتفسيرية نرى أن الآراء قد أجمعت بأن المراد من القربة هم أهل الكساء المطهرون : علي ، وفاطمة ، والحسنان . كما جاء في تفسير الكشاف للزمخشري : 4 / 219 ـ 220 طبعة منشورات البلاغة قم ، وفتح القدير للشوكاني : 4 / 534 . وأورد حديثاً في سبب النزول أخرجه ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردوية ، عن ابن عباس قال : لما نزلت « قل لآ أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى » قالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم ؟ قال : علي ، وفاطمة ، وولدها . وفي رواية أخرى و« وولدهم » . وقيل : قال : علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين .
وقد أجمع الجمهور على ذلك ماعدا ابن كثير في تفسيره : 4 / 112 فقد اسقط ذكر الإمام علي عليه السلام لأنه نقل الحديث عن ابن أبي حاتم ، ولكن عند المراجعة تبين أن ابن ابي حاتم لم يسقط الاسم بل ثبت اسم علي عليه السلام في تفسيره للآية ناقلاً الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس . =
في ظلال الصيحيفة السجادية 488


وأيضاً في كتاب الفيروز آبادي أن الآية : « إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً » (1) نزلت في آل الرسول صلى الله عليه وآله (2) .
أللهم صل على محمد عبدك ، ورسولك كما بلغ رسالتك ، وصدع بأمرك ، ونصح لعبادك .
أللهم اجعل نبينا صلواتك عليه وعلى آله يوم القيامة أقرب النبيين
= انظر ، فرائد السمطين للجويني : 1 / 20 ، و : 2 / 13 / 359 ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : 2 / 130 ح 822 ـ 828 و 830 ـ 834 و 838 ، غاية المرام : 306 ، فضائل الخمسة : 1 / 250 و 259 و 262 عن الصواعق ، وعن كنز العمال : 1 / 208 ، حلية الأولياء : 3 / 201 ، المناقب : 29 ح 62 و 69 أو في حديث 824 من الشواهد للحاكم قال صلى الله عليه وآله : علي ، وفاطمة ، وولدها . يرددها ، الطبري في كتابه الولاية كما رواه عنه القاضي النعمان المصري ح 73 . ورواه الطبراني المعجم الكبير ( ترجمة الإمام الحسن عليه السلام ) : 1 / 125 تحت الرقم 2641 ، و : 3 / 139 الطبعة الأولى ، مجمع الزوائد : 7 / 103 و 9 / 146 و 168 ، كفاية الطالب للحافظ الكنجي : 90 و 91 و 93 و 313 و 317 طبعة الحيدرية وفي هامشه عن الكشاف : 2 / 339 ، ذخائر العقبى : 25 ، نور الأبصار : 101 ، الصواعق المحرقة : 101 و 135 و 136 طبعة الميمنية بمصر ، وص 168 و 225 طبعة المحمدية ، القول الفصل لابن طاهر الحداد : 1 / 474 و 480 و 482 طبعة جاوا ، رداً على من قال إن هذه الآية منسوخة ، وإنها نزلت بمكة .
(1) مريم : 96 .
(2) انظر ، فضائل الخمسة : 1 / 323 ، تذكرة الخواص : 10 ، الصواعق المحرقة : 102 ، رشفة الصادي : 25 ، نور الأبصار : 112 ، المواهب اللدنية : 7 / 14 ، الرياض النضرة : 2 / 207 ، كفاية الطالب : 121 ، مناقب الخوارزمي : 188 ، مجمع الزوائد : 9 / 125 ، مناقب أمير المؤمنين ، سليمان الكوفي : 1 / 194 ، شرح الأخبار : 1 / 158 ، مناقب آل أبي طالب : 2 / 289 ، تفسير القرطبي : 11 / 161 ، تفسير فرات : 249 ، الدر المنثور للسيوطي : 4 / 487 ، الفضائل لابن شاذان : 124 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 489

منك مجلساً ، وأمكنهم منك شفاعة ، وأجلهم عندك قدراً ، وأوجههم عندك جاهاً .
أللهم صل على محمد وال محمد ، وشرف بنيانه ، وعظم برهانه ، وثقل ميزانه ، وتقبل شفاعته ، وقرب وسيلته ، وبيض وجهه ، وأتم نوره ، وارفع درجته ، وأحينا على سنته ، وتوفنا على ملته ، وخذ بنا منهاجه ، واسلك بنا سبيله ، واجعلنا من أهل طاعته ، واحشرنا في زمرته ، وأوردنا حوضه ، واسقنا بكأسه .
أللهم وصل على محمد وآله . . . صلاةً تبلغه بها أفضل ما يأمل من خيرك ، وفضلك ، وكرامتك ، إنك ذو رحمة واسعة ، وفضل كريم .
أللهم اجزه بما بلغ من رسالاتك ، وأدى من آياتك ، ونصح لعبادك ، وجاهد في سبيلك أفضل ما جزيت أحداً من ملآئكتك المقربين ، وأنبيائك المرسلين المصطفين . والسلام عليه ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ورحمة الله وبركاته .
في أصول الكافي عن رسول الله صلى الله عليه وآله : « إجعلوني في أول الدعاء ، وفي آخره ، وفي وسطه » (1) ، وأيضاً فيه عن الإمام الصادق عليه السلام : « من كانت له حاجة إلى الله عزوجل فليبدأ بالصلاة على محمد وآله ، ثم يسأل حاجته ، ثم يختم بالصلاة على محمد وآله ، فإن الله سبحانه أكرم من أن يقبل الطرفين ، ويدع الوسط » (2) ومثله في
(1) انظر ، الكافي : 2 / 492 ، كشف القناع : 1 / 443 ، شرح اصول الكافي : 10 / 268 ، المصنف للصنعاني : 2 / 216 ، مكارم الأخلاق : 274 ، تفسير ابن كثير : 3 / 522 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى : 2 / 65 .
(2) انظر ، الكافي : 2 / 492 ، شرح اصول الكافي : 10 / 273 ، وسائل الشيعة : 7 / 95 ، مكارم =
في ظلال الصيحيفة السجادية 490

نهج البلاغة (1) . وكل صلاة على محمد دون آله فهي بتراء لا وزن لها ، ولا أثر . فقد روى البخاري ، ومسلم أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وآله : « كيف نصلي عليك ؟ فأجاب قولوا : أللهم صل على محمد وعلى آل محمد (2) . . . ومن هنا تكررت الصلوات عليه وعليهم في أدعية أهل العصمة . والدعاء الثاني من الصحيفة السجادية يختص بالصلاة عليه وعلى آله ، كما سبق .
وأيضاً اشتهر عن النبي صلى الله عليه وآله : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين » (3) ، ذلك بأن حب محمد صلى الله عليه وآله هو حب لله وللإنسان ،
= الأخلاق : 2 / 19 .
(1) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي : 6 / 197 ، تفسير القرطبي : 14 / 235 .
(2) وقال صلى الله عليه وآله : لا تصلوا علي الصلاة البتراء ، قالوا : وما الصلاة البتراء يا رسول الله ؟ قال : تقولون : أللهم صل على محمد ، وتسكتون ، بل قولوا : أللهم صل على محمد وعلى آل محمد . ( انظر ، صحيح البخاري : 4 / 146 ، صحيح مسلم : 2 / 16 ، الصواعق المحرقة لابن حجر : 131 ، فتح القدير للشوكاني : 4 / 280 نقله عن صحيح مسلم ، تفسير الخازن : 5 / 259 ) .
(3) انظر ، مسند أحمد : 3 / 207 و 275 و 278 ، بحار الأنوار : 22 / 88 و : 65 / 2 ، مغني المحتاج لمحمد بن الشربيني : 4 / 222 ، صحيح مسلم : 1 / 49 ، شرح صحيح مسلم : 2 / 15 ، سنن ابن ماجة : 1 / 26 ، كشف القناع للبهوتي : 5 / 30 : الديباج على مسلم : 1 / 60 ، منتخب مسند عبد بن حميد : 355 ، السنن الكبرى : 6 / 534 و : 7 / 481 ح 11744 و 11746 ، مسند أبي يعلى : 5 / 378 و : 6 / 23 ، صحيح ابن حبان : 1 / 406 ، المعجم الأوسط : 8 / 355 ، مسند الشاميين : 4 / 14 ح 2593 و ص : 92 ح 3338 ، كتاب الأربعون الصغرى للبيهقي : 85 ، كنز العمال : 1 / 37 ح 70 و 71 و ص : 41 ح 91 ، و : 12 / 183 ح 34581 و 34584 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 6 / 571 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض : 18 ، سبل الهدى والرشاد : 10 / 476 و : 11 / 430 ، سنن الدارمي : 2 / 307 ، صحيح البخاري : 1 / 9 ، كشف =
في ظلال الصيحيفة السجادية 491

وإيمان بنداء العقل ، والحرية ، والعدل ، ولا أحد يبغض محمداً إلا من كان على سنة أبي جهل .
وبعد ، فإن ما ختم به الإمام عليه السلام هذا الدعاء من الصلوات على جده الرسول صلى الله عليه وآله هو تكرار لما جاء في الدعاء الثاني ، وغيره من أدعية الصحيفة ، هذا إلى أن المراد من هذه الصلوات على محمد صلى الله عليه وآله واضح يفهمه الأمي ، والمتعلم على السواء ، ولمجرد اليمن ، والتبرك نشير إلى بعض الكلمات .
( وصدع بأمرك ) بلغه ، وجهر به ( ونصح لعبادك ) وتحمل الصعاب في هذه السبيل ( أللهم اجعل نبينا صلواتك عليه وعلى آله يوم القيامة أقرب النبيين . . . ) هذا بيان لمقام الرسول الأعظم عند الله سبحانه ، باسلوب الدعاء ، والرجاء ، وأيضاً فيه إشارة إلى أنه ما من أحد يستحق على الله أجراً بالحتم حتى محمد صلى الله عليه وآله إلا من باب الرحمة التي كتبها سبحانه على نفسه علماً بأن رحمته لا يكتبها لأحد إلا بموجب حكمته ( وشرف بنيانه ) أرفع شأنه فوق كل شأن . وفي نهج البلاغة : « أللهم أعل على بناء البانين بناءه » (1) ( وعظم برهانه ) بإظهاره على كل حجة ، ودليل ( وثقل ميزانه ) بالحسنات ( وقرب وسيلته ) قرب منك منزلته ، وحقق رغبته ( وأحينا على سنته . . . ) ثبتنا على الإسلام ، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ( أللهم وصل على محمد وآله صلاةً تبلغه بها . . . ) ما يحب ، ويرضى ، وأيضاً صل عليه ، وعلى آله بعد أن يرضى صلاةً تنمو ، وتعلو ببقائك ، ودوامك .
= الخفاء للعجلوني : 2 / 344 ح 2955 ، تفسير ابن كثير : 2 / 356 . مع تقديم وتأخير في عبارة ولده ووالده .
(1) انظر ، نهج البلاغة : 1 / 122 ، الخطبة ( 72 ) ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 6 / 142 ، المعيار والموازنة : 273 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 492




السابق السابق الفهرس التالي التالي