|
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
131 |
|
 |
والإفتراء الذي هو أدق ، وأصدق تحليل لنفسية اليهود ، وفي الدعاء الأول من رسالة اللاهوت للفيلسوف اليهودي سبينوزا : « إذا خطر ببال اليهود شيء قالوا : إن الله تحدث إليهم بهذا » .
وإله الإنجيل المسيحي رءوف رحيم ، وغفور حليم ، ومن تعاليمه : « من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر . . . » (1) ولكنه ثالث ثلاثة ، والإثنان الآخران : الإبن ، والروح ، القدس ، وفي القاموس المقدس الذي اشترك في إعداده 27 رجلاً من كبار المسيحيين : « هذه الأقانيم الثلاثة يشتركون معاً في جميع الأعمال الإلهية على السواء » .
والمسيحيون يؤمنون بتوراة اليهود ، ولا أدري : كيف جمعوا بين الإيمان بإله التوراة السفاك ، والإيمان بإله الإنجيل معدن الحلم ، والسماح ! » (2) .
والله سبحانه في القرآن كما وصفه الإمام عليه السلام في دعائه ، واحد أحد ، لا شريك له في الخلق ، والملك ، قائم بالقسط ، ورحيم بالخلق « ليس كمثله شيء وهو السميع البصير » (3) ، وكل العلماء ، والفلاسفة ، أو جلهم يرون التوحيد أصح العقائد ، وصدقها ، عقلاً ، وخلقاً ، لأنه يجرد البشر من حق السيطرة ، والاستعلاء ، ويبطل زعم من يرى لنفسه أي فضل ، وإمتياز على الآخرين ، ويضع جميع الناس على مستوى واحد في الحقوق ، والواجبات . . . كلكم لآدم وءادم من تراب (4) . ولا
|
(1) انظر ، الإصحاح الخامس من إنجيل متي : العدد ( 38 ) ، سفر الخروج : 21 .
(2) انظر ، تلبيس إبليس : 71 ، مذاهب الإسلاميين للبدوي : 1 / 6 ـ 444 ، الهدى إلى دين المصطفى : 2 / 265 ، شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي : 5 ـ 298 ، المسيحية والإسلام للأب لويس أداء .
(3) الشورى : 11 .
(4) انظر ، العقد الفريد : 2 / 85 ، تأريخ اليعقوبي : 2 / 91 ، مجمع الزوائد : 3 / 266 ، البيان والتبيين :
=
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
132 |
|
 |
فضل إلا لمن ترك شيئاً جديداً ، ومفيداً لأخيه الإنسان .
وأن محمداً عبدك ، ورسولك ، وخيرتك من خلقك ؛ حملته رسالتك فأداها ، وأمرته بالنصح لأمته فنصح لها .
أللهم فصل على محمد وآله ، أكثر ما صليت على أحد من خلقك ، وآته عنا أفضل ما آتيت أحداً من عبادك ، واجزه عنا أفضل ، وأكرم ما جزيت أحداً من أنبيائك عن أمته ، إنك أنت المنان بالجسيم ، الغافر للعظيم ، وأنت أرحم من كل رحيم ؛ فصل على محمد وآله الطيبين الطاهرين الأخيار الأنجبين .
( وخيرتك من خلقك ) إختار سبحانه محمداً صلى الله عليه وآله من شجرة الأنبياء ، ومشكاة الضياء مستكملاً لصفات الرسول بنص الآيه : « ومآ أرسلناك إلا رحمة للعالمين » (1) .
|
الشخصية اللامعة الجذابة
|
|
|
 |
( حملته رسالتك فأداها ) ، ونهض بها على أكمل وجه ، وألف بشخصيته اللامعة الجذابة بين القلوب المتنافرة ، وجمعها على حب الإسلام ، والدفاع عنه حتى الموت ، وقد شهد سبحانه بعظمة هذه الشخصية حيث قال : « لو أنفقت ما في الأرض جميعاً مآ ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم » (2) ، وما من شك أن كل شيء في قبضته تعالى ؛ لأنه العلة الأولى للأشياء ، ولكن أبت حكمة الباري
|
=
2 / 25 ، المجدي في أنساب الطالبين للعلوي : 71 ، سنن البيهقي : 9 / 118 ، سبل الهدى والرشاد : 5 / 242 .
(1) الأنبياء : 107 .
(2) الانفال : 63 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
133 |
|
 |
إلا أن يجري الأمور على أسبابها ، وقد جبلت القلوب على حب الإحسان ، وكراهية الإساءة ، وهل من أحد يطاع لو أمر آخر بحب من أساء إليه ، أو بمقت من أحسن إليه ؟ وقد دانت القلوب بحب بمحمد ؛ لأنه رحمة مهداة لكل الناس ، وبهذه الرحمة ، وذاك الحب ألف سبحانه بين القلوب المتنافرة على الإخلاص للإسلام ، والإيمان بنبوة محمد ، وقيادته .
ولكن محمداً صلى الله عليه وآله ظل بعد القيادة كما كان قبلها عبداً لله يدين نفسه بما يدين به أصغر أتباعه ،كان هو ، والصحابة في بعض الأسفار ، ولما حان موعد الطعام عزموا على ذبح شاة ، فقال رجل من القوم : علي ذبحها ، وقال آخر : علي سلخها . وقال الآخر : علي طبخها ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : علي أن ألتقط لكم الحطب ، فقالوا : يا رسول الله ! لا تتبعن ـ بآبائنا وأمهاتنا ـ نحن نكيف ؟ قال : عرفت أنكم تكفوني ، ولكن الله عزوجل يكره من عبده إذا كان مع أصحابه أن ينفرد من بينهم ، فقام صلى الله عليه وآله يلتقط الحطب لهم (1) . وكان الصحابة يوم يتعاقب كل ثلاثة منهم على بعير ، وكان النبي ، وعلي ، وأبو لبابة يتناوبون على بعير فقالا : نحن نمشي عنك يا رسول الله . فقال : « ما أنتما بأقوى مني ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما » (2) .
محمد صلى الله عليه وآله سيد الكونين يجعل من نفسه قدوة في المساواة مع كل الناس لا في التكليف ، والواجبات وكفى ، بل وفيه الحاجة إلى الأجر ، والثواب عند الله أيضاً !
|
(1) انظر ، مكارم الأخلاق للطبرسي : 251 ، بحار الأنوار : 76 / 273 ح 31 ، سبل الهدى والرشاد : 7 / 13 .
(2) انظر ، بغية الباحث للحارث بن أبي أسامة : 215 ، مسند أبي يعلى : 9 / 243 ، صحيح ابن حبان : 11 / 35 ح 4733 ، مورد الظمآن للهيثمي : 409 ، البداية والنهاية : 3 / 319 ، دلائل البيهقي : 3 / 39 ، تحفة الأشراف للمزي : 7 / 26 ، الحاكم في المستدرك : 3 / 20 ، سبل الهدى والرشاد : 4 / 24 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
134 |
|
 |
فيا له من درس لكل من استكبر ، واعجب بنفسه ، وركز كل شيء في شخصه ! وأخيراً هذه هي سنة محمد صلى الله عليه وآله التي أنشأت العالم خلقاً جديداً .
( وأمرته بالنصح لأمته فنصح لها ) بل ، ولكل الناس حتى الجاحد برسالته ، فقد قال لأتباعه من جملة ما قال : « اتقوا دعوة المظلوم ، وإن كان كافراً فليس دونها من حجاب » (1) وقال : « لكل كبد حراء أجر » (2) ( أللهم فصل على محمد وآله ، أكثر ما صليت ) انظر فصل « المؤمنون » (3) .
|
(1) انظر ، البحر الرائق : 8 / 379 ، حاشية رد المحتار : 2 / 200 ، وسائل الشيعة : 7 / 130 ، أمالي الصدوق : 540 .
(2) انظر ، العناوين الفقهية للحسيني المراغي : 1 / 321 و : 2 / 670 ، بحار الأنوار : 74 / 370 ، عوالي اللئالي : 2 / 260 ح 15 ، وسائل الشيعة : باب 49 ح 2 و5 .
(3) الدعاء الخامس : فقرة الصلاة على محمد وآله ، وأيضاً فصل التحميد في الصلاة على محمد .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
135 |
|
 |
يا من تحل به عقد المكاره ، ويا من يفثأ به حد الشدائد ، ويا من يلتمس منه المخرج إلى روح الفرج . . .ذلت لقدرتك الصعاب ، وتسببت بلطفك الأسباب ، وجرى بقدرتك القضاء ، ومضت على إرادتك الأشياء ؛ فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة ، وبإرادتك دون نهيك منزجرة .
أنت المدعو للمهمات ، وأنت المفزع في الملمات لا يندفع منها إلا ما دفعت ، ولا ينكشف منها إلا ما كشفت .
( يا من تحل به عقد المكاره ، ويا من يفثأ . . . ) أي يسكن به ( ومضت على إرادتك الأشياء ؛ فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة ) ممتثلة ( وبإرادتك دون نهيك منزجرة ) ممتنعة ، ومعنى هذه الجملة والتي قبلها : ما شاء الله كان ، ومالم يشأ لم يكن بلا أمر ، ونهي ، بل مجرد الإرادة ، والمشيئة .
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
136 |
|
 |
|
المؤمن لا ييأس
|
|
|
 |
يوجه الإمام عليه السلام بدعائه هذا كل من آمن بالله ، إلى حسن الظن به تعالى ، وبقدرته ، وعدم اليأس ، والقنوط من روحه تعالى ، ورحمته مهما اشتدت الأزمات ، وضاقت الحلقات ، وهذا شيء جليل ، وخطير ؛ لأنه من صميم الحياة . . . ومن وحي هذا الدعاء ، أو هذا التوجيه نسجل الكلمة التالية ، عسى أن تسهم بشيء مما يهدف إليه الإمام عليه السلام .
بين المؤمن ، والملحد فوارق شتى ، يطول فيها الكلام ، ونشير هنا إلى فارق يتصل بالدعاء من قريب ، وهو أن الملحد إذا تناهت به الشدة ، وأغلقت دونه الأبواب ييأس ، ويستسلم للأمر الواقع ؛ لأنه يحمل نفساً واهية خالية من الإيمان بقدرة إلهية تخرق نظام الطبيعة ، وتفعل المعجزات . أما المؤمن فلا ييأس ، ولا يعترف بحتمية أي شيء من أشياء الطبيعة على الإطلاق ؛ لأنه يؤمن بقدرة قادر يقول للشيء كن فيكون ، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض ، ولا في السماء ، ويجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ، فيلجأ إليه ، ويسأله النجاة ، والخلاص ، ويرجو الإجابة حتى ولو كان تحت أطباق الثرى ، أو هاوياً من السماء إلى الأرض (1) . قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « لو أن السموات ، والأرضين كانتا على عبد رتقاً ـ أي سداً ـ ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً » (2) . وهذا من وحي قوله تعالى : « ولا تايئسوا من روح الله إنه لا يايئس من روح الله إلا القوم
|
(1) انظر ، شرح اصول الكافي : 4 / 137 ، تفسير ابن كثير : 2 / 164 و : 4 / 112 ، فتح القدير : 3 / 342 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 13 الخطبة ( 130 ) ، شرح نهج البلاغة : 8 / 252 ، دستور معالم الحكم : 103 ، عيون الحكم والمواعظ : 553 ، بحار الأنوار : 22 / 411 ، الطبقات الكبرى : 7 / 29 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
137 |
|
 |
الكافرون » (1) .
وتسأل : ولكن الله سبحانه يجري المسببات على أسبابها ، والنتائج على مقدماتها كما في قوله : « سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً » (2) ، والقوانين الطبيعية هي سنن إلهية من حيث مصدرها ؟ .
الجواب : إن مرجع الأسباب كلها إلى إرادة الله تعالى الذي يقول للشيء ، كن فيكون وعليه فمن الممكن ان يوجد سبحانه الحادثة الخارقة بإرادته مباشرة ، أو بسبب آخر غير معروف ، ولا مألوف ، وبتعبير الشيخ محمد عبد الله دراز : « من أدار الدولات ذات اليمين يديره أيضاً ذات الشمال . . . ويبرئ المريض الذي عجز الطب عن علاجه ، ويخلص الأسير الذي أوصدت دونه الأبواب ، وينزل الغيث في القيض ، وينصر الفئة القليلة على الفئة الكثيرة » (3) .
ولا شيء من ذلك يتنافى مع العقل ، وإن كان نقضاً لقانون الطبيعة ، ومخالفاً لما اعتاد الناس أن يروه ، ويتصوروه ، ونقض القانون الطبيعي ممكن في ذاته ، غاية الأمر أنه لا يحدث إلا نادراً ، ومن باب الإعجاز كالخوارق التي أشار إليها القرآن ،ومنها العصا التي تحولت ثعباناً كمعجزة ، ودليل على نبوة موسى ، والمائدة التي نزلت من السماء على عيسى ، والنار التي صارت برداً ، وسلاماً على إبراهيم . . . وفرق الفلاسفة ، وعلماء الطبيعة بين القضايا الرياضية ، والقضايا الطبيعة بأن الأولى لا يمكن نقضها عقلاً مثل الواحد نصف الإثنين ، والثانية يمكن فيها ذلك مثل هذه الورقة في النار ، ولا تحترق .
|
(1) يوسف : 87 .
(2) الفتح : 23 .
(3) انظر ، شرح الموافقات : 4 / 98 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
138 |
|
 |
والخلاصة : أن العقل لا يمنع ، وقوع المعجزات ، والخوارق ، وإنما يمنع أن تقع عبثاً بلا حكمة موجبة ، وضرورة حاكمة .
وقد نزل بي يارب ما قد تكأدني ثقله ، وألم بي ماقد بهظني حمله ، وبقدرتك أوردته علي ، وبسلطانك وجهته إلي ؛ فلا مصدر لما أوردت ، ولا مغلق لما فتحت ؛ ولا ميسر لما عسرت ، ولا ناصر لمن خذلت .
فصل على محمد وآله ، وافتح لي يا رب باب الفرج بطولك ، واكسر عني سلطان الهم بحولك ، وأنلني حسن النظر فيما شكوت ، وأذقني حلاوة الصنع فيما سألت ، وهب لي من لدنك رحمة ، وفرجاً هنيئاً ، واجعل لي من عندك مخرجاً وحياً ؛ ولا تشغلني بالإهتمام عن تعاهد فروضك ، واستعمال سنتك ؛ فقد ضقت لما نزل بي يارب ذرعاً ، وامتلأت بحمل ما منيت به ، ودفع ما وقعت فيه ؛ فافعل بي ذلك وإن أستوجبه منك يا ذا العرش العظيم .
|
الذين يؤمنون بالتناقضات
|
|
|
 |
من درس ، وتتبع آراء الناس ، ومعتقداتهم ، يجد كثيراً منهم يؤمنون بالمتناقضات ، ويخلعون على الشيء الواحد الصفة ، ونقيضها في آن واحد ، ذاهلين عن بديهة العقل والواقع ، ومن باب المثال ، إذا نازلة نرلت بمجرم فاسق فأزعجته ، قال بعض الذين يظهرون أمام الناس بمظهر العلم بدين الله : هذا عقاب منه تعالى على معصيته . وإذا نزلت هذه المصيبة نفسها ببريء مؤمن فنقضت قواه ـ هونوا عليه ، وقالوا له : هذه تحفة من الله ينعم بها على الصفوة من عباده ليزيدهم أجراً على أجر ، أما سمعت ، وقرأت حديث البلاء موكل بالمؤمن ، وأن أشد الناس بلاءً الأنبياء ،
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
139 |
|
 |
ثم الذين يلونهم الأمثل فالأمثل (1) ! وهذا عين الضياع ، والتناقض ، إذ يستحيل أن يكون الشيء الواحد علة كاملة لوجود الشيء ، وعدمه ، أو ضده في آن واحد .
ونحن لا نشك إطلاقاً في أن للحق ، وكلمته ثمنها من نفس قائلها ، وأهله ، أو من ماله ، وعرضه وإلا لم يكن له من فضل ، ولكن نرفض بقوة ، وإصرار أن تكون الدنيا عند الله سبحانه دار حساب ، وجزاء ، كيف وهو القائل ، تقدست كلمته : « ولولآ أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون » (2) .
والواقع الظاهر للعيان ، والوجدان أن ما من أحد يمر بهذه الحياة ، ويخرج بلا نوائب وآلام حتى الذين ملكوا ، واترفوا ، فإن وراء مظاهرهم ناراً تلظى في قلوبهم ، أما الأنبياء ، والصلحاء فهم الأشد بلاء كما أشرنا . ويبدو أن مصائب الحياة تعم ، وتشمل جميع الأحياء ، وآخر ما قرأت في هذا الباب نادرة طريقة نشرها الفيلسوف زكي نجيب محمود في جريدة الأهرام بتأريخ 5 / 9 / 1975 م ، قال : إن أستاذاً للفلسفة أميركياً زارني ، وطلب مني أن أصحبه في جولة للنزهة ، فذهبنا ، وجلسنا في جزيرة حيث يسبح البط هدئاً في البحيرة الساكنة ، وقد كنت ساعتها مكدوداً ، فقلت : ما أسعد هذا البط في هدوئه ، لا تزعجه شواغل الحياة ، ولا يعكر صفوة تنازع ، وتقاتل ، ولكني ما كدت أختم عبارتي حتى انقسم البط شطرين ، ودارت معركة لم أدر سببها ، وأخذ بعضه يلاحق بعضاً ضرباً بالأجنحة ، وصراخاً زاعقاً .
|
(1) انظر ، الكافي : 2 / 253 ح 1 ، الخصال : 400 ، تحف العقول : 39 ، مستدرك الوسائل : 2 / 438 ، أمالي الطوسي : 659 ، مناقب آل أبي طالب : 1 / 158 ، الوافي : 5 / 763 ، مستدرك الحاكم : 3 / 343 ، فتح الباري : 10 / 96 ، السنن الكبرى : 4 / 352 ، كنز العمال : 3 / 326 ح 6778 و 6780 .
(2) الزخرف : 33 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
140 |
|
 |
فضحك صاحبي ، وقال : لقد جاءك الجواب مسرعاً .
|
هل كل البلاء من الله
|
|
|
 |
ونعود إلى قول الإمام عليه السلام ودعائه الذي يدل بظاهره أن البلاء بالكامل من الله لا من سواه ، وأنه تعالى هو الكاشف له . ولا تساؤل حول الصارف ، والكاشف ، بل عن الصانع ، والواضع علماً بأنه يتنافى مع ظاهر الآية : « ومآ أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم » (1) .
الجواب : المراد بالمصيبة في هذه الآية بعض المصائب كالفتنة ، والفقر ، والظلم لأن هذه ، وأمثالها من صنع الأرض لا من صنع السماء ، ومن الأوضاع ، والأنظمة الجائرة الفاسدة لا من دين الله ، وشريعته ، قال سبحانه : « ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ومآ أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم » (2) . وفي الوسائل عن الإمام الصادق عليه السلام باب الزكاة : « وأن الناس ما افتقروا ، ولا احتاجوا ، ولا جاعوا ، ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء » (3) .
هذا ، إلى أن كل ما في الوجود بشتى أصنافه ، وأنواعه تسوغ نسبتة إلى حول الله ، وقوته مباشرة ، وبلا سبب إلا مشيئته وحدها ، كخلق الشيء من لا شيء ، أو بسبق سبب ، أو أكثر كالخصب ، والجدب ، والصحة ، والوباء ، وأفعال الإنسان ، وأقواله ؛ لأنه سبحانه هو خالق لسانه الذي نطق به ، ويده التي بها يعطي ، ويأخذ ، ويضع ، ويرفع .
|
(1) الشورى : 30 .
(2) المائدة : 66 .
(3) انظر ، الرسالة السعدية : 157 ، وسائل الشيعة : 6 / 4 ، من لا يحضره الفقيه : 2 / 7 ، مدارك الأحكام : 5 / 8 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
141 |
|
 |
الدعاء الثامن / دعاؤه في الاستعاذة
أللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص ، وسورة الغضب ، وغلبة الحسد ، وضعف الصبر ؛ وقلة القناعة ، وشكاسة الخلق ، وإلحاح الشهوة ، وملكة الحمية ، ومتابعة الهوى ، ومخالفة الهدى ، وسنة الغفلة ، وتعاطي الكلفة ، وإيثار الباطل على الحق ، والإصرار على المآثم ، واستصغار المعصية ، واستكبار الطاعة ، ومباهات المكثرين ، والإزراء بالمقلين ، وسوء الولاية لمن تحت أيدينا ، وترك الشكر لمن اصطنع العارفة عندنا ؛ أو أن نعضد ظالماً ، أو نخذل ملهوفاً ، أو نروم ما ليس لنا بحق ، أو نقول في العلم بغير علم .
( أللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص ) في الحديث الشريف : « أغنى الناس من لن يكن للحرص أسيراً » (1) . وفي كتاب الأغاني (2) : « أن أبا العتاهية أنشد :
|
| (1) انظر ، أمالي الصدوق : 73 ، الكافي : 2 / 316 ح 7 ، عيون الحكم والمواعظ : 121 ، معاني
=
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
142 |
|
 |
| إذا المرء لم يعتق من المال نفسه |
 |
تملكه المال الذي هو مالكـه |
| ألا إنما مـالي الذي أنـا منفـق |
  |
وليس لي المال الذي أنا تاركه |
فقيل له : من أين أخذت هذا ؟ قال من قول رسول الله صلى الله عليه وآله : « إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت » (1) .
|
الغضب
|
|
|
 |
( وسورة الغضب ) السورة : الحدة ، والشدة (2) ، والغضب لله ، والحق واجب ، والمحرم منه ما قاد صاحبه إلى حرام ، وعلاجه أن يتذكر الغاضب غضب الله على من عصاه ، وقال الإمام الصادق عليه السلام : « الغضب مفتاح الشر » (3) ؛ لأنه ـ في الغالب ـ سبيل الهلاك ، والضلال ، وفي أصول الكافي : قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله : « علمني يا رسول الله ! قال له : إذهب ولا تغضب ، ولما مضى إلى قومه وجدهم فئتين تهيأوا للحرب ، فحمل السلاح وانضم إلى إحداهما ، ولكن سرعان ما تذكر قول النبي صلى الله عليه وآله : لا تغضب . فرمى السلاح وأسرع إلى الفئة الثانية وقال : ما كان لكم من جراحة ، أو
|
=
الأخبار : 196 ، من لا يحضره الفقيه : 4 / 395 ، شرح اصول الكافي : 9 / 340 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 20 / 276 .
(2) انظر ، الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني : 4 / 36 ، وفي ديوانه : 346 .
(1) انظر ، المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 4 / 231 ، سنن أبي داود : 156 ، مجمع الزوائد : 3 / 107 و : 10 / 242 ، سنن النسائي : 6 / 238 ، سنن الترمذي : 4 / 4 و : 5 / 117 ، تنبيه الخواطر : 1 / 156 ، أمالي الطوسي : 519 .
(2) انظر ، لسان العرب : 2 / 3 ، تاج العروس : 1 / 521 .
(3) انظر ، تحف العقول : 395 ، مستدرك سفينة البحار : 7 / 597 ، بحار الأنوار : 1 / 151 و : 75 / 310 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
143 |
|
 |
قتل ، أو ضرب فأنا أكفيكموه من مالي . فقالوا له : ما كان فهو لكم . فاصطلح القوم وجنحوا إلى السلم » (1) .
ولو أندفع الرجل وراء غضبه لسفكت الدماء ، وترملت النساء ، وتيتم العديد من الأطفال . . . ولكنه فكر ، وتأمل فعاد إلى رشده ، ونجح في خطته ، وتحولت الحرب إلى سلم . قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « إن التفكر يدعو إلى البر ، والعمل به . . . » (2) أبداً لا عقل ، ولا دين مع عاطفة الغضب ، وسورته .
إن الاحتكام إلى العاطفة ، أية عاطفة كانت وتكون ، معناه الاحتكام إلى الجور ، والتعصب الأعمى . . . أكتب هذه الكلمات في صيف سنة 1978 م ، وجزاء المسلم في بيروت القتل ، والتمثيل إذا تجرأ وتجاوز الخط الأحمر بين شرق المدينة المحارب ، وغربها المسالم ، علماً بأن إنسان القرن العشرين شق طريقة إلى القمر بسهولة ـ نسبة إلى الخطو من المنطقة الغربية إلى الشرقية ـ ولا سر إلا عاطفة التعصب ، وإن كان غيري يسميها العمالة ، والخيانة ، وليس الفرق ببعيد بينهما ما دامت هذه العاطفة ملطخة بدم الأبرياء .
وأخيراً ، أوصيك أن لا تمارس أي عمل ، أو تنطق بأية كلمة ـ غير ذكره تعالى ـ وأنت غاضب وإلا أسأت بنفسك ، وكنت عند الله ، والناس ملوماً ، ومرذولاً .
|
الحسد
|
|
|
 |
( وغلبة الحسد ) قيل في تعريف الحاسد : هو الذي يتمنى زوال النعمة عن
|
(1) انظر ، شرح اصول الكافي : 9 / 314 ، الكافي : 2 / 304 ، بحار الأنوار : 22 / 85 ، مستدرك السفينة : 7 / 601 .
(2) انظر ، شرح اصول الكافي : 8 / 177 ، بحار الأنوار : 68 / 322 ، وسائل الشيعة : 15 / 196 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
144 |
|
 |
أهلها (1) ، وفي الحديث : « إن المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط » (2) ، أي يتمنى أن يكون له من النعمة مثل ما لأخيه ، وقال العقاد : « ليس الحاسد هو الذي يطمع أن يساويك ، بل هو الذي يريد أن تساوية تماماً كالساقط العياب يتمنى أن تنزل إلى مستواه » (3) .
والحسد من أمهات الكبائر تماماً كالغيبة ، والنميمة إذا ظهر أثره في قول ، أو فعل ، وفي عقيدتنا أن الحسد لا يجلب شراً إلى المحسود ، أما قوله تعالى : « ومن شر حاسد إذا حسد » (4) فالمراد شر مقاصد الحاسد ، وسوء أقواله ، وأفعاله ضد الذين هم أكثر منه نعمة ، وفضلاً . وليس المراد أحقاده ، ونظرات عينيه .
وتجدر الإشارة أن ما من أحد إلا وعليه من نعم الله ما يستوجب الشكر الجزيل ، ولكنه يذهل عن ذلك ، ولا يرى إلا الحال ؛ لأنه مادة الشهوات ، وبه يتفاخر الناس ويتكاثرون علماً بأن المال فداء الصحة ، والعيال ، وكم من حاسد هو أعظم نعمة من الذي يحسده .
( وضعف الصبر ) الرجل القوي لا تحرقه نار الشدائد ، ولا يتحطم ، وينهار إذا واجه موقفاً صعباً في حياته ، بل يبحث عن الأسباب ، ومواضع النقص ، ويعمل جاهداً لإزالتها ، والقضاء عليها ، والضعيف هو الذي ينهار ، ويفقد القدرة على الصبر والكفاح ، ويتهرب من المسؤولية ، ويلقيها على الآخرين . قال الإمام علي عليه السلام : « فما نزداد على كل مصيبة ، وشدة إلا إيماناً ، ومضياً على الحق » (5) . وأيضاً قال : « من لم
|
(1) انظر ، مجمع البحرين : 1 / 507 ، مجمع البيان : 5 / 568 .
(2) انظر ، الكافي : 2 / 307 ح 7 ، شرح اصول الكافي : 9 / 319 ، كشف الخفاء : 2 / 295 .
(3) انظر ، فاطمة والفاطميون : 214 .
(4) الفلق : 5 .
(5) انظر ، نهج البلاغة : 1 / 236 ، الخطبة ( 122 ) .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
145 |
|
 |
ينجه الصبر أهلكه الجزع » (1) ، أي تفاقمت مصيبتة ، وازداد حدة ، وشدة .
( وقلة القناعة ) في اصول الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام : « إن كان ما يكفيك يغنيك ، فأدنى ما فيها يغنيك ، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكل ما فيها لا يغنيك » (2) من اقتنع بما يكفيه ، ويغنيه عن الناس فالطريق إلى ذلك واضح ، وسالك ، وهو أن يعمل لحاجته ، ودنياه ، ويسعى لها بالمعروف ، والمألوف ، ومن لم يقتنع بما كفاه ، وأغناه وتطلع إلى المزيد من المال من حيث هو ـ أرقته الشهوات ، وكدرت عليه العيش والحياة ، وخرج من الدنيا بحسرته ، ولوعته .
( وشكاسة الخلق ) المشاكس : المزعج المشاغب الذي لا يألف ، ولا يؤلف ، قال الرسول صلى الله عليه وآله : « أفاضلكم أحسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً ، الهينون اللينون ـ الذين يألفون ، ويؤلفون » (3) . وقال الإمام علي عليه السلام : « أسوأ الناس حالاً من لم يثق به أحد لسوء فعله » (4) ، ( والحاح الشهوة ) الشهوة الملحة هي اللاصقة بصاحبها ، ولا تفارقه بحال ، تقول : هذا ابن عمي لحاً أي لاصق النسب ، , ومن أسلس القياد لشهوته في كل شيء أوردته موارد البلاء ، والشقاء ، وفي بعض كتب الصوفية : « للإنسان ثلاثة أعداء : عدو من الداخل ، وهو الشهوة ، وعدوان من الخارج ، وهما : الشيطان ، والمغريات » (5) ، ولا أحد يستطيع التغلب على هذه القوى
|
(1) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 43 ، الحكمة ( 189 ) ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 18 / 415 ، شرح النهج لابن ميثم البحراني : 15 / 341 .
(2) انظر ، الكافي : 2 / 139 ح 10 ، شرح اصول الكافي : 8 / 391 ، بحار الأنوار : 70 / 178 .
(3) انظر ، الكافي : 2 / 102 ، شرح اصول الكافي : 8 / 293 ، بحار الأنوار : 68 / 380 ، مجمع البحرين : 4 / 518 .
(4) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 18 / 279 ، البحار : 78 / 93 ح 104 .
(5) انظر ، كراس هذه هي الصوفية : 54 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
146 |
|
 |
المعادية إلا بحبل من الله ، وجبل من صبر الإنسان ، وصموده .
( وملكه الحمية ) : الأنفة التي تمنع من الإذعان للحق ( ومتابعة الهوى ) عطف تفسير على الشهوة ، والحاحها ( وسنة الغفلة ) سنة ـ بكسر السين ـ والمراد بها هنا فتور الأبدان ، وكثيراً ما يفتر الإنسان ، ويضعف عن طاعة الله غفلة عن حسابه ، وعقابه ( وتعاطي الكلفة ) وهو أن يتعرض المرء لما لا يعنيه ، ويدعي ما ليس فيه ( وإيثار الباطل على الحق ) يقيس الحق بشهوته ، ومعدته ( والإصرار على المآثم ) لا يزدجر من الله بزاجر ، ولا يتعظ منه بواعظ .
|
لا شيء يهم الإنسان الذي لا يهتم بشيء
|
|
|
 |
( واستصغار المعصية ، واستكبار الطاعة ) قال فيلسوف صيني : « ولا شيء يهم الانسان الذي لا يهتم بشيء » (1)، وعلى ضوء هذه الحقيقة لنا ان نقول : من استخف بمعصية الله ـ ولو كانت صغيرة ـ فقد استخف بعظمة الله ، وهيبته ، قال الإمام علي عليه السلام : « أشد الذنوب ما اسخف به صاحبه » (2) ، لأنه استخفاف بأمره تعالى . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « اتقوا المحقرات من الذنوب ؛ فإنها لا تغتفر . قيل : وما هي المحقرات ؟ قال : الرجل يذنب الذنب فيقول : طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك » (3) ، وهذا عين التناقض يتجرأ على الله ويقول : الخير لي ، والسعادة ! ومثله تماماً ، أو احقر ، واقذر من اطاع الله في كل شيء الا في العجب باعماله ، والافراط في تقدير نفسه ، وادعائه بأنه المتفرد في تقواه ، والمتفوق زهداً في دنياه ! وهذه عين
|
(1) انظر ، أخبار الحكماء للقفطي : 274 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 110 ، الحكمة ( 477 ) ، شرح النهج لابن ميثم البحراني : 5 / 467 ، شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي : 20 / 246 ، شرح النهج لمحمد عبده : 3 / 266 .
(3) انظر ، الكافي : 2 / 270 و 287 ، الحصال : 24 ، شرح اصول الكافي : 9 / 246 ، تحف العقول : 5 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
147 |
|
 |
الذاتية ، والغفلة عن الله تعالى . قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تعجل في عيب أحد بذنبه فلعله مغفور له ، ولا تأمن على نفسك صغير معصية فلعلك معذب عليه » (1) . وقال في وصف غر مجهول : « يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحتقره من طاعة غيره » (2) وأيضاً قال : « سيئة تسؤك خير من حسنة تعجبك » (3) . وفي اصول الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام : « دخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق فخرجا من المسجد ، والفاسق صديق ، والعابد فاسق وذلك أنه يدخل العابد المسجد مدلاً بعبادته يدل بها فتكون فكرته في ذلك ، وتكون فكرة الفاسق في التندم على فسقة ، ويستغفر الله عزوجل مما صنع من الذنوب » (4) .
( ومباهات المكثرين ) لا تقاس عظمة الإنسان ، بالمال ، والجاه . ولا بالعلم ، والبلاغة وكفى ، ولا بالانتصارات في المعارك ، بل بالتقوى ، وبما يتركه من عمل
|
(1) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 23 ، الخطبة ( 140 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 9 / 59 ، بحار الأنوار : 82 / 261 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 39 ، الحكمة ( 150 ) ، شرح النهج للمعتزلي : 18 / 356 ، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي لابن الدمشقي : 2 / 147 ، ينابيع المودة : 2 / 255 ، بحار الأنوار : 72 / 261 .
(3) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 13 ، الحكمة ( 46 ) ، شرح اصول الكافي : 9 / 334 ، عيون الحكم والمواعظ : 4 / 141 .
(4) انظر ، الكافي : 2 / 314 ح 6 ، شرح اصول الكافي : 9 / 335 ، علل الشرائع : 2 / 354 باب 66 ح 1 ، وسائل الشيعة : 1 / 101 ، مع العلم بأن قدس سره ، رواه بهذا اللفظ : ( أن عالماً ، وفاسقاً دخلا المسجد ، فخرج العابد منه فاسقاً ، والفاسق عابداً ؛ لأن هذا تاب ، وذاك أعجب بعمله واستكثره » .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
148 |
|
 |
نافع لأخيه الإنسان ( والإزراء بالمقلين ) حكى سبحانه في كتابه أن المترفين الطغاة استنكفوا عن الإيمان برسله ، وأنبيائه لا لشيء إلا الفقراء المقلين سبقوهم إلى الإيمان : « قالوا انؤمن لك واتبعك الأرذلون » (1) ومن أزرى ، واحتقر فقيراً لقتله فهو على سنة العتاة الطغاة . وتجدر الإشارة أن الذين تزدريهم الأعين هم الذين يصنعون للناس الحياة . ولو لاهم ما وجد المترفون قمحاً يأكلونه ، ولا قطناً يلبسونه .
( وسوء الولاية لمن تحت أيدينا ) المراد بالولاية هنا الرعاية بمعنى المحافظة ، وتعم وتشمل رعاية الحاكم للمحكومين ، والوال
لأولاده غير الراشدين ، والوصي لوصايته ، والأمين لأمانته ( وترك الشكر لمن اصطنع العارفة ) : المعروف ، وفي الحديث : « أشكر الناس لله أشكرهم للناس » (2) لأن البذل ، والعطاء من حيث هو يستوجب الشكر أياً كان مصدره ، وسئل الإمام الصادق عليه السلام عن معنى الشكر فقال : « من أنعم الله عليه نعمة فعرفها بقلبه ، وعلم أن المنعم عليه فقد أدى شكرها وإن لم يحرك لسانه ، ومن علم أن المعاقب على الذنوب هو الله فقد استغفر وإن لم يحرك لسانه به » (3) .
( أو أن نعضد ظالماً ) قال سبحانه : « ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار » (4) وقال ابن عباس : « إذا كان هذا هو حال من لا يصدر عنه إلا مجرد ركون ، ولم يشترك في قول ، أو فعل ، فالويل كل الويل لمن أطرى ، وشارك » (5) ونعطف
|
(1) الشعراء : 111 .
(2) انظر ، مجمع الزوائد : 8 / 181 ، تحفة الأحوذي : 6 / 75 ، مسند الشهاب : 2 / 113 ح 995 ـ 998 ، الجامع الصغير : 1 / 163 ح 1073 ، العهود المحمدية : 168 ، كنز العمال : 3 / 254 ح 6413 ، فيض القدير : 1 / 672 ، الكامل في التأريخ : 3 / 311 و : 5 / 337 ، اسد الغابة : 1 / 98 .
(3) انظر ، تحف العقول : 369 ، بحار الأنوار : 75 / 252 ح 107 ، مستدرك سفينة البحار : 6 / 28 .
(4) هود : 113 .
(5) انظر ، حبر الأمة للدكتور محمد شلش : 154 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
149 |
|
 |
على ذلك : أن الساكت عن الظالم بلا عذر شرعي أيضاً تمسه النار لقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « الساكت عن الحق شيطان أخرس » (1) ( أو نخذل ملهوفاً ) كما تحرم إعانة الظالم تجب كفاية إغاثة الملهوف ، والمضطر ، وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وآله الإيمان عمن بات متخماً وجاره طاو إلى جنبه (2) ( أو نروم ما ليس لنا بحق ) ويشمل هذا كل من يخدع الناس ، ويتجاوز قدره ، وحده . وفي نهج البلاغة : « هلك أمرؤ لم يعرف قدره » (3) .
|
الجهل بالجهل
|
|
|
 |
( أو نقول في العلم بغير علم ) من يعترف فهو صادق مع نفسه ، ومع الناس ، ومن هنا قيل : الإعتراف بالخطا فضيلة وشجاعة (4) . ولا أحد يجرأ على القول بغير علم إلا منافق ، أو جاهل بجهله ، والحديث مع هذا ضرب من السفه ، والعبث . قال العقاد : لو أن كل الإنس ، والجن للمغرور : « أنت أجهل الناس ، وشر الناس ، ثم خلا بنفسه ـ لأوهمها أنه أعلم الناس ، وخير الناس ، وأن كل الخلق يكذبون » )5( .
ونعوذ بك أن ننطوي على غش أحد ، وأن نعجب بأعمالنا ، ونمد في
|
(1) انظر ، فقه السنة للشيخ سيد سابق : 2 / 611 ، دراسات في الحديث والمحدثين لهاشم معروف : 147 .
(2) انظر ، الكامل لابن عدي : 2 / 219 قريب منه ، والأحكام ليحيى بن الحسين : 2 / 529 ، الكافي : 2 / 668 ، مجمع الزوائد : 8 / 167 ، المصنف للكوفي : 7 / 218 ، كنز العمال : 9 / 53 ح 24906 .
(3) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 38 ، الحكمة ( 149 ) ، شرح نهج البلاغة للبحراني : 601 ، الطبعة الأولى .
(4) انظر 2 ، فتح الغدير : 2 / 503 .
(5) انظر ، معاوية في الميزان : 64 ، الطبعة الأولى .
| | |