حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 142

على ذلك مدة ونزلها الجرهميون ، وتزوج اسماعيل امراة منهم وماتت امه هاجر ، استاذن ابراهيم سارة ان ياتي هاجر فاذنت له وشرطت عليه ان يبيت عندها .
فقدم ابراهيم عليه السلام وقد ماتت هاجر ، فذهب الى بيت اسماعيل فوجد زوجته فقال لها : اين صاحبك ؟ فقالت : ليس هو ههنا ذهب يتصيد ، وكان اسماعيل عليه السلام يخرج من الحرم فيتصيد ثم يرجع .
فقال لها ابراهيم : هل عندك ضيافة ؟ قالت : ليس عندي شيء وما عندي احد ، فقال لها ابراهيم : اذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له : فليغير عتبة بابه ، وذهب ابراهيم عليه السلام وجاء اسماعيل عليه السلام ووجد ريح ابيه فقال لامراته : هل جاء احد ؟ قالت جاءني شيخ صفته كذا وكذا ـ كالمستخفة بشانه ـ قال : فما قال لك ؟ قالت : قال لي : اقرئي زوجك السلام وقولي له : فليغير عتبة بابه ، فطلقها وتزوج اخرى «لانها كانت سيئة الخلق والادب» .
فلبث ابراهيم ما شاء الله ان يلبث ، فزار ابنه اسماعيل بعد ذلك فلما وصل الى البيت ، فقال لامراته : اين صاحبك . قالت : يتصيد وهو يجيء الان انشاء الله فانزل يرحمك الله ، قال لها : هل عندك ضيافة ؟ قالت : نعم فجاءت باللبن واللحم فدعا لها بالبركة ، فقالت له : انزل حتى اغسل راسك ، فلم ينزل ، فبقى واقفا وهي تغسل راسه وقدميه ، بعد ان انتهت من ذلك ودعها وقال لها : اذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له : قد استقامت عتبة بابك واوصيك بها خيرا فلما جاء اسماعيل وجد ريح ابيه فقال لامراته : هل جاءك احد ؟ قالت : نعم شيخ احسن الناس وجها واطيبهم ريحا وقال لي كذا وكذا ، وغسلت قدميه ، وهذا موضع قدميه على المقام ، قال لها اسماعيل : ذاك ابراهيم عليه السلام ابي .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 143

الامتحان الصعب :


قال تعالى : «فلما بلغ معه السعي قال يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين» (1) .
فلما بلغ السعي اسماعيل وشب واخذ يسعى ويمشي ويتصرف تصرف الرجال ويعين اباه على اموره ، قالوا كان عمره يومئذ ثلاث عشرة سنة راى ابراهيم عليه السلام في المنام انه يذبحه «والمعروف ان منام الانبياء لا تكون الا صحيحة» ، وقال لولده اسماعيل يا بني اني رايت رؤيا وتاويلها الامر بذبحك ماذا تقول ؟ قال اسماعيل لابيه ، الراي رايك يا ابتي وافعل ما امرك الله ، وسلم امره الى ابيه واستسلم للذبح .
بعد ذلك هيا اسباب الذبح واستعد لذلك وادى ابراهيم مناسك حجه ، فلما فرغ من السعي وكان معه ولده اسماعيل ، ذهبا الى منى يوم النحر «كان ذلك يوم العيد في العاشر من ذي الحجة» ، فلما انتهى به الى الجمرة الوسطى اضجعه لجنبه الايسر واخذ السكين ليذبحه سمع نداء من السماء يقول «ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا» لا تذبح ابنك ، عند ذلك جاءه جبرئيل عليه السلام ومعه كبش عظيم من السماء وقال له خذ هذا الكبش واذبحه بدل ابنك وقد نجحت في الامتحان وامتثلت ما امرك الله به ، فاخذ الكبش وذبحه وتصدق بلحمه .
«وفديناه بكبش عظيم» . (2)
قصة ذبح اسماعيل عليه هذه مليئة بالمعاني العميقة والعبارات الدقيقة التي
1ـ الصافات 102 .
2ـ البحار : ج 12 ص 121 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 144

جرت بين الاب والابن ، ونرى فيها مصداق الابن لابيه والمطيع لمولاه .
فمن جهة نرى الاب يصارح ولده البالغ من العمر «13» عاما بقضية الذبح ، ويطلب منه اعطاء رايه فيها ، فيقول له : «يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين» فانني مستسلم لهذا الامر .
ومن جهة اخرى ، ساعد والده في تنفيذ هذا الامر الالهي ، وعمل على تقليل الم وحزن والدته .
فعندما اخذه والده للذبح ، قال اسماعيل لوالده : يا ابت ، احكم من شد الحبل كي لا تتحرك يدي ورجلي اثناء تنفيد الامر الالهي ، اخاف ان يقلل ذلك من مقدار الجزاء الذي ساناله .
وقال : والدي العزيز اشحذ السكين جيدا ، وامرره بسرعة على رقبتي كي يكون تحمل الم الذبح سهلا بالنسبة لي ولك .
والدي قبل ذبحي اخلع ثوبي من على جسدي كي لا يتلوث بالدم ، لاني اخاف ان تراه والدتي وتفقد عنان صبرها .
ثم قال : اوصل سلامي الى والدتي ، وان لم يكن هناك مانع اوصل ثوبي اليها كي يسلي خواطرها ويهدئ من الامها .
ولما قربت اللحظات الحساسة ولحظات الوداع ، احتضن ابراهيم عليه السلام ولده اسماعيل عليه السلام وقبل وجهه وبكى الاثنان ، ووضع جبين ولده ـ طبقا لاقتراحه ـ على الارض ـ حتى لاتقع عيناه على وجه ابنه فتهيج عنده عاطفة الابوة وتمنعه من تنفيذ الامر الالهي .
على اي حال وضع السكين على رقبة ابنه ومررها بسرعة وقوة وروحه تعيش حالة الهيجان ، وحب الله كان الشيء الوحيد الذي يدفعه الى تنفيذ الامر
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 145

ومن دون اي تردد .
الا ان السكين الحادة لم تترك ادنى اثر على رقبة اسماعيل اللطيفة ، وهنا غرق ابراهيم في حيرته ، ومرر السكين مرة اخرى على رقبة ولده ، ولكنها لم تؤثر بشيء كالمرة السابقة .
نعم ، فابراهيم الخليل يقول السكين : اذبحي ، لكن الله الجليل يعطي اوامره للسكين ان لا تذبحي ، والسكين لا تستجيب سوى لاوامر الباري عز وجل .
وهنا ياتي القران وينهي كل حالات الانتظار ويبشر بنجاح الامتحان ويقول بعبارات قصيرة مليئة بالمعاني العميقة : «وناديناه ان يا ابراهيم ، قد صدقت الرءيا انا كذلك نجزي المحسنين ، ان هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم ... سلام على ابراهيم ...»(1) .
نعم ، الذي يستسلم من اسفل قدمه الى اعلى راسه للامر الالهي ، واحسانه في سبيل الله يصل الى اقصى درجات التضحية والفداء ، لا يمكن مكافاته باقل من هذا ، لذا فقد ورد في بعض الروايات ان جبرئيل هتف «الله اكبر ، الله اكبر» اثناء عملية الذبح لتعجبه ، فيما هتف اسماعيل عليه السلام «لا اله الا الله ، والله اكبر» ، ثم قال ابراهيم عليه السلام : «الله اكبر ولله الحمد» .
وهذه العبارات تشبه التكبيرات التي يرددها الحجاج في يوم عيد الاضحى ، وغير الحجاج كذلك في اقطار العالم .
ومن اجل تحقق امنية ابراهيم عليه السلام في تقديم القربان لله عز وجل ، بعث الله كبشا كبيرا الى ابراهيم ليذبحه بدلا عن ابنه اسماعيل ، ولتصير سنة للاجيال القادمة التي تشارك في مراسم الحج في كل عام .
1ـ الصافات : 102 ـ 110 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 146

التضحية والنجاح الذي حققه الاب المحسن في الامتحان الصعب واطاعة الابن البار الصابر المحتسب لله ، ستبقى خالدة حتى تقوم القيامة ، ويبقى موعظة على مدى الاجيال ، وقدوة لكل الطاهرين .

حكمه ومواعظه عليه السلام :


روي عن الامام الرضا عليه السلام انه قال : سمعت ابي يحدث عن ابيه انه قال : «انما اتخذ الله ابراهيم عليه السلام خليلا لانه لم يرد احدا ، ولم يسال احدا قط غير الله عز وجل . (1)
وروي ايضا عن الامام العسكري عليه السلام انه قال : «انما اتخذ الله عز وجل ابراهيم خليلا ، لكثرة صلواته على محمد واهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين ، ولكثرة سجوده على الارض ، ولاطعام الطعام ، وصلاته بالليل والناس نيام» (2) .
وروي لما جاء المرسلون الى ابراهيم عليه السلام ، جائهم بالطعام فقال : كلوا ، فقالوا : لا ناكل حتى تخبرنا ما ثمنه ، فقال : اذا اكلتم فقولوا : «بسم الله» واذا فرغتم فقولوا : «الحمد لله» قال : فالتفت جبرئيل الى اصحابه ، وكانوا اربعة جبرئيل رئيسهم ، فقال : «حق لله ان يتخذ هذا خليلا» .
فقال الصادق عليه السلام : لما القي ابراهيم عليه السلام في النار ، تلقاه جبرئيل في الهواء وهو يهوي ، فقال له : يا ابراهيم الك حاجة ؟ فقال : اما اليك فلا .
فلما طرحوه دعا الله فقال : يا الله يا واحد يا احد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ، فحسرت النار عنه ، فكانت بردا وسلاما ، بامر من الله
1ـ علل الشرائع ص 23 .
2ـ نفس المصدر .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 147

تعالى ، ونظر نمرود الى ابراهيم في روضة خضراء في النار مع شيخ يحدثه ، وكان الشيخ جبرائيل عليه السلام . (1)
ومن كراماته وتوكله على الله عز وجل ، روي انه عليه السلام هو اول من حول له الرمل دقيقا ، وذلك لما قصد صديقا له بمصر ليقترض طعاما منه فلم يجده في منزله فكره ان يرجع بالحمار خاليا ، فملا جرابه رملا فلما دخل منزله ترك الحمار في باب الدار استحياء من زوجته سارة ودخل البيت ونام.
وجاءت سارة وفتحت الجراب راته مملوء بالدقيق ومن اجود الانواع فخبزت وقدمته لزوجها ، فقال ابراهيم عليه السلام : من اين لك هذا ؟ فقالت من الدقيق الذي حملته من عند خليلك المصري ، فقال : اما انه خليلي صح ، ولكن ليس بمصري : فلذلك اعطي الخلة ، فشكر الله وحمده واكل . (2)
وكان ابراهيم عليه السلام امة قانتا لله حنيفا ، وجاء بالحنيفية (3) العشرة خمسة في الراس وخمسة في البدن .
فالتي في الراس : قص الشعر ، واخذ الشارب ، واعفاء اللحى «في الحد المتعارف» والسواك ، والخلال .
واما التي في البدن : فالغسل من الجنابة ، والطهور بالماء ، وتقلم الاظفار ، وحلق الشعر من البدن ، والختان ، وهذه لم تنسخ الى يوم القيامة . (4)
وروي انه لما اصبح ابراهيم عليه السلام في يوم من الايام فراى في لحيته شيبا
1ـ نفس المصدر .
2ـ تفسير القمي : ص 141 .
3ـ الحنيفية : معناها الطهارة .
4ـ نفس المصدر : ص 167 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 148

شعرة بيضاء ، فقال : الحمد لله رب العالمين الذي بلغني هذا المبلغ ولم اعصي الله طرفة عين .
وقد كان ابراهيم عليه السلام مضيافا ، فنزل عليه يوما قوم ولم يكن عنده شيء ، فقال : ان اخذت خشب الدار وبعته على النجار فانه ينحته صنما فلم يفعل ، وبعد ان انزلهم في دار الضيافة خرج من داره ومعه ازار ، ذهب الى موضع وصلى ركعتين ، فلما فرغ لم يجد الازار ، علم ان الله هيا اسبابه ، فلما دخل داره راى سارة تطبخ شيئا ، فقال لها : انى لك هذا ؟ قالت : هذا الذي بعثته على يد الرجل ، وكان الله سبحانه امر جبرئيل ان ياخذ الرمل الذي كان في الموضع الذي صلى فيه ابراهيم ويجعله في ازاره والحجارة الملقاة هناك ايضا ، ففعل جبرئيل عليه السلام ذلك ، فجعل الله الرمل جاورس مقشرا ، والحجارة المدورة شلجما ، والمستطيلة جزرا . (1)
قال نمرود لابراهيم عليه السلام : يا ابراهيم من ربك ؟ قال : «ربي الذي يحي ويميت قال له نمرود : انا احي واميت ، فقال له ابراهيم : كيف تحي وتميت ؟
قال : اعمد الى رجلين ممن قد وجب عليهما القتل ، فاطلق عن واحد ، واقتل واحدا ، فاكون قد امت واحييت .
فقال ابراهيم : اكنت صادقا فاحي الذي قتلته ، ثم قال ابراهيم : دع هذا فان ربي ياتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب «فبهت الذي كفر» اي انقطع ولم يتكلم . (2)
اهبط الله عز وجل الى ابراهيم عليه السلام خاتما فيه ستة احرف :
1ـ البحار : ج 12 ص 11 .
2ـ تفسير القمي : 76 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 149

«لا اله الا الله ، محمد رسول الله ، لا حول ولا قوة الا بالله ، فوضت امري الى الله ، اسندت ظهري الى الله ، حسبي الله» فاوحى الله جل جلاله اليه : ان تختم بهذا الخاتم فاني اجعل النار عليك بردا وسلاما . (1)
قيل : لما وضع ابراهيم عليه السلام في المنجنيق وقذف به في النار ، لم يوجس منهم خيفة ابدا ، كما اوجس موسى عليه السلام من فرعون وقومه خيفة ، وذلك لان ابراهيم عليه السلام حين وضع في المنجنيق كان مستندا ومطمئنا الى مافي صلبه من انوار وحجج الله عز وجل . «وهم محمد صلى الله عليه واله وسلم واله عليهم السلام» .
قيل : لما راى ابراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والارض ، التفت فراى رجلا يزني فدعا عليه فمات ، ثم راى اخر فدعا عليه فمات ، حتى راى ثلاثة فدعى عليهم فماتوا ، فاوحى الله عز وجل اليه : يا ابراهيم دعوتك مستجابة ، فلا تدعو على عبادي فاني لو شئت لم اخلقهم ، اني خلقت خلقي على ثلاثة اصناف ، عبدا يعبدني لا يشرك بي شيئا فاثيبه ، وعبدا يعبد غيري فلن يفوتني ، وعبدا يعبد غيري فاخرج من صلبه من يعبدني .

صفاته واخلاقه :


روي عن المفضل بن عمر ، عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال : سالته عن قول الله عز وجل : «واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن ...» ما هذه الكلمات ؟ قال : هي الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه فتاب عليه . «ذكرنا الكلمات والاسماء في نفس الكتاب» ، وهناك وجه آخر وقول آخر ذكر في معنى الكلمات نذكرها باختصار» :
1ـ امالي الصدوق : 274.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 150

1ـ منها اليقين : اليقين والاعتقاد الراسخ الذي في قلب ابراهيم عليه السلام مما يدل على عظمة الله تبارك وتعالى ، وذلك في قوله تعالى : «وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين» (1) .
2ـ ومنها المعرفة : وذلك حين نظر الى الكوكب والقمر والشمس ، واستدل بافول كل واحد منها ، ان هناك خالق ورب موجود دائما لا يافل ولا يغيب ، ثم معرفته بان الحكم بالنجوم خطا : «فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم» (2) .
3ـ ومنها الشجاعة : ومن الصفات التي كان يتحلى بها ابراهيم عليه السلام الشجاعة حيث كان شجاعا قوي الايمان لا يخاف احدا الا الله وذلك لما كسر الاصنام وحاربهم فكريا في عقر دورهم .
4ـ ومنها الحلم : كان ابراهيم عليه السلام حليما رقيق القلب يكثر التاوه والدعاء ، وكان يرجع في كل اموره الى الله تعالى ، وذلك قوله تعالى : «ان ابراهيم لحليم اواه منيب» (3) ، وكان سخيا ويطعم الضيف ، اي كان مضيافا ، ويامر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وكان ينصح اباه واهله وقومه وينهاهم من عبادة الشيطان وكان حكيما وصالحا ولا يحكم الا بما حكم الله عز وجل ، وكان صادقا «واجعل لي لسان صدق في الآخرين».
وامتحنه الله في نفسه ، حين جعله في المنجنيق وقذف به في النار ، ثم امتحنه في الولد ، حين امر بذبح ابنه اسماعيل ، ثم امتحنه بالاهل ، في سوء خلق سارة ، وابعاد هاجر وابنها وتركهم في الصحراء ، وكان صابرا شكورا ، وكان نزيها
1ـ الانعام : 75.
2ـ الصافات : 89.
3ـ هود : 75.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 151

من كل عيب وكل ذنب ، لم يسجد لصنم ولم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين .
وكانت صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين ، وكان اول المسلمين «... وبذلك امرت وانا اول المسلمين» .

صحف ابراهيم عليه السلام :


عن ابي ذر رحمه الله ، عن النبي عليه السلام قال: انزل الله على ابراهيم عليه السلام عشرين صحيفة ، قلت : يا رسول الله ما كانت صحف ابراهيم ؟
قال : كانت امثالا كلها ، وكان فيها : ايها الملك المبتلى المغرور ، اني لم ابعثك لتجمع الدنيا بعضها الى بعض ، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فاني لا اردها وان كانت من كافر .
وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا ، ان يكون له اربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه عز وجل ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر فيما صنع الله عز وجل اليه ، وساعة يخلو فيها بخط نفسه من الحلال .
فان هذه الساعات عون لتلك الساعات ، واستجمام للقلوب وتوريع لها .
وعلى العاقل ان يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شانه ، حافظا للسانه ، فان من حسب كلامه من عمله قل كلامه الا فيما يعنيه ، وعلى العاقل ان يكون طالبا لثلاث : مرة لمعاش ، او تزود لمعاد ، او تلذذ في غير محرم .
قلت يا رسول الله : فما كانت صحف موسى عليه السلام ؟ قال : كانت عبرا كلها ، وفيها : عجبا لمن ايقن بالموت كيف يفرح ؟ ولمن ايقن بالنار لم يضحك ؟ ولمن ايقن بالحساب لم لا يعمل ؟
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 152

قلت : يا رسول الله ، هل في ايدينا مما انزل الله عليك شيء مما كان في صحف ابراهيم وموسى ؟
قال : يا ابا ذر اقرا : «قد افلح من تزكى ، وذكر اسم ربه فصلى ، بل تؤثرون الحياة الدنيا ، والآخرة خير وابقى ، ان هذا لفي الصحف الاولى ، صحف ابراهيم وموسى» (1) . (2)

صورة ملك الموت :


ان ابراهيم عليه السلام لقي ملكا فقال له : من انت ؟ قال : انا ملك الموت ، فقال : اتستطيع ان تريني الصورة التي تقبض فيها روح المؤمن ؟ قال : نعم ، اعرض عني ، فاعرض عنه فاذا هو شاب حسن الصورة ، حسن الثياب ، حسن الشمائل ، طيب الرائحة ، فقال : يا ملك الموت ، لو لم يلق المؤمن الا حسن صورتك لكان حسبه .
ثم قال له : هل تستطيع ان تريني الصورة التي تقبض فيها روح الفاجر ؟ فقال : لا تطيق ، فقال : بلى ، قال : فاعرض عني ، فاعرض عنه ثم التفت اليه فاذا هو رجل اسود ، قائم الشعر ، منتن الرائحة ، اسود الثياب ، يخرج من فيه ومن مناخره النيران والدخان ، فغشي على ابراهيم ، ثم افاق وقد عاد ملك الموت الى حالته الاولى ، فقال : يا ملك الموت ، لو لم يلق الفاجر الا صورتك هذه لكفته . (3)
قال ابراهيم عليه السلام : ان الله عز وجل اذا احب عبدا احتبس دعوته ليناجيه
1ـ الاعلى : 14ـ 19.
2ـ الخصال : ج2 ص104.
3ـ البحار : ج12 ص74.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 153

ويساله ويطلب اليه ، واذا ابغض عبدا عجل له دعوته او القى الياس في قلبه منها .

وفاة ابراهيم الخليل عليه السلام :


سال ابراهيم عليه السلام ربه ان لا يميته حتى يكون هو الذي يساله الموت ، فاستجاب له ذلك ، فصنع ابراهيم وليمة وعمل طعاما ودعى عليه الفقراء واهل الحاجة ، فكان فيمن اتى رجل كبير ضعيف مكفوف البصر ومعه قائده ، فاجلسه على مائدته ، فمد الاعمى يده فتناول لقمة واقبل فيها نحو فيه فجعلت تذهب يده يمينا وشمالا من ضعفه ، ثم اهوى بيده الى جبهته ، فتناول قائده فجاء بها الى فمه ، ثم تناول المكفوف لقمة فضرب بها عينه ، هذا وكان ابراهيم عليه السلام ينظر اليه والى ما يصنع ، فتعجب ابراهيم من ذلك ، وسال قائده عن ذلك ، فقال له القائد : هذا الذي ترى من الضعف ، فقال ابراهيم في نفسه : اليس اذا كبرت اصير مثل هذا ؟ ثم ان ابراهيم عليه السلام سال الله عز وجل حيث راى من الشيخ ما راى فقال : «اللهم توفني في الاجل الذي كتبت لي فلا حاجة لي في الزيادة في العمر بعد الذي رايت» . (1)
روي عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال : لما اراد الله تبارك وتعالى قبض روح ابراهيم عليه السلام ، اهبط اليه ملك الموت ، فقال : السلام عليك يا ابراهيم ، قال : وعليك السلام يا ملك الموت ، اداع ام ناع ؟ قال : بل داع يا ابراهيم ، فاجب ، قال ابراهيم : فهل رايت خليلا يميت خليله ؟ قال : فرجع ملك الموت حتى وقف بين يدي الله جل جلاله فقال : الهي قد سمعت ما قال خليلك ابراهيم ، فقال الله جل
1ـ مع الاختصار من علل الشرائع : 24.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 154

جلاله : يا ملك الموت ، اذهب اليه وقل له : هل رايت حبيبا يكره لقاء حبيبه ، ان الحبيب يحب لقاء حبيبه . (1)
«فقبض عليه السلام في الشام وله من العمر مائة وعشرين سنة ، وروي اكثر من ذلك» .

اقوال في نبي الله ابراهيم عليه السلام :


قيل : ان ابراهيم عليه السلام عاش 175 سنة .
قيل : ان ابراهيم عندما القي في النار كان عمره ست عشرة سنة .
وقد سلط الله على نمرود وخيله البعوض حتى اخذت لحومهم وشربت دمائهم ، ووقعت واحدة في دماغه ، فعذبه الله بها اربعين ليلة ، ثم اهلكته .
وقيل : ان اول منجنيق عمل في الدنيا ، منجنيق عمل لابراهيم بسور الكوفة ، في نهر يقال لها : كوثى ، وفي قرية يقال لها قنطانا ، وقيل : ابليس عمل المنجنيق . (2)
قيل : لما القي ابراهيم عليه السلام في النار ، فلقاه جبرئيل في الهواء وهو يهوي ، فقال له : يا ابراهيم ألك حاجة ؟ فقال : اما اليك فلا ، بعدها قال الله تعالى : «قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم» . (3)
وقيل : اول من صدق بابراهيم عليه السلام ابن اخته لوط .
قيل : لما وضع ابراهيم عليه السلام في المنجنيق وقذف به في النار لم يوجس منهم خيفة ابدا كما اوجس موسى من فرعون وقومه خيفة ، وذلك لان ابراهيم عليه السلام
1ـ امالي الصدوق 118.
3 و 2ـ تفسير الفرات : 97.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 155

حين وضع في المنجنيق كان مستندا ومطمئنا الى ما في صلبه من حجج الله عز وجل وهم محمد وآل محمد صلى الله عليهم اجمعين .
قيل : ان بنات الانبياء صلوات الله عليهم ، لا يطمثن ، انما الطمث عقوبة ، واول من طمثت سارة ، عقوبة لها . (1)
قيل : اعطى الله سبحانه الى ابراهيم خاتما مكتوب عليه ستة احرف ، لا اله الا الله ، محمد رسول الله ، لاحول ولا قوة الا بالله ، فوضت امري الى الله ، اسندت ظهري الى الله ، حسبي الله . (2)
قيل : ان يوم النيروز هو اليوم الذي كسر فيه ابراهيم عليه السلام اصنام قومه .
قيل : انزلت صحف ابراهيم عليه السلام في اول ليلة من شهر رمضان . (3)
قيل : اول اثنين تصافحا على وجه الارض ، ذو القرنين وابراهيم الخليل ، واستقبله ابراهيم فصافحه .
واول شجرة ظهرت على وجه الارض النخلة . (4)
قيل : نزلت ثلاثة احجار من الجنة : مقام ابراهيم عليه السلام ، وحجر بني اسرائيل ، والحجر الاسود .
كان الحجر الاسود حجرا ابيضا ، اشد بيضا من القراطيس ، فاسود من خطايا بني آدم ، وجعل الله سبحانه الحجر الذي في مقام ابراهيم تحت قدمه كالطين حتى دخلت قدمه فيه ، فكان ذلك معجزة له . (5)
1ـ البحار : ج12 ص107.
2ـ عيون الاخبار : 173.
3ـ البحار : ج12 ص75.
4ـ امالي الصدوق : 270.
5ـ البحار : ج12 ص84.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 156

قال ابن عباس : لما امر الله ابراهيم ان ينادي في الناس بالحج ، صعد جبل ابا قبيس ووضع اصبعيه في اذنيه وقال : ايها الناس اجيبوا ربكم ، فاجابوه بالتلبية في اصلاب الرجال ، واول من اجابه اهل اليمن . (1)
قيل : لما بنى ابراهيم عليه السلام البيت وحج الناس ، شكت الكعبة الى الله تبارك وتعالى ما تلقي من انفاس المشركين ، فاوحى الله اليها قري كعبة فاني ابعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون «اي يتطهرون بالسواك والخلال» ، حيث قال الله تعالى : «ان طهرني للطائفين والعاكفين ...» (2) .
قيل : ان ابراهيم عليه السلام دعا ربه ان يرزق من آمن به «وارزق اهله» ، فقال الله : يا ابراهيم ومن كفر ايضا ارزقه ، فامتعه قليلا ثم اضطره الى عذاب النار» . (3)
وروي انه لما جاء ابراهيم عليه السلام بزوجته هاجر وابنه اسماعيل ووضعهم في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا زرع ، ولما اراد الانصراف عنهم الى سارة ، قالت هاجر له : يا ابراهيم لم تدعنا في موضع ليس فيه انيس ولا ماء ولا زرع ؟ فقال ابراهيم : الذي امرني ان اضعكم في هذا المكان هو يكفيكم .
فلما ابتعد عنهم التفت اليهم ابراهيم ودعا الله ان تهوي افئدة الناس اليهم وارزقهم من الثمرات وارزقهم الشكر ... ، «ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ، ربنا ليقيموا الصلاة ، فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون» (4) .
1ـ مجمع البيان : ج4 ص80.
2ـ تفسير القمي : 50.
3ـ نفس المصدر .
4ـ ابراهيم : 35.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 157

وروي عن الامام الرضا عليه السلام انه قال لرجل : اي شيء السكينة عندكم ؟ فلم يدر القوم ماهي ، فقالوا : جعلنا الله فداك ماهي ؟ قال : ريح تخرج من الجنة طيبة ، لها صورة الانسان ، تكون مع الانبياء عليهم السلام ، وهي التي انزلت على ابراهيم عليه السلام حين بنى الكعبة فجعلت تدور حول اركان البيت وهو يبني الاساس وتضع الاساطين عليها . (1)
وعلى هذا نرى الحاج لما يدخل بيت الله الحرام وينظر الى الكعبة تطمئن نفسه وينسى همومه ويرتبط بالله عز وجل ، وذلك قوله تعالى : «فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها» (2) .
وقيل : ان اسماعيل عليه السلام دفن امه هاجر في الحجر وجعله عليا ، ـ اي ـ وجعل عليها حائطا لئلا يوطا قبرها . (3)
وعلى هذا نرى الشيعة يرفعون قبور موتاهم عن الارض قليلا لئلا يطاها الناس وتنسى .
روي انه اول امراة حاضت ولها من العمر تسعين سنة هي سارة وكان زوجها ابراهيم ابن مائة وعشرين سنة ، وقوله تعالى : «وامراته قائمة فضحكت» يعني حاضت . (4)
وروي ان ابراهيم عليه السلام شكا الى الله عز وجل ما يلقي من سوء خلق سارة ، فاوحى الله عز وجل اليه : انما مثل المراة مثل الضلع المعوج ، ان اقمته كسرته ،
1ـ عيون الاخبار : 173.
2ـ التوبة : 40.
3ـ علل الشرائع : 24.
4ـ قصص الانبياء .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء - الجزء الاول 158

وان تركته استمتعت به ، اصبر عليها .(1)
وقيل : اول من قاتل في سبيل الله ابراهيم الخليل عليه السلام حيث اسرت الروم لوطا عليه السلام فنفر ابراهيم عليه السلام واستنقذه من ايديهم . (2)
كان ابراهيم عليه السلام رجلا غيورا ، وكان اذا خرج في حاجة اغلق بابه واخذ مفتاحه ، فلما رجع راى شاب ابيض جميل ، فقال له : يا عبد الله ما ادخلك داري ؟ فقال ربها ادخلنيها ، فقال ابراهيم ربها احق بها مني ، فمن انت ؟ قال : ملك الموت . (3)
«وكان قد جاء ليبشره بان الله اتخذه خليلا» .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الانبياء والمرسلين
1ـ فروع الكافي : ج2 ص62.
2ـ نوادر الراوندي : 23.
3ـ قصص الانبياء : ص111.

السابق السابق الفهرس التالي التالي