أدب الطف ـ الجزء الثاني 250


وما فاتني نصركم باللسان اذا فاتني نصركم باليد(1)

وقال يذكر مناقب امير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله عليه وسلامه ، وما مني به من أعدائه :
إن كـنتَ ممـن يلجُ «الوادي» فسل بين البيوت عـن فـؤادي : ما فعل
وهل رأيت ـ والغـريب مـا ترى ـ واجـد جسـمٍ قـلبه منـه يضـل ؟
وقل لغزلان «النقا» : مات الـهوى وطلقـت بعـدكـم بنـت الـغزل
وعـاد عـنكنّ يخـيـبُ قانـصٌ مَدّ الـحـبالات لـكـنّ فاحـتبـل
يا من يرى قتلـى السيوف حظرت دماؤهـم ، الله فـي قتـلى المقـل
ما عند سكان «مِـنىً» فـي رجلِ سباه ظـبيٌ وهـو فـي ألف رجل
دافع عن صفحـته شـوك الـقنا وجرحـته أعيـن السـرب النـُجل
دمٌ حـرام لـلأخ المسـلـم فـي أرض حرامٍ ، يال «نعم» كيف حلّ ؟!
قلت : شكـا ، فأين دعوى صبره كُرّي اللـحاظ واسـئلى عـن الخبَل
عـنّ هــواك فـأذل جـلـدي والـحب مـا رقّ لـه الجـلد وذل
مَـن دلّ مسـراكِ عليّ في الدجي هيهـات فـي وجهـك بدرٌ لا يدلّ
رُمتِ الجـمال فـملـكت عنـوةً أعناق ما دقّ مـن الحسـن وجـل
لواحظـاً علّمت الضــرب الظبا على قـوامٍ عـلّم الـطعن الأسـل
يا مـن رأى «بحاجــر» مجاليا من حـيث ما استقبـلها فهي قِـبل
اذا مررت بالقبـاب مــن «قبا» مرفوعةً وقد هوت شمس الأصـل(2)
فقل لأقمار السـماء : اخـتمـري فحـلبة الحسـن لأقمار الـكِـلـل
أين ليالينا عـلى «الخيف» وهـل يردّ عيـشاً بالحمـى قولك : هـَل ؟
ما كـنّ إلا حُلًـمـاً روّعـه الـ ـصبـحُ وظِلاً كالشـباب فانتـقل
ما جمعـت قـط الـشباب والغنى يدُ امـرئٍ ولا المـشيـبَ والجذل


(1) عن الديوان .
(2) الاصل جمع اصيل وهو وقت ما بعد العصر الى المغرب .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 251


يا ليت ما سوّد أيـام الصبـا أعدى بياضاً في العذارين نزل
ما خلتُ سوداء بياضي نصَلت حتـى ذوى أسود رأسي فنصل(1)
طارقـة من الـزمان أخـذت أواخر العيش بفـرطات الأول
قد أنـذرت مبيضة ان حذّرت ونطقَ الشـيب بنـصحٍ لو قُبِل
ودلّ ما حـط علـيك من سنى عمرك أن الحـظ فيما قد رحل
كم عِبــرةٍ وأنت من عظاتها ملـتفتٌ تتبـع شيـطان الامل
ما بين يمناك وبيـن أختـها إلا كمـا بيـن مناك والأجـل
فاعمل من اليوم لما تلقى غدا أو لا فقل خـيراً توفّق للعمـل
ورِد خفيف الظهر حول اسرةٍ إن ثقّلوا الميزان فـي الخير ثَقل
اشدد يداً بـحب آل «أحـمد» فإنه عـقدة فـوزٍ لا تُـحــل
وابعث لـهم مـراثياً ومدحـاً صفوة ما راض الضمير ونـخل
عقــائلا تـصان بـابتذالها وشاردات وهـي للسارى عـُقُل
تحمل مـن فضلهم ما نهضت بحمله أقـوى المـصاعيب الذّلل
موسومةً فـي جبهات الخيل أو معلّــقات فـوق أعـجاز الإبل
تنـثـو(2) العلاء سـيّدا فسيداً عنـهم وتنـعى بـطلا بعد بطل
الطيـبون أزراً تـحت الـدجى الكـائنـون وَزرا(3) يوم الوجـل
والمنعـمون والثـرى مقـطّب [من جدبـه] والعام غضبـان أزِل
خـير مـصلّ ملكـا وبشـرا وحافـيا داس الثـرى ومـنتعـِل
هـم وأبـوهـم شـرفاً وأمهم أكـرم مـَن تحـوي السماء وتُظِل
لا طلقــاء منَـعـمٌ عليـهـم ولا يجـارون اذا النـاصـر قـل(4)


(1) نصل : خرج من خضابه .
(2) تنثو تذيع .
(3) الوزر الملجأ .
(4) يشير الى فتح مكة لما منّ رسول الله على أهل مكة وقال اذهبوا فانتم الطلقاء .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 252


يستشعرون «الله أعلى في الورى» وغيرهـم شعـاره «أعلُ هُبل»(1)
لم يـتـزخـرف وثـنُ لعـابـدٍ منهم يُـزيـغ قلبـه ولا يـضل
ولا سـرى عـرق الإمـاء فيـهم خبائث ليسـت مريئـات الأكـل
يا راكبـاً تـحمـلـه «عيـدية» مهوية الظـهر بعضّـات الرحل
لـيس لهـا مـن الوجا(2) منتصر إذا شكا غاربهـا حـيـف الإطل(3)
تشرب خـمسا وتـجر رعـيهـا والماء عدّ(4) والبـنات مكتـهل
اذا اقـتـضـت راكبها تعريسـة(5) سوّفها الفـجر ومنــّاها الطفل(6)
عرّج بروضـات «الغرى» سائفا(7) أزكى ثرى وواطـئاأعلـى محل
وأدّ عـني مُـبلـغـا تحـيـتـي خير «الوصيين» أخا خير الرسل
سمـعا «امير المـؤمنـين» إنهـا كناية لـم تـك فـيهـا منتحـل
ما«لقـريش»مـا ذقــتك عهدها ودا مجـتك ودها علـى دخـل (8)
وطـالـبتك عـن قـديـم غـِلّها بعد أخـيك بالترات والـذحـل
وكيف ضمـوا أمرهم واجتـمـعوا فاستوزروا الرأي وانت منـعزل
وليـس فيـهـم قادح بريــبـة فيـك ولا قـاضٍ علـيك بوهل
ولا تُعــدّ بيـنـهــم منـقبـة إلا لك التفصيل منهـا والـجُمل
ومـا لقـومٍ نافقــوا «محـمـدا» عمر الحيـاة وبغـوا فيه الغيل !
وتــابعـوه بقـلوبٍ نـزل «الـ ـفرقان» فيها ناطقاً بـما نزل


(1) هبل صنم كان في الكعبة ، ويشير بذلك الى قول أبي سفيان في يوم أحد أعل هبل . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أجيبوه وقولوا : الله أعلى وأجل .
(2) الوجا : الحفا .
(3) الاطل : الخاصرة .
(4) العد : الغزير الذي لا ينقطع .
(5) التعريسية : نزول القوم آخر الليل للاستراحة .
(6) الطفل : قبيل غروب الشمس .
(7) سائفا : ساماً .
(8) الدخل : الخداع والغش .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 253


مات فـلم تـنعـق عـلى صـاحبـه ناعقـة منـهم ولـم يـرغِ جمـل
ولا شـكـا الـقائـم فـي مـكانـه مـنهـم ولا عـنفـهم ولا عـذل
فهل تـرى مــات النـفـاق معـه أم خـلصت أديـانهـم لـما نـُقل
لا والــذي أيـــّده بـوحــيـه وشده منـك بـركــن لـم يـزل
مـــا ذاك إلا ان نـــياتـُهـُـم في الكفـر كانت تلـتوى وتعـتدل
وأن وَدّاً بـيـنـهـــم دل عـلـى صفـائه رضـاهم بـمـا فـعـل
وهبهم تـخــرصـا قــد ادعـوا أن الـنفـاق كـان فيـهم وبطـل
فما لـهم عـادوا وقــد ولـيـتـهم فذكـروا تـلك الـحـزازات الأول !
وبايعـوك عــن خـداع ، كـلـهم باسـط كـفٍ تحـتها قـلبٌ نـغِل
ضرورة ذاك كـمـا عـاهـد مـَن عاهـد منهـم «أحمـدا» ثـم نكل
وصاحب الشـورى لمـا ذاك تـرى عنك ـ وقد ضايقه الموت ـ عدل
«والأمـويُ» مــا لــه أخـرّكم وخص قومـاً بالعـطاء والنـفـل
وردهـا عـجــمـاء «كسرويـّةً» يـضاع فيـها الديـن حفظا للدول
كــذاك حتـى أنـكـروا مكـانـه وهـم علـيــك قـدّمـوه فقـبل
ثــم قـسـمتَ بـالسـواء بيـنهم فعظــم الخطـب عليهـم وثقـل
فـشحذت تلك الـظبـا وحفـــرت تلك الـزبى وأضـرمت تلك الشعل
مواقـف في الـغـدر يكـفي سُـبةً مـنهــا وعـاراً لهم «يوم الجمل»
(وإن تـكن ذات الغبـيـط أقـلعـت بـزعـم مـن اكـدّ ذاك ونـقـل)
(فما لهـا تمـنع مـن دفــن ابـنه لـولا هـناة جرحـها لم ينـدمـل)
يا ليـت شعري عـن أكف أرهـفت لك الـمواضـي وانـتحتك بالـذبُل
واحتـطبت تبغـيك بـالـشر ، على أي اعتـذار فـي المـعاد تتـكـل ؟!
أنسـيت صفـقتـها أمـسِ علــى يــديــك ألا غـيـرٌ ولا بـدل ؟
وعن حصـان أبرزت يكـشف باسـ ـتخـراجهـا ستـر النبي المنسدل
تطــلب امراً لم يـكن يـنـصـره بمثـلها فـي الحرب إلا من خـذل


البيتان المقوسان في الديوان المخطوط .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 254


يـا للرجـال و «لتيـم» تدّعـي ثـأر «بني اميـة» وتنـتحـل
وللـقتـيل يـلـزمـون دمــه ـ وفيهم القاتل ـ غير مَن قتل
حـــتى اذا دارت رحى بغيهـم عليهم وسـبق السـيف الـعذل
وانـجز النكث العذاب(1) فيهـم بعد اعتزال منـهم بـما مـطل
عـاذوا بعــفــو ماجدٍ معوّدٍ للصبر حمالٍ لـهم عـلى العلل
فنحت البـقـيا علـيهم مـَن نجا وأكل الـحديد مـنهم مـَن أكل
فاحتـجّ قــومٌ بـعـد ذاك لهم بفاضحـات ربهـا يـوم الجدَل
فقلّ منـهـم مــن لوى ندامة عنانه عـن الـمصاع فاعـتزل
وانتـزع العامـل(2) من قناتـه فـردّ بالــكـره فشـد فحمل
والحال تـُنـبي أن ذاك لـم يكن عن توبـةٍ وإنـما كـان فشـل
ومنهم مَـن تـاب بـعد موتـه وليس بعـد الموت للمرء عمـل
وما الخبيثيـن «ابن هندٍ» وابنه وإن طغى خطـبهما بـعد وجل
بمبدعـين فـي الذي جـاءا به وإنما تـقـفيا تـلك الـســبل
إن يحسـدوك فـلفرط عجزهم في المشكـلات ولـما فيك كمل
الصـنو أنت والوصـي دونهم ووارث الـعلم وصاحب الرسل
وآكـل الطـائر والطـارد للـ ـصلّ ومن كلـّمه قبلك صـِلّ ؟!
وخاصف النعل وذو الخاتم والـ ـمنهل فـي يوم القليب والمُعِل
وفاصل القضيـة العسـراء في «يوم الحنين» وهو حكم ما فَصَل
ورجعة الشمـس عليك نبــأ تشـعب الالبـاب فـيه وتضـل
فما ألوم حاسـداً عنك انـزوى غيـظـا ولاذا قـَدَمٍ فيك تـزل
ياصاحب الحوض غداً لا حُلّئت نفس توالـيك عن العذب النـهل
ولا تسـلّط قبـضة النار على عـنقٍ الـيك بالـوداد ينفـتـل
عاديت فيك الناس لم احفل بهم حتى رمـونـي عن يدٍ إلا الأقل


(1) وفي الاصل «العِدات» .
(2) العامل : صدر الرمح وهو ما يلي السنان .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 255


تفـرّغوا يعتـرقـون(1) غيبةً لحمي وفي مدحك عنهم لـي شغل
عدلتُ أن ترضى بأن يسخط مَن تقلـّه الارضُ علـيّ فـاعتــدل
ولـو يشـقّ البحر ثـم يلتقـي فلقاه فـوقــي في هواك لـم أبَل
عـلاقــة بـي لكـم سابقـة لمجد «سلمـان» الـيكم تتـصـل
ضـاربة فــي حبكم عروقها ضرب فحول الشول في النوق البزل
تضمني من طرفي فـي حبلكم مـودّةٌ شاخـت وديـنٌ مــقتبـل
فضـلت آبائي الـملوك بـكم فـضيلة الاسـلام أسـلافَ الـملل
لـذاكـم أرســلهـا نوافـذاً لأمّ مَــن لا يتـقيـهـن الـهـبل
يـمرقن زُرقاً من يهدي حدائدا تنـحى أعـاديكـم بهـا وتنــتبل(2)
صـوائبا إمـا رمـيت عنـكم وربمــا أخطأ رامٍ مـن «ثعــل»(3)


(1) يعترقون : ينزعون ما على العظم من لحم .
(2) تنتبل ترمى بالنبل .
(3) ثعل : اسم قبيلة مشهورة بالرمي .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 256


الشريف المرتضى

قال يذكر مصرع جده الحسين عليه السلام :
أأُسـقى نمـيـرّ المـاء ثم يلذّ لي ودوركم آل الرسـول خَلاء ؟
وأنتم كما شـاء الشتـات ولسـتم كما شئتم فـي عيشةٍ وأشاء
تذادون عن مـاء الفرات وكـارع به إبلٌ للـغادريـن وشـاء
تنشرّ منكـم فـي القَواءِ معاشـر كأنهم للمـبصريـن مـُلاء
ألا إن يوم الطـف أدمى محاجراً وأدوى قلوباً ما لـهـنّ دواء
وإن مصيبـات الـزمان كـثيرة ورب مصابٍ ليس فيه عزاء
أرى طخيـةً فيـنا فأين صباحها وداء علـى داءِ فأين شفـاء ؟
وبيـن تراقينا قلـوب صديـئة يراد لها لـو أعطيته جـلاءُ
فيما لاثماً في دمعتي أو «مفنداً» وما لـك إلا زفـرة وبـكاء
وهل لـي سلـوان وآل محـمد شريدهم مـا حان منه ثـواء
تصدّ عن الروحات أيدي مطيهم ويزوى عطاء دونهم وحـُباء
كأنهـم نـسل لـغيــر محمدٍ ومن شعـبه أو حزبه بـعداءُ
فيا أنجماً يهدى الـى الله نورها وإن حال عنها بالغبي غبـاءُ
فإن يـك قوم وصـلة لجهـنم فأنتم الى خُـلد الجنان رشاءُ


أدب الطف ـ الجزء الثاني 257


دعـوا قلبي المحـزون فيكم يهيجه صـباح على أُخـراكم ومساء
فليس دموعي مـن جفونـي وإنما تقاطرن من قلبي فهـنّ دمـاء
اذا لم تـكونـوا فـالحيـاة منـية ولا خير فيــها والبقاء فـناء
وإما شقيتم فــي الـزمان فـإنما نعيمي اذا لـم تـلبسـوه شقاء
لحا الله قوماً لـم يجازوا جميـلكم لأنـكـم أحسـنـتم وأسـاؤا
ولا انتاشهم عـند المكاره منهض ولا مسهم يـوم الـبلاء جزاء
سقى الله أجــداثاً طـوين عليكم ولا زال منـهلاً بـهـن رواء
يسـير إليـهـن الـغمام وخلـفه رماجــر من قعقاعـِه وحُداء
كأن بـواديه العـشار تـروحت لهنّ حـنينٌ دائـمٌ ورغـــاء
ومَن كان يسقى في الجنان كرامة فلا مسّه من [ذي] السحائب ماء(1)

وقال يرثي جده الحسين عليه السلام ويستنهض المهدي عليه السلام لثاره في الأنام :
قف بالـديـار المـقفـرات لعبت بهـا أدي الشـتات
فـكـأنـهـن هــشـائم بمرور هوج العاصـفات
فإذا سـألت فليــس تسـ ـأل غير صمٍ صامتات
خرسٍ يخـلن مـن الـسكو تِ بهن هام المصغيـات
عج بالمطـايــا الناحـلا تِ على الرسوم الماحلات
الــدارســات الـفانيـا ت شبـيهة بالبـاقـيات
واسأل عـن القـتلـى الألى طرحوا على شطّ الفرات
شُعثٌ لهم جُـممٌ عــصيـ ـن على أكف الماشطات
وعـهــودهـن بعـيـدة بدهـان ايــدٍ داهـنات


(1) عن الديوان .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 258


نسج الزمان بـهـم سـرا بـيلاً بحـوك الرامسـات(1)
تطوى وتـُمحـى عنـهم محـواً بهطـل المعصرات
فـهم لأيـدٍ كـاســيـا ت تـارة أو مـعـريـات
ولـهم أكـفّ ناضــرا تٌ بيـن صـمٍ يابـسـات
ما كـن إلا بـالـعطــا يا والـمنايا جـاريــات
كم ثَمّ مـن مهجٍ ســقيـ ـن الحتف للقوم السـرات
والى عصائب سـاريـا ت فـي الدآدي عاشـيات(2)
غرثـان إلا مـن جـوّى عـريـانَ إلا مــن أذاةِ
وإذا اســتمـد فـمـن أكف بالعطايـا باخـلات
واذا استعان علـى خطو بٍ أو كروب كـارثـات
فبكلّ مغلــولِ اليـديـ ـن هنـاكَ مفلول الشّباة
قـل للألى حـادوا وقد ضلوا الطريق عن الهداة
وسروا على شعب الركا ئب في الـفلاة بلا حداة
نـامت عيونـكم ولـ ـكن عن عيون ساهرات
وظـننتم طـول المدى يمحو القلوب من التِرات
هيهات إن الضـغـن توقـده الليـالي بالغداة
لا تأمنوا غض النـوا ظر من قلوب مرصدات
إن السيوف المُــعريا ت من السيوف المغمدات
والمـثقلات المعيـيـا ت من الأمـور الهيّنات
والمصميات من المـقا تل هنّ نفـس المخطئات
وكأنني بالكمت تـردى في الـبسيـطة بالكماة(3)
وبكل مقـدام علـى الأ هوال مـرهوب الشذاة


(1) الرامسات : الرياح الدوافن للآثار الطامسة لرسوم الديار .
(2) الدآدي : جمع الدأدأة وهي آخر ليالي الشهر المظلمة .
(3) الكمت جمع الكميت وهو من الخيل أو الابل بين الاشقر والأدهم .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 259


ومثـقفٍ مثـل الــقــنا ة أتـى الــمنـية بالـقناة
أو مـرهــف ساقت إليـ ـه ردىً «شفارُ» المرهفات
كرهوا الفرار وهم علــى «أقتـادِ نُـجبٍ» ناجــيات
يـطوينَ طـيّ الأتحـميّ لهــنّ أجـواز الــفـلات
وتـيقــّنوا أن الحـيـا ة مـع المـذلّة كـالـمـمات
ورزيـة للـديـن لـيـ ـست كالـرزايـا الماضيات
تركـت لـنا منها الشوى ومضت بما تـحت الشـواة
يا آل أحـمـد والـذيـ ـنَ غدا بـحبّهـم نجــاتي
ومنيـتي فـي نـصرهم أشهى غـليّ مـن الحـيـاة
حتى مـتى أنـتم عـلى صهوات حـُدبٍ شـامصات ؟(1)
وحقـوقكـم دون البريـ ـة في أكـفٍّ عـاصيـات
وسروبكـم مـذعـورة وأديمــكـم لـلفـاريـات(2)
ووليّكم يضحـى ويمـ ـسي فـي أمور معضلات
يلوى وقـد خـبط الظلا مَ على الليـالي المقـمرات
فإذا اشـتكى فالـى قلو بٍ لاهـيـات سـاهيـات
قـرمٍ فـلا شبِـعٌ لـه إلا بــأرواح الـعــداةِ
وكـأنـه متـنمــراً صقرٌ تشرف مـن عَـلاة
والرمح يفتق كلّ نجلاء كــأردان الـفـــتـاة
تهمي نجيعـاً كـاللـغا مِ علـى شـدوق اليعملات(3)
تؤسـى ولـكن كلـها أبداً يبـرّح بـالأســداةِ
حتى يعود الـحقّ يقـ ـظاناً لنـا بعـد السِنـات
ولكم أتى من فـرجةٍ قد كان يحسـب غيـر آتٍ


(1) الشامصات : النافرات .
(2) الأديم : الجلد ، الفاريات : الشاقات ، من فرى الاديم أي شقه .
(3) اللغام : زبد افواه الابل ، والشدوق : الأفواه .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 260


يـا صاحبـي فـي يوم عا شوراء والـحِدب المواتي
لا تـسقــِني بـالله فـيـ ـه سوى دموعِ الباكيات
مـا ذاك يـوماً صــيـّباً فأسمـح لنا بـالصبـيات
وإذا ثـكـلت فـلا تــزر إلا ديـار الـثـاكـلات
وتنحّ في يــوم المصـيبـ ـةِ عن قلـوبٍ سـاليات
ومتى سمعت فمن عــويـ ـل للنسـاء المـعولات
وتـداوَ مـن حـزنٍ بقـلبـ ـك بالمراثي المحزنـات
لا عطـلـت تلـك الحفــا ئر مـن سلامٍ أو صلاةٍ
وسقين من وكـفِ التـحيـ ـةِ عن وكيف السارياتِ
ونـفـحن مـن عبق الجـنا ن أريجـه بالـذاكـيات
فلقـد طوَيـن شمـوسـنـا وبدرونا فـي المشكلات(1)
وقال يرثي الحسين عليه السلام في عاشوراء سنة 429 هـ :
من عذيـرى مـن سَقامٍ لم أجـد مـنه طبيبـا
وهــمومٍ كـأوار الـ ـنّار يسـكنّ القـلوبا
وكـروبٍ ليـتهـنّ اليـ ـوم أشـبهن الكـروبا
وخــطوبٍ معـضلاتٍ بتن ينسـين الخـطوبا
شـيبـت مـنـي فـود ى ولـم آتِ المشيـبا
ورمت في غصني إليبـ ـس وقـد كان رطيبا
بـان عـني وتـنـاءى كل مَن كـان قريـبا
وتعـرّيتُ مـن الاحبـ ـاب في الدنيا عزوبا
وسقــاني الدهر من فر قة من أهـوى ذَنوبا(2)
إن يـوم الـطف يـوم كان للـدين عصيبا


(1) عن الديوان .
(2) الذنوب بالفتح الدار الكبير .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 261


لم يدع فـي القلـب مني للمـســرّات نصيـبا
إنـه يـوم نـحيــبٍ فالتزم فيـه النـحــيبا
عـطّ تامورك واتـرك معشراً عـطّوا الجيـوبا(1)
واهجر الطيب فلم يترك لنا عــاشـور طـيـبا
لـعــن الله رجـالاً أترعوا الدنــيا غُصوبا(2)
سالموا عجـزاً فـلـما قدروا شنّـوا الحـروبـا
في الـمعرّات يـهبـ ـون شـمـالاً وجنوبـا
كلما ليموا علـى عيبهم ازدادوا عــيــوبــا
ركبوا أعوادنا ظـلـما وما زلـنـا ركــوبـا
ودعونا فــرأوا مـ ـنّا علـى البعـد مجـيبا
يقطع الحزن ويطـوى في الديـاجيـر السـهوبا
بـمطـىٍ لا يـباليـ ـن علـى الأين الدّءوبـا
لا ولا ذقن على البعـ ـد كــلالاً ولغـوبــا
وخيولٍ كـرِئال الـ ـدوّ يـهززن الـسبـيبا(3)
فأتـتونا بجــموعٍ خـالـها الراءون روبـا(4)
بوجـوه بعــد إسفا رٍ تبـرقعـن الـعطـوبا
فنشبنـا فيهـم كـر هاً وما نهـوى الـنـشوبا
بقلوبٍ لـيس يـعـ ـرفن خفـوقــاً ووجيبا
ولقد كـان طويل الـ ـباع طعّـانــاً ضروبا
بالضبا ثـم القنا يفـ ـرى وريــداً وتـريبا
لا يرى والحربُ تُغلى قدرُهـا منـها هيـوبـا


(1) عط : شق ، والتامور : غشاء القلب .
(2) اترعوا : ملأوا ، والغصوب الظلم .
(3) الرئال : فرخ النعام ، والدو : المفازة . والسبيب : شعر عرف الفرس أو اذنيه .
(4) الروب : القطع من الليل .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 262


فجرى مـنّا ومـنهـم عندم الطّـعن صبيبـا
وصلينا من حريق الـ ـطعن والضرب لهيبا
كان مرعانا خصيبـاً فبهـم عـادَ جديــبا
لم نكـن نألـذف لولا جورهم فـينا خطـوبا
لا ولا تبـصر عيـن في ضواحـينا نـدوبا(1)
طلـبوا أوتار «بَـدر» عندنا ظـلمـاً وحوبـا
ورأوا فـي ساحة الـ ـطف وقد فات القلـيبا
قد رأيـتـم فأرونـا منـكـم فـرداً نجيـبا
أو تـقياً لا يـرائـى بتـقـاه أو لـبـيـبـا
كلما كـنّا رءوســاً للــورى كنتم عـجوبا(2)
ما رأيـنا منكم بالحـ ـق إلا مسـتـريـبـا
وصدوقـاً فإذا فـتّشـ ـته كــان كـذوبـا
وخليـعـاً خالـياً عن مطمع الخـير عـزوبا
وبعيــداً بمـخازيـ ـهِ وإن كان نـسيـبا
ليت عـوداً من غَشومٍ حقّـنا كـان صلـيـبا
وبـودّى أن أنّ مَن يأ صـلنا كـان ضريـبا
في غـدٍ ينـضب تيّا رُ لكـم فــينا نضوبا
ويقـئ البـاردَ السلـ ـال مَن كـان عبـوبا
ويعود الخَـلقُ الـرّث مــن الأمـر قـشيبا
والذي أضحى وأمسى ناكبـاً يـضحـى نكيبا
آل ياسين ومَن فضـ ـلهم أعـيـا اللـبيـبا
أنتم أمني لدى الحشـ ـر إذا كـنت نـخيـبا(3)


(1) الندوب هو اثر الجرح .
(2) العجوب : جمع العجب وهو العقب أو العجز .
(3) النخيب : الخائف .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 263


انتم كشـّفــتم لـي بالتـباشــير الـغيوبا
كم رددتم مخـلباً عـ ـني حـديداً ونـيوبـاً
وبكم «أنـجو» إذاعـو جلتُ مـوتـاً أن أنوبـا
واليـكـم جَـمحـاني ما حـدا الحادون نـيبـا(2)
وعليـكم صـلواتــي مـشـهداً لـي ومغـيبا
يا سـقـى الله قبـوراً لــكـم زِنّ الـكثـيبا
حُـزنَ خير الناس جدّاً وأباً ضــخماً حسـيبا
لـقـي الله وظـنّ النـ ـاس أن لاقـى شعـوبا
وهـو في الفردوس لمّا قيل قد حـلّ الجبـوبـا(3)
وقال يرثي جده الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء سنة 413 :
لك الليـل بعـد الذاهبـين طويلا ووفـد همـومٍ لـم يردن رحيلا
ودمعٍ إذا حبسـته عـن سـبـيله يـعود هتونـاً في الجفون هَطولا
فياليت أسرابَ الدموع التي جرت أسون كلـيـماً أو شفيـن غليـلا
أُخال صحيحـاً كـل يومٍ وليلـةٍ ويأبى الجـوى ألا أكـون علـيلا
كأني وما أحببت أهــوى ممنّعاً وأرجو ضنيـنا بالوصـال بخيلا
فـقل للـذي يبكـي نُؤياً ودِمـنة ويندب رسماً بالعـراء مـحمـيلا
عداني دمٌ لي طلّ بالطف إن أُرى شجــيّاً أُبـكّـي أربعـاً وطلولا
مصابٌ إذا قابلت بالصبر غر به وجدت كثيـري فـي العزاء قليلا
ورُزءٌ حملت الثقـل مـنه كأنني مدى الدهر لم أحـمل سواه ثـقيلا
وجدتم عُداة الـديـن بعـد محمد الى كلمه في الأقـربيـن سبـيلا
كأنكم لـم تنـزعـوا بمـكانـه خشوعاً مبـيناً في الورى وخمولا
وأيّكـم مـا عـزّ فيـنا بدينـه ؟ وقد عاش دهراً قــبل ذاك ذليلا


(2) الجمحان : القصد .
(3) الجبوب : جمع جب وهو الحفرة .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 264


فـقل لـبنـي حـربٍ وآل أمـيـّةٍ إذا كنتَ ترضـى ان تكـون قؤولا
سـللتم عـلـى آل الـنـبي سيـوفه مُلئن ثُلومـاً فـي الطـلى وفلـولا
وقُـدتـم الى مَن قادكم من ضـلالكم فأخرجــكـم من واديـيه خيـولا
ولم تـغدروا إلا بـمن كـان جـده اليكـم لتحـظـوا بالنـجاة رسولا
وترضون ضد الحـزم إن كان ملككم [بدينـاً] ودينـاً دنـتمـوه هـزيلا
نساء رسـول الله عـُقـر ديـاركم يرجّـعن منكـم لـوعة وعـويـلا
فهـنّ بـبوغـاء الـطفـوف أعزةٌ سقوا الموت صـرفاً صبيةً وكهولا
كأنهم نـوار روضٍ هـَـوَت بـه ريـاحٌ جـنـوباً تـارةً وقـبـولا
وأنـجمُ لـيلٍ مـا علـون طـوالعاً لأعيـنـنا حـتى هبـطـن أفـولا
فأي بـدورٍ ما مـحـين بكـاسفٍ واي غصـون مـا لـقـين ذبـولا
أمن بعـد أن اعطـيتـموه عهودكم خـفافـاً الى تلـك العهـود عجولا
رجعـتم عن القصد المبين تناكصاً وحُلتـم عن الـحق المنير حـؤولا
وقعـقعـتم أبـوابَه تخـتـلـونه ومَن لـم يرد خـتلاً أصاب ختولا
فمـا زلـتم حتـى أجـاب نداءكم وأيّ كريم لا يـجيـب سَــؤولا ؟
فـلـما دنا ألـفاكـم فـي كتـائب تطاولـن أقطار الـسباسـب طولا
متى تـك منـها حجزةٌ أو كحجزة سمعت زُغاءً «مضعفاً» وصهـيلا
فلم يُرَ إلا نـاكثــاً أو مـنكـبّاً وإلا قـطوعـاً لـلذمـام حـلولا
وغلا قعـوداً عن لـمام بنصـره وإلا جــَبوهـاً بالـردى وخذولا
وضغن شـغافٍ هـبّ بعد رقاده وأفـئدةً ملأى يفـضـنَ ذُحـولا
وبيضاً رقيقات الشـفار صقيـلةً وسمراً طـويلات المتون عُـسولا
ولا انتم أفرجــتم عن طـريقه إليـكـم ولا لـما أراد قـُـفـولا
عزيزٌ على الثاوي بطيبة أعظـم أنبذن على أرض الـطفوف شُكولا
وكل كريم لا يـــلم بـريـبة فإن سيم قول الفحـش قال جمـيلا
يذادون عن ماءالفرات وقدسُقواالـ ـشهادة مـن مـاء الفرات بديـلاً
رُموابالردىمن حيث لا يحذرونه وغرّوا وكم غـر الـغفول غفـولا


أدب الطف ـ الجزء الثاني 265


أيـا يـوم عاشـوراء كم من فجيعة على الغـُر آل الله كـنت نـزولا !
دخلت عـلـى بـياتـهم بمصابهـم ألا بئسـما ذاك الـدخول دُخـولا
نـزعـت شهيــد الله مـا وإنـما نزعـت يمـيناً أو قـطعت قلـيلا
قتيــلا وجـدنا بعـده ديـن احمد فقيـداً وعـز المسـلمين قـتـيلا
فلا تبـخسـوا بالجور مَن كان ربّه برجعِ الـذي نازعتــموه كفيـلا
أُحـبكم آســل النـبـي ولا أرى وإن عـذلوني عن هـواي عـديلا
وقلت لمن يُلحي عـلى شغـفي بكم وكـم غير ذي نصحٍ يكون عذولا
روَيدكم لا تنـحلـونـي ضـلالكم فلن تُرحـلوا مني الـغداةَ ذلـولا
عليكم سـلام الله عيشـاً ومــيتةً وسَفراً تـطيعون النـوى وحلولا
فما زاغ قلبي عن هواكم ، وأخمَصى فلا زلّ عمـا ترتـضون زلـيلا


السابق السابق الفهرس التالي التالي