في ظلال الصيحيفة السجادية 347

الدعاء السابع والعشرون

دعاؤه لاهل الثغور

أللهم صل على محمد وآله ، وحصن ثغور المسلمين بعزتك ، وأيد حماتها بقوتك ، وأسبغ عطاياهم من جدتك .
أللهم صل على محمد وآله ، وكثر عدتهم ، وأشحذ أسلحتهم ، واحرس حوزتهم ، وامنع حومتهم ، وألف جمعهم ، ودبر أمرهم ، وواتر بين ميرهم ، وتوحد بكفاية مؤنهم ، واعضدهم بالنصر ، وأغنهم بالصبر ، والطف لهم في المكر .
( وحصن ثغور المسلمين . . . ) الثغور هنا تعم ، وتشمل كل مكان يخاف منه هجوم العدو سواء أكان حداً كجبل عامل بين لبنان ، وإسرائيل أم كان بعيداً عن الحدود ، علماً بأنه لا ثغور ، وحدود ، وحصون في العصر الراهن مع الطائرات السريعة المقاتلة ، والصواريخ عابرات القارات . . . وغير بعيد أن تقيم غداً ، أو بعد غد دول للقنابل النووية قواعد حربية على سطح القمر . وعلى أية حال فإن مراد الإمام هنا والقصد من الآية : «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون

في ظلال الصيحيفة السجادية 348

به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم» (1) ، هو الإستعداد ، والتسلح للعدو ، والقوة الرادعة له عن العدوان أياً كان نوعها ، فإن الذي يتبدل ، ويتغير هو الشكل ، والمظهر لا أصل الفكرة ، والجوهر .


الجهاد في الإسلام

الجهاد أصل أصيل في الإسلام حيث لا حق ، ولا عدل بلا قوة رادعة ، والقوة بلا حق ، وعدل فساد ، واستبداد ، قال سبحانه : «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله» (2) . . . . وقال تعالى : «إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير » (3)وقال تعالى ، «يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم» (4) ، وأدل آية على مكانة الجهاد ، وعظمته قوله تعالى : «فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك» (5) وهذا الخطاب الحاسم القاطع موجه للنبي وحده ، والعدو ألوف مؤلفة ، أما السبب الموجب لنزول هذه الآية فهو قول من قال : «ربنا لم كتبت علينا القتال لولآ أخرتنآ إلى أجل قريب» (6) . وقال عارف بمقاصد القرآن : وهكذا يعامل الله رسله القادة ، على أساس نفسي هو نسيانهم غريزة المحافظة على الذات في سبيل إبلاغ رسالاتهم ، وأداء واجبهم .
وفي الحديث : «يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء» (7) .
(1) الأنفال : 60 .
(2) الأنفال : 39 .
(3) الأنفال : 73 .
(4) التوبة : 73 .
(5) النساء : 84 .
(6) النساء : 77 .
(7) انظر ، كنز العمال : 10 / 151 ح 28770 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 6 / 597 ، الجامع =
في ظلال الصيحيفة السجادية 349

وفي حديث آخر : «يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته» (1) .
وقال ختال محتال : الإسلام دين حربي! فآجابه الشيخ محمد عبده في الصحف ، وكتاب الإسلام ، والنصرانية : «الإسلام دين العفو والمسامحة بنص الآية : «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» (2) . ولكن القتال فيه رد لاعتداء المعتدين على الحق وأهله إلى أن يأمن شرهم ، ويأمن السلامة من غوائلهم . . . إن دفع الشر بالشر عند القدرة عليه ، وعدم التمكن من سواه طبيعة في الإنسان» (3) .
وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : «احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك» (4) . وأيضاً قال : «ردوا الحجر من حيث جاء ، فإن الشر لا يدفعه إلا الشر» (5) ، أي إذا لم يمكن دفعه بالأحسن .
= الصغير : 1 / 434 ح 2834 و : 2 / 761 ح 10011 ، مجمع الزوائد : 10 / 381 ، سنن ابن ماجه : 2 / 1442 ح 4313 .
(1) انظر ، سنن أبي داود : 1 / 567 ح 2522 ، السنن الكبرى : 9 / 164 ، الجامع الصغير : 2 / 761 ح 10012 ، كنز العمال : 4 / 401 ح 11119 ، تفسير ابن كثير : 4 / 187 ، تهذيب الكمال : 9 / 50 ، تهذيب التهذيب : 3 / 204 .
(2) الأعراف : 199 .
(3) انظر ، الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية : 192 ، وهي مقالات نشرت في مجلة المنار ـ طبعة ثانية بمطبعة المنار 1323 هـ .
(4) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 42 ، الحكمة (178) ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 18 / 411 ، شرح النهج لابن ميثم البحراني : 5 / 338 ، عيون الحكم والمواعظ : 82 ، شرح النهج لمحمد عبده : 3 / 194 .
(5) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 75 ، الحكمة (314) ، شرح اصول الكافي : 1 / 234 ، شرح النهج للمعتزلي : 19 / 221 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 350


(وأسبغ عطاياهم من جدتك) أسبغ الله عليك النعمة : أتمها ، وعطاياهم : رواتبهم ، وتحسين حالهم ، والجدة : الغنى ، والقدرة ، والمعنى سهل عليهم الطريق لحياة أفضل (وكثر عدتهم) بكسر العين : جماعتهم ، وبضمها : القوة ، والاستعداد (واشحذ أسلحتهم) أشحذ السيف : أحده ، والمراد هنا أن تفعل الأسلحة فعلها بالعدو من أي نوع كانت ، وتكون (واحرس حوزتهم) ناحيتهم (وامنع) : من المناعة ، والحصانة (حومتهم) شدتهم ، وعظمتهم .
(وواتر بين ميرهم) واتر : تابع ، والميرة : الغذاء المنقول من بلد إلى آخر ، والمراد هنا أن تكون الطريق إلى الجنود سالكة آمنة كي يصل إليهم جميع ما يحتاجون إليه من نجدة ، وسلاح ، وغذاء (وتوحد بكفاية . . .) أنت يا إلهي وحدك تفرض النصر ، وتمنح الصبر في الجهاد ، وتلهم تدبير الأمر ، وإحكامه ضد العدو ـ وهذا التدبير ، والإحكام هو الذي أراده الإمام من كلمة (مكر) في دعائه ـ وما دمت المتفرد المتوحد بكل ذلك فأمنن به على حماة ثغور المسلمين ، فإنك المنان الكريم .
أللهم صل على محمد وآله ، وعرفهم ما يجهلون ، وعلمهم ما لا يعلمون ، وبصرهم ما لا يبصرون .
أللهم صل على محمد وآله ، وأنسهم عند لقآئهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور ، وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون .
واجعل الجنة نصب أعينهم ، ولوح منها لأبصارهم ما أعددت فيها من مساكن الخلد ، ومنازل الكرامة ، والحور الحسان ، والأنهار المطردة بأنواع الأشربة ، والأشجار المتدلية بصنوف الثمر ، حتى لا يهم أحد منهم بالإدبار ، ولا يحدث نفسه عن قرنه بفرار .

في ظلال الصيحيفة السجادية 351


(وعرفهم ما يجهلون) من خطط الحرب ، وأصول القتال (وعلمهم . . . وبصرهم) عطف تكرار (وأنسهم عند لقآئهم العدو ذكر دنياهم . . .) المنفعة العاجلة مطلوبة ، والدنيا محبوبة لكل البشر بالطبع ، والفطرة . قال الإمام علي عليه السلام : «الناس أبناء الدنيا ، ولا يلام الرجل على حب أمه» (1) . إذا الزهد في الدنيا صعب ، وعسير ، ومن هنا سأل الإمام أن يقطع الله أمل المحاربين من الدنيا ، ويجعل لهم سلطاناً على أنفسهم ، وقهر شهواتهم ، ونسيان أهلهم ، وذويهم .


صاحب الحاجة :

وكل من يحرص على شهوته ، وقضاء حاجته الخاصة فهو عبد لها ، وأسير ، لا يقول ، ويفعل إلا بوحيها ، ولا وزن عنده للحق ، والإيمان ، ولا للعدل ، والوجدان وإن خيل إليه أنه ذو دين ، وضمير ، وكرامة ، وشهامة ، قال الإمام علي عليه السلام : «الأماني تعمي عيون البصائر» (2) ، وفي الأمثال : «صاحب الحاجة أعمى لا يرى إلا قضاءها» (3) وما رأيت أجبن ، وأحقر ، وأذل ، وأصغر من ضعيف الناس إذا إحتاج ، أما ضعيف فيبيع دينه للشيطان حتى ولو كان أغنى الأغنياء .
(واجعل الجنة نصب أعينهم . . .) إذا أحب الإنسان الدنيا بفطرته كما أشرنا ،
(1) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 74 ، الحكمة (303) ، شرح النهج للمعتزلي : 19 / 209 ، ينابيع المودة : 2 / 248 .
(2) انظر ، عيون الحكم والمواعظ : 28 ، بحار الأنوار : 75 / 14 ، بلفظ (أعين) ، غرر الحكم : الحكمة (1375) ، شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي : 18 / 151 .
(3) هذا المثل مشهور بين العامة والخاصة جاء على لسان أحد الحكماء وهو أبو سليمان إدريس ابن إسحاق البالسي ، ولكن بلفظ : صاحب الحاجة لا يروم إلا قضاءها) . انظر ، كشف الخفاء : 2 / 18 تحت الرقم (1580) .
في ظلال الصيحيفة السجادية 352

فمحال أن يتركها إلا إلى الأفضل ، والأكمل ، ولا شيء كالجنة التي فيها ما يلذ الأعين ، وتشتهي الأنفس . وفي نهج البلاغة : «كل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية» (1) . ولذا سأل الإمام أن يعرف سبحانه المجاهدين بحقيقة الجنة ، ونعيمها كما بشرهم بها كي يكونوا على علم بقيمة الصفقة ، وأنها لمنفعتهم الذاتية ، وللعلو من شأنهم دنياً ، وآخرة ، فبذلوا الثمن بنفس راضية تمام الرضا .
أللهم افلل بذلك عدوهم ، واقلم عنهم أظفارهم ، وفرق بينهم وبين أسلحتهم ، واخلع وثائق أفئدتهم ، وباعد بينهم وبين أزودتهم ، وحيرهم في سبلهم ، وضللهم عن وجههم ، واقطع عنهم المدد ، وانقص منهم العدد .
واملأ أفئدتهم الرعب ، واقبض أيديهم عن البسط ، واخزم ألسنتهم عن النطق ، وشرد بهم من خلفهم ، ونكل بهم من وراءهم ، واقطع بخزيهم أطماع من بعدهم .
بعد أن دعا الإمام عليه السلام للمجاهدين المدافعين عن الحرية ، والكرامة ، والأرواح ، والأموال ، والأوطان ـ دعا على الأشرار الأقذار الذين يعتدون على عباد الله ، وبلاده ، ويثيرون الحروب ، والفتن ، وينهبون الأقوات ، ويشردون الآمنين ، دعا عليهم وإن انتسبوا إلى الإسلام ، وقال : (أللهم افلل بذلك عدوهم) ذلك إشارة إلى ثبات أهل الثغور ، وصبرهم على الجهاد ، وعدم فرارهم من الزحف ، افلل : اهزم ، وأكسر ، وضمير الغائبين في عدوهم يعود إلى المجاهدين المحقين (واقلم عنهم
(1) انظر ، نهج البلاغة : الحكمة (387) ، شرح اصول الكافي : 11 / 267 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 5 / 46 ، جامع الأخبار : 135 ، من لا يحضره الفقيه : 4 / 392 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 353

أظفارهم) إمنع أذاهم (وفرق بينهم وبين أسلحتهم) كناية عن حصارهم ، والإحاطة بهم ، ومنع الإمداد عنهم .
(واخلع وثائق أفئدتهم) املأ قلوبهم بالخوف من جيش المسلمين ، وبالقنوط من النصر ، والنجاة (وباعد بينهم وبين أزودتهم) : جمع زاد على غير قياس ، عطف تكرار على فرق بينهم وبين أسلحتهم ، أو عطف عام على خاص ، إن أريد بالأزودة مطلق الإمداد ، وبالأسلحة المعنى الظاهر (وحيرهم في سبلهم) بحيث لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون إلى النصر سبيلاً (وضللهم عن وجههم) أعم أبصارهم ، وقلوبهم عما يضمرون ، ويقصدون (واقطع عنهم المدد) عطف تكرار على باعد بينهم وبين ازودتهم (واملأ افئدتهم الرعب) عطف تفسير على اخلع وثائق أفئدتهم (واقبض أيديهم عن البسط) عطف تكرار على اقلم عنهم أظفارهم (واخزم) : اخرس وامنع (وشرد بهم) ؛ : اهزمهم (ونكل بهم) : انزل بهم الكوارث ، والزلازل (واقطع بخزيهم أطماع من بعدهم) اجعلهم درساً نافعاً لمن يحدث نفسه بالعدوان على عبادك ، وعيالك .
أللهم عقم أرحام نسائهم ، ويبس أصلاب رجالهم ، واقطع نسل دوابهم ، وأنعامهم ، لا تأذن لسمائهم في قطر ، ولا لأرضهم في نبات .
أللهم وقو بذلك محال أهل الإسلام ، وحصن به ديارهم ، وثمر به أموالهم ، وفرغهم عن محاربتهم لعبادتك ، وعن منابذتهم للخلوة بك ، حتى لا يعبد في بقاع الأرض غيرك ، ولا تعفر لأحد منهم جبهة دونك .
ما زال الدعاء على الذين يسعون في الأرض فساداً سواء أكانوا ملحدين أم ينطقون باسم الله الكريم . . . ومن كف أذاه عن الناس فهو حمى الشريعة الإلهية

في ظلال الصيحيفة السجادية 354

المحمدية حتى ولو كان جاحداً ؛ لأن حسابه على خالقه الذي قال لنبيه الكريم : « ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء » (1) . . . وقال تعالى : « إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم » (2) ، وفوق ذلك سمح الإسلام للمسلمين أن يحسنوا لمن يخالفهم في العقيدة إذا هو كف شره ، وضره كما في الآية : « لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين » (3) ، وقوله تعالى : « وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين » (4) .
( عقم أرحام نسائهم ، ويبس أصلاب رجالهم ) أصلاب ، جمع صلب بضم الصاد ، والمراد به سلسلة فقرات الظهر التي تمتد من أعلاه إلى أسفله ، ودعا الإمام عليه السلام عليهم بالعقم نساءً ، ورجالاً ؛ لأن الحية لا تلد إلا حية (5) ، وقال تعالى :
(1) الأنعام : 52 .
(2) الغاشية : 25 ـ 26 .
(3) الممتحنة : 8 .
(4) البقرة : 193 .
(5) مأخوذ من البيت الشعري الآتي :
شنشنة أعرفها من اخزم وهل تلد الحية إلا حية

انظر ، بحار الأنوار : 45 / 143 و شطر هذا البيت لأبي اخزم الطائي ، وهو جد حاتم ، أو جد جده ، مات أبنه أخزم ، وترك بنين فوثبوا يوماً على جدهم فأدموه ، فقال :
وانظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : 2 / 73 ولكن بلفظ :
شنشنة أعرفها من أخزم هل يلد الأرقم غير الأرقم

وانظر ، أيضاً ، اللهوف في قتلى الطفوف : 81 ، عوالم العلوم للشيخ عبد الله البحراني =
في ظلال الصيحيفة السجادية 355

« إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً » (1) ( واقطع نسل دوابهم ) : جمع دابة ، وهي لغة في كل من وما دب على الأرض ، ثم تغلبت على ما يركب ، ويحمل عليه فقط ( وأنعامهم ) : الإبل ، والبقر ، والغنم ، وكانت هذه الدواب من أهم الوسائل ، والأسباب للإنتاج ، والمواصلات ، ودعا عليها الإمام عليه السلام لأنهم كانوا يستعينون بها ، ويتقوون في الحرب ، والقتال .
( لا تأذن لسمائهم . . . ) امنع عنهم بركات السموات ، والأرض ( وقو بذلك ) إشارة إلى نزول الكوارث ، والنكبات بالأعداء الطغاة ( محال أهل الإسلام ) المحال بكسر الميم : إحكام التدبير وبعد النظر ، والقصد أن يجعل الله سبحانه ضعف الأشرار قوة للأخيار ( وحصن به ديارهم ) عطف تكرار على قو : لأن التحصين من مظاهر القوة ( وثمر به أموالهم ) زد الإنتاج أضعافا كثيرة ( وفرغهم عن محاربتهم لعبادتك ) متعلق بفرغهم ( وعن منابذتهم ) عن مخالفتهم ، والمعنى انصر المجاهدين في سبيلك على الطغاة المعتين كي يتفرغوا للعمل من أجل حياة أفضل . . . وإن قال قائل : لا شيء أفضل من الجهاد . قلنا في جوابه : ليس الجهاد غاية في نفسه ، بل وسيلة ليعيش الناس في إخاء ، وهناء لا في حرب ، وشقاء ، ليتعاونوا يداً واحدة على ما فيه لله رضا ، ولعباده خير ، وصلاح .
أللهم اغز بكل ناحية من المسلمين على من بإزائهم من المشركين ، وأمددهم بملائكة من عندك مردفين حتى يكشفوهم إلى منقطع التراب قتلاً في أرضك ، وأسراً ، أو يقروا بأنك أنت الله
= الإصفهاني : 17 / 444 ، مقتل الحسين لابي مخنف : هامش ص 231 ، أمثال الميداني : 1 / 329 ، مقاتل الطالبيين : 548 ، نور الأبصار : 266 .
(1) نوح : 27 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 356

الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك .
أللهم واعمم بذلك أعداءك في أقطار البلاد من الهند ، والروم ، والترك ، والخزر ، والحبش ، والنوبة ، والزنج ، والسقالبة ، والديالمة ، وسائر امم الشرك الذي تخفى أسماؤهم ، وصفاتهم ، وقد أحصيتهم بمعرفتك ، وأشرفت عليهم بقرتك .
( أللهم اغز بكل ناحية من المسلمين على من بإزائهم من المشركين ) الإزاء بكسر الهمزة : المقابل ، والمجاور ، ومن المعلوم أن المشركين كانوا في عهد الإمام السجاد عليه السلام أبغض الناس للإسلام ، وأشدهم على أهله ، يتربصون بهم الدوائر ، ويبيتون لهم كل شر ، والإمام يدعو الله سبحانه أن يسهل لأنصار الحق ، والعدل سبيل الغزو ، والغلبة على أعدائه ، وأعداء الإنسانية جمعاء ( حتى يكشفوهم إلى منقطع التراب قتلاً في أرضك ، وأسراً ) منقطع الشيء : نهايته ، والمراد بالتراب هنا الأرض بقرينة قوله في « أرضك » والمعنى انصر اللهم المحقين على المبطلين حتى لا يبقى على وجه الأرض من بدايتها إلى نهايتها ـ أحد في أرضك من المعتدين ، والمفسدين ( أو يقروا بأنك أنت . . . ) أو يتوبوا ، ويكفوا عن الفساد ، والضلال .


المهدي المنتظر ثورة إجتماعية ، وإنسانية

( واعمم بذلك أعدائك في أقطار البلاد . . . ) يشير الإمام عليه السلام بقوله هذا إلى حديث جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله الذي رواه العشرات من رجال الشيعة ، وأكثر من مئة من رجال السنة بمذاهبهم الأربعة (1) وهو : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد
(1) وضع علماء الشيعة الإمامية العديد من المؤلفات في المهدي المنتظر ، وتتبعوا رواة في هذا =
في ظلال الصيحيفة السجادية 357

لبعث الله عزوجل رجلاً من أهل بيتي يملأها ـ أي يملأ الدنيا ـ عدلاً كما ملئت جوراً » (1) .
وفي العديد من الروايات : « إن الله سبحانه يخرج من ذرية محمد صلى الله عليه وآله رجلاً يسهل له كل عسير ، ويذلل له كل صعب ويقرب به كل بعيد ، ويقهر به كل جبار عنيد ، ويسوق به بركات السموات ، والأرض ، ولا يظلم أحد أحداً ، ولا يخاف شيء من شيء ، ولا يراق محجمة دم ، وتستوي الأرزاق بين الناس ، ويقتسمون بالسوية (2) ، ويكون الجميع على أحسن حال ، وإذا سافر إنسان إلى مكان بعيد لا يصحب معه زاداً ، ولا مالاً (3) . . . إلى كل ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت . انظر
= الباب ، وقال صاحب البحار : إن بعض علماء الشيعة وضع كتاباً سماه كشف المخفي في مناقب المهدي ، روي فيه مئة وسبعة أحاديث في خروج المهدي من طرق رجال المذاهب الأربعة ، ذكرها بألفاظها واسانيدها . انظر المجلد ال 13 من كتاب بحار الأنوار للمجلسي ، والقسم الثالث من الجزء الرابع من أعيان الشيعة للسيد الأمين . ( منه قس سره ) .
(1) انظر ، مسند أحمد : 1 / 99 ، سنن ابن ماجه : 2 / 929 ، سنن الترمذي : 3 / 343 ، المصنف : 6 / 170 ، صحيح ابن حبان : 13 / 283 ، المعجم الكبير : 10 / 133 ، موارد الظمآن : 463 ، كنز العمال : 14 / 264 ح 38661 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 5 / 423 ، الدر المنثور : 6 / 58 ، سبل الهدى والرشاد : 10 / 172 ، ينابيع المودة : 3 / 245 ، علل الدارقطني : 10 / 160 ، ذخائر العقبى : 136 ، شرح الأخبار : 3 / 352 .
(2) أبو نعيم الإصفهاني ، لوحة : 99 عقد الدرر : 4 / 557 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم « 711 » ، مسند أحمد : 3 / 37 ، نور الأبصار : 189 ، الإذاعة : 125 ، ملاحم ابن طاووس : 69 و 70 ، الفصول الفصول : 298 ، عقد بيان الشافعي : 519 ، منتخب الأثر : 472 ح 2 ، كشف الغمة : 3 / 263 ، البحار : 51 / 83 و 97 ، الصواعق المحرقة : 102 ، غاية المرام : 703 ، فرائد السمطين : 2 / ح 2 مع إختلاف يسير .
(3) الملاحم والفتن : لوحة 98 ، عقد الدرر : 151 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 358

كتاب الشجرة المباركة للشيخ علي اليزدي (1) ، والبحار للمجلسي (2) ، وعلي والقرآن للمؤلف .
ورب قائل : هذا كلام حلو ، وجميل ، ولكنه مجرد حلم ، ووهم ، وهل يمكن أن تقوم للبشر حياة على غير حرب ، ونهب ، وحسد ، وحقد ، وتكاثر ، وتفاخر ؟ الجواب : أجل ، يمكن بكل توكيد ، وإن ذلك لواقع لا محالة ، ولو بعد مئة حين ، وحين .
أولاًَ : لأن دوام الحال من المحال ، وبخاصة في الأحوال الإجتماعية .
ثانياً : لأنه من صنع الإنسان ، وهو قادر على التحويل ، والتغيير ، فكم من أمة خرجت من الظلمات إلى النور ، من الغار إلى أرقى الحضارات ، فوحدت الصفوف بعد الشتات ، والتفتيت ، وأصبحت قوة ترجى ، وتخشى في العالم كله بعد أن كانت لا شيء يذكر .
وهل من عاقل على وجه الأرض يستطيع القول ، والجزم بأن كرامة الإنسان لن تقوم لها ـ بعد اليوم ـ قائمة ، وإن الثورات الإصلاحية قد ذهبت إلى غير رجعة ؟ . . . وما خروج المهدي المنتظر إلا ثورة على الفساد في الأرض ، وعلى كل ضار ، ومفترس يعيش ، أو يحاول العيش على دماء المستضعفين . وإذن فأين الخرافة ، والسخافة ؟ وعلام الهجمات ، والحفلات بالدس ، والافتراء ، والسخرية ، والاستهزاء ؟
(1) يقصد به كتاب ( إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ) للمولى علي بن زين العابدين البارجيني اليزدي الحائري ( ت 1333 هـ ) رتبة على تسعة أغصان ذات فروع ، وفواكه ، وريحان ، وزهر ، وثمرات طبع بمباشرة ولده الشيخ علي أكبر في سنة 1352 هـ .
(2) انظر ، المجلد الثالث عشر ، الطبع القديم .
في ظلال الصيحيفة السجادية 359

أللهم اشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف المسلمين ، وخذهم بالنقص عن تنقصهم ، وثبطهم بالفرقة عن الاحتشاد عليهم .
أللهم أخل قلوبهم من الأمنة ، وأبدانهم من القوة ، وأذهل قلوبهم عن الاحتيال ، وأوهن أركانهم عن منازلة الرجال ، وجبنهم عن مقارعة الأبطال ، وابعث عليهم جنداًً من ملائكتك ببأس من بأسك كفعلك يوم بدر تقطع به دابرهم ، وتحصد به شوكتهم ، وتفرق به عددهم .
( أللهم اشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف المسلمين ) المراد بالمشركين هنا الزمرة القذرة الباغية التي تخل بالأمن ، وتعكر صفو الحياة بالسلب ، والنهب ، وإثارة الفتن ، والحروب . . . ولا سبيل ـ في الحياة الدنيا ـ على من كف أذاه عن عباد الله ، وعياله كائناً من كان ، لأن الدعاء مختص بمن يحاول الأعتداء على المسلمين ، ولقوله تعالى : « فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين » (1) .
والخلاصة : أن اتفاق الأشرار شر ، ونقمة على العالمين حتى ولو نطقوا بكلمة التوحيد ، واختلافهم خير ، ورحمة على الناس أجمعين .
( وخذهم بالنقص عن تنقصهم ) تقول : نقص الإنتاج هذه السنة ، أي قل عما هو المعتاد ، والمعهود . وتقول : تنقص ماء البئر ، أي يذهب ماؤه شيئاً فشيئاً ، والمعنى أن الطغاة ملأوا الدنيا فساداً ، وعدواناً ، فخذهم يا إلهي بالنقص ، والتنقص من الأموال ، والأنفس كي يأمن العباد ، والبلاد من شرهم ، وجورهم ( وثبطهم
(1) البقرة 193 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 360

بالفرقة عن الاحتشاد عليهم ) يقال : ثبطه عن الأمر اذا أقعده ، وصرفه عنه ، والمعنى أوقع العداوة ، والبغضاء بين العتاة المعتدين ، واشغلهم بأنفسهم عن الحشد والجمع لحرب الآمنين .
( أللهم أخل قلوبهم من الأمنة ) واملأها بالفزع ، والهلع من قوة المسلمين ، وهيبتهم . . . والآية اليوم معكوسة ، فالمسلمون هم الذين يخافون أن يتخطفهم الذئاب ، وكل ذي ناب ، لا لشيء إلا لأنهم عصوا الله في نصحه ، وقوله : « ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم » (1) وفي نهج البلاغة : « فأعطوه طاعتكم غير ملومة ، ولا مستنكره بها . . . والله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الإسلام ، ثم لا ينقله إليكم أبداً حتى يأرز الأمر إلى غيركم » (2) ، ( وأبدانهم من القوة ) والقوة اليوم للعلم ، والمخترعات ، لا للسواعد ، والعضلات .
( وأذهل قلوبهم عن الاحتيال ) عن التجسس ، والتآمر ، والدعايات الكاذبة ( وأوهن أركانهم عن منازلة الرجال . . . ) كناية عن القوة بشتى مظاهرها حيث لا منازلة اليوم بين الرجال ، والأبطال ، بل بين القواعد العسكرية ، والأساطيل البحرية ، والجوية ، والأسلحة الجهنمية كما تقدم ( تقطع به دابرهم ) : آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد ( شوكتهم ) : قوتهم .

إسلام بغير مسلمين

ولا أدري بأي شيء يدعو الإمام السجاد عليه السلام لو كان في هذا العصر ، يرى
(1) الأنفال : 46 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 82 ، الخطبة ( 169 ) ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 9 / 295 ، تأريخ الطبري : 23 / 465 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 361

الجيوش ، والقواعد العسكرية ، والتسهيلات لأعداء الإسلام ، والمسلمين في قلب بلادهم ؟ وفي سفينة البحار : « يأتي زمان على أمتي لا يبقى للقرآن إلا رسمه ، ولا للإسلام إلا إسمه ، يسمون به ، وهم أبعد الناس عنه مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى . . . فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء » (1) وقال الشيخ محمد عبده : « قد تجد في أوربا مسلمين بغير إسلام ، وفي البلاد الإسلامية إسلاماً بغير مسلمين » (2) .
اللهم ، وامزج مياههم بالوباء ، وأطعمتهم بالأدواء ، وارم بلادهم بالخسوف ، وألح عليها بالقذوف ، وافرعها بالمحول .
واجعل ميرهم في أحص أرضك ، وأبعدها عنهم ، وامنع حصونها منهم ، أصبهم بالجوع المقيم ، والسقم الأليم .

الماء ، والوباء

( أللهم ، وامزج مياههم بالوباء ، وأطعمتهم بالأدواء ) الوباء ، والأدواء الأمراض ، والمراد هنا بذور المرض ، وأسبابه بوجه عام كتلويث الأرض ، والماء ، والهوآء بالغازات السامة ، ونفايات المصانع ، وغيرها من الجراثيم ،والأقذار . . .
____________
(1) في هذا اليوم قرأت في الصحف أن حزمة من المعممين المنتسبين إلى الفقهاء ، وأهل الدين في لبنان ـ أرسلوهم إلى الغرب بمهمة خاصة ، هيئة ليست من العلماء ، والفقهاء ! نحن الآن في الشهر العاشر من السنة 1978 م . وعملاً بنص الآية 156 من البقرة نقول : « إنا لله وإنا إليه راجعون » .
انظر ، مصادر الحديث : في ثواب الأعمال : 253 ، شرح اصول الكافي : 12 / 432 ، بحار الأنوار : 108 / 25 .
(2) انظر ، حياة الشيخ محمد عبده لمحمد راسم : 154 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 362

ودعاء الإمام عليه السلام يومئ إلى أن الأمراض كلها ، أو جلها ترجع إلى الأطعمة ، والأشربة ، ولا ريب في ذلك عند أهل الإختصاص . وفي الحديث الشريف : « المعدة بيت الداء ، والحمية رأس الدواء ، وعودوا بدناً ما اعتاد » (1) ، وإنما كانت المعدة بيت الداء ؛ لأنها مستودع الغذاء طعاماً ، وشراباً . وبالمناسبة كان القدامى يتصارعون ، ويتطاحنون على الماء تماماً كما هي الحال الآن بين الدول الكبرى في التنافس ، والتسابق إلى الذهب الأسود .
( وارم بلادهم بالخسوف ) خسفت الأرض : انشقت ، والمعنى أن تنشق الأرض ، وتبتلع ما على ظهرها مما يملكون ، ويقتنون ، قال سبحانه : « فخسفنا به وبداره الأرض » (2) ، ( وألح عليها بالقذوف ) بريح عاصفة قاصفة لا تبقي ، ولا تذر لهم من شيء ( وافرعها بالمحول ) فرع رأسه بالعصا : ضربه بها ، وأرض محول : جدبة ( واجعل ميرهم ) : جمع ميرة ، وهي الطعام يجلب من بلد لآخر ( في أحص أرضك ) في أكثرها جدباً ، وأقلها خيراً ( وامنع حصونها منهم . . . ) ضمير الغائب في حصونها للميرة ، والمعنى اجعل الأقوات في حصون حصينة لا يستطيع أعداء الله ، والإنسانية الوصول إليها حتى يموتوا جوعاً ، ومرضاً .
أللهم ، وأيما غاز غزاهم من أهل ملتك ، أو مجاهد جاهدهم من أتباع سنتك ليكون دينك الأعلى ، وحزبك الأقوى ، وحظك الأوفى فلقه اليسر ، وهيئ له الأمر ، وتوله بالنجح ، وتخير له الأصحاب ، واستقو له الظهر ، وأسبغ عليه في النفقة .
(1) انظر ، الخصال : 512 ، كشف الخفاء : 2 / 214 ، زاد المسير : 3 / 128 ، بحار الأنوار : 59 / 75 .
(2) القصص : 81 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 363


ومتعه بالنشاط ، وأطف عنه حرارة الشوق ، وأجره من غم الوحشة ، وأنسه ذكر الأهل ، والولد ، وأثر له حسن النية ، وتوله بالعافية ، وأصحبه السلامة ، وأعفه من الجبن ، وألهمه الجرأة ، وارزقه الشدة ، وأيده بالنصرة ، وعلمه السير ، والسنن ، وسدده في الحكم ، واعزل عنه الرياء ، وخلصه من السمعة ، واجعل فكره ، وذكره ، وظعنه ، وإقامته فيك ، ولك .
فإذا صادف عدوك ، وعدوه فقللهم في عينه ، وصغر شأنهم في قلبه ، وأدل له منهم ، ولا تدلهم منه فإن ختمت له بالسعادة ، وقضيت له بالشهادة فبعد أن يجتاح عدوك بالقتل ، وبعد أن يجهد بهم الأسر ، وبعد أن تأمن أطراف المسلمين ، وبعد أن يولي عدوك مدبرين .
( أللهم ، وأيما غاز . . . ) الغزو : السير إلى العدو ، وقتاله في عقر داره ، والجهاد أعم ، وأشمل ، والملة : الشريعة الدينية ، وأيضاً تطلق على الدين بوجه عام ، والسنة : الشريعة ، والطريقة . . . لما دعا الإمام عليه السلام لأهل الثغور ، وحماة الحدود ، دعا لكل من غزا ، وجاهد لنصرة الحق ، وإعزازه ، وخذلان الباطل ، وإذلاله ( فلقه ) جواب أي غاز ، ومجاهد ، والمعنى أعط كل مكافح ، ومناضل في سبيلك ( اليسر ، وهيء له الأمر ، وتوله بالنجح ) اشمله بعنايتك ، ورعايتك ، واكتب له الفوز ، والنجاح ( وتخير له الأصحاب ) من أهل الصدق ، والوفاء لا من أهل الكذب ، والرياء .
( واستقو له الظهر ) المراد بالظهر هنا كل ما يركب من سيارة ، أو حمارة تبعاً للزمان ، وتطوره ( وأسبغ عليه في النفقة ) اغنه من فضلك ، ووسع عليه من رزقك ( ومتعه بالنشاط ) نشط في عمله : أقبل عليه راغباً فيه ، لا يشغله عنه شاغل

في ظلال الصيحيفة السجادية 364

( وأطف عنه حرارة الشوق ) ألهمه الصبر على فراق الأهل ، والصحب ، والوطن ( وأجره من غم الوحشة ) الغربة وحشة ، فانس أللهم وحشته ، وارحم غربته ( وأثر له حسن النية ) اجعله يؤثر النية الحسنة في غزوه ، وجهاده ، ومعنى حسن النية في الجهاد أن يكون خالصاً لوجه الله الكريم ( وتوله بالعافية ) أمنن عليه بعافية الدنيا ، والآخرة ( وأصحبه السلامة ) في دينه ، وعقله ، وقلبه ، وجسمه .
( وأعفه من الجبن . . . ) أبداً لا نجاح مع الجبن في أي شيء ، أما الجرأة العاقلة مع الصبر فهي سبيل الفوز ، والفلاح ، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « قرنت الهيبة بالخيبة ، والحياء بالحرمان » (1) ( وعلمه السير ، والسنن ) سهل عليه سبيل العلم النافع ، بخاصة المعرفة بسير الصالحين المصلحين وسنة النبي الكريم ، وغني عن البيان أن لهذه المعرفة قيمتها في التوجيه ، والتمييز بين ما ينبغي فعله ، وما يجب تركه ( واعزل عنه الرياء ) لأنه الداء العياء ( وخلصه من السمعة ) : من حب الشهرة ( واجعل فكره . . . ) الظعن : السير ، والرحيل ، والمعنى اجعل جميع أقواله ، وأفعاله ، ومقاصده فيما يرضيك بحيث لا يقدم ، بل ولا يعزم على ارتكاب المحارم ، واكتساب المآثم .
( فإذا صادف عدوك ، وعدوه فقللهم . . . ) المراد جنس العدو ، ولذا أرجع إليه ضمير الجمع ، والمعنى اجعله في قلب المعركة يخشاك ، ولا يخشى سواك ( وأدل له منهم . . . ) أدال لفلان من خصمه : نصره عليه ، واقتص له منه ، والمعنى أنصر الطيبين على الخبثاء المعتدين ، ولا عكس ( فإن ختمت له . . . ) ولغيره من
(1) نهج البلاغة : 4 / 6 ، الحكمة ( 21 ) ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 18 / 131 ، ينابيع المودة : 2 / 234 ، تأريخ دمشق : 51 / 264 ، دستور معالم الحكم : 17 ، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : 42 ، عيون الحكم والمواعظ : 371 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 365

المجاهدين في سبيلك بالشهادة ـ فليكن ذلك ثمناً لأنتصار الحق ، والعدل على الظلم ، والفساد .
وفي شتى الأحوال فإن الله سبحانه لا يأذن بالحرب ، والقتال لمجرد الغضب ، والعاطفة ، وبلا تعقل ، وتدبر ، ولا إعداد العدة . وقديماً قيل : « لا يفل الحديد إلا الحديد » (1) .
أللهم ، وأيما مسلم خلف غازياً ، أو مرابطاً في داره ، أو تعهد خالفيه في غيبته ، أو أعانه بطائفة من ماله ، أو أمده بعتاد ، أو شحذه على جهاد ، أو أتبعه في وجهه دعوة ، أو رعى له من ورآئه حرمة . . . فأجر له مثل أجره وزناً بوزن ، ومثلاً بمثل .
وعوضه من فعله عوضاً حاضراً يتعجل به نفع ما قدم ، وسرور ما أتى به ، إلى أن ينتهي به الوقت إلى ما أجريت له من فضلك ، وأعددت له من كرامتك .
( أللهم ، وأيما مسلم خلف غازياً ، أو مرابطاً في داره ) هذا المجرور متعلق بخلف ، وفي مجمع البحرين للشيخ الطريحي : « أصل المرابطة الملازمة ، والمواظبة ، وملازمة ثغر العدو . . . وأيضاً من المرابطة حبس الرجل نفسه على تحصيل معالم الدين ، بل هو أبلغ في إسم المرابطة ، فإن مهام الدين أولى بالأهتمام » (2) . وبعد أن
(1) هذا القول مأخوذ من شعر النطاح :
وائل بعضها يقتل بعضاً لا يفل الحديد إلا الحديد

انظر ، تأريخ خليفة بن خياط للعصفري : 371 ، تأريخ الطبري : 6 / 465 .
(2) انظر ، مجمع البحرين : 2 / 132 ، النهاية : 2 / 186 ، لسان العرب : 7 / 302 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 366

دعا الإمام عليه السلام لكل جندي ، وفدائي يدافع بنفسه عن دينه ، ووطنه ، دعا للكفيل الذي يخلف هذا المجاهد في داره ، وأهله ، يرعاهم ، ويقوم بحوائجهم في غيابه ( أو تعهد خالفيه في غيبته ) أي تردد ، وتفقد أهل المجاهد ، أو كفيلهم ، وسأله عن حالهم ، وعرض الخدمة ، والمساعدة ( أو أعانة بطائفة من ماله ) أي أعان المجاهد بشيء من المال ( أو أمده بعتاد ) بسلاح ، وما أشبه .
( أو شحذه على جهاد ) حمله عليه ، ورغبة فيه ( أو أتبعه في وجهه عوة ) دعا له بالفوز ، والنصر ، والمراد بالوجه هنا الجهة المقصودة للمجاهد ( أو رعى له من ورآئه حرمة ) حفظ مكانته ، وكرامته في غيابه ( فأجر له مثل أجره . . . ) هذا جواب أيما مسلم . . . والمعنى كل من أعان مجاهداً ، أو أدخل عليه السرور ، أو على ذويه بجهة من الجهات ـ فاكتب له أجر المجاهد بالذات ، ولا تنقصه عنه شيئاً ، فإن خزائنك تفيض ، ولا تغيض ( وعوضه من فعله عوضاً حاضراً . . . ) امنن عليه بخير الدنيا ، والآخرة معاً ( إلى أن ينتهي . . . ) إلى أن ينتقل من دنياه إلى رضوانك ، وجنانك .
أللهم ، وأيما مسلم أهمه أمر الإسلام ، وأحزنه تحزب أهل ألشرك عليهم فنوى غزواً ، أو هم بجهاد فقعد به ضعف ، أو أبطأت به فاقة ، أو أخره عنه حادث ، أو عرض له دون إرادته مانع ، فاكتب اسمه في العابدين ، وأوجب له ثواب المجاهدين ، واجعله في نظام الشهدآء ، والصالحين .
أللهم صل على محمد عبدك ، ورسولك ، وآل محمد صلاةً عاليةً على الصلوات مشرفة فوق التحيات ، صلاة لا ينتهي أمدها ، ولا ينقطع عددها كأتم ما مضى من صلواتك على أحد من أوليآئك ،

في ظلال الصيحيفة السجادية 367

إنك المنان الحميد المبدئ المعيد الفعال لما تريد .
( أللهم ، وأيما مسلم أهمه أمر المسلمين ) أصول الكافي عن الرسول صلى الله عليه وأله : « من لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم » (1) وعن الإمام الصادق عليه السلام : « عليك بالنصح لله في خلقه ، فلن تلقاه بعمل أفضل منه » (2) ( وأحزنه تحزب أهل ألشرك عليهم فنوى غزواً . . . ) يدعو الإمام عليه السلام لمن صح منه العزم على الجهاد ، ثم عرض له مانع من مرض ، أو عجز مادي ، أو أي شيء ـ أن يكتب الله سبحانه ( اسمه في العابدين ) ويوجب له ( ثواب الشهدآء ، والصالحين ) وهذا ثابت بنص الكتاب ، والسنة ، وما دعاء الإمام به إلا مجرد تشجيع ، وتكريم لأرباب المقاصد الخيرية ، والنوايا الخالصة . . . وكل المسلمين يسألون الله أن يصلي على محمد علماً منهم بأنه يصلي عليه وملائكة السماء بلا دعاء ، ورجاء .
قال سبحانه : « ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله » (3) وفي الحديث الشريف : « من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنه حسنة كاملة ، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه » (4) ، والآية : « يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم » (5) . وما من شك أن نية الخير
(1) انظر ، الكافي : 2 / 164 ح 4 ، شرح اصول الكافي : 9 / 29 ، وسائل الشيعة : 16 / 336 ، بحار الأنوار : 71 / 337 .
(2) انظر ، الكافي : 2 / 164 ح 3 ، شرح اصول الكافي : 9 / 29 ، بحار الأنوار : 71 / 338 .
(3) النساء : 100 .
(4) انظر ، المحلى لابن حزم الظاهري : 4 / 193 ، الكافي : 2 / 428 ، توحيد الصدوق : 408 ، شرح اصول الكافي : 10 / 162 ، وسائل الشيعة : 1 / 55 ، بحار الانوار : 68 / 253 .
(5) الشعراء : 88 ـ 89 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 368

بمجردها خير .
( أللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، وآل محمد صلاةً . . . ) تبلغهم بها أفضل ما يأملون من خيرك ، وفضلك : إنك الباسط ، والقابض ، والرافع ، والخافض . وفي الختام سيد الأنام : « من صلى علي صلى الله عليه ، ومن شاء فليقلل ، ومن شاء فليكثر » (1) . أللهم صل على محمد ، وآله محمد .
(1) انظر ، الكافي : 2 / 492 ح 7 ، شرح اصول الكافي : 10 / 270 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 2 / 399 ، السنن الكبرى : 1 / 510 ، وسائل الشيعة : 7 / 194 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي