في ظلال الصيحيفة السجادية 419

الدعاء الثالث والثلاثون

دعاؤه في الاستخارة

أللهم إني أستخيرك بعلمك فصل على محمد وآله ، واقض لي بالخيرة ، وألهمنا معرفة الاختيار ، واجعل ذلك ذريعة إلى الرضا بما قضيت لنا ، والتسليم لما حكمت ؛ فأزح عنا ريب الارتياب ، وأيدنا بيقين المخلصين ، ولا تسمنا عجز المعرفة عما تخيرت ، . . . فنغمط قدرك ، ونكره موضع رضاك ، ونجنح إلى التي هي أبعد من حسن العاقبة ، وأقرب إلى ضد العافية .


معنى الاستخارة

( أللهم إني أستخيرك بعلمك . . . ) معنى الاستخارة طلب ما يوجب العزم على ما فيه الخير ، والصلاح ، وهذا هو مراد الإمام عليه السلام من قوله : ( وألهمنا معرفة الإختيار ) أنت ، ونحن يا إلهي كما قلت : « والله يعلم وأنتم لا تعلمون » (1) فاختر لنا
(1) آل عمران : 66 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 420

ما يرضيك ، وينفعنا ( واجعل ذلك ذريعةً . . . ) انهج بنا سبيل الرضا ، والتسليم بحكمك ، واليقين بحكمتك من غير شك ، وريب ( ولا تسمنا عجز المعرفة عما تخيرت ) لا تجعلنا عاجزين عن معرفة ما يرضيك ( فنغمط قدرك . . . ) إن لم تحسن إلينا ، وتؤيدنا بالتوفيق إلى ما تحب قصرنا في طاعتك ، وتقدير عظمتك حق قدرها ، وكل ذلك شر علينا ، ووبال . . . وأنت تعاليت الغني الحميد ، والعزيز المجيد .


موضوع الاستخارة

لا مكان للإستخارة فيما أمر به الشارع ، أو نهى عنه ، ولا مع العلم بأنه منفعة ، أو مضرة . بل مكانها ، وموضوعها الجهل ، والحيرة .


غايتها

والغاية منها إزالة الشك ، والتردد ، والعزم على الترك ، أو الفعل مع التوكل عليه سبحانه .


حكمها

ذهب أكثر الفقهاء إلى شرعيتها ، وكثير منهم قال : هي مستحبة إستناداً إلى روايات عن أهل البيت عليهم السلام .


أقسامها

ولها أقسام ثلاثة :
1 ـ إستخارة ذات الرقاع (1) ، وصورتها المتداولة هي ست أوراق صغار ، على 3
(1) انظر ، أمالي الطوسي : 2 / 76 ، بحار الأنوار : 47 / 164 ح 4 و : 88 / 287 ، وسائل الشيعة : =
في ظلال الصيحيفة السجادية 421

منها أفعل ، و3 لا تفعل مع البسملة ، وهذه الجملة : خيرة من الله العزيز الحليم لفلان ابن فلان ، ثم صلاة ركعتين تقرباً إلى الله ، والسجود بعدهما مع القول مئة مرة : إستخير الله برحمته خيرة بعافية ، ثم الجلوس ، ويقول : أللهم إختر لي في جميع أموري يسراً منك ، وعافية ، ثم يخرج المصلي الاوراق من تحت مصلاه واحدة فواحدة ، فإن توالت الثلاث بإفعل فهي خير محض ، وإن توالت بلا تفعل فهي شر محض ، وإن تنوعت بين أفعل ولا تفعل أخرج خمس أوراق ، وترك السادسة ، فإن كانت 3 أفعل و 2 لا تفعل فخير ، والعكس بالعكس .
وأنكر ابن إدريس هذه الاستخارة في سرائره (1) .
2 ـ الاستخارة بالقرآن ، وهي أن تقرأ سورة التوحيد ، وتصلي على النبي وآله 3 مرات . وتفتح كيف اتفق ، وتقرأ السطر الأول من الصفحة اليمنى ، وتاخذ بالمدلول الظاهر في خير ، أو شر . (2)
3 ـ الاستخارة بحبات المسبحة ، وهي أن يصلي المستخير على النبي وآله 3 مرات ، ثم يقبض مجموعة من الحبات ، ويعد إثنتين إثنتين ، فإن بقيت واحدة فأفعل ، وإن إثنتان فلا تفعل ، وقيل : إن هذه الاستخارة مروية عن الإمام الصادق عليه السلام . وعن العلامة المجلسي عن والده عن شيخه البهائي : أنه قال : سمعنا ذلك مذاكرة من
= 5 / 201 ح 1 ، جامع البيان للطبري : 6 / 49 ، الكشاف للزمخشري : 604 ، قاعدة القرعة لحسين الكرمي : 279 .
(1) انظر ، السرائر : 1 / 314 ، رسالة الاستخارة لأبي المعالي الكلباسي : 1 ، جواهر الكلام : 12 / 168 .
(2) انظر ، شرح اصول الكافي : 11 / 283 ، وسائل الشيعة : 4 / 875 ح 7819 ، مستدرك الوسائل : 8 / 105 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 422

مشايخنا عن القائم عليه السلام (1) . ومثله ، أو قريب في مفتاح الكرامة (2) .
أما نحن فلم نر ما نركن إليه ، ولكن وجدنا علماءنا على الإستخارة ، وإنا على آثارهم مقتدون . وفي شتى الحالات فإن المسألة عقيدة ، وإيمان ، لا مسألة بينة ، وبرهان ، ومهما يكن فلا لزوم ، ولا التزام بالشفع ، والوتر .
حبب إلينا ما نكره من قضائك ، وسهل علينا ما نستصعب من حكمك ، وألهمنا الانقياد لما أوردت علينا من مشيتك ، حتى لا نحب تأخير ما عجلت ، ولا تعجيل ما أخرت ، ولا نكره ما أحببت ، ولا نتخير ما كرهت .
واختم لنا بالتي هي أحمد عاقبةً ، وأكرم مصيراً ؛ إنك تفيد الكريمة ، وتعطي الجسيمة ، وتفعل ما تريد ؛ وأنت على كل شيء قدير .
( حبب إلينا ما نكره . . . ) لله سبحانه حقوق ، وتكاليف على عباده ، والحق ثقيل ، والتكليف كلفة ، وصعوبة بخاصة الصوم ، والزكاة ، والخمس ، والجهاد ، هذا من الواجبات ، أما المحرمات فهي أشد صعوبة ، لأنها تستدعي قهر النفس ، وكبحها عن كثير من المنافع ، والملذات ، والمرء مشدود بميوله الشخصية تلقائياً ، ومن هنا قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وهو عائد من بعض غزواته : « رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر » (3) وهو جهاد النفس .
(1) انظر ، بحار الأنوار : 88 / 265 و : 109 / 150 ، شرح اصول الكافي : 12 / 329 ، مستدرك الوسائل : 6 / 265 .
(2) انظر ، مفتاح الكرامة : 2 / 278 باب الصلاة .
(3) انظر ، حاشية رد المحتار : 4 / 295 ، شرح اصول الكافي : 8 / 51 ، مسند الرضا : 124 ، جامع =
في ظلال الصيحيفة السجادية 423


والإمام عليه السلام يدعو الله سبحانه أن يعينه على نفسه ، وعلى كل ما يعجز عنه من الخيرات ، والصالحات ، وأن تستسلم لعدله تعالى ، وحكمته العليا ، في ما كتبه عليها تشريعاً ، وتكويناً حتى ولو كان هلاكه ، وهلاك المال ، والعيال ، ومن أدعية جده أمير المؤمنين عليه السلام : « نستعين بالله على رعاية حقوقه » (1) ، وفي دعاء آخر : « نستعينه على هذه النفوس البطاء عما أمرت به ، السراع إلى ما نهيت عنه » (2) . وقد تقدم (3) .
( حتى لا نحب تأخير ما عجلت . . . ) قد يأمر سبحانه بتعجيل أمر لمصلحة في تعجيله ، فيود العبد التأجيل ، ومن أمثلته ، ما حكاه سبحانه عن بعض الصحابة في الآية : « وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولآ أخرتنا إلى أجل قريب » (4) . وأيضاً قد يطلب العبد من خالقه أمراً فيؤخره تعالى إلى أمد ، أو يدخر له في الآخرة ، فيتضايق ويقول : « ربي أهانن » (5) ! والمؤمن المخلص يتهم نفسه ، ويرى الخير فيما إختاره تعالى عاجلاً كان أم آجلاً ( واختم لنا بالتي هي أحمد ) المهم أن لا ينزل علينا غضبه ، وأن يميتنا على مرضاته بالنبي وآله عليهم تحياته ، وصلواته .
= الأخبار : 118 ، بحار الأنوار : 67 / 71 ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 10 / 54 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 3 / 141 .
(1) انظر ، نهج البلاغة : 1 / 193 ، الخطبة ( 100 ) ، شرح اصول الكافي : 12 / 506 ، شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني : 3 / 6 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي : 7 / 84 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 1 / 223 ، الخطبة ( 114 و 133 ) ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 7 / 250 .
(3) انظر ، الدعاء الخامس عشر ، والحادي والعشرون .
(4) النساء : 77 .
(5) الفجر : 16 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 424



في ظلال الصيحيفة السجادية 425

الدعاء الرابع والثلاثون

دعاؤه إذا ابتلي أو رأى مبتلىً بفضيحة أو بذنب

أللهم لك الحمد على سترك بعد علمك ، ومعافاتك بعد خبرك ، فكلنا قد اقترف العائبة فلم تشهره ، وارتكب الفاحشة فلم تفضحه ، وتستر بالمساوي فلم تدلل عليه .
كم نهي لك قد أتيناه ، وأمر قد وقفتنا عليه فتعديناه ، وسيئة اكتسبناهاً ، وخطيئة ارتكبناها ، كنت المطلع عليها دون الناظرين ، والقادر على إعلانها فوق القادرين ، كانت عافيتك لنا ححاباُ دون أبصارهم ، وردماً دون أسماعهم .
( أللهم لك الحمد على سترك . . . ) واضح ، وقد تقدم (1) . ( ومعافاتك بعد خبرك ) تلقيت من عصاك بالحلم ، ولم تعاجله بالنقمة ، وقال سبحانه : « ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دآبة » (2) . وبعض الحمقى يتعرضون على
(1) انظر ، الدعاء السادس عشر ، وغيره .
(2) فاطر : 45 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 426

هذه السياسة الإلهية (1) . ( قد اقترف العائبة . . . ) عطف تكرار ( كم نهي لك . . . ) نهيت عن الحرام فارتكبناه ، وأمرت بالواجب فتكرناه . وقد تقدم (2) ، ( كنت المطلع عليها . . . ) لقد أخفيت كثيراً من ذنوبي ، وعيوبي عن عبادك ، ولو شئت يا إلهي أن تفضحني على رؤوس الأشهاد لفعلت ، ولكن ( كانت عافيتك لنا حجاباً ) عافيتك : إعفاؤك لي من الفضيحة ( ردماً ) : حاجزاً .
فاجعل ما سترت من العورة ، وأخفيت من الدخيلة . . . واعظاً لنا ، وزاجراً عن سوء الخلق ، واقتراف الخطيئة ، وسعياً إلى التوبة الماحية ، والطريق المحمودة ، وقرب الوقت فيه ، ولا تسمنا الغفلة عنك أنا إليك راغبون ، ومن الذنوب تائبون .
وصل على خيرتك أللهم من خلقك محمد وعترته الصفوة من بريتك الطاهرين ، واجعلنا لهم سامعين ، ومطيعين كما أمرت .
( فاجعل ما سترت من العورة ) كل شيء تستره عن الناس أنفة ، وحياة فهو عار وعورة ( وأخفيت من الدخيلة ) : السر ، والسريرة ( واعظاً لنا ، وزاجراً عن سوء الخلق . . . ) يعصي العبد فيستر سبحانه ، ويمهل كي يستدرك ، ويستبدل المعصية بالطاعة ، والتوبة ، والسعيد من يغتنم فرصة الإمهال ، فيتوب ، ويصلح ، ويأمن عذاب السعير ، والشقي يغتر بالستر ، والإمهال ، ويتمادى في الغي ، والضلال ، فيأخذه الله فذنبه إلى جهنم وبئس المصير .
(1) انظر ، الدعاء الأول .
(2) انظر ، الدعاء الثاني والثلاثون .
في ظلال الصيحيفة السجادية 427

الدعاء الخامس والثلاثون

دعاؤه في الرضا بالقضآء

الحمد لله رضى بحكم الله ، شهدت أن الله قسم معايش عباده بالعدل ، وأخذ على جميع خلقه بالفضل . أللهم صل على محمد وآله ، ولا تفتني بما أعطيتهم ، ولا تفتنهم بما منعتني ، فأحسد خلقك ، وأغمط حكمك .
( الحمد لله رضى بحكم الله ) هذا هو شعار أهل البيت عليهم السلام : « رضا الله رضانا . . . لك العتبى حتى ترضى » (1) تماماً كما قال جدهم المصطفى ، صلى الله عليه وآله وسلم : « إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي » (2) ( شهدت أن الله قسم معايش عباده بالعدل ) والعدل عدلان : عدل في المواساة ، وعدل في النظام يوضع كل شيء في موضعه بدقة ،
(1) انظر ، شرح الأخبار : 3 / 146 ، مثير الاحزان : 29 ، اللهوف : 23 .
(2) انظر ، كنز العمال : 2 / 175 ح 3613 ، البداية والنهاية : 3 / 166 ، بحار الأنوار : 19 / 22 ، نهج السعادة : 6 / 238 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 2 / 151 ، تفسير القرطبي : 16 / 211 ، تفسير ابن كثير : 4 / 176 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 428

وحكمة : « قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى » (1) والمراد بالعدل هنا عدل النظام ، والحكمة . وفي شتى الأحوال فإن الله سبحانه بسط الرزق لجميع الخلائق ، وقدر الأقوات تبعاً لسد الحاجات ، والفقر من صنع الأرض لا من صنع السماء بنص الصادق عن آبائه عن جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « ما افتقر الناس ، وما احتاجوا ، وما جاعوا ، ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء » (2) وقد تقدم (3) .
( ولا تفتني بما أعطيتهم ) اكفني ما أهمني ، ولا تبتلني بالفقر ، وحسد الأغنياء ، وأهل الثراء ( ولا تفتنهم بما منعتني ) إذا منعت عني فضلك ، وقدرت أن أعيش فقيراً وضعيفاً ، فلا اعتراض ، ولكن إحفظ مقامي بين الناس ، ولا تبتل أحداً منهم بالعدوان على حقي ، وكرامتي ، وقال سيد الشهداء عليه السلام : « وفي نفسي فذللني ، وفي أعين الناس فعظمني » (4) .
أللهم صل على محمد وآله ، وطيب بقضائك نفسي ، ووسع بمواقع حكمك صدري ، وهب لي الثقة لاقر معها بأن قضاءك لم يجر إلا بالخيرة ، واجعل شكري لك على ما زويت عني . . . أوفر من شكري إياك على ما خولتني .
واعصمني من أن أظن بذي عدم خساسة ، أو أظن بصاحب ثروة
(1) طه : 50 .
(2) انظر ، الرسالة السعدية : 157 ، وسائل الشيعة : 6 / 4 ، من لا يحضره الفقيه : 2 / 7 ، مدارك الأحكام : 5 / 8 .
(3) انظر ، الدعاء الأول : فقرة الرزق .
(4) انظر ، إقبال الأعمال : 1 / 306 و : 2 / 79 ، العدد القوية للحلي : 376 ، بحار الأنوار : 94 / 318 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 429

فضلاً ، فإن الشريف من شرفته طاعتك ، والعزيز من أعزته عبادتك . فصل على محمد وآله ، ومتعنا بثروة لا تنفد ، وايدنا بعز لا يفقد ، وأسرحنا في ملك الأبد .
إنك الواحد الأحد الصمد الذي لم تلد ، ولم تولد ، ولم يكن لك كفواً أحد .
( وطيب بقضائك نفسي . . . ) الرضا بقضائه تعالى ، وسعة الصدر لحكمه ، والثقة الكاملة بعدله ، وحكمته ، كل ذلك ، ونحوه معناه التسليم المطلق لأمره بلا اعتراض ، ولا طلب التعليل ، والتبرير بأفهامنا ، وآرائنا ، لأن الله سبحانه حق ، وعلم بالذات ، وعلى حد قول الفارابي : « علم كله ، والعلم بالذات لا يعلل بالاجتهاد ، والحق من حيث هو لا يبرر بما يجوز الباطل عليه » (1) . وقد تقدم (2) .
( بأن قضاءك لم يجر إلا بالخيرة ) أي لا يقضي سبحانه ، ويحكم إلا بالأفضل الأكمل ، ولا يسخط على حكمه إلا ناقص ، وجاهل ( واجعل شكري لك على ما زويت ) : صرفت ، ومنعت ، ومعناه وما بعده أنا عبدك الذاكر الشاكر أعطيت أم أمسكت ، لأن إمساكك عني لم يكن عن غفله ، وإهمال ، بل لمصلحة ، أنت بها أدرى ، وأعلم ، وفي دعاء الافتتاح : « فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك ، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور . . . فارحم عبدك الجاهل » (3) .
(1) أبو نصر الفارابي إسماعيل بن حماد الفارابي كان من أذكياء العالم وأعاجيب الدنيا لأنه كان من الفاراب إحدى بلاد الشرك من عشيرة تركية ، ولع باللغة العربية ، وأسرارها ، وأخذ يطوف من مظان وجوده ، وأخذ عن السيرافي ، والفارسي ( ت 393 هـ ) . انظر ، الكنى والألقاب : 1 / 144 ، شرح الإشارات : 3 / 315 .
(2) انظر ، الدعاء الرابع عشر ، وغيره .
(3) انظر ، مصباح المتهجد : 564 ، نهاية الاحكام : 3 / 89 ، إقبال الأعمال : 1 / 139 ، بحار الأنوار : 95 / 44 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 430



مقياس الفضيلة

( واعصمني من أن أظن بذي عدم خساسةً . . . ) ومن احتقر فقيراً لفقره فهو الخسيس الحقير ، لأن الفضيلة لا تقاس بالبطون ، والليرات ، ولا بالجدود ، والآباء ، ولا بقاذفات القنابل ، ومدمرات المنازل على رؤوس أهلها المساكين ( فإن الشريف من شرفته طاعتك ، والعزيز من أعزته عبادتك ) وما عبد الله عابد ، ولا أطاعه طائع بمثل كف أذاه عن الناس . . . أللهم إلا من أٍسدى لاخيه معروفاً ، أو نفس عنه كربة ، أو قضى له حاجة (1) . . . وهذا هو الساكن ، والمقيم في ظل العرش العظيم ، وكنف العز القديم يوم لا عرش إلا عرشه ، ولا عز إلا عزه .
( ومتعنا بثروة لا تنفد ) وكل ثروة نافدة بائدة إلأ ثروة العمل الصالح النافع بدليل قوله تعالى : « فأما الزبد فيذهب جفآء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال » (2) ، ( وأيدنا بعز لا يفقد ) ولا عز لجاه ، أو مال ، ولا لجبة ، ولحية ، ولا لجنس ، وعرق ، بل للإخلاص ، والصدق ، والجهاد ، وكلمة الحق ضد الطغيان ، والعدوان .
( وأسرحنا في ملك الأبد ) أي في أرضك ، وملكك بدليل قول الإمام عليه السلام بلا فاصل : ( إنك الواحد الأحد . . . ) وقوله : « وخلق لهم النهار مبصراً ليبتغوا فيه من فضله ، وليتسببوا إلى رزقه ؛ ويسرحوا في أرضه » (3) . وعليه يكون المعنى مدنا يا إلهي بالقوة ، والمعونة كي ننتشر في أرضك ، ونبتغي من فضلك إمتثالاً لأمرك وقولك : « فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون » (4) .
(1) انظر ، مستدرك الوسائل : 12 / 298 ، بحار الأنوار : 48 / 174 ، المعجم الأوسط : 2 / 86 .
(2) الرعد : 17 .
(3) انظر ، الدعاء السادس .
(4) الجمعة : 10 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي