ودعاء الإمام عليه السلام يومئ إلى أن الأمراض كلها ، أو جلها ترجع إلى الأطعمة ، والأشربة ، ولا ريب في ذلك عند أهل الإختصاص . وفي الحديث الشريف : « المعدة بيت الداء ، والحمية رأس الدواء ، وعودوا بدناً ما اعتاد » (1) ، وإنما كانت المعدة بيت الداء ؛ لأنها مستودع الغذاء طعاماً ، وشراباً . وبالمناسبة كان القدامى يتصارعون ، ويتطاحنون على الماء تماماً كما هي الحال الآن بين الدول الكبرى في التنافس ، والتسابق إلى الذهب الأسود .
( وارم بلادهم بالخسوف ) خسفت الأرض : انشقت ، والمعنى أن تنشق الأرض ، وتبتلع ما على ظهرها مما يملكون ، ويقتنون ، قال سبحانه : « فخسفنا به وبداره الأرض » (2) ، ( وألح عليها بالقذوف ) بريح عاصفة قاصفة لا تبقي ، ولا تذر لهم من شيء ( وافرعها بالمحول ) فرع رأسه بالعصا : ضربه بها ، وأرض محول : جدبة ( واجعل ميرهم ) : جمع ميرة ، وهي الطعام يجلب من بلد لآخر ( في أحص أرضك ) في أكثرها جدباً ، وأقلها خيراً ( وامنع حصونها منهم . . . ) ضمير الغائب في حصونها للميرة ، والمعنى اجعل الأقوات في حصون حصينة لا يستطيع أعداء الله ، والإنسانية الوصول إليها حتى يموتوا جوعاً ، ومرضاً .
أللهم ، وأيما غاز غزاهم من أهل ملتك ، أو مجاهد جاهدهم من أتباع سنتك ليكون دينك الأعلى ، وحزبك الأقوى ، وحظك الأوفى فلقه اليسر ، وهيئ له الأمر ، وتوله بالنجح ، وتخير له الأصحاب ، واستقو له الظهر ، وأسبغ عليه في النفقة .
ومتعه بالنشاط ، وأطف عنه حرارة الشوق ، وأجره من غم الوحشة ، وأنسه ذكر الأهل ، والولد ، وأثر له حسن النية ، وتوله بالعافية ، وأصحبه السلامة ، وأعفه من الجبن ، وألهمه الجرأة ، وارزقه الشدة ، وأيده بالنصرة ، وعلمه السير ، والسنن ، وسدده في الحكم ، واعزل عنه الرياء ، وخلصه من السمعة ، واجعل فكره ، وذكره ، وظعنه ، وإقامته فيك ، ولك .
فإذا صادف عدوك ، وعدوه فقللهم في عينه ، وصغر شأنهم في قلبه ، وأدل له منهم ، ولا تدلهم منه فإن ختمت له بالسعادة ، وقضيت له بالشهادة فبعد أن يجتاح عدوك بالقتل ، وبعد أن يجهد بهم الأسر ، وبعد أن تأمن أطراف المسلمين ، وبعد أن يولي عدوك مدبرين .
( أللهم ، وأيما غاز . . . ) الغزو : السير إلى العدو ، وقتاله في عقر داره ، والجهاد أعم ، وأشمل ، والملة : الشريعة الدينية ، وأيضاً تطلق على الدين بوجه عام ، والسنة : الشريعة ، والطريقة . . . لما دعا الإمام عليه السلام لأهل الثغور ، وحماة الحدود ، دعا لكل من غزا ، وجاهد لنصرة الحق ، وإعزازه ، وخذلان الباطل ، وإذلاله ( فلقه ) جواب أي غاز ، ومجاهد ، والمعنى أعط كل مكافح ، ومناضل في سبيلك ( اليسر ، وهيء له الأمر ، وتوله بالنجح ) اشمله بعنايتك ، ورعايتك ، واكتب له الفوز ، والنجاح ( وتخير له الأصحاب ) من أهل الصدق ، والوفاء لا من أهل الكذب ، والرياء .
( واستقو له الظهر ) المراد بالظهر هنا كل ما يركب من سيارة ، أو حمارة تبعاً للزمان ، وتطوره ( وأسبغ عليه في النفقة ) اغنه من فضلك ، ووسع عليه من رزقك ( ومتعه بالنشاط ) نشط في عمله : أقبل عليه راغباً فيه ، لا يشغله عنه شاغل
( وأطف عنه حرارة الشوق ) ألهمه الصبر على فراق الأهل ، والصحب ، والوطن ( وأجره من غم الوحشة ) الغربة وحشة ، فانس أللهم وحشته ، وارحم غربته ( وأثر له حسن النية ) اجعله يؤثر النية الحسنة في غزوه ، وجهاده ، ومعنى حسن النية في الجهاد أن يكون خالصاً لوجه الله الكريم ( وتوله بالعافية ) أمنن عليه بعافية الدنيا ، والآخرة ( وأصحبه السلامة ) في دينه ، وعقله ، وقلبه ، وجسمه .
( وأعفه من الجبن . . . ) أبداً لا نجاح مع الجبن في أي شيء ، أما الجرأة العاقلة مع الصبر فهي سبيل الفوز ، والفلاح ، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « قرنت الهيبة بالخيبة ، والحياء بالحرمان » (1) ( وعلمه السير ، والسنن ) سهل عليه سبيل العلم النافع ، بخاصة المعرفة بسير الصالحين المصلحين وسنة النبي الكريم ، وغني عن البيان أن لهذه المعرفة قيمتها في التوجيه ، والتمييز بين ما ينبغي فعله ، وما يجب تركه ( واعزل عنه الرياء ) لأنه الداء العياء ( وخلصه من السمعة ) : من حب الشهرة ( واجعل فكره . . . ) الظعن : السير ، والرحيل ، والمعنى اجعل جميع أقواله ، وأفعاله ، ومقاصده فيما يرضيك بحيث لا يقدم ، بل ولا يعزم على ارتكاب المحارم ، واكتساب المآثم .
( فإذا صادف عدوك ، وعدوه فقللهم . . . ) المراد جنس العدو ، ولذا أرجع إليه ضمير الجمع ، والمعنى اجعله في قلب المعركة يخشاك ، ولا يخشى سواك ( وأدل له منهم . . . ) أدال لفلان من خصمه : نصره عليه ، واقتص له منه ، والمعنى أنصر الطيبين على الخبثاء المعتدين ، ولا عكس ( فإن ختمت له . . . ) ولغيره من
المجاهدين في سبيلك بالشهادة ـ فليكن ذلك ثمناً لأنتصار الحق ، والعدل على الظلم ، والفساد .
وفي شتى الأحوال فإن الله سبحانه لا يأذن بالحرب ، والقتال لمجرد الغضب ، والعاطفة ، وبلا تعقل ، وتدبر ، ولا إعداد العدة . وقديماً قيل : « لا يفل الحديد إلا الحديد » (1) .
أللهم ، وأيما مسلم خلف غازياً ، أو مرابطاً في داره ، أو تعهد خالفيه في غيبته ، أو أعانه بطائفة من ماله ، أو أمده بعتاد ، أو شحذه على جهاد ، أو أتبعه في وجهه دعوة ، أو رعى له من ورآئه حرمة . . . فأجر له مثل أجره وزناً بوزن ، ومثلاً بمثل .
وعوضه من فعله عوضاً حاضراً يتعجل به نفع ما قدم ، وسرور ما أتى به ، إلى أن ينتهي به الوقت إلى ما أجريت له من فضلك ، وأعددت له من كرامتك .
( أللهم ، وأيما مسلم خلف غازياً ، أو مرابطاً في داره ) هذا المجرور متعلق بخلف ، وفي مجمع البحرين للشيخ الطريحي : « أصل المرابطة الملازمة ، والمواظبة ، وملازمة ثغر العدو . . . وأيضاً من المرابطة حبس الرجل نفسه على تحصيل معالم الدين ، بل هو أبلغ في إسم المرابطة ، فإن مهام الدين أولى بالأهتمام » (2) . وبعد أن
دعا الإمام عليه السلام لكل جندي ، وفدائي يدافع بنفسه عن دينه ، ووطنه ، دعا للكفيل الذي يخلف هذا المجاهد في داره ، وأهله ، يرعاهم ، ويقوم بحوائجهم في غيابه ( أو تعهد خالفيه في غيبته ) أي تردد ، وتفقد أهل المجاهد ، أو كفيلهم ، وسأله عن حالهم ، وعرض الخدمة ، والمساعدة ( أو أعانة بطائفة من ماله ) أي أعان المجاهد بشيء من المال ( أو أمده بعتاد ) بسلاح ، وما أشبه .
( أو شحذه على جهاد ) حمله عليه ، ورغبة فيه ( أو أتبعه في وجهه عوة ) دعا له بالفوز ، والنصر ، والمراد بالوجه هنا الجهة المقصودة للمجاهد ( أو رعى له من ورآئه حرمة ) حفظ مكانته ، وكرامته في غيابه ( فأجر له مثل أجره . . . ) هذا جواب أيما مسلم . . . والمعنى كل من أعان مجاهداً ، أو أدخل عليه السرور ، أو على ذويه بجهة من الجهات ـ فاكتب له أجر المجاهد بالذات ، ولا تنقصه عنه شيئاً ، فإن خزائنك تفيض ، ولا تغيض ( وعوضه من فعله عوضاً حاضراً . . . ) امنن عليه بخير الدنيا ، والآخرة معاً ( إلى أن ينتهي . . . ) إلى أن ينتقل من دنياه إلى رضوانك ، وجنانك .
أللهم ، وأيما مسلم أهمه أمر الإسلام ، وأحزنه تحزب أهل ألشرك عليهم فنوى غزواً ، أو هم بجهاد فقعد به ضعف ، أو أبطأت به فاقة ، أو أخره عنه حادث ، أو عرض له دون إرادته مانع ، فاكتب اسمه في العابدين ، وأوجب له ثواب المجاهدين ، واجعله في نظام الشهدآء ، والصالحين .
أللهم صل على محمد عبدك ، ورسولك ، وآل محمد صلاةً عاليةً على الصلوات مشرفة فوق التحيات ، صلاة لا ينتهي أمدها ، ولا ينقطع عددها كأتم ما مضى من صلواتك على أحد من أوليآئك ،
إنك المنان الحميد المبدئ المعيد الفعال لما تريد .
( أللهم ، وأيما مسلم أهمه أمر المسلمين ) أصول الكافي عن الرسول صلى الله عليه وأله : « من لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم » (1) وعن الإمام الصادق عليه السلام : « عليك بالنصح لله في خلقه ، فلن تلقاه بعمل أفضل منه » (2) ( وأحزنه تحزب أهل ألشرك عليهم فنوى غزواً . . . ) يدعو الإمام عليه السلام لمن صح منه العزم على الجهاد ، ثم عرض له مانع من مرض ، أو عجز مادي ، أو أي شيء ـ أن يكتب الله سبحانه ( اسمه في العابدين ) ويوجب له ( ثواب الشهدآء ، والصالحين ) وهذا ثابت بنص الكتاب ، والسنة ، وما دعاء الإمام به إلا مجرد تشجيع ، وتكريم لأرباب المقاصد الخيرية ، والنوايا الخالصة . . . وكل المسلمين يسألون الله أن يصلي على محمد علماً منهم بأنه يصلي عليه وملائكة السماء بلا دعاء ، ورجاء .
قال سبحانه : « ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله » (3) وفي الحديث الشريف : « من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنه حسنة كاملة ، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه » (4) ، والآية : « يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم » (5) . وما من شك أن نية الخير
بمجردها خير .
( أللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، وآل محمد صلاةً . . . ) تبلغهم بها أفضل ما يأملون من خيرك ، وفضلك : إنك الباسط ، والقابض ، والرافع ، والخافض . وفي الختام سيد الأنام : « من صلى علي صلى الله عليه ، ومن شاء فليقلل ، ومن شاء فليكثر » (1) . أللهم صل على محمد ، وآله محمد .
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||