في ظلال الصيحيفة السجادية 445

الدعاء الثامن والثلاثون

دعاؤه في الاعتذار

أللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره ، ومن معروف اسدي ألي فلم أشكره ، ومن مسيء أعتذر إلي فلم أعذره ، ومن ذي فاقة سألني فلم اوثره ، ومن حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم أوفره ، ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره ، ومن كل إثم عرض لي فلم أهجره .
أعتذر إليك يا إلهي منهن ، ومن نظائرهن . . . اعتذار ندامة ، يكون واعظاً لما بين يدي من أشباههن . فصل على محمد وآله ، واجعل ندامتي على ما وقعت فيه من الزلات ، وعزمي على ترك ما يعرض لي من السيئات توبة توجب لي محبتك يا محب التوابين .
( أللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظلم . . . ) أي خذلان مظلوم ، وكل تعاليم الإٍسلام ، وقيمه ، وحوافزه تتجه ، وتوجه إلى خدمة الإنسان ، وحياة يسودها الحب ، والإخاء ، والعدل ، والحرية ، والتعاون على ما فيه مصلحة الفرد ، والجماعة ، ومن

في ظلال الصيحيفة السجادية 446

هنا حث الإسلام على جهاد الظلم ، والمعتدين ، واعتبر الظالم خارجاً عن الإسلام (1) « والساكت عن الحق شيطاناً أخرس » (2) . والإمام عليه السلام في دعائه هنا يتوب إلى الله سبحانه من تقصيره في الذب ، والدفاع عن المظلومين ، والمستضعفين في الآية : « وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين » (3) . وقال الإمام عليه السلام : « ما من مؤمن يخذل أخاه ، وهو قادر على نصرته إلا خذله الله في الدنيا ، والآخرة » (4) .
( ومن معروف اسدي إلي فلم أشكره ) شكر المنعم واجب (5) أياً كان ، ويكون تقديساً لمبدأ العطاء من حيث هو ، ومن لا يأخذ ، ولا يعطي فالحيوان خير منه ، لأن الناس ينتفعون به في الكثير من الجهات ، ولا شيء أسوأ ، أو أضر على الإنسانية جمعاء ممن يستهلك ، ولا ينتج كالذين يجولون بين الموائد ، ويتصدرون المجالس ، ويحملون ألقاباً جوفاء ، ولا عمل لهم إطلاقاً إلا مضغ الهوآء .
( ومن مسيء أعتذر إلي فلم أعذره ) ولا من أحد لا يقبل العذر إلا السفيه ، واللئيم ، لأن من طلب منك الصفح فقد اعترف لك بالفضل ، وأقر على نفسه بالنزق ، والعجلة . وفي الأمثال : « ما مسيء من أعتذر » (6) . وقال قائل لرابعة العدوية : أريد التوبة من ذنوبي فهل يقبل الله توبتي ؟ فقالت : إن الله يدعو ، المدبر فكيف يطرد
(1) انظر ، الدعاء الرابع عشر ، فقرة : الظالم كافر .
(2) انظر ، الأذكار النووية : 335 ، فقه السنة : 2 / 611 ، دراسات في الحديث والمحدثين : 147 .
(3) النساء : 75 .
(4) انظر ، أمالي الصدوق : 574 ، البحار : 74 / 312 ح 67 ، كتاب المؤمن : 67 ح 178 ، عقاب الأعمال : 230 .
(5) انظر ، حاشية رد المحتار : 1 / 384 ، الأحكام للآمدي : 1 / 87 ، عصمة الأنبياء للفخر الرازي : 36 .
(6) انظر ، مجمع الأمثال للميداني : 2 / 261 ، طبعة مصر .
في ظلال الصيحيفة السجادية 447

المقبل ؟ (1) .
( ومن ذي فاقة سألني فلم اوثره ) إذا كنت حاجة السائل لضرورة ملحة ، واستيقن المسئول ذلك ، وهو قادر على قضائها ـ وجبت عليه إعانته تماماً كما يجب إنقاذ الغريق ، وإطفاء الحريق . قال الإمام الصادق عليه السلام : « من أتاه أخوه في حاجة يقدر عليها ، فلم يقضها سلط الله عليه شجاعاً ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة » (2) . ومن المعلوم أنه لا عقاب إلا على ترك واجب ، أو فعل محرم .
( ومن حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم أوفره ) ماطلت ، وتهاونت في حقوق الناس علماً بأنها لا تسقط إلا بالوفاء ، أو المسامحة . وقد تقدم (3) .


النحلة ، والخنفساء

( ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره ) . الخنفساء تقتات العذرة ، وتطلبها أنى كانت ، وتكون . . . وتموت من ريح المسك ، والورد ، وتبعث من جديد إذا أعيدت إلى الروث . والجيفة ، على عكس النحلة ، فإنها تنفر من الأقذار ، ولا تحوم إلا على طيب الثمار ، والأزهار . وهكذا الإنسان الطيب يدفن السيئات ، ويذيع الحسنات ، أما ذو السريرة الوخيمة اللئيمة فإنه تماماً كالخنفساء ، يدفن الحسنات ، ويذيع السيئات ، بل ينتعش عنها ، ويطير بها كما تنتعش الجعل إذا هبت عليه ريح الخباثة ،
(1) رابعة العدوية ، البصرية ، الزاهدة ، العابدة ، الخاشعة ، أم عمرو ، رابعة بنت إسماعيل قرة العين للعرفاء ، والصوفية ، عاشت ثمانين سنة ، وتوفيت ( 135 أو 180 ) . انظر ، صفة الصفوة لابن الجوزي : 4 / 300 ، طبقات الأولياء : 35 ، شذرات الذهب : 2 / 110 ، النجوم الزاهرة .
(2) انظر ، الكافي : 2 / 193 ح 5 ، ثواب الأعمال : 296 ، الأختصاص للمفيد : 250 ، أمالي الطوسي : 676 .
(3) انظر ، الدعاء الحادي والثلاثون .
في ظلال الصيحيفة السجادية 448

والنتانة . وفي نهج البلاغة : « لا تعجل في عيب أحد بذنبه ، فلعله مغفور له » (1) . وأيضاً فيه ما معناه : « تعييرك أخاك بالذنب أكبر إثماً من ذنبه » (2) . وفي الأشعار ، والأمثال : « الإناء ينضح بما فيه (3) . . . شبيه الشيء منجذب إليه » (4) . وفي الفلسفة : « الأشياء المتماثلة تؤي إلى نتائج متماثلة (5) . . . الأثر يدل على المؤثر » (6) .
( ومن كل إثم عرض لي فلم أهجره . . . ) كلنا يخطيء ، ولا عيب في الخطأ ، وإنما العيب أن نصر عليه ، ونخادع ، ونكابر ، ومن لا يرجع إلى الإنابة فما له من دواء . وقد تقدم (7) ( واجعل ندامتي على ما وقعت فيه من الزلات . . . ) قسم بعض العارفين الذنوب إلى ثلاثة أقسام :
الأول : ممارسة الحرام بالفعل .
والثاني : عدم الإحتراز ، والتحفظ .
الثالث : الرضا عن النفس ، والطاعة ، والعبادة ، وقول الإمام عليه السلام : ( ما يعرض لي من السيئات ) يعم الجميع . وقد تقدم (8) .
(1) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 23 ، الخطبة ( 140 ) ، عيون الحكم والمواعظ : 550 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9 / 59 ، وسائل الشيعة : 15 / 291 ، بحار الأنوار : 72 / 261 .
(2) انظر ، المصادر السابقة .
(3) انظر ، صفة الصفوة : 1 / 243 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 15 / 139 ، كشف الغمة : 2 / 243 .
(4) انظر ، تاج العروس : 6 / 217 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 4 / 492 و : 6 / 345 ، كشف الخفاء : 2 / 4 .
(5) انظر ، بدائع الصنائع : 5 / 136 ، الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري : 168 .
(6) انظر ، شرح اصول الكافي : 8 / 157 ، حياة الإمام الرضا : 151 ، أحكام الجنائز للألباني : 175 .
(7) انظر ، الدعاء الرابع والعشرون .
(8) انظر ، الدعاء الثاني عشر ، والدعاء الحادي والثلاثون ، وغيرهما .
في ظلال الصيحيفة السجادية 449

الدعاء التاسع والثلاثون / دعاؤه في طلب العفو

الدعاء التاسع والثلاثون

دعاؤه في طلب العفو

أللهم صل على محمد وآله ، واكسر شهوتي عن كل محرم ، وازو حرصي عن كل مأثم ، وامنعني عن أذى كل مؤمن ، ومؤمنة ، ومسلم ، ومسلمة .
أللهم وأيما عبد نال مني ما حظرت عليه ، وانتهك مني ما حجرت عليه ، فمضى بظلامتي ميتاً ، أو حصلت لي قبله حياً ، فاغفر له ما ألم به مني ، واعف له عما أدبر به عني ، ولا تقفه على ما ارتكب في ، ولا تكشفه عما اكتسب بي .
واجعل ما سمحت به من العفو عنهم ، وتبرعت به من الصدقة عليهم . . . أزكى صدقات المتصدقين ، وأعلى صلات المتقربين ، وعوضني من عفوي عنهم عفوك ، ومن دعائي لهم رحمتك ، حتى يسعد كل واحد منا بفضلك ، وينجو كل منا بمنك .
( واكسر شهوتي عن كل محرم ، وازو حرصي . . . ) أللهم أغنني بحلالك عن

في ظلال الصيحيفة السجادية 450

حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك . وقد تقدم : « أللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص ، وسورة الغضب » (1)


كف الأذى

( وامنعني عن أذى . . . ) حث الإسلام على ترك الأذى تماماً كما حث على ترك الكفر ، قال سبحانه : « فلعنة الله على الكافرين » (2) وقال تعالى : « فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين » (3) . . . وقال تعالى : « فأبى الظالمون إلا كفوراً » (4) . وفي كتاب الوسائل عن الإمام الصادق عليه السلام : « أفضل الجهاد من أصبح لا يهم بظلم أحد » (5) . . . قال سبحانه في حديث قدسي : « فليأذن بحرب مني من آذى عبدي » (6) . وفي سفينة البحار قال النبي صلى الله عليه وآله : « تصدق على نفسك بكف الأذى يا أبا ذر » (7). وفي حديث آخر : « على المسلم أن يتصدق عن نفسه في كل يوم . فقيل : ومن يستطيع ذلك يا رسول الله ؟ قال : كلكم يستطيع أن يكف شره عن الناس » (8) .
(1) انظر ، الدعاء الثامن .
(2) البقرة : 89 .
(3) الأعراف : 44 .
(4) الإسراء : 99 .
(5) انظر ، وسائل الشيعة : 16 / 34 ، السرائر : 3 / 615 ، المحاسن : 1 / 292 ، الكافي : 2 / 334 ، شرح اصول الكافي : 9 / 382 ، الجامع الصغير : 2 / 572 ، كنز العمال : 3 / 504 ح 7630 و : 4 / 307 .
(6) انظر ، وسائل الشيعة : 12 / 264 ، المحاسن : 1 / 97 ، الكافي : 2 / 350 ح 1 ، شرح اصول الكافي : 9 / 422 .
(7) انظر ، بحار الأنوار : 78 / 338 ، قريب منه ، مستدرك الوسائل : 2 / 129 و : 4 / 107 .
(8) انظر ، كنز العمال : 6 / 434 ح 16421 ، بالإضافة إلى المصادر السابقة .
في ظلال الصيحيفة السجادية 451

إلى كثير من الأحاديث .
وما من دين ، أو شريعة ، أو مذهب يعطي ، ويثيب على مجرد السلب ، وترك الأذى إلا الإسلام ، فإنه الدين الوحيد الذي قرأنا له العديد من النصوص التي تعتبر كف الأذى فضيلة الفضائل ، ذلك لأنه لا حرب ، ودكتاتورية ، ولا قوي ، وضعيف مع كف الأذى ، وعدم الضغط على الحريات ، بل أمن ، وأمان ، وحرية كاملة لكل إنسان في ان يتعلم ، ويعمل ، ويعيش على جهوده ، ومواهبه كيف شاء ، وأحب بلا حدود إلا حدود الحق ، ولا قيود إلا قيود العدل .
( وأيما عبد نال مني ما حظرت . . . ) : ما منعت ، وانتهك مني : استحل مني وظلامتي بضم الظاء : مظلمتي أي ما حل بي من الظلم ، وقبله بكسر القاف : عنده ، والإمام عليه السلام في هذا الدعاء يعفو عمن اعتدى عليه بجهة من الجهات ، ثم ذهب إلى سبيله مع الأحياء ، أو الأموات دون أن ينتصف منه بوفاء ، أو قصاص ، يعفو عنه لأن العفو سنة الأنبياء ، والأولياء ، وطلباً لعفوه تعالى حيث قال : « وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم » (1) ، وليس معنى هذا أن الظالم لا يعاقب إطلاقاً بعد العفو من المظلوم ، بل يسقط عنه الحق الشخصي ، أما الحق العام ، أو حق الله كما نقول نحن فأمره بيد الله وحده ( واجعل ما سمحت به من العفو . . . ) صدقة زاكية نافعة لي ، وله ( وعوضني من عفوي عنهم عفوك ) أنا ما عفوت إلا طاعة لأمرك ، وطمعاً في عفوك ، ورحمتك ، وقد تقدم (2) .


علي والنص على إمامته

( حتى يسعد كل واحد منا بفضلك وينجو كل منا بمنك ) : بنعمتك ، هو بعفوي ،
(1) النور : 22 .
(2) انظر ، الدعاء الرابع عشر ، فقرة : « وعوضني من ظلمه لي عفوك » .
في ظلال الصيحيفة السجادية 452

وأنا أفوز بعفوك ، وشتان ما بين الصفقتين ! . قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حين ضربه ابن ملجم : « إن أبق فأنا ولي دمي ، وإن أفن فالفناء ميعادي ، وإن أعف فالعفو لي قربة ، وهو لكم حسنة ، فاعفوا « ألا تحبون أن يغفر الله لكم » (1) ، وأيضاً قال لأولاده : أطيبوا طعامه ، وألينوا فراشة (2) .
أي شيء هذا ؟ أجود ، وحلم ، أو أريحية ، وفطرية عربية ، أو طبيعة بشرية ؟ أبداً لا شيء إلا روح علي ، ويقينه بالله ، والرغبة في مرضاته . وبعدها ألف ضربة بسيف الجلاد على رأسه ، ورؤوس أولاده ، وأحفاده . . . وإذا لم يكن هذا الروح ، واليقين هو المنبع ، والمصدر لإمامة علي ، وعصمته . فلا اساس ، ولا مدرك على الإطلاق نصاً كان ، أو إجماعاً .
أللهم ، وأيما عبد من عبيدك أدركه مني درك ، أو مسه من ناحيتي أذىً ، أو لحقه بي ، أو بسببي ظلم ففته بحقه ، أو سبقته بمظلمته ، فصل على محمد وآله ، وأرضه عني من وجدك ، وأوفه حقه من عندك ، ثم قني ما يوجب له حكمك ، وخلصني مما يحكم به عدلك ،
(1) النور : 22 .
انظر ، نهج البلاغة : 3 / 21 ، الكتاب ( 23 ) ، شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني : 4 / 403 ، شرح محمد عبده : 2 / 24 ، الكافي : 1 / 299 ، أنساب الأشراف : 495 ، الطبقات الكبرى : 3 / 37 ، تأريخ دمشق : 42 / 559 ، اسد الغابة : 4 / 37 ، الإمامة والسياسة : 1 / 181 ، الإمام علي صوت العدالة الإنسانية جورج جرداق : 4 / 1004 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 3 / 21 ، الكتاب ( 23 ) ، شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني : 4 / 403 ، شرح محمد عبده : 2 / 24 ، الكافي : 1 / 299 ، أنساب الأشراف : 495 ، الطبقات الكبرى : 3 / 37 ، تأريخ دمشق : 42 / 559 ، اسد الغابة : 4 / 37 ، الإمامة والسياسة : 1 / 181 ، الإمام علي صوت العدالة الإنسانية جورج جرداق : 4 / 1004 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 453

فإن قوتي لا تستقل بنقمتك ، وإن طاقتي لا تنهض بسخطك ، فإنك إن تكافني بالحق . . . تهلكني ، وإلا تغمدني برحمتك . . . توبقني .
( وأيما عبد من عبيدك أدركه مني درك . . . ) أدركه : لحقه ، ودرك بفتح الدال والراء : ما يترتب على الشيء من خير ، وشر ، والمراد به هنا الأذى ، والظلم حيث قال الإمام بلا فاصل : ( أو مسه من ناحيتي أذى ، أو لحقه بي ، أو بسببي ظلم ففته بحقه ) أي قصرت في إرضاء من ظلمته ، والمعنى غيري ظلمني فعفوت عنه ، وأنا أيضاً من ظلمت ، ولم أتسامح منه ، وأرضه بطريق ، أو بآخر ، ولا هو اقتص مني ( وأرضه عني ـ يا إلهي ـ من وجدك . . . ) بضم الواو : الوسع ، والغني ، والمعنى أنت ذو الجلال ، والإكرام ، والغنى ، والإنعام فاتمم علي نعمتك ، وأقض من فضلك عني كل دين ، وحق علي لعبد من عبادك . وقد تقدم (1) .


الكريم لا يدقق

( فإنك إن تكافني بالحق تهلكني ) إذا استقصيت في الحساب ، ودققت فلا ينجو من عدلك ، وعذابك إلا من مننت عليه بالعصمة ( وإلا تغمدني برحمتك توبقني ) : تهلكني . وفي الدعاء الأول : « ولم يعاجلنا بنقمته ، بل تأنانا برحمته تكرماً » . ويأتي في الدعاء (2) : « لا تستطيع حر شمسك ، فكيف تستطيع حر نارك ؟ والتي لا تستطيع صوت رعدك ؛ فكيف تستطيع صوت غضبك » ؟
وقال أعرابي يا رسول الله ! فقال : من يحاسب الخلق يوم القيامة ؟ فقال : الله عزوجل . قال الأعرابي : نجونا ورب الكعبة ! قال : وكيف ذلك يا أعرابي ؟ ! قال :
(1) انظر ، الدعاء الرابع عشر ، والحادي والثلاثون .
(2) انظر ، الدعاء الخمسون .
في ظلال الصيحيفة السجادية 454

