في ظلال الصيحيفة السجادية 327

الدعاء الخامس والعشرون

دعاؤه لولده عليه السلام

أللهم ، ومن علي ببقاء ولدي ، وبإصلاحهم لي ، وبإمتاعي بهم ، إلهي أمدد لي في أعمارهم ، وزد لي في آجالهم ، ورب لي صغيرهم ، وقو لي ضعيفهم ، وأصح لي أبدانهم ، وأديانهم ، وأخلاقهم ، وعافهم في أنفسهم ، وفي جوارحهم ، وفي كل ما عنيت به من أمرهم ، وأدرر لي وعلى يدي أرزاقهم ، واجعلهم أبراراً أتقياء بصراء سامعين مطيعين لك ، ولأوليائك محبين مناصحين ، ولجميع أعدائك معاندين ، ومبغضين آمين . . .
( أللهم ، ومن علي ببقاء ولدي ) يتمنى الوالد طول الحياة لولده ، لأنه امتداد لوجوده ، وذكره ، وأجله ، وعمره ( وبإصلاحهم لي ) اجعلهم من أهل الإيمان ، والصلاح كي يطيعوك شاكرين ، ويسمعوا مني غير عاصين ( وبإمتاعي بهم . . . ) اتقوى بهم في شيوختي ، ويخدموني في ضعفي ، وعلتي ( ورب لي صغيرهم ) مدني بالعون من فضلك على تربيتهم تربية صالحة نافعة .

في ظلال الصيحيفة السجادية 328



التوكل في العمل لا في البطالة ، والكسل

( وقو لي ضعيفهم ، وأصح . . . ) أسألك يا إلهي أن يكون أولادي بالكامل اصحاء أقوياء ، وأبراراً أتقياء . . . وليس معنى هذا أن يهمل الوالد شأن أولاده بالمرة ، ويترك تدبيرهم لله وهو واقف ينظر ، ويتفرج ، بل معناه أن يأخذ للأمر هبته من أجلهم ، ويكافح بلا كلل ، وملل ، في سبيلهم متوكلاً على الله مستعيناً به في التوفيق ، وبلوغ الغاية ، والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، كيف ! وقد أمر بالجهاد ، والنضال وقال فيما قال : « وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون » (1) ، وندد بمن يعيش كلاً على سواه في الآية : « وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لايأت بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم » (2) .
وما من شك أن من ترك الكدح ، والعمل من طاقته ، وقدرته بزعم الإتكال على الله ـ فقد تمرد على أمره تعالى ، ووضع رأيه فوق مشيئة الخالق ، وإرادته من حيث يريد ، أو لا يريد ، وتواتر عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « إعقلها وتوكل » (3) ، وقال حكيم قديم : « إن الله سبحانه أمرنا بالتوكل عليه في العمل لا في البطالة ، والكسل » (4) . وبكلام آخر أن التربية من صنع الإنسان ، ولها أسس ، وقوانين تماماً كالصناعة ،
(1) التوبة : 105 .
(2) النحل : 76 .
(3) انظر ، صحيح الترمذي : 4 / 77 ، فتح الباري : 3 / 304 ، الجامع الصغير : 1 / 180 ، كنز العمال : 3 / 101 ح 5687 و 5695 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 20 / 306 ، صحيح ابن حبان : 2 / 510 .
(4) انظر ، المبسوط للسرخسي : 30 / 247 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 329

والزراعة ، وغيرهما ، والإمام عليه السلام في دعائه هذا يسأل الله سبحانه أن يمهد له السبيل إلى التنفيذ ، والقيام بما فرضه عليه من تربية الأولاد ، والعناية بهم ، والكدح من أجلهم ، وسبق الكلام عن ذلك (1) ، وأيضاً قد يأتي باسلوب ثالث ، أو رابع .


أجهل الناس بالله

( وأدرر لي ، وعلى يدي أرزاقهم ) ما داموا صغاراً ، وأطفالاً حتى إذا بلغوا أشدهم سعوا في الأرض ، وأكلوا من كد اليمين . وفيه إيماء إلى أنه ينبغي للإنسان أن يحتاط ويحترز من أن يترك أيتاماً بلا مال ، ولا راع ، وكفيل ، وفي الحديث : « إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس » وقريب منه قوله تعالى : « وليستعفف الذين لايجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله » (2) .
وأجهل خلق الله بالله ، ودينه ، وسنته ، وشريعته ، من ترك العلاج للشفاء ، والسعي للرزق زاعماً ـ بلسان حاله ، وأفعاله ـ أنه قد أخذ من الله عهداً أن يعطيه ما يحتاج بمجرد نية التوكل دون أن يسرح ، ويتزحزح ! إن الله سبحانه هو الذي يشفي المريض ، ما في ذلك ريب ، ولكن بالعلاج ، ويطعم الجائع ، ولكن بالسعي تماماً كما يخلق الحيوان من النطفة ، والشجرة من النواة ، والليل ، والنهار من دوران الأرض . . . وهكذا كل ما في السماوات ، والأرض من أسباب ، ومسببات ، ترد إلى السبب الأول كما قال تعالى : « الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى » (3) .
أللهم اشدد بهم عضدي ، وأقم بهم أودي ، وكثر بهم عددي ، وزين
(1) انظر ، الدعاء العشرون .
(2) النور : 33 .
(3) الأعلى : 2 ـ 3 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 330

بهم محضري ، وأحيي بهم ذكري ، واكفني بهم في غيبتي ، وأعني بهم على حاجتي ، واجعلهم لي محبين ، وعلي حدبين مقبلين مستقيمين لي ، مطيعين غير عاصين ، ولا عاقين ، ولا مخالفين ، ولا خاطئين ، وأعني على تربيتهم ، وتأديبهم ، وبرهم ، وهب لي من لدنك معهم اولاداً ذكوراً ، واجعل ذلك خيراً لي ، واجعلهم لي عوناً على ما سألتك .
هذا الجزء من الدعاء واضح لا يحتاج إلى الشرح ، والتفسير ، وأيضاً تقدم بالحرف ، أو بالمضمون في هذا الدعاء ، وغيره ، ولذا نكتفي بالإشارة إلى المراد من بعض المفردات ، والفرق بين عطف الوالد على ولده ، وعطف هذا على أبيه ، ثم نذكر ما يهدف إليه الإمام بإشارة خاطفة .
( عضدي ) العضد : الساعد وهو من المرفق إلى الكتف ، والمراد به هنا القوة ، والمساعدة ، قال سبحانه : « قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً » (1) ، أي يساعدك ، ويعينك ( أودي ) : ثقلي ، وحملي ، قال عز من قائل : « ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم » (2) أي لا يثقله حفظهما ( حدبين ) : مشفقين .


بين عطف الوالد ، والولد

أوصى سبحانه الولد بوالديه ، وأمره بالعطف عليهما ، ولم يوص الوالد بشيء من ذلك ، والسر واضح ؛ لأن الولد بعضة من الوالد ، بل هو نفسه ، ولا عكس ، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لولده الإمام الحسن عليه السلام : « وجدتك بعضي ، بل وجدتك كلي
(1) القصص : 35 .
(2) البقرة : 255 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 331

حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني » (1) وكتب ولد لوالده : جعلت فداك . فكتب إليه والده : لا تقل مثل هذا ، فأنت على يومي أصبر مني على يومك . ومن الأمثال عندنا في جبل عامل : قلبي على قلب ولدي ، وقلب ولدي علي من حجر (2) . وقال سبحانه : « إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم » (3) وما قال : إن من آبائكم ، وأمهاتكم عدواً لكم فاحذروهم ، لأن عاطفة الوالدين ذاتية كما أشرنا ، أما عاطفة الولد نحو أبويه فهي في ـ الغالب ـ مجرد المصلحة ، وقد تكون هذه المصلحة في موت والده . فينقلب عليه عدواً كما أشارت آية التغابن ، وفي الأشعار (4) :
أرى ولد الفتى كلاً عليه لقد سعد الذي أمسى عقيماً
فـإما أن تـربية عدواً وإمـا أن تخلفه يـتـيماً

وكنت ذات يوم في « التكسي » ذاهباً إلى المطبعة ، وفيها مراهقان ، فسمعت أحدهما يقول للآخر : هنيئاً لك ، أبوك من ذوي الأملاك ، والأموال . فقال له علناً وبكل صراحة ، ووقاحة : « لكن العكروت (5) ما كان يموت » والكثير من الجيل
(1) انظر ، نهج البلاغة : 3 / 38 ، الكتاب ( 31 ) ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 16 / 57 ، شرح نهج البلاغة لعبده : 3 / 43 ، نظم درر السمطين : 162 ، ينابيع المودة : 3 / 438 ، تحف العقول : 68 ، مناقب آل أبي طالب : 3 / 199 .
(2) انظر ، كتاب الأمثال البغدادية : 351 .
(3) التغابن : 14 .
(4) ينسب هذه الشعر إلى القاضي أبي القاسم التنوخي ( الصغير ) ، قبل موته بقليل ، دخل عليه القاضي أبي عبد الله ابن الدامغاني ، قال فأخرج إلي ولده من جارية له فلما رآها بكى فقلت : تعيش إن شاء الله ، وتربيه ، ويقر الله عينك به ، فقال : هيهات والله ما يتربى إلا يتيماً ، وأنشد هذه الشعر . انظر ، معجم الأدباء : 14 / 110 ـ 124 .
(5) العكروت : كلمة قبيحة في اللهجة اللبنانية .
في ظلال الصيحيفة السجادية 332

الجديد على هذه الطوية ، والسجية .
وبعد ، فإن الولد إما نعيم ليس كمثله إلا الجنة ، وإما جحيم دونه عذاب الحريق ، والويل كل الويل لمن إبتلاه الله بامرأة سوء ، وولد عاق . . . والإمام عليه السلام يدعو الله ويناشده في أن يمده ، ويسعده بأولاد يحبهم ، ويحبونه ، أذلة عليه ، وعلى المؤمنين ، أعزة على أعداء الله ، وأعدائه ، وزين له في مغيبه ، ومحضره ، وفي الحديث : « إن الله سبحانه رفع العذاب عن رجل أدرك له ولد صالح ، فأصلح طريقاً ، وآوى يتيماً » (1) .
وأعذني ، وذريتي من الشيطان الرجيم ، فإنك خلقتنا ، وأمرتنا ، ونهيتنا ، ورغبتنا في ثواب ما أمرتنا ، ورهبتنا عقابه ، وجعلت لنا عدواً يكيدنا ، سلطته منا على ما لم تسلطنا عليه منه ، أسكنته صدورنا ، وأجريته مجاري دمائنا ، لا يغفل إن غفلنا ، ولا ينسى إن نسينا ، يؤمننا عقابك ، ويخوفنا بغيرك ، إن هممنا بفاحشة شجعنا عليها ، وإن هممنا بعمل صالح ثبطنا عنه ، يتعرض لنا بالشهوات ، وينصب لنا بالشبهات ، إن وعدنا كذبنا وإن منانا ، أخلفنا وإلا تصرف عنا كيده . . . يضلنا ، وإلا تقنا خباله . . . يستزلنا .
أللهم فاقهر سلطانه عنا بسلطانك حتى تحبسه عنا بكثرة الدعاء لك ، فنصبح من كيده في المعصومين بك .
( وأعذني ، وذريتي . . . ) واضح ، وتقدم (2) . ( فإنك خلقتنا ، وأمرتنا . . . ) خلق
(1) انظر ، الكافي : 6 / 4 ، أمالي الشيخ الصدوق : 414 ، وسائل الشيعة : 11 / 561 ح 2 .
(2) انظر ، الدعاء : الثالث والعشرون .
في ظلال الصيحيفة السجادية 333

سبحانه الإنسان ، ومنحه العقل ، والقدرة ، والحرية ، وبهذه العناصر الثلاثة مجتمعة يستحق الثواب على الطاعة ، والعقاب على المعصية ( ورهبتنا عقابه ) أي خوفتنا عقاب عصيان ما أمررتنا به ، ونهيتنا عنه ( وجعلت لنا عدواً ) وهو الوسواس الخناس الذي يغلي في الصدور من الحقد ، والحسد ، والعزم على غيرهما من المآثم . . . والدليل على ارادة هذا المعنى قوله : ( أسكنته صدورنا ، وأجريته مجاري دمائنا ) ، أما قوله : ( سلطته منا على ما لم تسلطنا عليه ) فمعناه أن هذا الوسواس الخبيث لا هو يذهب من تلقائه ، ولا نحن نستطيع الفرار منه . . . وهذا صحيح لا ريب فيه ، ومن أجل ذلك لا يحاسب سبحانه ، ويعاقب على أي شيء يدور ، ويمور في النفس من الإفكار ، والنوايا السوداء إلا إذا ظهرت ، وتجسمت في قول ، أو فعل .
( يؤمننا عقابك ) يضمن لنا الأمن ، والأمان من غضبك ، وعذابك ( ويخوفنا بغيرك ) ومن ذلك أن الله سبحانه قال : « يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم وممآ أخرجنا لكم من الأرض » (1) ، والنفس الأمارة ، أو الوسواس يخوفنا الفقر ، إن أطعنا ، وأنفقنا ( إن هممنا بفاحشة شجعنا عليها . . . ) يشير بهذا إلى جهاد النفس التي تحاول التغلب بالهوى على العقل ، والتقوى ( وينصب لنا بالشبهات ) أظهر لنا الأفكار الخاطئة التي تلبس الحق ثوب الباطل ، والباطل ثوب الحق ، وتوقع السذج البسطاء في الشك ، والحيرة .
( إن وعدنا كذبنا . . . ) قال سبحانه وتعالى : « يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً » (2) ( وإلا تصرف عنا كيده يضلنا ) إقتباس من الآية : « وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين » (3) أي أن لم تعني على
(1) البقرة : 267 .
(2) النساء : 120 .
(3) يوسف : 33 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 334

نفسي أكن من الجاهلين ( وإلا تقنا خباله ) : فساده ( يستزلنا ) يوقعنا بالزلل ، والخطايا ( فأقهر سلطانه عنا بسلطانك . . . ) هب لنا من لدنك صبراً عن الحرام ، ونصراً على الهوى حتى لا نعصيك في جميع الحالات ( تحبسه عنا بكثرة الدعاء لك ) حثثت على الدعاء ، ووعدت بالإجابة ، وقد دعونا أن تصد عنا كل مكروه ، وتوسلنا بك ، وأكثرنا ، فكن لدعائنا مجيباً ، ومن ندائنا قريباً .
أللهم أعطيني كل سؤلي ، واقض لي حوائجي ، ولا تمنعني الإجابة وقد ضمنتها لي ، ولا تحجب دعائي عنك ، وقد أمرتني به .
وامنن علي بكل ما يصلحني في دنياي ، وآخرتي ما ذكرت منه ، وما نسيت ، أو أظهرت ، أو أخفيت ، أو أعلنت ، أو أسررت .
واجعلني في جميع ذلك من المصلحين بسؤالي إياك ، المنجحين بالطلب إليك ، غير الممنوعين بالتوكل عليك ، والمعودين بالتعوذ بك ، الرابحين في التجارة عليك ، المجارين بعزك ، الموسع عليهم الرزق الحلال من فضلك الواسع بجودك ، وكرمك ، المعزين من الذل بك ، والمجارين من الظلم بعدلك ، والمعافين من إلبلاء برحمتك ، والمغنين من الفقر بغناك ، والمعصومين من الذنوب ، والزلل ، والخطأ بتقواك ، والموفقين للخير ، والرشد ، والصواب بطاعتك ، والمحال بينهم وبين الذنوب بقدرتك ، التاركين لكل معصيتك ، الساكنين في جوارك .
( أللهم أعطني كل سؤلي . . . ) مطلوبي وهو قضاء حوائجي ، فقد أنزلتها بك دون سواك ( ولا تمنعني الإجابة ، وقد ضمنتها لي ) بقولك : « ادعوني أستجب لكم » (1) ،
(1) غافر : 60 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 335

ثم بين الإمام عليه السلام هذه الحوائج بقوله : ( وامنن علي بكل ما يصلحني . . . ) هذا هو هم المؤمن ، وهمته : الصلاح ، وعمل الخير في الدنيا ، والنجاة ، والخلاص في الآخرة ، لا التكاثر ، والتفاخر ( ما ذكرت منه ، وما نسيت . . . ) واضح ، وتقدم مثله (1) .
( واجعلني في جميع ذلك من المصلحين بسؤالي إياك . . . ) أسترشدك بدعائي بكل ما فيه صلاحي في الدنيا ، وفوزي في الآخرة ( غير الممنوعين بالتوكل عليك ) أنت يا إلهي تسمع الشاكين إليك ، ولا تمنع المتوكلين عليك ، وأنا منهم ، وأيضاً أنا من ( المعودين بالتعوذ بك ) لقد عودت الذين يتعوذون بك ، ويلوذون ، أن لا تردهم خائبين ( الرابحين في التجارة عليك ) أي منك كقوله تعالى : « الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون » (2) أي من الناس ، والمجرور متعلق بالراجين ، والمعنى من عمل صالحاً لوجه الله تعالى زاده من فضله ، والإمام يسأل الله أن يجعله من العاملين له لا لسواه ، ومن ( المجارين بعزك ) : المحفوظين بعناية الله ، وحراسته ( الموسع عليهم الرزق الحلال . . . ) ولا شيء أجل ، وأحل من لقمة يأكلها المرء بكدحه ، وسعيه لا بالرياء ورداء الصلحاء .
( المعزين من الذل بك ) أي بطاعتك ، وكم من أناس طلبوا العز بالنسب ، والثراء ، والخداع ، والرياء فاتضعوا ، وذلوا ( والمجارين من الظلم بعدلك ) أجرني بعدلك ، وقدرتك من كل ظالم ( والمعافين من البلاء برحمتك . . . ) أرحمني برحمتك ، وامنن علي قبل البلاء بعافيتك ، وأيضاً اغنني بفضلك عن الناس ، وأبعدني بعنايتك عن الخطا ، والخطيئة ، ووفقني للعمل بطاعتك . . . وكل ذلك تقدم مراراً ، وتكراراً . وأخيراً اجعلني في الآخرة من ( الساكنين في جوارك ) ومن سكن
(1) انظر ، الدعاء ، الثاني والعشرون .
(2) المطففين : 2 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 336

في جوار العظيم الكريم فهو في حرز حارز ، وحصن مانع من كل سوء .
أللهم أعطنا جميع ذلك بتوفيقك ، ورحمتك ، وأعذنا من عذاب السعير ، وأعط جميع المسلمين ، والمسلمات ، والمؤمنين ، والمؤمنات مثل الذي سألتك لنفسي ، ولولدي في عاجل الدنيا وآجل الآخرة .
إنك قريب ، مجيب ، سميع ، عليم ، عفو ، غفور ، رؤوف ، رحيم . وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
( أللهم أعطنا جيمع ذلك . . . ) إشارة إلى كل ما تقدم من صحة الأبدان ، والأديان إلى وفرة الأرزاق ، والسكنى في جوار الرحمن ( وأعط جميع المسلمين ، والمسلمات . . . ) ختم الإمام دعاءه هذا بالرجاء أن يوفق سبحانه ، ويسهل السبيل إلى ما ذكر ، وسأل لنفسه ، ولذويه ، وأهل التوحيد ، لأن من أخص خصائص المؤمن أن يكون تعاونياً مع الجميع . وفي الحديث : « للمؤمن على أخيه المؤمن ثلاثون حقاً . . . ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه » (1) . . . « المؤمنون كالجسد الواحد إلا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى » (2) هذا ، إلى أن العلاقة ما بين أفراد المجتمع الواحد حتمية لتشابك المصالح ، ووحدة المصير . ( وآتنا في الدنيا حسنة . . . ) تقدم مثله (3) .
(1) انظر ، الأختصاص للشيخ المفيد : 234 ، أمالي الطوسي : 478 ، المجموع : 9 / 153 ، المحلى : 11 / 143 .
(2) روي هذا الحديث بألفاظ متعددة كما جاء في حواشي الشرواني : 9 / 180 ،كتاب المؤمن : 38 ح 85 و 86 ، الكافي : 2 / 166 ، شرح اصول الكافي : 9 / 34 ، العهود المحمدية : 588 ، البداية والنهاية : 7 / 47 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 3 / 235 .
(3) انظر ، آخر الدعاء : العشرون .
في ظلال الصيحيفة السجادية 337

الدعاء السادس والعشرون

دعاؤه لجيرانه ، وأوليائه

أللهم صل على محمد وآله ، وتولني في جيراني ، وموالي العارفين بحقنا ، والمنابذين لأعدائنا بأفضل ولايتك ، ووفقهم لإقامة سنتك ، والأخذ بمحاسن أدبك في إرفاق ضعيفهم ، وسد خلتهم ، وعيادة مريضهم ، وهداية مسترشدهم ، ومناصحة مستشريهم ، وتعهد قادمهم ، وكتمان أسرارهم ، وستر عوراتهم ، ونصرة مظلومهم ، وحسن مواساتهم بالماعون ، والعود عليهم بالجدة ، والإفضال ، وإعطاء ما يجب لهم قبل السؤال .
( وتولني ) يقال : الله وليك أي حافظك ، وتولى أمرك : قام به واعتني ، وهذا هو المقصود هنا ( وموالي العارفين بحقنا ) المراد بالموالي هنا من دان ، وتشيع لأهل البيت ، أما حقهم فالمراد به الطاعة فيما يقولون ، والتمسك بهم تماماً كالتمسك بالقرآن الكريم لحديث الثقلين (1) وآية التطهير : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
(1) ( يا أيها الناس إني فرط ، وأنتم واردون علي الحوض ، وإن عرضه ما بين بصرى إلى صنعاء =
في ظلال الصيحيفة السجادية 338

= ( كانت بصرى أسماً لقرية بالقرب من دمشق ، وأخرى بالقرب من بغداد ) فيه عدد النجوم قدحان من فضه ، وإني سائلكم عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما . فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله ، طرف بيد الله وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به ، لا تضلوا ولا تبدلوا ، وعترتي أهل بيتي وقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . سألت ذلك لهما ربي ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهما فهم أعلم منكم . ( مجمع الزوائد : 9 / 162 و 163 و 165 ، الحاكم في مستدرك : 3 / 109 ، ابن كثير في البداية والنهاية : 5 / 209 ) .
انظر ، مسند أحمد : 1 / 118 و 119 ، و : 4 / 281 و 368 و 370 و 372 ، سنن ابن ماجه : 1 / 43 / 116 ابن كثير في البداية والنهاية : 5 / 209 و 212 ، تأريخ ابن عساكر : 2 / 13 / 508 و 513 ـ 516 و 523 و 544 و 562 و 569 الطبعة الأولى بيروت ، ينابيع المودة : 249 طبعة اسلامبول : 297 طبعة الحيدرية ، كفاية الطالب : 63 طبعة الحيدرية : 17 طبعة الغرى ، المناقب للخوارزمي : 80 و 94 و 130 ، نظم درر السمطين : 112 ، كنز العمال : 6 / 403 الطبعة الأولى ، و : 15 / 115 / 332 و420 الطبعة الثانية ، أنساب الاشراف للبلاذري : 2 / 112 ، شواهد التنزيل : 1 / 157 / 211 و 192 / 250 ، مجمع الزوائد : 9 / 105 ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد : 5 / 32 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 209 و 289 الطبعة الأولى بمصر ، و : 2 / 289 ، و : 3 / 208 طبعة مصر تحقيق محمد أبو الفضل ، إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار : 151 طبعة السعيدية : 137 طبعة العثمانية ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : 96 طبعة الحيدرية : 26 و 27 طبعة مصر ، الملل والنحل للشهرستاني : 1 / 163 ، بيروت ، مستدرك الحاكم : 3 / 109 ، سنن ابن ماجه باب فضائل علي .
و راجع شواهد التنزيل : 1 / 190 و 191 ، البداية والنهاية لابن كثير : 5 / 209 و 210 و 213 وفيه « قلت لزيد : هل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال : ما كان في الدوحات أحد إلأ رآه بعينه ، وسمعه باذنه . ثم قال ابن كثير : قال شيخنا ابو عبد الله الذهبي : وهذا حديث صحيح » . قال : أللهم اشهد . البداية والنهاية لابن كثير : 5 / 213 ، و : 7 / 349 طبعة القاهرة ، روح المعاني =
في ظلال الصيحيفة السجادية 339

أهل البيت ويطهركم تطهيراً » (1) : وآية المباهلة (2) ، وغير ذلك .
= للآلوسي : 6 / 55 ، و : 2 / 249 طبعة المنيرية ، شواهد التنزيل : 1 / 157 / 211 ـ 215 و 250 الطبعة الأولى بيروت ، مناقب الإمام علي عليه السلام لابن المغازلي : 19 / 24 الطبعة الأولى طهران ، تأريخ اليعقوبي : 2 / 35 ، الغدير للعلامة الأميني : 1 / 230 ، تفسير ابن كثير : 2 / 14 الطبعة الأولى بمصر ، و : 3 / 281 طبعة بولاق .
(1) الأحزاب : 33 .
يقصد بذلك آل الرسول صلى الله عليه وآله ، الذين خصهم الله بالمكارم ، والفضائل ، ونزههم عن النقائص بقوله تعالى : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً » الأحزاب : 33 . وفرض مودتهم على جميع المسلمين بقوله تعالى : « قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى » الشورى : 23 .
انظر ، أسباب النزول للواحدي بسنده عن أحمد ص 276 الطبعة الأولى و 239 . وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : 14 / 184 ، الصواعق المحرقة لابن حجر : 141 و 143 ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 3 / 485 و 486 ، النسائي في الخصائص : 9 ، ينابيع المودة : 1 / 54 ، الكشاف للزمخشري : 1 / 193 ، مسند أحمد بن حنبل : 3 / 259 ط 1983 ، أنساب الأشراف للبلاذري : 104 ، الاعتقاد مذهب السلف للبيهقي : 186 ، المناقب لابن المغازلي : 189 ، ذخائر العقبى للمحب الطبري : 21 ، صحيح مسلم : 7 / 120 و 121 .
(2) « فقل تعالوا ندع أبننآءنا وأبنآءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين »آل عمران : 61 .
اتفق أهل التفسير على نزول هذه الآية في وفد نصارى نجران ، واتفقو أيضاً على أن المعني به في لفظة « أبناءنا » هما الحسن ، والحسين عليهما السلام ، وفي لفظة « نساءنا » فاطمة الزهراء عليها السلام وفي لفظة « أنفسنا » هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كما صرح بذلك أهل العلم ، لأن الرسول صلى الله عليه وآله استعان بهم في الدعاء إلى الله والتأمين على دعائه لتحصل له الإجابة فيه . هذا من جهة ، ومن جهة ثانية أن النبي صلى الله عليه وآله مراراً ، وتكراراً فسر هذه الآية بأن علي بن أبي طالب عليه السلام هو نفسه صلى الله عليه وآله ولسنا بصدد ذكر الروايات التي تفسر هذا المعنى لكن الآية نزلت في أهل البيت : وهم : علي ، =
في ظلال الصيحيفة السجادية 340

= وفاطمة ، والحسن ، والحسين : ومن شاء فليراجع المصادر التالية .
فتح القدير للشوكاني : 1 / 316 الطبعة الأولى و 347 الطبعة الثانية طبعة مصطفى الحلبي بمصر ، تفسير ابن كثير : 1 / 370 و 371 و 376 ، و : 2 / 52 طبعة بيروت . تفسير الكشاف للزمخشري : 1 / 268 طبعة قم و 370 طبعة بيروت ، تفسير الطبري : 3 / 297 ـ 299 طبعة دار الكتب العلمية بيروت و ص 192 و 330 و 301 طبعة الميمنية بمصر ، و : 22 / 6 ، خلفاء الرسول للعلامة البحراني : 107 ، غاية المرام : 304 باب 4 / 3 ، تأريخ ابن كثير : 5 / 53 و 54 طبعة السعادة سنة 1351 ، إمتاع الأسماع للمقريزي : 502 ، لوامع الحقائق للميرزا أحمد الاشتياني : 31 و 32 ، تلخيص الشافي : 3 / 6 ، كشف المراد : 411 ، كشف الغمة : 1 / 233 ، الصراط المستقيم : 1 / 210 ، حق اليقين : 1 / 268 ، دلائل الصدق : 2 / 386 و 125 ، حق اليقين للسيد شبر : 1 / 270 ، بحار الأنوار : 35 / 257 و 258 نقلاً عن الفصول للشيخ المفيد في إحتجاج الإمام الرضا عليه السلام على المأمون .
اسد الغابة لابن الأثير : 4 / 26 ، الإصابة لابن حجر العسقلاني : 2 / 72 طبعة الميمنية بمصر ، مرآة الجنان لليافعي : 1 / 109 ، أسباب النزول للواحدي : 59 و 74 الطبعة الأولى .
دلائل النبوة لأبي نعيم : 1 / 297 ، فرائد السمطين للحمويني : أوائل السمط الثاني ح 371 ، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي : 3 / 212 طبعة البهية بمصر ، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية : 3 / 5 ، أحكام القرآن للجصاص : 2 / 295 ـ 296 طبعة عبد الرحمن محمد بمصر و 295 الطبعة الثانية تحقيق الفمحاوي ، التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي : 1 / 109 ، فتح البيان في مقاصد القرآن : 2 / 72 ، زاد المسير لابن الجوزي : 1 / 399 ، جامع الاصول لابن الأثير : 9 / 470 ، العمدة لابن البطريق : 192 و 296 ، الخصائص : 97 ، تفسير الحبري : 50 ، المستدرك للحاكم : 3 / 150 ، تأريخ دمشق لابن عساكر : 1 / 255 الطبعة الثانية ، تفسير أبي السعود مطبوع بهامش تفسير الرازي : 2 / 143 طبعة الدار العامرة بمصر ، تفسير الجلالين للسيوطي : 1 / 33 طبعة مصر و77 طبعة دار الكتاب العربي بيروت .
وراجع أيضاً الرياض النضرة للطبري الشافعي : 2 / 248 الطبعة الثانية ، الإتحاف في نسب =
في ظلال الصيحيفة السجادية 341



من هم الشيعة الإمامية ؟

ليس من العدل ، ولا المنطق في شيء أن ينسب ، ويسند أي شيء إلى فرد ، أو فئة ، أو طائفة إلا بدليل قاطع متناً ، وسنداً ، وبالخصوص فيما يعود إلى العقيدة الدينية ، لأن الحد ، والتجريح فيها يدرأ بالشبهات .
والطريق الوحيد لمعرفة العقيدة ، أية عقيدة لقوم ، أو طائفة هو الكتب الدينية عندهم ، وعلى الباحث المنصف أن يطلبها ، ويرجع ، وإن ألصق بهم شيئاً لا عين له ، ولا أثر في هذه الكتب فهو كذاب أشر ، ومفتر قذر . . . وكتب العقيدة عند الشيعة الإمامية كتاب الله ، وسنة نبيه ، ومنها أخبار أهل البيت عليهم السلام ، وآثارهم ، ومن طليعة هذه الآثار الصحيفة السجادية . والإمام السجاد عليه السلام أشار في دعائه هذا إلى أن شيعتهم هم القائمون بسنة الله ، الآخذون بآدابه ، والمراد هنا بسنته تعالى ، وآداب شريعته ، وأحكامه ، وزيادة في التدليل ، والتوضيح نذكر فيما يلي بعض ما قاله الإمام الصادق حفيد الإمام السجاد عليه السلام ، وغيره من الأئمة في خصائص الشيعة ، وصفاتهم :
= الأشراف للشبراوي الشافعي : 5 ، معالم التنزيل للبغوي بهامش تفسير الخازن : 1 / 302 ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : 1 / 18 طبعة النجف ، صحيح مسلم : 2 / 360 بشرح النووي ، و: 7 / 120 طبعة محمد علي صبيح ، و: 4 / 1871 طبعة مصر تحقيق محمد فؤاد ، و: 15 / 176 ط مصر ، خصائص الوحي المبين : 68 الفصل 7 ، صحيح الترمذي : 4 / 293 / 3085 ، و: 5 / 638 / 3724 و 301 / 3808 في باب فضائل أمير المؤمنين ، مسند أحمد : 1 / 185 ط الميمنية ، و: 3 / 97 / 1608 ط دار المعارف ، تفسير القرطبي : 4 / 104 ، أحكام القرآن لابن عربي : 1 / 275 الطبعة الثانية طبعة الحلبي و 175 طبعة السعادة ، صحيح مسلم : باب فضائل علي بن أبي طالب : 2 / 360 طبعة عيسى الحلبي ، و: 4 / 1883 / 61 ، الأربعين المنتقاة : باب 38 ، كفاية الطالب : 641 باب 32 و 8554 و 142 طبعة الحيدرية .
في ظلال الصيحيفة السجادية 342


جاء في سفينة البحار عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنما شيعة علي من عف بطنه ، وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، وخاف عقابه » (1) . وفي رواية ثانية : « إنما شيعتنا من تابعنا ، ولم يخالفنا ، ومن إذا خفنا خاف ، وإذا أمنا أمن ، فاولئك شيعتنا » (2) وهذا طبيعي ، وبديهي ، فالحنفي من اتبع أبا حنيفة ، وكذلك المالكي ، والشافعي ، والحنبلي . . .
وفي أصول الكافي : « والله ما شيعتنا إلا من أطاع الله » (3) . . . « فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته » (4) . وفي رواية ثانية عن الإمام الباقر والد الإمام الصادق : « يا معشر شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله والله ما معنا من الله براءة ، ولا بيننا وبين الله قرابة ، ولا لنا على الله حجة ولا نتقرب إليه إلا بالطاعة ، فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولا يتنا ، ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا . ويحكم لا تغتروا ، ويحكم لا تغتروا » (5) . ووراء هذا التكرار رد على من اعتدى ، وافترى .
( وسد خلتهم ، وعيادة مريضهم ) في أصول الكافي : « إن رجلاً دخل على
(1) انظر ، بحار الأنوار : 75 / 312 ح 17 ، مستدرك سفينة البحار : 6 / 128 ، الكافي : 2 / 233 ح 9 ، الخصال : 695 ح 63 ، شرح اصول الكافي : 9 / 160 .
(2) انظر ، بحار الأنوار : 8 / 353 ، مستدرك سفينة البحار : 6 / 130 ، مسند الإمام الرضا : 1 / 159 ، قرب الإسناد للحميري : 350 ، وسائل الشيعة : 27 / 76 ، مستدرك الوسائل : 1 / 128 .
(3) انظر ، الكافي : 2 / 73 ، شرح الأخبار : 3 / 501 ، بحار الأنوار : 67 / 95 ، وسائل الشيعة : 15 / 233 .
(4) انظر ، الكافي : 2 / 74 ح 2 ، المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 11 / 126 ، وسائل الشيعة : 17 / 45 .
(5) انظر ، الكافي : 2 / 75 ح 6 ، شرح اصول الكافي : 8 / 241 ، وسائل الشيعة : 15 / 234 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 343

الإمام الصادق عليه السلام فسأله : كيف خلفت إخوانك ؟ فأحسن الثناء ، وزكى ، وأطرى . فقال الإمام : كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم ؟ قال : قليلة . قال : وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم ؟ قال : قليلة . قال : فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم ؟ قال الرجل : إنك لتذكر أخلاقاً قل ما هي فيمن عندنا . فقال الإمام : كيف تزعم أنهم شيعة ؟ » (1) .
( وحسن مواساتهم بالماعون ) : اسم لمنافع البيت كالقدر ، والدلو ، والسراج ، والملح ، والماء (2) ، والمراد المساواة في كل شيء ، وفي سفينة البحار : « أن الإمام الكاظم بن الصادق عليه السلام قال لرجل ـ يا عاصم ـ من الشيعة : « كيف أنتم في التواصل ، والتواسي ؟ قال : على أفضل ما كان عليه أحد . قال : أيأتي أحدكم إلى دكان أخيه ، أو منزله عند الضائقة ، فيستخرج كيسه ، ويأخذ ما يحتاج إليه ، فلا ينكر عليه ؟ قال : لا . فقال الإمام عليه السلام : فلستم على ما أحب في التواصل » (3) . وكانت هذه المواساة موجودة عند بعض الصحابة ، ولكن على عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لا من بعده كما نعلم .
واجعلني أللهم أجزي بالإحسان مسيئهم ، واعرض بالتجاوز عن ظالمهم ، وأستعمل حسن الظن في كافتهم ، وأتولى بالبر عامتهم ، وأغض بصري عنهم عفة ، وألين جانبي لهم تواضعاً ، وأرق على أهل البلاء منهم رحمة ، وأسر لهم بالغيب مودة ، وأحب بقاء النعمة عندهم
(1) انظر ، اصول الكافي : 2 / 173 ح 10 ، شرح اصول الكافي : 9 / 47 ، بحار الأنوار : 6 / 168 ح 27 .
(2) انظر ، مجمع البحرين للطريحي : 6 / 316 ، ( منه قدس سره ) ، لسان العرب لابن منظور : 13 / 410 .
(3) انظر ، بحار الأنوار : 74 / 231 ح 28 ، مكارم الأخلاق : 165 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 344

نصحاً ، وأوجب لهم ما أوجب لحامتي ، وأرعى لهم ما أرعى لخاصتي .
أللهم صل على محمد وآله ، وارزقني مثل ذلك منهم ، واجعل لي أوفى الحظوظ فيما عندهم ، وزدهم بصيرة في حقي ، ومعرفة بفضلي ، حتى يسعدوا بي ، وأسعد بهم آمين رب العالمين .
( واجعلني أللهم أجزي بالإحسان مسيئهم . . . ) طلب الإمام عليه السلام بدعائه أولاً : أن يجعل الله ـ تعالى ذكره ـ شيعته من أهل التقى ، والصلاح ، ثم عقب بالسؤال أن يجعله من أهل الإمامة ، والقيادة الذين ينسون أنفسهم ، ويتغلبون على الذاتية ، والأنانية ، فيعرضون عن السفيه ، ويجزون المسيء بالإحسان .
( وأستعمل حسن الظن في كافتهم ) أمر تعالى عباده بالجود ، وجاد عليهم ، وبالعفو ، وعفا عنهم . وبالتراحم ، ورحمهم . . . وهكذا لم يرض منهم لنفسه إلا بمثل الذي رضي به لهم من نفسه ، فبالأولى ، إذا طلب الإمام من المأمومين أن يحبوه ، ويثقوا به ، أن يحبهم هو ، ويثق بهم ، قال أرسطو للإسكندر الكبير ، « لا تأت إلى الرعية بما تكره أن يأتوا إليك به » (1) . وبهذه المحبة ، والثقة المتبادلة بين القائد ، والمقود يتم التعاون ، ويستتب الأمن ، ويسود العدل ، وتحل المشكلات ، وتتحقق جميع الأهداف ، والغايات .
( وأتولى بالبر عامتهم ) من شروط الإمام أن يكون أبر الناس بالناس ، وأرحمهم ، قال سبحانه وتعالى في نبيه الكريم صلى الله عليه وآله : « لقد جآءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم » (2) ( وأغض بصري . . . )
(1) انظر ، نور الحقيقة : 212 ، وتأريخ الاسكندر الكبير .
(2) التوبة : 128 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 345

أغض عن السيئة ، وأشكر الحسنة ( وألين جانبي لهم ) قال سبحانه : « فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك » (1) . . . وقال سبحانه : « واخفض جناحك للمؤمنين » (2) ( وأرق على أهل البلاء ) أحنو عليهم ، وأعمل جاهداً من أجلهم ( وأسر لهم بالغيب مودة ) إملأ قلبي لكل طيب ، وصالح إخلاصاً ، ووداً ( وأحب بقاء النعمة عندهم ) أود من الأعماق أن يعيشوا في نعيم ، وأمان مدى الليالي ، والأيام .
( واوجب لهم ما اوجب لحامتي ) اجعلني أهتم بهم اهتمامي بأهلي ، وخاصتي ( وأرعى لهم . . . ) عطف تكرار ( أللهم ارزقني مثل ذلك منهم . . . ) اجعل سلوكهم ، وسيرتهم معي تماماً كسلوكي ، وسيرتي معهم وفاءً ، وإخلاصاً ( وزدهم بصيرة في حقي ) في وجوب طاعتي لا لشيء إلا أهدي إلى الحق ، وبه أعدل ، وأعمل ( ومعرفة بفضلي ) : بأني من خزنة علمك ، وحفظة دينك الذين عنيتهم بقولك : « فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون » (3) ( حتى يسعدوا بي ) بهدايتي لهم إلى سبيل الرشاد ، وفي الحديث : « وأيم الله لئن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت » (4) ( وأسعد بهم ) : بإيمانهم ، وجهادهم في سبيل طاعتك ، ومرضاتك ( آمين ) اسم فعل مبني على الفتح بمعنى استجب .
(1) آل عمران : 159 .
(2) الحجر : 88 .
(3) النحل : 43 .
(4) انظر ، الكافي : 5 / 28 ، المبسوط للسرخسي : 10 / 31 ، كشف اللثام : 2 / 196 ، مختلف الشيعة : 4 / 394 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 346




السابق السابق الفهرس التالي التالي