أدب الطف ـ الجزء الثاني 134


‍‍‌‏‎واستباحوا بـنات فاطمـة الزهــ ـراء لمّا صرخن حول القتيل
‍‍‌‏‎حـملوهن قـد كشفـن على الاقـ ـتاب سبياً بالعنف والتهـويل
‍‍‌‏‎يا لـكـربٍ بـكربلاء عـظــيم ولـرزء عـلى الـنبي ثقيـل
‍‍‌‏‎كـم بـكى جبرئـيل مـمّا دهـاه فـي بنـيه صلّوا على جبرئيل
‍‍‌‏‎سوف تأتي الزهراء تلتمس الحكـ ـم اذا حـان محشـر التعديل
‍‍‌‏‎وأبـوهـا وبعـلهـا وبــنوهـا حـولها والخـصام غير قلـيل
‍‍‌‏‎وتـنادي يــا رب ذبــِّـح أولا دي لمـاذا وأنت خـير مديـل
‍‍‌‏‎فيـنادى بـمالـك ألـهـب الـنا روأجّـج وخـذ بأهـل الغلول
‍‍‌‏‎(ويجـازى كـل بـما كـان مـنه مـن عقـاب التخليد والتنكيل)
‍‍‌‏‎يـا بني المصطفى بكـيت وابكيـ ـت ونفسي لم تأت بعد بسولي
‍‍‌‏‎ليـت روحـي ذابت دموعا فأبكي للـذي نـالـكم مـن التذلـيل
‍‍‌‏‎فـولائـي لـكم عتـادي وزادي يـوم القاكـم علـى سلسبيـل
‍‍‌‏‎لـي فـيكـم مـدائـح ومـراث حفظت حفظ محـكم التنـزيل
‍‍‌‏‎قد كفاني في الشرق والغرب فخرا أن يقولـوا : من قيل اسماعيل
ومـتى كـادني النواصـب فيكم حسبـي الله وهـو خير وكيل(1)

الصاحب بن عباد :
‍‍‌‏‎حدق الحسان(2) رمينني بتململ وأخذن قلبي في الرعيل الأول
‍‍‌‏‎غادرنني والـى التفزع مفزعي وتركنني وعلى العوبل معوّلي
‍‍‌‏‎لـو أن ما ألـقـاه حمّل يـذبلا قد كان يذبـل مـنه ركنا يذبل
‍‍‌‏‎مازلت أرعى الليل رعي موكل حتـى رأيـت نجمه يبكين لي
فحسبتها زهرات روض ضاحك [مبتسم] قـد القيت فـي جدول


(1) عن ديوان الصاحب بن عباد ص 261 .
(2) ذكر العلامة المجلسي في المجلد العاشر من (بحار الأنوار) بعضها وقال : هي من قصيدة طويلة .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 135


‍‍‌‏‎ينقـض لامـعـهـا فتـحســب كاتبـاً قـد مـد سطراً مذهباً بتعجّل
‍‍‌‏‎ويغيب طالـعها كــدر قــد وهــى مـن سلك غـانية مشت بتدلل
‍‍‌‏‎حتـى إذا مـا الـصبـح أنـفـذ رسـله أبدت شجـون تـفرّق وترحّل
‍‍‌‏‎والفــجر مـن رأد الـضيــاء كـأنـه سعدى وقد بـرزت لنـا بتبذل
‍‍‌‏‎ومضـى الظــلام يـجر ذيل عبـوسـه فـأتى الضياء بوجهـه المتهلل
‍‍‌‏‎وبــدا لنا تـرس مـن الذهـب الــذي لـم ينـتزع من معدنٍ بتـعمل
‍‍‌‏‎مـرآة نـور لــم تُـشـَن بصياغــة كـلا ولا جليت بكف الـصيقل
‍‍‌‏‎تسمـو الـى كـــبد الـسمـاء كـأنهـا تبغي هناك دفاع كـرب معضل
‍‍‌‏‎حتـى اذا بلـغـت الـى حيـث انتـهت وقـفت كوقفة سائـل عن منزلِ
‍‍‌‏‎ثـم انثنت تــبغـي الحـدورَ كـأنـهـا طـير أسفّ مخـافةً مـن أجدلِ
‍‍‌‏‎حـتى اذا مــا الـليـل كـرّ بـبأســه في جحفل قـد أتبعـوه بـجحفل
‍‍‌‏‎طرب الصديق الـى الصـديق وأبـرزت كأس الرحيق ولم يخف من عذّل
‍‍‌‏‎فالعـود يُصلــح والحـناجــر تـجتلى والدر يُخرز مـن صراح المبزل
‍‍‌‏‎والعين تومئ والــحواجــب تـنتـجي والعتب يظهر عـطنه فـي أنمل
‍‍‌‏‎والأذن تـقضـي ماتــريـد وتــشتهي من طفلة مع عـودها كالـمطفل
‍‍‌‏‎إن شـئت مـرّت في طريــقـة مـعبدٍ أو شئت مـرت في طريقة زلزل
‍‍‌‏‎تغنـيك عن إبـداع بـدعــة حسن مـا وصلت طرائـقه بفنّ الـموصلي
‍‍‌‏‎فـالـروض بيـن مسهـّــم ومـدبّـج ومـفوّفٍ ومـجـزّعٍ ومـهـلّل
‍‍‌‏‎والـطير ألسنة الـغصون وقــد شـدت ليطيب لي شـرب المدام السلسل
‍‍‌‏‎مـن حُمـّرٍ أو عنـدلـيب مــطـربٍ أو زُرزرٍ أو تـدريـجٍ أو بـلبل
‍‍‌‏‎فـأخــذتـهـا عـاديـّةً غـيـلـيـّةً تـجلى علَيّ كمثل عيـن الأشهل
‍‍‌‏‎قـد كـان ذاك وفـي الـصبـا متنفـّس والدهر أعمى ليس يـعرف معقلي
‍‍‌‏‎حـتى اذا خــط الـمشـيب بـعارضي خــط ا لانابة رمتهــا بتـبتل
‍‍‌‏‎وجـعـلـت تكفـير الذنـوب مـدائحي فـي سـادة آل النـبي الـمرسل
فـي سـادةٍ حــازوا المـفاخـر قـادةٍ ورقوا الفـخار بمقـولٍ وبمنصُل


أدب الطف ـ الجزء الثاني 136


‍‍‌‏‎وتشـدّد يـوم الـوغـى وتـشرُّرٍ وتفـضل يـوم الندى وتسهل
‍‍‌‏‎وتقـدّم في الـعلـم غيـر محـلأٍ وتـحقق بالعلم غـير محلحل
‍‍‌‏‎وعـبادة مـا نـال عبـد مثلـها لأداءِ ـ فرضٍ أو أداء تـنفّل
‍‍‌‏‎هـل كالوصـيّ مقارع في مجمع هل كالوصي منازع في محفل
‍‍‌‏‎شَهَرَ الحسـامَ لحسم داءٍ معـضل وحمى الجيوش كمثل ليل أليل
‍‍‌‏‎لـمّا أتـوا بـدراً أتـاه مـبادرا يسخو بمهـجة محربٍ متأصل
‍‍‌‏‎كـم باسل قـدردّه وعليـه مـن دمـه رداء أحـمر لـم يصقل
‍‍‌‏‎كـم ضربة من كفّـه في قرنـه قد خيل جري دمائها من جدول
‍‍‌‏‎كـم حـملة وآلى علـى أعدائـه ترمي الجبـال بوقعها بتزلزل
‍‍‌‏‎هذا الجهاد ومـا يـطيق بجـهده خصـم دفاع وضوحـه بتأوّل
‍‍‌‏‎يا مرحبا اذ ظـل يردي مرحـباً والجيـش بيـن مكـبّر ومهلّل
‍‍‌‏‎واذا انثنيـت الـى الـعلوم رأيته قـرم الـقروم يفوق كل البزّل
‍‍‌‏‎ويـقوم بـالتنزيل والتأويـل لا تعدوه نكتة واضـح أو مـشكل
‍‍‌‏‎لولا فتـاويـه الـتي نجّـتهـم لـتهالكـوا بتـعسّف وتجهـّل
‍‍‌‏‎لم يسأل الأقوام عن أمـرٍ وكـم سألـوه مـدرّعين ثوب تـذلّل
‍‍‌‏‎كان الـرسول مـدينةً هـو بابها لو أثبت النصّاب قول المـرسل
‍‍‌‏‎[قد كان كـرّارا فسـُمّي غـيره في الوقت فرّارا فهل من معدل]
‍‍‌‏‎هذي صدورهم لبغض المصطفى تغلي على الأهلين غلي المرجل
‍‍‌‏‎نصبت حقودهم حروبا أدرجـت آل النبي على الخطوب الـنزّل
‍‍‌‏‎حلّوا وقد عـقدوا كما نـكثوا وقد عهدوا فقل في نكث بـاغ مبطل
‍‍‌‏‎وافـوا يخبرنا بضعف عقولـهم أن المدبـر ثَـمّ ربـةُ محمـلِ
‍‍‌‏‎هــل صيّر الله النساء أئــمة يـا أمـة مثل الـنّعام المهـمل
‍‍‌‏‎دبـت عقــاربهم لصنو نبـيهم فاغتالـه أشقى الـورى بتـختّل
‍‍‌‏‎أجـروا دمـاء أخي النبي محمد فلتجـرِ غـرب دموعها ولتهمِل
ولتصـدر اللعنـات غير مزالـةٍ لعداه من مـاض ومـن مستقبل


أدب الطف ـ الجزء الثاني 137


‍‍‌‏‎لـم تشفـهم مـن أحـمد أفعالـهم بوصيّه الطهر الزكي المفـضل
‍‍‌‏‎فـتجـرّدوا لبـنـيه ثـم بـناتـه بعظائم فاسمع حديث المقــتل
‍‍‌‏‎مـنعوا حسينَ الماء وهـو مـجاهد في كربلاء فنح كنوح المعـولِ
‍‍‌‏‎منـعوه أعـذب منـهل وكذا غـدا يردون في النيران أوخم منهـل
‍‍‌‏‎يـسقون غسليناً ويحشـر جمعهـم حشراً متيناً في العقاب المجمل
‍‍‌‏‎أيحزّ رأس ابن الرسول وفي الورى حيّ أمـام ركابـه لـم يـقتل
‍‍‌‏‎تـسبى بـنات مـحمد حتـى كأنّ محـمدا وافـى بملّـة هرقـلِ
‍‍‌‏‎وبنوا السـفاح تحكموا في أهل حيّ علـى الفلاح بـفرصة وتعجّل
‍‍‌‏‎نكـت الدعـيّ ابن البغي ضواحكا هي للنبيّ الخير خـيرُ مقـبّـل
‍‍‌‏‎تمضي بنو هنـد سيوف الـهند في أوداج أولاد النـبيّ وتـعتلـي
‍‍‌‏‎ناحـت ملائـكة السـماء عليهـم وبكوا وقد سقـّوا كؤوس الذبّل
‍‍‌‏‎فـأرى البكاء مدى الزمان مـحللا والضحك بعد السبط غير محلّل
‍‍‌‏‎قـد قلت للأحـزان : دومـي هكذا وتـنزّلي بالقلـب لا تـترحّلي
‍‍‌‏‎يـا شيعة الهـاديـنَ لا تتـأسّـفي وثقـي بحـبل الله لا تتعجـلي
‍‍‌‏‎فعـداً تـرون الناصـبين ودارهـم قعـر الجحيم من الطباق الأسفل
‍‍‌‏‎وتـنعمـون مـع النــبي وآلـه في جنة الـفردوس أكـرم موئل
‍‍‌‏‎هـذي القلائـد كالـخرائـد تجتلى في وصف علياء النبي وفي علي
‍‍‌‏‎لـقريحـةٍ عــدليـّةٍ شيـعـيـةٍ أزرت بشـعر مـزرّد ومهلـهل
‍‍‌‏‎مـا شاقهـا لـما أقمـت وزانهـا أن لـم تكن لـلأعشيين وجرول
‍‍‌‏‎رام ابـن عبـادٍ بـها قـربً الـى ساداتـه فأتـت بحـسن مكمـل
‍‍‌‏‎مـا ينكر المعنى الـذي قصـدت له إلا الـذي وافـى لعـدة أفـحل
‍‍‌‏‎وعـليك يـا مكيّ حسنُ نشـيدهـا حتى تحوزَ كـمالَ عيش مقبـل(1)


(1) عن ديوان الصاحب بن عباد ص 85 .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 138


وقال رحمه الله :
‍‍‌‏‎مـا بـال عـَلوى لا تـرد جـوابـي هـذا وما ودعـت شـرخ شـبابي
‍‍‌‏‎أتـظـن أثـواب الـشبـاب بـلمـتي دَورَ الخضابِ فما عرفت خـضابي
‍‍‌‏‎أوَ لـَمّ تـرَ الـدنـيا تطيـع أوامـري والدهر يلزمُ ـ كيف شئت ـ جنابي
‍‍‌‏‎والـعيـش غَـض والمسـارح جـمّة والهمّ اقـسـم لا يَطــور ببـابـي
‍‍‌‏‎وولاء آل مـحمـد قـد خيــرَ لـي والـعدل والتـوحيد قد سعـدا بـي
‍‍‌‏‎مـن بـعد ما اسـتدّت مطـالب طالب بـاب الـرشاد الـى هدىً وصواب
‍‍‌‏‎عـاودت عـرصـة أصبهان وجهـلُها ثبـت الـقواعد مـحكـمُ الأطنـاب
‍‍‌‏‎والجـبـر والتشبيه قـد جثـما بـهـا والـدين فيهـا مـذهـب النصّـاب
‍‍‌‏‎فكفـفتـهـم دهـراً وقـد فـقّـهتـهم الا أراذل مـــن ذوي الأنـــاب
‍‍‌‏‎ورويـتُ مـن فـضـل النـبـيّ وآله مـا لا يبـقـي شبهـة الـمرتـاب
‍‍‌‏‎وذكـرت مـا خـصّ النـبي بـفضله مـن مـفخر الاعـمال والانســاب
‍‍‌‏‎وذر الـذي كـانـت تـعــرف داءه انّ الشفـاء لــه استمـاع خطـابي
‍‍‌‏‎يا آل احـمـد انتـم حــرزي الـذي أمِـنَت بــه نفسي مـن الأوصـاب
‍‍‌‏‎أُسعـدت بـالـدنيا وقـد والـيتكــم وكـذا يـكـون مـع السعـود مأبي
‍‍‌‏‎انـتم سـراج الله فـي ظـلم الـدجى وحسامـه فـي كـل يـوم ضـراب
‍‍‌‏‎ونجومـه الـزهـر التي تهدي الورى ولـيوثـه إن غـابَ لـيثُ الغـابِ
‍‍‌‏‎لا يرتجـى ديـن خـلا من حـبّكـم هـل يرتجى مَطـُر بـغير سـحاب
‍‍‌‏‎أنتـم يـمـين الله فـي أمــصـاره لـو يعرف النـصّاب رجـع جواب
‍‍‌‏‎تركوا الـشراب وقد شكوا غلل الصدى وتـعلّلوا جـهلا بلـمـع ســراب
لـم يعلمـوا أن الهوى يـهـوي بـمن تـرك العقـيدة ربــة الانـسـاب
‍‍‌‏‎لـم يعلـمـوا أن الـوصيّ هـو الذي غَـلَبَ الخـضارم كـلّ يـوم غلاب
‍‍‌‏‎لـم يعلـموا أن الـوصيّ هـو الـذي آخـى النـبي اخــوّة الانـجـاب
‍‍‌‏‎لـم يعلمـوا أن الـوصـي هو الـذي سـبق الجــميع بـسنـّةٍ وكتـاب


أدب الطف ـ الجزء الثاني 139


‍‍‌‏‎لم يعلموا أن الوصي هو الـذي لم يرضَ بالاصنام والانصـاب
‍‍‌‏‎لم يعلموا أن الوصي هو الـذي آتى الزكاة وكان في المحـراب
‍‍‌‏‎لم يعلموا أن الوصي هو الـذي حَكمَ الغدير له على الأصحـاب
‍‍‌‏‎لم يعلموا أن الوصي هو الـذي قد سام أهل الشرك سوم عـذاب
‍‍‌‏‎لم يعلموا أن الوصي هو الـذي أزرى بـبدر كل أصيـد آبـي
‍‍‌‏‎لم يعلموا أن الوصي هو الـذي تـرك الضـلال مغلّل الأنيـاب
‍‍‌‏‎مالي أقصّ فضائل البحر الـذي علياه تسبقُ عـدّ كـلّ حسـاب
‍‍‌‏‎لكنّـني مـتروّح بيسـير مـا أُبـديـه أرجو أن يزيدَ ثـوابي
‍‍‌‏‎وأريـد اكـمادَ النـواصب كلّما سمعوا كلامي وهو صوت رباب
‍‍‌‏‎يـحلـو اذا الشيعيّ ردّد ذكـره لكن على النصّاب مثل الـصاب
‍‍‌‏‎مـدح كـأيـام الشـباب جعلتها دأبـي وهُـنّ عـقـائـدالآداب
‍‍‌‏‎حُبّـي أميــر المـؤمنين ديانة ظهرت عليه سـرائري وثيابي
‍‍‌‏‎أدّت اليـه بـصائـر أعملتـها اعـمال مرضيّ اليقين عقابـي
‍‍‌‏‎لم يعـبث التقلـيد بي ومحبتـي لـعمارة الأسـلاف والأحساب
‍‍‌‏‎يا كفؤ بنـت محـمد لولاك مـا زفّـت الـى بشرٍ مدى الأحقاب
‍‍‌‏‎يا أصـل عترة احمدٍ لولاك لـم يـك أحمد الـمبعوث ذا أعقاب
‍‍‌‏‎وأفئـت بالحسنيـن خير ولادة قـد ضمنت بحقائـق الأنـجاب
‍‍‌‏‎كان النـبي مديـنة العلـم التي حوت الكمال وكنت أفضل باب
‍‍‌‏‎ردّت عليك الشمس وهي فضيلة بَهَـرت فلم تستر بلـفّ نقـاب
‍‍‌‏‎لـم أحك إلا ما روته نواصـب عادتـك وهي مبـاحة الأسلاب
‍‍‌‏‎عومـلتَ يـا صنو النبي وتلوه بـأوابـد جاءت بكـل عجاب
‍‍‌‏‎عـوهدتَ ثم نكثت وانفرد الألى نكصـوا بحربهم على الأعقاب
‍‍‌‏‎حـوربتَ ثـم قتلتَ ثم لعنت يا بعـداً لأجمعهم وطـول تَبـاب
أيشك فـي لعـني أمـية إنهـا نفرت على الاصرار والاضباب(1)


(1) وفي نسخة : جارت على الاحرار والاطياب .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 140


‍‍‌‏‎قـد لقبوكَ يا أبا ترابٍ بعدمـا باعـوا شـريعتهم بكفّ تـراب
‍‍‌‏‎قتلوا الحسيـن فيا لعولي بعده ولطـول نوحي أو أصير لما بي
‍‍‌‏‎وهـم الألى منعـوه بلـّة غُلةٍ والحتف يخطبه مـع الخطّـاب
‍‍‌‏‎أودى به وباخوةٍ غُـرّ غـدت أرواحهـم شـَوراً بكفّ نهـاب
‍‍‌‏‎وسبـوا بنات محمد فكـأنهـم طلبـوا دخـول الفتح والأحزاب
‍‍‌‏‎رفقـا ففي يوم القيامـة غنية والنار بـاطشة بـسوط عقـاب
‍‍‌‏‎ومـحمد ووصيّه وابناه قــد نهضوا بحكـمِ الـقاهر الغـلاب
‍‍‌‏‎فهناك عضّ الظالمون أكفّهـم والنـار تلقاهـم بغـير حـجاب
‍‍‌‏‎ما كفّ طبعي عن إطالة هـذه مَـلَل ولا عجـز عـن الاسهاب
‍‍‌‏‎كلا ولا لقصور علياكم عن الا كـثارِ والـتطويـل والاطـناب
‍‍‌‏‎لكن خشيت على الرواة سأمةً فقصـدت ايجـازاً على اهـذاب
‍‍‌‏‎كـم سامع هـذا سليم عقـيدة صدق التشيع من ذوي الألـباب
‍‍‌‏‎يـدعو لقائلها بأخلص نيّــة متخشّعـا للـواحد الـوهّــاب
‍‍‌‏‎ومناصب فارت مراجل غيظه حنقاً علـيّ ولا يطـيق معابـي
‍‍‌‏‎ومقابل ليَ بالجمـيل تصنّعـا وفـؤاده كـره علـى ظَبظـاب
‍‍‌‏‎انّ ابـن عبـّادٍ بـآل محـمد يرجو(1) برغم الناصب الـكذّاب
فـالـيك يا كوفيّ أنشِد هـذه مثلَ الشباب وجـودَةِ الأحبــاب(2)

وقال :
بلغت نفسي مناها‌‏‎ بالموالي آل طـه
‍‍‌‏‎برسول الله من حا ز المعالي وحواها
وأخيه خير نفـس شرّف الله بناهـا


(1) لعله : يزجو او ينجو .
(2) عن الديوان .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 141


‍‍‌‏‎وببنتِ المصطفـى مَـن أشـبهت فـضلا أباها
‍‍‌‏‎وبـحب الحسـن الـبا لـغِ فـي العليا مداهـا
‍‍‌‏‎والـحسين المرتضى يو م المسـاعـي إذ حواها
‍‍‌‏‎ليـس فيـهم غيـر نجمٍ قـد تـعالـى وتـناهى
‍‍‌‏‎عتــرة أصبحـت الدّنـ ـيا جميـعا فـي ذراها
‍‍‌‏‎لا تُـغرّوا حين صارت باغـتصـاب لـعـداها
‍‍‌‏‎أيهـا الحاسـد تـعسـا لـك إذ رمــت قـلاها
‍‍‌‏‎هـل سنـاً مثل سنـاها هـل عُـلا مثل عـلاها
‍‍‌‏‎أو لـيست صفـوة اللّـ ـه على الخلق اصطفاها
‍‍‌‏‎وبـراهـا إذ بـراهـا وعـلى الـنجم ثـراهـا
‍‍‌‏‎شجرات العلـم طوبـى للــذي نـال جنـاهـا
‍‍‌‏‎أيهـا الـناصب سـمعا أخـذ القـوس فـتاهــا
‍‍‌‏‎استمـع غــرّ معـال في قـريضي مجـتلاهـا
‍‍‌‏‎مَـن كـمولاي عـلـيٍ فـي الوغى يحمي لظاها
‍‍‌‏‎وخُصى الأبطال قـد لا صـقـن للخـوف كلاها
‍‍‌‏‎مَـن يصيد الصـيد فيها بالظبي حيـن انتـضاها
‍‍‌‏‎انـتضاهـا ثـم أمـضا هـا عليهــم فـارتضاها
‍‍‌‏‎من لـه فـي كـل يـوم وقـفـات لا تـضـاهى
‍‍‌‏‎كـم وكـم حـرب عقام قـد بـالصمـصام فاهـا
‍‍‌‏‎يـا عــذولـيّ عـليه رمتـما منـي سـفـاهـا
‍‍‌‏‎اذكـرا أفـعــال بـدر لست أبغـي مـا سواهـا
‍‍‌‏‎اذكـرا غــزوة أحــد انـه شـمس ضحـاهـا
‍‍‌‏‎[اذكـرا حـرب حنيــنٍ انـه بـدر دجــاهــا]
‍‍‌‏‎اذكـرا الأحـزاب تعلـم انــه لـيـث شـراهـا
اذكـرا مـهجـة عمـرو كـيف أفنـاهـا تجـاهـا


أدب الطف ـ الجزء الثاني 142


‍‍‌‏‎اذكـرا أمــر بــراة(1) واصدقاني مـن تلاها
‍‍‌‏‎اذكـرا مـن زوج الزهـ ـراء كيمـا يتبـاهى
‍‍‌‏‎اذكـرا لي بـكرة الطيـ ـر فقدطـار سنـاها
‍‍‌‏‎اذكـرا لــي قلل العلـ ـم ومن حـل ذراها
‍‍‌‏‎كـم امــور ذكـراهـا وأمـور نسيــاهـا
‍‍‌‏‎حـالـه حـالـة هـارو ن لموسى فافهـماهـا
‍‍‌‏‎ذكـره فـي كتـب اللـ ـه دراهـا من دراها
‍‍‌‏‎أمّتـا مـوسى وعـيسى قد بلته فاسـألاهــا
‍‍‌‏‎أعـلـى حـب عـلـي لامني القوم سـفاهـا
‍‍‌‏‎لـم يلـج اذ انهـم شعـ ـريَ لا صـمّ صداها(2)
‍‍‌‏‎أهمـلوا قـربـاه جـهلا وتحـطوا مقتضـاها
‍‍‌‏‎نـكثـوه بـعـد أيـمـا نٍ أغاروا من قواهـا
‍‍‌‏‎لـعنــوه لــعنــات لزمتهــم بعـراهـا
‍‍‌‏‎ومـشوا فـي يـوم خـمٍ لا جلا الله عـشـاها
‍‍‌‏‎طـلبوا الـدنيا وقـد أعـ ـرضَ عنـها وجفاها
‍‍‌‏‎وهـو لـولا الـدين لم يأ سف على مَن قد نفاها
‍‍‌‏‎واحتمـى عنـها ولـو قد قام كلبُ فـأدعاهــا
‍‍‌‏‎يـا قسـيم الـنار والجنـ ـة لا تخشى اشتباها
‍‍‌‏‎ردّت الشـمـس عـليـه بعد ما فـات سـناها
‍‍‌‏‎ولـه كـأس رسـول الـ ـله من شـاء سقاها
‍‍‌‏‎أول الـنــاس صــلاة جعل التقـوى حلاها
‍‍‌‏‎عـرفَ الـتأويـل لـمـّا أن جهلتم ما «طحاها»


(1) براة : اي براءة . ويعني بها سورة براءة ، ولعل الأصوب (براء) .
(2) لعل المقصود : يا صم صداها .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 143


‍‍‌‏‎ليس يحصـى مأثرات قد حماها واعـتماهـــا
‍‍‌‏‎غير مَن [قد] وطأ الأر ض و[من] أحصى حصاها
‍‍‌‏‎ناجزته عصب البغـ ـي بـأنـواع بـلاهــا
‍‍‌‏‎قـتلـته ثـم لم تقـ ـنع بمـا كــان شقاهـا
‍‍‌‏‎فـتصـدّت لبـنيـه بـظبـاهـا ومـداهـــا
‍‍‌‏‎أردت الأكـبَرَ بالسم ومــا كــان كـفاهــا
‍‍‌‏‎وانبرت تبغي حسينا وغـزتــه وغـزاهــا
‍‍‌‏‎وهي دنياً ليس تصفو لابن ديـنٍ مـَشرعـاهـا
‍‍‌‏‎نـاوشتـه عطّـشته جـرأةً فـي ملـتقاهـــا
‍‍‌‏‎منعته شـربةً والطـ ـيـر قـد أروت صـداها
‍‍‌‏‎وأفاتت نـفسه يــا ليــت روحـي قد فداهـا
‍‍‌‏‎بـنته تدعـو أباهـا أخـته تـبكـي أخـاهــا
‍‍‌‏‎لو رأى أحمد ما كـا ن دهـاه ودهــاهــــا
‍‍‌‏‎ورأى زيـنب ولهى ورأى شـمرا سـباهـــا
‍‍‌‏‎لشكا الحـال الى اللـ ـه وقد كـان شـكـاهــا
‍‍‌‏‎والـى الله سيـأتـي وهو أولى مـَن جــزاهـا
‍‍‌‏‎لعن الله ابن حـربٍ لعنـةً تـكوي الـجبـاهـا
‍‍‌‏‎أيها الشيـعة لا أعـ ـني بقـولي مـَن عداهـا
‍‍‌‏‎كنت في حـالِ شكاةٍ أزعـجتـنـي بـأذاهــا
‍‍‌‏‎كأس حمّاها سقتنـي عن حميّاهـا حـماهـــا
‍‍‌‏‎فتشفـّيت بـهذا الـ ـمدحِ في الوقـت ابتداهـا
‍‍‌‏‎فـوحـق الله انّ الله لـم يــثـبـت أذاهـــا
‍‍‌‏‎وكفى نـتفسي ـ لمّا تـمّ شعري ـ ما عـراهـا
‍‍‌‏‎أحمـد الله كثــيرا عـزّ ذو العرش آلـــهـا
‍‍‌‏‎ثم سـاداتي فإن الـ ـقـول يُلقـى فـي ذراهـا


أدب الطف ـ الجزء الثاني 144


أيها الكوفيّ أنشد‌‏‎ هـذه واحلل حُباها
‍‍‌‏‎وابن عبّاد أبوها وإليـه منتـماهـا
طلب الجنة فيها لم يرد مالاً وجاها(1)

الصاحب بن عباد :
‍‍‌‏‎مــا لـــعلـي أشــباه لا والذي لا اله الا هـو
‍‍‌‏‎مبناه مبنى النـبي تـعرفـه وأبناه عنـد التفاخر ابناه
‍‍‌‏‎لو طلب النجم ذات أخـمصه علاه والفـرقـدان نعلاه
‍‍‌‏‎أما عـرفتـم ســموّ منزله أما عرفتـم عُـلوّ مثواه
‍‍‌‏‎أما رأيتــم محـمدا حـدبا عليه قـد حـاطه وربّاه
‍‍‌‏‎واختصه يـافعـا وآثــره وأعتامـه مخلصا وآخاه
‍‍‌‏‎زوّجه بـضعـة النـبوة إذ رآه خـير امرئ والـقاه
‍‍‌‏‎يا بأبي السيد الحسيـن وقد جاهد في الدين يوم بلواه
‍‍‌‏‎يا بأبي أهـله وقد قــتلوا من حوله والعيون ترعاه
‍‍‌‏‎يا قبّـح الله أمة خـذلـت سيّدها لا تريد مـرضاه
يا لعـن الله جيفة نــجساً يقـرع من بغضه ثناياه(2)

وقال الصاحب ـ كما في المناقب :
‍‍‌‏‎برئت من الارجاس رهط أمية لما صح عندي من قبيح غذائهـم
‍‍‌‏‎ولعنتهم خير الوصيين جهـرة لكفرهـم المعدود في شر دائهـم
‍‍‌‏‎وقتلهم السادات من آل هاشـم وسبيهم عـن جـرأة لنـسائهـم
وذبحهـم خير الرجال أرومـة حسين العلى بالكرب في كربلائهم


(1) عن الديوان .
(2) عن اعيان الشيعة .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 145


‍‍‌‏‎وتشتـيتهـم شمل النـبي محـمد لما ورثوا من بغضهم في فنائهم
‍‍‌‏‎وما غضبت إلا لأصـنامها الـتي أديلت وهم أنـصارها لشقائهـم
‍‍‌‏‎أيا رب جنبني المكاره وأعف عن ذنوبي لما أخلـصته من ولائهم
‍‍‌‏‎أيا رب أعـدائي كثيـر فردّهـم بغيظهم لا يظفـروا بابـتغائهم
‍‍‌‏‎أيـا رب مَـن كـان النبـي وآله وسائله لم يخـش مـن غلوائهم
‍‍‌‏‎حسين توسل لـي إلـى الله إنـني بليت بهـم فادفع عـظيم بلائهم
فكـم قـد دعوني رافضيا لحبـكم فلم يثنني عنكم طويـل عوائهم(1)



الصاحب بن عباد :



أبو القاسم كافي الكفاة اسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن حمد بن ادريس الديلمي الاصفهاني القزويني الطالقاني وزير مؤيد الدولة ثم فخر الدولة وأحد كتاب الدنيا الأربعة وقيل فيه والقائل أبو سعيد الرستمي .
ورث الوزارة كابراً عن كابر‌‏‎ موصولة الأسناد بالاسناد
يروي عن العباس عبّـاد وزا رته وإسماعيل عن عباد

ولد لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة 326 باصطخر فارس وتوفي ليلة الجمعة 24 من صفر سنة 385 بالري هكذا أرخ مولده ابن خلكان وياقوت في معجم الأدباء وشيّع في موكب مهيب مشى فيه فخرالدولة والقواد وحمل الى اصبهان ودفن هناك .
ولي الوزارة ثماني عشرة سنة وشهرا . عده ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين وله عشرة آلاف بيت في مدح آل رسول الله وقد نقش على خاتمه.


(1) عن أعيان الشيعة ج 11 ص 465 .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 146


شفـيع اسماعـيل فـي الآخـرة‏‎ محمد والعـترة الطاهـرة
وقال : انا وجميع مَن فوق التراب فداء تراب نعل أبي تراب

وجاء في روضات الجنات أن أمويا وفد على الصاحب ورفع اليه رقعة فيها :
أيا صاحب الدنيا ويا ملك الارض‌‏‎ أتاك كريم الناس في الطول والعرض
‍‍‌‏‎لـه نسب مـن آل حـرب مؤثل مـرائره لا تستميل الـى الـنقـض
فـزوّده بالـجدوى ودثّره بالعطا لتقضي حـق الدين والشرف المحض

فلما تأملها الصاحب كتب في جوابها :
أنا رجل يرمونني الناس بالرفـض‌‏‎ فلا عاش حر بيّ يدب على الأرض
‍‍‌‏‎ذروني وآل المصطفى خيره الورى فـإنّ لهم حبي كـما لـكم بغـضي
ولـو أن عضوي مال عن آل أحمد لشاهدت بعضي قـد تبرأ من بعضي

ومن شعره في الأمام أمير المؤمنين عليه السلام :
أبا حسن لوكان حُـبّك مـدخلي‌‏‎ جهنم كان الفوز عندي جحيمها
وكيف يخاف النار مَن هو موقن بـأنك مـولاه وأنت قسـيمها

ومن شعره :
مواهب الله عندي جاوزت أملي‌‏‎ وليس يبلغها قولي ولا عملي
لكـنّ أشرفها عندي وأفـضلها ولايتي لأمير المـؤمنين علي

وألف الثعالبي (يتيمة الدهر) بأسمه لذاك تجد جل ما فيها مدحا له . كانت داره لا تخلو في كل ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس تتناول طعام الافطار على مائدته .

أدب الطف ـ الجزء الثاني 147


ورثاه السيد الرضي بقصيدة لم يسمع اذن الزمان بمثلها وأولها :
أكذا المنون يقطر الابطالا أكذا الزمان يضعضع الاجبالا

قال ياقوت الحموي : مدح الصاحب خمسمائة شاعر من أرباب الدواوين . وقال ابن خلكان :
كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائلة ومكارمه وكرمه وكتب عنه الكتاب وألفوا فيه واخيرا كتب العلامة البحاثة الشيخ محمد حسن ياسين عنه ثم جمع ديوانه ونشر بعض رسائله فأفاد وأجاد . ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الأدب من ذكر أحوال الصاحب بن عباد . ورثاه ابو سعيد الرستمى بقوله :
أبعد ابن عباد يهشّ الى السرى‌‏‎ أخو أمل أو يسمّاح جواد
أبـى الله إلا أن يموتا بمـوته فما لهما حتى المعاد معاد

ومن شعر الصاحب في ذلك قوله :
وكم شامت بي بعد موتي جاهلا‌‏‎ يظل يسل السيف بعـد وفـاتي
ولو علـم المسكين مـاذا يناله من الظلم بعدي مات قبل مماتي

لم يكن للصاحب من الأولاد غير بنت ، زوّجها من الشريف ابي الحسين علي بن الحسين الحسني ، قال الداودي صاحب (العمدة) : صاهر الصاحب كافي الكفاة ، ابا الحسن علي بن الحسين الاطرش الرئيس بهمدان ـ من أهل العلم والفضل والأدب ـ على ابنته ، ينتهي نسبه الى الحسن السبط عليه السلام ، وكان الصاحب يفتخر بهذه الوصلة ويباهي بها ، ولما ولدت ابنة الصاحب من ابي الحسين ابنه عبادا ووصلت البشارة الى الصاحب قال :
أحـمد الله لبشـر‌‏‎ جاءنا عند العشيّ
‍‍‌‏‎إذ حباني الله سبطا هـو سبط للنبيّ
مرحباً ثَمت أهلا بغـلام هـاشميّ


أدب الطف ـ الجزء الثاني 148


وقال في ذلك قصيدة أولها :
الحمد لله حمدا دائما أبدا قد صار سبط رسول الله لي ولدا

وكان الصاحب على تعاظمه وعلوّ مكانه سهل الجانب لأخوانه ، فانه كان يقول لجلسائه : نحن بالنهار سلطان وبالليل اخوان .
وقال ابو منصور البيع : دخلت يوما على الصاحب فطاولته الحديث فلما ادرت القيام قلت : لعلي طوّلت . فقال : لا بل تطوّلت .
وقال العتبي : كتب بعض اصحاب الصاحب رقعة اليه في حاجة ، فوّقع فيها ولما ردت اليهم لم يجد وافيها توقيعا . وقد تواترت الاخبار بوقوع التوقيع فيها ، فعرضوها على ابي العباس الضبي فما زال يتصفحها حتى عثر بالتوقيع ، وهو ألف واحدة . وكان في الرقعة : فان رأى مولانا أن ينعم بكذا . فعل . فأثبت الصاحب أمام كلمة : فعل (الفاً) يعني : أفعل .
وفي كتاب خاص الخاص للثعالبي تحت عنوان : فيما يقارب الاعجاز من إيجاز البلغاء ، قول الصاحب بن عباد في وصف الحر : وجدتُ حراً يشبه قلب الصب ويذيب دماغ الضب وجاء في يتيمة الدهر ان الضرابين رفعوا الى الصاحب قصة في ظلامة وقد كتبوا تحتها : الضرابون . فوّقع تحتها : في حديد بارد . ودخل عليه رجل لا يعرفه ، فقال له الصاحب : أبو مَن : فأنشد الرجل :
وتتفق الاسماء في اللفظ والكنى كثيراً ولكن لا تلاقي الخلائق

فقال له : اجلس أبا القاسم.
قال جرجي زيدان في تاريخ اداب اللغة العربية :
هو ابو القاسم اسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني كان اديبا منشئاً وعالما في اللغة وغيرها وهو اول من لقب بالصاحب من الوزراء لانه كان

أدب الطف ـ الجزء الثاني 149


يصحب ابن العميد فقيل له صاحب ابن العميد ، ثم اطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة وبقي علما عليه . وقد وزّر اولاً لمؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه بعد ابن العميد . فلما توفي مؤيد الدولة تولى مكانه اخوه فخرالدولة فاقرّ الصاحب على وزارته وكان مبجلا عنده نافذ الأمر وكان مجلسه محط الشعراء والأدباء يمدحونه أو يتنافسون أو يتقاضون بين يديه .
وذاعت شهرته في ذلك العصر حتى اصبح موضوع إعجاب القوم يتسابقون الى اطرائه ونظمت القائد في مدحه :
وله من التصانيف : المحيط باللغة سبع مجلدات رتبه على حروف المعجم والكافي بالرسائل وجمهرة الجمرة وكتاب الاعياد ، وكتاب الامامة ، وكتاب الوزراء وكتاب الكشف عن مساوئ شعر المتنبي ، وكتاب الأسماء الحسنى وكان ذا مكتبة لا نظير لها .
وقال ابن خلكان :
ابو القاسم اسماعيل بن ابي الحسن عباد ، بن العباس ، بن عباد بن أحمد ابن ادريس الطالقاني :
كان نادرة الدهر واعجوبة العصر في فضائله ، ومكارمه وكرمه ، اخذ الأدب عن ابي الحسين ، احمد بن فارس اللغوي صاحب كتاب المجمل في اللغة ، واخذ عن ابي الفضل بن العميد وغيرهما ، وقال ابو منصور الثعالبي في كتابه اليتيمة في حقه : ليست تحضرني عبارة ارضاها للافصاح عن علوّ محله في العلم والأدب ، وجلالة شأنه في الجود والكرم وتفرّده بالغايات في المحاسن وجمعه اشتات المفاخر لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه ، وجهد وصفي يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه ، ثم شرع في شرح بعض محاسنه وطرف من احواله :
وقال ابو بكر الخوارزمي في حقه : الصاحب نشأ من الوزارة في حجرها .

السابق السابق الفهرس التالي التالي