أدب الطف ـ الجزء الثاني 214


وقال يرثي جده الشهيد :
راحـل أنــت والـليالـي نزول ومضرّ بـك البـقاء الطـويـل
لا شـجـاعٌ يـبقــى فيعـتـنق البيـض ولا آمـلٌ ولا مأمـول
غاية النـاس فـي الزمـان فَـناء وكـذا غايـة الـغصون الذبـول
إنما المــرء للـمنـيّة مخـبوءٌ ولـلطـعن تسـتجمّ الـخيــول
مَن مقـيل بيـن الـضلـوع إلى طول عنـاءٍ وفـي الـتراب مقيل
فهو كالغــيم ألّـفتـه جــنوبٌ يــوم دجـنٍ ومـزّقـته قـبول
عـادة للزمـان فـي كـل يـومٍ يـتنـائ خِـلٌ وتـبـكي طـلول
فالليالي عون علـيك مـع البيـن كــما سـاعـد الـذوابل طـول
ربما وافـق الفـتى مـن زمـانٍ فـرحٌ غـيره بــه متــبـول
هي دنيـا إن واصـلـت ذا جفت هـذا مـلالاً كـأنهـا عـطـبول
كل بـاك يبــكى علــيه وإن طال بقـاءُ والـثاكـل المـثكـول
والأمـانيّ حــسـرة وعـنـاء لـلـذي ظـن إنـهـا تعـلـيـل
ما يُبالـي الحِمـام أيـن تـرقـّى بعدمـا غالـت إبن فاطـم غـول
أيّ يوم أدمـى المـدامـع فـيـه حـادث رائـع وخـطب جلــيل
يوم عاشــورٍ الـذي لا أعـان الـصحب فـيه ولا أجـار القبـيل
يا إبن بنـت الـرسول ضيّعـت العهدَ رجالٌ والمـحافظـون قـليل
ما أطاعوا النبي فيك وقـد مـالت بـأرمـاحـهـم إلـيـك الذحـول
وأحالوا على المـقادير في حربك لـو أن عـذرهـم مـقــبــول
وإستــقالـوا مـن بـعــد ما أجلبوا فيهـا أألآن أيـها الـمستقيل
إنّ أمـراً قـنّـعت مـن دونــه السيف لمن حـازه لـمرعـى وبيل
يا حساماً فلّت مضـاربـه الهـام وقـد فـلـّه الحسـام الصقــيل
يا جـواداً أدمـى الـجـواد مـن الطـعن وولـّى ونحـره مبـلـول
حَجـّل الخيـل مـن دماء الأعادي يوم يبدو طعـن وتخفى حـجـول
يوم طاحت أيدي السـوابق في النقع وفاض الونـى وغـاض الصـهيل
أتُرانـي أعـير وجـهـي صـوناً وعـلى وجهــه تجـول الخيـولُ


أدب الطف ـ الجزء الثاني 215


أتـرانــي ألـذّ مـاءً ولـمـا يُروَ مِن مهجة الامـام الغليـل
قبلتـه الــرماح وانتـضلـت فيه المنايا وعانقـته النـصول
والسبايـا على النجائب تستـاق وقد نالـت الجيـوبَ الذيـول
من قلوب يـدمى بها ناظر الـ ـوجد ومن أدمع مرآها الهمول
قد سُـلبن الـقناع عن كلّ وجهٍ ، فيه للـصون مـن قناعٍ بديـل
وتنقّبـن بالأنامـل والدمعُ على كـل ذي نـقــابٍ دلــيـل
وتشاكـين والشــكاةُ بـكـاءٌ وتنـاديـن والـنداء عـويـل
لا يـغبّ الـحـادي الـعنـيف ولا يفترّ عن رنّة العديل العديل
ياغريب الديار صبري غريبٌ وقتيلَ الأعـداءِ نـومـي قتيل
بي نـزاع يطــغي الـيك و شـوق وغرام وزفرة وعـويل
لـيت أنـي ضـجيع قبرك أو أن ثـراه بـمدمعــي مطلول
لا أغبّ الطـفوف في كل يوم من طراق الأنواءِ غـيث هطول
مطـرٌ ناعــم وريـح شمال ونسـيم غـضّ وظــلّ ظليل
يا بني أحـمدٍ الى كـم سناني غائب عـن طعـانه مـمطول
وجيادي مـربوطة والـمطايا ومقامي يـروع عنـه الدخـيل
كم الى كم تـعلـو الطغاة وكم يحكم في كل فاضـل مفضـول
قد أذاع الـغلـيل قـلبي ولكن غير بـدع أن استطـبّ العليـل
ليت أني أبـقـى فامترق الناس وفـي الكـفّ صـارم مسـلول
وأجرّ القنا لثـاراتِ يوم الطف يـستلـحق الـرعيـل الرعـيل
صبغ القلب حبكم صبغة الشيب وشـيبي لـولا الـردى لا يحول
انـا مولاكم وان كـنت مـنكم والـدي حيـدر وأمـي البـتول
وإذا الناس أدركوا غايـة الفخر شـأآهم مَـن قال جـدي الرسول
يفرح الناس بي لأنـي فـضلٌ والأنام الــذي أراه فـضـول
فهـم بيـن منشـدٍ ما أفـقـّيه سـروراً وسـامع مـا أقــول
ليت شعري مَن لائمي في مقال ترتضيــه خـواطـر وعقـول


أدب الطف ـ الجزء الثاني 216


الشريف الرضي
ذو الحسبين أبو الحسن محمد بن الطاهر ذي المنقبتين ابي احمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن موسى بن جعفر عليه السلام :

ولد سنة 359 ببغداد وتوفي سنة 406 في السادس من المحرم ودفن بداره في بغداد ثم نقل الى مشهد الحسين عليه السلام بكربلا .
نظم اشعر في عهد الطفولة ولم يزد عمره على عشر سنين فأجاد وحلق وحاز قصب السبق بغير منازع ، ولم تكن للرضي سقطات كما لغيره من الشعراء .
أما إباؤه وعزه نفسه فكان لا يرى أحق بالخلافة منه فاسمعه حيث يقول :
ما مقامي عـلى الهوان وعـندي مقول صـارمٌ وأنـف حميّ
وإباء محلّق بي عـن الـضيـم كمـا راغ طـائر وحـشـيّ
أحمل الضيم في بلاد الأعـادي وبـمصر الخـليفة الـعلويّ
من أبوه ابي ومولاه مــولاي اذا ضامني البعـيد الـقصيّ
لـفّ عـرقي بعـرقه ســيد الناس جميعاً محـمد وعلـيّ
إن ذلـي بـذلـك الجـوّ عـزٌ وأوامي بـذلـك النـقع ريّ
قد يذل العـزيـز ما لـم يشمّر لانطلاق وقـد يظـام الابيّ
إن شراً علـيّ إسـراع عزمي في طلاب العلى وحظي بطيّ
أرتضي بـالأذى ولم يقف العز م قصوراً ولم تــعزّ المطيّ
كالذي يـخبط الـظلام وقد أقمر من خلفـه النهـار المـضيّ


قال ابن أبي الحديد كان الرضي لعلوّ همته تنازعه نفسه الى أمور عظيمة يجيش بها خاطره وينظمها في شعره ولا يجد من الدهر عليها مساعداً فيذوب

(1) الذمر : الملامة والحض والتهدد .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 217


كمداً ويفنى وجدا حتى توفي ولم يبلغ عرضا فمن ذلك قوله :
ما أنا لعلـيـاء إن لـم يـكن من ولدي ما كان من والدي
ولا مشت بي الخيل إن لم أطأ سرير هذا الاصيد الـماجد

وحسبك من جرأته وعلوّ نفسه ما خاطب به القادر بالله الخليفة العباسي :
عطفا أمير المؤمنين فإننا في دوحة العلـياء لا نتفرق
ما بيننا يوم الفخار تفاوت أبداً كلانا في المعالي مُعرق
إلا الخلافة ميزتـك فإنني انا عاطل منها وأنت مطوق

فقال له القادر بالله : على رغم انف الشريف . وروى أنه كان يوماً عند الخليفة الطايع بالله العباسي وهو يعبث بلحيته ويرفعها الى أنفه فقال له الطائع : أظنك تشم منها رائحة الخلافة ، قال : بل رائحة البنوة . وكان يلقب بذي الحسبين . لقّبه بذلك بهاء الدولة بن بويه ، وكان يخاطبه بالشريف الأجل .
قال صاحب عمدة الطالب : كانت له هيبة وجلالة وفيه ورع وعفة وتقشف ومراعاة للأهل والعشيرة ، ولي نقابة الطالبيين مراراً وكانت له إمارة الحج والمظالم كان يتولى ذلك نيابة عن أبيه ذي المناقب ثم تولى ذلك بعد أبيه مستقلا ، وحج بالناس مرّات .
وهو اول طالبي جعل عليه السواد . وكان أوحد علماء عصره واتصف الشريف الرضي بإباء النفس وعلوّ الهمة وكان رفيع المنزلة سامي المكانة يطمح الى معالي الامور ، وبلغ من ابائه وعفته انه لم يقبل من احد صلة أو جائزة وتشدد في ذلك فرفض قبول ما يجريه الملوك والأمراء على أبيه من الصلاة والهبات مدة حياته ، وبذل آل بويه كل ما في وسعهم لحمله على قبول صلاتهم فلم يقبل وقال ـ وقد ساءه أمر صدر من أبيه ومن أخيه ـ

أدب الطف ـ الجزء الثاني 218


تهضمـني مـَن لا يكـون لغيره من الناس إطراقي على الهون أو أغضي
إذا اضطرمت ما بين جنبيّ غصة وكاد فمي يمضي من الــقول ما يمضي
شفعت الى نفسي لنفسـي فكفكفت من الغيظ واستعطفت بعضىٍ على بعضي

أما مكانته العلمية فهو أوحد علماء عصره وقد قيل ان الرضي أعلم الشعراء لولا المرتضى ، والمرتضي اشعر العلماء لولا الرضي . وهذه مؤلفاته تعطينا صورة جلية عن براعته فهذا (حقائق التأويل في متشابه التنزيل) كما يقول ابن جني ـ صنّف الرضي كتابا في معاني القرآن الكريم يتعذر وجود مثله . وكتاب (المجازات النبوية) و (تلخيص البيان عن مجازات القرآن) وغيرها . وهو الذي جمع كلام امير المؤمنين واسماه نهج البلاغة قال السيد الامين في الجزء الاول من الاعيان : والشريف الرضي محمد بن الحسين الذي قيل فيه انه افصح قريش الذين هم أفصح العرب لأنه مكثر مجيد ولأن المجيد من الشعراء ليس بمكثر والمكثر ليس بمجيد ، والرضي جمع بين الاكثار والاجادة وامره في الورع والفضل والعلم والأدب وعفة النفس وعلو الهمة والجلالة اشهر من أن يذكر . اقول وكفى بعظمته أن تكون فيه اللياقة والأهلية لأن ينسب الناس اليه نهج البلاغة وهل يليق بأحد كلام سيد البلغاء وإمام الفصحاء وهو فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق وتظهر عظمة السد من تعليقه على كلام الامام وتقريضه له وشرحه لمفرداته . قالوا عن السيد الرضي رحمه الله : ولما تمّ وكمل بدره وبلغ سبع واربعين عمره اختار الله له دار بقاءه فناداه ولباه وفارق دنياه وذلك في بكرة يوم الاحد لست خلون من المحرم سنة ست وأربعمائة فقامت عليه نوأدب الأدب وانثلم حد القلم وفقدت عين الفضل قرّتها وجبهة الدهر غرّتها وبكاه الأفاضل مع الفضائل ورثاه الأكارم مع المكارم على أنه ما مات من لم يمت ذكره وخلد مع الأيام نظمه وونثره والله يتولاه بعفوه وغفرانه ويحييه بروحه وريحانه ، لما قضى نحبه حضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والاشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه ومضى

أدب الطف ـ الجزء الثاني 219


أخوه السيد المرتضى من جزعه عليه الى مشهد جده موسى بن جعفر عليه السلام لأنه لم يستطع أن ينظر الى جنازة أخيه ودفنه ، وصلى عليه فخر الملك أبو غالب ومضى بنفسه آخر النهار الى السيد المرتضى الى المشهد الكاظمي فالزمه بالعود الى داره ورثاه أخوه المرتضى بأبيات منها :
يا للرجال لفجعة جذمت يـدي ووددت لو ذهبت علـيّ برأسي
ما زلت أحذر وردها حتى أتت فحسوتها في بعض ما أنا حاسي
ومطلـتها زمـناً فلما صممت لم يثنها مطـلي وطـول مكاسي
لله عمرك مـن قصـير طاهر ولرب عـمـر طـال بالادناس

ورثاه تلميذه مهيار الديلمي بقصيدة منها(1) :
بكر النعيّ من الرضى بمالك غايــاتـها مـتعوداً قدامـَهـا
كلح الصـباح بموته عن ليلة نفضت على وجه الصباح ظلامها
بالفارس العلوي شق غبارها والناطق العـربي شقّ كلامـهـا
سلب العشيرة يومه مصباحها مصـلاحهـا عمّالـها علامهـا
برهان حجتها التي بهرت به أعداءها وتـقدمــت اعمامهـا

قال السيد الأجل السيد علي خان رحمه الله في أنوار الربيع : وشقت هذه المرثية على جماعة ممن كان يحسد الرضي رضي الله تعالى عنه على الفضل في حياته أن يرثى بمثلها بعد وفاته فرثاه بقصيدة أخرى مطلعها في براعة الاستهلال كالاولى وهو :

(1) وأولها :
من جب غارب هاشم وسنامها ولوي لوياً فاستزل مقامَها
وغزى قـريشاً بالبطاح فلفّها بيدٍ وقوض عزها وخيامها

ومنها :
ابكيك للدنـيا الـتي طلقتـها وقد اصطفتك شبابها وغرامها
ورميت غاربها بفضلة معرض زهداً وقد القت اليك زمامـها
أدب الطف ـ الجزء الثاني 220


أقريش لا لفم أراك ولا يد فتواكلي غاض الندى وخلا الندي

وما زلت معجباً بقوله منها :
بكر النعي فقال أودى خيرها إن كان يصدق فالرضي هو الردي

وما أحسن قوله من جملتها :
يا ناشد الحسـنات طـوّف فالياً(1) عنها وعـاد كـأنه لـم يَـنشـُدِ
اهبط الى مضرٍ فسل حمراءهـا مَن صاح بالبطحاء يا نار احمدي
فجعت بمعـجز آيـة مشـهودة ولـربّ آيـاتٍ لها لـم تُشـهـدِ
كانت إذا هي في الامامة نوزعت ثم ادعـت بك حـقها لـم تُجـحد
تبعتك عاقـدة عليـك امـورَها وعُـرى تميمك(2) بعدُ لمّـا تعقـد
ورآك طـفلا شيبُـها وكهولـها فتزحزحوا لك عـن مكـان السيد

ولد الرضي سنة تسع وخمسين وثلثمائة ، وتوفي يوم الأحد سادس المحرم سنة ست واربعمائة ودفن في داره ثم نقل الى مشهد الحسين «ع» فدفن عند ابيه . وابوه الطاهر ذو المناقب الشريف الأوحد نقيب النقباء امير الحجيج السفير بين الملوك ، امه موسوية . ولي القضاء بين الطالبيين وخصومهم من العامة .
وجاء في ص 339 من السنة 3 من مجلة المرشد البغدادية هكذا .
موسى (الابرش) ابن محمد (الاعرج) ابن موسى (ابي سبحة) ابن ابراهيم (المرتضى) ابن الامام موسى الكاظم عليه السلام وهو جد المرتضى والرضي .

(1) فالياً : باحثاً .
(2) التميمة ما يعلّق في عنق الصبي اتقاء من العين .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 221


أقول : والد المرتضى والرضي هو احمد الطاهر الحسين بن موسى الذي يسمى بالابرش .
وقال السيد حسن الصدر قدس سره في كتابه (نزهة اهل الحرمين) : لقد تعرضتُ في تكملة أمل الآمل الى تحقيق قبري السيدين المرتضى والرضي وانهما في كربلاء ، وان المكان المعروف في بلد الكاظمية بقبرهما هو موضع دفنهما فيه أولاً ثم نقلا منه الى كربلاء ، ولا بأس بزيارتهما في هذا الموضع أيضا ، وإنما أبقوه كذلك لعظم شأنهما .
قال رحمه الله يفتخر بأهل البيت عليهم السلام ويذكر قبورهم ويتشوقها :
ألا لله بـادرة الـطـــلاب وعزم لا يـروّع بالـعـتاب
وكـل مشـمر البـردين يهوي هوي المصلتات(1) الى الرقاب
أعاتـبه علـى بعـد التـنائي ويعذلني عـلى قـرب الاياب
رأيـت العجـز يخـضع لليالي ويرضى عن نوائبها الغضاب
ولولا صولـة الايـام دونـي هجمت على العلى من كل باب
ومن شيم الفتــى العربي فينا وصال البيض والخيل العراب
له كذب الوعيد مـن الاعـادي ومن عـاداته صدق الضراب
سـأدرّع الصـوارم والعـوالي وما عرّيت من خلـع الشباب
واشتـمل الدجى والركب يمضي مضاء السيف شذّ عن القراب
وكم لـيل عـبأت لـه المطايـا ونار الحـي حـائرة الشهاب
لقيت الارض شاحبـة الـمحيا تلاعـب بالضراغـم والذئاب
فزعت الى الشحوب وكنت طلقا كما فزع المشيب الى الخضاب
ولم نرَ مثل مبيـض النواحـي تـعـذبه بمـسـوّد الإهـاب
أبيت مـضاجعاً أملـي وإنـي أرى الآمـال أشقـى للركاب


(1) المصلتات : السيوف .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 222


إذا ما اليـأس خـيّبنا رجـونا فشجعـنا الرجاء على الـطلاب
أقول اذا استطـار من السواري زفون القطـر رقـاص الحـباب(1)
كأن الجـو غـصّ بـه فأومى ليـقـذفه على قمــم الشـعاب
جدير أن تصـافحـه الفـيافي ويسحـب فوقهـا عـذب الرباب
اذا هـتم(2) التـلاع رأيت منه رضاباً فـي ثـنيـّات الهضـاب
سقى الله المـدينـة من مـحلٍ لبـاب الـماء والنـطف الـعذاب
وجاد علـى البقيـع وساكنيـه رخـيّ الـذيل ملآن الـوطــاب
وأعلام الغري ومـا اسـتباحت معـالمها مـن الحـسب اللبــاب
وقبراً بالطفوف يضـم شلـواً قضى ظـمأ الـى بَـرد الشـراب
وسامراً وبـغداداً وطــوسـاً هطول الـودق منخـرق الـعباب
قبور تنطـف الـعبـرات فيها كما نطف الصبير(3) على الروابي
فلو بخـل السحاب عـلى ثراها لذابـت فوقهـا قـطـع الـسراب
سقاك فكـم ظمئت اليـك شوقاً علـى عُدواء داري واقـتـرابـي
تجافي يـا جنوب الريـح عني وصوني فضل بردك عن جنـابي
ولا تسـري إليّ مع الـليالـي وما استـحقبت مـن ذاك التـراب
قلـيل أن تقـاد لـه الغـوادي وتنـحر فـيه أعنـاق السـحـاب
أما شـَرق التـراب بسـاكنيـه فيلفـظهـم الـى النعـم الـرغاب
فكم غدت الضغائن وهي سكرى تـديـر عليـهم كـاس المصـاب
صـلاة الله تخفـق كل يــوم عـلى تـلـك الـمعالم والقــباب
وإني لا أزال اكـرّ عزمــي وإن قـلّت مسـاعـدة الـصحـب
واخترق الرياح الـى نســيم تطلـع من تـراب أبـي تــراب
بودي ان تطاوعنـي الليــالي وينشـب في الـمنى ظفـري ونابي


(1) السواري : جمع سارية السحاب . زفون القطر : دفاع المطر . الحباب : فقاقيع الماء .
(2) الهتم : كسر الثنايا من أصلها .
(3) الصبير : السحاب الذي يصير بعضه فوق بعض .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 223


فارمـي العيس نـحوكم سـهاماً تغلغـل بيـن أحشاء الروابـي
ترامـى بالـلغـام علـى طلاها كما انـحدر الغـثاء عن العُقاب(1)
وأجنَب بينها خــرق المـذاكي فأملي باللـغـام عـلـى اللغاب
لـعلي أن ابــلّ بكـم غلـيلاً تغلغل بيـن قلـبي والـحـجاب
فـما لـقيـاكــم إلا دلــيل على كـنز الغـنيمــة والثواب
ولـي قبـران بالزوراء أشـفي بقربهما نـزاعـي واكـتـئابي
أقـود اليهـما نفســي واهدي سلاماً لا يـحيد عـن الجـواب
لقائــهما يطهـر من جـناني ويدرأ عن ردائـي كـل عـاب
قسيـم النار جـدي يـوم يلقى به بـاب النجـاة مـن الـعذاب
وساقـي الخلق والمهجات حرّى وفاتحـة الصراط الى الحـساب
ومـن سمـحت بخـاتمه يمين تضـن بكـل عالـية الـكعاب
اما فـي باب خيبر معجـزات تـصـدق أو مناجـاة الحُبـاب
ارادت كـيــده والله يـأبـى فجاء النصر مـن قبـل الغراب
أهذا البـدر يكسـف بـالدياجي وهذي الشمس تطمس بالـضباب
وكان إذا استـطال عليه جـانٍ يرى ترك العقاب مـن الـعقاب
أرى شـعبان يـذكرني اشتياقي فمن لي أن يذكـركـم ثـوابـي
بكم في الشعر فخري لا بشعري وعنكـم طال بـاعي في الخطاب
اجلّ عـن القـبائح غيـر أني لكم أرمـي وأرمـى بـالسبـاب
فأجـهـر بـالولاء ولا أورّي وأنـطق بالـبراء ولا أحـابـي
ومَـن أولى بكـم منـي وليّـاً وفـي أيـديكـم طـرف انتسابي
محبكم ولــو بغضت حيـاتي وزائركــم ولو عقرت ركابـي
تباعد بيــننا غـِيَرُ الليـالـي ومرجعنـا الى الـنسب الـقراب(2)


(1) اللغام : لعاب الابل والطلى العنق والغثاء البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل والعقاب جمع عقبة مرقى صعب من الجبال .
(2) القراب : القريب .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 224


وقال وقد بلغه عن بعض قريش افتخار على ولد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام :
يُفاخرنـا قومٌ بمـن لـم يَلدهم بتيم اذا عدّ السـوابق أو عـدي
وينسون مـَن لو قدموه لقدّموا عذار جواد في الجـياد مقلــُد
فتى هاشم بعـد النبـي وباعها لمرمى عُلى أو نيل مجـد وسؤدد
ولولا عليٌ ما علوا سـرواتها ولا جعجعوا منها بمرعى ومورد
أخذنا عليهـم بالنـبي وفاطم طلاع المساعي من مقـام ومقعد
وطلنا بسبطي احـمد ووصيه رقاب الورى من متهمين ومنجد
وحُزناً عتيقاًوهو غاية فخركم بمولد بنـت القـاسم بن محـمد
فجدّ نبيٍّ ثـم جـدّ خلـيـفة فما بعـد جدّينـا علـيٍ واحـمد
وما افتخرت بعد النبي بغيره يد صفقـت يـوم البياع على يد

وفي ثنايا شعره يتمدح كثيراً بجده الحسين سيد أهل الاباء قال من قصيدة :
وجدى خابط البـيداء حتى تبدّى الماء من ثَغَب الرعان
قضى وجياده حول المعالى ووفد ضيوفه حـول الجفان
تكفّنه شَبا بيـض المواضي ويغسـله دم السمـر اللدان

ومن روائعه التي سارت مسير الامثال :
الا إن رمحاً لا يصول لنبعة وإن حساماً لا يقد قطيعُ

وقوله :
وموت الفتى خير له من حياته اذا جاور الايام وهو ذليل

وقوله :
اذا العدو عصاني خاف حدّيدي وعرضه آمن من هاجرات فمي


أدب الطف ـ الجزء الثاني 225


وقوله :
تشفّ خلال المرء لي قبل نطقه وقبل سؤالي عنه في القوم ما اسمه

وقوله :
يمضي الزمان ولا نحسّ كأنه ريح يمرّ ولا يشم نسيمها

وقوله :
فليت كريم قوم نال عرضي ولم يدنس بذم من لئيم

وقوله :
ومنظر كان بالسراء يضحكني يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني

وقوله :
يا قوم ان طويل الحلم مفسدة وربما ضرّ إبقاء وإحسان

وقوله :
وما تنفع المرء الشمال وحيدة اذا فارقتها بالمنون يمينُ

وقوله :
لا تجعلن دليل المرء صورته كم مخبر سمج عن منظر حسنِ

وقوله :
اذا ما الحُرّ أجدب في زمان فعفّته له زاد وماء

وقوله :
أوطأتموه على جمر العقوق ولو لم يُحرج الليث لم يخرج من الاجم


أدب الطف ـ الجزء الثاني 226


وقوله :
قد يقدع المرء وإن كان ابن عم ويقطع العضو الكريم للألم

وقال رحمه الله :
وكـم صاحبٍ كالـرمح زاغت كُعوبُه أبى بعد طـول الغـمز أن يتقوّما
تقبّـلتُ منـه ظـاهراً متـبلـــّجاً وأدمج دونـي باطنـاً متـهجّـما
فأبدى كروض الحزن رقـت فروعه وأضمر كالليل الخـداري مُظلـما
ولو أنني كشـّفتــه عـن ضمـيره أقمتُ على ما بيـننـا اليوم مأتما
فلا باسطاً بالسـوء إن سـائني يداً ولا فاغراً بالـذم إن رابـني فما
كعـضوٍ رمت فيـه الليالي بفـادح ومن حملَ العضـو الأيم تـألما
إذا أمـرالطـب اللبيــب بقطعـه أقول عسـى ظـناً بـه ولعـلّما
صبرتُ على إيلامه خوفَ نـِقصِه ومن لام مَن لا يرعوي كان ألوما
هي الكف مُضنِ تركها بعـد دائها وإن قُطعت شانت ذراعاً ومعصما
أراك على قـلبي وإن كنتُ عاصياً أعزّ من القلب المطـيع وأكـرما
حملتك حملَ العـين لـجّ بها القّذى فلا تنجلي يومـاًولا تبلغ العـمى
دع المرء مطويّـاً على مـا ذممتَه ولا تنشر الداءَ العضـال فتـندما
اذا العضوُ لـم يؤلـمك إلا قطعته على مضض لم تبق لحماً ولا دما
ومن لم يوطّن للصـغير من الأذى تعرّض ان يلقـى اجل وأعظـما

وقال في الاقبال والأدبار :
المرءُ بالإقبال يـبلغُ وادعاً خطـراً جسيـما
واذا انقضى إقبـالـه رجع الشفيعَ له خصيما
وهو الزمان إذا نبـا سلب الذي أعطى قديما
كالريح ترجع عاصفاً من بعد ما بدأت نسيما


أدب الطف ـ الجزء الثاني 227


وقال في اخوان الرخاء :
أعددتكم لدفاع كـل ملمّة عني فكنتم عون كلُ ملمــة
وتخذتكم لي جنةً فكـأنما نظر العدوّ مقاتلي من جنـتي
فلأرحلن رحيل لا متلهّف لفـراقـكم أبـداً ولا متلـفت
ولا نفضن يديّ يأساً منكم نفض الأنامل من تراب الميت

تحقيق حول قبر السيدين المرتضى والرضي

ذكر كثير من المؤرخين عند ترجمة الشريف الرضي نقل جثمانه الى كربلاء المقدسة بعد دفنه بداره بالكرخ ، فدفن عند ابيه ابي احمد الحسين بن موسى .
ويظهر من التاريخ ان قبره كان في القرون الوسطى مشهوراً معروفاً في الحائر المقدس . قال صاحب عمدة الطالب : وقبره في كربلاء ظاهر معروف وقال في ترجمة اخيه المرتضى : دفن عند ابيه واخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة . وروي في كتاب مدينة الحسين (ع) عن السيد محمد مهدي بحر العلوم الكبير قال : ان موضع قبر الشريف الرضي عند قبر جده ابراهيم المجاب ، وهو في آخر الرواق فوق الرأس في الزاوية الغربية من الحرم الحسيني . وروى السيد حسن الصدر في كتابه نزهة الحرمين في عمارة المشهدين ان قبر الشريف الرضي عند قبر والده خلف الضريح الحسيني بستة أذرع ولعل هذا القبر هو الذي لاحظه العلامة السيد حسن اغا مير بنفسه عند التعميرات التي اجريت داخل الروضة المطهرة في سنة 1367 هـ ، وقال : هناك خلف الضريح بستة اذرع ثلاثة قبور شاهدت ذلك بنفسي عند حفر الاسس لدعائم القبه التي جرى بناؤها مؤخراً بـ (الكونكريت) المسلّح ، فرجوت المعمار عدم مس تلك القبور الثلاثة . ومن المرجح ان هذه القبور الثلاثة هي لأبي أحمد الحسين بن موسى مع ولديه محمد الملقب بالشريف الرضي ، وعلي الملقب بالمرتضى . اقول :

أدب الطف ـ الجزء الثاني 228


نقلنا هذا باختصار عن اجوبة المسائل الدينية السنة الثانية ص ت318 وجاء في مقدمة ديوان السيد المرتضى المطبوع في مصر بقلم الدكتور مصطفى جواد أقوال المؤرخين في نقل الشريف المرتضى من داره بالكرخ الى كربلاء بجوار جده الحسين (ع) وقال السيد جعفر بحر العلوم في تحفة العالم ممن فاز بحسن الجوار ميتاً الشريف ابو احمد الحسين بن موسى والد الشريفين الرضي والمرتضى سنة 400 ببغداد وقد اناف على التسعين ثم حمل الى الحائر فدفن قريباً من قبر الحسين (ع) وفي كتاب الدرجات الرفيعة انه مدفون معه ولداه الرضي والمرتضى بعد ان دفنا في دارهم في بلد الكاظمين ثم نقلا الى جوار جدهما الحسين (ع) .
وقال ابن شدقم الحسينـي في كتابه زهـر الرياض وزلال الحياض ان في سنة (942) نبش قبره بعض قضاة الأروام فرآه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئا ، وحكى من رآه أثر الحِنّاء في يده ولحيته وقد قيل أن الأرض لم تغيّر أجساد الصالحين .
انتهى
وقال جدي بحر العلوم بعد نقل ما ذكر : والظاهر أن قبر السيد وقبر أخيه وأبيه في المحل المعروف بابراهيم المجاب .
انتهى
وقيل انهم مدفونون مع ابراهيم الاصغر ابن الامام الكاظم وان قبره خلف ظهر الحسين بستة اذرع .

أدب الطف ـ الجزء الثاني 229


القسم الثاني



أدب الطف ـ الجزء الثاني 230


أدب الطف ـ الجزء الثاني 231


شعراء القرن الخامس الهجري


ابو نصر بن نباتة

المهيار الديلمي

الشريف المرتضي

ابو العلاء المعري

زيد بن سهل الموصلي النحوي

أحمد بن عبد الله (ابن زيدون)

أحمد بن أبي منصور القطان

ابن جبر المصري

الامير عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي

أدب الطف ـ الجزء الثاني 232


أدب الطف ـ الجزء الثاني 233


أبو نصر بن نباتة

قال ابو نصر بن نباتة المتوفى 405 :
والحسين الذي رأى الموت في العزّ حياة والعيش في الذل قتلا(1)

قال الشيخ القمي في الكنى : ابن نباتة بضم النون هو ابو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن احمد بن نباتة الشاعر المشهور الذي طاف البلاد ومدح الملوك والوزراء والرؤساء ، وله في سيف الدولة ابن حمدان غرر القصائد ونخب المدائح وكان قد أعطاه فرساً أدهم اغر محجلا .
له ديوان شعر كبير ومن شعره :
ومَن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحدُ

وهو الذي حكي عنه انه ذكر ان رجلاً من المشرق ورجلاً من الغرب وردا عليه وأرادا منه أن يأذنهما لروايته . توفى ببغداد سنة 405 .
أقول وهذه الكنية تطلق على جماعة . منهم ابو يحيى عبد الرحيم بن محمد ابن اسماعيل بن نباتة الفارقي صاحب الخطب المعروفة المتوفي 374 وقد يطلق على جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة المصري الاديب الشاعر المتوفى سنة 768 .

(1) رواها السيد الأمين في الأعيان ج 4 القسم الأول .
السابق السابق الفهرس التالي التالي