في ظلال الصيحيفة السجادية 170



في ظلال الصيحيفة السجادية 171

الدعاء الثاني عشر

دعاؤه في الاعتراف

أللهم إنه يحجبني عن مسألتك خلال ثلاث ، وتحدوني عليها خلة واحدة ، يحجبني أمر أمرت به . . . فأبطأت عنه ، ونهي نهيتني عنه . . . فأسرعت إليه ؛ ونعمة أنعمت بها علي . . . فقصرت في شكرها ، ويحدوني على مسألتك . . . تفضلك على من أقبل بوجهه إليك ، ووفد بحسن ظنه إليك ، إذ جميع إحسانك تفضل ، وإذ كل نعمك ابتداء .


مثال واحد

كنت ما زلت أشتري الصحيفة السجادية ، وأهديها لبعض شيوخ الأزهر ، أو الأدباء ، أو الروحيين من رجال الكنيسة ، وبالأمس القريب أهديتها لصحفي معروف ، جرى بيننا حديث حول الدين ، ومنذ عشرين عاماً ـ على التقريب ـ أهديتها للمؤلف الإسلامي الشهير فضيلة الشيخ محمد الغزالي ، وبعد أمد غير قصير نشر كتابه القيم « مع الله » فرأيت فيه هذا الدعاء بالكامل الذي أتعرض له مع دعاء

في ظلال الصيحيفة السجادية 172

آخر رقم ( 16 ) من أدعية الصحيفة منسوبين إلى الإمام السجاد ، وسيد العباد ، ثم التقيت بعد ذلك بأحد شيوخ الأزهر في بيروت ، فقال لي من جملة ما قال : ما قرأت في حياتي مثل هذه المناجاة في أي كتاب ، ولا سمعتها من أحد .
( أللهم إنه يحجبني عن مسألتك خلال ثلاث ، وتحدوني عليها خلة واحدة ) من كان له إلى الله حاجة فليمهد ـ قبل ذكرها ـ بذكر ما أنعم الله عليه ، وبالتقصير في شكره تعالى ، وطاعته ، وإنه ليس بأهل لشيء من فضله ، ولكن الله سبحانه هو أهل الجود ، والرحمة . ومن هنا تضرع الإمام عليه السلام لله تعالى قبل أن يسأله شيئاً ، وقال : أعترف يا مولاي أن في خصال ثلاث تفرض علي أن لا أطلب منك أية حاجة :
1 ـ ( أمر أمرت به . . . فأبطات عنه ) وكان علي أن أسرع إليه .
2 ـ ( ونهي نهيتني عنه . . . فأسرعت إليه ) بدلاً من الإحجام عنه .
3 ـ ( ونعمة أنعمت بها علي . . . فقصرت في شكرها ) فبأي لسان أسألك ، وأرجوك ؟ وبأي عمل استشفع إليك ؟ .
أجل ، هناك شيء واحد يبعثني ( ويحدوني على مسألتك ) وهو ( تفضلك على من أقبل بوجهه إليك ) توجه بإخلاص ، وانقطع إليك وحدك لا شريك لك ( ووفد بحسن ظنه إليك ) رجاك ، وهو على يقين بأنك أكرم مرجو ، وخير مأمول ( إذ جميع إحسانك تفضل ) لا إستحقاق ( وإذ كل نعمك ابتداء ) لا عوض ، ومعوض ، ولكن أنت كتبت على نفسك الثواب ، والجزاء بقولك ، ووعدك « فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره » (1) .


المعصوم ، والاعتراف بالذنب

وتسأل : ماذا أراد الإمام عليه السلام بقوله لله تعالى : أمرت فلم أأتمر ، ونهيت فلم أنته ،
(1) الزلزلة : 7 . انظر ، الدعاء العاشر فقرة « الثواب تفضل ، أو إستحقاق ؟ » ، قدس سره
في ظلال الصيحيفة السجادية 173

وأنعمت فلم أشكر ، علماً بأنه معصوم عن الخطأ ، والخطيئة ؟ .
وقرأت خمسة أجوبة عن هذا السؤال ، أتركها لمن أرادها ، وأجيب بأن المعصوم يؤكد بكل أسلوب لمن يعتقدون بعصمته أنه بشر مثلهم كيلا يقولوا فيه ما قاله النصارى بالسيد المسيح عليه السلام . ومن ذلك الاعتراف بالذنب هذا إلى أن الإمام يذلل نفسه باتمامها ومحاسبتها ، لأن هذا التذليل ضرب من العبادة ، والرياضة النفسية ، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر » (1) وما من شك أن نفسه الزكية آمنة ، ولكن بمحاسبتها ، وبخوفها من يوم الخوف بشهادة قوله : « من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر ، ومن خاف امن » (2). وايضاً قال : « يا أيها الناس ، إني والله لا أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها ، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها » (3) .
فها أنا ذا . . . يا إلهي . . . واقف بباب عزك وقوف المستسلم الذليل ، وسائلك على الحياء مني سؤال البائس المعيل ، مقر لك بأني لم أستسلتم وقت إحسانك إلا بالإقلاع عن عصيانك ، ولم أخل في الحالات كلها من امتنانك ؛ فهل ينفعني يا إلهي ! إقراري عندك بسوء ما اكتسبت ؟ وهل ينجيني منك اعترافي لك بقبيح ما ارتكبت ؟ أم
(1) انظر ، نهج البلاغة : 3 / 71 ، من كتاب له إلى عثمان بن حنيف ، رقم ( 45 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 16 / 208 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 47 ، الحكمة ( 208 ) ، شرح النهج للبحراني : 5 / 348 ، شرح النهج للمعتزلي : 19 / 28 .
(3) انظر ، عيون الحكم والمواعظ : 169 ، غرر الحكم ، رقم (3781) ، شرح النهج لعبده : 1 / 345 طبعة مصر .
في ظلال الصيحيفة السجادية 174

أوجبت لي في مقامي هذا سخطك ؟ أم لزمني في وقت دعائي مقتك ؟ .
سبحانك لا أيئس منك ، وقد فتحت لي باب التوبة إليك .
( فها أنا ذا . . . يا إلهي . . . واقف بباب عزك ) لائذ بعزتك التي ليس كمثلها شيء ، وبقدرتك التي لا يعجزها شيء ( وقوف المستسلم ) لأمرك المجيب لدعوتك ( وسائلك على الحياء ) لما سبق من غفلتي ، وإهمالي ( سؤال البائس المعيل ) أي الفقير ، والبائس مرادف له ( مقر لك بأني لم أستسلم وقت إحسانك إلا بالإقلاع عن عصيانك ) أقر يا إلهي ، واعترف أنك أنعمت علي ، وتفضلت ، وإني ما عبدتك إلا فراراً من عقابك تماماً ـ على الأقل ـ لما أسديت ، وأعطيت . قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « لو لم يتوعد الله على المعصية لكان يجب أن لا يعصى شكراً لنعمه » (1) .
( ولم أخل في الحالات كلها من امتنانك ) أي إنعامك ، وإحسانك ، والمعنى أن عناية الله بي ، ونعمته علي قائمة في شتى الأحوال شاكراً ، ومقصراً ( فهل ينفعني يا إلهي . . . ) وينجيني من غضبك ، وعذابك التوسل إليك ، والاعتراف بين يديك بالخطا ، والخطيئة ، وطلب العفو ، والرحمة ، أم أنك قضيت بعذابي في كل حال ، ولا ينفعني الفرار منه إليك ، ولا الثقة برحمتك ، ومغفرتك ؟ ( سبحانك لا أيئس منك ، وقد فتحت لي باب التوبة ) في نهج البلاغة : « ما كان الله ليفتح على عبد باب الشكر ، ويغلق عنه باب الزيادة ، ولا ليفتح على عبد الدعاء ، ويغلق عنه باب الإجابة ، ولا يفتح لعبد باب التوبة ، ويغلق عنه باب المغفرة » (2) . . . « ما أهمني ذنب
(1) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 70 ، الحكمة ( 290 ) ، عيون الحكم والمواعظ : الحكمة ( 417 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 19 / 191 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 102 ، الحكمة ( 435 ) .
في ظلال الصيحيفة السجادية 175

أمهلت بعده حتى أصلي ركعتين ، وأسأل الله العافية » (1) وقال رجل لرابعة العدوية : « قد عصيت الله ، فهل يقبل توبتي ؟ فقالت له : ويحك إنه يدعو المدبرين عنه فكيف لا يقبل المقبلين عليه » ! ! (2) .
بل أقول : مقال العبد الذليل الظالم لنفسه المستخف بحرمة ربه ، الذي عظمت ذنوبه فجلت ، وأدبرت أيامه فولت .
حتى إذا رأى مدة العمل قد انقضت ، وغاية العمر قد انتهت ؛ وأيقن أنه لا محيص له منك ، ولا مهرب له عنك . . .
تلقاك بالإنابة ، وأخلص لك التوبة ، فقام إليك بقلب طاهر نقي ، ثم دعاك بصوت حائل خفي ؛ قد تطأطأ لك فانحنى ، ونكس رأسه فانثنى ؛ قد أرعشت خشيته رجليه ، وغرقت دموعه خديه . . .
يدعوك بـ : يا أرحم الراحمين ، ويا ارحم من انتابه المسترحمون ، ويا أعطف من أطاف به المستغفرون ؛ ويا من عفوه أكثر من نقمته ، ويا من رضاه أوفر من سخطه ، ويا من تحمد إلى خلقه بحسن التجاوز ، ويا من عود عباده قبول الإنابة ، ويا من استصلح فاسدهم بالتوبة ، ويا من رضي من فعلهم باليسير ، ويا من كافأ قليلهم
(1) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 72 ، الحكمة ( 299 ) ، دعوات الراوندي : 120 رقم ( 287 ) ، بحار الأنوار : 76 / 323 .
(2) رابعة العدوية ، البصرية ، الزاهدة ، العابدة ، الخاشعة ، أم عمرو ، رابعة بنت إسماعيل قرة العين للعرفاء ، والصوفية ، عاشت ثمانين سنة ، وتوفيت ( 135 أو 180 ) . انظر ، صفة الصفوة لابن الجوزي : 4 / 300 ، طبقات الأولياء : 35 ، شذرات الذهب : 2 / 110 ، النجوم الزاهرة .
في ظلال الصيحيفة السجادية 176

بالكثير ، ويا من ضمن لهم إجابة الدعاء ، ويا من وعدهم على نفسه بتفضله . . . حسن الجزاء .
ما أنا بأعصى من عصاك فغفرت له ، وما أنا بألوم من اعتذر اليك فقبلت منه ، وما أنا بأظلم من تاب إليك فعدت عليه .
( بل أقول : مقال العبد الذليل الظالم لنفسه ) قال رجل لأبي ذر عليه السلام : « عظني . فقال له : لا تسيء إلى نفسك . قال الرجل : وهل من أحد يسيء إلى نفسه . قال كل من تعاطى أمراً يعاقب عليه فقد ظلم نفسه ، وأساء إليها » (1) . وعليه فكلنا ظالم لنفسه حتى المظلوم يشارك من ظلمه في الإثم إلا أن يستميت دون حقه ، ولو علم الظالم أن المظلوم يقاومه إلى نفسه الأخير لتحاماه ، وكف عنه ، ولم يكن للظالم عين ، ولا أثر ، وقوله تعالى : « إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون » (2)يعم ، ويشمل من سكت عن ظالمه ، وهو قادر على مقاومته بطريق ، أو بآخر مشروع عقلاً ، وشرعاً .
( المستخف بحرمة ربه ) حيث ترك ما أوجب ، وفعل ما حرم ( الذي عظمت ذنوبه ) عطف بيان ، أو بدل من العبد ( فجلت ) عطف تفسير على عظمت ( وأدبرت أيامه ) وقرب حمامه ( حتى إذا رأى مدة العمل ) الصالح الرابح ( قد انقضت ) وانقطع الأمل في تدارك ما فات ( وغاية العمر قد انتهت ) تكرار ، وتوكيد لما قبله ( وأيقن أنه لا محيص له منك . . . ) جواب إذا رأى مدة العمر ، والإنابة هنا : الرجوع إلى الله
(1) هو جندب بن جنادة ، الصحابي الورع ، الزاهد ، أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ، ( ت 32 هـ ) في خلافة عثمان بن عفان بالربذة ، له كتاب الخطبة يشرح فيها الأمور بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ذكر ذلك الطوسي في فهرسته : 45 ، أخبار أبي ذر الغفاري .
(2) يونس : 44 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 177

تعالى بتوبة خالصة مخلصة .
( فقام إليك بقلب طاهر نقي ) يحب لغيره ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لها ( ثم دعاك بصوت حائل خفي ) والمراد بالحائل هنا أن صوته تحول عن طبيعته ، وعادته إلى التذلل ، والتضرع لهيبة الله وجلاله ( قد تطأطا ) انخفض ، وخضع ، ومثله طأطأ كل شريف لشرفه ( ونكس رأسه ) طأطأه ذليلاً ( قد أرعشت خشيته رجليه . . . ) الرعشة : الرجفة ، والرعدة ، والمعنى استولت عيله الخشية من الله ، فأرعشت رجليه ، وأبكت عينيه . . . يستغيث برحمته تعالى ، ويستنجد برأفته ، ويكرر مردداً : يا إله العالمين ، يا مجير الخائفين ( يا أرحم الراحمين ، ويا أرحم من انتابه ) أي أتاه المرة تلو المرة ( المسترحمون ) طالبوا الرحمة ( من أطاف به ) من أحاط به ( المستغفرون ) وهم الذين يطلبون منه المغفرة .
( ويا من عفوه أكثر من نقمته ) كل حليم يعفو ، ويغفر ؛ لأن العفو ، والمغفرة ثمرة الحلم ، وأثر من آثاره ، وقد وصف سبحانه نفسه في العديد من آيات كتابه العزيز بقوله : « والله غفور رحيم » (1) ، وكلمة غفور للمبالغة ، تومئ إلى أن الذين يشملهم الله بعفوه من المذنبين أكثر بكثير من الذين ينتقم منهم بعدله ( ويا من رضاه أوفر من سخطه ) لا يسرع إلى الانتقام ممن يستحقه : « ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دآبة » (2) ،وقيل للإمام السجاد عليه السلام : إن الحسن البصري قال : ليس العجب ممن هلك كيف هلك ، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا ؟ قال الإمام عليه السلام أما أنا فأقول : ليس العجب من نجا كيف نجا ؟, وإنما العجب ممن هلك كيف هلك ؟ مع سعة رحمة الله (3) . وهذا القول من الإمام عليه السلام وحي من الوحي الذي
(1) البقرة : 218 .
(2) فاطر : 45 .
(3) انظر ، أمالي المرتضى : 1 / 113 ، بحار الأنوار : 75 / 153 ، إعلام الورى بأعلام الهدى : =
في ظلال الصيحيفة السجادية 178

قال تعالى : « ربنا وسعت كل شيء رحمة » (1) . . . « ورحمتي وسعت كل شيء » (2) .
( ويا من تحمد إلى خلقه بحسن التجاوز ) الذي يستوجب الشكر ، والحمد ( ويا من عود عباده قبول الإنابة ) هو سبحانه عود عليه عباده ، وأغراهم ، والرجوع إليه حيث فتح بابه لكل داخل ، واستجاب لكل سائل ، وفي الحديث : «إن الله لا يمل حتى تملوا » (3) . وفيه أيضاً : « كلما عاد المؤمن إلى الله بالاستغفار عاد الله عليه بالمغفره ، إن الله غفور رحيم (4) ( ويا من استصلح فاسدهم بالتوبة ) داوى سبحانه أسقام الذنوب بدواء التوبة ( ويا من رضي من فعلهم باليسير ، ويا من كافأ قليلهم بالكثير ) كفهم دون ما يطيقون ، وأعطاهم فوق ما يستحقون : « للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة » (5) ، ( ويا من ضمن لهم إجابة الدعاء ) بقوله : « ادعوني أستجب لكم » (6) (ويا من وعدهم على نفسه بتفضله . . . حسن الجزاء ) وجاء هذا الوعد في الآية : « والله عنده حسن الثواب » (7) .
( ما أنا بأعصى من عصاك . . . ) بعد هذه الاستغاثة اللاهفة الخائفة تضرع الإمام عليه السلام لخالقه وقال : أنا يا إلهي عاص ، وملوم ، ولكن ذنبي يحمل العفو منك ،
= 1 / 489 .
(1) غافر : 7 .
(2) الأعراف : 156 .
(3) انظر ، مسند أحمد : 6 / 51 ، صحيح البخاري : 1 / 17 ، صحيح مسلم : 1 / 542 ح 221 ، سنن النسائي : 3 / 218 .
(4) انظر ، الكافي : 2 / 434 ، شرح اصول الكافي : 10 / 170 ، وسائل الشيعة : 11 / 363 ح 1 .
(5) يونس : 26 .
(6) غافر : 60 .
(7) آل عمران : 195 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 179

ويتسع له ؛ لأني ـ كما تعلم ـ ما شردت شعباً برجاله ، ونسائه ، وأطفاله ، ولا دمرت بلداً من بلاد خلقك ، وعبادك ، ولا أثرت حرباً لكسب المزيد من المال ، والثراء ، ولا ظاهرت ظالماً على ظلمه ، أو قبضت منه كثيراً ، أو قليلاً . . . وإذن فما أنا بأعصى العصاة كيلا تسمح ، وتصفح .
أتوب إليك في مقامي هذا . . . توبة نادم على ما فرط منه ، مشفق مما اجتمع عليه ، خالص الحياء مما وقع فيه ؛ عالم بأن العفو عن الذنب العظيم لا يتعاظمك ، وأن التجاوز عن الإثم الجليل لا يستصعبك ، وان احتمال الجنايات الفاحشة لا يتكأدك ؛ وأن أحب عبادك إليك من ترك الاستكبار عليك ، وجانب الاصرار ، ولزم الاستغفار ؛ وانا ابرأ اليك من ان استكبر ، وأعوذ بك من أن أصر ، وأستغفرك لما قصرت فيه ، وأستعين بك على ما عجزت عنه .
( أتوب إليك في مقامي هذا ) المذنب هو الهارب الآبق من طاعة الله ، أما التائب من ذنبه فهو النادم الراجع إلى الطاعة المعترف بإثمه ، وجرمه المصمم على الترك ، والإقلاع ، والإمام عليه السلام : يحث المذنب على التوبة ، ويقول له : ارجع إلى ربك . ، وأطلب العفو بقلب ( نادم على ما فرط منه ) شاعر من الأعماق بأنه أهمل ، وقصر ، وأساء وأخطأ ( مشفق مما اجتمع عليه ) أي متخوف من كثرة ذنوبه ( خالص الحياء ) كل خوف ، وحياء من الله لا من الناس : يسمى خالص الحياء ، وخالص الخوف ، وصاحبه مخلصاً في دينه ، وإيمانه .
( عالم بأن العفو عن الذنب العظيم لا يتعاظمك ) أي لا تعظم مغفرته على الله سبحانه ، شريطة أن لا يكون ظلماً ، وعدواناً على عياله . فكل الذنوب تحتها التوبة، وتحرقها حتى الشرك إلا ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، فإن الله لا

في ظلال الصيحيفة السجادية 180

يترك ظلامة مظلوم إلا أن يترك صاحبها ، ويصفح . وفي سفينة البحار : « إن شهيداً حبس على باب الجنة لثلاثة دراهم كانت ليهودي » (1) ( وأن التجاوز عن الإثم الجليل لا يستصعبك ) إلا أن يكون حقاً من حقوق الناس كما أشرنا ، وهذه الجملة توكيد ، وتفسير للتي قبلها ( وأن احتمال الجنايات الفاحشة ) كبائر الذنوب ( لا يتكأدك ) أي لا يصعب عليك العفو عنها . أيضاً ما عدا العدوان على الخلق ، وهذه الجملة كسابقتها توكيداً ، وتفسيراً .
( وأن أحب عبادك إليك من ترك الاستكبار عليك ) أي لا يستنكف عن سؤاله تعالى والتضرع له ( وجانب الإصرار ) على الذنب ، والمعصية ( ولزم الاستغفار ) دوام على طلب العفو ، والمغفرة منه تعالى ( وأنا أبرأ إليك من أن أستكبر ) عن الاستعانة برحمتك ، واللجوء إلى جلالك ، وعظمتك ( وأعوذ بك من أن أصر ) على ما تكره ( وأستغفرك لما قصرت فيه . . . ) لقد أهملت الواجب ، وتشاغلت عنه بلذة عاجلة زائلة ، ثم أدركت عقبى التفريط فندمت ، وأتيتك متوسلاً بك إليك ، فاغفر لي ما أنت أعلم به مني ، ولا تردني بالخيبة ، والخسران ، يا ذا الجلال ، والإكرام .
أللهم صل على محمد وآله ؛ وهب لي ما يجب علي لك ، وعافني مما أستوجبه منك ، وأجرني مما يخافه أهل الإساءة ، فإنك ملي بالعفو ، مرجو للمغفرة ، معروف بالتجاوز ؛ ليس لحاجتي مطلب سواك ، ولا لذنبي غافر غيرك ؛ حاشاك ، ولا أخاف على نفسي إلا إياك ؛ إنك أهل التقوى وأهل المغفرة ؛ صل على محمد وآل محمد ،
(1) انظر ، مستدرك سفينة البحار : 2 / 115 و 175 ، وقريب منه في مسند أحمد : 5 / 13 ، مستدرك الحاكم : 2 / 25 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 181

واقض حاجتي ، وأنجح طلبتي ، واغفر ذنبي ، وآمن خوف نفسي ؛ إنك على كل شيء قدير ، وذلك عليك يسير ، آمين رب العالمين .
( وهب لي ما يجب علي لك ) اغفر لي التقصير في طاعتك ، والتهاون في أداء حقك . وقال أبو ذر حين مات ولده ذر : أللهم إنك فرضت عليه حقوقاً لي ، وحقوقاً لك . وقد وهبته حقوقي ، فهب له حقوقك ، فإنك أولى بذلك مني ، وأكرم » (1) ( وعافني مما أستوجبه منك ) اعفني ، وسلمني من العقاب الذي أستحقه منك على ما فرطت ، وقصرت ( وأجرني مما يخافه أهل الإساءة ) انقذني من عذاب المسيئين ( فإنك مليء ) غني ( بالعفو ، مرجو ) مأمول ( للمغفرة ) والفرق بين العفو ، والمغفرة أن العفو إسقاط العذاب ، والمغفرة الستر على الذنب ( وليس لحاجتي مطلب ) محل الطلب ( سواك ) سبحانك ! ( آمين ) اسم فعل مبني على الفتح بمعنى استجب .
(1) انظر ، أخبار أبي ذر الغفاري .
في ظلال الصيحيفة السجادية 182



في ظلال الصيحيفة السجادية 183

الدعاء الثالث عشر

دعاؤه في طلب الحوائج

أللهم يا منتهى مطلب الحاجات ، ويا من عنده نيل الطلبات ، ويا من لا يبيع نعمه بالأثمان ، ويا من لا يكدر عطاياه بالامتنان ، ويا من يستغنى به ، ولا يستغنى عنه ، ويا من يرغب إليه ولا يرغب عنه . ويا من لا تفنى خزائنه المسائل ، ويا من لا تبدل حكمته الوسائل . ويا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجين ، ويا من لا يعنيه دعاء الداعين . . .
تمدحت بالغناء عن خلقك ، وأنت أهل الغنى عنهم ، ونسبتهم إلى الفقر ، وهم أهل الفقر إليك . فمن حاول سد خلته من عندك ، ورام صرف الفقر عن نفسه بك فقد طلب حاجته في مظانها ، وأتى طلبته من وجهها ، ومن توجه بحاجته إلى أحد من خلقك ، أو جعله سبب نجحها دونك فقد تعرض للحرمان ، وأستحق من عندك فوت الإحسان .

في ظلال الصيحيفة السجادية 184


( أللهم يا منتهى مطلب الحاجات ) على المرء أن يسعى لحاجته بمقدار جهده ، فإذا سدت في وجهه الأبواب ، وتقطعت الأسباب ، رفع حاجته إلى الله مباشرة ، وبلا واسطة إلا الدعاء ، والرجاء ، وهو تعالى قريب مجيب ( عنده نيل الطلبات ) لا أحد ينال شيئاً إلا بمشيته تعالى ، وتوفيقه سواء أكان علماً ، وعقلاً أم جاهاً ، ومالاً أم صحة ، وأمناً ، وسواء أكان بالجد ، والكد أم بسبب آخر ( ويا من لا يبيع نعمه بالأثمان ) ؛ لأنه لا يملك الثمن ، والمثمن ، ولا أحد يملك معه شيئاً حتى نفسه ، فعلى من يبيع ؟ وممن يقبض الثمن ؟ أجل الله يشتري بمعنى يجزي الذين أحسنوا بالحسنى وزيادة . وأيضاً يبيع بمعنى يحسن ، ويتفضل .
( ويا من لا يكدر عطاياه بالامتنان ) إمتن عليه إمتناناً بما صنع : عدد له ما فعل معه من خير .
وتسأل : كيف نفى الإمتنان عنه تعالى علماً بأنه قال : « يمنون عليك أن أسلموا قل لاتمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان » (1) ، وأيضاً قال لنبيه الأعظم : « ألم يجدك يتيماً فئاوى ووجدك ضآلاً فهدى ووجدك عآئلاً فأغنى » (2) .
الجواب : المراد بالمن في آية الحجرات ، الإنعام ، والتفضل أي ، بل الله أنعم عليكم ، وتفضل بهدايتكم ، وكذلك قوله تعالى : « ألم يجدك يتيماً فئاوى » فهو تعديد لما أنعم الله على نبيه ، وتنبيه إلى أنه سيحسن إليه فيما يأتي كما أحسن إليه فيما مضى .

( ويا من يستغنى به ، ولا يستغنى عنه ) كل الخلائق تتقلب في فضله تعالى ،
(1) الحجرات : 17 .
(2) الضحى : 6 ـ 8 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 185

ولا وجود لها ، ولا حول إلا به ، وفي هذا المعنى قول سيد الشهداء عليه السلام : « ماذا وجد من فقدك ؟ وما الذي فقد من وجدك » (1) ( ويا من يرغب إليه ، ولا يرغب عنه ) هو وحده ولي الإعطاء ، والمنع ؛ لأن الأشياء كلها في قبضته ، ولا شيء عند سواه ، ومن رغب عنه فماذا يصنع ؟ وإلى أين يذهب ؟ ( ويا من لا تفنى خزآئنه المسائل ) جمع مسألة بمعنى الحاجة ، وخزائنه لا ينقص الإنفاق منها شيئاً فضلاً عن نفادها ، وفنائها ؛ لأنها ليست جمعاً من هنا وهناك ، بل فيضاً من الذات اللامتناهية .
وفي نهج البلاغة : « لا يثلمه العطاء ، ولا ينقصه الحباء ، ولا يستنفده سائل ، ولا يستقصيه نائل » (2) .
( ويا من لا تبدل حكمته الوسائل ) الله فعال لما يريد ، ما في ذلك ريب ، ولكنه لا يريد فعلاً ، أو تركاً إلا بموجب علمه ، وحكمته ، فإذا اقتضت الحكمة الإلهية وجود شيء ، أو عدمه ، ثم توسل إليه الإنس ، والجن أن يغير ، ويبدل الوجود بالعدم ، أو العدم بالوجود ـ يمضي ، ولا يستجيب ( ويا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجين ) هم يسألون الخالق سبحانه بلسان المقال ، أو الحال ، وهو يلبي من غير انقطاع ، ولو تخلى عن الكون ثانية فما دونها لفسدت السماوات ، والأرض ( ويا من لا يعنيه دعاء الداعين ) يعنيه بتشديد النون من العناء ، والمعنى لا تضايقه ، وتزعجه كثرة المطالبين ، السائلين ، والمتوسلين مهما كانت ، وتكون .
( تمدحت بالغناء عن خلقك . . . ) أنت سبحانك ! كما قلت عن نفسك غنىً ، وكمالاً ، ونحن كما وصفتنا في كتابك : « يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو
(1) انظر ، إقبال الأعمال : 349 ، بحار الأنوار : 95 / 226 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 168 ، الخطبة ( 195 ) ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 10 / 170 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 186

الغني الحميد » (1) فاجبر فقرنا بغناك ، وسد حاجتنا من جودك ، وكرمك ( فمن حاول سد خلته من عندك . . . ) فقد رفع حاجته إلى مجيب الدعوات ، وقاضي الحاجات ( ومن توجه بحاجته إلى أحد . . . ) سواك فقد خابت مطالبه ، وتحيرت مذاهبه . وفي دعاء آخر : « خاب الوافدون على غيرك ، وخسر المتعرضون إلا لك ، وضاع الملمون إلا بك ، وأجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك » (2) . إياك واليأس من خالقك ، وإن كنت مجرماً ، فأنه تعالى يستجيب لكل من يدعوه ، ويرجوه مخلصاً في دعائه ، ورجائه .
أللهم ولي إليك حاجة قد قصر عنها جهدي ، وتقطعت دونها حيلي ، وسولت لي نفسي رفعها إلى من يرفع حوائجه إليك ، ولا يستغني في طلباته عنك ، وهي زلة من زلل الخاطئين ، وعثرة من عثرات المذنبين ، ثم انتبهت بتذكيرك لي من غفلتي ونهضت بتوفيقك من زلتي ، ونكصت بتسديدك عن عثرتي ، وقلت : سبحان ربي كيف يسأل محتاج محتاجاً ، وأنى يرغب معدم إلى معدم ؟ !
فقصدتك يا إلهي . . . بالرغبة ، وأوفدت عليك رجائي بالثقة بك ، وعلمت أن كثير ما أسألك يسير في وجدك ، وأن خطير ما استوهبك حقير في وسعك ، وأن كرمك لا يضيق عن سؤال أحد ، وأن يدك
(1) فاطر : 15 .
(2) سيأتي في شرح الدعاء السادس عشر . وانظر ، مصباح المتهجد للطوسي : 369 ، إقبال الأعمال : 3 / 209 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 187

بالعطايا أعلى من كل يد .


لمجرد التعليم ، والتنوير

( أللهم ولي إليك حاجة . . . ) كلنا تعرض له معضلة يعجز عن حلها بسعيه ، وجهده ، فيستنجد بآخر أقوى ، وأقدر ، والهدف الأول للإمام من هذا الدعاء الذي صاغه بأسلوب الحكاية عن نفسه ـ هو التنوير ، والتعليم لأي إنسان تشتد عليه الأزمات ، وتضيق أمامه الحلقات ، وإن واجبه في هذه الحال أن ينقطع إلى الله دون سواه ، وخلاصة هذه الحكاية ، أو الكناية ـ على الأصح ـ أن حاجة قاهرة عرضت له ، فسعى لها سعياً جاهداً ، ولما استعصت ، وضاق المخرج استنجد بواحد من الناس ، ولكن بغير جدوى ، وعندئذ تنبه بعنايته تعالى إلى أن من توكل على الله مخلصاً كفاه ، ومن سأله وائقاً أعطاه ، وأن اعتماده على غيره كان كبوة ، وهفوة .
وإن قال قائل : إن التعاون بين الناس ضرورة حياتية ، وظاهرة إجتماعية ، وحتمية وإلا فلا زراعة ، وصناعة ، وبناء ، وتجارة .
قلنا في جوابه : أجل ، ولكن كل الخلق يستمدون العون من الخالق ؛ لأنه هو وحده يسهل ، وييسر وسائل الإنتاج ، ودواعي التعاون ، والغاية من هذا الدعاء أن لا يذهل المخلوق ، ويغفل عن خالقه ، ورازقه .
( ونهضت بتوفيقك من زلتي ) وهي الغفلة ، والذهول عن الخالق بالرجوع إلى المخلوق ( ورجعت ونكصت بتسديدك عن عثرتي ) النكوص : الإحجام ، والمراد به هنا التوبة من التوسل بالخلق ( وقلت : سبحان ربي كيف يسأل محتاج محتاجاً ؟ إلخ . . . ) كل إنسان بالغاً ما بلغ من القوة ، والسلطان ، والمال ، فهو مفتقر إلى الله تعالى في كل حال ، وحين ، وعليه فمن السفة أن يذهل الإنسان عن خالقه ، ويداهن أهل الجاه ، والمال ، ويتقرب الى أئمة الجور ، والضلال لينال شيئاً من دنياهم على

في ظلال الصيحيفة السجادية 188

حساب دينه ، وإيمانه .
( فقصدتك يا إلهي بالرغبة . . . ) صرفت قلبي عن سواك ، وتوجهت إليك وحدك لا شريك لك ( وعلمت أن كثير ما أسألك يسير في وجدك ) من الجدة بمعنى السعة ، والغنى ، والقدرة ، وما من شك أن جميع الأشياء لدى القدرة الإلهية سواء في اليسر ، ولا شيء أيسر ، وأهون عليها من شيء ، فكلمة « كن » بها يوجد الكون ، وجناح البعوضة ، وهذا ما أراده الإمام بكلمة « يسير » أما الكثرة فهي عند السائل دون المسؤول ( وأن خطير ما أستوهبك . . . ) عطف تكرار ( وأن كرمك لا يضيق عن سؤال . . . ) السائلين ، وخزائنك لا تنفدها مطالب المحتاجين « وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان » (1) .
أللهم فصل على محمد وآله ، واحملني بكرمك على التفضل ، ولا تحملني بعدلك على الاستحقاق ، فما أنا بأول راغب رغب إليك فأعطيته ، وهو يستحق المنع ، ولا بأول سائل سألك فأفضلت عليه وهو يستوجب الحرمان .
أللهم صل على محمد وآله ، وكن لدعائي مجيباً ، ومن ندائي قريباً ، ولتضرعي راحماً ، ولصوتي سامعاً ، ولا تقطع رجائي عنك ، ولا تبت سببي منك ، ولا توجهني في حاجتي هذه وغيرها إلى سواك ، وتولني بنجح طلبتي ، وقضاء حاجتي ، ونيل سؤلي قبل زوالي عن موقفي هذا بتيسيرك لي العسير ، وحسن تقديرك لي في جميع الأمور .
(1) المائدة : 64 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 189


وصل على محمد وآله . . . صلاة دائمة نامية لا انقطاع لأبدها ، ولا منتهى لأمدها ، واجعل ذلك عوناً لي وسبباً لنجاح طلبتي إنك واسع كريم . ومن حاجتي يا رب كذا ، وكذا ـ وتذكر حاجتك ، ثم تسجد ، وتقول في سجودك : ـ فضلك آنسني ، وإحسانك دلني ، فأسألك بك ، وبمحمد وآله صلواتك عليهم أن لا تردني خائباً .
(واحملني بكرمك على التفضل . . . ) عاملني بما أنت أهل له لا بما أستحق ، واصنع معي بصفاتك لا بصفاتي ، وأفعالي فأنا فقير إليك ، ومسكين بين يديك . وسبق الكلام عن ذلك (1) . (فما أنا بأول راغب رغب إليك . . . ) استجار بك قبلي كثيرون فأغثتهم ، وابتهجوا ، وفرحوا ، وحدا بي إحسانك هذا إليهم أن أقف ببابك لتفيض علي من فضلك ( وكن لدعائي مجيباً . . . ) وانت القائل بلسان نبيك صالح : «إن ربي قريب مجيب» (2) (ولصوتي سامعاً) أي لا تحجب أحداً عن جودك ورحمتك وإلا فإن الله عليم بذات الصدور ، ووسوسة النفوس .
( ولا تقطع رجائي عنك ) بالحرمان ( ولا تبت ) لا تقطع ( سببي منك ) بطردي عن بابك الكريم ( ولا توجهني في حاجتي . . . ) هذا وما بعده عطف تفسير ، وتوكيد لما قبله ( وحسن تقديرك لي في جميع الأمور ) المراد هنا بحسن تقديره تعالى ما يراه خيراً ، وصلاحاً للعبد في دنياه ، وآخرته ، لا ما يراه العبد ، ويطلبه ( لا انقطاع لأبدها . . . ) بل باقية ببقاء الله ، تقدست أسماؤه ( واجعل ذلك عوناً لي ) ذلك إشارة إلى حسن التقدير ( إنك واسع ) في نعمك ، وعلمك ، وكرمك ، وحلمك . وفي مزامير
(1) انظر ، الدعاء العاشر : فقرة الثواب تفضل ، أو إستحقاق ؟ .
(2) هود : 61 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 190

داود : « الرب لا يحقد . . . قويت رحمته على خائفيه » (1) . ( وتذكر حاجتك ) في الجزء الثاني من اصول الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام : « إن الله سبحانه يعلم ما يريد العبد من ربه إذا دعاه ، ولكنه يحب أن يبث إليه الحوائج ، فاذا دعوت فسم حاجتك » (2) .
(1) انظر ، مزامير داود : السفر الثالث والأربعين .
(2) انظر ، اصول الكافي : 2 / 476 ، شرح اصول الكافي : 10 / 246 ، مكارم الأخلاق : 270 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي