في ظلال الصيحيفة السجادية 401

الدعاء الثاني والثلاثون

دعاؤه في صلاة الليل

أللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود ، والسلطان الممتنع بغير جنود ولا أعوان ؛ والعز الباقي على مر الدهور ، وخوالي الأعوام ، ومواضي الأزمان ، والأيام ، عز سلطانك عزاً لا حد له بأولية ، ولا منتهى له بآخرية ، واستعلى ملكك علواً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده ؛ ولا يبلغ أدنى ما استأثرت به من ذلك أقصى نعت الناعتين .
( أللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود ، والسلطان ) كل شيء سوى الله سبحانه فهو مملوك له ، ومتسلط عليه بلا حد ، ونهاية ، وتنفذ فيه مشيئته مطلقاً ، وكيف شاء وجوداً ، وعدماً ( الممتنع بغير جنود ، ولا أعوان ) ولماذا الجنود ، والأعوان وهو خالقهم ، وخالق كل شيء ؟ هذا إلى الأعوان لرد العدوان ، ولا عدوان عليه ، ولا منه ( والعز الباقي على مر الدهور . . . ) العز : القوة ، والغلبة ، وهي لله وحده ثابته له أبداً ، ودائماً ، لأنها بالذات لا بالواسطة ، وأية عزة في غيره فهي به ، ومنه تعالى .
( واستعلى ملكك . . . ) العظيم يقهر ، ولا يقهر ( ولا يبلغ أدنى ما استأثرت به

في ظلال الصيحيفة السجادية 402

من ذلك أقصى نعت الناعتين ) استأثر بالشيء : اختص به دون سواه ، وذلك إشارة إلى علوه الأعلى ، وشأنه الأسنى ، والمعنى تعجز عن وصفه تعالى أوهام الواصفين تماماً كما عجزت عن رؤيته أبصار الناظرين . وفي نهج البلاغة : « إن كنت صادقاً أيها المتكلف لوصف ربك ، فصف جبريل ، وميكائيل ، وجنود الملائكة المقربين » (1) . ولذا قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « تفكروا في خلق الله ، ولا تفكروا في ذات الله » (2) .
ضلت فيك الصفات ، وتفسخت دونك النعوت ، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام .
كذلك أنت الله الأول في أوليتك ، وعلى ذلك أنت دائم لا تزول ، وأنا العبد الضعيف عملاً . . . الجسيم أملاً ؛ خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصله رحمتك ، وتقطعت عني عصم الآمال إلا ما أنا معتصم به من عفوك ، قل عندي ما أعتد به من طاعتك ، وكثر علي ما أبوء به من معصيتك ، ولن يضيق عليك عفو عن عبدك وإن أساء . . . فاعف عني .
(1) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 106 ، الحكمة ( 182 ) ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 10 / 88 ، بحار الأنوار : 4 / 314 .
(2) انظر ، الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي : 1 / 514 ح 3347 و 3349 ، ولكن بلفظ ( ولا تفكروا في الله فتهلكوا ) ، وكنز العمال : 3 / 106 ح 5705 و 5708 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي : 3 / 345 و 347 ، كشف الخفاء للعجلوني : 1 / 311 ، تفسير الميزان : 4 / 90 و : 19 / 53 ، تفسير ابن كثير : 4 / 411 ، الدر المنثور : 2 / 110 و : 6 / 130 ، مجمع الزوائد : 1 / 81 ، إتحاف السادة المتقين : 1 / 162 و : 6 / 536 ، ذيل تأريخ بغداد : 3 / 147 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 403


( ضلت فيك الصفات . . . ) الخالق أجل ، وأعظم من أن يدرك المخلوق كنه صفاته فإن وصفه من تلقائه ، وعندياته فوصفه جهالة ، وضلالة ، قال عز من قال : « سبحانه وتعالى عما يصفون » (1) وقال الإمام السجاد عليه السلام برواية الكافي : « لو اجتمع أهل السماء ، والأرض أن يصفوا الله بعظمته لم يقدروا » (2) . وليس معنى هذا أن لا نصف الله بشيء إطلاقاً وإلا لزم التعطيل ، بل يجب وصفه بما وصف به نفسه في كتابه . قال الإمام الكاظم عليه السلام : « صفوه بما وصف به نفسه ، وكفوا عما سوى ذلك » (3) .
( أنت الله الأول في أوليتك ، وعلى ذلك أنت دائم لا تزول ) كان الله ولم يكن معه شيء لأوليته ، وأزليته ، ويبقى بعد فناء كل شيء لدوامه ، وأبديته ، وفي الآية من الحديد « هو الأول والآخر والظاهر والباطن » (4) . وقد تقدم في الدعاء الأول .


