أدب الطف ـ الجزء الثاني 266


السيد مرتضى علم الهدى المولود سنة 355 والمتوفى سنة 436 .
هو ذو المجد بن ابو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الامام موسى الكاظم عليه السلام مفخرة العصور ومعجزة الدهور ، نواحي فضله زاخرة بالعظمة ، فهو إمام الفقه ومؤسس أصوله ، واستاذ الكلام ونابغة الشعر وراوية الحديث وبطل المناظرة والقدوة في اللغة وبه الاسوة في العلوم العربية كلها وهو المرجع في كتاب الله العزيز ، وجماع القول انك لا تجد فضيلة الا وهو ابن بجدتها أضف الى ذلك نسبه الوضاح وأواصره النبوية الشذية ومآثره العلوية وحسبك شاهداً مؤلفاته السائرة مسير الأمثال .
يلقب بالمرتضى ، والأجل الطاهر ، وذي المجدين ، ولقّب بعلم الهدى سنة 420 وذلك ان الوزير أبا سعيد محمد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه امير المؤمنين عليه السلام يقول له :
قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ . فقال : يا أمير المؤمنين ومَن علم الهدى ، فقال علي بن الحسين الموسوي : فكتب اليه فقال رضي الله عنه : الله الله في أمرى فإن قبولي لهذا اللقب شناعة عليّ فقال الوزير : والله ما كتبت اليك إلا ما أمرني به أمير المؤمنين عليه السلام(1) .
وكان يلقب بالثمانين لما كان له من الكتب ثمانون الف مجلد ، ومن القرى ثمانين قرية تجبى اليه ، وكذلك من غيرهما حتى أن مدة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر ، وصنف كتاباً يقال له الثمانون . ومن تصانيفه المشهورة منها الشافي في الامامة لم يصنف مثله في الإمامة وكتاب الشيب والشباب وكتاب

(1) ذكره الشهيد في أربعينه .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 267


الغرر والدرر وله ديوان شعر يزيد على عشرين الف بيت وقد طبع اخيراً في بغداد وقد قيل : لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس ، ولولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس . قال آية الله العلامة : وبكتبه استفادت الإمامية منذ زمنه رحمه الله الى زماننا هذا وهو سنة 693 وهو ركنهم ومعلّمهم قدس الله روحه وجزاه عن أجداده خيراً . انتهى .
وذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه وقال : كتبت عنه وعن جامع الأصول انه عده ابن الأثير من مجددي مذهب الإمامية في رأس المائة الرابعة .
قال ابن خلكان في وصف علم الهدى : كان نقيب الطالبيين وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر وهو أخو الشريف الرضي وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين وله الكتاب الذي سماه (الغرر والدرر) وهي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم وذكره ابن بسام في أواخر كتاب الذخيرة فقال :
كان هذا الشريف إمام أئمة العراق اليه فزع علماؤها ومنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها وجماع شاردها وأنسها ، ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وتصانيفه في أحكام المسلمين ممن يشهد انه فرع تلك الأصول ومن ذلك البيت الجليل ، وأورد له عدة مقاطيع . اقول وأمه هي فاطمة بنت الحسين ابن احمد بن الحسن بن الناصر الاصم وهو ابو محمد الحسن بن علي بن عمر الأشرف ابن علي بن أبي طالب وهي ام اخيه ابي الحسن الرضي .
حكي عن القاضي التنوخي صاحب السيد المرتضى انه قال : إن مولد السيد سنة 355 وخلف بعد وفاته ثمانين الف مجلد من مقررآته ومصنفاته ومحفوظاته ومن الأموال والأملاك ما يتجاوز عن الوصف ، وصنف كتاباً

أدب الطف ـ الجزء الثاني 268


يقال له الثمانين وخلّف من كل شيء ثمانين وعمّر احدى وثمانين سنة من أجل ذلك سمي الثمانيني وبلغ في العلم وغيره مرتبة عظيمة قُلّد نقابة الشرفاء شرقاً وغرباً وإمارة الحاج والحرمين والنظر في المظالم وقضاء القضاء وبلغ على ذلك ثلاثين سنة . انتهى .
وفي أمل الآمل مولده في رجب وتوفي في شهر ربيع الأول ، وفي روضات الجنات لخمس بقين منه وذكر قسماً من مؤلفاته ومنها : التنزيه في عصمة الأنبياء ، الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة ، إنقاد البشر من القضاء والقدر وقال :
وذكره الشيخ في الفهرست واثنى عليه وذكر من مؤلفاته ثمانياً وثلاثين وكذلك النجاشي والعلامة .
وقال صاحب روضات الجنات : كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلا وعلما وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابة وجاها وكرماً الى غير ذلك . قرأ هو وأخوه الرضى على ابن نباتة صاحب الخطب وهما طفلان ، ثم قرأ كلاهما على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس سره وكان المفيد رأى في منامه أن فاطمة الزهراء عليها السلام دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولدها الحسن والحسين عليهما السلام وهما صغيران فسلّمتهما اليه وقالت : علّمهما الفقه ، فانتبه الشيخ وتعجب من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها علي المرتضى ومحمد الرضي صغيرين فقام اليهما وسلّم عليهما فقالت له : ايها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما اليك لتعلمهما الفقه فبكى الشيخ وقصّ عليه المنام وتولى تعليمهما وأنعم الله عليهما وفتح الله لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر .
وكان رحمه الله نحيف الجسم حسن الصورة كما في روضات الجنات وقال :

أدب الطف ـ الجزء الثاني 269


كانت وفاته رحمه الله لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة وصلى عليه ابنه ابو جعفر محمد ، وتولى غسله أبو الحسين أحمد بن الحسين النجاشي ومعه الشريف ابو يعلى محمد بن جعفر الجعفري وسلار بن عبد العزيز الديلمي ودفن أولا في داره ثم نقل الى جوارجده الحسين ودفن في مشهده المقدس مع أبيه وأخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة .
وقال سيدنا العلامة الطباطبائي في كتابه (الفوائد الرجالية) عند ذكره للسيد المرتضي بعد التعظيم له . وفي زهر الرياض للحسين بن علي بن شدقم الحسيني المدني صاحب مسائل شيخنا البهائي قال : وبلغني ان بعض قضاة الاروام وأظنه سنة 942 نبش قبره فرأه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئاً وحكى مَن رأه أن أثر الحِنّاء في يديه ولحيته وقد قيل ان الارض لا تغيّر أجساد الصالحين .
قلت والظاهر أن قبر السيد وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف بإبراهيم المجاب وكان ابراهيم هذا هو جد المرتضى وحفيد الإمام موسى عليه السلام ، وصاحب أبي السرايا الذي ملك اليمن والله أعلم . أنتهى .
قال يذكر جده الحسين عليه السلام ومن قتل معه :
يا دارُ دارَ الـصَـوم الـقُوّم كيف خلا أفقك من أنجم
عـهدي بهـا يرتع سكـّانُها في ظلّ عيشٍ بينها أنعَم
لم يُصبحوا فيها ولم يغـبُقوا إلا بـكأسى خمرَة الأنعَم
بكـيتـها من أدمُعٍ لو أبَـت بكيتـها واقعـة مـن دم
وعُجت فيـها راثيـاً أهلـها سَواهم الأوصال والمَطلم
نَحَلـن حتـّى حالهنّ السُرى بعض بقايا شَطَـنٍ مُبرَم
لم يـدعِ الإسآدُ هـامـاتها إلا سقيطاتٍ على المَنسٍم
يا صاحبي يوم أزالَ الجَوى لحمى بخّدى عن الأعظم


أدب الطف ـ الجزء الثاني 270


«داويت» مـا أنـت به عالمٌ ودائي المـعضل لـم تـعلـم
ولستُ فيـما أنا صـَبّ بـه ، مَن قَرَن السـالـيَ بالمُغـرَم ؟
وَجدى بغيـر الـظن سـيّارةً من مَخرِم نـاء إلـى مـَخرم
ولا بلفـّاء هضـيـم الحشـا ولا بذات الـجيد والـمعـصَم
فاسمع زفيرى عند ذكر الأُلى بالطــفّ بين الذئب والقشعم
طَرحـى فإمّـا مقعَص بالقنا أو سـائل النفـس على مخذَم
نَثرٌ كـدُرٍ بَـدَدٍ مُـهـمَـلٌ لغفلة السـلك فلــم يـُنظَـم
كأنّمـا الغـَبراء مـَرميـّة من قبل الخـضراء بالأنجـُم
دُعـوا فـجاءوا كَرَماً منهم كم غـرّ قومـاً قَـسَم المُقسم
حـتى رأوها أخريات الدجى طوالـعاً مـن رَهـَجٍ أقتـَم
كأنـهم بالصّـم مطـرورة لمنجـد الأرض على مُتهِـم
وفوقها كـلّ مغَيظ الحشـا مُكـتَحل الطرف بلون الـدم
كأنه مـن حَـنَقٍ أجــدَلٌ أرشـده الحرص إلى مَطعـم
فاستقبـلوا الطعـنَ إلى فتيَةٍ خوّاض بحـرالحذر المفعَـم
من كلّ نهّاضٍ بثقـل الأذى موكـّل الكاهل بالمُـعـظـَم
ماضٍ لِما أمّ فلو جاد في الـ ـهيجـاء بالحوباء لم يَـندم
وكالفٍ بالـحرب لـو أنـه أُطعم يوم السّلـم لـم يطـعمِ
مثلّم الـسيف ومـن دونـه عرض صحـيح الحد لم يثلم
فلم يـزالوا يُكرعـون الظبا بين تراقي الـفـارس المُعلم
فمثخَـنٌ يـحملُ شهـّاقـة تحكى لراءِ فُــغرةَ الاعلـم
كأنمـا الوَرس بهـا سائل أو أنبتت من قُـضُبِ العَـندَم
ومستـزلّ بالقنـا عن قَرا عبل الشوى أو عن مَطا أدهم
لو لم يكيدوهـم بهـا كيدة لانقلبوا بـالخزى والـمرغم
فاقتضبت بالبيض أرواحهم في ظل ذاك العارض الأسحم
مصيبةٌ سيقت إلـى أحمـدٍ ورَهطِهِ فــي الملأ الاعظم


أدب الطف ـ الجزء الثاني 271


رزءٌ ولا كالـرُزء مـن قبـله ومؤلمٌ ناهيـك مـن مـؤلـم
ورميةٌ أصــمـت ولـكنهـا مصـمـيةٌ مـن ساعدٍ أجـذم
قل لبني حـربِ ومـن جمعوا من جائرٍ عـن رشـده أوعـم
وكـلّ عان فـي إسارى الهوى يُحـسب يـَقـظان مـن النوم
لا تـحســبوهـا حُـلوةً إنها أمرّ فــي الحـلق من العلـقم
صرّعـهم أنـهـم أقــدموا كم فُـدي الـمحجـم بالمقـدم
هل فـيكـم إلا أخـو سَـوءَةٍ مُجـرّحُ الجـلد مـن اللــُوّم
إن خـاف فقـراً لم يجُد بالندى أو هاب وشـكَ الموت لم يُقدم
يا آل يـاسـين ومـَن حُـبهم منـهـجُ ذاك السـنن الأقـوم
مهابــطُ الأمـلاكِ أبـياتهم ومُسـتقر الـمنزل المُحـكـم
فـأنتـم حُـجة رب الـورى على فصيح النـطق أو أعجـم
وأيــن ؟إلا فيكـم قـُربـةٌ الى الاله الخـالق الـمنـعـم
والله لا أخلـيتُ مـن ذكركم نَظمي ونثري ومـرامي فـمي
كلا ولا أغبـَبتُ أعـداءكـم من كّلمي طـوراً ومـن أسهمي
ولا رُئي يوم مـصاب لكـم منكشـفاً فـي مشهـدٍ مَبسمـي
فإن أرغب عن نصركم برهة بمرهفـات لـم أغــب بالفـم
صلى عليكم ربـّكم وارتوت قبوركم مـن مسـبل مُـثجــم
مقـعقع تُـخجـل اصـواته أصوات ليـث الغـابة المـرزم
وكـيف أستسقـي لكم رحمة وأنـتـم رحـمـة لـلمــجرم ؟
وقال يرثي جده الحسين عليه السلام ويذكر آل حرب :
خذوا من جفـوني مـاءهـا فهي ذُرّف فما «لكـم» إلا الجوى والـتلهُّف
وإن أنتما اســتوقفـتما عـن مَسيلهـا غــُروب مآقيـنا فـما هنّ وقف
كأن عيــوناً كـن زوراً عـن البـكا غصون مَطيرات الذُرى فهي وكفّ
دعا العـذل والتعنيف في الحزن والأسى فمـا هجـر الأحزان إلا المعـنّف


أدب الطف ـ الجزء الثاني 272


تقولون لي صبرا جميلاً وليس لـي على الصـبر إلا حسـرة وتلهف
وكيف أطيق الصـبر والحزن كلما عنفتُ به يقوى علـيّ وأضعـف
ذكرت بيوم الـطف أوتـاد أرضه تهبّ بهم للمـوت نكباء حـرجف
كرامٌ سُقـوا مـاء الخديعة وارتووا وسيقوا الى الموت الزُؤام فأوجفوا
فكم مُرهَـفٍ فيـهـم ألـم بحـدّه هنالك مسنونُ الغرارين مُـرهفُ
ومـعتـدل مـثل الـقـناة مثـقفٍ لواه الى الموت الطـويل المثقّف
قَضَوا بعد أن قضّوا منىً من عدوّهم ولم ينكلوا يـوم الطعان ويضعفوا
وراحـوا كـما شــاء لهم أريحيّهٌ ودَوحَةُ عزٍّ فـرعُـها متعـطّف
فإن ترهم في الـقاع نَـثراً فشملهم بجنّات عـدنٍ جامـعٌ متـألـّف
إذا ما ثنوا تـلـك الوسـائد مُـيّلاً أديرَت عليهم في الزجاجة قرقف
وأحواضهـم مـورودة فـغدّوهـم يُحَلا واصحـاب الولاية ترشُف
فلو أنّني شـاهدتهـم أو شَـهِدتـهم هناك وأنيـاب المـنيّةِ تَصرف
لدافعت عنهـم واهبـاً دونهـم دمي ومَن وهب النفس كريمة منصف
ولم يك يخلو من ضرابي وطعنتـي حسامٌ ثليمٌ أو سِـنانٌ مـقصـّفٌ
فيا حاسديهـم فضـلَهم وهـو باهر وكم حسد الأقوام فضلاً وأسرفوا !
دعوا حـلباتِ الـسبق تمرح خيلُها وتغدو على مضمارها تتغطرف
ولا تزحفوا زحف الكسير إلى العلا فلن تلحقوا وللصّلال «التزحف»
وخلوا التكاليـف التي لا تفيدكـم فما يستـوي طبـعٌ نبا وتكـلّف
فقد دام إلـطاطٌ بـهم في حقوقهم وأعوز إنصاف وطـال تحـيف
تناسيتم مـا قـال فيهـم نبـيّكم كأن مـقالاً قـال فيهـم محرّف
فكم لرسول الله في الطف من دمٍ يراق ومن نـفس تمات وتتـلف
ومن ولدٍ كالعين مـنه كـرامـةً يقاد بأيـدي الناكـثين ويعـسف
عزيزٌ عـليه أن تُـباع نسـاؤه كما بيع قطع في عكاظ وقرطف
يُذَدن عن الـماء الرواءِ وترتوى من الماء أجـمالٌ لهم لا تكفكف
فيا لعيـونٍ جـائرات عن الهدى ويا لقلوبٍ ضغنها متـضعـّف


(1) عن الديوان .
(2) العوار : ما يصيب العين من رمد . والمائد : المتحرك . وللمودي : المهلك .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 273


لكم أم لهم بيتٌ بنـاه عــلى التـبقـى وبـيتٌ لـه ذاك الستار الـمسجـّف
به كـل يـوم مـن قريـشٍ وغيـرها جهـيرٌ مـلبٍّ أو سـريع مـطـوّف
إذا زارَه يــومــاً دلـوحٌ بـذنـبهِ مضى وهو عريانُ الــفرا متكـشّف
وزمزم والركــُب الذي يمـسحـونه وأيمانهم من رحمــة الله تنــطف
ووادي منى تـهـدى إلـيه نـحائـرٌ تـكبّ على الأذقان قسـراً فتـحتـف(1)
وجمعٌ وما جمــعٌ لمـن ساف تُـربه ومـن قـبلـه يـوم الوقوف المعرّف
وأنتم نصرتم أم هــم يـوم خيبــرٍ نبيـّكـم حيـث الأسنـة تـرعـف ؟
فررتم وما فرّوا وحـدتـم عن الردى وما عنه مـنهـم حائـد مـتحـرّف
فحصنٌ مشيدٌ بالــســيوف مهـدّم وبابٌ مـنيع بـالأنـامـل يـُقـذَف
توقفتم خوف الــردى عـن مواقف وما فيـهم مـن خـيفـةٍ يتـوقّـف
لهم دونكم فــي يـوم بَدرٍ وبـعدها بيوم حـنين كـلّما لا يـزحلـــَف
فقل لبني حــرب وإن كان بـيـننا من النسب الداني مـرائـر تحـصف
أفي الحقّ أنـّا مخرجوكم إلـى الهدى وأنتم بلا نـهجٍ إلــى الـحق يعرف ؟
وإنّا شَببنا فــي عِـراص دياركـم ضياءً وليل الكفـر فيـهنّ مـُسـدف
وإنّا رفعـناكـــم فأشـرف منـكم بنا فوق هامـات الأعـزّة مـِشـرف
وها أنـتــم ترمـونـنا بـجنـادل لها سُحُـبُ ظــلماؤها لا تـُكشّـف
لنا منكـم فـي كــلّ يـومٍ وليـلة قتـيل صـريـع أو شريــد مخوّف
فخرتم بمـا ملـّكتـمـوه وإنـكـم سِمان من الأموال إذ نحن شُـسـّف(1)
وما الفخر ـ يا مَن يجهل الفخرللفتى ـ قمــيص مـوشّـى أو رداءٌ مفـوّف
وما فخرنا إلا الذي هبـطت بـه الـ ـملائك أو مـا قد حوى منه مُصحف
يقـرّ به مَـن لا يـطيـق دفـاعَـه ويعرفـه في القـوم مـَن يـتعـرّف
ولمّا ركبــنا مـا ركبنا مـن الذُرا وليس لـكم في موضع الردف مردف
تيـقنـتم أنـّا بـما قـد حـويـتـم أحقّ وأولـى فــي الأنـام وأعـرف


(1) تحتف : تهلك .
(2) الشسف : جمع الشاسف وهو الضامر الهزيل .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 274


ولكن أمـراً حـاد عنـه مـحـصّل وأهوى إليـه خـابـط متـعسـف
وكم من عتــيـقٍ قد نبا بيـميـنه حسـامُ وكم قـطّ الضـريـبة مقرف(1)
فلا تـركبوا أعـوادَنـا فـركـوبها لمن يركـب اليـوم العبوس فـيوجف
ولا تسـكنوا أوطـانـنا فعـراصنا تميل بـكم شوقــاً إليـنا وتـرجف
ولا تكشـفوا ما بـيـننا من حقائـد طواها الرجال الـحازمـون ولفـّفوا
وكـونـوا لـنا إمّا عـدوّاً مجـملاً وإمـا صـديقـاً دهـره يـتلـطف
فللخيـر إن آثـرتم الخيـر موضعٌ وللشـرّ إن أحبـبتم الشـر مـوقـف
عكفنا عـلى ما تعلمون من التـقى وأنـتم علـى ما يـعلم الله عـكـّف
لكم كل مـوقـوذ بـكظـّة بـطنه وليـس لنـا إلا الهـضـيـم المخفف
الى كم أداري مَـن أُداري من العِدا وأهـدن قـومـاً بالـجميـل وألطف ؟
تلاعب بي ايدي الـرجال وليس لي من الـجور مُنـجٍ لا ولا الظلم منصف
وحشو ضلوعي كـل نجلاءَ ثـرّةٍ مـتى ألّـفوهـا اقـسـمت لا تـألف
فظاهرهـا بادي السـريرة فاغـرٌ وبـاطنهـا خـاوي الدخـيـلةِ أجوف
إذا قلتُ يـوماً قـد تـلاءم جرحها تحـكـك بـالأيـدي عـليّ وتـقرف
فكم ذا ألاقـي منـهم كـل رابـح ومـا أنا إلا أعــزل الـكف أكتـف
وكم أنا فيهـم خاضـعٌ ذو استكانة كأني مـا بـين الأصحـّاء مـُدنـف
اقـاد كـأني بـالزمـام مـُجلّب بطيء الخـطا عـاري الأضالع أعجف
وأرسِف فـي قيد من الحزم عنوةً ومن ذيدَ عـن بسط الخطا فهـو يرسف
ويلصق بي من ليس يدري كلالة وأحسَبُ مضعـوفاً وغيري المضعّـف
وعدنا بـما مـنّا عيون كـثيرة شخوص الـى إدراكـه لـيس تطـرف
وقيل لنا حـان الـمدا فتـوكفوا فيـا حجـجاً لله طـال الـتـوكــف
فحاشـا لنا مـن ريبةٍ بمقالـكم وحاشا لـكم من أن تـقولـوا فتخـلفوا
ولم أخشَ إلا من معاجلة الردى فأصرف عـن ذاك الـزمـان وأُصدف


(1) المقرف . المتهم والمعيب .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 275


وقال رضي الله عنه يرثي الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء «سنة 427»
أمـا تـرى الـربـع الذي اقفرا عراهُ من ريب البلى ما عَرا ؟
لـو لـم أكـن صبـّا لـسكانـه لم يجر من دمعي له ما جرى
رأيــتـه بـعـد تــمـامٍ لـه مـقلبـاً أبـطنـه أظهـرا
كـأنـني شكـا وعــلمـاً بـه أقـرأ مـن أطـلاله أسطرا
وقـفت فـيـه أينقـاً ضمــّراً شـذّب من أوصالهن السُرى
لـي بـأناس شُغـلٌ عـن هـوى ومعشـري أبكى لهم معشرا
أجل بـأرض الـطف عينيك مـا بين أنـاس سربـلوا العثيرا
حكّـم فيهـم بغـيُ أعـدائـهـم علـيهم الـذًُؤبان والأنـسرا
تـخـال مـن لألاء أنـوارهـم لـيل الفيافي لهـم مقــمرا
صـرعـى ولكن بعد أن صَرّعوا وقطـّروا كـلّ فتىً قطـّرا
لـم يرتضوا درعـاً ولـم يلبسوا بـالطعـن إلا العَلَق الأحمرا
مـن كلّ طـيّان الحـشا ضامـرٍ يركب في يوم الوغى ضمّرا
قـل لبني حـربٍ وكـم قـولـةٍ سطّرها في القوم من سـطرا
تهتـم عـن الـحق كأن الـذي أنـذركـم في الله مـا أنذرا
كـانّـه لــم يقـركـم ضـُلّلا عـن الهدى القصد بأمّ القرى(1)
ولا تـدرّعــتم بـأثـــوابـه من بعـد أن أصبحتم حُسرا
ولا فـريـتـم أدمـاً «مــرّةً» ولـم تكونـوا قط ممن فرى
وقـلـتم : عـنصرنا واحــدٌ ؛ هيهات لا قربى ولا عنصرا !
ما قدم الأصل أمرءاً فـي الورى أخـرّه في الفـرع ما أخّرا
وغـرّكم بــالجـهل إمـهـالكم وإنـما اغتـرّ الـذي غُرّرا
حلأتم بالطف قـومـاً عـن الـ ـماء فحلّئـتم بـه الكوثـرا


(1) يقركم : يرشدوكم ويهدكم . والقصد . الهدى والرشاد ، وام القرى . مكة المكرمة .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 276


فـإن لقـوا ثـَـمّ بكم مــنكراً فسوف تلقون بـهـم منـكرا
في سـاعة يـحكم فـي أمـرها جـدُهم العـدل كـما أُمـّرا
وكيف بعتـم دينكم بالـذي أسـ تـنزره الحـازم وأستحقـرا
لـولا الـذي قدّر مـن أمركـم وجـدتـم شأنـكم احـقـرا
كـانت مـن الدهر بكم عثـرةٌ لا بـد للسابـق أن يـعثـرا
لا تفخـروا قـطّ بشـيء فـما تـركتـم فينا لـكم مفـخرا
ونـلتـموهـا بيعـةً فـلــتةً حتـى ترى العين الـذي قدّرا
كأنني بـالـخيل مثل الـدبـى هبّت بـه نكباؤه صرصـرا
وفـوقهـا كـل شديـد القـوى تخـاله مـن حنق قســورا
لا يمطر السُمر غداة الــوغى الا بـرشّ الـدم إن أمـطرا
فيـرجـع الـحق الى أهــلـه ويقـبل الأمـر الـذي أدبرا
يـا حجـج الله عـلى خلـقـه ومَن بهم أبصر من أبـصرا
أنتم عـلـى الله إليـك كـمـا عـلمتم المبعثَ والمحـشرا
فـإن يكن ذنبٌ فقـولوا لـمـن شفعكـم في العفـو أن يغفرا
إذا تـوليتـكـم صـادقـــاً فلـيس مـني مـنكر منكرا
نصرتكـم قولاً على أنــنـي لآمـلٌ بالسـيف أن أنصرا
وبين أضلاعي سـرّ لــكـم حوشـي أن يبدو وأن يظهرا
أنـظر وقتاً قيـل لـي بُـح به وحـق للمـوعود أن ينظرا
وقــد تبـصـرتُ ولكنـنـي قد ضقتُ أن أكظم أو أصبرا
وأيُ قـلـبٍ حـملـت حزنكم جوانـح «مـنه» وما فُطّرا
لا عاش من بعـدكـم عـائش فينا ولا عُمّـر من عـمّرا
ولا استقـرت قـدمٌ بـعدكـم قرارة مبدي ولا مـحضَرا(1)
ولا سقـى الله لنـا ظامـئـاً من بـعد أن جنّبتم الأبحرا


(1) المبدي هو البدو ، والمحضر هو محل احضر .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 277


ولا علَت رجل وقد زحزحت أرجلكم عن متنه مِنبرا(1)
وقال رثاء جده الحسين عليه السلام :
حلفـت بمـن لاذت قريـش ببـيتـه وطافوا بـه يوم الـطواف وكبـّروا
وبالـحصيـات اللات يقذفن في منى وقـد أم نـحو الـجمرة المـتجـمّر
وواد تـذوق الـبـزل فيـه حمامها فليـس بـه إلا الـهـديّ المـعفّـر
وجمعٍ وقد حطـّـت إليـه كـلا كل طلائح أضنـتها التـنائـف ضـمّر
يخلن عليهنّ الـهـوادج في الضحى سفائن في بحر مـن الآل يـزخـر
ويوم وقوف المـحرمين على ثرىً تطاح به الـزلات مـنهـم وتـغـفر
أتوه أسارى الـموبقـات وودّعـوا وما فيـهـم إلا الـطلـيق المـحرّر
لقد كُسرت للديـن في يوم كربـلا كسائر لا تـوسـى ولاهي تـجـبر
فإمّ سبـيّ بـالـرمـاح مـسـوّق وإمّـا قتـيل فـي الـتـراب معـفّر
وجرحى كما اختارت رماح وأنصل وصرعـى كـما شاءت ضباع وأنسر
لهم والدجـى بالـقاع مرخٍ سدولـه وجوه كـأمثال المـصابيـح تـزهر
تراح بريحـانٍ وروحٍ ورحـمـةٍ وتوبّل من وبـل الـجنان وتـمطـر
فقل لـبني حربٍ وفي القلب منـهم دفـائن تبـدو عن قـليـلٍ وتـظـهر
ظننتم وبعـض الـظن عجز وغفلة بـأن الذي أسـلفـتم لـيـس يذكـر
وهيهات تأبى الخيل والبيض والقنا مجـاري دمٍ للـفاطـمـيـين يُـهدر
ولـسـتم سـواءً والـذين غلبـتم ولكنها الاقـدار فـي الـقـوم تُقـدر
وإن نلتموهـا دولـةً عـجـرفيّة فـقد نـال ما قد نال كسرى وقيـصر
وليس لكـم من بعـد أن قد غدرتم بمن لم يكـن يـوماً مـن الدهر يغدر
سوى لائماتٍ آكـلاتٍ لحومكـم وإلا هـجـاء فـي البـلاد مُـسيـّر
تـقطَع وصل كـان منّا ومنـكم ودانٍ من الأرحـام يـثنى ويسـطـر


(1) عن الديوان .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 278


وهل نافـع أن فرّقـتنـا أصولكم أصول لنا نأوى إليـها وعنصر
وعضو الفتى إن شلّ ليس بعضوه وليس لربّ السرّب سـرب مُنَفّر
ولا بد من يـومٍ به الـجو أغـبر وفيه الثرى من كثرة القتل أحمر
وأنتم بـمـجـتاز السـيول كأنكم هشيم بأيدي العاصفـات مطيـر
فتهبط منكم أرؤس كنّ فـي الذُرا ويخبو لكـم ذاك اللهيب المسعّـر
ويثأر منـكم ثـائرٌ طال مطـله وقد تظفـر الأيام مـن ليس يَظفر(1)
وقال يرثي جده الحسين عليه السلام ومن قتل من أصحابه :
هل أنت راث لصب الـقلب معـمود دَوي الفؤاد بغير الخـرّد الــخود ؟
ما شفّـه هـجر أحبابٍ وإن هجروا من غير جـرمٍ ولا خُلف المواعـيد
وفي الجـفون قـذاة غـير زائـلةٍ وفي الضلـوع غـرامٌ غـير مفقود
يا عاذلـي ـ ليس وجدٌ بتّ أكـتمه بين الحـشى ـ وجد تعنيف وتفـنيد
شربي دموعى عـلى الخدين سائلة إن كان شـربـك مـن ماء العناقيد
ونـم فـإن جفـوناً لـي مسـهدة عمر الليالي ولـكـن أي تسـهيـد ؟
وقد قضيتُ بـذاك العذل «مأربة» لو كان سـمعي عنـه غير مسـدود
تلومنـي لم تصـبك اليوم قاذفتي ولم يعدك كـما يعـتادنـي عيـدي
فالظلم عذل خلـيّ القلـب ذا شجن وهجنةٌ لـومُ مـوفـور لمجـهـود
كم ليلة بتّ فيهـا غيـر مرتفـق والـهمّ مـا بـين محلول ومعـقود
مـا إن أحنّ اليها وهـي ماضـية ولا أقـول لـها مستـدعياً : عودي
جـاءت فكانـت كعوّار على بصر وزايلت كـزيال المائــد المـودي(2)
فـإن يـود أنـاس صـبح ليلهـم فإن صبحـي صـبح غير «مودود»
عـشيةٌ هجمـت مـنها مصـائبها علـى قلوب عن البلـوى محـايـيد
يا يوم عاشور كم طأطأت من بصر بعـد السـمو وكـم أذللت من جـيد


أدب الطف ـ الجزء الثاني 279


يا يوم عاشـورا كم أطردت لي أملاً قد كـان قبـلك عندي غير مطرود
أنت المرنـق عيـشي بعـد صفوته ومولج البيض من شيبي على السود
جُز بالطـفوف فكـم فيهن مـن جبل خر القضاء به بـيـن الجـلامـيد
وكـم جـريـح بلا آسٍ تـمزقـه إما النـسور وإما أضبـع البـيـد(1)
وكـم سـليـب رمـاح غير مستتر وكم صـريع حـمام غـير ملحود
كأن أوجهـهـم بـيضـاً «ملألئة» كواكب في عراص القفرة الـسود
لم يطعموا الموتَ إلا بعد أن حطموا بالضرب والطعن أعناق الصناديد
ولم يدعُ فيهم خـوف الـجزاء غداً دمـاً لترب ولا لـحماً إلـى سيد(2)
من كل أبلـج كالـديـنار تشـهده وسط الـنديّ بفضل غير مجحود
يغشى الهيـاج بكف غـير منقبض عن الضـراب وقلب غير مزءود
لم يعرفوا غـير بثّ العرف بيـنهم عفواً ولا طبعـوا إلا عـلى الجود
يا آل أحـمد كـم تلـوى حقوقـكم لي الغـرائب عن نبت الـقراديـد(3)
وكم أراكـم بأجـواز الـفلا جزراً مبــدديـن ولـكن أي تـبديـد ؟
لو كان ينصفـكم من ليس ينصفكم ألقـى إليـكم مطـيعاً بـالمـقاديد
حُسدتم الفضل لم يحـرزه غيـركم والناس «ما» بين محروم ومحسود
جاءوا إليكم وقد أعـطوا عـهودهم في فـيلـق كـزهاء الليل ممـدود
مستـمرحين بـأيديهـم وأرجلـهم كما يشاءون الركض الضمّر القود(4)
تهـوي بهم كـل جـرداء مطهمةٍ هويّ سجل مـن الأوذام مجـدود(5)
مستشعرين لأطراف الـرماح ومن حدّ الظبا أدرعـاً مـن نسج داود


(1) الاسي : الطبيب .
(2) السيد . الذئب والاسد .
(3) القراديد . هو ما ارتفع وغلظ من الأرض .
(4) القود : من الخيل ما طال ظهره وعنقه .
(5) السجل . الدلو العظيمة والأوذام جمع الوذمة وهي السير بين آذان الدلو والخشبة المعترضة عليها .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 280


كأن أصـوات ضـرب الهام بينـهم أصوات دوحٍ بأيـدي الـريح مبرود
حمـائـم الأيكِ تبكيــهم على فَنَن مـرنـح بـنسـيـم الريـح أُمـلود
نوحي فـذاك هدير مـنك محـتسب على حسـين فتـعديـد كتـغـريـد
أُحبكم والـذي طـاف الحـجيج به بمبتنى بـإزاء الـعرش مقـصـود
وزمـزمٍ كـلمـا قسـنا مواردها أوفـى وأربـى على كـل المواريـد
والموقفين ومـا ضحوا على عجلٍ عنـد الجـمار من الكوم «المقـاحيـد»(1)
وكـل نسـك تلـقاه الـقبول فما أمـسى وأصـبح إلا غير مــردود
وارتضى أننـي قد متّ قبـلكـم فـي مـوقف بـالردينيات مشهـود
جمّ القتيل فهـامـات الرجال بـه في القـاع ما بين متروك ومحصود
فقل لآل زيـاد أيّ مـعـضـلة ركبتمـوهـا بتخبـيب وتـخويـد
كيف استلبتم من الشجـعان أمرهم والـحـربُ تغـلي بأوغاد عـراديد ؟
فرقتم الشمل ممن لـف شـمـلكم وأنـتم بين تـطـريـد وتشـريـد
ومَن أعزكم بعد الـخمول ومـن أدناكـم مِـن أمـان بعـد تـبعـيد ؟
لولاهم كـنتـم لحماً لـمـزدرد أو خُلسة لقـصير البـاع معضـود
أو كالسـقاء يبيسـاً غير ذي بلل أو كـالجناء سقـيطاً غيـر معمود
أعطاكـم الدهر ما لا بد «يرفعه» فـسالب الـعود فيها مـورق العود
ولا شربتـم بصفو لا ولا علقت لكـم بنـان بـأزمـان أراغيــد
ولا ظفرتم وقد جـنّت بكم نوب مـقلـقـلات بتمهـيد وتـوطيـد
وحوّل الدهـر رياناً الى ظمـأ مـنكـم وبـدّل محدوداً بمجـدود
قد قلت للقوم حطوا من عمائمهم تحـققاً بمـصاب الـسـادة الصيد
نوحوا عليه فـهذا يوم مصرعه وعـددوا إنـهــا أيـام تعـديـد
فلي دموعٌ تُـباري القطر واكفةٌ جادت وإن لـم أقل يا أدمعي جودي(2)


(1) المقاحيد : جمع المقحاد وهي الناقة عظيمة السنام .
(2) عن الديوان .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 281


وقال يرثي الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء سنة خمس وثلاثين وأربعمائة :
يـا ديـار الأحباب كيـف تحـوّلـ ـتِ قفاراً ولـم تكـوني قفـارا ؟
ومحـت منـك حادثـات الليالــي رغم أنفـي الشمـوس والأقمارا
واستـرد الزمـان مـنك «ومـاسا ور» في ذاك كلـّه مـا أعـارا
ورأتـكِ العيـون ليـلاً بهــيمـاً بـعد أن كـنت للعيون نهـارا
كـم ليالـيّ فيـك هـمّا طــوال ولقـد كـنّ قـبل ذاك قـصارا
لِـمَ أصبحـت لي ثـماداً وقد كنـ ـتِ لمـن يبتغي نـداكِ بحارا ؟
ولقـد كنتِ بـرهــةً لـي يميـناً ما تـوقعـتُ أن تكـوني يَسارا
إن قـومـاً حـلوك دهــراً وولَّوا أوحـشوا بالنوى علينا الديـارا
زوّدونـا ما يمـنع الغمـضَ للعيـ ـن ويـنبي عن الجنوب القرار
يا خلـيلي كـن طـائعاً لي مادمـ ـت خلـيلاً وإن ركبتَ الخطارا
مـا أبـالي فيـك الحذار فلا تخش إذا مـا رضيـت عنـك حذارا
عُج بأرض الطفوف عيسك وأعقلـ ـهن فيهـا ولا تجـزهـن دارا
وابـكِ لي مُسعـداً لحزني وأمنحـ ـني دمـوعاً إن كن فيك غزارا
فـلنا بالطفـوف قـتلى ولا ذنـبَ سـوى البغى من عدى وأُسارى
لـم يذوقـوا الـردى جُزافاً ولـكن بعـد أن أكرهـوا القنا والشّفارا
وأطـاروا فــَراشَ كـلّ رءوس وأمـاروا ذاك النجـيع المسمارا
إن يـوم الطـفـوف رنـّحنى حُز ناً عـليكم وما شربـتُ عـقارا
وإذا [مـا] ذكـرتُ مـنه الذي ما كـنتُ أنسـاه ضـيق الأقطارا
ورمـى بـي علـى الهموم وألقى حَيَـداً عـن تنعـمي وأزورارا
كـدتُ لـما رأيت إقـدامـهم فيـ ـه عليـكم أن أهـتك الأستارا
وأقـول الـذي كتـمتُ زمـانـاً وتوارى عن الحـشا ما تـوارى


السابق السابق الفهرس التالي التالي