أدب الطف ـ الجزء الثاني 198


فتبكي لها الأملاك كــلاً وعندها ينادي منــادي الحق أين يزيد
فيؤتى به سحباً ويؤتـى بقــومه وأوجههم بـين الـخلائق سـود
فيأمر ذو العرش المجـيد بقتـلهم فان قتلوا من بعد ذاك أعيــدوا
وتقتلهم أبـناء فاطـم كـلهــم وشيعتهم والـعالمــون شهـود
ويحشرهم ربـي الـى ناره التي يكـون بهـا للـظالمــين خلود
إذا نضجت فيـها هنـاك جلودهم أعيدت لهم مـن بعـد ذاك جلود
فما فعـلت عـاد قبـيح فـعالهم ولا استحسنت ما استحسنته ثمود
فيا سادتـي يا آل بيـت مـحمد ومَـن هم عمادٌ للعلـى وعمـود
علي بن حــماد بمدحكـم نـشا فكـان لـه غيــش بذاك حميد
حلفت بمن حـج الملـبّون بيـته ووافت له بعـد الوفــود وفود
بأن رسول الله أكـرم مـن مشى ومن حملته في المهامـه قــود
وان علياً أفضل النـاس بعــده وسيـدها والنـاس بـعد مسـود
وان بنيه خير من وطـأ الحصا وطـهــّر آبـاء لـه وجـدود
فلولاهم لــم يـخلـق الله خلقه ولم يـك وعـد فيــهم ووعيد
وما خلقوا إلا ليـمتحن الـورى فـيشقى شقيٌ أو يفـوز سـعيد
فهم علّة الايـجاد دون سـواهم ولولاهـم مـا كــان ثمّ وجود
عليهم سلام الله مـا ذرّ شـارق وما اخضر يوماً في الاراكة عود
وما حبّر العبدي فـيهم مدائـحا فيحسن فـي تحبيــرها ويجيد(1)


(1) عن الديوان المخطوط .
هذه نماذج من شعر ابن حماد العبدي ولو اردت استقصاء جميع ما قال في أهل البيت لوجب أن أفرد له مجلداً خاصاً به من هذه الموسوعة وقد أشار شيخنا الاميني سلمه الله الى أوائل قصائده ومطالعها وقال : هناك قصائد تعزى الى شاعرنا ابن حماد العبدي في بعض المجاميع وهي لابن حماد محمد المتأخر عن المترجم له بقرون ، منها قصيدة مطلعها :
لغير مصاب السبط دمعك ضائع ولا انت ذا سلو عن الحزن جازعُ

وقفنا على تما هذه القصيدة وفي آخرها :
لعلّ ابن حمّاد محمد عبدكم له في غد خير البرية شافع
أدب الطف ـ الجزء الثاني 199


أحمد بن الحسين بديع الزمان الهمداني

يا لُمّةً ضـرب الـزما ن على مـعرسّــها خيامـه
لله درّك مـن خــزا مى روضة عـادت ثغـامـه
لرزيّة قـامـت بـها للديـن أشراط القـيـامــه
لمضرّجٍ بـدم النبـو ة ضـارب بــيد الإمامـه
متقسّم بظـبا السيـو ف جرّع منـها حــمامـه
منع الـورود ومـاؤه منه على طـرف الثـُـمامه
نصّب ابن هند رأسـه فوق الورى نصب الـعلامه
ومقـبّل كـان النـبي بلثـمه يـشفي غـرامــه
قرع ابن هند بالقضيـ ـب عـذابه فرط استضامه
وشدا بنغمته عــليـ ـه وصبّ بالفضلات جامه
والدين أبلج سـاطـع والـعدل ذوخـال وشـامه
يا ويح من ولى الكتـا ب قــفاه والدنيا أمــامه
ليضرسنّ يـد الـندا مة حيـن لا تـغني الندامه
وليدركنّ على الـغرا مة سوء عاقـبة الغـرامـه
وحمى أباح بنو أميـ ـة عن طـوائلـهم حرامه
حتى اشتفوا من يوم بد ر واستـبدوا بـالزعامـه


أدب الطف ـ الجزء الثاني 200


لعنوا أمير المـؤمنيـ ـن بمثل إعلان الإقامه
لِم لا تخرّي يـا سما ء ولم تصبّي يـا غمامه
لم لا تزولـي يا جبا ل ولم تشولـي يا نعامه
يا لعنة صـارت على أعناقهم طـوق الحمامه
إن العمـامـة لم تكن للئيم ما تـحـت العمامه
من سبط هنـد وابنها دون البتـول ولا كرامه
يا عين جودي للبقيـ ـع وزرّعي بدم رغامه
جودي بمذخور الدمو ع وأرسـلي بدداً نظامه
جودي بمشهد كربلا ء فوفــري مني ذمامه
جودي بمكنون الدمو ع أجد بما جاد ابن مامه(1)


(1) أعيان الشيعة ج 8 ص 331 .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 201


أبو الفضل احمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن يسر الهمداني الملقب ببديع الزمان

ولد في 13 جمادى الآخرة 358 وقيل 353 بهمدان وتوفي سنة 398 بهراة(1) وقد أربى على أربعين سنة كما في اليتيمة . والهمداني نسبة الى همدان بفتح الهاء والميم والذال المعجمة . والمدينة المشهورة ببلاد الجبل . في أمل الآمل : إمامي المذهب ، فاضل جليل ، حافظ أديب منشئ له المقامات العجيبة وله ديوان شعر وكان عجيب البديهة والحفظ . كان شاعراً وكاتباً ولغوياً وفي تذكرة سبط بن الجوزي قال : ومن شعر بديع الزمان قوله :
يا دار منتجـع الرسالة بيت مختلف الـملائـك
يابن الفواطم والعواتـك والترائـك والارائــك
أنا حائـك إن لـم اكن مولى ولائك وابن حائك

أقول وجاء في مجمع البحرين للشيخ الطريحي : ذكر حائك عند ابي عبد الله عليه السلام وانه ملعون فقال عليه السلام : إنما ذلك الذي يحوك الكذب على الله ورسوله . ومثله قول البديع الهمداني (يا دار منتجع الرسالة) الابيات وقال النسابة في كتابه (منتقلة الطالبية) : قال بديع الزمان الهمداني يمدح ابا جعفر محمد بن موسى محمد بن القاسم بن حمزة بن الكاظم عليه السلام .

(1) وهراة بافغانستان .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 202


أنا في اعتقادي للتسنن رافضـيّ فـي ولائـك
وإن انشغلت بــهؤلا ء فلست أغفل عن أولئك
يا عقد منتظم النـبوة بيت مـختلف الـملائك
يابن الفواطم والعواتك والتـرائـك والارائـك
انا حائك إن لم أكـن عبدا لعبدك ، وابن حائك

وجاء في الكنى والالقاب : ابو الفضل احمد بن الحسين بن يحيى الهمداني الشاعر المشهور فاضل جليل إمامي أديب منشئ له المقامات وهو مبدعها ونسج الحريري على منواله وزاد في زخرفتها وطبعت المقامات مكرراً وطبع بعضها مع ترجمتها باللغة الانكليزية في مدارس ، وكان بديع الزمان معجزة همدان ومن أعاجيب الزمان ، يحكى انه كان ينشد القصيدة التي لم يسمعها قط وهي اكثر من خمسين بيتاً فيحفظها كلها ويؤديها من أولها الى آخرها لا يخرم منها حرفاً ، وينظر في أربع أو خمس أوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة ثم يمليها عن ظهر قلبه ، وكان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغربية بالأبيات العربية فيجمع فيها بين الابداع والاسراع ، ومن كلماته البديعة :
الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه وكذلك الضيف يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه .
وحكي انه مات بالسكتة وعجل دفنه فأفان في قبره وسمع صوته بالليل وانهم نبشوا قبره فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر . وذكره الثعالبي في يتيمة الدهر من جملة شعراء الصاحب بن عباد وأثنى عليه .
وجاء في روضات الجنات : أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمداني الحافظ المعروف ببديع الزمان كان من أجلاء شعراء الامامية وكتابهم صاحب المقالات الرائقة والمقامات الفائقة ، وعلى منواله مسج الحريري مقاماته واحتذى

أدب الطف ـ الجزء الثاني 203


حذوه واقتفى أثره واعترف في خطبته بفضله وانه الذي أرشده الى سلوك ذلك المنهج وعبّر عنه هنالك ببديع الزمان وعلامة همدان وقد صحب الصاحب الكبير اسماعيل بن عباد الوزير الى ان صار من خواصه وندمائه ، وله ديوان شعر مشهور ومن شعره قوله من قصيدة طويلة :
وكان يحكيك صوب الغيث منسكبا لو كـان طلق المحيا يمطر الذهبا
والدهر لو لم يخُن والشمس لو نطقت والليث لو لم يصُد والبحر لو عذبا

ومن شعره في ذم همدان :
همدان لـي بـلد أقول بفضله لكنه مـن اقبـح البـلـدان
صبيانه في القبح مثل شيوخه وشيوخه في العقل كالصبيان

قال جرجي زيدان في آداب اللغة العربية : وكان سريع الخاطر قوي البديهة يقترح عليه نظم القصيدة أو إنشاء الرسالة فيفرغ منها في الوقت والساعة وربما يكتب الكتاب المقترح عليه فيبتدأ بآخر سطر منه وهلم جر الى الأول وله من المؤلفات ، رسائل مجموعة في كتاب يعرف برسائل بديع الزمان طبعت في الآستانة سنة 1298 هـ وفي بيروت سنة 1890 م وديوان شعر منه نسخة خطية في مكتبة باريس وقد طبع بمصر سنة 1321 هـ ومقامات تعرف باسمه وهي أقدم كتاب وصل الينا في هذا الفن عن فنون اللغة .
وقال في ارجوزة :
يا آل عصـم انتم أولوا العِصم لم توسموا إلا بنيـران الـكرم
لا ينزع الله ســرابيـل النعم عنكم فلا تخطوا بها دون الامم
طابت مبانيكم وطـبتم لا جرم يا سادة الـسيف وأرباب القلـم
تهمى سجاياكـم بعـقيان ودم انتم فصاح مـا خلا في لا ولم
الجار والعرض لديكم في حرم والمال للآمال نهـب مقتســم


أدب الطف ـ الجزء الثاني 204


انتم اسود المجد لا اسد الأجم يا سيداً نيط له بيت القــدم
بالعمد الأطول والفرع الأشم هل لك ان تعقد في بحر الشيم
عارفة تضرم ناراً في عـلم ويقصر الشكر علـيها قل نعم
اما وانـعامـك انـه قسـم وثغر مجـد في معـاليك ابتسم
انك في الناس كبرء في سقم يا فرق مـا بين الوجود والعدم
وبُعد ما بين الموالي والخدم ما أحـد كهـاشم وان هشــم
ولا امرؤ كحاتم وان حتـم ليس الحدوث في المعالي كالقدم
ولا شباب النبت فيها كالهرم شتان ما بين الذنانـي والقـمم

ومن شعره :
يقولون لي لا تحب الـوصي فقالت الثـرى بفـم الـكاذب
أحب النـبي وأهـل النـبي وأخـتص آل أبـي طالـب
واعطي الصحابة حق الولاء وأجري على السنن الـواجب
فان كان نصبا ولاء الجـميع فاني كما زعـمـوا ناصـبي
وان كان رفضا ولاء الوصي فلا يبرح الرفـض من جانبي
فلله انتــم وبـهـتانـكـم ولله مـن عجـب عاجــب
فلو كنتـم مـن ولاء الوصي على العجب كنتُ على الغارب
يرى الله سـري اذا لـم تروه فلم تحـكمون عـلى غـائب
ألا تـنظرون لرشـد معـي ألا تـهتـدون الـى الله بـي
أيرجـو الشـفاعة من سبّهم بل المثل الســوء للضـارب
أعز النــبي وأصحــابه فما المرء إلا مـع الصـاحب
حنانـيك من طــمع بارد ولبــيك مـن أمـل خـائب
تمنّوا علـى الله مـأمولكم وخطّـوه في المـجد الـذائب
نعم قبــح الشتم من مذهب وشتامـّة الـقوم مــن ذاهب
له في الـمكارم قلب الجبان وفي الشــبهات يد الـحاطب


(1) عن ديوانه المطبوع في مصر سنة 1321 هـ 1903 م بمطبعة الموسوعات .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 205


قال طابع ديوانه محمد شكري المكي : هو الاستاذ فخر همدان بديع الزمان ابو الفضل احمد بن الحسين الهمداني المتوفي سنة 398 وقد اربى على 40 سنة وله ديوان شعر هو ديوان الأدب يحق أن تفخر به العجم على العرب يزري بعقود الجمان وقلائد العقيان فمنه قوله في أبي بكر الخوارزمي :
برق الربيع لنا بـرونـق مـائه فانظر لروعة أرضه وسمائـه
فالترب بين ممـسّـك ومعـنبرٍ من نوره بل مـائـهِ وروائه
والماء بين مــصندل ومكفـر من حسن كدرته ولون صفائه
والطير مثل المحسنات صوادحاً مثل المغنـي شادياً بغــنائه
والورد ليس بمـمسـك رياه بل يهدي لنا نـفحاتـه من مائه
زمن الربيع جلبـت أزكى متجر وجلوتَ للرائينَ خـير جلائه
فكأنـه هـذا الرئـيس اذا بـدا في خلـقِهِ وصفائـه وعطائه
يعشو اليه المجتـدي والمجتنـي والمحتوي هو هارب بـذمائه
ما البحرفي تزخـاره والغيث في أمطاره والجَـود في أنـوائه
بأجـلّ منـه مواهبـاً ورغـائباً لا زال هذا المـجد حول فِنائه
والسادة الباقـون سـادة عصره متمـدحـين بمدحـه وثـنائه


أدب الطف ـ الجزء الثاني 206


الشريف الرضي

للسيد الرضي عليه الرحمة : قالها وهو بالحائر الحسيني يرثي جده سيد الشهداء عليه السلام :
كربـلا لا زلـت كــرباً وبلا ما لقي عندك آل الـمصطفى
كم على تربـك لمــا صُرّعوا من دم سال ومن دمع جـرى
كم حصان الذيـل يروى دمعها خدهـا عنــد قـتيل بالظما
تمسح الترب عـلــى أعجالها عن طـلا نحرٍ زمـيل بالدما
وضيوف لـفــلاة قفــرة نزلوا فـيهـا على غير قرى
لم يذوقوا المـاء حتى اجتمعوا بحدي السيف على ورد الردى
تكسف الشمـس شموساً منهم لا تـدانيهـا ضيـاء وعـلا
وتنوش الوحـش من أجسادهم أرجـل السبق وأيمـان الندى
ووجـوه كالمـصـابيح فمن قمـر غاب ومن نجم هـوى
غيرتـهن الليالــي وغـدا جائـر الـحكم عليهـن البلا
يا رسـول الله لو عاينتهـم وهم مـا بـين قتـل وسـبا
من رميضٍ يمنع الظل ومن عاطش يُسقى أنابــيب القنا
ومسوق عاثر يسـعى بـه خلف محمول على غير وطا
متعب يشكو أذى السير على نقَب المنسـم مهـزول المطا


أدب الطف ـ الجزء الثاني 207


لرأت عيناك منهـم منـظراً للحشا شـجواً ولـلعـين قـذى
ليس هـذا لرســول الله يا امّـة الطـغيان والغـي جـزى
غارس لم يأل في الغرس لهم فـأذاقــوا اهـله مـرّ الجنـا
جزروا جزر الاضاحي نسله ثم سـاقوا أهـله ســوق الأما
معجـلات لا يوارين ضحى سَـنن الأوجه أو أبـيض الطلا
هاتفـات برســول الله في بُهر السيـر وعثـرات الخـطا
يوم لا كسر حجـاب مـانع بذلـة العيـن ولا ظـل خبــا
أدرك الكفـر بهـم ثاراتـه وأدل الغـي مـنهم فاشـتفــى
يا قتيلا قـوّض الـدهر به عــمد الديـن وأعـلام الهدى
قتـلوه بـعد علـم مـنهم أنـه خامـس أصحـاب الـعبا
واصريعا عالج المـوت بلا شـدّ لــحيـينِ ولا مـدّ ردى
غسّــلوه بدم الطعـن وما كفنّـوه غيـر بوغـاء الـثرى
مرهقاً يدعو ولا غـوث له بأبٍ بـرٍ وجـدٍّ مـصطفــى
وبــأمٍ رفـع الله لـهـا علماً ما بـين نسـوان الـورى
ايّ جـدٍ وأبٍ يدعـوهـما جدّ يا جـدّ أغـثنــي يـا أبا
يا رسول الله يا فاطــمة يا امير المـؤمنـين المرتـضى
كيف لم يستعـجل الله لهم بانقلاب الأرض أو رجم الـسما
لو بسبطي قيصر أو هرقل فعلوا فعـل يزيــد مـا عـدا
كم رقـاب لـبني فـاطمة عَرقت بيـنهـم عـرق المـدى
حملوا رأساً يصلّـون على جـده الأكـرم طـوعــاً وإبا
يتهادى بينهم لـم ينقضوا عمم الهـام ولا حــلوا الحـبا
ميتٌ تـبكي له فـاطمـة وأبـوهـــا وعلـيٌ ذو العلا
لو رسـول الله يحيى بعده قـعــد اليـوم علـيه للـعزى
معشر فيهم رسول الله والـ ـكاشف الكرب اذا الكرب عرى
صهره الـباذل عـنه نفسه وحسـام الـله فـي يوم الوغى


أدب الطف ـ الجزء الثاني 208


أول الناس الـى الداعـي الـذي لـــم يقـدّم غـيره لـم ا دعـا
ثـم سبطـاه الشـهيدان فــذا بحـسى السـم وهــذا بـالـضبا
وعلي وابنـه البـاقر والـصـ ـادق الـقول وموسـى والـرضا
وعــلـي وابـوه وابـــنه والـذي ينـتظر الـقــوم غـدا
يا جبال الأرض عـزاً وعـُلا وبـدور الأرض نـوراً وســنـا
جـعــل الـرزء الـــذي نالكم بيننا الوجد طـويـلا والبـكا
لا أرى حـزنكـم يـنسى ولا رزؤكم يسـلى وان طـال المـدى
قد مضى الدهر ويمضي بعدكم لا الجوى بــاخ(1) ولا الدمع رقى
أنتم الشـافـون من داء العمى وغدا الساقـون مـن حوض الروى
نزل الذكر عـليكـم بيـتكـم تخطــى النـاس طـراً وطـوى
أين عنـكـم لمـضلّ طـالب وضَـح السـبل وأقمـار الـدجـا
أين عنــكم للذي يبغي بـكم ظل عــدن دونهـا حـر لـظى
أين عنكـم للـذي يرجو بكم مـع رسـول الله فـوزاً ونجـى
يوم يغدو وجـهه عن معشـر معرضــاً ممتنـعاً عنـد اللقـا
شاكياً منهـم الـى الله وهـل يفلح الجـيل الـذي منــهم شكا
رب ما آووا ولا حـاموا ولا نــصروا أهلي ولا إغـنوا غنا
بدّلوا دينـي ونالـوا أُسـرتي بالعظيـمات ولـم يـرعوا الولا
لو ولي ما قد ولو من عترتي قـائـم الشـرك لأبـقى ورعى
نقضـوا عـهدي وقد ابرمته وعـُرى الديـن فما ابقوا عرى
حرمي مسـترفـدات ونبـو بنـتي الادنـون ذبـح للـعدى
أترى لست لديهـم كامـرئ خلـفوه بـجميــل اذ مـضى
رب إني اليوم اليوم خصم لهم جئت مظلوماً وذا يـوم الـقضا


(1) باخ : سكن .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 209


وقال يرثي الحسين بن علي في يوم عاشوراء سنة 391
هذي المنـازل بالغمـيـم فنـادها واسكب سخيّ العين بعـد جمادها
إن كان ديـن للـمعالم فـاقـضه أو مهجة عند الطـلـول ففـادها
ولقد حبست على الديار عـصابة مضمونة الايـدي الــى أكبادها
حسرى تجاوب بالبكـاء عيـونها وتـعـط(1) للزفرات في أبرادها
وقفوا بها حتى كـأن مطـيـهم كانت قوائـمهن من أوتــادهـا
ثم انثنت والدمـع ماء مزادهـا ولواعج الأشجـان من أزوادهـا
هل تطلبون مـن النواظر بعدكم شيئاً سوى عبـراتـها وسهادها
لم يبق ذخر للــمدامـع عنكم كلا ولا عـين جـرى لرقادهـا
شغل الدموع عـن الديار بكاؤنا لبكاء فاطمــة علـى أولادهـا
لم يخلفوها في الشهيد وقد رأى دفع الفرات تـذاد عـن ورادهـا
أترى درت أن الحـسين طريدة لقنا بنـي الطرداء عند ولادهـا
كانت مآتم بالعراق تـعــدّها أموية بالـشام مـن أعيـادهـا
ماراقبت غضب النبي وقد غدا زرع النبي مظـنّـة لحصـادها
باعت بصائر دينهـا بضلالها وشرت مـعاطب غيّها برشادها
جعلت رسول الله من خصمائها فلبئس مـا ذخـرت ليوم معادها
نسل النبي على صعاب مطيها ودم النبي على رؤوس صعادها
وا لهفتاه لعصـبة علـويــة تبعت أمية بعـد عـز قيـادهـا
جعلت عران الـذل في آنـافها وعلاط وسم الضيم فـي أجيادها(2)
زعمت بأن الدين سـوّغ قتلها أوليس هذا الدين عـن أجدادهـا
طلبت ترات الجاهلـية عندها وشفت قديـم الغِل من أحقـادها
واستأثرت بالأمر عن غيّابها وقضت بما شاءت على أشهادها


(1) تعط : تشق .
(2) العران عود يجعل في أنف البعير ، والعلاط حبل يجعل في عنقه .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 210


الله سابقـكـم الـى أرواحهـا وكسبتـم الآثام فـي أجـسـادهـا(1)
إن قوّضت تلك الـقباب فـانما خرّت عمـاد الـدين قبـل عمادها
إن الخلافـة أصبحت مزويـة عن شعـبها ببياضهـا وسـوادها
طمسـت منابـرها علوج امية تنزو ذئـابهـم عـلى أعـوادهـا
هي صفوة الله التي أوحـى لها وقـضى أوامـره الـى أمجـادها
أخذت بأطراف الفخار فعـاذرٌ أن يـصبح الـثقلان من حُـسّادها
عصب تقـمّـط بالنجاد وليدها ومهود صبيتـها ظـهور جيـادها
تروي مناقب فضلها أعـداؤها أبـداً وتسنـده الـى أضـدادهـا
يا غيـرة الله اغـضبـي لنبيه وتزحزحي بالبيض عن أغمادهـا
من عصبة ضاعت دماء محمد وبنيه بيـن يزيـدها وزيـادهـا
صفدات مال الله ملء أكفـها وأكـف آل الله فـي أصفـادها
ضربوا بسيف محـمد أبـناءه ضرب الغرائب عدن بعد ذيـادها
قف بي ولو لوث الإزار فإنما هي مهجة علـق الجوى بـفؤادها
بالطف حيث غدا مراق دمائها ومنـاخ اينقـها ليوم جـلادهـا
تجري لها حبب الدموع وإنما حَبّ القلوب يكـنّ مـن إمـدادها
يا يوم عاشوراء كم لك لوعة تترقص الأحـشـاء من إيقادهـا
ما عدتَ إلا عاد قلبي غـلّةً حرّى ولو بالغـت فـي إبـرادها
مثل السليـم مضيضة آناؤه خزر العيون تـعوده بعـدادهــا
يا جد لا زالت كتائب جسرة تغشى الضـمير بكرّها وطرادهـا
أبـداً عليك وأدمع مسفوحة إن لم يُراوحـها البـكاء يغـادها
أأقول جادكم الربـيـع وأنتم في كل مـنزلة ربـيع بـلادهـا
أم أستزيد لكم عـلاً بمدائحي أين الجبـال من الربـى ووهادها


(1) الاجساد جمع جسد وهو هنا الدم .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 211


كيف الثناء على النجوم إذا سمت فوق العيون الى مدى أبعادها
أغنى طلوع الشمس عن أوصافها بجلالها وضيائهـا وبعـادها

وقال أيضا يرثيه عليه السلام في يوم عاشوراء سنة 395 :
ورائك عن شـاك قـليل الـعوائــد تقلبه بالــرمل أيـدي الأبـاعـدِ
توزّع بين النجــم والدمـع طــرفه بمطروفة انسـانـها غيــر راقد
ذكرتكـم ذكـر الصـبا بـعد عهـده قضى وطراً مـني وليـس بـعائد
اذا جـانبوني جانبـاً مـن وصـالهم علقـت بأطـراف المنى والمواعد
هي الدار لا شـوقـي القديم بنـاقص اليهـا ولا دمعـي عليـها بـجامد
ولي كـبد مقـروحة لـو أضـاعها من السقم غيري ما بغاهـا بناشـد
تأوّبنـي(1) داءٌ مـن الـهم لـم يزل بقلبي حتى عادني مـنه عـائـدي
تذكرتُ يوم السبـط مـن آل هاشـم وما يومنا مـن آل حـربٍ بـواحد
وظام يريغ الـماء قد حـيل دونـه سـقوه ذبابـات الرقـاق الـبوارد
أتاحـوا له مرّ الـموارد بــالقـنا على ما أبـاحوا من عذاب الموارد
بنى لـهم الـماضون آســاس هذه فعلّوا على أسـاس تــلك القواعد
رمونا كما يرمى الظماء عن الروى يذودوننا عـن إرث جـدٍ ووالـد
ويا رب سـاع فـي الليالـي لقاعد على ما رأى بل كل سـاع لـقاعد
أضاعوا نفـوساً بالـرماح ضياعها يعز على الـباغـين منها النواشـد
أألله ما تـنفـك في صـفحـاتـها خموشٌ لكلب مـن أمـية عـاقـد
لئن رقـد النُصّار عمـا أصابنـا فمـا الله عـما نـيل منّـا براقـد
لقـد علقـوها بالنـبي خصـومـة الى الله تغـني عـن يـمين وشاهد
ويـا رب أدنـى من أمـية لـحمة رمـونا عن الشنان(2) رمي الجلامد


(1) تأويني : راجعني .
(2) الشنأن : البغض .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 212


طبعـنا لـهـم سيـفاً فـكـنا لحـدّه ضرائب عن أيمانهم والسواعد
الا لـيـس فعل الأولـين وان عـلا على قبح فـعل الآخرين بزائد
يريدون أن نرضى وقد منعوا الرضى لسير بني أعمامنا غـير قاصد
كذبتك إن نازعـتـني الحق ظـالماً إذا قلت يوماً أنـني غير واجد

وللسيد الرضى رضي الله عنه في رثاء جده الحسين عليه السلام في عاشوراء سنة 377 :
صاحت بذودي بغـداد فـانسنـي تقلّبي في ظهور الـخيل والعيرِ
وكلما هجهجت بـي عن مباركها عارضتها بجنان غـير مذعور
أطغى علـى قاطنيها غير مكترث وافعل الفـعل فيها غـير مأمور
خطب يهددني بالبعد عـن وطني وما خلقت لغير السـرج والكورِ
إني وإن سـامني ما لا أقـاومه فقد نجوت وقد حـي غير مقمور
عجلان ألـبس وجهي كل داجية والبر عَريان من ظـبي ويعفور
ورب قائلـة والـهمّ يـتحفـني بناظر من نطاف الدمـع ممطور
خفّض عليك فلـلا حزان آونـة وما المقيم علـى حـزن بمعذور
فقلت هيهات فـات السمع لائمه لا يعرف الحزن إلا يوم عاشور
يوم حدى الظعن فيه لابن فاطمة سنان مطرّد الكـعبين مطـرور
وخرّ للمـوت لا كـفٌ تـقلّبه إلا بوطئٍ من الجـرد المحاضير
ظمآن سلـّى نجـيع الطعن غلّته عن بارد من عباب الماء مقرور
كأن بيض المواضي وهي تنهبُه نار تحكـّم في جسـم من النورِ
لله ملقى على الرمضاء غصّ به فم الردى بـعد إقـدام وتشـعير
تحنو عليه الربى ظـلاً وتستره عن النواظـر أذيـال الاعاصير
تهابه الوحش ان تدنو لمصرعه وقد أقـام ثـلاثاً غـير مـقبورٍ
ومورد غمرات الضرب غرّته جرت علـيه الـمنايا بالمصادير
ومستطيل على الأيـام يقدرها جَنىُ الزمان علـيه بالمقـاديـر


أدب الطف ـ الجزء الثاني 213


أغرى به ابن زياد لـؤم عنصـره وسعــيه ليـزيـد غـير مـشكـور
وودّ أن يتـلافى مـا جـنـت يده وكـان ذلـك كســراً غير مجبـورِ
تسبى بـنات رسـول الله بيـنهـم والدين غض المبـادي غيـر مستـور
إن يظـفر الموت منه بابـن منجبة فطـالـما عــاد ريـّان الاظـافـير
يلقى القنا بجبين شـان صـفـحته وقع القـنـا بيـن تضمـيخٍ وتعـفير
من بعد ما ردّ أطراف الرمـاح به قلـب فسـيحٌ ورأيٌ غير مـحـصور
والنقع يسحب مـن اذيــاله ولـه علـى الغـزالـة جيـب غير مزرور
في فيلق شرق بالبيـض تحـسـبه بـرق تـدلـّى عـلى الآكام والقـور(1)
بني امـية مـا الأسـياف نائـمة عن ساهر في أقاصـي الارض موتور
والبارقات تلـوّى فـي مغامـدها والسابقات تمــطّى فـي الـمضامير
إني لأرقب يــوماً لاخـفاء لـه عريان يقــلق منـه كـل مغـرور
وللصوارم مـا شـاءت مضاربها مـن الرقـاب شرابٌ غـير مـنزور
أكلّ يوم لآل الـمصـطفى قـمرٌ يهوى بـوقع الـعوالي والمــباتيـر
وكل يـوم لـهم بيضـاء صافية يشوبـها الدهـر مـن رنق وتكديـر
مغوار قوم يروع المـوت من يده أمسـى وأصبـح نـهباً لـلمغاويـر
وأبيض الـوجه مشـهور تغطرفه مضى بيـوم من الأيـام مشـهـور
مالي تعجـبت من هـمي ونـفرته والحزن جـرح بقلبي غـير مـسبور
باي طرف أرى العلياء ان نُضبت عيني ولـجلجـت عنهـا بالمعاذيـر
القى الزمـان بكـلمٍ غيـر مندمل عمر الزمـان وقـلب غير مسـرور
يا جد لا زال لـي همّ يحـرّضني على الدمـوع ووجـد غير مقـهور
والــدمع تحـفره عيـنٌ مؤرقة خفر الحــنيّة عن نـزع وتوتـير(1)
إن السـلو لمحظور عـلى كبدي وما السلـو علـى قلـبٍ بمحظـور


(1) القور جمع قارة : الجبيل الصغير .
(2) الخفر : الدفع . والحنية القوس .

السابق السابق الفهرس التالي التالي