في ظلال الصيحيفة السجادية 91


فصل عليهم يوم تأتي كل نفس معها سائق وشهيد ، وصل عليهم صلاة تزيدهم كرامة على كرامتهم ، وطهارة على طهارتهم أللهم وإذا صليت على ملائكتك ، ورسلك ، وبلغتهم صلاتنا عليهم ، فصل عليهم بما فتحت لنا من حسن القول فيهم إنك جواد كريم .
( والطائفين بالبيت المعمور ) الكعبة المعظمة ، وفي سفينة البحار عن الإمام الصادق عليه السلام : « ينزل كل يوم ألوف الملائكة يطوفون بالبيت المعمور » (1) ( ومالك ، والخزنة ، ورضوان ، وسدنة الجنان ) مالك : الموكل بالجحيم ، وخزنتها : القائمون عليها ، ورضوان : الموكل بالجنة ، والسدنة : الخدمة ، وفي النهج : « أعلمتم أن مالكاً إذا غضب على النار حطم بعظها بعضاً » (2) ، وقال تعالى : « لايعصون الله مآ أمرهم ويفعلون ما يؤمرون » (3) ، وقال تعالى : « سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار » (4) ، ( الزبانية ) في الآية : « سندع الزبانية » (5) جمع زبني ، مأخوذ من الزبن بمعنى الدفع ، والزبانية عند العرب الشرطة ، وسمي بذلك بعض خزنة النار يدفعون إليها المجرمين (6) ، وفي الآية : « عليها ملائكة غلاظ شداد » (7) ( الذين إذاًً
(1) انظر ، سفينة البحار : 1 / 450 ، قريب منه .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 113 ، الخطبة ( 183 ) وليس كما في المتن ( 181 ) ، شرح النهج الحديدي : 10 / 122 .
(3) التحريم : 6 .
(4) الرعد : 24 .
(5) العلق : 18 .
(6) انظر ، تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي : 542 ، لسان العرب : 13 / 194 ، الصحاح : 5 / 213 .
(7) التحريم : 6 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 92

قيل لهم : « خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه » (1)( ابتدروه سراعاً ) أسرعوا إليه سراعاً ( ولم ينظروه ) لم يؤخروه ، ويهملوه ( ومن أوهمنا ذكره ) سهونا عنه ( ومن منهم على الخلق . . . . . ) أي الموكلون بالخلق ( يوم تأتي ) تقوم الساعة ( فصل عليهم بما فتحت لنا من حسن القول فيهم ) . بعد أن دعا الإمام عليه السلام للملائكة أن يفيض عليهم سبحانه من شآبيب رحمته ـ سأله راجياً أن يستجيب دعوته فيهم ؛ لأنه جواد كريم .

الإنسان ، والملائكة

تكلم القدامى عن حقيقة الملائكة ، وعصمتهم ، وشؤونهم ، وأطوارهم ، وقارنوا بينهم ، وبين الإنسان ، ومضوا فيما قالوا ، وأثبتوا مع الرجم بالغيب ؛ لأنهم ما رأوا ملكاً واحداً ، ولا أثراً يختص بالملائكة دون غيرهم ، إضافة إلى أن هذا الموضوع لا يتصل بالحياة من قريب ، أو بعيد ، والله لا يسألنا عنه غداً . فعلام الفضول فيما قالوا ، وأقول ؟ .
وفي شتى الأحوال فإن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يملك نفسه ، ويعلو فوق ميوله ، وأهوائه بدافع من أعماقه لا من الخارج ، أما عصمة الملائكة ، أو نزاهتهم ؛ فإنها من الخارج لا من الداخل ، إن صح التعبير ، حيث لا شهوات ، ومتطلبات للجنس ، والمعدة ، ولا حرب ، وضرب ، ولا حزن ، وألم ، ولا فقر ، ومرض ، ولا مضاهاة ، ومباهاة . . . أبداً لا شيء إلا الهدوء ، والسكينة ، والأمان .
ولا أدري : هل حياة الملائكة هذه هي الأفضل أم حياتنا نحن البشر التي لابد معها من الكدح ، والشقاء ، والشجاعة في الصبر على البلاء ؟ .
(1) الحاقة : 31 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 93


وبعد ، فقد ترددت في شرح هذا الدعاء أول الأمر ؛ لأن موضوعه مشكل ، وشائك ، فهو غير نظري يعتمد على الفكر ، والتأمل ، ولا عملي يتصل بالحياة ، وإنما هو غيب في غيب لا مصدر له الا التعبد بالوحي ، والجمود على نصوصه ، والوحي ، أجمل ، ولم يفصل ، وأوجز ، ولم يطنب . . . ثم غلبني سلطان العقيدة ، والولاء للنبي وآله الأطهار ، عليهم أفضل الصلوات بعد أن شعرت بالخوف ، والقلق لو تركت ما دعا به من أدين بإمامته ، وعصمته ، فشرحته بما سجلت ، وأنا على يقين أني ما بينت كل ما غمض ، واستعجم . وألف الصلاة على من قال : « إن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب ، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب » (1) .
(1) انظر : نهج البلاغة : 1 / 162 ، خطبة ( 91 ) ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6 / 403 ، الكافي : 8 / 394 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 94



في ظلال الصيحيفة السجادية 95

الدعاء الرابع

الصلاة على مصدقي الرسل

اللهم وأتباع الرسل ، ومصدقوهم ـ من أهل الأرض ـ بالغيب عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب . . . والإشتياق إلى المرسلين بحقائق الإيمان ، في كل دهر وزمان أرسلت فيه رسولاً ، وأقمت لأهله دليلاً من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله ، من أئمة الهدى ، وقادة أهل التقى . . . على جميعهم السلام ؛ . . . فاذكرهم منك بمغفرة ، ورضوان . .
( أللهم وأتباع الرسل ومصدقوهم ـ من أهل الأرض ـ بالغيب عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب ) كل من اقتدى بآخر في قول ، أو فعل فهو تابع له سواء أكان المتبوع محقاً ، أم مبطلاً ، ومصدقوهم عطف تفسير على الأتباع ، وبالغيب متعلق بالمصدقين أي أن كثيراً من الأتباع صدقوا ، وآمنوا بمن سبق من الأنبياء لا لشيء إلا لأن النبي اللاحق أخبر عنهم تماماً كإيماننا نحن المسلمين بلوط ، ويعقوب ، ويونس ، وأيوب وغيرهم ، لأن نبينا صلى الله عليه وآله أخبرنا ـ فيما أنزل إليه ـ أنهم

في ظلال الصيحيفة السجادية 96

أنبياء .
لقد اعتبر القرآن الكريم جميع الأنبياء من لدن ءادم إلى محمد ـ أمة واحدة ، وأوجب الاعتراف بهم مع الإحترام ، والتقديس : « ءامن الرسول بما انزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله » (1) ؛ لأنهم بالكامل يتلقون الوحي من مصدر واحد ، وأصول الدين ، والشريعة واحدة ، والإختلاف إنما هو في التفريع ، والتطبيق تبعاً للظروف الإجتماعية وغيرها ، وفي الحديث الشريف : « الأنبياء أخوة ابناء علات ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد » (2) وما من شك أن تكريم الأنبياء ، وكل من أصلح ، وأفاد الناس بجهة من الجهات ـ يحمل معنى عرفان الجميل بكل جهد كريم ، كما أن سيرتهم ، وحياتهم عبرة ، وعظة ، ودرس ، وقدوة حسنة للأجيال في البذل ، والتضحية ، والصدق ، والأخلاص .
ولكن الفرد مهما سما في مواهبه ، وأخلص في مقاصده ؛ فإنه لا يستطيع أن يقوم بأي دور للتأريخ إلا إذا أتيح له أنصار ، وأعوان يثقون به ، ويسارعون إلى طاعته ، ويخوضون معه كل المعارك ، ويفتدونه بالنفس ، والنفيس ، لأنه الحصن الحصين لدينهم ، وعقيدتهم ، والقوي الأمين على أهدافهم ، ومصالحهم ، ولكن هذه الجماعة الفاضلة ، والقوة العاملة قد استبعدهم التأريخ ، وأهمل ذكرهم ، ووجه الانظار الى القادة وحدهم ، اما القرآن الكريم فقد أثنى على الاعوان ، والانصار ، ورفع من شأنهم ، وقرنهم بالأنبياء ، والمرسلين في العديد من آياته ، منها : « والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى
(1) البقرة : 285 .
(2) انظر ، البداية والنهاية : 2 / 55 و 117 ، مسند أحمد : 2 / 541 ، الديباج على مسلم : 5 / 349 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 97

الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم » (1) . . . « لكن الرسول والذين ءامنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون » (2) .
وأخذ الإمام السجاد عليه السلام العبرة من هذا الدرس القرآني ، فاعترف بجميل الذين سارعوا إلى نصرة المصلحين المخلصين ، ودعا لهم بالخير ، وسأله تعالى أن يشمل ، ويعم بفضله ، ورحمته كل من ناصر دعوة الحق ، وكل من عمل بها ، ورضي عن الذين جاهدوا أعداء الحق ، والعدل ، وفي الحديث : « من غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده ، وأتاه ! » (3) . وعن دائرة المعارف الفرنسية : « أن فرنسا خسرت في الحرب العالمية الأولى سنة ( 1914 م ) مليوناً و (4) ألف قتيل ، وأن حامية من البقية الباقية من جنودها حملت قتيلاً مجهول الهوية ، ودفنته في مكان خاص ، واقامت على قبره نصبا تذكارياً كرمز لتكريم كل مجهول ضحى بنفسه في سبيل وطنه ، ودعاء الإمام الذي نحن بصدده هو تكريم ، وتعظيم لكل من خدم الحياة ، ونفعها بجهة من الجهات ، بل ولكل من أحب ، ورضي بعمل عامل في هذه السبيل معلوماً كان ، أو مجهولاً .
( والإشتياق إلى المرسلين ) عطف على ( عند معارضة المعاندين ) والمعنى أن أتباع الرسل هم على إيمانهم الراسخ لا يحيدون عنه بالرغم مما يعانون من عتاة
(1) التوبة : 100 .
(2) التوبة : 88 .
(3) انظر ، مجمع الزوائد : 7 / 290 ، مسند أبي يعلى : 12 / 155 ، كنز العمال : 3 / 83 ح 5602 ، مسند الإمام الرضا : 1 / 54 ، تحف العقول : 456 ، عيون أخبار الرضا : 1 / 81 ، التوحيد للشيخ الصدوق : 392 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 98

المعاندين ( بحقائق الإيمان ) وهي أصوله كالتصديق بوجود الله ، ونبوة محمد ، واليوم الآخر ( إلى محمد صلى الله عليه وآله ، من أئمة الهدى ، وقادة أهل التقى ) الذين هم حجة الله على خلقه تماماً كالقرآن الكريم بحديث الثقلين الذي رواه مسلم في صحيحة ، والترمذي في سننه ، وأحمد في مسنده ، والنسائي في خصائصه ، وسجله أكثر من أربعين عالماً من السنة فيما ألفوا وكتبوا . انظر كتاب حديث الثقلين للشيخ قوام الدين القمي (1) .
أللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكانفوه ، وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته ، وفارقوا الأزواج ، والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء ، والأبناء في تثبيت نبوته ، وانتصروا به ، ومن كانوا منطوين على محبته ، يرجون تجارة لن تبور في مودته ؛ والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته ، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته . . . فلا تنس لهم أللهم ما تركوا لك ، وفيك ، وأرضهم من رضوانك ، وبما
(1) انظر ، صحيح مسلم : 4 / فضائل علي ح 36 و 37 ، وسنن الترمذي : 5 / باب 32 ، وسنن الدارمي : 2 / فضائل القرآن ، وخصائص النسائي : 50 ، وذخائر العقبى للمحب الطبري : 16 ، وتذكرة الخواص : الباب 12 ، واسد الغابة : 2 / 12 ، وتأريخ اليعقوبي : 2 / 102 ، والمستدرك على الصحيحين : 3 / 109 ، ومسند أحمد : 3 / 17 و 5 / 181 و 371 ، والصواعق المحرقة : 25 المطبعة الميمنية بمصر ، وص : 41 المطبعة المحمدية بمصر ، ومجمع الزوائد : 9 / 164 ، وتأريخ دمشق لابن عساكر : 2 / 45 ح 545 ، وكنز العمال : 1 / 168 ح 959 الطبعة الأولى ، وينابيع المودة : 37 طبع إسلامبول . . . . إلخ ) .
في ظلال الصيحيفة السجادية 99

حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك ، وأشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم ، وخرجوهم من سعة المعاش إلى ضيقة ؛ ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم .
أي عزة الإسلام ، والمسلمين قامت على جهاد المجاهدين ، ومظلمة المظلومين .


المؤمن الواقعي

قال المفسرون في معنى قوله تعالى : « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم » (1) : « إن الله سبحانه جعل للنبي على المؤمنين حق التصرف في أموالهم ، وأنفسهم ، ومن أبى ، أو اعترض فقد خرج عن ملة الإسلام ، وليس من شك في وجوب السمع ، والطاعة له ، لأن كلمة النبي من حيث هي تستدعي ذلك ، إضافة إلى قوله تعالى : « من يطع الرسول فقد أطاع الله » (2) ، ومع هذا يسوغ لنا القول بأن آية الأحزاب تنطوي على معنى آخر ، وهي أنها تحدد مفهوم المؤمن الواقعي لا الظاهري ، وتعرف به كما هو عند الله لا عند الناس ، وأنه : « من آمن ، وأيقن من الأعماق بأن النبي صلى الله عليه وآله أولى منه بنفسه ، وأهله ، وماله ، يتصرف بذلك كيف يشاء ، ولا مشيئة له مع النبي على الإطلاق » (3) .
وفي سفينة البحار : أن النبي قال : « والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه ، وأبويه ، وأهله ، وولده ، والناس أجمعين » (4) وسأله رجل :
(1) الأحزب : 6 .
(2) النساء : 80 .
(3) انظر ، كتب التفسير لكلا الفريقين .
(4) انظر ، مسند أحمد : 3 / 207 و 275 و 278 ، بحار الأنوار : 22 / 88 و : 65 / 2 ، مغني المحتاج =
في ظلال الصيحيفة السجادية 100

« متى تقوم الساعة ؟ فقال : وماذا أعددت لها ؟ قال الرجل : ما أعددت لها كثير صوم ، وصلاة إلا أني أحب الله ، ورسوله . فقال النبي صلى الله عليه وآله : المرء مع من أحب » (1) . قال أنس : فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشيء أشد من فرحهم بهذه البشارة .
ولا تفسير لفرحهم هذا إلا بحبهم ، وإخلاصهم لرسول الله صلى الله عليه وآله ، وإيمانهم بأنه أملك منهم بأنفسهم . . . كانوا يفتدونه بالأرواح ، والمهج ، ويبارز الآباء ـ بقيادته ـ الأبناء ، والأبناء يتربصون بالآباء ، وكانت المرأة المسلمة تفتقد زوجها ، وولدها ، وأباها ، وتحمد الله مبتهجة بنجاة الرسول . . . والسيرة النبوية متخمة بالشواهد على
= لمحمد بن الشربيني : 4 / 222 ، صحيح مسلم : 1 / 49 ، شرح صحيح مسلم : 2 / 15 ، سنن ابن ماجه : 1 / 26 ، كشف القناع للبهوتي : 5 / 30 : الديباج على مسلم : 1 / 60 ، منتخب عبد ابن حميد : 355 ، السنن الكبرى : 6 / 534 و : 7 / 481 ح 11744 و 11746 ، منتخب مسند أبي يعلى : 5 / 378 و : 6 / 23 ، صحيح ابن حبان : 1 / 406 ، المعجم الأوسط : 8 / 355 ، مسند الشاميين : 4 / 14 ح 2593 و ص : 92 ح 3338 ، كتاب الأربعون الصغرى للبيهقي : 85 ، كنز العمال : 1 / 37 ح 70 و 71 و ص : 41 ح 91 ، و: 12 / 183 ح 34581 و 34584 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 6 / 571 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض : 18 ، سبل الهدى والرشاد : 10 / 476 و : 11 / 430 ، سنن الدارمي : 2 / 307 ، صحيح البخاري : 1 / 9 ، كشف الخفاء للعجلوني : 2 / 344 ح 2955 ، تفسير ابن كثير : 2 / 356 . مع تقديم وتأخير في عبارة ولده ووالده .
(1) انظر ، مسند أحمد : 1 / 392 و : 3 / 227 ، السنن الكبرى : 3 / 442 ح 5873 ، مناقب أمير المؤمنين للكوفي : 2 / 447 ، المعتبر للحلي : 2 / 294 ، سنن الترمذي : 4 / 22 ح 2492 و ص : 595 ح 2385 و : 5 / 205 ، سنن ابن ماجه : 2 / 1118 ح 3368 ، مجمع الزوائد : ) / 364 ، عوالي الئالي : 3 / 99 ح 122 ، المجموع : 525 ، إعانة الطالبين : 2 / 99 ، علل الشرائع للشيخ الصدوق : 1 / 139 ، فتح الباري : 10 / 460 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 101

هذه الحقيقة ـ وعلى سبيل المثال ـ أسر مشركو مكة من الصحابة زيد بن الدتنة ، ولما قدموه للقتل قال له أبو سفيان : أنشدك بالله أتحب أن محمداً مكانك تضرب عنقه وأنت سالم ؟ فقال : والله ما أحب أن تصيب محمداً شوكة تؤذيه ، وأنا سالم من القتل . فقال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً ، ثم قتل زيد (1) .
وعلى أساس هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وآله ، والصلة بينه وبين أمته قامت دعوة الإسلام ، ودولة التي غيرت وجه الأرض بشريعتها ، وأذلت الجبارة الطغاة بقوتها ، وأعز الله بسلطانها كل من قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله على قلة العدة ، والعدد . . . والمسلمون اليوم أكثر مالاً ونفراً (2) من أي وقت مضى ، ولكنهم فريسة لكل آكل ، وغنيمة لكل طامع حتى لإسرائيل . . . ولو كنا نحب الله ورسوله حقاً وصدقاً لجمعنا هذا الحب على إحساس واحد ، وكلمة واحدة ، وتعاونا على العمل لإعلاء كلمة الإسلام ، والذود عن حقوق المسلمين ، وكرامتهم .
أللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون : « ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان » خير جزائك ؛ الذين قصدوا
(1) رويت هذه القصة في حق خبيب بن عدي الأنصاري تارةً ، وتارة اخرى في حق زيد ، انظر ، بحار الأنوار : 20 / 152 ، مجمع الزوائد : 6 / 200 ، السيرة النبوية لابن كثير : 3 / 131 ، عيون الأثر : 2 / 14 ، فتح الباري : 7 / 295 ، المعجم الكبير : 5 / 261 ، زاد المسير : 1 / 200 ، تأريخ دمشق : 21 / 162 ، البداية والنهاية : 4 / 76 .
(2) في مجلة العربي الكويتية العدد ( 233 ص 50 ) أن ربع سكان الكرة الأرضية ـ أي ألف مليون ـ ينتمون إلى الإسلام ، والربع الآخر يعتنق المسيحية ، والربع الثالث موزع بين بقية الأديان والرابع لا دين .
في ظلال الصيحيفة السجادية 102

سمتهم ، وتحروا وجهتهم ، ومضوا على شاكلتهم ؛ لم يثنهم ريب في بصيرتهم ، ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم ، والإئتمام بهداية منازهم مكانفين ، وموازرين لهم ؛ يدينون بدينهم ، ويهتدون بهديهم ، يتفقون عليهم ، ولا يتهمونهم فيما أدوا إليهم .
( وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان ) يسأل الإمام عليه السلام الله سبحانه أن يجزي الذين لحقوا الصحابة ، وتابعوهم بالإيمان ، والطاعة ـ أحسن الجزاء ، وافضله ( الذين يقولون . . . ) صفة للتابعين ، وهو إقتباس من قوله تعالى : « والذين جآءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفرلنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنآ إنك رءوف رحيم » (1) ، وتومئ هذه الآية الكريمة إلى أن من يغل ، ويحسد ، أو يحقد على أي مؤمن ، فما هو من الإيمان في شيء . . . فهل يتعظ ، ويعتبر الحاقدون الحاسدون لمن هو أخبر ، وأشهر ؟ ( خير جزائك ) مفعول لأوصل ( الذين قصدوا سمتهم ) السمت : الطريق الواضح ( وتحروا وجهتهم ) : الوجهة : الناحية ( ومضوا على شاكلتهم ) على طريقتهم ( لم يثنهم ريب ) لم يرتدوا عن دينهم للشبهات ( ولم يختلجهم شك ) لم يعترض الشك في قلوبهم ( في قفوا آثارهم . . . ) اتبعوا صراط المتقين الذين أنعم الله عليهم ، ولم يحيدوا عنه ( يدينون . . . ) عطف تفسير على ما تقدم ( ولا يتهمونهم فيما أدوا إليهم ) المراد بأدوا هنا نقلوا ، والمعنى أن الصحابة نقلوا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى التابعين ، وهؤلاء لا يتهمون الصحابة بالكذب على الرسول ، ولا بالخيانة في أداء هذه الأمانة .
أللهم وصل على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدين ، وعلى أزواجهم ، وعلى ذرياتهم ، وعلى من أطاعك منهم . . . صلاة
(1) الحشر : 10 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 103

تعصمهم بها من معصيتك ، وتفسح لهم في رياض جنتك ، وتمنعهم بها من كيد الشيطان ، وتعينهم بها على ما استعانوك عليه من بر ، وتقيهم طوارق الليل ، والنهار إلا طارقاً يطرق بخير ؛ وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء لك ، والطمع فيما عندك ، وترك التهمة فيما تحويه أيدي العباد ، لتردهم إلى الرغبة إليك ، والرهبة منك ، وتزهدهم في سعة العاجل ، وتحبب إليهم العمل للآجل ، والإستعداد لما بعد الموت ، وتهون عليهم كل كرب يحل بهم يوم خروج الأنفس من أبدانها ، وتعافيهم مما تقع به الفتنة من محذوراتها ، وكبة النار ، وطول الخلود فيها ، وتصيرهم إلى أمن من مقيل المتقين .
( أللهم وصل على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدين ) المشهور عند المحدثين في تعريف الصحابي ، أنه من لقي النبي صلى الله عليه وآله مسلماً ومات على الإسلام ، وعند الاصولين : من لازم النبي مدة يسوغ معها هذا الوصف عرفاً (1) . أما التابعي في
(1) الصحابة لغة : الصاحب . وجمعه : صحب ، وأصحاب ، وصحاب ، وصحابة . والصاحب : المعاشر والملازم . أو المجالس ، أو المشايع . ولا يقال إلا لمن كثرت ملازمته ، وإن المصاحبة تقتضي طول لبثه . ( انظر لسان العرب ، ومفردات الراغب ، وتاج اللغة للجوهري . وتاج العروس للزبيدي ، والمعجم الوسيط ، والقاموس المحيط للفيروز آبادي ، ومختارات الصحاح للرازي ) . أما في القرآن الكريم فقد جاء ذكر : أصحاب ، وصاحبة ، وصاحبهما ، وأصحابهم ، وصاحبته ، وتصاحبني .
وكل واحدة من هذه الألفاظ وغيرها تدل على معنى ، لأن الصحبة تكون بين اثنين أو طرفين . ولا بد أن تضاف إلى اسم كما في قوله تعالى : « يا صاحبي السجن » و « أصحاب موسى » وغير ذلك . ( انظر سورة الكهف : 37 ، لقمان : 15 ، النساء : 36 ، التوبة : 40 ، القمر : 29 ، النجم : =
في ظلال الصيحيفة السجادية 104

الإسلام فهو من لقي أحد الصحابة مسلماً ، ومات على الإسلام ، والتابع على وجه العموم : كل من اقتدى بآخر ، وإن كان بينهما آلاف السنين كما سبقت الإشارة ، وهذا مراد الإمام بقوله : من يومنا هذا إلى يوم الدين .
(وعلى أزواجهم ، وعلى ذرياتهم ، وعلى من أطاعك منهم ) إن كان للمتقين ذرية مؤمنة ـ دونهم في الدرجة ، والمرتبة ـ فإن الله سبحانه يجمع شملهم في مقام
= 2 ، سباً : 41 ، يوسف 39 و 41 ، الذاريات : 59 . وانظر التفاسير لهذه الآيات كتفسير ابن كثير : 1 / 494 ، و2 / 358 و 3 / 92 و 444 و 4 / 265 ) .
أما تعريف الصحابي عند أهل السنة : فهو من لقي النبي صلى الله عليه وآله مؤمناً به ، ومات على الإسلام . ( الإصابة لابن حجر : 1 / 10 ) . ولسنا هنا بصدد مناقشة التعريف .
ثم ذكر ابن حجر في ضابط يستفاد من معرفته صحبة جمع كثير ، فقال : إنهم كانوا في الفتوح لا يؤمرون إلا الصحابة ) . ( وإنه لم يبق بمكة ، ولا الطائف أحد في سنة عشر إلا أسلم وشهد مع النبي حجة الوداع . وإنه لم يبق في الأوس ، والخزرج أحد في آخر عهد النبي صلى الله عليه وآله إلا دخل في الإسلام . وما مات النبي صلى الله عليه وآله وأحد منهم يظهر الكفر . ( الإصابة : 1 / 13 ـ 16 ) .
وهذا التعريف هو المختار عند أكثر المحققين ، إلا من شذ منهم ووضع شروطاً أربعة : من طالت صحبته ، أو حفظت روايته ، أو ضبط أنه قد غزا معه ، أو استشهد بين يديه . ( انظر الاستيعاب لابن عبد البر ، اسد الغابة ، الإصابة ، تقريب التهذيب ) .
أما مدرسة أهل البيت عليهم السلام فترى أن لفظ « الصحابي » ليس مصطلحاً شرعياً ، وإنما شأنه شأن سائر مفردات اللغة العربية . والصحبة تشمل كل من صحب النبي صلى الله عليه وآله ، أو رآه ، أو سمع منه ، فهي تشمل : المؤمن ، والمنافق ، والعادل ، والفاسق ، والبر ، والفاجر ، ولذا يقول السيد مرتضى الرضوي : الشيعة يوالون أصحاب محمد صلى الله عليه وآله الذين أبلوا البلاء الحسن في نصرة الدين ، وجاهدوا بأنفسهم ، وأموالهم . ( آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي : 87 ) .
هؤلاء قاموا بمعالم الرسالة ، وبذلوا النصيحة ، وهذبوا الطرق ، وأذل الله بهم الكفر ، والشرك ، وصارت بهم كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى . فصلوات الله عليهم ، وعلى أرواحهم الطاهرة بعد ما كانوا في الحياة أولياء ، وبعد الممات أحياء .
في ظلال الصيحيفة السجادية 105

واحد من نعيمه ، ورضوانه كرامة للمتقين ، ولا ينقص من ثواب هؤلاء شيئاً كما في الآية « والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ومآ ألتناهم من عملهم من شيء » (1) ( صلاة تعصمهم بها من معصيتك ) المراد بالصلاة هنا التوفيق ، والهداية إلى الطاعة بقرينة العصمة من المعصية ( وتقيهم طوارق الليل ، والنهار ) المراد بالطوارق هنا المخبآت ، والمفاجآت من الحوادث .
( وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء لك ) أي يكون مصيرهم خيراً ، لا شراً ( والطمع فيما عندك ) يطمعون في الحلال لا في الحرام ، وفي الآخرة لا في الدنيا ( وترك التهمة فيما تحويه أيدي العباد ) من أتهم الله سبحانه في عدله بقسمة الجاه ، والمال ، أو الصحة ، والأعمار ، أو بأي شيء فهو كافر ، والإمام يطلب من الله أن يمد المؤمن بالرعاية ، والهداية كي لا يظن به الظنون ( لتردهم إلى الرغبة إليك ، والرهبة منك ) المؤمن الحق يرجو الله دون سواه ، ولا يخشى الخلق ، وإن جمعوا له كل القوى ، والطاقات عدة ، عدداً مادام على يقين من دينه ، وثقة من ربه ، وقد امتدح سبحانه الصحابة بهذا الإعتقاد في قوله : « الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل » (2) خوفوهم من قوة الخلق فازدادوا إيماناً بقدرة الخالق ، وبأن الرزق ، والأجل والنصر بيده تعالى وحده لا شريك له ، وبهذا الإعتقاد يكلأ الله عبده ، ويحرسه بحراسته . وفي نهج البلاغة : « لو أن السموات ، والأرضين كانتا على عبد رتقاً ، ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً » (3) .
(1) الطور : 21 .
(2) آل عمران : 173 .
(3) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 13 ، خطبة ( 130 ) ، شرح النهج الحديدي : 8 / 252 ، عيون الحكم =
في ظلال الصيحيفة السجادية 106


( وتزهدهم في سعة العاجل ، وتحجب إليهم العمل للآجل ) يؤثرون الطاعة على المعصية ، والثواب الآجل على الحطام العاجل ( والإستعداد لما بعد الموت ) ولا عدة له إلا الأعمال الصالحة في الدنيا حيث لا عمل في الآخرة إلا الحسرات ، والآهات ( وتهون عليهم كل كرب يحل بهم يوم خروج الأنفس من أبدانها ) يعاني الإنسان ألواناً من الشدائد أيام حياته ، ولكنها مجتمعة ليست بشيء إن قيست بسكرات النزع وأهواله . وقال قائل : لو نشر ميت من قبره ، وأخبر الناس بما حدث له ، ما انتفعوا بعيش . وفي الجزء الرابع من كتاب إحياء العلوم : « إن النبي صلى الله عليه وآله ظهر عند النزع أنينه ، وارتفع حنينه ، وتغير لونه ، وعرق جبينه ، واضطربت شماله ، ويمينه » (1) وسواء أصح هذا الخبر أم لم يصح فإن كلمة النزع ، وخروج الروح تدل على نفسها بنفسها ( وتعافيهم مما تقع به الفتنة ) أي الشدائد ( مقيل المتقين ) وهو النعيم القائم ، والملك الدائم .
= والمواعظ : 416 .
(1) انظر ، إحياء علوم الدين : 4 / 254 ، طبعة مصر ـ الفجالة القديمة ـ ، وقد علق الشيخ على الخبر بما فيه الكفاية .
في ظلال الصيحيفة السجادية 107

الدعاء الخامس

دعاؤه لنفسه ، وخاصته

يا من لا تنقضي عجائب عظمته . . . صلى على محمد وآله ، واحجبنا عن الإلحاد في عظمتك ، ويا من لا تنتهي مدة ملكه . . .صل على محمد وآله ، واعتق رقابنا من نقمتك ؛ ويا من لا تفنى خزائن رحمته . . . صل على محمد وآله ، واجعل لنا نصيباً في رحمتك ، ويا من تنقصع دون رؤيته الأبصار . . . صل على محمد وآله ، وأدننا إلى قربك ؛ ويا من تصغر عند خطره الأخطار . . .صل على محمد وآله ، وكرمنا عليك .


بين خلق الله ، والعلم

( يا من لا تنقضي عجائب عظمته ) أي عظمته قدرته تعالى التي تتجلى في خلق الاشياء من لا شيء بل ومن غير زمان أيضاً : « وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر » (1) إلا كلمة واحدة وهي « كن فيكون » (2) بلا أداة ، ومعالجة ، ومعاناة ، بينما
(1) القمر : 50 .
(2) البقرة : 117 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 108

العلم يوجد الشيء من شيء ، ونقل عن « كانت » أنه قال : ائتوني بالمادة ، وأنا أعلمكم كيف يخلق الكون ! . وهذا عين الغرور ، وإلا فليخبرنا « كانت » عما في الكون من قوى ، وأسرار ، بل عما في نفسه ، وجسمه (1) .


الصلاة على محمد وآله

( صل على محمد وآله ) في الجزء الأول من كتاب فضائل الخمسة للفيروز آبادي نقلاً عن سنن الدارمي أن النبي صلى الله عيه وآله قال : « أنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا وصليت عليه عشراً ، ولا يسلم أحد من أمتي إلا سلمت عليه عشراً » (2) .
وفي صحيح البخاري الجزء الثامن كتاب الدعوات باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله : « ان رسول الله صلى الله عليه سئل : كيف نصلي عليك ؟ فأجاب قولوا : أللهم صل على محمد وعلى آل محمد . . . (3) ويلاحظ بأن البخاري ذكر النبي صلى الله عليه وآله ولم يصل على
(1) انظر ، كتاب الإنسان ذلك المجهول تأليف الكسيس كاريل ، منه قدس سره .
(2) انظر ، كتاب الفضائل للفيروز آبادي نقلاً عن سنن الترمري ، منه قدس سره ، ولكن ورد الحديث كما أثبتناه من مصادر التي عثرنا عليها . انظر ، السنن الكبرى : 1 / 384 و : 6 / 21 ، المعجم الكبير : 5 / 102 ، كنز العمال : 2 / 281 ح 409 ، تفسير ابن كثير : 3 / 519 ، المصنف لابن أبي شبية الكوفي : 2 / 398 ، مسند ابن المبارك : 30 ، تهذيب الكمال : 12 / 114 ، سبل الهدى والرشاد : 10 / 452 و : 12 / 425 ، فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله للجهضمي : 24 ، الدر المنثور : 5 / 219 ، تحفة الأحوذي : 2 / 497 ، سنن النسائي : 3 / 50 ، تأريخ بغداد : 9 / 400 ، نظم درر السمطين : 46 ، مجمع الزوائد : 10 / 161 ، قريب منه .
(3) يقصد بذلك آل رسول صلى الله عليه وآله الذين خصهم الله بالمكارم والفضائل ، ونزههم عن النقائص بقوله تعالى : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » الأحزاب : 33 . وفرض مودتهم على جميع المسلمين بقوله تعالى : « قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى » =
في ظلال الصيحيفة السجادية 109

= الشورى : 23 .
إن الصلاة والسلام على الآل ثابته في كتاب الله وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وقول الأصحاب الكرام . قال تعالى : « ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما » الأحزاب : 33 ، فقالوا : يا رسول الله ! كيف نصلي عليك ؟ فقال صلى الله عليه وآله : « قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم . ( صحيح البخاري : 6 / 217 و 291 ) .
وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره : 7 / 391 أن أهل البيت ساووا النبي صلى الله عليه وآله في خمسة أشياء : في الصلاة عليه وعليهم في التشهد ، وفي السلام ، وفي الطهارة ، وفي تحريم الصدقة ، وفي المحبة .
وقال صلى الله عليه وآله : معرفة آل محمد براءة من النار ، وحب آل محمد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمد أمان من العذاب . ( ينابيع المودة : 1 / 21 في المقدمة نقلاً عن ذخيرة المآل طبعة 7 قم ) .
وقال صلى الله عليه وآله : لا تصلوا علي الصلاة البتراء ، قالوا : وما الصلاة البتراء يا رسول الله ؟ قال : تقولون : أللهم صلي على محمد وتسكتون ، بل قولوا : أللهم صلي على محمد وعلى آل محمد . ( الصواعق المحرقة لابن حجر : 131 ، فتح القدير للشوكاني : 4 / 280 نقله عن صحيح مسلم ، تفسير الخازن : 5 / 259 ) .
وعن مجاهد وأبي صالح عن أبي ابن عباس قال : آل ياسين آل محمد ، وياسين اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وآله وسلم . ( المصدر السابق : 1 / 8 ، وانظر الفخر الرازي في تفسيره : 27 / 166 ، نظم درر السمطين للزرندي : 111 / الصبان في إسعاف الراغبين : 116 ) .
فمن هذه الدلائل وغيرها ثبت أنه صلى الله عليه وآله أدخل نفسه في آله ، فمن صلى أو سلم على آله كأنه صلى وسلم عليه ، لأنه منهم وهم منه ، ومن صلى أو سلم عليه بضم آله فقد أكمل الصلاة والسلام عليه . =
في ظلال الصيحيفة السجادية 110

آله في حديث الصلاة على الآل ! ومثله تماماً في تفسير الطبري ، والرازي ، والمراغي وغيرهم ! فهل هناك من سر ؟ .
( واحجبنا عن الإلحاد في عظمتك ) الإلحاد على أنواع ، منها تعظيم الدنيا ، وزينتها من دون الخالق ، والتورط من أجلها في معاصيه ، والإمام عليه السلام يسأل الله سبحانه أن يعصم المؤمنين به من هذا الإلحاد ، أو الشرك الخفي . وفي نهج البلاغة : « عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم » (1) ( ويا من لا تنتهي مدة ملكه ) حيث لا حد ، ولا نهاية لقدرته المبدعة الخالقة ( صل على محمد وآله ) كرر الإمام عليه السلام الصلاة على محمد وآله عند كل حاجة طلبها من الله سبحانه « فإن الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ، ويمنع الأخرى » (2) . كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : ودعوة الصلاة على النبي مجابة قطعاً ، فينبغي أن تجاب دعوة الحاجة الخاصة حتماً .
= انظر ، صحيح البخاري : 6 / 217 و 291 و : 7 / 157 ، تفسير الفخر الرازي : 7 / 391 و : 27 / 166 ، ينابيع المودة : 1 / 21 ، الصواعق المحرقة : 146 ، نور الأبصار : 105 ، إسعاف الراغبين : 118 ، شرح المواقف للزرقاني : 7 / 7 ، نظم درر السمطين : 111 ، سنن أبي داود : 1 / 258 ، مسند زيد : 34 ، فتح العزيز : 3 / 504 ، المجموع : 3 / 464 ، روضة الطالبين : 8 / 95 ، تلخيص الحبير : 5 / 187 ، الاقناع لموسى الحجاوي : 1 / 126 ، مغني المحتاج : 1 / 174 ، حواشي الشرواني : 2 / 66 ، كشف القناع : 1 / 17 ، سبل السلام : 1 / 193 ، فقه السنة سيد سابق : 1 / 615 ، صحيح مسلم : 4 / 123 ، مجمع الزوائد : 2 / 144 ، فتح الباري : 11 / 134 ، تحفة الاحوذي : 2 / 494 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 2 / 391 ، الاحاد والمثاني للضحاك : 4 / 56 ، السنن الكبرى : 6 / 17 ، المعجم الكبير : 17 / 252 ، الكامل في التأريخ : 3 / 23 ، سبل الهدى والرشاد : 11 / 10 .
(1) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 161 ، الخطبة ( 193 ) ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 10 / 133 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 84 ، الحكمة ( 361 ) .

السابق السابق الفهرس التالي التالي