في ظلال الصيحيفة السجادية 111


( واعتق رقابنا من نقمتك ) من النار ( ويا من لا تفنى خزائن رحمته ) ولا خزائن رزقه ، ونعمته ، بل ولا ينقص منها شيء بالبذل ، والإنفاق ، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : « طلب بعض الكائنات من الله تعالى أن يأذن لها بهلاك ابن ءادم ؛ لأنه يأكل خيره ، ويجحد فضله . فقال لها : لو خلقتموه لرحمتموه » (1) . . .ومعنى هذا أن رحمة الخالق للمخلوق صفة لازمة له تماماً ، كرحمة الوالد لمولوده ، أو أشد ، وهذه قضية حتمية حيث لا غنى للخلق عن الخالق وجوداً ، وبقاء ( واجعل لنا نصيباُ في رحمتك ) في جنتك ، وإن لم نك لها بأهل ، فأنت أهل المغفرة ، والرحمة .
( ويا من تنقصع دون رؤيته الأبصار ) هذا الوصف من نعوت الجلال ، والكمال للذات القدسية ( وأدننا إلى قربك ) إلى رحمتك ، ورضوانك ( ويا من تصغر عند خطره الأخطار ) الله اكبر من كل شيء ، بل تعجز الألسن ، والأقلام عن وصفه ( وكرمنا عليك ) بالرحمة ، والرضوان .
ويا من تظهر عنده بواطن الأخبار . . . صل على محمد وآله ، ولا تفضحنا لديك .
أللهم أغننا عن هبة الوهابين . . . بهبتك ، واكفنا وحشة القاطعين . . . بصلتك ، حتى لا نرغب إلى أحد مع بذلك ، ولا نستوحش من أحد مع فضلك .
أللهم فصل على محمد وآله ، وكدلنا ، ولا تكد علينا ، وامكر لنا ولا تمكر بنا ، وأدل لنا ، ولا تدل منا .
أللهم صل على محمد وآله ، وقنا منك ، واحفضنا بك ، واهدنا
(1) لم اعثر على هذا المروي .
في ظلال الصيحيفة السجادية 112

إليك ، ولا تباعدنا عنك : إن من تقه يسلم ، و من تهده يعلم ، ومن تقربه إليك يغنم .
( يا من تظهر عنده بواطن الأخبار ) كل سر عنده علانية ، وكل غيب عنده شهادة ( ولا تفضحنا لديك ) وفقنا إلى طاعتك كيلا نفتضح بمعصيتك ( أللهم أغننا عن هبة الوهابين . . . ) من دعاء لرسول الله صلى الله عليه وآله : « أللهم إني اعوذ بك من الفقر إلا إليك ومن الذل إلا لك ، ومن الخوف إلا منك » (1) ( وكد لنا ، ولا تكدنا علينا ) في دعاء كميل : « ومن أرادني بسوء فأرده ، ومن كادني فكده » (2) أي رد كيده إلى نحره ، قال سبحانه : « إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً » (3) أي يبطل كيدهم ، ويعاقبهم عقاب الكائد المحتال ( وامكر لنا ، ولا تمكر بنا ) عطف تفسير على كد لنا ( وأدل لنا ، ولا تدل منا ) لا تسلط علينا من لا يرحمنا ، وانصرنا على عدوك ، وعدونا ( وقنا منك ) من عذابك ( واحفظنا بك ) بحفظك ، وحراستك ( واهدنا إليك ) إلى صراطك المستقيم ( ولا تباعدنا عنك ) عن رحمتك ، وتوفيقك ( من تقة يسلم ) من المهالك ، والمكاره ( ومن تهده يعلم ) ما ينتفع به فيفعله ، وما يضره فيتركه ( ومن تقربه إليك يغنم ) وكفى بالجنة مغناً ، ونوالا .
(1) انظر ، مسند أحمد : 2 / 305 و 325 ، سنن أبي داود : 1 / 344 ح 1544 ، الأدب المفرد للبخاري : 146 ، السنن الكبرى : 4 / 450 و : 7 / 12 ، صحيح ابن حبان : 3 / 305 ، بحار الأنوار : 94 / 233 ، كتاب الدعاء للطبراني : 409 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6 / 191 ، موارد الظمآن : 605 ، الجامع الصغير : 1 / 234 ، كنز العمال : 2 / 189 ح 3688 و 3746 ، إرواء الغليل : 3 / 354 ، سير أعلام النبلاء : 15 / 492 ، مستدرك الحاكم : 1 / 540 ، سنن النسائي : 8 / 261 ، المبسوط للسرخسي : 30 / 253 .
(2)انظر ، إقبال الأعمال لابن طاووس : 1 / 85 و 108 ، بحار الأنوار : 97 / 359 ـ 362 . (3) الطارق : 15 ـ 16 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 113


أللهم صل على محمد وآله ، واكفنا حد نواب الزمان ، وشر مصائد الشيطان ، ومرارة صولة السلطان .
أللهم إنما يكتفي المكتقون بفضل قوتك ، فصل على محمد وآله واكفنا ؛ وانما يعطي المعطون . . . من فضل جدتك ، فصل على محمد وآله وأعطنا ؛ وإنما يهتدي المهتدون . . . بنور وجهك ، فصل على محمد وآله واهدنا .
أللهم إنك من واليت لم يضرره خذلان الخاذلين ، ومن أعطيت لم ينقصه منع المانعين ، ومن هديت لم يغوه إضلال المضلين ؛ فصل على محمد وآله : وامنعنا بعزك . . . من عبادك ، واغننا عن غيرك . . .بإرفادك ، واسلك بنا سبيل الحق بإرشادك .
( واكفنا حد نوائب الزمان ) الحد هنا مأخوذ من الحدة ، والشدة ، أو من الحرب ، والعداء كقوله تعالى : « إن الذين يحآدون الله ورسوله أولئك في الأذلين » (1) أي يعادون ، ويحاربون الله ورسوله ، والنوائب : المصائب ( وشر مصائد الشيطان ) كلف سبحانه الانسان ، وترك له الحرية في العمل حيث لا انسانية بلا حرية ، وحذره من خداع المغريات ، واتباع الشهوات ، وكثيراً ما يطلق عليها حبائل الشيطان ، ومصائده ؛ لأنها تقود إلى غضب الله ، ومعصيته تماماً كما فعل إبليس مع ءادم وزوجه .

دعاء ودعاية

( ومرارة صولة السلطان ) هذه الجملة تكشف بدقة عن جور الحاكمين في
(1) المجادلة : 20 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 114

عصر الأئمة الأطهار عليهم السلام ، وعن الصراع ، والتناقض بينهم وبين المحكومين ، وصاغها الإمام دعاء ، ومناجاة على العموم فراراً من بطش الطغاة وعدوانهم ، وهي في واقعها تعبئ الرأي العام ، وتثير العواطف ضد كل طاغية ، وباغية ، يسارع في الإثم ، والعدوان على عباد الله ، وعياله . وهذا شأن العترة العارفة الخائفة في كثير من أدعيتها ، قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « الدعاء سلاح المؤمن » (1) . وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « الدعاء ترس المؤمن » (2) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « إن الدعاء أنفذ من السنان » (3) . وقال الإمام الرضا عليه السلام : « الدعاء سلاح الأنبياء » (4) .
( أللهم إنما يكتفي المكتفون بفضل قوتك ) أبداً لا خير إلا بالله ، ومن الله : « وما بكم من نعمة فمن الله » (5) ، ( واكفنا ) بحلالك عن حرامك ، وبفضلك عمن سواك ( وإنما يعطي المعطون . . . من فضل جدتك ) عطف تفسير على يكتفي المكتفون ، والجدة : الغنى ، والقدرة ( وأعطنا ) خير ما أعطيت ، واجعل لنا من أمرنا فرجاً ،
(1) انظر ، مسند زيد بن علي : 157 ، مغنى المحتاج : 1 / 182 ، حواشي الشرواني : 2 / 103 ، إعانة الطالبين : 1 / 216 ، الكافي : 2 / 468 ، عيون أخبار الرضا : 1 / 40 ، شرح اصول الكافي للمازندراني : 10 / 233 ، مسند أبي يعلى : 1 / 344 ، مجمع الزوائد : 10 / 147 ، مسند الشهاب : 1 / 117 ، الجامع الصغير : 1 / 655 ح 4258 ، كنز العمال : 2 / 62 ح 3117 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي : 3 / 722 .
(2) انظر ، الكافي : 2 / 468 ، شرح اصول الكافي : 10 / 234 ، وسائل الشيعة : 7 / 26 ، كنز العمال : 2 / 612 ح 4885 .
(3) انظر ، الكافي : 2 / 469 ، شرح اصول الكافي : 10 / 234 ، وسائل الشيعة : 7 / 38 ، مكارم الأخلاق : 270 .
(4) انظر ، الدعوات للراوندي : 18 ، الكافي : 2 / 468 ، وسائل الشيعة : 4 / 1095 ، بحار الأنوار : 90 / 295 ، مكارم الأخلاق : 270 ، عوالي اللئالي : 4 / 19 .
(5) النحل : 53 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 115

ومخرجاً ( وإنما يهتدي المهتدون . . . بنور وجهك ) ينحصر طريق الهداية بالوحي ، والعقل ، وهما من عطاء الله ، وفضله ، ما في ذلك ريب ، وعليه يكون المراد بالنور هنا الوحي ، والعقل ، وبوجهه تعالى عطاؤه ، ونواله ، والمعنى إنما يهتدي المهتدون بالوحي من الله سبحانه على لسان أنبيائه ، وبالعقل وهو أعظم نعم الله على عباده . ( أللهم إنك من واليت ) نصرت ( لم يضرره خذلان الخاذلين ) لا واضع لمن رفعت ، ولا رافع لمن وضعت ( ومن أعطيت لم ينقصه منع المانعين ) وما أغنى البحر عن قطرات الندى : « هذا عطآؤنا ( أي أعط ) أو أمسك بغير حساب » (1) ( ومن هديت لم يغوه إضلال المضلين ) من أسلم ، وآمن على علم ، وإخلاص لا يثنيه عن دينه ، وعقيدته أي شيء حتى ولو وضعوا الشمس في يمينه ، والقمر في يساره . . . وأيضاً لا يبالي بسيف الجلاد في سبيل إيمانه ، بل يجد فيه رضاً لنفسه ، وسكينةً ما دام من أجل غاية أسمى وأعلى .
( وامنعنا بعزك . . . من عبادك ) يقول الإمام لإله الخلائق : نحن في حماك ، وسلطانك ، فامنع عنا جور الطغاة من عبادك . . . وفيه دعاية ضد عتاة الحكم في ذاك العهد ( وأغننا عن غيرك . . . بإرفادك ) جمع رفد بمعنى العطاء . توكلنا عليك ، وفررنا إليك من الظلم ، والإضطهاد ، فانصرنا ، أو انتصر لنا . ومن أدعية نهج البلاغة : « أللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك ، أو أضل في هداك ،أو أضام في سلطانك ، أو اضطهد والأمر لك » (2) .
(1) سورة ص : 39 .
(2) هكذا ورد الدعاء : ( قال العباس لأمير المؤمنين عليه السلام ليلة صفين ، أما ترى الأعداء قد أحدقوا بنا ؟ فقال : وقد راعك ؟ قلت : نعم . فقال : أللهم إني أعوذ بك أن أضام . . . ) ، انظر ، نهج البلاغة : =
في ظلال الصيحيفة السجادية 116


أللهم صل على محمد وآله ، واجعل سلامه قلوبنا . . . في ذكر عظمتك ، وفراغ أبداننا . . . في شكر نعمتك ، وانطلاق ألسنتنا . . . في وصف منتك .
أللهم صل على محمد وآله ، واجعلنا من دعاتك الداعين إليك ، وهداتك الدالين عليك ، ومن خاصتك الخاصين لديك ؛ يا أرحم الراحمين .
( واجعل سلامه قلوبنا . . . في ذكر عظمتك ) قال سبحانه : « يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم » (1) وروي عن أهل البيت عليهم السلام : « أن القلب السليم الذي يلقى ربه ، وليس فيه أحد سواه » (2) . أي لا يشغله عن طاعة الله شاغل من الدنيا وحطامها ، ومن انصرف إليها بكلة فقد ذهل عن خالقه ، واستباح من أجلها كل إثم ، وجريمة ، بخاصة الحقد ، والحسد ، والكذب ، والرياء ، والدرع الواقية من نزعات الشيطان ، ونفثاته أن يذكر المؤمن الله سبحانه بخشوع ، ويعوذ به من همزات الشيطان بصدق ، وإخلاص ، قال سبحانه : « وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا
= 2 / 197 ، قسم الخطب رقم ( 215 ) ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 11 / 84 و 86 ، الأمان من أخطار الأسفار لابن طاووس : 126 ، دفع الهموم والأحزان لأحمد بن داود النعماني : الجزء الرابع ، مهج الدعوات : 102 ، نهج السعادة : 6 / 239 ، دراسات في شرح نهج البلاغة لمحمد مهدي شمس الدين : 234 ، بحار الأنوار : 73 / 259 و : 91 / 226 .
(1) الشعراء : 89 .
(2) انظر ، الكافي : 2 / 16 ح 5 ، وسائل الشيعة : 1 / 60 ، بحار الأنوار : 67 / 54 ، تفسير القمي : 2 / 473 ، التفسير الأصفى : 2 / 888 ، تفسير الميزان 17 / 154 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 117

فإذا هم مبصرون » (1) وقال الرسول الإعظم صلى الله عليه وآله : « إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن ءادم ، فإذا ذكر الله خنس ، وإن نسي التقم قلبه ، فذاك الوسواس الخناس » (2) . . ( وفراغ أبداننا . . . في شكر نعمتك ، وانطلاق ألسنتنا . . . في وصف منتك ) ما من شك أن حياة العمل للعيش بلا فراغ ، وانقطاع شاقة ، وقاسية ، وأيضاً الحياة بلا عمل على الإطلاق قاحلة ماحلة ، والحياة الصالحة الرابحة هي التي تجمع بين العمل ،والفراغ بين التعب ، والراحة ، ان ساعة الفراغ ان لا نكدح فيها للمعاش ، لا أن نترك العمل من الأساس حتى القراءة ، والمطالعة ـ مثلاً ـ ويقول الإمام عليه السلام : أفضل الأعمال في هذه الساعة مناجاة الله سبحانه بالشكر على نعمه ، وإفضاله ، والتسبيح بحمده ، وجلاله .
( واجعلنا من دعاتك الداعين إليك ) قال سبحانه : « ومن أحسن قولاً ممن دعآ إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين » (3) ، والتعبير بالاحسن هنا كالتعبير به في قوله تعالى : « إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم » (4) ، أي من أراد الخير لنفسه ، والأجر عند الله فعليه أن يؤمن به ، ويعلن إيمانه على الملأ ، ويعمل بموجبه ، ويدعو إلى دين الله بالحكمة ، والموعظة الحسنة ( وهداتك الدالين عليك ) عطف تفسير على الداعين إليك ( ومن خاصتك الخاصين لديك ؛ يا أرحم الراحمين ) كل
(1) الأعراف : 201 .
(2) انظر ، كنز العمال : 1 / 418 ح 1782 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 1/ 404 و : 4 / 245 ، تفسير ابن كثير : 4 / 615 ، الدر المنثور : 6 / 420 ، فتح القدير : 5 / 524 ، الكامل في التأريخ : 3 / 186 ، البداية والنهاية : 1 / 64 ، سبل الهدى والرشاد : 9 / 155 ، بحار الأنوار : 67 / 42 ، مسند أبي يعلى : 7 / 279 ، الجامع الصغير : 2 / 90 .
(3) فصلت : 33 .
(4) الإسراء : 7 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 118

من أطاع الله ورسوله فهو من المقربين إليه ، ومن خاصته ، وأوليائه ، قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « إن أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكراً ، ونظروا فكان نظرهم عبرة ، ونطقوا فكان نطقهم حكمة ، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة » (1) أي خدمة ينتفع بها الإنسان لوجه الله ، والإنسانية .
(1) انظر ، الكافي : 2 / 237 ح 25 ، أمالي الصدوق : 380 ، بحار الأنوار : 69 / 288 ح 23 ، شرح اصول الكافي : 9 / 168 ، وسائل الشيعة : 1 / 88 ، مستدرك الوسائل : 12 / 168 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 119

الدعاء السادس

دعاؤه عند الصباح والمساء

ألحمد لله الذي خلق الليل ، والنهار بقوته ، وميز بقدرته ، وجعل لكل واحد منهما حداً محدوداً ، وأمداً ممدوداً ؛ يولج كل واحد منهما في صاحبه ، ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد ، فيما يغذوهم به ، وينشئهم عليه .


الليل ، والنهار

( الحمد لله الذي خلق الليل ، والنهار . . . ) الأرض كرة معلقة في الهوآء ، تدور حول نفسها مرة واحدة كل ( 24 ) ساعة ، وهذا الدوران لكرة الأرض يؤدي حتماً إلى تعاقيب الليل ، والنهار ، ولو كانت الأرض مسطحة لما حدث هذا ، وأسند الإمام الليل ، والنهار إليه تعالى ، لأنه العلة الأولى لوجود الأشياء كلها ، وبدونه يستحيل أن نفسر وجود أي شيء تفسيراً معقولاً ، وإلا سرنا من شك إلى شك دون أن ننتهي إلى فكرة مقنعة ، وواضحة ، ولذا قال فولتير : « إن وجود الله فرض ضروري ؛ لأن

في ظلال الصيحيفة السجادية 120

الفكرة المضادة حماقات » (1) . وقال اسبينوزا : « القانون الطبيعي هو قانون إلهي » (2) . ( يولج كل واحد منهما في صاحبه ) أيضاً تدور الأرض حول الشمس مرة كل عام ، فيكون تعاقب الفصول الأربعة فيأخذ الليل من النهار في فصل ، حتى يصير ( 15 ) ساعة ، والنهار ( 9 ) ساعات ، ويأخذ اليل من النهار في فصل آخر ، حتى يصير ( 15 ) ساعة ، والليل ( 9 ) ساعات . وهذا هو المراد بالإيلاج هنا ( ويولج صاحبه فيه بتقدير منه ) أعاد الإمام عليه السلام كلمة يولج ليشير أن زيادة الليل دون النهار أو العكس ، لم تكن من باب الصدقة ، بل « بتقدير » وتدبير « وخلق كل شيء فقدره تقديراً » (3) ، ( للعباد ، فيما يغذوهم به ، وينشئهم عليه ) « فيما » هنا بمعنى ( لما ) كقوله تعالى : « لمسكم في مآ أفضتم فيه عذاب عظيم » (4) أي لما أفضتم ، ويغذوهم : من الغذاء ، وينشئهم : من النشء ، والمعنى أن الله خلق الليل ، والنهار لمصالح العباد ، ومنها العمل من أجل الغذاء ، والنشء ، والنمو ، وغيرذلك مما أشار إليه الإمام بقوله :
فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب ، ونهضات النصب ، وجعله لباساً من راحته ، ومنامه ، فيكون ذلك لهم جماماً ، وقوة ، ولينالوا به لذة ، وشهوة ؛ وخلق لهم النهار مبصراً ليبتغوا فيه من فضله ، وليستببوا إلى رزقه ؛ ويسرحوا في أرضه ؛ طلباً لما فيه نيل العاجل من دنياهم ، ودرك الآجل في أخراهم ؛ بكل ذلك يصلح شأنهم ، ويبلو أخبارهم ، وينظر كيف هم في أحكامه ؛
(1) انظر ، البرهان على ضعف الإنسان للدكتور ميخائيل : 420 ، طبع بيروت .
(2) انظر ، المعجم القانوني ، لحارث سليمان الفاروقي : 2 / 471 .
(3) الفرقان : 2 .
(4) النور : 14 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 121


ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .
( فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه . . . ) النهار للكد ، والكدح ، والليل للسكون ، والراحة ، ولا يحتاج هذا إلى شرح ، بل ولا بيان لأنه معلوم بالحس ، والممارسة . وأشار إليه سبحانه في كتابه ، والإمام عليه السلام في دعائه ، لمجرد التنبيه على كمال قدرته تعالى ، وعظيم نعمته على عباده تماماً كما يقول الوالد لولده : « تحملت ، وعانيت من أجلك لتكون باراً لا عاقاً ، ( وجعله لباساً ليلبسوا من راحته ، ومنامه ) لباس التقوى يقي من العذاب ، ولباس الليل يريح من الأتعاب ( فيكون ذلك لهم جماماً ) : راحة ( ولينالوا به لذة وشهوة ) كالسهر ، والسمر مع الجيران ، والخلان ، وكم تغزل الشعراء بالليل ، ولغوة ، ومتعه ، ولهوه ! ( وخلق لهم النهار مبصراً . . . ) نبصر فيه طرق الحياة فنعمل لها ولمطالبها .


مطالب الروح ، والجسد

( طلباً لما فيه نيل العاجل من دنياهم ، ودرك الآجل في أخراهم ) يشير بهذا إلى الحديث « أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً » (1) وحديث « ليس خيركم من عمل لدنياه دون آخرته ، ولا من عمل لآخرته وترك دنياة ، وإنما خيركم من عمل لهذه ، وهذه » (2) وبهذا التوازن بين العمل من أجل
(1) انظر ، تنبيه الخواطر : 2 / 234 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 2 / 16 ، بحار الأنوار : 44 / 139 ح 6 ، من لا يحضره الفقيه : 3 / 156 ، وسائل الشيعة : 12 / 49 ح 2 ، تحرير الأحكام 1 / 159 ، منتهى المطلب : 2 / 998 .
(2) انظر ، أحكام القرآن للجصاص : 2 / 49 ، بلفظ ( من عمل لدنياه أضر بآخرته ، ومن عمل لآخرته أضر بدنياه ، وقد يجمعها الله تعالى لأقوام ) وقريب منه أيضاً ، في شرح نهج البلاغة =
في ظلال الصيحيفة السجادية 122

الروح ، ومن أجل الجسد ، أمتاز الإسلام عن غيره من الأديان . . . على أنه لم يأت بجديد سوى تقرير الواقع ، والكشف عنه ؛ لأن الإنسان ليس ملاكاً ، ولا حيواناً ، بل بين بين ، وقد أولى الإسلام اهتمامه بهما ، والعمل لهما تبعاً للنظام الإنساني الطبيعي ، وكل دين ، أو مذهب ، أو نظام لا يراعي التوازن بين الروح ، والجسد ـ فهو مناقض لطبيعة الحياة ، وقوانينها .
وقال كاتب معاصر : «إن الله لا يأمر بالرهبنة ، ولا بالفرار من الدنيا ؛ لأنه يأمر بتحطيم ما بناه » (1) ، وأيضاً يصدق هذا على العمل للجسد ، والدنيا فقط ؛ لأنه تعالى : بنى الإنسان من جسد ، وروح ، وبنى له عالمين يحيا فيهما : دنيا ، وآخرة ، وهو لا يأمر بتحطيم هذه كما لا يأمر بتحطيم تلك ( ويبلو أخبارهم . . . ) الله سبحانه يعلم ما كان ويكون من عبده ما لا يعلمه العبد من نفسه ، ومع هذا يعامله معاملة المختبر له بالأمر والنهي ، ليظهر للعيان عمله الذي يستحق عليه الثواب ، والعقاب ، ويأخذه بالحجة القاطعة ، كما هو شأن الحاكم العادل ، وفي الآية : « ونبلوا أخباركم » (2) ، و « ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى » (3) .
= لابن أبي الحديد : 1 / 312 ، رجال الكشي : 349 ، طبعةة النجف الأشرف ، البداية والنهاية : 8 / 9 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 5 / 463 ، كشف الخفاء : 2 / 169 ، تأريخ دمشق : 65 / 197 ، الإمام جعفر الصادق عليه السلام لعبد الحليم الجندي : 347 .
(1) قال ابن الأثير وغيره في الحديث « لا رهبانية في الإسلام » هي رهبنة النصارى . وأصلها من الرهبة : الخوف ، كانوا يترهبون بالتخلى من أشغال الدنيا ، وترك ملاذها ، والزهد فيها ، والعزلة عن اهلها ، وتعمد مشاقها ، حتى ان منهم من كان يخصي نفسه ويضع السلسلة في عنقه . . . » انظر ، النهاية في غريب الحديث : 2 / 280 ، البداية والنهاية : 2 / 179 ، فتح الباري : 9 / 91 ، سبل الهدى والرشاد : 1 / 503 ، كشف الخفاء : 2 / 337 .
(2) محمد : 31 .
(3) النجم : 31 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 123


أللهم فلك الحمد على مافلقت لنا من الإصباح ، ومتعتنا به من ضوء النهار ، وبصرتنا من مطالب الأقوات ، ووقيتنا فيه من طوارق الآفات . أصبحنا ، وأصبحت الأشياء كلها بجملتها لك : سماؤها ، وأرضها ، وما بثثت في كل واحد منهما ساكنة ، ومتحركة ، ومقيمه ، وشاخصه ؛ وما علا في الهواء ؛ وما كن تحت الثرى .
أصبحنا في قبضتك ، يحوينا ملكك ، وسلطانك ، وتضمنا مشيتك ونتصرف عن أمرك ، ونتقلب في تدبيرك ؛ ليس لنا من الأمر إلا ما قضيت ، ولا من الخير إلا ما أعطيت ؛ وهذا يوم حادث جديد ، وهو علينا شاهد عتيد ؛ إن أحسنا ودعنا بحمد ، وإن أسأنا فارقنا بذم .
أللهم صل على محمد وآله ، وارزقنا حسن مصاحبته ، واعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريرة ، أو اقتراف صغيرة ، أو كبيرة ؛ وأجزل لنا فيه من الحسنات ، وأخلنا فيه من السيئات ؛ واملأ لنا ما بين طرفيه حمداً ، وشكراً ، وأجراً ، وذخراً ، وفضلاً ، وإحساناً .
( أللهم فلك الحمد على ما فلقت لنا من الإصباح . . . ) الفلق : الصبح ، وأيضاً يطلق على الخلق كله وفلق الله الصبح : كشف الظلام ، وأظهر الضياء ، وكل نهار يستقبله الإنسان هو نعمة من الله سبحانه ، وفرصة ينتهزها العاقل لعمل الخير باستدراك ما فات ، أو بالاستعداد لما هو آت ، أو لسد حاجة له ، أو لعياله ، وذوية ، أو لأي ملهوف من خلق الله ، وعباده ، والإمام عليه السلام يحمد الله سبحانه شكراً على نعمة الحياة ، وفسحة العمر التي ينتهزها في كل يوم ، وكل ساعة للعمل بطاعة الله ، ومرضاته ، ويوجهنا بهذا الدعاء ، والاسلوب الحكيم الرائع ، إلى العمل لما خلقنا من أجله ، وممارسة الحياة على نهج الرشد ، والنجاة .

في ظلال الصيحيفة السجادية 124


( أصبحنا ، وأصبحت الأشياء كلها . . . )لله حتى أنفسنا ، فإنه تعالى أملك بها منا ، لأنها منه ، وإليه ( ساكنه ) بدل من « ماثبت » ، والمقيم : الحاضر ، والشاخص : المسافر ، تقول شخص فلان من بلد إلى بلد أي ذهب ، أو سار ( ونتصرف عن أمرك ) نحن أمناء ، وخلفاء الله في ارضه ، لا نملك شيئاً إلا أن يتفضل ، ويأذن ( ونتقلب في تدبيرك . . . ) الله سبحانه لا يتعامل مع عبادة بإرادته الشخصية ، ولا يتدخل في شؤونهم اليومية مباشرة فعلاً ، أو تركاً وإلا كان الإنسان مسيراً لا مخيراً (1) ، بل يتعامل معهم بالأمر ، والنهي ، والنصيحة ، والإرشاد ، ويترك الأمور تجري على أسبابها ، وعليه يكون المراد بالتقلب في تدبيره تعالى أنه العلة الأولى لكل شيء ، أو المراد بالعناية العامة التي تسع نعمة الوجود ، والرزق ، والحياة وكل ما يمت بسبب إلى حفظ الكون ، وتسييره ، ولولا هذه العناية الإلهية ما كان للأشياء وجود ، ولا بقاء .


قيمة الوقت

( وهذا يوم حادث جديد . . . ) يحاسب المرء ، يسأل الله الرجل عن أربع : « عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله مما كسبه ، وفيما أنفقه » ؟ (2) .
(1) قال الشيخ محمد عبده في العروة الوثقى : 92 طبعة 1970 م : « مذهب الجبر يعده المسلمون من منازع السفسطة الفاسدة ، وقد انقرض أربابه في أواخر القرن الرابع من الهجرة ، ولم يبق لهم من أثر » .
(2) انظر ، المعجم الكبير : 11 / 84 ح 11177 ، شرح الأخبار : 2 / 508 ح 898 ، المعجم الأوسط : 9 / 155 ح 9406 ، جامع الأخبار : 499 ح 1384 ، المناقب لابن المغازلي : 120 ح 157 ، فرائد السمطين : 2 / 301 ح 557 ، أمالي الصدوق : 42 ح 9 ، الخصال : 253 ح 125 ، تحف العقول : 56 مرسلاً ، تنبيه الخواطر : 2 / 75 ، أمالي الطوسي : 593 ح 1227 ، روضة الواعظين : 549 مرسلاً .
في ظلال الصيحيفة السجادية 125

قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لأبي ذر عليه السلام : « كن على عمرك أشح منك على درهمك ، ودينارك » (1) . ومن الحكم الخالدة : « الليل ، والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما » (2) . وكل يوم لا يترك الإنسان فيه واجباً ، ولا يفعل محراماً ، فهذا يودعه بالحمد ، والثناء وإلا فارقه بالذم ، والهجاء . وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « استتموا نعم الله عليكم بالصبر على طاعته ، والمجانبة لمعصيته ، فإن غداً من اليوم قريب . ما أسرع الساعات في اليوم ، وأسرع الأيام في الشهر ، وأسرع الشهور في السنة ، وأسرع السنين في العمر » (3) . وعلق الشيخ محمد عبده على هذه الحكمة الخالدة بقوله : « كلام بالغ الغاية في الموعظة » (4) .
( وارزقنا حسن مصاحبته ) أي مصاحبة اليوم ، وهو توكيد ، وتكرار للجملة السابقة : « ودعنا بحمد » ، ( واعصمنا من سوء . . . ) أيضاً تكرار ، وتوكيد للجملة المتقدمة : « فارقنا بذم » ، ( وأجزل لنا فيه من الحسنات . . . ) وفقنا لفعل الباقيات الصالحات ، وترك المحذورات ، والمهلكات ( واملأ لنا ما بين طرفيه . . . ) وهما الغدو ، والآصال ، والمعنى مهد لنا السبيل إلى عمل يكون للمحاويج ثمره ، وخيره ، ولنا ذكره ، وأجره .
أللهم يسر على الكرام الكاتبين مؤنتنا ، واملأ لنا من حسناتنا صحائفنا ، ولا تخزنا عندهم بسوء أعمالنا .
(1) انظر ، أمالي الطوسي : 527 / مكارم الاخلاق : 2 / 364 ، بحار الأنوار : 74 / 76 ، غرر الحكم : 73 .
(2) انظر ، عيون الحكم والمواعظ : 144 الحكمة ( 3705 ) ، مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا : 29 رقم ( 47 ) ، كنز الفوائد : 271 ، معدن الجواهر : 23 ، إرشاد القلوب : 1 / 51 ، منية المريد : 231 .
(3) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 128 الحكمة ( 188 ) ، شرح نهج البلاغة : 13 / 99 .
(4) انظر ، شرح نهج البلاغة لمحمد عبده : 241 الحكمة ( 188 ) .
في ظلال الصيحيفة السجادية 126


أللهم اجعل لنا في كل ساعة من ساعاته حظاً من عبادك ، ونصيباً من شكرك ، وشاهد صدق من ملائكتك .
أللهم صل على محمد وآله ، واحفظنا من بين أيدينا ، ومن خلفنا ، وعن أيماننا ، وعن شمائلنا ، ومن جميع نواحينا . . . حفظاً عاصماً من معصيتك ، هادياً إلى طاعتك ، مستعملاً لمحبتك .
أللهم صل على محمد وآله ، ووفقنا في يومنا هذا ، وليلتنا هذه ، وفي جميع أيامنا . . . لاستعمال الخير ، وهجران الشر ، وشكر النعم ، واتباع السنن ، ومجانبه البدع ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وحياطة الإسلام ؛ وانتقاض الباطل ، وإذلاله ، ونصرة الحق ، وإعزازه ، وإرشاد الضال ، ومعاونة الضعيف ، وإدراك اللهيف .
( أللهم يسر على الكرام الكاتبين ) الذين يسجلون على الناس أقوالهم ، وأفعالهم ، وسبقت الإشارة إليهم في فصل الملائكة ( مونتنا ) تقول : تحملت مؤنة فلان أي كفيتة ما أهمه ، والملائكة الكاتبون يتبرمون من السيئات ، وتسجيلها ، ويرتاحون للحسنات ، وكتابتها . والإمام عليه السلام يدعو الله سبحانه أن يأخذ بيد العباد إلى طاعته ، ومرضاته لطفاً بهم ، ورحمة بالكرام الكاتبين ( اجعل لنا في كل ساعة من ساعاته ) أي من ساعات يومنا ( حظاً من عبادك ) أي من خدمة عبادك ، والعمل لمنافعهم . وفي نهج البلاغة : « إن لله عباداً يخصهم الله بالنعم لمنافع العباد » (1) .
(1) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 99 الحكمة ( 425 ) ، عيون الحكم والمواعظ : 141 ، شرح النهج الحديدي : 20 / 70 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 127

والإمام عليه السلام يسأل الله أن يجعل له حظاً من هذه النعم ( وشاهد صدق من ملائكتك ) بأننا من المخلصين لك الدين .
( واحفظنا من بين أيدينا . . . ) قال سبحانه : « له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله » (1) ، وضمير الغائب للإنسان ، والمعقبات تعبير عن حواسه ، وإدراكه ، وسائر غرائزه التي لها أبلغ أثر في حفظه ، وصيانته ، ومن « من » في قوله تعالى : « من أمر الله » بمعنى الباء ، ومثلها في الآية : « ينظرون من طرف خفي » (2) أي بطرف خفي والإمام عليه السلام يناجي فاطر السموات ، ويقول له : كما أنعمت على عبادك بمعقبات يحترسون بها من الآفات ، فانعم ، وتفضل علينا بلطف منك يمهد لنا السبيل إلى طاعتك حتى نلقاك ، وما علينا من أثقال ، وتبعات .
( ووفقنا في يومنا هذا ، وليلتنا هذه . . . ) هذا بيان ، وتفسير للعصمة عن المعصية ، والاستعمال في محبة الله ، ومرضاته ( واتباع السنن ) جمع سنة ، وهي طريقة النبي صلى الله عليه وآله قولاً ، وفعلاً ، وتقريراً ( ومجانبه البدع ) جمع بدعة ـ بكسر الباء ـ وهي كل ما لا أصل له في كتاب الله ، وسنة نبيه ( وحياطة الإسلام ) بحفظه ، وصيانته ، والذب عنه ، والجهاد لنشره ، وإعلاء كلمته .


لا إيمان بلا جهاد

( وانتقاض الباطل ، وإذلالة ، ونصرة الحق ، وإعزازه ) قال سبحانه : « إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا » (3) ، وكلمة « إنما » في الآية
(1) الرعد : 11 .
(2) الشورى : 45 .
(3) الحجرات : 15 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 128

حصرت الإيمان بهذه الأركان ، ومنها الجهاد بالنفس ، والمال ، ومعنى هذا أنه لا إيمان بلا جهاد ، وأن من آثر الراحة ، والسلامة على جهاد البغي ، والفساد في الأرض فقد آثر دنياه على آخرته ، ونكب عن طريق الإيمان الحق ، وإن إدعاه فهو كاذب في دعواه حتى ولو صلى ، وصام ، وحكم بالعدل ، واجتنب قول الزور ، وأدى الأمانة إلى أهلها ، ويؤكد هذه الحقيقة قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « من أصبح لا يتهم بأمر المسليمن فليس من الإسلام في شيء » (1) ، وأيضاً معنى هذا أنه لا سلبية أبداً في الإسلام ، وأن المسلم الحق هو الذي يشارك المجتمع في سرائه ، وضرائه ، ويكافح الرذيلة ، ويتعاون مع كل الأفراد ، والفئات الطيبة المخلصة على بناء الحياة ، وفعل الخيرات .
وبعد ، فإن الإسلام رسالة الله إلى عباده تهديهم إلى حياة أفضل ، وأقوم كما نصت الآية : « إن هذا القرءان يهدى » (2) ، وغيرها من الآيات ، ولن تتقدم الحياة خطوة واحدة إلى الأمام إلا بالكفاح ، والجهاد ضد المستأثرين ، والمستغلين .
( وإدراك اللهيف ) وهو المظلوم المستغيث ، وإدراكه : إغاثته ، وفي الحديث : « الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه » (3) ، وعن أهل البيت عليهم السلام : « إن لله تحت عرشه ظلاً لا يسكنه إلا من أسدى لأخيه معروفاً ، أو نفس عنه كربة ، أو أدخل على قلبه سروراً » (4) .
(1) انظر ، بحار الأنوار : 72 / 21 ، كتاب النوادر للراوندي : 142 ، الكافي : 2 / 163 ح 1 و 5 ، فقه الرضا : 319 .
(2) الإسراء : 9 .
(3) انظر ، سنن الترمذي : 2 / 439 ، سنن أبي داود : 2 / 465 ، سنن ابن ماجه : 1 / 82 ، مسند أحمد : 2 / 252 .
(4) هذا كتاب كتبه الإمام الكاظم عليه السلام ، إلى والي الري بخصوص أحد أصحابه ، وقيل كتبه الإمام =
في ظلال الصيحيفة السجادية 129


أللهم صل على محمد وآله ، واجعله أيمن يوم عهدناه ، وأفضل صاحب صحبناه ، وخير وقت ظللنا فيه ؛ واجعلنا من أرضى من مر عليه الليل ، والنهار من جملة خلقك ؛ أشكرهم لما أوليت من نعمك ، وأقومهم بما شرعت من شرائعك ، وأوقفهم عما حذرت من نهيك .
أللهم إني أشهدك وكفى بك شهيداً ، وأشهد سماءك ، وأرضك ، ومن أسكنتهما من ملائكتك ، وسائر خلقك في يومي هذا ، وساعتي هذه ، وليلتي هذه ، ومستتقري هذا . . . إني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت ؛ قائم بالقسط ، عدل في الحكم ، رؤف بالعباد ، مالك الملك ، رحيم بالخلق .


التكرار في الأدعية ، والمناجاة

قال علماء اللغة العربية في تعريف علم البيان : « هو علم يعرف به إيراد المعنى بطرق مختلفة مع وضوح الدلالة عليه » (1) . وقد أورد الإمام عليه السلام هنا المعنى السابق بتعبير آخر مع وضوح الدلالة . لذا نلمس بعض الكلمات لمساً خفيفاً لمجرد اليمن ، والبركة . . . وأسلوب التكرار ، والإعادة مألوف في الأدعية ، والمناجاة لتوكيد الرجاء حيناً ، وللإلحاح حيناً آخر . وفي الحديث : « إن الله تبارك وتعالى لا يمل حتى تملوا » (2) .
= الصادق عليه السلام ، إلى النجاشي . انظر ، البحار : 71 / 313 ح 69 و : 74 / 292 ح 22 ، مستدرك سفينة البحار : 5 / 16 .
(1) انظر ، تاج العروس : 10 / 258 ، كشف الظنون حاجي خليفة : 1 / 259 ، معجم لغة الفقهاء : 385 .
(2) انظر ، مسند أحمد : 6 / 40 ، سنن أبي داود : 1 / 308 ، الموطأ : 1 / 118 ، صحيح مسلم : 1 / 217 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 130


وقال الإمام السجاد عليه السلام : « لو أنزل الله تعالى كتاباً إني معذب رجلاً واحداً خفت أن أكونه ، أو راحم رجلاً واحداً لرجوت أن أكونه ، أو أنه معذبي لا محالة ، ما ازددت إلا اجتهاداً ، لئلا أرجع إلى نفسي بالملامة » (1) .
( واجعله أيمن يوم عهدناه . . . ) كل يوم لا يعصى الله فيه فهو فضل ، وبركة ، أو هو عيد على حد تعبير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ( ومن جمله خلقك ؛ أشكرهم ) جملة أشكرهم حال من خلقك أي الشاكرين ( لما أوليت ) أعطيت ) وأقومهم بما شرعت ) أفضل من عمل بشرائع دينك ، ورعاها ، وأخلص لها ( وأوقفهم عما حذرت ) أتقى الناس في البعد عن المحرمات ، والوقوف عند الشبهات حرصاً على طاعتك ، ومرضاتك ( ومستقري ) موضوع قراري .


إله التوراة ، والإنجيل ، والقرآن

( أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت . . . ) إله التوراة اليهودية واحد ، ولكنه في صورة إنسان بنص سفر التكوين (2) . ومن أبرز صفاته القسوة ، والبطش ، والتعطش إلى الدماء البريئة ، ويؤكد هذا بوضوح سفر العدد (3) ، وسفر التثنية (4) ، وسفر يشوع (5) ، وفي سفر التثنية (6) : « أن الشعب اليهودي هو شعب الله الوحيد ، والمختار من جميع الشعوب على وجه الأرض . . . » (7)إلى كثير من هذا الهراء ،
(1) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2 / 100 و : 15 / 167 .
(2) انظر ، الإصحاح : 31 فقرة (9) ، قدس سره .
(3) انظر ، الإصحاح : 31 ، فقرة ( 10 ـ 12 ) ، منه قدس سره .
(4) انظر ، الإصحاح : 13 فقرة ( 15 ) وما بعدها ، منه قدس سره .
(5) انظر ، الإصحاح : 6 قدس سره .
(6) انظر ، الإصحاح 7 الفقرة ( 6 ) وما بعدها ، منه قدس سره .
(7) انظر ، الإصحاحات السابقة .

السابق السابق الفهرس التالي التالي