|
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
51 |
|
 |
حي يستوفي بالكامل قبل موته ، فلا يحرم شيئاً مما هو له ، ولا يرزق ما ليس له ، وإذن علام التحاسد ، والتباغض ؟ .
ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقوتاً ، ونصب له أمداً محدوداً ، يتخطي إليه بأيام عمره ، ويرهقه بأعوام دهره ؛ حتى إذا ابلغ أقصى أثره ، واستوعب حساب عمره . . . قبضة إلى ما ندبه إليه من موفور ثوابه ، أو محذور عقابه ، « ليجزى الذين اسائوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى » (1) ؛ عدلاً منه تقدست أسماؤه وتظاهرت آلاؤه ؛ « لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون » (2) .
|
الحياة والموت
|
|
|
 |
( ثم ضرب له ) أي لكل ذي روح ( في الحياة أجلاً موقوتاً ، ونصب له أمداً محدوداً ، يتخطي إليه بأيام عمره ) شبه العمر بالمشي ، والأيام بالخطى إلى الموت ، وفي نهج البلاغة : « من كانت مطيته الليل ، والنهار ، فإنه يسار به ، وإن كان واقفاً ، ويقطع المسافة ، وإن كان مقيماً وادعاً » (3) أي ساكناً مستريحاً ( ويرهقه بأعوام دهره ) إي أن الأمد المحدد يعجل بالحي ، ويسرع به إلى الموت بطي السنوات ، ومضي الأعوام . وكل ذلك بمشيئة الله تعالى ، فهو الذي يحيي ، ويميت في أجل مسمى ، لا يقدم ولا يؤخر .
وقال الماديون : نشأت الحياة من مواد كيمياوية ، تفاعل بعضها مع بعض من باب الصدفة ، والاتفاق ، أما الموت فهو عبارة عن الخلل يطرأً على التركيب المادي
|
(1) يقصد بذلك الآية الشريفة 31 من سورة النجم .
(2) يقصد بذلك الآية الشريفة 23 من سورة الأنبياء .
(3) انظر ، نهج البلاغة : 3 / 50 من خطب أمير المؤمنين عليه السلام ، عيون الحكم والمواعظ : 155 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
52 |
|
 |
الكيماوي ، فيبطل تفاعل العناصر ، ومعطياتها تماماً كما يحدث للساعة ، والهاتف مثلاً (1) .
ونسأل الماديين : إذا كانت الحياة نتيجة لتفاعل كيماوي فلماذا لا يخلق علماء الطبيعة الحياة ؟ لقد حاولوا وجربوا مرات ومرات ، ففشلوا فشلاً ذريعاً حتى أكد العديد منهم أن أنواع الحياة الموجودة فوق الأرض لا يمكن تفسيرها طبقاً لخواص المواد الطبيعية . ومن أراد التوسع ، والتفصيل فليقرأ فصل المادة والحياة في كتابنا شبهات الملحدين ، والإجابة عنها .
وأيضاً لو نشأت الكائنات الحية بالصدفة لتشابه الخلق بين أفراد الإنسان ، وتعذر الفارق المميز بين فرد وآخر ، وهل من عاقل على وجه الأرض يصدق أن الصدفة ، والطبيعة العمياء هي التي فرقت ، ومميزت بين أفراد الإنسان بإختلاف الصور ، والملامح ، والأصوات ، وبصمات الأصابع ، وغيرها ، علماً بأن مواد الجسم ، وخلاياه ، وتفاعلها واحدة في كل فرد من أفراد الإنسان دون أدنى تفاوت بين عبقري ، وغبي ، وأسود ، وأبيض ، وهنا يكمن سر الإعجاز .
أما الموت فإن العلم الطبيعي يحدد عمر المادة تبعاً لماهيتها ، واستعدادها لإمد الإستمرار ، والبقاء ، وهذا لا يصدق على الإنسان بحال حيث رأينا بالحس ، والعيان « الوباء يعم ومع ذلك يفتك بالشاب القوي ، ويترك الشيخ الهزيل ، وكم من ضربة قتلت هذا دون ذلك ، ولو كانت هذه أسباباً مطردة لظهر أثرها في الجميع دون استثناء » (2) على حد تعبير الشيخ محمد عبده . ولا تفسير لذلك إلا الأجل المقدر
|
(1) انظر ، كتاب نظرات في الكتب الخالدة ، لحامد حفني داود : 70 ، تحفة الاحوذي للمباركفوري : 9 / 46 و 256 ، بالإضافة إلى كتب الكلام والعقائد .
(2) انظر ، حياة الشيخ محمد عبده لمحمد راسم : 124 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
53 |
|
 |
بعلم الله .
والخلاصة : لا تفسير إطلاقاً لما في باطن الإنسان من غرائز ، وعناصر ، وملكات وفي ظاهره من صفات ، وعلامات إلا بقوة تقول للشيء كن فيكون ؛ لأن الفكرة المضادة لهذه القوة جنون ، وحماقات كما قال فولتير (1) .
|
الحساب
|
|
|
 |
( قبضه إلى ما ندبة إليه من موفور ثوابه ، أو محذور عقابه ) لا مفر من الموت ، وأيضاً لا مفر من البعث بعد الموت لا لمجرد البعث ، بل للحساب ، والمعاملة بالمثل أي ( ليجزى الذين أسائوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى » (2) ؛ عدلاً منه تقدست أسماؤه وتظاهرت آلاؤه ) أي نعمة ، وأشار الإمام عليه السلام بكلمة العدل إلى أنه لا يستقيم في عدل الله أن يستوي مصير المؤمن ، والكافر ، والبر ، والفاجر ، فيفلت المسئ من العقاب ، ويحرم المحسن من الثواب ، وإذن لا بد من قوله تعالى : « يوم تبيض وجوه وتسود وجوه » (3) . قال إفلاطون : لو لم يكن معاد نرجو في الخيرات لكانت الدنيا فرصة الأشرار ، وكان القرد أفضل من الإنسان (4) .
وقد وضعت كتاباً خاصاً في البعث باسم « الآخرة والعقل » طبع العديد من المرات ، ثم عدت إلى هذا الموضوع مراراً في التفسيرين : ( الكاشف ، والمبين ) ، وفي ظلال نهج البلاغة وغيرذلك الفت . وقرأت الكثير من أقوال المنكرين ،
|
(1) انظر ، إعلام النبلاء : 7 / 443 ، أدباء حلب : 11 ، سبل الهدى والرشاد : 1 / 23 .
(2) يقصد بذلك الآية الشريفة 31 من سورة النجم .
(3) آل عمران : 106 .
(4) انظر ، جمهورية إفلاطون ، البحث الخامس ، ( النتيجة وخلود النفس وجزاء الفضيلة يوم الدينونة ) .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
54 |
|
 |
وأدلتهم ، فوجدتها ترتكز على أمرين :
الأول : ما ذكر ذاكر أنه شاهد ميتاً خرج من قبره ، وعاد إلى النشأة الأولى .
الجواب : لا أحد يدعي عودة الميت إلى النشأة الأولى ( أي الحياة الدنيا ) كي يقال له : ما رأينا ميتاً عادت إليه الحياة ، وإنما العودة إلى النشأ الأخرى ، وهي الآن في عالم الغيب ، ولا يجليها سبحانه إلا لوقتها .
الأمر الثاني : مجرد الاستبعاد أن يعود الميت إلى الحياة .
الجواب : لقد وجد الإنسان ولم يك شيئاً ، فالذي أوجده من لا شيء يعيده ثانية ، وبكلام آخر كل من يعترف بأن الإنسان وجد بسبب ، أو بالصدفة ، فعليه أن يعترف حتماً بإمكان وجوده حياً بعد الموت بالصدفة ، أو سبب تماماً كما وجد في البداية . . . أبداً لا مفر من الاعتراف بإمكان الوجودين معاً ، أو بإنكارهما معاً ، علماً بأن إنكار الأول مخالف للحس ، والعيان ، ومن أعترف بالوجود الأول ، وأنكر إمكان الوجود الثاني فقد فصل الشيء عن ذاته ، وناقض نفسه بنفسه ، ولذا قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « عجبت لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى » (1) .
( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ) (2) ، كل عاقل يأخذ بشهادة الصادق الأمين ، ويعمل بنصيحة الطبيب الخبير المخلص ، والعالم المتخصص ـ بلا سؤال وتردد ، ولا يخرج عن هذه القاعدة إلا شاذ : « فإن الشاذ من الناس للشيطان ، كما أن الشاذ من الغنم للذئب » (3) كما قال الإمام عليه السلام . والله سبحانه هو العلم ، والصدق ،
|
(1) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 30 ، الحكمة ( 126 ) ، شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني : 5 / 309 .
(2) الأنبياء : 23 .
(3) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 8 ، الحكمة ( 127 ) ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 8 / 112 ،
=
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
55 |
|
 |
والعدل ، والحق ، والعلم دليل لا مدلول ، والحق سائل لا مسؤول .
والحمد لله الذي لو حبس عن عبادة معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة واسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه ، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه ؛ ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حد البهيمية ، فكانوا كما وصف في محكم كتابه : « إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً » (1) .
|
الشعور بالواجب
|
|
|
 |
( والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده . . . ) من أهم الفوارق بين الإنسان والحيوان . أن الإنسان يشعر بالواجب نحو خالقه ، ونفسه ، وأسرته ، ومجتمعه ، وأنه محاسب عليه ، ومعاقب لو فرط بشيء منه ، وإن نهض به ، وأداه على وجهه عاد عليه بالخير دنيا ، وآخرة ، وفي الحديث القدسي : « ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه » (2) ومن جملة ما افترضه سبحانه على عباده الشكر له ، ومن آياته : « فكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون » (3) وقوله تعالى : « لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد » (4) ، وأفضل أنواع الشكر ترك المحرمات ، وفي طليعتها كف الأذى عن
|
=
وطبعة عبده : 261 .
(1) يقصد الآية 44 من سورة الفرقان .
(2) انظر ، الفروق للقرافي : 2 / 122 ، صحيح البخاري : 4 / 129 ح 2 ، ولكن بلفظ ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ) ، ومسند أحمد : 6 / 256 .
(3) النحل : 114 .
(4) إبراهيم : 7 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
56 |
|
 |
الناس ، وأدناها أن يعرف الإنسان أن ما به من نعمة فمن فضل الله ، وطوله ، لا من حول المنعم عليه ، وقوته ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « شكر النعمة اجتناب المحارم (1) . . . من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه ، فقد أدى شكرها » (2) .
ولا يستخف بشكر النعمة ، والمنعم إلا الذين يتصرفون تصرف البهائم ، وإلى هؤلاء أشار الإمام عليه السلام بقوله : ( ولو كانوا كذلك ) أي يشكروا الله ، ويحمده على رزقه ، وفضله ( لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حد البهيمية ) يتصرف الإنسان عن عقل ، وعلم ، وتجربة ، وتفكير ، وتصميم ، والحيوان يتصرف بغريزة تقوده آلياً ، وتلقائياً إلى ما يضطر إليه في حياته ، وبقائه ، ولا يعرف بالتحديد أين يذهب ؟ ولا ماذا يفعل ، أو متى يعود إلى حظيرته ؟ تماماً كالسيارة يقودها السائق مع الفرق أن سائق الحيوان من داخله ، وسائق السيارة من خارجها ، والدليل القاطع على ذلك أن الحيوان لم يتطور ، ويتغير في حياته مدى آلاف القرون .
قال الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام : « العاقل يتعظ بالآداب ، والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب » (3) .
وفي كتاب الطب الروحاني لأبي بكر الرازي (4) : « الحيوان يروث عند الحاجة
|
(1) انظر ، الكافي : 2 / 95 ح 10 ، بحار الأنوار : 68 / 40 .
(2) انظر ، الكافي : 96 / ح 15 ، تحف العقول : 369 ، بحار الأنوار : 68 / 32 ح 10 .
(3) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 16 / 113 ، نهج السعادة : 7 / 266 .
(4) هو محمد بن زكريا الطبيب الرازي ، المتوفي حدود سنة (320 هـ ) ، كما ذكره القفطي في أخبار الحكماء ، أو سنة ( 311 هـ ) ، كما في غيره ، وهو صاحب تصانيف كثيرة منها : آثار الإمام الفاضل المعصوم ، وكتاب الإمام والمأموم ، وكتاب النقض على الكيال في الإمامة ، وكتاب أطعمة المرضى ، وكتاب الأعضاء ، وكتاب أمراض الأطفال ، وكتاب التدابير ، وغير ذلك كثير ، انظر الذريعة : 1 / 6 و : 4 / 17 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
57 |
|
 |
في أي مكان ، وزمان ، أما الإنسان فيقهر طبعه لمعان عقلية » (1) .
( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) ، لأن الأنعام تؤدي ما عليها ، وتنقاد لصاحبها أمراً ، وزجراً ، أما أهل الجهالة ، والضلالة فلا يؤدون ما عليهم ، ولا ينقادون لخالقهم ، وفوق ذلك فإن الأنعام تنفع ، ولا تضر ، وهم وباء ، وأدواء على المجتمع ، والإنسانية .
والحمد لله على ما عرفنا من نفسه ، وألهمنا من شكره ، وفتح لنا من أبواب العلم بربوبيته ، ودلنا عليه من الإخلاص له في توحيده ، وجنبنا من الإلحاد ، والشك في أمره ، حمداً نعمر به فيمن حمده من خلقه ، ونسبق به من سبق إلى رضاه وعفوه حمداً يضيء لنا به ظلمات البرزخ ، ويسهل علينا به سبيل المبعث ، ويشرف به منازلنا عند مواقف الإشهاد ؛ يوم تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون « يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون » (2) .
حمداً يرتفع منا إلى أعلى عليين في كتاب مرقوم يشهده المقربون ، حمداً تقر به عيوننا إذا برقت الأبصار ، وتبيض به وجوهنا إذا اسودت الأبشار ، حمداً نعتق به من أليم نار الله إلى كريم جوار الله ؛ حمداً نزاحم به ملائكته المقربين ، ونضام به أنبياءه المرسلين في دار المقامة التي لا تزول ، ومحل كرامته التي لا تحول .
|
(1) انظر ، الطب الروحاني : 245 نقلاً عن الموسوعة الطبية طبعة شركة كوتالاسكوت 1857 م .
(2) الدخان : 41 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
58 |
|
 |
|
الخلق والخالق
|
|
|
 |
( والحمد لله على ما عرفنا من نفسه ) من ، هنا بمعنى الباء كما هي في الآية : « ينظرون من طرف خفي » (1) ، والمراد بنفسه تعالى وجوده ، وعظمته في ذاته ، وصفاته ( وألهمنا من شكره ) ، إشارة إلى حكم العقل بوجوب شكر المنعم ، لأن البذل ، والعطاء معناه العناية بمن تعطيه ، وهذه العناية تستوجب الشكر سواء أكانت من الخالق ، أم المخلوق ، قال سبحانه : « إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً » (2) .
وفي الحديث : « أشكركم لله أشكركم للناس » (3) .
( وفتح لنا من أبواب العلم بربوبيته ، ودلنا عليه من الإخلاص له في توحيده . . . ) دعا سبحانه العباد إلى الإيمان به ، والإخلاص له في العبادة وحده بلا ند ، وشريك ، وما من شك أن الإيمان ثمرة العلم ، وفرع عنه ، لذا أرشدنا سبحانه إلى الطريق الموصل إلى هذا العلم ، وهو إمعان النظر في الموجودات الكونية ، وطبائعها ، وترتيبها ، وتماسكها ، ووحدة نظامها حيث لا تفسير معقول لذلك إلا بقوة عليمة ، وحكيمة ، أما تفرد هذه القوة فتدل عليه وحدة الكون في أوضاعه ، وحركاته ، وقوانينه ، إذ لا أثر فيه للتعدد ، والإنقسام : « ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور » (4) .
|
(1) الشورى : 45 .
(2) الإنسان : 22 .
(3) انظر ، الكافي : 2 / 99 ح 30 ، كنز العمال : 3 / 266 ح 6481 ، تأريخ مدينة دمشق : 14 / 290 رقم ( 1586 ) ، وسائل الشيعة : 16 / 310 ، مستدرك سفينة البحار : 6 / 29 .
(4) الملك : 3 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
59 |
|
 |
وقال عالم رباني : هل يسوغ بمنطق العقل ، والبديهة أن نفسر ذلك بالصدفة ، والإتفاق ، أو بقوة عمياء صماء طائشة لا عقل لها ، أو بقوة مخربة مدمرة باطشة لا رحمة لها ، أو بقوة عابثة لاهية لاعبة لا هدف لها . وقال آخر : الوجود كتاب ألفه الله فأحكم تأليفه ، فجعل كل عنصر من عناصره حرفاً من حروفه ، وكل ذرة من ذرات الكائنات كلمة مقروءة من كلماته وراءها حقيقة خفية ، تبعث على التفكير ، يفهمها العاقل ، والذكي . وهذه العبارات ، وأمثالها شرح ، وتفسير لقول الشاعر (1) :
وفي كل شيئ له آية  تدل على أنه واحد
|
مراحل الحياة
|
|
|
 |
( حمداً نعمر به فيمن حمده من خلقه ) نعمر بتشديد الميم بمعنى نزيد بحمده تعالى في عدد الذين يحمدون الله ويشكرونه ؛ لأن الزيادة في العدد قوة ، وعمران ( ونسبق به من سبق إلى رضاه وعفوه ) التسابق إلى الخيرات ، والتنافس في الحسنات من دأب المتقين الأبرار ( حمداً يضيء لنا به ظلمات البرزخ ) . لحياة الإنسان ثلاث مراحل : تبتدئ الأولى وتنتهي بالموت ، وتبتدئ الثانية بالموت ، وتنتهي بالبعث ، قال سبحانه : « ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون » (2) وتبتدء الثالثة بالبعث ، ولا تنتهي إلى حد ، وسئل الإمام الصادق عليه السلام عن البرزخ فقال : « هو
|
(1) نسب هذا البيت لأبي العتاهية كما جاء في ديوانية : 62 طبعة دار الكتب العلمية ، وسبل الهدى والرشاد : 3 / 27 ، البداية والنهاية : 13 / 375 ، تأريخ بغداد : 6 / 251 ، تأريخ دمشق : 13 / 453 ، تفسير القرطبي : 4 / 313 ، تفسير ابن كثير : 1 / 26 و 62 و : 3 / 45 ، تفسير الثعالبي : 2 / 149 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6 / 412 ، المجازات النبوية للشريف الرضي : 221 ، شرح أصول الكافي : 3 / 147 .
(2) المؤمنون : 100 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
60 |
|
 |
القبر ؟ » (1) من حين الموت إلى يوم القيامة ، وعليه يكون المراد بظلمات البرزخ ظلمات القبر ( ويسهل علينا به سبيل المبعث . . . ) من ظلمة القبر ، وغربته ، وضيقه ، ووحشته إلى ما هو أشد وأعظم ، إلى الوقوف بين يدي جبار قهار ؛ لنقاش الحساب على ما فعلنا ، وتركنا ، وأسررنا ، وأعلنا .
وبعد التنقيب ، والبحث الطويل في كتاب الله والسنه النبوية ، وآثار الآل الأطهار ـ آمنت ، وأيقنت ان كل مذنب يمكن أن تناله من الله مغفرة ، ورحمة إلا من أشرك ، ومن اعتدى على الناس . قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « إن على كل مسلم صدقة ، فقيل له : ومن يطيق ذلك يا رسول الله ؟ قال : إماطتك الأذى عن الطريق صدقة . . . وإرشادك الضال إلى الطريق صدقة . . . وعيادتك المريض صدقة ، وأمرك بالمعروف صدقة ، ونهيك عن المنكر صدقة ، وردك السلام صدقة » (2) . وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد » (3) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « أفضل الجهاد من أصبح لا يهم بظلم أحد (4) . . . البهتان على البريء أثقل
|
(1) انظر ، الخصال للشيخ الصدوق : 120 ، الدعوات للراوندي : 244 ، بحار الأنوار : 78 / 148 ح 10 ، تفسير نور الثقلين : 3 / 553 .
(2) انظر ، الدعوات لقطب الدين الراوندي : 98 ، مستدرك الوسائل : 7 / 172 و 242 ، مجمع الزوائد : 3 / 104 ، مسند ابن راهوية : 1 / 274 ، كنز العمال : 6 / 411 ح 1639 و 16421 و 16424 و 17042 ، تأريخ دمشق : 13 / 28 ، السنن الكبرى : 4 / 188 ، سنن أبي داود : 1 / 290 ، البحار : 96 / 182 ح 30 .
(3) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 49 خطبة ( 221 ) ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 19 / 43 و : 20 / 340 ، عيون الحكم والمواعظ : 193 ، شرح اصول الكافي للمازندراني : 1 / 197 ، تحف العقول : 91 ، أمالي الصدوق : 1 / 53 ، عيون أخبار الرضا : 1 / 58 ، مسند الإمام الرضا : 1 / 292 .
(4) انظر ، السرائر : 3 / 615 ، المحاسن للبرقي : 1 / 292 ، كنز العمال : 4 / 307 ح 16036 ،
=
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
61 |
|
 |
من الجبال الراسيات (1) . . . من أذنب ـ بغير الإعتداء على الناس ـ كان للعفو أهلاً (2) . وفي سفينة البحار للشيخ القمي : « حبس شهيد على باب الجنة لثلاثة دراهم كانت ليهودي عليه » (3) .
ولا دين ، وشريعة تثيب على النفي ، والعدم إلا الإسلام ، فالصمت عن البريء خير ، وحسنة ، وإمساك الشر ، والآذى عن الناس فضيلة ، وكرامة تشكر ، وتؤجر ؛ ولهذا وأمثاله سطع نور الإسلام في شرق الأرض ، وغربها في سنين معدودات ، وكتبت في فلسفة كف الأذى العديد من الصفحات في كتاب فلسفة الأخلاق (4) .
( حمداً يرتفع منا إلى أعلى عليين ) جمع علي بكسر العين ، وتشديد اللام ، وهو أعلى المراتب ، ويقابله أسفل سافلين ( في كتاب ) الأعمال ( مرقوم ) مكتوب ( يشهده المقربون ) أي الملائكة المقربون ، أو كل من يقترب منه . وهذا اقتباس من سورة المطففين (5) ( حمداً تقربه ) أي بجزائه ، و ثوابه ( عيوننا إذا برقت الأبصار )
|
=
روضة الواعظين : 421 ، الفردوس بمأثور الخطاب لابن شيروية : 1 / 357 ح 13438 ، بحار الأنوار : 75 / 320 ح 47 ، مكارم الأخلاق للطبرسي : 433 ، مستدرك الوسائل : 12 / 97 ، من لا يحضره الفقيه : 4 / 353 بعض المصادر تسنده إلى الإمام علي عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه وآله .
(1) انظر ، الخصال : 348 ح 21 ، امالي الصدوق : 317 ، معاني الاخبار 177 ، مستدرك الوسائل : 9 / 128 ، الاختصاص للشيخ المفيد : 247 ، بحار الانوار : 72 / 194 .
(2) قريب منه في المحاسن للبرقي : 1 / 27 ، والكافي : 2 / 427 ، وأمالي الصدوق : 362 ، ومستدرك سفينة البحار : 3 / 458 ، ومجمع الزوائد : 10 / 211 ، والمعجم الأوسط : 2 / 189 ، والجامع الصغير : 2 / 562 ، وكنز العمال : 4 / 220 ح 10243 و 10425 .
(3) انظر ، سفينة البحار للشيخ عباس القمي : 1 / 184 .
(4) انظر ، كتاب فلسفة الأخلاق للشيخ قدس سره : 139 ، وما بعدها .
(5) المطففين : 20 ـ 21 ، « كتاب مرقوم يشهده المقربون » .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
62 |
|
 |
إذا تحيرت ، ودهشت فزعاً في يوم القيامة ، وهو أقتباس من سورة القيامة (1) : ( وتبيض به وجوهنا إذا اسودت الأبشار ) جمع بشرة : سطح الجلد ، أيضاً اقتباس من سورة آل عمران (2) ( نعتق به ) نتحرر به من النار ( نزاحم به ) نشارك به الملائكة ( ونضام به ) من الضم بمعنى الجمع من الأنبياء ، أيضاً اقتباس من سورة النساء (3) .
والخلاصة : أن الإمام عليه السلام يحمد الله بالقول ، والفعل حمداً يقربه من مرضاته ، ويبتعد به عن غضبه ، ويرفعه إلى أسنى المراتب ، وأعلى المنازل ، وما من شك أن الحمد لله رضا بما قسم ، وتواضع لجلاله ، وتعظيم ، وذكر ، وشكر ، قال سبحانه : « فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون » (4) ولا ينبغي ترك الحمد في سراء ، ولا ضراء فقد كان النبي صلى الله عليه وآله أمر يسره قال : « الحمد لله على هذه النعمة ، وإذا ورد عليه أمر يغتم به قال : الحمد لله على كل حال » (5)
والحمد لله الذي اختار لنا محاسن الخلق ، وأجرى علينا طيبات الرزق ، وجعل لنا الفضيلة بالملكة على جميع الخلق ؛ فكل خليقته منقادة لنا بقدرته ، وصآئرة إلى طاعتنا بعزته .
|
(1) القيامة : 7 ، « فإذا برق البصر » .
(2) آل عمران : 106 ، « يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون » .
(3) النساء : 69 ، « ومن يطيع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً » .
(4) البقرة : 152 .
(5) انظر ، الكافي : 2 / 97 ح 19 ، بحار الأنوار : 93 / 214 ، وسائل الشيعة : 2 / 896 ح 4 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
63 |
|
 |
|
من نعم الله تعالى
|
|
|
 |
( والحمد لله الذي أختار لنا محاسن الخلق ) أي الشكل ، والصورة ، قال سبحانه : « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم » (1) ، وقال تعالى : « وصوركم فأحسن صوركم » (2) ، خلق سبحانه الإنسان في أحسن خلقه ، وأحكمها ، وأدقها ، فهو من حيث الحجم وسط بين الفيل ، والقرد ، ومن حيث الطول ، والقصر لا إفراط ولا تفريط ، أما الجمال فيتجلى في القوام ، وتنسيق الأعضاء ، وانسجام بعضها مع بعض ، وكثير من الفلاسفة يسمون الإنسان بالكون الصغير ، قال ملا صدرا في شرح أصول الكافي : « إن الله اختصر من هذا العالم مخلوقاً يحوي معانيه كلها على أكمل الوجوه ، وسماه ءادم » (3) ، وفي كتاب « الإنسان ذلك المجهول » تأليف الكسيس كاريل : « إن جسم الإنسان في شكله يعبر عن شهواته ، ومشاعره بخاصة قسمات وجهه » (4) .
( وأجرى علينا طيبات الرزق ) سخر سبحانه الطبيعة ، وخيراتها لكل الناس على أن يستثمروها في متطلبات الحياة ، وجعلها للجميع دون استثناء ؛ لأنه تعالى : هو الخالق ، والمالك ، والرازق ، وكل الخلائق عباده ، وعياله ، حتى الجاحد ، والمعاند ( وجعل لنا الفضيلة بالملكة على جميع الخلق ) الملكة : صفة راسخة في النفس (5) ، والمراد هنا ـ بقرينه السياق ـ أن في الإنسان دون سواه استعداداً عقلياً
|
(1) التين : 4 .
(2) غافر : 64 .
(3) انظر ، ج 2 / 311 ، وتفسير الميزان 16 / 250 .
(4) انظر ، ص 223 .
(5) انظر ، مستدرك سفينة البحار 9 / 420 ، تأريخ مدينة دمشق : 18 / 20 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
64 |
|
 |
يؤهله لأن يسخر الطبيعة في مقاصده ، وفوائد ( فكل خليقته منقادة لنا بقدرته ، وصائرة إلى طاعتنا بعزته ) قال الإمام عليه السلام هذا منذ 13 قرناً حيث كان العلم كلاماً ، وتعبيراً وحديثاً وتفسيراً ، وكان الحديث ، أو التنبؤ عن تطور العقل ، والعلم إلى ما انتهى إليه في عهدنا الراهن ـ ضرباً من الجنون في مفهوم الناس ، فكيف تنبأ الإمام بذلك ؟ ومن أين جاءه هذا العلم ؟ أبداً لا وسيلة آنذاك إلا الرواية عن أبيه عن جده عن جبرئيل عن الباري .
وتنبأ جده الإمام علي عليه السلام بأشياء كثيرة حدثت من بعده تماماً كما أخبر ، فقال له أحد أصحابه : « لقد أعطيت علم الغيب يا أمير المؤمنين . قال له : ليس هو بعلم غيب ، إنما هو تعلم من ذي علم » (1) .
وبعد ، فإن الله سبحانه خلق الكون بما فيه من خصائص ، ومواد أولية ، وخلق الإنسان ، وزوده بكل قوة ، وطاقة تجعل أشياء هذا الكون طوع أنامله ، ليستعملها في الخير لا في الشر ، وللبناء لا للهدم ، وللتعاون من أجل حياة أفضل لا للاحتكار ، والإستغلال ، والإستعمار . وإلى هذا أشار الإمام بقوله : ( منقادة لنا بقدرته ، وصآئره إلى طاعتنا بعزته ) .
والحمد لله الذي أغلق عنا باب الحاجة إلا إليه ، فكيف نطيق حمده ؟ أم متى نؤدي شكره ؟ ! ، لا ، متى ؟ .
والحمد لله الذي ركب فينا آلات البسط ، وجعل لنا ادوات القبض ، ومتعنا بأرواح الحياة ، وأثبت فينا جوارح الأعمال ، وغذانا بطيبات
|
| (1) انظر ، نهج البلاغة : 2 / 10 خطبة ( 126 و 128 ) شرح اصول الكافي : 2 / 323 ، شرح مئة كلمة للبحراني : 246 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
65 |
|
 |
الرزق ، وأغنانا بفضله ، وأقنانا بمنه .
ثم أمرنا ليختبر طاعتنا ، ونهانا ليبتلي شكرنا فخالفنا عن طريق أمره ، وركبنا متون زجره ؛ فلم يبتدرنا بعقويته ، ولم يعاجلنا بنقمته بل تأنانا برحمته تكرماً ، وانتظر مراجعتنا برأفته حلماً .
( والحمد لله الذي أغلق عنا باب الحاجة إلا إليه ) قد يقول قائل : كل واحد من الناس يحتاج إلى الناس إلا أن يعيش في السماء مع الملائكة بلا غذاء ، وكساء ، أو في الغاب مع الوحوش ، إن العلاقات المتبادلة بين أفراد الجماعة تفرضها طبيعة الحياة الإجتماعية ، وعليه يكون الحمد على الغنى عن الناس حمداً على لا شيء ، بل يستحيل أن يقع .
الجواب : أجل ، كل من يخوض غمار الحياة يحتاج إلى غيره ، وغيره يحتاج إليه تماماً كحاجة كل من البائع ، والمشتري إلى الآخر ، وهذا اللون من التبادل يسمى تعاوناً ، وتكاملاً ، والذي يأكل ولا يعمل ، بل يعيش كلا ، وعالة على الآخرين ـ فموته خير من حياته ، وعدمه خير من وجوده ، قال عز من قائل : « وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يات بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم » (1) ومن معاني العدل التسوية بين رجلين في الأخذ ، والعطاء . وكلام الإمام عليه السلام بعيد عن العامل ، والباطل ، ومراده مجرد البيان بأن الله سبحانه أرشدنا بنور الوحي ، والعقل إلى ما نحتاج إليه من أمور الدين ، والدنيا . قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « إن الله تعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ، ونصر النبيين بالبيان (2) ،
|
(1) النحل : 76 .
(2) انظر ، الكافي : 1 / 13 ، شرح اصول الكافي للمازندراني : 1 / 90 ، تحف العقول : 384 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
66 |
|
 |
إن العقل مع العلم (1) ، وما عبد الله بشيء أفضل من العقل » (2) يريد أن الدين مع العقل ، والعقل مع الدين .
( فكيف نطيق حمده أم متى نؤدي شكره ؟ ! ) لن يكون الشكر إلا على معروف يسديه المشكور للشاكر ، والحمد أعم لأنك تحمد العالم لعلمه ، والصادق لصدقه ، وإن أساء إليك ( لا متى ؟ ) لا مبرر للتساؤل : « متى نؤدي شكره » ؟ لأنه أشبه بالتساؤل : متى يلج الجمل في سم الخياط ( والحمد لله الذي ركب فينا آلات البسط ، وجعل لنا أدوات القبض ) كناية عن الحرية ، والقدرة على التصرف فعلاً ، ( ومتعنا بارواح الحياة ) اي بطيب العيش ، لأن أرواح هنا جمع روح بفتح الراء من الراحة ، قال سبحانه : « فروح وريحان وجنت نعيم » (3) ( وأثبت فينا جوارح الأعمال ) جمع جارحة وهي العضو العامل كاليد ، وأحب الأيدي إلى الله ورسوله يد تعمل في سبيل العيال ، والرزق الحلال ، وفي الحديث : « إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها صلاة ، ولا صوم ، قيل : يا رسول الله فما يكفرها ؟ قال : الهموم في طلب المعيشة » (4) .
|
(1) انظر ، الكافي : 1 / 14 ، شرح اصول الكافي : 1 / 91 .
(2) انظر ، الكافي : 1 /18 ح 12 ، شرح اصول الكافي : 1 / 174 ، الخصال للشيخ الصدوق : 433 ، حلية الأولياء : 4 / 40 ، تأريخ دمشق : 63 / 395 ، تحف العقول : 388 ، كتاب العقل لابن أبي الدنيا : 43 ، الوسائل : 15 / 187 .
(3) الواقعة : 89 .
(4) انظر ، المعجم الأوسط : 1 / 38 ، الجامع الصغير : 1 / 376 ح 2461 ، كنز العمال : 6 / 471 ح 16600 و 16640 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 2 / 667 ح 2461 ، كشف الخفاء : 1 / 254 ح 783 ، تأريخ دمشق : 54 / 200 ، مجمع الزوائد : 2 / 291 و : 4 / 63 ، مستدرك
=
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
67 |
|
 |
( وأغنانا بفضله وأقنانا بمنه ) الإقناء : ما يقنى ، ويدخر من المال لوقت الحاجة ، وما من شيء على الإطلاق إلا ولله فيه تقدير وتدبير ( ثم أمرنا ليختبر طاعتنا ، ونهانا ليبتلي شكرنا ) أمرنا سبحانه بما يعود علينا بالخير ، والصلاح ، ونهانا عن كل شر وفساد ، ومعنى هذا ان التكليف امراً ، ونهياً هو المحك الذي يميز ، ويفرق بين الخبيث ، والطيب ، والعاصي ، والمطيع « ما كان الله ليذر المؤمنين على مآ أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب » (1) ( فخالفنا عن طريق أمره ، وركبنا متون زجره ) تركنا ما أمر به ، وفعلنا ما نهى عنه ! ولماذا ؟ أبداً ، لا لشيء إلا لسلطان الهوى ، وحلاوة الدنيا ( فلم يبتدرنا بعقوبته . . . ) يمهل سبحانه العاصي حتى كأنه ما أساء ، ولا عصى ولو عاجله بالعقوبة لكان ذلك حقاً ، وعدلاً ، ولكنه لم يفعل ، ولماذا ؟ لأن من شأن الإله أن يحلم ، ويرحم ، وأن يؤجل ، ويمهل ، لعل الذي أسرف على نفسه أن يتداركها بالتوبة ، والإنابة ولا شيء أبغض إلى الله من أن يشقى عبده بعذابه ، ولا أحب اليه من أن ينعم بثوابه .
والحمد لله الذي دلنا على التوبة التي لم نفدها إلا من فضله ، فلو لم نعتد من فضله إلا بها لقد حسن بلاؤه عندنا ، وجل إحسانه إلينا وجسم فضله علينا ، فما هكذا كانت سنته في التوبة لمن كان قبلنا ؛ لقد وضع عنا ما لا طاقة لنا به ، ولم يكفلنا إلا وسعاً ، ولم يجشمنا إلا يسراً ، ولم يدع لأحد منا حجة ، ولا عذراً ، فالهالك منا من هلك عليه ، والسعيد منا من رغب إليه .
|
=
الوسائل : 2 / 415 ح 9 ، الدعوات الراوندي : 56 ح 141 ، بحار الأنوار : 73 / 157 ح 3 . علماً بأن الشيخ قدس سره أورد آخر الحديث بلفظ : ( وإنما يكفرها سعي الرجل على عياله ) .
(1) آل عمران : 179 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
68 |
|
 |
|
التوبة
|
|
|
 |
( والحمد لله الذي دلنا على التوبة التي لم نفدها . . . ) أي لم نحصل على منافعها ، وفوائدها إلا بفضل الله ورحمته . ومن الفوارق الأساسية بين المؤمن ، والملحد ان المؤمن يشعر من أعماقه ان عليه رقيباً يحفظ ، ويسجل جميع أقواله ، وأفعاله حتى ولو أتى بها في الخلوات ، والظلمات ، وأنه مسؤول عنها ، ومحاسب عليها ، ومكافأ ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، ولا إنسانية إلا مع هذا الشعور الذي يجعل الفرد هو السائل ، والمسؤول في آن واحد ، أما الملحد فإنه يسخر من هذا الشعور ، والإيمان ، ويراه جهالة ، وحماقة ، ومن هنا لا يطلب العفو إن أذنب إلا إذا خاف من الدولة ، أو المجتمع ، على عكس المؤمن الذي يعترف بالذنب ، ويقول بكل جرأة : فعلت ، وأساءت ، وأقلعت وهو آمن على نفسه ، وماله ، وعرضه من كل قوة ، وسلطة ، ويطلب من الله العفو ، والرحمة ، هذي هي التوبة الشرعية التي فتح سبحانه بابها لعباده وقال لهم : « توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً » (1) وفي قوله تعالى : وصف نفسه بالتواب : « إن الله هو التواب الرحيم » (2) أي يقبل التوبة من التائب : « غافر الذنب وقابل التوب » (3) .
( فما هكذا كانت سنته في التوبة لمن كان قبلنا ) بل كان لقبولها من بعض الأمم السابقة ، أو من بعض الذنوب ، ولقبولها شروط قاسية ، وثقيلة كما تأتي الإشارة إليها .
والتوبة فضيلة كالصدق ، والإخلاص لا ينسخ قبولها ، ووجوبها ، ولا يخصص
|
(1) هود : 3 .
(2) التوبة : 118 .
(3) غافر : 3 .
|
 |
| في ظلال الصيحيفة السجادية |
|
69 |
|
 |
بذنب دون ذنب ، أو بزمان دون زمان ، فقد قبلها سبحانه من ءادم ، ويونس ، وقومه وغيرهم ، وكان كل نبي يخاطب قومه بقوله : توبوا إلى الله ، أطيعوا الله يغفر لكم ذنوبكم . أجل إن الله سبحانه خفف عن أمة محمد صلى الله عليه وآله الكثير من القيود التي فرضت على بعض الأمم السابقة كما تشير الآية : « ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا » (1) ، ومن ذلك أن الله سبحانه لم يقبل التوبة من بني إسرائيل بعد أن اتخذوا العجل رباً إلا أن يقتل بعضهم بعضاً : « وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم بإتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم » (2) .
( ولم يدع لأحد منا حجة ولا عذراً ) حيث وهبنا سبحانه العقل ، والقدرة ، والإرادة ، وكلفنا باليسير ، ووضع عنا ما لا نطيق . . . وبالعقل نميز ، وبالإرادة نختار ، وبالقدرة نفعل علماً بأنه تعالى لا يأمر إلا بخير ، ولا ينهي إلا عن شر ، ومعنى هذا أنه تعالى أعذر إلى عباده بكل حجة ليهلك من هلك عن بينة ، وينجو من نجا عن بينة ( فالهالك منا من هلك عليه ) المراد بالهالك هنا المجرم الهاوي في نار جهنم بعد أن يعرض على الله لنقاش الحساب ، قال الإمام علي عليه السلام : « الغنى ، والفقر بعد العرض على الله » (3) . وعليه يكون المعنى ليس هلاك المرء بما يعانيه من مصائب الدنيا ، ولا نجاته بسلامته من آفاتها ، وإنما الهلاك ، والنجاة بعد العرض على الله يوم القيامة ، فمن هلك في ذلك اليوم فهو الهالك حقاً ، وواقعاً ( والسعيد منا من رغب إليه ) أي من خصه بالرغبة ، والتضرع ، والسؤال ، وعول عليه وحده في جميع
|
(1) البقرة : 286 .
(2) البقرة : 54.
(3) انظر ، نهج البلاغة 4 / 104 الحكمة ( 452 ) ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 20 / 152 ، شرح اصول الكافي : 1 / 163 و 244 .
|
|
|