من رضي عن نفسه أسخط الله عليه

( وأنا العبد الضعيف عملاً ) لك ، وفي طاعتك ( الجسيم أملاً ) برحمتك ، ومغفرتك ، وفي دعآء آخر للإمام السجاد عليه السلام : « إني بمغفرتك ، ورحمتك أوثق مني بعملي » (5) . وفي هذا دلالة واضحة على أن ثواب الله ، ورضوانه لا ينبغي أن يطلب
(1) الأنغام : 100 .
(2) انظر ، الكافي : 1 / 102 ح 4 ، شرح اصول الكافي : 3 / 209 .
(3) انظر ، الكافي : 1 / 102 ح 6 ، شرح اصول الكافي : 3 / 95 ، مستدرك الوسائل : 12 / 252 ، الفصول المهمة في اصول الأئمة للحر العاملي : 172 ، إختيار معرفة الرجال للطوسي : 2 / 564 ، بحار الانوار : 3 / 266 .
(4) الحديد : 3 .
(5) انظر ، إقبال الأعمال : 1 / 319 ، بحار الأنوار : 98 / 126 ، التهذيب : 3 / 81 ، الكافي : 5 / 46 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 404

بالعمل الصالح وحده وكفى ، بل به ، وبالثقة ، وحسن الظن بفضله تعالى ، ورحمته ، ومعنى هذا أن كل من رأى نفسه شيئاً مذكوراً أمام الله ، وعند الله فما هو بشيء ، وإن عمل ألوف الصالحات إن الله تعالى لا يرضى كل الرضا إلا عمن يتوكل عليه وعلى رحمته لا على عمله بالخصوص دون سواه ، وإلا عمن يرجو فضله لا على سبيل الحتم ، واللزوم (1) . أجل لا بد أن يستشفع لديه ، ويتوسل إليه بالعمل الصالح ليحظى بالثواب ، والرضا . وفي الحديث : « من رأى إنه مسيء فهو محسن » (2) ، والعكس أي من رأى نفسه محسناً فهو مسيء ؛ لأنه قد تعالى ، وتعاظم ، ومن الحكم الخالدة : « أحمق الحمق الأغترار ، الغرور ، الفجور (3) . . . ردع النفس عن تسويل الهوى شيمة العقلاء ، وردع النفس عن الهوى هو الجهاد الأكبر (4) . . . عشق النفس للنفس هو المرض للنفس » (5) .
وبهذا نجد تفسير قول الإمام السجاد عليه السلام : ( خرجت من يدي أسباب
(1) انتهيت من التنقيب ، والبحث الدؤوب طوال عشرات السنين في آثار آل الرسول صلى الله عليه وآله ، إلى الإيمان أن الله سبحانه لا يقبل الدعاء ، والطلب ـ حتى من المحق ، والمطيع ـ إلا بأسلوب يليق بعظمته كالتذلل ، والتصاغر ، والإعتراف بالتقصير ، وأن السائل المتوسل لا يستحق شيئاً على الإطلاق ، وإنما يسترحم الرحمن الرحيم ، ويستغفر الجواد الحليم ، ولا يصطدم هذا مع ما أوجبه سبحانه على رحمته ، وفضله من جزاء الإحسان بمثله .
(2) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 20 / 317 ، الحكمة ( 641 ) .
(3) انظر ـ عيون الحكم والمواعظ : 293 ، غرر الحكم : الحكمة ( 5723 ) ، كشف الخفاء : 1 / 132 ، المعجم الكبير : 3 / 26 ، كنز العمال : 5 / 633 ح 14114 ، إعجاز القرآن للباقلاني : 137 .
(4) انظر ، غرر الحكم : الحكمة ( 5393 ) ، مستدرك الوسائل : 12 / 114 ، عيون الحكم والمواعظ : 270 .
(5) انظر ، كتاب علاج النفس لمحمد بن إبراهيم المويلحي ، طبعة الأهرام .
في ظلال الصيحيفة السجادية 405

الوصلات . . . ) أبداً لا أملك أي عمل أعتصم به ، وأتوصل ، وأعتمد عليه ، وأتوكل لبلوغ ثوابك ، ومرضاتك إلا عفوك ، ورحمتك ، وبقول سيد الشهداء والد الإمام السجاد : « مني ما يليق بلؤمي ، ومنك ما يليق بكرمك » (1) ( قل عندي ما أعتد به . . . ) إن يك لي شيء من الحسنات فإن سيئاتي طغت عليها ، وفاقتها كماً ، وكيفاً ، ولكن ( ولن يضيق عليك عفو عن عبدك وإن أساء ) عفوك أوسع بكثير من سيئات المذنبين ، وذنوب المسيئين . وفي شعر المناجاة (2) .
إلهي لئن جلت وجمت خطيئتي فعفوك عن ذنبي أجل وأوسع

أللهم وقد أشرف على خفايا الأعمال علمك ، وانكشف كل مستور دون خبرك ، ولا تنطوي عنك دقائق الأمور ، ولا تعزب عنك غيبات السرائر .
( أللهم وقد أشرف على خفايا الأعمال علمك . . . ) أشرف على الشيء : اطلع عليه من علو ، ودون خبرك بضم الخاء : عند علمك . ودقائق الأمور : صغارها ، وغوامضها ، ولا يعزب : لا يغيب ، وغيبات السرائر : ما تكنه الصدور ، والمعنى أنت يا إلهي تعلم ما أخفيت ، وسترت حتى خطرات الفكر ، وعزيمات القلب .
وقد استحوذ علي عدوك الذي استنظرك لغوايتي . . . فأنظرته ، واستمهلك إلى يوم الدين لإضلالي . . . فأمهلته ، فأوقعني ؛ وقد هربت إليك من صغائر ذنوب موبقة ، وكبائر أعمال مردية .
(1) انظر ، صحيفة الإمام الحسين عليه السلام : 210 ، بحار الأنوار : 95 / 225 ، كلمات الإمام الحسين عليه السلام : 803 .
(2) انظر ، نهج السعادة : 6 / 240 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 406

حتى إذا قارفت معصيتك ، واستوجبت بسوء سعيي سخطتك . . . فتل عني عذار غدره ، وتلقاني بكلمة كفره ، وتولى البراءة مني ، وأدبر مولياً عني ، فأصحرني لغضبك فريداً ، وأخرجني إلى فنآء نقمتك طريداً ؛ لا شفيع يشفع لي إليك ، ولا خفير يؤمنني عليك ، ولا حصن يحجبني عنك ، ولا ملاذ ألجأ إليه منك .
( وقد استحوذ علي عدوك . . . ) الشيطان . . . أبداً لا سبيل للشيطان على الإمام ، وغيره من المتقين بنص القرآن الكريم : « إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون » (1) ، وعليه يكون المراد بقوله : استحوذ علي وما يشبه هذا التعبير مجرد التضرع ، والإسترحام ، أو كناية عن الخوف من الله ، والحاجة إلى فضله ، أو ترويض النفس ، وعدم الرضا عنها (2) ، أو كل ذلك ، وغير ذلك مما يناسب مكانة الأولياء ، والصلحاء (3) . ( واستمهلك إلى يوم الدين لإضلالي فأمهلته . . . ) إشارة إلى الآية : « قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين » (4) ، والحكمة من هذا الإمهال أن تظهر النوايا ، والأفعال التي تزين ، أو تشين ، فإن الحلم لا يعرف إلا عند الغضب ، والشجاعة إلا بممارسة الحرب ( صغائر ذنوب موبقة ) : مهلكة ( وكبائر أعمال مردية ) أيضاً مهلكة ، ولكن للهلاك منازل متفاوتات ، فالعذاب الشديد على الذنب الكبير ، وما دونه على الذنب الصغير .
(1) النحل : 99 ـ 100 .
(2) بعد قليل يأتي قول الإمام عليه السلام : هذا مقام من استحيا لنفسه منك ، وسخط عليها .
(3) انظر ، الدعاء الحادي والثلاثون .
(4) الأعراف : 14 ـ 15 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 407


( حتى إذا قارفت ) : فعلت ( فتل عني عذار غدره ) فتل : صرف ، وعذار الإنسان : الشعر الذي يحاذي الأذن من طرف اللحية ، والمراد به هنا الوجه ، والمعنى صرف الشيطان وجهه عني حين جد الجد ( وتلقاني بكلمة كفره ) إشارة إلى ما جاء في الآية : « وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم ومآ أنتم بمصرخي إني كفرت بمآ أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم » (1) أي كفرت الآن بما كنت قد دعوتكم إليه من معصية الله ( وتولى البراءة مني ، وأدبر مولياً عني ) وقال : إني أخاف الله رب العالمين ! . وهكذا كل خائن محتال يغري ضعاف العقول بالفساد ، والضلال ، ويمنيهم الأماني ، فإذا وقعت الواقعة تنصل ، وتجاهل .
( فأصحرني لغضبك فريداً ) جعلني تائهاً في بيداء الضلالة متصدياً لحلول غضبك بي ( وأخرجني إلى فناء نقمتك طريداً . . . ) أخرجني من طاعتك ، وألقى بي أمام عذابك ، وسطوتك لا ناصر لي ، ولا شفيع ( خفير يؤمنني عليك ) أي لا مجير يجعلني في أمن ، وأمان من غضبك علي ، وبكلمة أوضح لا يمنعني منك مانع . وقد تقدم (2) . ( ولا حصن يحجبني عنك . . . ) هذه الجملة ، وما بعدها عطف تكرار .
فهذا مقام العائذ بك ، ومحل المعترف لك ، فلا يضيقن عني فضلك ، ولا يقصرن دوني عفوك ، ولا أكن أخيب عبادك التائبين ، ولا أقنط وفودك الآملين ؛ واغفر لي إنك خير الغافرين .
(1) إبراهيم : 22 .
(2) انظر ، الدعاء الحادي والثلاثون .
في ظلال الصيحيفة السجادية 408


أللهم إنك أمرتني فتركت ، ونهيتني فركبت ، وسول لي الخطأ خاطر السوء ففرطت ، ولا أستشهد على صيامي نهاراً ، ولا أستجير بتهجدي ليلاً ، ولا تثني علي بإحيائها سنة حاشا فروضك التي من ضيعها هلك ، ولست أتوسل إليك بفضل نافلة مع كثير ما أغفلت من وظائف فروضك ، وتعديت عن مقامات حدودك إلى حرمات انتهكتها ، وكبائر ذنوب اجترحتها ، كانت عافيتك لي من فضائحها ستراً .
( فهذا مقام العائذ بك ) أتيتك مستجيراً بعفوك حيث لا فرار منك إلا إليك ( فلا يضيقن عني فضلك . . . ) أمرت عبادك بالإحسان ؛ لأنك المحسن ، وبالعفو ، لأنك الحليم العظيم ، فتصدق علي من فضلك ، وعفوك ( ولا أكن أخيب عبادك التائبين ) لا يقطع الأمل من إحسانك تائب ، ولا ييأس من عطائك طالب ( ولا أقنط وفودك الآملين ) أكرمت الوافدين عليك ، والآملين بجودك ، وأنا واحد من هؤلاء ، فلا تردني باليأس ، والخيبة .
( أللهم إنك أمرتني فتركت . . . ) فعلت ما حرمت ، وتركت ما أوجبت شأني في ذلك شأن المعاكس المشاكس لأمرك ، ونهيك ( وسول لي الخطأ خاطر السوء ففرطت ) كل من أطلق العنان لنفسه ، وتركها ، وشأنها فلا تختار إلا الأسواء والأهواء . . . وما من أحد يذكر فيشكر عند الله ، والناس إلا بمغالبة النفس ، والهوى .
( ولا أشستشهد على صيامي نهاراً ، ولا أستجير بتهجدي ليلاً . . . ) المراد بالتهجد هنا صلاة الليل . والمعنى قصرت في طاعة الله ، وفرطت ، ولا عمل لدي استشفع به ، وأستشهد على أني عبد الإله حقاً ، وصدقاً ما ترك واجباً ، ولا فعل

في ظلال الصيحيفة السجادية 409

محرماً . . . أجل لقد صمت ، ولكن كنت استثقل الصيام ، وأنتظر وقت الإفطار بحرقة ، ولهفة ، أيضاً صليت أكثر من مرة صلاة الليل ، ولكن من غير إقبال ، ونشاط ، وفوق ذلك لم أحرص كما يجب ـ على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإقامتها ( حاشا فروضك . . . ) لقد أديت الواجبات ، ولكن بحركات ساهية فاترة .
( ولست أتوسل إليك بفضل نافلة ) كنوافل الصلاة اليومية التي تتمم ما بها من نقص المثوبة ، والفضيلة ( مع كثير ما أغفلت من وظائف فروضك ) وقد تسأل : قبل لحظة استثنى الإمام عليه السلام الفروض من التقصير ، والتفريط حيث قال : « حاشا فروضك » فلماذا عدل ، وقال : أغفلت من وظائف فروضك ؟ أليس هذا عين التنافر ، والتناقض ؟ الجواب : المراد هنا نفي كمال الفروض لا أصل الفروض من الأساس تماماً كقول المعصوم : « لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد » (1) أي لا صلاة فاضلة ، وكاملة إلا بالمسجد . فأين التناقض ؟
( وتعديت عن مقامات حدودك . . . ) أنا عصيتك ، وأنت سترت حتى كأنك قد غفرت ، وقد تقدم (2) .
وبعد ، فإن الدرس النافع في هذا الدعاء هو إرشاد الضال إلى أن من يغتر بعبادته ، ويقول أنا سعيد بطاعة الله ـ فما هو من أهل العلم ، والمعرفة في شيء ، بل ولا من أهل العبادة حقاً ، وصدقاً . ونعوذ بالله من شر الجهل ، بالجهل .
وهذا مقام من استحيى لنفسه منك ، وسخط عليها ، ورضي عنك ،
(1) انظر ، كنز العمال : 7 / 650 ح 20737 ، نصب الراية : 4 / 413 ، التهذيب : 1 / 92 ح 244 ، الوسائل : 5 / 94 ح 6310 ، دعائم الإسلام : 1 / 148 ، سنن الدار قطني : 1 / 420 ح 1 و 2 ، السنن الكبرى : 3 / 57 و 111 و 174 .
(2) انظر ، الدعاء السادس عشر .
في ظلال الصيحيفة السجادية 410

فتلقاك بنفس خاشعة ، ورقبة خاضعة ، وظهر مثقل من الخطايا ، واقفاً بين الرغبة إليك ، والرهبة منك ، وأنت أولى من رجاه ، وأحق من خشيه ، واتقاه ، فأعطني يا رب ما رجوت ، وأمني ما حذرت ، وعد علي بعائدة رحمتك ، إنك أكرم المسؤولين .
( استحيى لنفسه منك ) قال لها : اخجلي من الله أيتها النفس المتمردة ( وسخط عليها ) لأنها جموح ، وحرون (1) ( ورضي عنك ) عن فضلك ، وإحسانك ، وكل ما جاء من عندك ( فتلقاك بنفس خاشعة ) توجه إليك ، وأقبل عليك بنفسه الخاشعة لكمالك ، وجلالك ( ورقبة خاضعة ) مستسلمة لأمرك ، وحكمك ( وظهر مثقل من الخطايا واقفاً بين الرغبة إليك ، والرهبة منك ) وهكذا كل مؤمن عالم بالله تعالى ، لا يقطع الرجاء من عفوه تعالى ، ورحمته ، وإن كان عاصياً ، ويخاف منه ، ومن سطوته ، وإن يك مطيعاً ( وأنت أولى . . . ) أبداً لا رجاء إلا لفضلك ، ورحمتك ، ولا خوف إلا من غضبك ، ونقمتك ( وعد علي بعائدة رحمتك ) تفضل علي بنعمة الرحمة ، والرضوان ، إنك التواب الوهاب .
أللهم وإذ سترتني بعفوك ، وتغمدتني بفضلك في دار الفناء بحضرة الاكفاء . . . فأجرني من فضيحات دار البقاء عند مواقف الأشهاد من الملائكة المقربين ، والرسل المكرمين ، والشهداء ، والصالحين ، من جار كنت اكاتمه سيئاتي ، ومن ذي رحم كنت أحتشم منه في سريراتي ، لم أثق بهم رب في الستر علي ، ووثقت بك
(1) فرس حرون : الذي لا ينقاد ، وإذا اشتد به الجري وقف وقد حرن يحرن حروناً ، وحرن ـ بالضم ـ صار حروناً . لسان العرب : 13 / 110 مادة « حرن » .
في ظلال الصيحيفة السجادية 411

رب في المغفرة لي ، وأنت أولى من وثق به ، وأعطف من رغب إليه ، وأراف من استرحم فارحمني .
( أللهم وإذ سترتني بعفوك ، وتغمدتني . . . ) تتابعت نعمك علي ، وعطاياك في الدنيا ، وشاهد ذلك الجيران ، والأقران ، وغيرهم ( فأجرني من فضيحات دار البقاء . . . ) تمم سبوغ نعمك بالعفو عني يوم الحساب ، ولا تفضحني بين يدي أوليائك من الملائكة ، والأنبياء ، والصلحاء ( من جار كنت اكاتمه . . . ) هذه صورة من صميم الحياة ، فكل الناس ، أو جلهم يعملون في السر ما يستحون منه في العلانية ، والإمام عليه السلام يتوسل بحضرة القدس ، والجلال أن لا ينشر غداً سره هذا على أعين الملأ ، وأن يبقيه مطوياً في علمه تعالى تماماً كما ستره في الدنيا . وقد تقدم (1) .
( ووثقت بك رب . . . ) أعترف بأني خفت ، واستخفيت عن عيون عبادك خشية منهم ، وتجرأت عليك ، ولم أخش بأسك ، وأنت الأحق بالخشية ، ولكن سولت لي نفسي . والآن استشفع إليك برحمتك ، وعفوك ، وكلي ثقة بأنك الغفور الحليم ، وأرحم من كل رحيم .
أللهم وأنت حدرتني ماءً مهيناً من صلب ، متضائق العظام ، حرج المسالك إلى رحم ضيقة سترتها بالحجب ، تصرفني حالاً عن حال . . . حتى انتهيت بي إلى تمام الصورة ، وأثبت في الجوارح كما نعت في كتابك نطفة ، ثم علقه ، ثم مضغةً ، ثم عظاماً ، ثم كسوت العظام لحاماً ، ثم أنشأتني خلقاً آخر كما شئت . (2)
(1) انظر ، الدعاء الحادي عشر .
(2) أقتباساً من الآية الكريمة : « ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم =
في ظلال الصيحيفة السجادية 412


حتى إذا احتجت إلى رزقك ، ولم أستغن عن غياث فضلك . . . جعلت لي قوتاً من فضل طعام ، وشراب أجريته لأمتك التي أسكنتني جوفها ، وأودعتني قرار رحمها .
( أللهم وأنت حدرتني ماءً مهيناً من صلب ، متضائق . . . ) حدرتني : أنزلتني من علو إلى أسفل ، من ماء : من مني ، مهين : حقير ، صلب بضم الصاد : فقرات الظهر ابتداءً من أعلاه إلى أسفله ( إلى رحم ضيقة سترتها بالحجب ) وهي ظلمات ثلاث : البطن ، والرحم ، والمشية (1) . وفي دعاء عرفة لسيد الشهداء عليه السلام : « ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم ، وجلد ، ودم » (2) .
( تصرفني حالاً عن حال . . . ) إِشارة إلى قوله تعالى : « ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً ءاخر فتبارك الله أحسن الخالقين » (3) .
( حتى إذا احتجت إلى رزقك . . . ) يتغذى الجنين بالدم ، وحين يخرج من بطن أمه يتغذى بلبنها ، وفي دعاء سيد الشهداء عليه السلام : « ثم أخرجتني إلى الدنيا تاماً سوياً ،
= خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين » المؤمنون : 12 ـ 14 .
(1) انظر ، تفسير مجاهد : 2 / 556 ، الدر المنثور : 5 / 322 ، فتح القدير : 4 / 451 ، القرآن وإعجازه العلمي : 104 .
(2) انظر ، إقبال الأعمال : 2 / 75 ، بحار الأنوار : 57 / 372 و : 94 / 315 ، مستدرك سفينة البحار : 7 / 33 .
(3) المؤمنون : 12 ـ 14 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 413

وحفظتني في المهد طفلاً صبياً ، ورزقتني الغذاء لبناً مرياً ، وعطفت علي قلوب الحواضن ، وكفلتني الأمهات الرحائم . فتعاليت يا رحيم يا رحمن » (1) .
ولو تكلني يا رب في تلك الحالات إلى حولي ، أو تضطرني إلى قوتي . . . لكان الحول عني معتزلاً ، ولكانت القوة مني بعيدة ، فغذوتني بفضلك غذاء البر اللطيف ، تفعل ذلك بي تطولاً علي إلى غايتي هذه ، لا أعدم برك ، ولا يبطئ بي حسن صنيعك ، ولا تتأكد مع ذلك ثقتي ، فأتفرغ لما هو أحظى لي عندك .
قد ملك الشيطان عناني في سوء الظن ، وضعف اليقين ، فأنا أشكو سوء مجاورته لي ، وطاعة نفسي له ، وأستعصمك من ملكته ، وأتضرع إليك في صرف كيده عني ، وأسألك في أن تسهل إلى رزقي سبيلاً .
فلك الحمد على ابتدآئك بالنعم الجسام ، وإلهامك الشكر على الإحسان ، والإنعام ، فصل على محمد وآله ، وسهل علي رزقي ، وأن تقنعني بتقديرك لي ، وأن ترضيني بحصتي فيما قسمت لي ، وأن تجعل ما ذهب من جسمي ، وعمري في سبيل طاعتك ، إنك خير الرازقين .
( ولو تكلني يا رب في تلك الحالات ) المتعددة المتباينة أيام كنت جنيناً ورضيعاً ( إلى حولي ) : إلى قوتي ( أو تضطرني إلى قوتي ) عطف تكرار .
(1) انظر ، إقبال الأعمال : 2 / 75 ، بحار الأنوار : 95 / 217 ، صحيفة الإمام الحسين عليه السلام : 168 ، كلمات الإمام الحسين عليه السلام : 794 ، حياة الإمام الحسين عليه السلام : 1 / 168.
في ظلال الصيحيفة السجادية 414



إياك نستعين

( لكان الحول عني معتزلاً . . . ) أبداً لا أحد ، ولا شيء في غنى عن كل الأشياء ، ولا يفتقر إلى غيره إلا الواحد الأحد ، وكل شيء سواه مفتقر إلى إمداده تعالى ، وعونه في وجوده ، وبقائه ، وسكونه ، وحركته من أصغر صغير إلى أكبر كبير في السموات ، والأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، فكيف بالجنين ، والرضيع ؟ وليست كلمة « إياك نستعين » التي يكررها المسلم في صلاته صباح ، مساء إلا تعبيراً عن هذا العون ، والإمداد ، وعن العلاقة المباشرة بين العبد ، وربه .
( فغذوتني بفضلك غذاء البر ، اللطيف ) غذوتني أفضت علي من نعمك ما يكفي ، ويغني ، والبر بفتح الباء : المحسن ، واللطيف : من اللطف بمعنى الرفق ، وقيل : هو الميسر لكل عسير ، والجابر لكل كسير ( تفعل ذلك بي تطولاً ) : تفضلاً ( إلى غايتي هذه ) أنا في رعاية الله ، وعناية منذ أنشأني إلى الساعة التي أنا فيها حتى معونة الوالدين ، وغيرهما لي هي بتيسير الله ، ودافع منه .
( لا أعدم برك ) أسأل الله بخيره ، وفضله أن لا يحرمني من فضله ، وخيره ( ولا يبطئ بي حسن صنيعك ) لا يتأخر عني إنعام الله ، وإحسانه ( ولا تتأكد مع ذلك ثقتي ) مع ذلك إشارة إلى عدم البر وبطء الإحسان ، والمعنى أطلب من الله سبحانه دوام بره ، وسرعة إحسانه كيلا يضعف الشيطان ثقتي بمن خلقني ، ورزقني ، بل تبقى قوية ، راسخة ، وعندئذ ( فأتفرغ لما هو أحظى لي عندك ) متى سهلت يا إلهي ، ويسرت لي طرق العيش اطمأنت نفسي ، وانصرفت إلى سائر فروضك من الهداية ، والإرشاد ، وكل ما أقدر عليه من منفعة عبادك . وقد تقدم (1) .
(1) انظر ، الدعاء العشرون .
في ظلال الصيحيفة السجادية 415


( قد ملك الشيطان عناني في سوء الظن ، وضعف اليقين . . . ) تقدم عند تفسير قول الإمام عليه السلام في هذا الدعاء بالذات : « وقد استحوذ علي عدوك » . أي شيطان ( وأتضرع إليك في أن تسهل إلى رزقي سبيلاً ) واضح ، وتقدم في العديد من الأدعية SUP>(1)
> ، ) فلك الحمد على ابتدائك بالنعم الجسام ) عظيمة ، وعميمة ( وإلهامك الشكر على الإحسان ، والإنعام ) لك الحمد ، والشكر على إحسانك ، وشكرك من شكرك ، وذكر ( وسهل علي رزقي ) تكرار لقوله قبل لحظة : « أن تسهل إلى رزقي سبيلاً » لأن الغنى صيانة ، وعافية ، والفقر ضعف ، وبلاء ، ومنقصة بل موت ، وكفر كما في الحديث . قال الإمام الصادق عليه السلام : « لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال ، يكف به وجهه ، ويقضي به دينه » (2) . وعن ابن عقيل : « من قال : لا أحب المال فهو كذاب ؛ لأنه دم يجري في العروق » (3) .
( وأن تقنعني بتقديرك . . . ) اجعلني راضياً بكل ما يرد علي من الرزق الحلال كيلا أحسد ، وأفسد ( وأن تجعل ما ذهب من جسمي ، وعمري . . . ) اجعل أيامي ، وساعاتي ، وأفعالي كلها حسنات ، وخيرات لي ، ولعبادك . وقد تقدم (4) .
أللهم إني أعوذ بك من نار تغلظت بها على من عصاك ، وتوعدت بها من صدف عن رضاك ؛ ومن نار نورها ظلمه ، وهينها أليم ، وبعيدها قريب ، ومن نار يأكل بعضها بعض ، ويصول بعضها على
(1) انظر ، الدعاء العشرون ، والثاني والعشرون .
(2) انظر ، الكافي : 5 / 72 ح 5 ، تهذيب الأحكام : 7 / 4 ، شرح اصول الكافي : 2 / 9 ، وسائل الشيعة : 17 / 33 .
(3) انظر ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 1 / 545 و : 5 / 644 ، قريب منه .
(4) انظر ، الدعاء الحادي عشر ، والعشرون .
في ظلال الصيحيفة السجادية 416

بعض ، ومن نار تذر العظام رميماً ، وتسقي أهلها حميماً ، ومن نار لا تبقي على من تضرع إليها ، ولا ترحم من استعطفها ، ولا تقدر على التخفيف عمن خشع لها ، واستسلم إليها ، تلقى سكانها باحر ما لديها من أليم النكال ، وشديد الوبال .
وأعوذ بك من عقاربها الفاغرة أفواهها ، وحياتها الصالقة بأنيابها ، وشرابها الذي يقطع امعاء ، وأفئدة سكانها ، وينزع قلوبهم ، وأستهديك لما باعد منها ، وأخر عنها .
( أللهم إني أعوذ بك من نار . . . ) تغلظت : تشددت قال سبحانه : « يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم » (1) أي شدد عليهم ، وصدف : انصرف ، نورها ظلمة ، لهبها أسود ، بعيدها قريب : يحس بحرها ، وأثرها البعيد عنها ، يأكل بعضها بعض : اشتدت حتى كأن بعضها يأكل بعضاً ( العظام رميماً ) بالية ( حميماً ) : شديدة الحرارة ( الفاغرة ) : الفاتحة ( الصالقة بأنيابها ) لها أنياب ملساء ، كالسيف المصقول . . .
وبعد ، فإن الجبار ، وخالق النار ، وصفها بما يغني عن كل وصف ، وفيما قال ، تقدست كلمته : « وكفى بجهنم سعيراً » (2) . . . « لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر » (3) . . . « وتقول هل من مزيد » (4) . . . « تكاد تميز من الغيظ » (5) . . . إلى ما يفوق التصور ،
(1) التوبة : 73 .
(2) النساء : 55 .
(3) المدثر : 28 ـ 29 .
(4) ق : 30 .
(5) الملك : 8 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 417

وأجمع كلمة لوصفها قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « ما خير بخير بعده النار ، وما شر بشر بعده الجنة ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية » (1) ، ولا نجاة منها إلا لمن ذكرها ، وخافها ، وعمل للعبد عنها .
وبالمناسبة ، جاء في التوراة : « شفتا اللئيم نار موقدة » (2) . وجاء في سفر المزامير المزمور : « لسان الغش جمر » (3) .
وفي القرآن الكريم : « إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار » (4) . . . « إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً » (5) .
أللهم صل على محمد وآله ، وأجرني منها بفضل رحمتك ، وأقلني عثراتي بحسن اقالتك ، ولا تخذلني يا خير المجيرين ، أللهم إنك تقي الكريهة ، وتعطي الحسنة ، وتفعل ما تريد ، وأنت على كل شيء قدير .
أللهم صل على محمد وآله ، إذا ذكر الأبرار ، وصل على محمد وآله ، ما اختلف الليل ، والنهار . . . صلاةً لا ينقطع مددها ، ولا يحصى عددها صلاةً تشحن الهوآء ، وتملأ الأرض ، والسماء .
(1) انظر ، نهج البلاغة : الحكمة ( 387 ) ، شرح اصول الكافي : 11 / 267 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 5 / 46 ، جامع الأخبار : 135 ، من لا يحضره الفقيه : 4 / 392 .
(2) انظر ، سفر الأمثال الإصحاح : السادس عشر .
(3) انظر ، سفر المزامير المزمور : 120 .
(4) البقرة : 174 .
(5) النساء : 10 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 418


صلى الله عليه حتى يرضى ، وصلى الله عليه وآله بعد الرضا . . . صلاةً لا حد لها ، ولا منتهى ؛ يا أرحم الراحمين .
( وأجرني منها بفضل رحمتك ) لما وصف النار ، وغرائبها ، وحياتها ، وعقاربها استغاث بالله ، وتضرع له أن يكتب له الأمان من شرها ، وعذابها ( وأقلني عثراتي . . . ) أقاله من العهد ، والعقد : وافقه على فسخه ، وحرره من الالتزام به ، والعثرة : الزلة ، والخطيئة ، والمعنى اغفر لي خطيئتي يوم الدين ( ولا تخذلني يا خير المجيرين ) « ما خاب من تمسك بك ، وأمن من لجأ إليك » (1) ( إنك تقي الكريهة ، وتعطي الحسنة ) أنت المتفضل بالنعماء ، والواقي من البلاء ( وصل على محمد وآله ، إذا ذكر الأبرار ) لأنه سيدهم ، ورسولهم الهادي بأمرك ، ولسانك ( صلاةً تشحن الهوآء ، وتملأ الأرض ، والسماء ) كناية عن الكثرة الكاثرة التي لا يحصيها إلا من بيده كل الخيرات ، والكائنات .
والحمد لله وحده الذي هدانا بنبيه محمد ، وأهل بيته ، عليه وعليهم صلوات عالية زاكية . . .
(1) انظر ، المزار للشهيد الأول : 46 ، بحار الأنوار : 97 / 287 و : 98 / 237 ، مصباح الزائر : 120 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي