حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 179

بعدها ، ذكره الله في القرآن ما هو ؟
فقال عليه السلام : طور سيناء «الجبل الذي» اطاره الله عز وجل على بني اسرائيل حين اظلهم بجناح منهم ، فيه الوان العذاب ، حتى قبلوا التوراة ، وذلك قوله تعالى (1) :««واذ نتقنا الجبل فوقهم كانه ظلة وظنوا انه واقع بهم» (2) .
من هذا القليل وغيره الكثير ، مما ورد في كتاب الله الكريم ، وما جاء به بنو اسرائيل واليهود ، والنصارى والصابئين من بدع وانحرافات وخرافات ، ادت الى ابتعاد الناس عن انبيائهم وعن رسائلهم السماوية .
ظلت البشرية وابتعدت عن الحق والى يومنا هذا حيث نرى الحق لا يُعمل به والباطل لا يتناها عنه ، كل ذلك بسبب الابتعاد عن الرسالة والرسل ، وكل ما نعاني اليوم من الانحرافات العقائدية والاخلاقية يعود الاصل الى تلك الايام ...
قصة ذبح البقرة


روي ان رجلا من خيار بني اسرائيل وعلمائهم خطب امراة منهم فانعمت له «اي قبلته» ، وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا رديئا فلم ينعموا له «اي لم يقبلوه» ، فحسد ابن عمه الذي انعموا له فقعد له فقتله غيلة ، ثم حمله الى موسى عليه السلام .
فقال : يا نبي الله هذا ابن عمي فقد قتل ، فقال موسى عليه السلام : من قتله ؟ قال : لا ادري ، وكان القتل في بني اسرائيل عظيما جدا ، فعظم ذلك على موسى .
فاجتمع اليه بنو اسرائيل فقالوا : ما ترى يا نبي الله ؟ وكان في بني اسرائيل
1ـ الاحتجاج : ص179 عن المناقب ج10 ص156.
2ـ الاعراف : 171.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 180

رجل له بقرة وكان له ابن بار ، وكان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته وكان مفتاح بيته تحت راس ابيه وكان نائما ، وكره ابنه ان ينبهه وينغص عليه نومه فانصرف القوم فلم يشتروا سلعته ، فلما انتبه ابوه قال له : يا بني ماذا صنعت في سلعتك ؟ قال : هي قائمة لم ابعها ، لان المفتاح كان تحت راسك فكرهت ان انبهك وانغص عليك نومك .
قال له ابوه : قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك ، وشكر الله لابنه ما فعل بابيه .
امر موسى بني اسرائيل ان يذبحوا تلك البقرة بعينها ، فلما اجتمعوا الى موسى وبكوا وضجوا قال لهم موسى : «ان الله يامركم ان تذبحوا بقرة» فتعجبوا وقالوا :«اتتخذنا هزوا» ناتيك بقتيل فتقول : اذبحوا بقرة .
فقال لهم موسى : «اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين» فعلموا انهم قد اخطؤوا فقالوا : «ادع لنا ربك يبين لنا ماهي قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر» والفارض التي قد ضربها الفحل ولم تحمل ، والبكر التي لم يضربها الفحل .
فقالوا : «ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ، قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها» اي شديدة الصفرة «تسر الناظرين» اليها «قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون ، قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض» اي لم تذلل «ولا تسقي الحرث» اي لا تسقي الزرع «مسلمة لاشية فيها» اي لا نقطة فيها الا الصفرة .
«قالوا الآن جئت بالحق» هي بقرة فلان .
فذهبوا ليشتروها فقال : لا ابيعها الا بملء جلدها ذهبا .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 181

فرجعوا الى موسى عليه السلام فاخبروه فقال لهم موسى : لا بد لكم من ذبحها بعينها ، فاشتروها بملء جلدها ذهبا فذبحوها .
ثم قالوا : يا نبي الله ما تامرنا ؟ فاوحى الله تبارك وتعالى اليه قل لهم : اضربوه ببعضها وقولوا : من قتلك ؟
فاخذوا الذَنَب فضربوه به وقالوا : من قتلك يا فلان ؟ فقال : فلان ابن فلان ابن عمي الذي جاء به ، وهو قوله : «فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون» (1) (2) .
وكان السبب فيه على ما ذكره السدي وغيره ان رجلا من بني اسرائيل كان بارا بابيه ، وبلغ من بره ان رجلا اتاه بلؤلؤة فابتاعها بخمسين الفا ، وكان فيها فضل وربح ، فقال للبائع : ان ابي نائم ، ومفتاح الصندوق تحت راسه .
فامهلني حتى يستقيظ فاعطيك الثمن .
قال : فايقظ اباك واعطني المال .
قال : ماكنت لافعل ، ولكن ازيدك عشرة آلاف فانظرني حتى ينتبه ابي .
فقال الرجل : فانا احط عنك عشرة آلاف ان ايقظت اباك وعجلت النقد .
فقال : وانا ازيدك عشرين الفا ان انتظرت انتباهة ابي ، ففعل ولم يوقظ اباه .
فلما استيقظ ابوه اخبره بذلك فدعا له وجزاه خيرا ، وقال : هذه البقرة لك بما صنعت ، فقال رسول الله : انظروا ماذا صنع به البر (3) .
1ـ البقرة : 67ـ 73.
2ـ تفسير القمي ص41 عنه البحار ج13 ص259.
3ـ نفس المصدر .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 182

قصة موسى والخضر عليهما السلام


اخبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قريشا بخبر اصحاب الكهف قالوا :اخبرنا عن العالم الذي امر الله موسى ان يتبعه وما قصته ، فانزل الله عز وجل : «واذ قال موسى لفتاه لا ابرح حتى ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا» (1) قال : وكان سبب ذلك انه لما كلم الله موسى تكليما وانزل الله عليه الالواح وفيها كما قال الله : «وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء» (2) .
رجع موسى الى بني اسرائيل فصعد المنبر فاخبرهم ان الله قد انزل عليه التوراة وكلمه ، قال في نفسه : ما خلق الله خلقا اعلم مني فاوحى الله الى جبرئيل ، ادرك موسى فقد هلك ، واعلمه ان عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجل اعلم منك فصر اليه وتعلم من علمه .
فنزل جبرئيل على موسى عليه السلام واخبره فذل موسى في نفسه وعلم انه اخطا ودخله الرعب ، وقال لوصيه يوشع : ان الله قد امرني ان اتبع رجلا عند ملتقى البحرين واتعلم منه ، فتزود يوشع حوتا مملوحا وخرجا ، فلما خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستلقيا على قفاه فلم يعرفاه ، فاخرج وصي موسى الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصخرة ومضيا ونسيا الحوت ، وكان ذلك الماء ماء الحيوان فحيي الحوت ودخل في الماء ، فمضى موسى عليه السلام ويوشع معه حتى عييا ، فقال لوصيه : «آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا» (3) اي عناء ، فذكر وصيه السمكة فقال لموسى : اني نسيت الحوت على الصخرة ،
1ـ الكهف : 60.
2ـ الاعراف : 145.
3ـ الكهف : 62.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 183

فقال موسى : ذلك الرجل الذي رايناه عند الصخرة هو الذي نريده .
فرجعا على آثارهما قصصا الى عند الرجل وهو في الصلاة ، فقعد موسى حتى فرغ عن الصلاة ، فسلم عليه موسى فانكر السلام اذ كان بارض ليس بها سلام .
فقال : من انت ؟ قال : انا موسى بن عمران ، قال : انت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما ؟ قال : نعم .
قال : فما حاجتك ؟ قال : جئت لتعلمني مما علمت رشدا .
قال : اني وكلت بامر لا تطيقه ، ووكلت ـ بامر لا اطيقه ، ثم حدثه العالم بما يصيب آل محمد من البلاء حتى اشتد بكاؤهما ، ثم حدثه عن فضل آل محمد حتى جعل موسى يقول : يا ليتني كنت من آل محمد ، وحتى ذكر فلانا وفلانا ومبعث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الى قومه ، وما يلقى منهم ومن تكذيبهم اياه ، وذكر له تاويل هذه الآية : «ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة» (1) حين اخذ الميثاق عليهم .
فقال له موسى : «هل اتبعك على ان تعلمن مما علمت رشدا» (2) .
فقال الخضر : «انك لن تستطيع معي صبرا ، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا» (3) فقال موسى : «ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا» .
قال الخضر : «فان اتبعتني فلا تسالني عن شيء حتى احدث لك منه
1ـ الانعام : 110.
2ـ الكهف : 66.
3ـ الكهف : 67ـ 68.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 184

ذكرا» (1) .
يقول : لا تسالني عن شيء افعله ولا تنكره علي حتى اخبرك انا بخبره ، قال : نعم ، فمروا ثلاثتهم حتى انتهوا الى ساحل البحر ، وقد شحنت سفينة وهي تريد ان تعبر ، فقال ارباب السفينة : نحمل هؤلاء الثلاثة نفر فانهم قوم صالحون .
فحملوهم فلما جنحت السفينة في البحر قام الخضر الى جوانب السفينة فكسرها وحاشاها بالخرق والطين ، فغضب موسى عليه السلام غضبا شديدا ، وقال للخضر : «اخرقتها لتغرق اهلها لقد جئت شيئا امرا» فقال له الخضر : «الم اقل لك انك لن تستطيع معي صبرا» قال موسى : «لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من امري عسرا» (2) .
فخرجوا من السفينة فنظر الخضر الى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه كانه قطعة قمر ، وفي اذنيه درتان ، فتامله الخضر ثم اخذه وقتله ، فوثب موسى الى الخضر وجلد به الارض فقال : «اقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا» فقال الخضر له : «الم اقل لك انك لن تستطيع معي صبرا» .
قال موسى : «ان سالتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا» .
فانطلقا حتى اذا اتيا بالعشي قرية تسمى الناصرة واليها تنسب النصارى ولم يضيفوا احدا قط ولم يطعموا غريبا ، فاستطعموهم فلم يطعموهم ولم يضيفوهم ، فنظر الخضر عليه السلام الى حائط قد زال لينهدم ، فوضع الخضر يده عليه ، وقال : قم باذن الله فقام ، فقال موسى عليه السلام : لم ينبغ ان تقيم الدار حتى يطعمونا
1ـ الكهف 69ـ 70.
2ـ الكهف 73.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 185

ويؤوونا وهو قوله : «قال لو شئت لتخذت عليه اجراس» فقال له الخضر عليه السلام : «هذا فراق بيني وبينك سانبئك بتاويل مالم تستطع عليه صبرا» .
اما السفينة التي فعلت بها ما فعلت فانها كانت لقوم مساكين يعملون في البحر فاردت ان اعيبها وكان وراء السفينة ملك ياخذ كل سفينة صالحة غصبا ، واذا كانت السفينة معيوبة لم ياخذ منها شيئا .
واما الغلام قتلته كان ابواه مؤمنين وهو كافر ، لانني رايت مطبوعا على جبينه مكتوب «هذا كافر» فخشيت ان يتعب ابواه ويسبب لهما سوء وانحرافات وآلام لهم ولبقية الناس في المستقبل .
وقد ابدلهما الله به جارية ولدت لهم سبعين نبيا (1) .
واما الجدار الذي اقمته ، لقد امرني الله ببناءه بسبب جميل واحسان ابوي هذين اليتيمين حيث كان تحته كنز وخفت ان ينكشف ويكون معرضا للخطر .
كانت هذه الاعمال من الخضر حسب مخطط وتوجيه من قبل الله تعالى وبامر من الله ، وذلك سر ما لم يستطع موسى عليه السلام عليه صبرا .
«فانطلقا حتى اذا لقيا غلاما فقتله قال اقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا * قال الم اقل لك انك لن تستطيع معي صبرا * قال ان سالتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا * فانطلقا حتى اذا اتيا اهل قرية استطعما اهلها فابَوا ان يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقض فاقامه قال لو شئت لتخذت عليه اجرا * قال هذا فراق بيني وبينك سانبئك بتاويل ما لم تستطع عليه صبرا * اما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فاردت ان اعيبها وكان وراءهم ملك ياخذ كل سفينة غصبا * واما
1ـ تفسير نور الثقلين : ج3 ص286.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 186

الغلام فكان ابواه مؤمنَين فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا * فاردنا ان يبدلهما ربهما خيرا منه زكوة واقرب رحما * واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا فاراد ربك ان يبلغا اشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن امري ذلك تاويل مالم تسطع عليه صبرا» .

وفاة موسى عليه السلام


عن ابن عمارة ، عن ابيه قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليه السلام : اخبرني بوفاة موسى بن عمران عليه السلام فقال له : انه لما اتاه اجله واستوفى مدته وانقطع اكله اتاه ملك الموت فقال له : السلام عليك يا كليم الله .
فقال موسى : وعليك السلام من انت قال : انا ملك الموت .
قال ما الذي جاء بك ؟ قال : جئت لاقبض روحك .
فقال له موسى عليه السلام : من اين تقبض ورحي ؟ قال : من فمك .
قال له موسى عليه السلام : كيف وقد كلمت ربي جل جلاله ؟ قال : فمن يديك .
قال : كيف وقد حملت بهما التوراة ؟ قال : فمن رجليك ، قال : كيف وقد وطئت بهما طور سيناء ؟
قال : فمن عينيك قال : كيف ولم تزل الى ربي بالرجاء ممدودة ؟ قال فمن اذنيك قال : وكيف وقد سمعت بهما كلام ربي جل وعز ؟
قال : فاوحى الله تبارك وتعالى الى ملك الموت ؟ لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ذلك .
وخرج ملك الموت فمكث موسى ما شاء الله ان يمكث ، وبعد ذلك ، دعا
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 187

يوشع بن نون فاوصى اليه وامره بكتمان امره وبان يوصي بعده الى من يقوم بالامر .
وغاب موسى عليه السلام عن قومه فمر في غيبته برجل وهو يحفر قبرا ، فقال له : الا اعينك على حفر هذا القبر ؟ فقال له الرجل : بلى ، فاعانه حتى حضر القبر وسوى اللحد ، ثم اضطجع فيه موسى بن عمران عليه السلام لينظر كيف هو ، فكشف له عن الغطاء فراى مكانه من الجنة ، فقال : يا رب اقبضني اليك ، فقبض ملك الموت روحه مكانه ، ودفنه في القبر ، وسوى عليه التراب .
وكان الذي يحفر القبر ملك في صورة آدمي ، وكان ذلك في التيه ، فصاح صائح من السماء : مات موسى كليم الله ، فاي نفس لا تموت (1) .
عن عبد الله بن مسعود قال : قلت للنبي صلى الله عليه واله وسلم : يا رسول الله من يغسلك اذا مت ؟ فقال : يغسل كل نبي وصيه ، قلت : فمن وصيك يا رسول الله ؟ قال : علي بن ابي طالب ، فقلت : كم يعيش بعدك يا رسول الله ؟ قال : ثلاثين سنة .
فان يوشع بن نون وصي موسى عاش من بعده ثلاثين سنة ، وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوج موسى فقالت : انا احق بالامر منك ، فقاتلها فقتل مقاتلتها واسرها فاحسن اسرها ، وان ابنة ابي بكر ستخرج على علي في كذا وكذا الفا من امتي فيقاتلها فيقتل مقاتلتها وياسرها فيحسن اسرها ، وفيها انزل الله تعالى : «وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى» (2) يعني صفراء بنت شعيب «اي بمعنى لا تبرجن كما تبرجت صفراء بنت شعيب في
1ـ بحار الانوار : ج13 ص365.
2ـ الاحزاب : 33.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 188

الجاهلية الاولى» (1) . وذلك لما توفي موسى عليه السلام قام بالامر يوشع بن نون ، واوذي من قبل الطواغيت وصبر على الاذي والضراء والجهد حتى مضى منهم ثلاثة طواغيت فقوي بعدهم امره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى واخرجوا معهم ـ صفراء بنت شعيب ـ امراة موسى عليه السلام في مائة الف رجل فقاتلوا يوشع بن نون فغلبهم وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وهزم الباقين باذن الله تعالى ، واسر صفراء بنت شعيب ، وقال لها : قد عفوت عنك في الدنيا الى ان نلقي نبي الله موسى فاشكو اليه ما لقيت منك ومن قومك .
فقالت صفراء : واويلاه ، والله لو ابيحت لي الجنة لاستحييت ان ارى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه وخرجت على وصيه بعده (2) .

مناجاة موسى عليه السلام وما اوصي من الحكم


عن عبد العظيم الحسني ، عن ابي الحسن العسكري عليه السلام قال : لما كلم الله عز وجل موسى بن عمران عليه السلام .
قال موسى : الهي ما جزاء من شهد اني رسولك ونبيك وانك كلمتني ؟ قال : يا موسى تاتيه ملائكتي فتبشره بجنتي .
قال موسى : الهي فما جزاء من قام بين يديك يصلي ؟ قال : يا موسى اباهي به ملائكتي راكعا وساجدا وقائما وقاعدا ، ومن باهيت به ملائكتي لم اعذبه .
قال موسى : الهي فما جزاء من اطعم مسكينا ابتغاء وجهك ؟ قال : يا موسى آمر مناديا ينادي يوم القيامة على رؤوس الخلائق ان فلان بن فلان من
1ـ كمال الدين : 17 وللحديث ذيل طويل .
2ـ كمال الدين : 91ـ 92 وامالي الصدوق : 140.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 189

عتقاء الله من النار .
قال موسى : الهي فما جزاء من وصل رحمه ؟ قال : يا موسى انسي له اجله واهون عليه سكرات اموت ويناديه خزنة الجنة هلم الينا فادخل من اي ابوابها شئت .
قال موسى : الهي فما جزاء من كف اذاه عن الناس وبذل معروفه لهم ؟ قال يا موسى تناديه النار يوم القيامة : لا سبيل لي عليك .
قال : الهي فما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه ؟ قال : يا موسى اظله يوم القيامة بظل عرشي واجعله في كنفي .
قال : الهي فما جزاء من تلا حكمتك سترا وجهرا ؟ قال : يا موسى يمر على الصراط كالبرق .
قال : الهي فما جزاء من صبر على اذى الناس وشتمهم فيك ؟ قال : اعينه على اهوال يوم القيامة .
قال : الهي فما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك ؟ قال : يا موسى اقي وجهه من حر النار ، واومنه يوم الفزع الاكبر .
قال : الهي فما جزاء من ترك الخيانة حياء منك ؟ قال : يا موسى له الامان يوم القيامة .
قال : الهي فما جزاء من احب اهل طاعتك ؟ قال : يا موسى احرمه على ناري .
قال : الهي فما جزاء من قتل مؤمنا متعمدا ؟ قال : لا انظر اليه يوم القيامة ، ولا اقيل عثرته .
قال : الهي فما جزاء من دعا نفسا كافرة الى الاسلام ؟ قال : يا موسى آذن
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 190

له في الشفاعة يوم القيامة لمن يريد .
قال : الهي فما جزاء من اتم الوضوء من خشيتك ؟ قال : ابعثه يوم القيامة وله نور بين عينيه يتلالا .
قال : الهي فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسبا ؟ قال : يا موسى اقيمه يوم القيامة مقاما لا يخاف فيه .
قال : الهي فما جزاء من صام شهر رمضان يريد به الناس ؟ قال : يا موسى ثوابه كثواب من لم يصمه (1) .

فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران عليه السلام


عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال : في التوراة مكتوب فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران عليه السلام انه قال :
يا موسى خفني في سر امرك احفظك من وراء عورتك ، واذكرني في خلواتك وعند سرور لذاتك اذكرك عند غفلاتك ، واملك غضبك عمن ملكتك عليه اكف عنك غضبي ، واكتم مكنون سري في سريرتك ، واظهر في علانيتك المداراة عني لعدوي وعدوك من خلقي ، ولا تستسب (2) لي عندهم باظهارك مكنون سري فتشرك عدوك وعدوي في سبي (3) .
عن المفضل قال : سمعت مولاي الصادق عليه السلام يقول : كان فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران عليه السلام ان قال له :
1ـ امالي الصدوق : 125 عنه البحار : ج13 ص328.
2ـ استسب له : عرضه للسب وجره اليه .
3ـ نفس المصدر : 210ح مجلس 44.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 191

يا ابن عمران كذب من زعم انه يحبني فاذا جنه الليل نام عني ، اليس كل محب يحب خلوة حبيبه ؟ ها انا ذا يا ابن عمران مطلع على احبائي اذا جنهم الليل حولت ابصارهم من قلوبهم ، ومثلت عقوبتي بين اعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، ويكلموني عن الحضور .
يا ابن عمران هب لي من قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع ، ومن عينيك الدموع في ظلم الليل ، وادعني فانك تجدني قريبا مجيبا (1) .
قال موسى بن عمران عليه السلام : يا رب اوصني ؛ قال : اوصيك بي ، فقال : يا رب اوصني ، قال : اوصيك بي ـ ثلاثا ـ فقال : يا رب اوصني : قال : اوصيك بامك ، قال : يا رب اوصني ، قال : اوصيك بامك ، قال : اوصني ، قال : اوصيك بابيك ، قال : فكان يقال لاجل ذلك ان للام ثلثا البر ، وللاب الثلث (2) .
يا موسى ان انقطع حبك مني لم يتصل بحبل غيري ، فاعبدني وقم بين يدي مقام العبد الحقير ، ذم نفسك وهي اولى بالذم ، ولا تتطاول على بني اسرائيل بكتابي ، فكفى بهذا واعظا لقلبك ومنيرا ، وهو كلام رب العالمين جل وتعالى .
يا موسى متى ما دعوتني وجدتني ، فاني ساغفر لك على ما كان منك ، السماء تسبح لي وجلا ، والملائكة من مخافتي مشفقون ، وارضي تسبح لي طمعا ، وكل الخلق يسبحون لي داخرين .
يا موسى اكرم السائل اذا اتاك برد جميل او اعطاء يسير ، فانه ياتيك من ليس بانس ولا جان ، ملائكة الرحمن يبلونك كيف انت صانع فيما اوليتك ، وكيف مواساتك فيما خولتك ، فاخشع لي بالتضرع ، واهتف بولولة الكتاب ،
1ـ نفس المصدر : 214.
2ـ نفس المصدر : 305.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 192

واعلم اني ادعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل ، وذلك من فضلي عليك وعلى آبائك الاولين .
يا موسى لا تنسني على كل حال ، ولا تفرح بكثرة المال فان نسياني يقسي القلوب ومع كثرة المال كثرة الذنوب ، الارض مطيعة ، والسماء مطيعة ، والبحار مطيعة ، فمن عصاني شقي ، فانا الرحمن رحمن كل زمان ، آتي بالشدة بعد الرخاء ، وبالرخاء بعد الشدة ، وبالملوك بعد الملوك ، وملكي قائم دائم لا يزول ، ولا يخفى علي شيء في الارض ولا في السماء ، وكيف يخفى علي ما مني مبدؤه ؟ وكيف لا يكون همك فيما عندي والي ترجع لا محالة .
يا موسى اجعلني حرزك ، وضع عندي كنزك من الصالحات ، وخفني ولا تخف غيري الي المصير .
يا موسى عجل التوبة ، واخر الذنب ، وتان في المكث بين يدي في الصلاة ، ولا ترج غيري ، اتخذني جنة للشدائد ، وحصنا لملمّات الامور .
يا موسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم ، واكثر ذكري بالليل والنهار تغنم ، ولا تتبع الخطايا فتندم ، فان الخطايا موعدها النار .
يا موسى طب نفسا عن الدنيا وانطو عنها ، فانها ليست لك ولست لها ، مالك ولدار الظالمين الا لعامل فيها بخير فانها له نعم الدار .
يا موسى اذا رايت الغنى مقبلا فقل : ذنب عجلت عقوبته ، واذا رايت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، ولا تكن جبارا ظلوما ، ولا تكن للظالمين قرينا .
يا موسى انظر الى الارض فانها عن قريب قبرك ، وارفع عينيك الى السماء فان فوقك فيها ملكا عظيما ، وابك على نفسك ما كنت في الدنيا ، وتخوف العطب
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 193

والمهالك ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها ، ولا ترض بالظلم ولا تكن ظالما فاني للظالم بمرصد حتى اديل (1) منه المظلوم .
يا موسى اذا رايت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، واذا رايت الغنى مقبلا فقل : ذنب عجلت عقوبته ، ان الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عند خطيئته ، وجعلتها ملعونة ملعونا ما فيها الا ما كان فيها لي .
يا موسى لا تنسني على كل حال ، فان نسياني يميت القلب .
يا موسى احفظ وصيتي لك باربعة اشياء :
اولاهن : ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشتغل بعيوب غيرك .
والثانية : ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتم بسبب رزقك .
والثالثة : ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج احدا غيري .
والرابعة : ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تامن مكره .

ارادة بني اسرائيل


محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن سدير قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : ان بني اسرائيل اتوا موسى عليه السلام فسالوه ان يسال الله عز وجل ان يمطر السماء عليهم اذا ارادوا ، ويحبسها اذا ارادوا ، فسال الله عز وجل ذلك لهم ، فقال الله عز وجل : ذلك لهم يام موسى .
فاخبرهم موسى فحرثوا ولم يتركوا شيئا الا زرعوه ، ثم استنزلوا المطر على ارادتهم وحبسوه على ارادتهم ، فصارت زروعهم كانها الجبال والآجام ، ثم
1ـ الادالة : بمعنى النصرة والغلبة ، اي حتى انصر منه المظلوم .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 194

حصدوا وداسوا وذروا فلم يجدوا شيئا ، فضجوا الى موسى عليه السلام وقالوا : انما سالناك ان تسال الله يمطر السماء علينا اذا اردنا فاجبنا ، ثم صيرها علينا ضررا .
فقال : يا رب ان بني اسرائيل ضجوا مما صنعت بهم ، فقال : ومم ذاك يا موسى ؟ قال : سالوني ان اسالك ان تمطر السماء اذا ارادوا ، وتحبسها اذا ارادوا فاجبتهم ، ثم صيرتها عليهم ضررا ، فقال : يا موسى انا كنت المقدر لبني اسرائيل فلم يرضوا بتقديري فاجبتهم الى ارادتهم فكان ما رايت .

مناجاة موسى عليه السلام


عن ابي جعفر عليه السلام قال : مكتوب في التوراة التي لم تغير ، ان موسى سال ربه فقال : يا رب اقريب انت مني فاناجيك ، ام بعيد فاناديك ؟ فاوحى الله عز وجل اليه : يا موسى انا جليس من ذكرني فقال موسى : فمن في سترك يوم لا ستر الا سترك ؟ قال : الذين يذكرونني فاذكرهم ، ويتحابون فيّ فاحبهم ، فاولئك الذين اذا اردت ان اصيب اهل الارض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم (1) .

اربع مقابل اربع


عن رفاعة قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : اربع في التوراة والى جنبهن اربع : من اصبح على الدنيا حزينا فقد اصبح على ربه ساخطا ، ومن اصبح يشكو مصيبة نزلت به فانما يشكو ربه ، ومن اتى غنيا فخضع له ليصيب من دنياه فقد ذهب ثلثا دينه ، ومن دخل النار ممن قرا القرآن فانما هو ممن كان يتخذ آيات الله
1ـ اصول الكافي : ج2 ص496.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 195

هزوا ، والاربع التي الى جنبهن : كما تدين تدان ، ومن ملك استاثر ، ومن لم يستشر ندم ، والفقر هو الموت الاكبر (1) .

العبد المؤمن


فيما اوحى الله جل وعز الى موسى بن عمران : يا موسى ما خلقت خلقا احب الي من عبدي المؤمن ، واني انما ابتليته لما هو خير له ، واعافيه لما هو خير له ، وانا اعلم بما يصلح عبدي عليه ، فليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي ، وليرض بقائي ، اكتبه في الصديقين عندي اذا عمل برضائي واطاع امري (2) .

مصلحة الارزاق


عن ابي جعفر عليه السلام قال : بينا موسى عليه السلام يمشي على ساحل البحر اذ جاء صياد فخر للشمس ساجدا وتكلم بالشرك ، ثم القى شبكته فخرجت مملوءة ، ثم القاها فخرجت مملوءة ، ثم اعادها فخرجت مملوءة فمضى ، ثم جاء آخر فتوضا وصلى وحمد الله واثنى عليه ثم القى شبكته فلم يخرج شيئا ، ثم اعاد فخرجت سمكة صغيرة فحمد الله واثنى عليه وانصرف .
فقال موسى عليه السلام : يا رب عبدك الكافر تعطيه مع كفره ، وعبدك المؤمن لم تخرج له غير سمكة صغيرة ؟ فاوحى الله اليه انظر عن يمينك ، فكشف له عما اعد الله لعبده المؤمن ، ثم قال : انظر عن يسارك فكشف له عما اعد الله للكافر فنظر ، ثم قال يا موسى : ما نفع هذا الكافر ما اعطيته ، ولا ضر هذا المؤمن ما منعته ، فقال
1ـ امالي بن الطوسي : 143.
2ـ نفس المصدر : 149.

السابق السابق الفهرس التالي التالي