لأن الكريم إذا قدر عفا ، وإذا حاسب سامح » (1) .
أللهم إني أستوهبك يا إلهي مالا لم ينقصك بذله ، وأستحملك مالا يبهظك حمله ، أستوهبك ـ يا إلهي ـ نفسي التي لم تخلقها لتمتنع بها من سوء ، أو لتطرق بها إلى نفع ، ولكن أنشأتها إثباتاً لقدرتك على مثلها ، واحتجاجاً بها على شكلها .
وأستحملك من ذنوبي ما قد بهظني حمله ، وأستعين بك على ما قد فدحني ثقله . فصل على محمد وآله ، وهب لنفسي على ظلمها . . . نفسي ، ووكل رحمتك باحتمال إصري ؛ فكم قد لحقت رحمتك بالمسيئين ، وكم قد شمل عفوك الظالمين .
( أللهم إني أستوهبك يا إلهي مالا لم ينقصك بذله . . . ) أستوهبك : أسألك أن تهب لي ، واستحملك : ارفع عني حملي ، وثقلي ، ولا يبهظك : لا يعجزك . يدعو الله الذي لا ينقص العطاء شيئاً من ملكه ، وسلطانه ـ أن يرحمه من فضله بعتق رقبته من النار علماً بأن الإمام عليه السلام لا ذنب له ، وخطيئة ، ولكن يحثنا على التوبة ، والتوسل إليه بخشوع كي يرحم ، ويغفر . وقد تقدم (2) .
( أستوهبك يا إلهي نفسي التي لم تخلقها لتمتنع بها من سوء ، أو لتطرق بها إلى نفع ) تطرق بها بتشديد الراء : اتخذ منها وسيلةً ، وطريقاً ، والمعنى خلقت نفسي ، وأنت غني عنها ، وعن العالمين كما قلت : « إن الله لغنى عن العالمين » (3) ، وقال تعالى :
(1) انظر ، تنبيه الخواطر : 1 / 9 ، كنز العمال : 14 / 628 ح 39749 ، كشف الخفاء : 2 / 110 ح 1925 .
(2) انظر ، الدعاء الثالث عشر .
(3) العنكبوت : 6 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 455

« أنتم الفقرآء إلى الله والله هو الغني الحميد » (1) ، وفي نهج البلاغة : « لم تخلق الخلق لوحشة ، ولا استعملتهم لمنفعة . . . ولا ينقص سلطانك من عصاك ، ولا يزيد ملكك من أطاعك » (2) .
( ولكن أنشأتها إثباتاً لقدرتك على مثلها ، واحتجاجاً بها على شكلها ) أنشأها : خلقها ، والضمير للنفس ، والمعنى أن الله سبحانه خلق النفس ليثبت ، ويثبت القلوب على الإيمان باليوم الآخر ، لأن الذي خلقها أول مرة قادر على أن يبعثها بعد الموت ، وبتعبير أبلغ ، وأجمع : « أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذآ أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون » (3) .
( وأستحملك من ذنوبي . . . ) اغفر لي ذنوبي ، وأرحني من عذابها ، وتقدم قبل لحظة ( وأستعين بك على ما قد فدحني : . . . ) : بهظني ، وأتعبني ، والعطف للتكرار ( وهب لنفسي على ظلمها نفسي ) قال سبحانه : « كل نفس بما كسبت رهينة » (4) . والمرتهن هو الله جل وعز ، والراهن الإنسان ، وعليه يكون الراهن ، والرهينة شيئاً واحداً ، ولذا جعل الإمام عليه السلام الهبة عين الموهوب له ، والعطية نفس المستعطي ( ووكل رحمتك باحتمال إصري ) : ثقلي ، وذنبي ، والمعنى لا يجيرني من ثقل الأوزار إلا رحمتك الواسعة ، فكلني إليها ، ولا تكلني إلى عدلك ، فلا طاقة لنا به .
(1) فاطر : 15 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 1 / 210 ، الخطبة ( 109 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 7 / 194 ، بحار الأنوار : 4 / 318 .
(3) يس : 81 ـ 82 .
(4) المدثر : 38 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 456

وهذا سيد الشهداء الذي أعطى الله كل شيء حتى الأهل ، والأصحاب ، والرأس ، والقلب ، واللحم ، والصدر ، يقول لله : « عدلك مهلكي ، ومن كل عدلك مهربي » (1) . فيا له من درس لشيعتك يا أبا عبد الله ، ولكل من يرى نفسه سعيداً محبوراً ، وشيئاً مذكوراً ! ( فكم قد لحقت رحمتك بالمسيئين ) ما أنا بأول من أذنب ، وأساء فرحمته ، ولا الوحيد الذي رغب إليك فأعطيته ( وكم قد شمل عفوك الظالمين ) عطف تكرار .
فصل على محمد وآله ، واجعلني أسوة من قد أنهضته بتجاوزك عن مصارع الخاطئين ، وخلصته بتوفيقك من ورطات المجرمين ، فأصبح طليق عفوك من إسار سخطك ، وعتيق صنعك من وثاق عدلك ؛ إنك إن تفعل ذلك يا إلهي . . . تفعله بمن لا يجحد استحقاق عقوبتك ، ولا يبريء نفسه من استيجاب نقمتك ؛ تفعل ذلك يا إلهي بمن خوفه منك أكثر من طمعه فيك ، وبمن يأسه من النجاة أوكد من رجائه للخلاص ؛ لا أن يكون يأسه قنوطاً ، أو أن يكون طمعه اغتراراً ، بل لقلة حسناته بين سيئاته ، وضعف حججه في جميع تبعاته .
( واجعلني أسوة من قد أنهضته بتجاوزك . . . ) أسوة بضم الهمزة ، وكسرها : القدوة ، وأنهضته : أقمته ، والمراد بمصارع الخاطئين هنا عذاب الجحيم ، وورطات : جمع ورطة بفتح الواو بمعنى الهلكة ، والقصد رجوتك يا إلهي أن تغفر ، وترحم ، فاستجب رجائي ، ودعائي ، ونجني من عذابك ، واجعلني بذلك قدوة لكل من تاب ، ولاذ برحمتك ( فأصبح طليق عفوك من إسار سخطك . . . ) أبداً لا نجاة من أسر
(1) انظر ، زاد المعاد للمجلسي : 146 ، البلد الأمين : 251 ، كلمات الإمام الحسين عليه السلام : 799 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 457

غضبك ، ونقمتك ، ولا عتق من حكمك العادل إلا أن يصدر العفو منك لا شريك لك ، وقد تقدم (1) .
( إن تفعل ذلك ) إشارة إلى العفو ( تفعله بمن لا يجحد استحقاق عقوبتك . . . ) بل يقر ، ويعترف بالتقصير ، والذنب ( تفعل ذلك يا إلهي بمن خوفه منك أكثر من طمعه فيك . . . ) ذكرنا فيما سبق أن في قلب المؤمن نورين : نور الخوف من نقمة وإن أطاعه ، ونور الرجاء لرحمة الله وإن عصاه . ومن يرجو ثواب الله دون أن يخشى منه فقد طمع في غير مطمع . ومن يخاف الله دون أن يرجوه فقد نفي عنه صفة الحلم ، والرحمة ، والجود ، والمغفرة ! وهذا هو الكفر ، وتقدم ، وأكرر قول سيد الشهداء عليه السلام : « لا ينقطع عنك رجائي وإن عصيتك ، كما أن خوفي لا يزايلني وإن أطعتك » (2) .
وخوف العلماء من الله تعالى يكون على قدر علمهم به ، قال سبحانه : « إنما يخشى الله من عباده العلماؤا » (3) . وفي دعاء عرفة لسيد الشهداء عليه السلام : « أللهم إجعلني أخشاك كأني أراك » (4) ، ولا أحد أعلم بالله سبحانه من النبي صلى الله عليه وآله ، وأهل بيته عليهم السلام . وهنا كان خوف الإمام عليه السلام منه أكثر من طمعه فيه ، وما من شك أن الخوف إذا طغى على الرجاء ضعفت الشهوة ، والعاطفة ، واحجمت النفس ، وارتدعت ، وإذا طغى الرجاء على الخوف طمحت النفس إلى أهوائها ، وملذاتها ، وتجرأت ،
(1) انظر ، الدعاء الثالث عشر ، وغيره .
(2) انظر ، إقبال الأعمال : 339 ، بحار الأنوار : 95 / 227 ، كلمات الإمام الحسين عليه السلام : 805 .
(3) فاطر : 28 .
(4) انظر ، زاد المعاد : 146 ، البلد الأمين : 251 ، جمال الأسبوع : 134 ، مستدرك الوسائل : 10 / 25 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 458

وأقدمت .
( لا أن يكون يأسه قنوطاً . . . ) يقول الإمام عليه السلام : ما أردت بقولي : إن خوفي العذاب أقوى من طمعي في الخلاص منه ـ القنوط من رحمة الله ، كلا ، وألف كلا ، كيف ؟ : « ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون » (1) ، وأيضاً ما أردت بالطمع ما يغري بمعصية الله ، وكل الذي قصدت من ذا وذاك أن سيئاتي أكثر من حسناتي ، وأن لله الحجة علي إن أدب ، وعذب ، ولا حجة لي على الإطلاق . وفي شتى الإحوال ، فإن رجائي من الله لا ينقطع ، وإن عصيته . كما أن خوفي من غضبه لا يزول ، وإن أطعته . وتلقى الإمام عليه السلام هذا الدرس عن أبيه الحسين عن أخيه الحسن عن أبيه أمير المؤمنين عن سيد الكونين عليهم السلام عن الله تقدست أسماؤه .
فأما أنت يا إلهي فأهل أن لا يغتر بك الصديقون ، ولا ييأس منك المجرمون ؛ لأنك الرب العظيم الذي لا يمنع أحداً فضله ولا يستقصي من أحد حقه .
تعالى ذكرك عن المذكورين ، وتقدست أسماؤك عن المنسوبين ، وفشت نعمتك في جميع المخلوقين ، فلك الحمد على ذلك يا رب العالمين .
( فأما أنت يا إلهي فأهل أن لا يغتر بك الصديقون ) : جمع صديق بتشديد الدال ، وهو الذي يفعل ما يقول ، ولا يقول مالا يفعل ، ولا يعرف الكذب بحال . وفي الحديث : « إن الرجل ليصدق فيكتب عند الله صديقاً . . . ومن صدق لسانه زكى عمله » (2) . ومعنى عدم اغترار الصديقين بالله أنهم يخافون من أناته ، وإمهاله ، ولا
(1) الحجر : 56 .
(2) انظر ، الكافي : 3 / 105 ح 8 ، مصادقة الإخوان للصدوق : 76 ، شرح اصول الكافي : 8 / 299 ، =
في ظلال الصيحيفة السجادية 459

يتهاونون بأي ذنب قائلين من غير فهم : الله غفور رحيم « يوم الله يهون الله » . وفي نهج البلاغة : « أشد الذنوب ما استهان به صاحبه » (1) . وقد تقدم (2) .
( ولا ييأس منك المجرمون ؛ لأنك الرب العظيم الذي لا يمنع أحداً فضله . . . ) الله هو الكريم ، والكريم يقيل العثرة ، وهو الرحمن الرحيم ، والرحيم يغيث كل ملهوف ، وهو القوي المتين ، والقوي يعين الضعيف كائناً من كان ، وهو الغني بالذات لا يغيض فضله ، ولا تنقص خزائنه ، ومن كان على هذا الجلال ، والإكرام لا يستقصي ، ولا يدقق . وقد تقدم (3) ، ( وفشت نعمتك في جميع المخلوقين ) حتى الطغاة ، والعتاة ، هذا في الدنيا ، أما في الآخرة فلكل نفس ما كسبت ، وهم لا يظلمون (4) .
= وسائل الشيعة : 8 / 514 ، بحار الأنوار : 68 / 6 ، مسند أحمد : 1 / 430 ، سنن الدارمي : 2 / 300 ، صحيح مسلم : 8 / 29 ، مستدرك الحاكم : 1 / 127 ، السنن الكبرى : 10 / 196 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 6 / 123 .
(1) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 81 ، الحكمة ( 384 ) ، شرح النهج للبحراني : 5 / 467 ، شرح النهج للمعتزلي : 20 / 246 .
(2) انظر ، الدعاء العشرون .
(3) انظر ، هذا الدعاء في فقرة : الكريم لا يدقق .
(4) اقتباساً من الآية 281 من سورة البقرة : « كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون » .
في ظلال الصيحيفة السجادية 460



في ظلال الصيحيفة السجادية 461

الدعاء الأربعون

دعاؤه عند ذكر الموت

أللهم صل على محمد وآله ، واكفنا طول الأمل ، وقصره عنا بصدق العمل . . . حتى لا نأمل استتمام ساعة بعد ساعة ، ولا استيفاء يوم بعد يوم ، ولا اتصال نفس بنفس ، ولا لحوق قدم بقدم ؛ وسلمنا من غروره ، وآمنا من شروره .



( واكفنا طول الأمل ) لا حياة بلا عمل ، ولا عمل بلا أمل ، وكل أمل في نجاح العمل الصالح فهو خير ، وفضيلة . وهذا الأمل هو المقصود بقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « الأمل رحمه ، ولولاه ما أرضعت والدة ولدها ، ولا غرس غارس شجرة » (1) . وفي الأمثال : « غرسوا فأكلنا ، ونغرس فيأكلون » (2) . إن الحياة سلسلة ،
(1) انظر ، كنز العمال : 3 / 491 ح 7560 ، تأريخ بغداد : 2 / 50 ، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : 21 .
(2) انظر ، مجمع الأمثال للميداني : 2 / 324 ، طبعة مصر .
في ظلال الصيحيفة السجادية 462

حلقاتها الأجيال تماماً كالجسم الواحد بأعضائه المتماسكة . . . والأمل المذموم هو الذي يلهي عن الحق ، ويقود إلى الباطل ، والغرور بالعاجل ، والزائل ، وهذا الأمل هو المراد من قوله تعالى : « ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون » (1) ، وإياه عني الإمام عليه السلام بدعائه : واكفنا طول الأمل .
( وقصره عنا بصدق العمل ) وكل عمل يستهدف غاية إلهية ، وإنسانية فهو صدق ، وخير ( حتى لا نأمل استتمام ساعة بعد ساعة . . . ) قضت الحكمة الإلهية أن يجهل الإنسان منتهى أجله حتى إذا خرج من بيته لا يضمن العودة حياً ، وإذا دخله لايدري أيخرج منه واقفاً على قدميه ، أو محمولاً على الأعواد ، بل يتوقع في كل ثانية أن لا يبلغ التي بعدها ، والسر أن ينتهز فرص الخير ، ويعمل لدنياه ، وآخرته معاً ، ولا يسوف ، ويفرط . وفي نهج البلاغة : « ثمرة التفريط الندامة ، وثمرة الحزم السلامة » (2) ، ( وسلمنا من غروره ، وآمنا من شروره ) ضمير الغائب يعود إلى طول الأمل ، ومن شروره البخل ، والحرص ، والجبن ، ونسيان الآخرة .
وانصب الموت بين أيدينا نصباً ، ولا تجعل ذكرنا له غباً .
واجعل لنا من صالح الأعمال . . . عملاً نستبطئ معه المصير إليك ، ونحرص له على وشك اللحاق بك ، حتى يكون الموت مأنسنا الذي نأنس به ، ومألفنا الذي نشتاق إليه ، وحامتنا التي نحب الدنو منها . فإذا أوردته علينا ، وأنزلته بنا . . . فأسعدنا به زائراً ، وآنسنا به قادماً ، ولا تشقنا بضيافته ، ولا تخزنا بزيارته ؛ واجعله باباً من أبواب
(1) الحجر : 3 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 43 ، الحكمة ( 181 ) ، شرح النهج للبحراني : 5 / 339 ، شرح النهج للمعتزلي : 18 / 414 ، شرح النهج لعبده : 3 / 194 ، عيون الحكم والمواعظ : 208 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 463

مغفرتك ، ومفتاحاً من مفاتيح رحمتك .
أمتنا مهتدين غير ضالين ، طائعين غير مستكرهين ، تائبين غير عاصين ، ولا مصرين ، يا ضامن جزاء المحسنين ، ومستصلح عمل المفسدين .
( وانصب الموت بين أيدينا نصباً ) لأن ذكره ، وتصوره يحرك إلى طلب الفضائل ، وعمل الخيرات ، ويمنع من الرذائل ، والموبقات ، وقال الإمام الصادق عليه السلام : « ذكر الموت يميت الشهوات ، والأهواء ، ويقطع منابت الغفلة ، ويقوي القلب بمواعيد الله ، ويطفيء نار الحرص » (1) ، ( ولا تجعل ذكرنا له غباً ) : قليلاً بل دائماً وفي كل حين ( واجعل لنا من صالح الأعمال . . . ) ما ننال به الكرامة ، والسعادة يوم نلقاك بحيث نتعجل الموت لنحظى بالفوز العظيم ، وكل محق يستبشر بالموت ليفوز بما عند الله . وحين قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : « كيف صبرك إذا أتتك الشهادة ؟ قال : ليس هذا من مواطن الصبر ، ولكن من مواطن البشرى ، والشكر » (2) ، ولذا قال عندما ضربه ابن ملجم : « فزت ورب الكعبة » (3) .
( ونحرص له على وشك اللحاق بك ) أي اللحاق بأجره تعالى ، وثوابه ،
(1) انظر ، مستدرك الوسائل : 2 / 105 ، مكارم الأخلاق : 464 ، بحار الأنوار : 6 / 133 ح 32 ، مصباح الشريعة : 171 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 50 ، الخطبة ( 156 ) ، المحتضر للحلي : 40 ، اسد الغابة : 4 / 34 ، نهج السعادة : 1 / 383 ، المعجم الكبير : 11 / 295 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9 / 205 ، كنز العمال : 18 / 194 .
(3) انظر ، فضائل الصحابة لأحمد : 58 ، أنساب الأشراف : 488 ، اسد الغابة : 4 / 38 ، تأريخ مدينة دمشق : 42 / 561 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9 / 207 ، مسند أحمد بن حنبل : 3 / 137 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 464

والمعنى اجعلنا يا إلهي من أهل الحق ، والخير الذين يحبون الموت ، ويحرصون عليه للوصول إلى أجرك ، وثوابك بعد أن أعدوا له عدته . وفي نهج البلاغة : « أعدوا للموت عدته ، فإنه يأتي بأمر عظيم ، وخطب جليل ، بخير لا يكون معه شر أبداً ، أو بشر لا يكون معه خير أبداً » (1) ، ولكل أهل ( حتى يكون الموت مأنسنا الذي نأنس به . . . ) كل من أتقى الله ، وكان على بينة من أمره يأنس بالموت ، ويألفه ، ويستعجله ، لأن ما عند الله خير ، وأبقى ( وحامتنا ) : خاصتنا .
( فإذا اوردته علينا فأسعدنا به . . . ) أبداً لا خوف على الذين اتقوا ، وعملوا الصالحات ، ولا هم يحزنون عند الإحتضار ، وبعد الموت ، بنص القرآن الكريم : « الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون » (2) أما الذين عملوا السيئات فلهم الويل ، وأليم العذاب : « فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا مآ أسخط الله وكرهوا رضوانه فاحبط أعمالهم » (3) ( واجعله باباً من أبواب مغفرتك ، ومفتاحاً . . . ) : طريقاً يؤدي إلى رحمة الله ، وغفرانه ، وجنته ، ورضوانه .
وبعد ، فقد جاء في الأخبار ، والآثار أن الإنسان يستجمع مشاعره بالكامل قبل الموت بلحظة ، ويتلهف على ما فات ، ويود لو استطاع أن يتدارك ، ولكن جاء الأجل الذي لا يتقدم ، ولا يتأخر ، والعاقل يأخذ بالحزم ، ويستعد قبل الحتف ، ولا يغتر بجاه ، ومال ، وصحة ، وشباب . وهو سبحانه المسؤول أن يشملنا بإفضاله بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وآله ( عليهم السلام ) . عليهم أزكى ، الصلوات .
(1) انظر ، نهج البلاغة : 3 / 28 ، الكتاب ( 27 ) ، نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 15 / 162 ، تحف العقول : 178 .
(2) النحل : 32 .
(3) محمد : 27 ـ 28 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي