في ظلال الصيحيفة السجادية 30



في ظلال الصيحيفة السجادية 31


المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة على محمد وآله الطاهرين .


هل أفر من نفسي
وبعد :
فقد يظن أني أريد الكتابة عن رغبة وشوق ، كلا بل هي أرادتني ، وفرضت نفسها علي ، ذلك أني ، منذ سنوات وبعد أن بلغت من الكبر عتياً ، حاولت الفرار من القلم ، وما زلت أحاول من غير جدوى . وهل أفر من نفسي ؟ ربما ولعل . . . آه ، لو كان لي شاغل ، وسبيل غير الكتاب ، والكتابة ، علماً بأني كلما مضيت في البحث ، والتفكير ، والتأليف ، لاحت أمامي بارقة رشد هدى إلى طريق العلم ، والمعرفة ، ولكن ، « وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً » (1) .
(1) مريم : 4 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 32



من فضله تعالى

أي فضل أجل من عناية تعالى ، وتوفيقه إلى تيسير الأسباب الكافية الوافية لتفسير القرآن الكريم مرتين (1) ، وشرح نهج البلاغة ، والصحيفة السجادية ، وكتاب الفقه على المذاهب الخمسة ، وفقه الإمام الصادق ، وأصوله . . . إلى العديد من كتب فلسفة العقيدة ، والرد على الخصوم ، ونافثي السموم . . .
سنوات طوالاً قضيتها في الجامعة الإلهية ، والروضة المحمدية العلوية ، ولله الحمد .
كثيرون كتبوا ، وألفوا في الفقه ، والأصول معاً ، ولا أدري إن كان بعض هؤلاء ثلث بالتفسير الكامل ، ومن جمع بين الثلاثة لم يشرح نهج البلاغة ـ فيما أعلم ـ وعلى فرض أنه ربع فلم يخمس بشرح الصحيفة السجادية ، ومراراً ، وتكراراً الحمد لله : « رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى ولدى وأن أعمل صلحاً ترضه وأدخلني برحمتك في عبادك الصلحين » (2) وبأي شيء أشكر ؟ وكيف ؟ ويهون الأمر قول الإمام الصادق عليه السلام برواية سفينة البحار : « من أنعم الله عليه نعمة فعرفها بقلبه ، وعلم أن المنعم هو الله فقد أدى شكرها ـ أي أدنى الشكر ـ، وإن لم يحرك لسانه ، ومن علم أن المعاقب على الذنوب هو الله فقد استغفر الله ، وإن لم يحرك لسانه » (3) .
(1) الأولى التفسير الكاشف ، نشرته دار العلم للملايين ، وأعادت طبعه . الثانية التفسير المبين نشرته دار التعارف للمطبوعات على هامش القرآن الكريم .
(2) النمل : 19 .
(3) أنظر ، بحار الأنوار : 68 /40 ، مستدرك سفينة البحار : 6 / 28 ، الكافي : 2 / 95 ح 9 ، تفسير الصافي : 3 / 80 ، التفسير الآصفي للفيض الكاشاني : 1 / 612 ، تفسير نور الثقلين : 2 / 528 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 33



السعيد من شهد على نفسه بالتقصير

والله يعلم أني أستشعر إنعامه علي ، وأرجو عفوه ، ورحمته ، وأخشى من غضبه ، ونقمته ، لعلمي ، ويقيني بأنه تعالى يبتلي عباده بالسراء ، والضراء ليميز الخبيث من الطيب ، ولتظهر الأفعال التي يستحق عليها الثواب ، والعقاب . . . هذا إلى أن نسيان العقاب من أكبر الكبائر عند الله .
وفي دعاء عرفة لمولانا الإمام الحسين عليه السلام : « إلهي أنا الفقير في غناي ، فكيف لا أكون فقيراً في فقري ! إلهي أنا الجاهل في علمي ، فكيف لا أكون جهولاً في جهلي » (1) يقول عليه السلام : « مهما بلغت من الثراء فأنا في فقر دائم ، وحاجة مطلقة إلى الله تعالى ؛ لأن نفسي ، ومالي في قبضته ، والأشياء كلها رهن بمشيئته ، فكيف إذا كنت أفقر الفقراء ! » . وأيضاً بالغاً ما بلغت من العلم فأنا أجهل الواقع كما هو في علم الله ؛ لأن علمي يقوم على الحس ، والفهم ، والرأي الذي يخطئ ، وقد يصيب ، هذا إن درست ، وبحثت واجتهدت ، فكيف إذا أهملت و لم أجتهد ! .
أبعد هذا يسوغ لعاقل أن يقول : « أنا سعيد بطاعة الله ، أو بما ألفت ، ونشرت ؟ أليس من الأفضل عند الله ، والأجدر بالمؤمن أن يتهم نفسه ، ويشهد عليها بالتقصير ويقول ، إن مر بتصوره خيال أسود : هذا من رجس الشيطان أعوذ بالله منه » ؟ .
قال رجل لزاهد عابد حقاً وصدقاً : « رأيت في منامي أنك في الجنة . فقال له : ويحك ، أما رأى الشيطان غيري ، وغيرك يسخر منه » ؟ .
وأي فرق بين من يعجب ، ويغتر بالمال ، والجاه ، أو التأليف ، والنشر ، وبين من
(1) أنظر ، بحار الأنوار : 95/225 ، البلد الأمين للكفعمي : 215 ، زاد المعاد للمجلسي : 146 ، الإقبال لابن طاووس : دعاء عرفة ، صحيفة الحسين عليه السلام جمع الشيخ جواد القيومي : 211 ، بالإضافة إلى كل كتب مناسك الحج .
في ظلال الصيحيفة السجادية 34

يزهو ، ويفخر بالطاعة ، والعبادة ؟ كلاهما كرة بيد الشيطان . وكل أهل الأديان ، والمذاهب الباطلة يرون أنفسهم سعداء فيما يدينون . والشمر رأى نفسه سعيداً بقتل سيد الشهداء (1) ، ومن قبله ابن ملجم (2) رأى نفسه أتقى الأتقياء . وبعدهما الحجاج .
(1) أنظر ، الكامل : 4/35 ، العقد الفريد لابن عبدربه الأندلسي : 4/381 ، مروج الذهب للمسعودي :2/65 ، شرح المقامات للشريشي : 1/193 ، مقاتل الطالبيين : 119 ، ينابيع المودة : 3/91 طبعة أسوة ينسبها إلى الشمر بن ذي الجوشن وهو يفتخر عند يزيد الملعون ويقرأ هذه الأبيات .
إملا ركابي فضة وذهبا قتلت خير الخلق أما وأباُ
إني قتلت السيد المهذبا وخيرهم جداً وأعلى نسبا
طعنته بالرمح حتى انقلبا ضربته بالسيف صار عجبا
وفي مقاتل الطالبيين : 119 :« أوقر » بدل « املأ » وزاد : فقد قتلت الملك المحجبا ، و « ينسبون » بدل « يذكرون ». وانظر عوالم العلوم للشيخ عبد الله البحراني الاصفهاني : 17 / 400 ، الخرائج والجرائح (المخطوط ) : 209 ، تاريخ الطبري : 4 / 347 مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الشعر ، معالم المدرستين : 3 / 171 ، البحار : 45 / 128 ، الفتوح لابن أعثم : 3 / 138 ونسب الأبيات إلى بشر بن مالك ، وزاد
:
ومن يصلي القبلتين في الصبا وخيرهم إذ يذكرون النسبا
قتلت خير الناس اماً وأبا
وانظر أيضاً الكامل لابن الأثير : 4 / 48 ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : 2 / 242 ، مروج الذهب للمسعودي : 2 / 91 ، سمط النجوم العوالي : 3 / 76 ، مقتل الحسين لأبي مخنف : 202 ، مرآة الجنان لليافعي : 1 / 133 ولكن لم يسم حامل الرأس ، العقد الفريد : 2 / 213 سماه خولى بن يزيد الاصبحي وقتله ابن زياد لذلك .
واختلف المؤرخون أيضاً فيمن جاء بالرأس ، فعند الطبري في تأريخه : 6 / 261 ، وابن =
في ظلال الصيحيفة السجادية 35


قال ابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر : « رأى ابن ملجم قتل أمير المؤمنين ديناً . . . ولما أرادوا قطع لسانه قال : كيف أبقى ساعة لا أذكر الله ! » (1) ، وكذلك
= الأثير في الكامل : 4 / 33 سنان بن أنس . وفي تذكرة الخواص : 144 ، وشرح المقامات للشريشي : 1 / 93 أنشدها سنان على ابن زياد ، وفي كشف الغمة للاربلي : 2 / 146 ، ومقتل الحسين للخوارزمي : 2 / 40 أن بشر بن مالك أنشدها على ابن زياد ، وفي مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : 76 زاد عليها مثل ما زاد في الفتوح : ومن يصلي القبلتين . . . إلخ ، فغضب عليه ابن زياد وقتله ، وفي رياض المصائب : 437 أن الشمر هو قائلها . وبما إننا أثبتنا إن الشمر هو القاتل للإمام عيله السلام فلا يبعد أن يكون هو قائلها اذ من العبيد أن يكون الشمر الذي يقتل وغيره يأخذ الرأس ويفوت عليه التقرب إلى ابن زياد . انظر المعجم مما استعجم : 2 / 865 ، وفاء الوفا للسمهودي : 2 / 232 . وقد قال له الحسين : أتقتلني ولا تعلم من أنا ؟ فقال : أعرفك حق المعرفة ، أمك فاطمة الزهراء ، وأبوك علي المرتضى ، وجدك محمد المصطفى ، وخصمك العلي الأعلى أقتلك ولا ابالي فضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة ، ثم جز رأسه صلوات الله وسلامه عليه . . . وقال له أيضاً بعد أن طلب الماء : يا ابن أبي تراب ألست تزعم أن أباك على حوض النبي صلى الله عليه وآله يسقي من أحبه ؟ فاصبر حتى تأخذ الماء من يده . . . البحار : 45 / 55 ، والمناقب لابن شهر آشوب : 3 / 215 و 233 ، و : 4 / 58 طبعة اخرى ، وانظر النهاية : 4 / 343 ، تذكرة الخواص : 253 ، و : 144 طبعة اخرى .
(2) هو عبد الرحمن بن عمرو بن ملجم بن المكشوح بن نفر بن كلدة من حمير . . . وعداده في مراد هو حليف بني جبلة من كندة ويقال : إن مراداً أخواله . انظر أنساب الأشراف : 1 / 488 و 489 ، والإمامة والسياسة : 1 / 179 ، وفي المناقب لابن شهر آشوب : 3 / 309 ذكر أن اسمه عبد الرحمن بن ملجم التجوبي ، قبيلة من حمير . . . قال ابن عباس : كان من ولد قدار عاقر ناقة صالح ، وقصتها واحدة لأن قدار عشق امرأة يقال لها رباب ، كما عشق ابن ملجم قطاماً . الإرشاد : 1 / 22 ، تأريخ الطبري : 4 / 114 ، الكامل في التأريخ : 2 / 436 ، كشف الغمة : 2 / 128 النهاية : 4 / 227 ، بحار الأنوار : 42 / 232 .
(1) انظر ، صيد الخاطر (مخطوط) : ورق 45 ، الأخبار الطوال للدينوري : 215 ، أنساب =
في ظلال الصيحيفة السجادية 36

الحجاج ، قال : « والله لا أرجوا الخير إلا بعد الموت ! ومثل هذا ما له دواء » (1) .
وأينا يوقن ، ويجزم أنه في حرز حارز من الشيطان الذي عبث ، ولوث في قلب الحجاج ، وابن ملجم وما أشبه ؟ أللهم إلا الجهول الأحمق ، ونعوذ بالله منه ، ومن شيطانه .


تدل الصحيفة بذاتها على ذاتها

من تتبع سيرة الأئمة من آل الرسول المختار صلى الله عليه وآله ، يجد الصورة الكاملة لهدي القرآن الكريم ، وصراطه القويم في علومهم ، وأخلاقهم ، وأقوالهم ، وأفعالهم ، وقد أعلن النبي صلى الله عليه وآله هذه الحقيقة في العديد من الأحاديث ، منها ـ على سبيل المثال ـ أهل بيتي أمان لأمتي (2) . . . علي مع الحق ، والحق مع علي (3) . . . وحديث الثقلين
= الأشراف : 504 ، المنتظم : 5 / 177 ، الطبقات الكبرى لابن سعد : 3 / 39 ، فرحة الغري للسيد عبد الكريم بن طاووس : 45 ، الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي : 2 / 480 ، الأنوار العلوية للشيخ جعفر النقدي : 401 ، نقلاً عن الثعلبي في كتابه ( مقتل أميرالمؤمنين ) نسخة خطية سنة خمسة وخمسين وثلثمئة .
(1) انظر ، حياة الحجاج بن يوسف الثقفي بن أبي عقيل ، وحياته أشهر من أن تعرف ، كان من شيعة بني أمية ، رمى الكعبة المعظمة بالمنجنيق ، وقتل ابن الزبير ، وتتبع شيعة أمير المؤمنين عليه السلام تحت كل حجر ومدر قتلاً وتشريداً حتى بلغ من قتل صبراً على يده (120) ألف ، حتى وصفه عمر بن عبدالعزيز الأموي بقوله : « ولو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئنا بالحجاج لغلبناه » ، وله موبقات لا تحصى ، كفره جماعة منهم سعيد بن جبير النخعي الذي قتله ، ومنهم مجاهد ، والشعبي ، وقال طاووس : « عجبت لمن يسميه مؤمناً » هلك وأراح البلاد منه سنة ( 95 هـ ) . انظر ، شذرات الذهب : 1 / 106 ، تأريخ الطبري : 5 / 260 ، تهذيب التهذيب : 2 / 210 و : 4 / 11 ، تذكره الحفاظ : 1 / 71 ، مرآة الجنان : 1 / 192 ، المبسوط للسرخسي : 26 / 175 .
(2) انظر ، المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية : 4 / 347 ، المعجم الكبير للطبراني : 7 / 25 ، =
في ظلال الصيحيفة السجادية 37

الذي جعلهم عدلاً للقرآن ، وحث على التمسك به ، وبهم (1) . . . إلى سائر الأحاديث المدونة في كتب السنة ، وقد جمعها السيد الفيروز آبادي (2) في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة بأجزائه الثلاثة .
وليست أحاديث هذا الباب ، وآياته إنشاءاً ، وجعلاً نزل من السماء كوجوب الصوم ، والصلاة ، وإنما هي صورة تعبيرية عن واقع عياني محسوس ينطق بكل وضوح أن أهل البيت مع الحق ، والحق معهم بصرف النظر عن كل آية ، ورواية
= نوادر الاصول للترمذي : 263 ، ذخائر العقبى : 17 ، تذكرة الخواص : 182 ، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل : 2 / 671 ح 1145 ، الفردوس بمأثور الخطاب : 4 / 311 ح 6913 ، ينابيع المودة : 1 /71 ، أمالي الطوسي : 379 ح 812 .
(3) قال صلى الله عليه وآله الحق مع علي وعلي مع الحق لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . ( تأريخ بغداد : 14 / 321 ، الإمامة والسياسة : 1 / 78 ، فرائد السمطين : 1 / 177 ، المناقب لابن المغازلي : 117 و 244 ، والمستدرك : 3 / 19 و 124 ) ، ورواه أيضاً الشيخ جمال الدين محمد بن أحمد الحنفي الموصلي الشهير بحسنوية في در بحر المناقب : 99 مخطوط عن أبي ذر وسلمان والمقداد في حديث طويل قالوا : إننا سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن علياً مع الحق والحق معه . . . فإنه أول من آمن بي .
(1) انظر ، حديث الثقلين في صحيح مسلم : 4 / فضائل علي ح 36 و 37 ، وسنن الترمذي : 5 / باب 32 ، وسنن الدارمي : 2 / فضائل القرآن ، وخصائص النسائي : 50 ، وذخائر العقبى للمحب الطبري : 16 ، وتذكرة الخواص : الباب 12 ، واسد الغابة : 2 / 12 ، وتأريخ اليعقوبي : 2 / 102 ، والمستدرك على الصحيحين : 3 / 109 ، ومسند أحمد : 3 / 17 و 5 / 181 و 371 ، والصواعق المحرقة : 25 المطبعة الميمنية بمصر ، وص : 41 المطبعة المحمدية بمصر ، ومجمع الزوائد : 9 / 164 ، وتأريخ دمشق لابن عساكر : 2 / 45 ح 545 ، وكنز العمال : 1 / 168 ح 959 الطبعة الاولى ، وينابيع المودة : 37 طبع إسلامبول . . . إلخ ) .
(2) هو السيد مرتضى الحسيني الفيروز آبادي ( ت 1410 هـ ) . انظر ، ترجمته في مقدمة كتابه الفضائل الخمسة .
في ظلال الصيحيفة السجادية 38

تماماً كما ينطلق شعر المتنبي بشاعريته (1) ، ومسرحيات شكسبير بعبقريته (2) ، ومخترعات آديسون بنبوغه ، وتفوقه (3) ، وعليه فلا سبب موجب للبحث عن سند روايات الولاية ، والفضائل ما دام متنها ، ومدلولها ثابتاً بالحس ، والعيان ، يقتنع به كل عاقل ، ويؤمن إذا نظر إليه نظره محايدة .
وكل ما في الصحيفة السجادية تعظيم ، وتقديس لجلاله تعالى ، وكماله ، وحمد ، وشكر لفضله ، وكرمه ، وطلب لتوفيقه ، وهدايته ، والنجاة من غضبه ، وعذابه ، والتعوذ من الشيطان ، وإغوائه ، إلى كل ما يدخل في موضوع الدعاء ، والرجاء .
فهل شيء من ذلك يقبل الجدل ، والنقاش حتى يستدل عليه بآية محكمة ، أو رواية معنعنة ؟ .
وقد يقال : أجل ، المتن والمدلول في الصحيفة حق كما قلت ! ولكن الشك في النسبة إلى شخص معين .
الجواب : كل ما في الصحيفة السجادية يدل بذاته على أنها لزين العباد (4) ،
(1) هو أبوالطيب ، أحمد بن الحسين بن الحسن ، الجعفي ، الكندي ، الكوفي ، الشهير بالمتنبي ، ولد بالكوفة سنة ( 303 هـ ) . انظر ترجمته في مقدمة شرح ديوانه للاستاذ عبد الرحمن البرقوقي ، وفي الأعلام .
(2) انظر ، ترجمة حياة « وليم شكسبير » في كتاب مساعد مسرحيات شكسبير لمصطفى كمال عبد الحميد الهنداوي ، وكاظم الدباغ ، مطبعة الآداب 1961 .
(3) انظر ، ترجمة ( آديسون ) في مقالة مكولي لجرجس بياضي ، معرب بمصر سنة 1910 م .
(4) انظر ينابيع المودة : 3 / 105 طبعة اسوة ، الصواعق المحرقة لابن حجر : 200 ، تهذيب التهذيب للعسقلاني : 7 / 306 ، شذرات الذهب لابن العماد : 1 / 104 بلفظ « . . . سمي زين العابدين لفرط عبادته » وتأريخ أهل البيت عليهم السلام : 130 ، الغيبة للطوسي : 101 ، الحدائق الوردية =
في ظلال الصيحيفة السجادية 39

والإمام السجاد عليه السلام لفظاً (1) ، ومعنىً ؛ لأن كلماتها تحمل أنفاسه الزكية ، وتعكس روحه الصافية الطاهرة النقية ، ولو نسبت إلى سواه لكانت النسبة محل الكلام ، والإستفهام .
ثانياً : المهم القول ، وليس القائل ، وكل الحكم ، والمواعظ الخالدة تتلقاها الأجيال كمسلمات أولية ، وفي طليعة هذه الحكم الحكمة القائلة : « خذ الحكمة أنى كانت » (2)، لأنها كالضالة يأخذها صاحبها حيث وجدها عند تقي ، أو شقي .
وفي كتاب قيم أخلاقية في فقه الإمام جعفر الصادق عليه السلام قلت : إن أي حكم ، ومبدأ لا تناله يد الجعل ، والتشريع وضعاً ، ورفعاً ـ يعمل به إطلاقاً ، سواء أسكت عنه الشارع أم نص عليه من باب الإقرار ، والنصيحة ، والإرشاد ، ومثله لا يبحت
= ( مخطوط ) ، علل الشرايع للصدوق : 87 باب 165 البحار : 11 / 2 ، و : 46 / 3 ح 2 طبعة أخرى مع ملاحظة أن المجلسي نسب القول إلى القيل لما في القصة من التلفيق والتزوير لأن أسماء الأئمة وألقابهم نازله من السماء على رسول الله ولكن رواة السوء لم يرق لهم هذا الفضل فأرادوا الحط من مقام أمين الله لأن الشيطان لا يقرب من هذه الذوات . وانظر دلائل الإمامة للطبري : 83 ، والمناقب لابن شهر آشوب : 2 / 239 ، و : 3 / 310 ، كشف الظنون : 1 / 195 ، الإرشاد للشيخ المفيد : 257 طبعة قديم ، نور الأبصار : 280 ، كشف الغمة : 2 / 74 ، أمالي الصدوق : 272 ح 12 . وانظر أيضاً تذكرة الحفاظ : 1 / 74 ، الجرح والتعديل لمحمد بن إدريس الرازي : 6 / 178 ، تهذيب التهذيب للعسقلاني : 7 / 304 .
(1) انظر نور الأبصار : 14 طبعة النجف سنة 1956 م ، علل الشرايع : 88 ، وسائل الشيعة : 4 / 977 ، وتأريخ أهل البيت عليهم السلام : 131 ، معاني الأخبار : 24 ، المناقب لابن شهر آشوب : 3 / 304 ، البحار : 46 / 6 ح 10 و 11 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 18 حكمة 79 ، شرح اصول الكافي : 12 / 196 ، عيون الحكم والمواعظ : 243 ، دستور معالم الحكم : 128 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 40

عند سنده ؛ لأنه تماماً كالأمر بتقوى الله ، وطاعته ، ومن هذا الباب : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (1) . . . على اليد ما أخذت حتى تؤدي (2) . . . من غشنا فليس منا (3) . . . لا ضرر ولا ضرار » (4) وإذا امتنع في حق الشارع أن يضع حكماً ضررياً . يمتنع أيضاً في حقه أن يرفعه . فيتعين حمله على مجرد الإرشاد كما أشرنا . وهكذا كل حكم لاتتم الحياة إلا به ، ويختل نظامها بدونه .
وقد يقول قائل : تحدثت في المقدمة من جملة ما تحدثت عن نفسك ، والمفروض أن يكون الحديث عن الكتاب لا عن صاحبه ؟ .
الجواب : إن علاقة المقدمة بالكتاب لا تحدد بالحديث عنه من كل جهاته ومحتوياته ، ولا بجهة معينة منه ، بل يترك ذلك لميول المؤلف ، ومشاعره التي تنبع من أعماقه ، وأفكاره .
ثانياً : هل الكتاب إلا نفس الكتاب ، والكلام لا عين المتكلم ؟ . . . أللهم إلا
(1) انظر ، السرائر : 2 / 354 و : 3 / 46 ، مختلف الشيعة : 5 / 236 ، الخلاف للطوسي : 3 / 367 مسألة 12 ، كشف اللثام : 2 / 14 ، وسائل الشيعة : 16 / 116 .
(2) انظر ، الأنتصار : 317 ، سنن ابن ماجه : 2 / 802 ح 2400 ، سنن البيهقي : 6 / 90 ، سنن أبي داود : 3 / 296 ، سنن الدارمي : 2 / 264 ، مسند أحمد : 5 / 8 و 12 ، سنن الترمذي : 3 / 566 ، سنن البيهقي : 6 / 95 .
(3) انظر ، صحيح مسلم : 1 / 99 ح 164 ، سنن الدارمي : 2 / 248 ، مسند أحمد : 2 / 50 ، المعجم الكبير : 10 / 169 ، و : 11 / 221 ح 11553 ، الجامع الأحكام القرآن : 3 / 252 ، مجمع الزوائد : 4 / 78 .
(4) انظر ، المقنع للصدوق : 537 ، من لا يحضره الفقيه : 3 / 45 ح 2 ، رسائل المرتضى : 1 / 178 ، موطاً مالك : 2 / 805 ، الدار قطني : 4 / 227 ، فيض القدير : 6 / 431 ، غنية النزوع : 223 ، سنن البيهقي : 6 / 69 ، كنز العمال : 3 / 919 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 41

مجموعة الأعضاء ، والأمعاء . ولا شيء في الحديث عنها في هذه المقدمة (1) .


حول الدعاء :

ومعناه طلب شيء غير محرم من الله سبحانه بإخلاص ، وخشوع ، ولكل إنسان الحق في أن يدعو الله ، ويناجيه في كل آن ، ومكان حيث لا وسطاء بينه ، وبين خلقه . . . وإنه لفضل كبير منه تعالى أن يسمح لنا بمخاطبته بما نشاء ، أنى نشاء ، بل هو تعالى ذكره يحب أن يسأل ، ويطلب مما عنده ، بل يحب الإلحاح عليه في المطلب .
وفي الحديث : « إن الله كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة ، وأحب ذلك لنفسه » (2) .
والدعاء أفضل أنواع العبادة ، وهل الصلاة إلا دعاء ، وفي أصول الكافي عن آل الرسول صلى الله عليه وآله : « ما من أحد أبغض إلى الله ممن يستكبر عن عبادته ، ولا يسأل مما عنده . . . أدع ولا تقل : إن الأمر قد فرغ منه » (3) .
وما من شك أن الباعث على الدعاء هو الإيمان بالله ، والتسليم لأمره ، أما الشيء المطلوب فمن شروطه الرئيسية أن يتعذر حصوله ، وتسد جميع الأبواب دونه إلا بابه الكريم ؛ لأنه تعالى أمر بالسعي ، والعمل ، وفي أصول الكافي عن الإمام
(1) بحث علماء الشيعة في سند الصحيفة السجادية ، وأثبتوا صحته بالدليل القاطع ، ومن أحب الاطلاع عليه فليرجع الى مقدمة الصحيفة ، طبعة الشيخ الآخندي ، وقد تقدم ذلك .
(2) انظر ، الكافي : 2 / 475 ، تحف العقول : 293 ، شرح اصول الكافي : 10 / 245 ، عدة الداعي 143: ، بحار الأنوار : 90 / 374 ، مستدرك الحاكم : 3 / 294 .
(3) انظر ، الكافي : 2 / 466 ، شرح اصول الكافي : 10 / 229 ، وسائل الشيعة : 4 / 1084 ، بحار الأنوار : 90 / 294 ، جواهر الكلام : 7 / 201 و : 12 / 131 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 42

الصادق عليه السلام : « أربعة لا تستجاب لهم دعوة : رجل جالس في بيته ، يقول : أللهم ارزقني . فيقال له : ألم آمرك بالطلب ؟ ورجل كانت له امرأة فدعا عليها فيقال له ألم اجعل أمرها إليك ؟ . ورجل كان له مال فأفسده فيقول : أللهم أرزقني ، فيقال له ، ألم آمرك بالاقتصاد ، ألم آمرك بالإصلاح ؟ ثم قال : « والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً » (1) ، ورجل كان له مال فأدانه بغير بينة ، فيقال له : ألم آمرك بالشهادة ؟ » (2) .
وقد توسع أهل البيت عليهم السلام في المناجاة ، والدعاء ، وأدخلوا فيه فلسفة العقيدة ، وصفات الجلال ، والكمال للذات القدسية ، كقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « يا من دل على ذاته بذاته ، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته » (3) وقول ولده سيد الشهداء عليه السلام : « كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك » (4) ، وقول ولده الإمام السجاد عليه السلام : « الحمد لله الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده » (5) يشيرون بهذا إلى دليل الصديقين المعروف بدليل الوجود .
وأيضاً استوعبت أدعية أهل البيت عليهم السلام الأخلاق النظرية ، والعملية ، والكثير من
(1) الفرقان : 67 .
(2) انظر ، الكافي : 2 / 511 و : 4 / 16 ، وقريب منه في السرائر : 3 / 556 ، الخصال للشيخ الصدوق : 160 ، شرح اصول الكافي : 10 / 304 ، وسائل الشيعة : 7 / 125 ، مستطرقات السرائر : 556 ، بحار الأنوار : 90 / 354 .
(3) انظر ، كتاب التوحيد للصدوق : 35 ، وهو قطعة من دعاء الصباح ، بحار الأنوار : 84 / 339 ، نهج السعادة : 6 / 126 ، تفسير الصافي : 1 / 7 ، حاشية زاد المعاد للمجلسي : 166 .
(4) انظر ، إقبال الأعمال : 348 ، شرح اصول الكافي : 3 / 88 ، البحار : 95 / 225 ، مستدرك سفينة البحار : 7 / 41 .
(5) انظر ، الصحيفة السجادية الكاملة : الدعاء الثاني والعشرون ، وسيأتي الحديث عنه .
في ظلال الصيحيفة السجادية 43

الحكم الخالدة ، وتحديد الدين ، والمتدين الحق . وأيضاً اتخذوا من المناجاة وسيلة للتربية الفاضلة ، والتوجيه إلى العمل من أجل حياة أفضل ، والتحرر من كل ما يوجب التخلف ، ويعاني منه الفرد ، والمجتمع ، بخاصة الفقر ، والجور ، وعبأوا الرأي العام ضد حكام البغي ، والعدوان ، وأعوانهم ، وضد المستغلين ، وطغيانهم .
وأوضحنا ذلك مفصلاً عند شرح الكلمات التي تهدف إلى ذلك ، وتومئ إليه من قريب ، أو بعيد .
وبعد ، فإن الصحيفة السجادية ليست أدعية وكفى ، بل ومدرسة المبدأ ، والعقيدة ، والصبر ، والتضحية ، والتسامح ، والرحمة ، والثورة على الشر ، والفساد بشتى ألوانه ، وأشكاله . . . إلى كل مكرمة ، وفضيلة . أما أسلوب الصحيفة فمن الصعب على أي كاتب أن يصفه على حقيقته ، أو يصف البعد الذي يتركه في نفس القارئ والسامع ، وبحسبي أن أقول : « إن أرواح الملائكة المقربين ، وأنبياء الله أجمعين تتجلى مجسدة في أدعية الإمام زين العابدين » .
وأخيراً أشير أني انتهيت من التنقيب ، والبحث طوال عشرات السنين في آثار آل الرسول صلى الله عليه وآله ، إلى الإيمان بأن الله سبحانه لا يقبل الدعاء ، والطلب ـ حتى من المحق والمطيع ـ إلا بأسلوب يليق بعظمته ، كالتذلل ، والتصاغر ، والاعتراف بالتقصير ، وإن السائل المتوسل لا يستحق شيئاً على الإطلاق ، وإنما يسترحم الرحمن الرحيم ، ويستغفر الجواد الحليم . ولا يصطدم هذا مع ما أوجبه سبحانه على رحمته ، وفضله من جزاء الإحسان بمثله .
والحمد لله حمداً يتقبله منا ، ويرضى به عنا مع الصلاة على محمد وآله صلاة لا ينقطع مددها ، ولا ينتهي عددها .

في ظلال الصيحيفة السجادية 44



في ظلال الصيحيفة السجادية 45


الدعاء الأول

التحميد لله عزوجل
الحمد لله الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين .

الحمد


( الحمد لله ) ألحمد : الثناء بالجميل على المحمود تبجيلاً له ، وتعظيماً ، والثناء على الله بما هو أهله خير ما تفتح به الأقوال ، والأعمال . وهنا سؤال يطرح نفسه ، وهو : هل المراد بحمد الله عزوجل مجرد التسبيح ، والتهليل على حبات المسابح ، أو مفاصل الأصابع ، أو بلا عد ، وحد ، أو أن المراد ما هو أشمل ، وأعم ؟ .
الجواب :يكون ألحمد بالقول الذي يذهب مع الريح ، ولا يترك أي أثر في القلب ، أو الأرض ، ويكون ألحمد بالجهاد ، والبذل ، وإقامة الحق ، والعدل ، ولا يصدر هذا إلا من أرباب النفوس القوية ، والقلوب التقية ، وهذا ألحمد العملي ، وهو الأفضل ، والأكمل عند الله سبحانه .

في ظلال الصيحيفة السجادية 46



هو الأول والآخر

( الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ) الله سبحانه واجب الوجود لذاته ، ومعنى هذا أنه تعالى لا يزال موجوداً بلا علة لوجوده ، وأنه الموجود الأول بلا ابتداء ، ودائم الوجود بلا انتهاء ، وأنه المبدأ الأول لكل الموجودات ، ولو أمكن عدم وجوده لحظة واحدة لم يكن واجب الوجود ، وهو خلاف الفرض ، وعبر الفلاسفة عن هذا المعنى بقولهم : « هو أزلي في القدم ، أبدي في البقاء » (1) . وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « الأول قبل كل شيء ولا قبل له ، والآخر بعد كل شيء و لا بعد له » (2) . وعليه يكون سبحانه الأول والآخر بالنسبة إلى مخلوقاته لا بالنسبة إلى ذاته .


رؤية الخالق

( الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ) الوهم : الخيال ، والتصور ، ومهما سمت العقول فإنها تنتهي إلى حد ، والمخلوق المحدود لا يحيط بالخالق المطلق الذي لا ينتهي إلى حد . أما العيون فلا ترى إلا المادة ، والله منزة عنها . وقال السنة اتباع الأشعري : « إن رؤية الله تعالى ممكنة » (3) ، واستدلوا بظاهر الآية : « وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة » (4) ،
(1) انظر ، الرسائل العشر للشيخ الطوسي : 104، جواهر الفقه للقاضي البراج : 245 ، البرهان للزركشي : 2 / 252 .
(2) انظر ، الكافي : 1 / 142 ، شرح اصول الكافي : 4 / 195 و 206 ، بحار الأنوار : 54 / 167 ، نهج السعادة : 1 / 557 ، تفسير نور الثقلين : 5 / 234 .
(3) انظر ، الفرق بين الفرق : 313 ، شرح مسند أحمد : 14 / 137 ح 7703 ، شرح صحيح مسلم :
=
في ظلال الصيحيفة السجادية 47

ولكن هذا الظاهر غير مراد بنص القرآن الكريم : « لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار » (5) . . . وقوله تعالى : « قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني » (6) . . . وقوله تعالى : « فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم » (7) ، ووجه الجمع بين الآيات أن يكون المراد بقوله تعالى :« ربها ناظرة » أنها تنظر إلى فضله ، وثوابه لا إلى ذاته القدسية ، ومصدر القرآن واحد ، وآياته يفسر بعضها بعضاً (8) .
وفي الحديث : « تفكروا في خلق الله ، ولا تفكروا في ذات الله » (9) ، وإذا تاهت العقول ، وعجزت عن توهم الذات القدسية ، فكيف تراها الأعين ؟ .
ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً ، واخترعهم على مشيته اختراعاً ، ثم
= 3 / 15 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي : 1 / 703 و : 4 / 536 و : 6 / 171 ، تفسير القرطبي : 7 / 55 ، تفسير الجلالين : 213 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض : 1 / 198 ، سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي : 3 / 15 و 56 .
(4) القيامة : 23 .
(5) الأنعام : 103 .
(6) الأعراف : 143 .
(7) النساء : 153 .
(8) بحث هذا الموضوع بدقة في الكتب الكلامية ، والعقائدية ، والتفسيرية ، فراجع على سبيل المثال : كتاب توحيد الشيخ الصدوق : 31 و 108 ، شرح اصول الكافي : 3 / 161 و : 4 / 85 و : 8 / 217 ، أمالي السيد المرتضى : 1 / 29 و : 4 / 127 ، تفسير الميزان : 19 / 35 ، الكافي : 1 / 95 .
(9) انظر ، الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي : 1 / 514 ح 3347 و 3349 ، ولكن بلفظ ( ولا تفكروا في الله فتهلكوا ) ، وكنز العمال : 3 / 106 ح 5705 و 5708 ، فيض القدير شرح جامع الصغير للمناوي : 3 / 345 و 347 ، كشف الخفاء للعجلوني : 1 / 311 ، تفسير الميزان : 4 / 90 و 19 / 53 ، تفسير ابن كثير : 4 / 411 ، الدر المنثور : 2 / 110 و : 6 / 130 ، مجمع الزوائد : 1 / 81 ، إتحاف السادة المتقين : 1 / 162 و : 6 / 536 ، ذيل تأريخ بغداد : 3 / 147 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 48


سلك بهم طريق إرادته ، وبعثهم في سبيل محبته ، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم إليه ، ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخرهم عنه .


واضع الشريعة هو خالق الطبيعة

(ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً ) ابتدع الخلق : أوجده من لا شيء ، وبلا تقليد ، ومحاكاة الخالق سابق إذ لا خالق سواه ( واخترعهم على مشيته اختراعاً ) عطف تفسير على ابتدع الخلق ( ثم سلك بهم طريق إرادته ، وبعثهم في سبيل محبته ) يفترق الإسلام عن غيره من الأديان بأنه يجرد البشرية كلها من حق التشريع ، والتحليل ، والتحريم ، ويحصر الشريعة بخالق الطبيعة ، وليس للنبي منها إلا التبليغ ، أجل ! يترك الإسلام الإمتثال ، والتنفيذ ، لحرية الإنسان بعد أن يأمره بالخير ، وينهاه عن الشر ، ويبشره بالثواب على الطاعة ، وينذره بالعقاب على المعصية ، ولا يلجئه قهراً على فعل واجب ، ولا ترك محرم حيث لا إنسانية بلا حرية ، ومعنى هذا أن الإنسان مسير تشريعاً ، مخير تنفيذاً ، ومسؤول عن سلوكه ، وتصرفاته ، فإذا امتنع بإرادته ، واختياره عن فعل الواجب ، وترك المحرم استحق العقاب ؛ لأن من امتنع عن الأختيار فقد إختار أن لا يختار .
وبهذه التفرقة بين التشريع ، والتنفيذ يتضح مراد الإمام عليه السلام بقوله : ( سلك بهم طريق إرادته . . . وأنه تعالى قد بين حلاله ، وحرامه لعباده في كتبه ، وعلى لسان رسله ، ليتقوا ، ويهتدوا ، ويعلموا متعاضدين لحياة أفضل ، وأكمل ، وفي هذا المعنى العديد من الآيات ، منها : « كذلك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون » (1) ، وفي
(1) آل عمران : 103 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 49

ثانية : « لعلكم ترحمون » (1) ، وثالثة : « لعلكم تعقلون » (2) ، ورابعة : « لعلكم تسلمون » (3) ، وخامسة : « لعلكم تفلحون » (4) ، ولأمر ما كرر القرآن هذه الآية : « تفلحون » أكثر من عشر مرات .
( لا يملكون تأخيراً عما قدمهم إليه ، ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخرهم عنه ) المراد بما قدمهم إليه ما أمرهم به ، وحثهم على فعله ، والمراد بما أخرهم عنه ما نهاهم عن فعله ، وألزمهم بتركه ، والمعنى أن التشريع ، والتحليل ، والتحريم لله وحده ولا شيء منه للفرد ، أو لأية فئة ، أو هيئة كما أشرنا . وفي نهج البلاغة : « واعلموا . . . أن ما أحدث الناس لا يحل لكم شيئاً مما حرم عليكم ، ولكن الحلال ما أحل الله والحرام ما حرم الله » (5) ، أي أن هذه التشريعات التي تصدر عن الكنائس ، ومجالس النواب وغيرها ـ لا تغير شيئاً من حكم الله تعالى ، ولا تؤخر ( أي تحرم ما أحل الله ) ، ولا تقدم ( أي لا تحلل ما حرم الله ) .
وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه ، لا ينقص من
(1) انظر ، آل عمران : 132 ، الأنعام : 155 ، الأعراف : 63 و 203 ، النور : 56 ، النمل : 46 ، يس : 45 ، الحجرات : 10 .
(2) لا توجد آية لعلكم تعملون ، بل « لعلكم تعقلون » ، كما جاء في سورة البقرة : 73 و 242 ، والأنعام : 151 ، ويوسف : 2 ، والنور : 61 ، وغافر : 67 ، والزخرف : 3 ، والحديد : 17 . وربما يقصد الشيخ قدس سره لعلكم تعملون عمل اهل التقوى ، كما جاء في تفسير جوامع الجامع للشيخ الطبرسي : 1 / 180 ، أو يقصد لعلكم تعلمون : أي تهتدون ، كما جاء في البحار : 13 / 233 ، وتفسير الصافي : 1 / 132 ، وتأويل الآيات : 1 / 59 .
(3) انظر ، النحل : 81 .
(4) انظر ، البقرة : 189 ، آل عمران : 130 و 200 ، المائدة : 35 و 90 و 100 ، الأعراف : 69 ، الحج : 77 ، النور : 31 .
(5) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2 / 514 طبعة مصر .
في ظلال الصيحيفة السجادية 50

زاده ناقص ، ولا يزيده من نقص منهم زائد .


الرزق

( وجعل لكل روح منهم قوتاً . . . ) « وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين » (1) ، بالسعي مع القدره عليه ؛ لأن لكل شيء داعيه ، وسبباً ، وقصة مريم : « كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً » (2)، هي قضية في واقعة خاصة ، وكرامة من الله لمريم عليها السلام . قال سبحانه : « هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور » (3) فالسعي طريق لابد من سلوكه ، ولكن يجب أن لا يذهل عن الله سبحانه ، فكم من فقير استغنى ، ومن غني افتقر بالمخبآت ، والمفاجآت التي لا يعلم بها إلا الله .
ولا بد من التنبيه إلى أن الحرام من رزق الشيطان ، ومحال أن يكون من الرحمن ، كيف وقد نهى عنه ؟ وقال : « اولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار » (4) . أما من عجز عن السعي فإنه يرزق بسبب طبيعي كالجنين في الرحم ، أو عاطفي كرب العيال ، والأطفال يسعى لهم ، أو من الصدقات ، وبيت المال كالمقعدين الذين لا معيل لهم ، ولا كفيل ، ومهما يكن فكل الأسباب ، ووسائل العيش تنتهي إليه تعالى ؛ لأنه خالق كل شيء حتى العاطفة في قلب المعين هو باعثها . وقول الإمام عليه السلام : ( لا ينقص من زاده ـ الله ـ ناقص ، ولا يزيده من نقص منهم زائد ) يريد به أن كل
(1) هود : 6 .
(2) آل عمران : 37 .
(3) الملك : 15 .
(4) البقرة : 174 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي