أدب الطف ـ الجزء الثاني 65


‍‍‌‏‎تالله مـا جهل الأقـوام مـوضعـها لكنّهم ستروا وجـه الذي عـلمـوا
‍‍‌‏‎ثم ادّعاها بـنو العـباس ملــكهـم ولا لـهم قـدم فـيـها ولا قــدم
‍‍‌‏‎لا يذكـرون إذا ما معــشر ذكروا ولا يحـكّم فـي أمـر لهم حـكـم
‍‍‌‏‎ولا رآهم أبــو بكر وصـاحبــه أهلا لما طلبوا منـهـا ومـا زعموا
‍‍‌‏‎فهل هـم مدّعوهـا غـير واجـبة ؟ أم هل أئمتهم فـي أخـذها ظلـموا ؟
‍‍‌‏‎أمّا عـلـيّ فأدنى من قـرابتــكم عند الولاية إن لم تكـفـر الـنعـم
‍‍‌‏‎أينكر الحـبـر عبـد الله نـعمـته ؟ أبوكم أم عـــبـيد الله أم قـثـم ؟
‍‍‌‏‎بئس الجزاء جزيـتم في بنـي حسن أباهم الـعـلـم الـهادي وأمـهـم
‍‍‌‏‎لا بيعة ردّعـتـكم عن دمـائهــم ولا يميـن ولا قـربـى ولا ذمـم
‍‍‌‏‎هلا صفحتـم عن الأسرى بلا سبب للصافحين ببــدر عـن أسيركم ؟!
‍‍‌‏‎هلا كفـفتم عـن الديباج(1) سوطكم وعن بنات رسـول الله شتـمكـم ؟
‍‍‌‏‎ما نزّهت لرسـول الله مهـجتــه عن السـياط فـهــلاّ نزّه الحرم ؟
‍‍‌‏‎ما نال منهم بنوحرب وإن عـظمت تلــك الـجرائر إلا دون نيـلكـم
‍‍‌‏‎كم غدرة لـكم في الديـن واضـحة وكـم دم لـرسول الـله عنــدكم
‍‍‌‏‎أنتم له شيعة فيـمـا تـرون وفـي أظفاركم من بنيـه الطـاهريـن دم
‍‍‌‏‎هيهات لا قـرّبت قربـى ولا رحـم يوما إذا أقصت الأخلاق والشــيم
‍‍‌‏‎كانت مودّة سـلمـان لـه رحمــا ولم يكـن بــين نوح وابنه رحم
‍‍‌‏‎يا جاهدا فـي مساويهـم يُكتّمـها غدر الرشـيد بيحيى كـيف ينكتم ؟
‍‍‌‏‎ليس الرشيد كـموسى في القياس ولا مأمونكم كالرضى لـو أنصف الحكم
‍‍‌‏‎ذاق الزبيري(2) غب الحنث وانكشفت عن ابن فاطمـة الأقـوال والـتهم
باؤوا بقتل الرضـا من بعـد بيـعته وأبصروا بعـض يوم رشدهم وعموا


(1) الديباج هو محمد بن عبد الله اخو بني الحسن لامهم فاطمة بنت الحسين السبط ، ضربه المنصورمايتين وخمسين سوطا .
(2) الزبيري هو عبد الله بن مصعب ، باهله يحيى بن عبد الله بن حسن فتفرقا فما وصل الزبيري الى داره حتى جعل يصيح : بطني بطني ومات .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 66


‍‍‌‏‎يا عصبة شقيت مـن بعدما سعدت ومعشرا هلكوا من بعد ما سلموا
‍‍‌‏‎لبئسما لقـيت مـنهـم وإن بـليت بجانب الطف تلك الأعظم الرمم(1)
‍‍‌‏‎لا عن أبي مسلم في نصحه صفحوا ولا الهبيري نجا الحلف والـقسم(2)
‍‍‌‏‎ولا الأمان لأهل الموصـل اعتمدوا فيه الوفاء ولا عن غيّهم حلمـوا(3)
‍‍‌‏‎أبـــلغ لديـك بني العباس مالكة لا يدّعوا ملكـها ملاكهـا العجم
‍‍‌‏‎أي الـمفاخر أرست فـي منـازلكم وغيركم آمر فيـها ومـحتـكم ؟
‍‍‌‏‎أنى يزيدكم فــي مفــخر عـلم ؟ وفي الخلاف عليكم يخفق الـعَلم
‍‍‌‏‎يا باعة الخمر كـفّوا عـن مفاخركم لمعشر بيعهم يـوم الــهياج دم
‍‍‌‏‎خلّوا الفخار لـعلامـين ان سـئلوا يوم السؤال وعمّالـين إن عملوا
‍‍‌‏‎لا يغضبون لغـير الله إن غضبوا ولا يضيعون حكم الله إن حكموا
‍‍‌‏‎تنشى التلاوة في أبيـاتهـم سحـرا وفي بيوتكم الأوتـار والـنغـم
‍‍‌‏‎منكم عُليّة أم منـهم ؟ وكـان لـكم شيخ المغنّين إبـراهـيم أم لهم ؟
‍‍‌‏‎إذا تلـوا سورة غنّـى إمامــكم قف بالطلول التي لم يعفها القدم
‍‍‌‏‎ما فـي بيــوتهم للخمر مـعتصر ولا بيوتكــم للسـوء معتصم
ولا تبيت لهـم خنــثى تنـادمهم ولا يُرى لهم قـرد ولا حشـم


(1) اشار إلى فعل المتوكل بقبر الامام السبط الشهيد .
(2) ابو مسلم الخراساني مؤسس الدولة العباسية ، قتله المنصور والهبيري هو يزيد بن عمرو بن هبيرة احد ولاة بني امية حاربه بنو العباس ايام السفاح ثم امنوه فخرج الى المنصور بعد المواثيق والايمان فغدروا به وقتلوه سنة 132 .
(3) استعمل السفاح اخاه يحيى بن محمد على الموصل فأمنهم ونادى من دخل الجامع فهو آمن ، وأقام الرجال على ابواب الجامع فقتلوا الناس قتلا ذريعا قيل انه قتل فيه احد عشر الفا ممن له خاتم وخلقا كثيرا ممن ليس له خاتم ، وأمر بقتل النساء والصبيان ثلاثة ايام وذلك في سنة 132 .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 67


‍‍‌‏‎الركن والبيت والأستار منزلهم وزمزم والصفى والحجر والحرم
وليس من قَسَم في الذكر نعرفه إلا وهم غيــر شك ذلك القسم

اقول وقد شرح بعض الفضلاء هذه القصيدة شرحا جيدا . يحكى انه دخل بغداد وأمر أن يشهر خمسمائة سيف خلفه وقيل اكثر ووقف في المعسكر وانشد القصيدة وخرج من باب آخر .
قال الشيخ القمي في الكنى الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون فارس ميدان العقل والفراسة والشجاعة والرياسة ، كان ابن عم السلطان ناصر الدولة وسيف الدولة ابني عبد الله بن حمدان وقلادة وشاح محامد آل حمدان ، وكان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما ونبلا ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وشعره مشهور ، قال الصاحب بن عباد : بدء الشعر بملك وختم بملك . يعنى أمرء القيس وابي فراس .وكان المتنبي يشهد له بالتقدم ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يتجرّى على مجاراته وإنما لم يمدحه ومدح مَن دونه من آل حمدان تهيباً له واجلالا ، لا اغفالا وإخلالا ، وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن ابي فراس ويميزه بالأكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته ويستخلفه في أعماله .
وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ثم نقلوه إلى القسطنطينية وذلك سنة ثمان واربعين وثلثماءة وفداه سيف الدولة في سنة خمس وخمسين وله في الاسر اشعار كثيرة متينة يجمعها ديوانه .
قال أبو هلال العسكري في ديوان المعاني : ومن جيد ما قيل في اظهار الرغبة في الاخوان قول ابي فراس بن حمدان :
قل لاخواننـا الجـفاة رويـدا‍‍‌‏‎ اذرجونا إلى احتمال الملال
إن ذاك الصدود من غير جُرم لم يدع فيّ موضعا للوصال


أدب الطف ـ الجزء الثاني 68


أحسنوا في وصالكم أو فسيئوا لاعدمناكم على كل حال

وقال :
انظر إلى الزهـر الـبديع‏‎ والماء في برك الربـيع
‍‍‌‏‎وإذا الرياح جــرت عليه في الذهاب وفي الرجوع
نثرت على بيض الصفائح بينـها حَلَــق الدروع

أقول ومن روائعه قوله :
قد كنتَ عدتي التي اسطو بها‍‍‌‏‎ ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي
فرميت منك بضدّ ما أمّــلته والمرء يشرق بالزلال الـبارد

وقوله :
أساء فزادته الاساءة حظوة‍‍‌‏‎ حبيب على ما كان منه حبيب
يعدّ عليَّ الواشيان ذنوبـه ومن اين للوجه الجميل ذنوب

وقوله في الفخر :
‍‍‌‏‎أقلى فأيـام الـمحــب قـلائـل وفي قلبه شغل عـن القلب شاغل
‍‍‌‏‎ووالله ما قصّرت في طلـب العلى ولكن كان الدهر عنـي غافــل
‍‍‌‏‎مواعيــد ايام تطاولنـي بــها مروات أزمـان ودهـر مخـاتل
‍‍‌‏‎تدافعـني الايـام عـما ارومــه كمـا دفع الدين الغريم المـماطل
‍‍‌‏‎خليــلي شـدا لي عـلى ناقتيكما اذا مـا بدا شيب من الفجر ناصل
‍‍‌‏‎وما كل طـلاب من النـاس بـالغ ولا كل سيار إلى المـجد واصـل
‍‍‌‏‎وما المرء الا حيث يـجعل نفـسه واني لها فوق السـماكين جاعـل
‍‍‌‏‎اصاغرنا فـي المـكرمات أكـابر اواخـرنا فـي المأثرات اوائــل
اذا صلت صولا لم أجد لي مصاولا وإن قلت قولا لم أجـد مـَن يقاول


أدب الطف ـ الجزء الثاني 69


وقوله في الاخوانيات :
لم اواخذك بالحفاء لاني‏‎ واثق منك بالوداد الصريح
فجميل العدو غير جميل وقبيح الصديق غيـر قبيح

وقوله :
خفض عليك ولا تكن قلق الحشا‍‍‌‏‎ مما يكـون وعلـّه وعـساه
فالدهر اقصر مـدة مـما ترى وعساك ان تكفى الذي تخشاه
وقال ابو فراس في ذم اخوان الرخاء :
‍‍‌‏‎تناساني الاصحـاب إلا عُـصيبة ستلحقُ بالأخرى غدا وتحول
‍‍‌‏‎فمن قيل كان العذر في الناس سُبّة وذم زمان واســتلام خلـيل
‍‍‌‏‎وفارق عـمرو بـن الزبير شقيقه(1) وخلّى أمير المؤمنيـن عقـيل(2)
‍‍‌‏‎ومَن ذا الذي يبقى على الدهر إنهم وإن كثرت دعـواهم لقـلـيل
‍‍‌‏‎وصرنا نَرى أن المتــارك محسن وان خليلا لا يضـر وصـول
أقلّب طرفي لا ارى غـير صاحب يميل مع النعــماء حيث تميل


(1) في ديوان ابي فراس (خليله) .
(2) عجيب من الأمير ابي فراس أن يغض من كرامة عقيل بن أبي طالب بقوله :
وخلّى أمير المؤمنين عقيل .
وهو محبوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي قال له : اني أحبك حبين : حُبّا لك وحبّا لحب أبي طالب إياك ( * ).
ان الروايات في سفر عقيل الى الشام هل كان على عهد أخيه الإمام أمير المؤمنين أو بعده متضاربة
واستظهر ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3 ص 82 انه بعد شهادة أمير المؤمنين =
(*)انظر نكت الهميان ص 200 والسيرة الحلبية ج 1 ص 304 وتذكرة الخواص ص 7 والخصال للصدوق ج 1 ص 38 .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 70


ومن روائعه قوله في الشكوى والعتاب :
‍‍‌‏‎وإني وقومـي فرّقــتنا مـذاهب وإن جمعتـنا في الاصـول المناسب
‍‍‌‏‎فاقصاهم أقـصاهـم من مَسـاءتي وأقربهم مـما كـرهـت الاقــارب
‍‍‌‏‎غريب وأهلي حيث ما كرّ ناظري وحيد وحـولي مـن رجالي عصائب
‍‍‌‏‎نسيبك من نــاسبـت بالـودّ قلبه وجارك مــن صافيتـه لا المصاقب
‍‍‌‏‎وأعظم أعـداء الرجــال ثِـقاتها وأهون مَــن عاديــته مَن تحارب
‍‍‌‏‎وما الذنب إلا العجز يركُـبه الفتى وما ذنبـه إن حاربـته الــمطالـب
ومن كان غير السيف كافل رزقـه ففللذل منـه ـ لا محـالة ـ جانـب

وقال في الصبر على الاصدقاء :
‍‍‌‏‎ما كنت مذ كنت إلا طوع خلاني ليست مواخذة الـخلان من شانـي
‍‍‌‏‎يجني الخليل فـاستحلي جـنايـته حتى يدل عـلى عفوي وإحسانـي
‍‍‌‏‎يجني عليّ فاحنو صـافحا أبـدا لا شيء أحسن من حان على جاني
ويتبع الذنب ذنبا حين يــعرفني عمدا فأتبع غفـرانـا بــغفـران


=وجزم به العلامة الجليل السيد علي خان في (الدرجات الرفيعة) وهو الأصوب بعد ملاحظة مجموع ما يؤثر في هذا الباب . وعليه تكون وفادته كوفود غيره من الرجال المرضيين عند أهل البيت عليهم السلام الى معاوية في تلك الظروف القاسية . ألم يقد عبد الله بن عباس على معاوية وكذلك الامام الحسن عليه السلام ، على أن عقيلا لم يؤثر عنه يوم وفادته على معاوية انه خضع أو استكان أو جامله ووافقه على باطل أو أن اعترف له بخلافة وزعامة ، بل أوثر عنه الطعن في نسب معاوية وحسبه وأشفع ذلك بتعظيم سيد الوصيين .
من ذلك ما ذكره صاحب الدرجات الرفيعة أن معاوية قال له : يا أبا يزيد اخبرني عن عسكري وعسكر أخيك . فقال عقيل : لقد مررت بعسكر أخي فاذا ليل كليل رسول الله ونهار كنهاره إلا أن رسول الله ليس فيهم ، وما رأيت فيهم الا مصليا ، ولا سمعت الا قارثا ، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفّر برسول الله ليلة العقبة .
أقول وقد أفردنا لعقيل ترجمة وافية في مخطوطنا (الضرائح والمزارات) وأثبتنا ان قبره في البقيع ، وان معه في القبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار ، لا ما يقوله الشيخ الطريحي في مادة (عقل) من ان عقيل بن أبي طالب مات بالشام .
أدب الطف ـ الجزء الثاني 71


وقال وهي من حكمياته :
كيف أبغي الصلاح من سعي قوم‏‎ ضيعوا الحزم فيه اي ضياع
فمطــاع المقال غيـر سديـد وسديـد الـمقال غير مطاع

وقال :
عرفت الشر لا للشر‍‍‌‏‎ لكن لتوقّـــيه
فمن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه

ومن غرر شعره قوله :
‍‍‌‏‎اراك عـصى الـدمع شيمتك الصبر أمـا للهوى نهي عليك ولا امر
‍‍‌‏‎بلى أنـا مـشتاق وعنـدي لـوعة ولـكن مثلـي لا يذاع له سـر
‍‍‌‏‎اذا الليل أضـواني بسطت يد الهوى وأذلـلت دمعا من خلائقه الكبر
‍‍‌‏‎تكاد تضـيء الـنار بـين جوانحي إذا هي أذكتهـا الصبابة والفكر
‍‍‌‏‎معلـلتي بالوصل والـموت دونـه إذا مت ظمئانا فـلا نزل القطر
‍‍‌‏‎بـدوت وأهـلي حاضـرون لأنني أرى ان دارا لست من أهلها قفر
‍‍‌‏‎وحاربت قومي فـي هـواك وإنهم وإياي لولا حـبك الماء والخمر
‍‍‌‏‎وان كان ما قال الـوشاة ولـم يكن فقد يهدم الايـمان ما شيـّد الكفر
‍‍‌‏‎وفيت وفـي بـعض الـوفاء مذلة لآنسة فـي الحي شيمـتها الغدر
‍‍‌‏‎وقور وريـعان الـصبا يستفـزها فتأرن احيانا كـما يأرن الـمهر
‍‍‌‏‎تسألني مـن أنـت وهي عــليمة وهل بفتى مثلـي على حاله نكر
‍‍‌‏‎فقلت كمـا شاءت وشاء لها الـهوى قتيلك قالت ايّهـــم فهـم كُثر
‍‍‌‏‎فـقلت لها لو شــئت لـم تتعنتي ولم تسألي عني وعندك بي خبر
‍‍‌‏‎ولا كـان للأحـزان لولاك مسـلك الى القلب لكن الهوى للبلى جسر
‍‍‌‏‎فأيقنت أن لا عزّ بـعدي لـعاشـق وأن يدي مما علقت بــه صفر
فقالت لقد أزرى بـك الدهر بـعدنا فقلت معاذ الله بل أنـتِ لا الدهر


أدب الطف ـ الجزء الثاني 72


‍‍‌‏‎وقلّبـت امـري لا ارى لي راحـة إذا البين انـساني الحّ بي الهجـر
‍‍‌‏‎فـعدت الـى حكم الزمان وحكـمها لها الذنب لا تجزى به ولي العذر
‍‍‌‏‎وتجفل حـيـنا ثـم تدنو كأنـما تراعي طلا بالواد أعجزه الحضر
‍‍‌‏‎واني لنزال بـكـل مـخــوفـة كثير الى نزالهـا النظـر الشزر
‍‍‌‏‎واني لـجرار لــكـل كــتيـبة معودة أن لا يخـلّ بهـا النصر
‍‍‌‏‎فاصدأ حتى ترتـوي البـيض والقنا واسغب حتى يشبع الذئب والنسر
‍‍‌‏‎ولا أصبح الحي الخـلـوف بـغارة ولا الجيش ما لم تأتـه قبلي النُذر
‍‍‌‏‎ويا رب دار لم تخـفني منـيعــة طلعت عليها بـالردى انا والفجر
‍‍‌‏‎وساحبة الاذيال نـحـوي لـقيـتها فلم يلقها جافي الـلقاء ولا وعـر
‍‍‌‏‎وهبت لها ما حـازه الـجيـش كله وراحت ولم يكشف لابيـاتها ستر
‍‍‌‏‎ولا راح يطغينـي بـأثـوابه الغنى ولا بات يثنيني عن الـكرم الفقر
‍‍‌‏‎وماحاجتي في المـال أبـغي وفوره اذا لم يفر عرضي فلا وفر الوفر
‍‍‌‏‎أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى ولا فرسـي مهر ولا ربـه غمر
‍‍‌‏‎ولكن إذا حُمّ القضاء علـى امـرئ فـليـس له بــرّ يقيه ولا بحر
‍‍‌‏‎وقال اصيحابـي الفرار أو الـردى فقلت هــما أمران احلاهمـا مُر
‍‍‌‏‎ولكننـي امـضـي لـما لا يعيبني وحسبك من أمرين خيرهما الاسـر
يمنون ان خـلّـوا ثـيابـي وإنـما عليّ ثيـاب مـن دمـائهم حمـر
‍‍‌‏‎وقـائـم سيـفـي فيهم اندقّ نصله واعقاب رمحي فيهم حطم الـصدر
‍‍‌‏‎سيذكرني قومي اذا جـد جـدهـم وفي الليلة الظــلماء يُفتقد الـبدر
‍‍‌‏‎ولو سد غيري ما سددت اكـتفوا به ولو كان يغني الصفر مـا نفق التبر
‍‍‌‏‎ونحن انــاس لا تـوسـط بـيننا لنا الــصدر دون العالمين أو القبر
‍‍‌‏‎تهون عليـنا فـي المعالي نفوسنا ومن خطب الحسناء لم يغـلها المهر

وجاء الشاعران الكبيران الشيخ حسن الشيخ علي الحلي والعلامة الحجة السيد محمد حسين الكيشوان وهما من شعراء القرن الرابع عشر فنظما الأبيات

أدب الطف ـ الجزء الثاني 73


الآتية على الروي وعلى القافية وتخلّصا الى يوم الحسين ووقعة الطف فقالا :
‍‍‌‏‎لذا أرخصت بالطف صحب ابن فاطم نفوسا لخـلق الكائنات هـي الـسر
‍‍‌‏‎هـم القوم من علـيا لـوى وغالـب بهم تكشف الجُـلّى ويسـتدفع الضر
‍‍‌‏‎يحـيّون هنـدى السـيوف بـأوجه تهلل من لــئلاء غـرّتـه البـشر
‍‍‌‏‎يكـرون والابـطال نكصا تقاعست من الخـوف والاسـاد شيمتها الكر
‍‍‌‏‎اذا اسودّ يوم الحرب اشرقن بـالضبا لهم أوجه والـشوس ألوانـها صفر
‍‍‌‏‎فما وقفوا في الـحرب إلا لـيعبروا الى الموت والهندى من دونـه جسر
‍‍‌‏‎الى أن ثووا تحـت العجاج بمعـرك هو الحشر لا بل دون موقفه الحشر
‍‍‌‏‎وماتـوا كراما تـشـهد الحرب انهم أباة اذا ألـوى بهم حـادث نكـر
‍‍‌‏‎ابا حـسن شـكـوى الـيك وانـها لواعج اشجان يجـيش بها الصدر
‍‍‌‏‎اتدري بما لاقـت من الكـرب والبلى وما واجهت بـالطـف أبناءك الغر
‍‍‌‏‎أعـزّيك فيهم انهـم وردوا الـردى بافئـدة ما بـلّ غـلّتـها قطـر
‍‍‌‏‎وثاويـن فـي حـر الهجيرة بالعرى عليهم ذيول الريح بالتـرب تنجـر
‍‍‌‏‎متى أيــها الموتور تبعـث غـارة تعيد الثرى والبـر مـن دمهم بحر
‍‍‌‏‎اتغضى وانـت المدرك الثار عن دم بزعم العدى اضحت وليس لها وتر
‍‍‌‏‎وتلك يجنب النـهر فتـيان هـاشم ثوت تحت اطراف القنا دمهـا هدر
‍‍‌‏‎وزاكية لم تلف فـي الـنوح مـسعدا سوى أنهـا بالـسوط يزجرها زجر
‍‍‌‏‎تجاذبـها أيـدي الـعـدو خمارهـا فتستر بالأيـدي اذا اعـوز السـتر
‍‍‌‏‎تطوف بهـا الاعـداء في كل مهمة فيــجذبهـا قـفر ويقــذفها قفر
‍‍‌‏‎اتهتـك من بـعد الحذور ستـورها وتـسلب عـنهن الـبراقـع والازر
فأيـن الابـا والفاطميات اصـبحت اسارى بها الاكـوار أودى بها الاسر


أدب الطف ـ الجزء الثاني 74


محمد بن هاني الأندلسي

‍‍‌‏‎فلا حملت فرسان حرب جيادها إذا لم تزرهم مـن كميت وأدهم
‍‍‌‏‎ولا عذب الماء القـراح لشارب وفي الارض مـروانية غير أيّم
‍‍‌‏‎ألا إن يــوما هاشمـيا أظـلّهم يطير فراش الـهام من كل مجثم
‍‍‌‏‎كيوم يزيـد والـسبايا طريـدة على كل مـوار الملاط عثمثـم
‍‍‌‏‎وقد غصّت البيداء بالعيس فوقها كرائم أبنـاء النـبـي المـكرّم
فما في حريم بعدها من تـحرّج ولاهتك سـتر بـعدها بمحـرّم


أدب الطف ـ الجزء الثاني 75


محمد بن هاني الأندلسي :



قال يمدح المعز لدين الله الفاطمي ويذكر ما جرى على الحسين ، وهي مائتا بيت كلها غرر وهذه روائع منها :
‍‍‌‏‎يعزّ على الحسـناء أن أطـأ القنا واعثر في ذيـل الـخميس العرمرم
‍‍‌‏‎وبين حصى الياقوت لبّـات خائف حبيب اليه لو توسـد مـعصمــي
‍‍‌‏‎ومما شـجاني في العلاقـة أنـني شربت زعاقا قاتـلا لـذّ في فـمي
‍‍‌‏‎رميت بسـهم لـم يصب وأصابني فالقيت قوسـي عن يدي وأسهـمي
‍‍‌‏‎فلو أنني أسطيع أثـقلـت خـدرها بما فوق رايـات المعزّ مـن الـدم
‍‍‌‏‎لها العذبات الـحمر تـهفو كأنهـا حواشي بـروق أو ذوائـب أنجـم
‍‍‌‏‎يقدّمها للطـعن كــل شمــر دل على كـل خـــوّار العنان مطهم
‍‍‌‏‎ومـتصـل بــيـن الإله وبـينه ممر من الأسـبـاب لــم يتصرم
‍‍‌‏‎مقلّد مضّـاء مـن الــحق صارم ووارث مسطور مـن الآي محـكم
‍‍‌‏‎إمام هدى ما الـتف ثـوب نـبوة على ابـن بـنيّ مـنه بالله أعـلم
‍‍‌‏‎ولا بسـطت أيـدي العفاة بنانـها الـى أريحي منه أنـدى وأكــرم
‍‍‌‏‎وأنت بدأت الصفح عن كل مذنب وأنـت سننت العفو عن كل مجرم
‍‍‌‏‎قصاراك ملك الأرض لا ما يرونه من الحـظ فيها والـنصيب المعشم
‍‍‌‏‎ولا بد مـن تلك التي تجمع الورى على لا حـب يهدي الى الحق أقوم
فقد سئمت بيـض الظبا من جفونها وكانت متى تـألف سوى الهام تسأم


أدب الطف ـ الجزء الثاني 76


‍‍‌‏‎وقد غضبت للدين بـاسـط كـفه اليـهن في الآفـاق كالمتـظلم
‍‍‌‏‎وللعرب العربـاء ذلـّت خـدودها وللفترة العمياء في الزمن العمي
‍‍‌‏‎وللعز في مصــر يرد سـريـره الى ناعب بالبـين ينـعق أسحم
‍‍‌‏‎وللملك في بغـداد إن ردّ حــكمه الى عضد في غير كف ومعصم
‍‍‌‏‎سوام رتــاع بين جهـل وحيـرة وملك مضاع بيـن ترك وديـلم
‍‍‌‏‎كأن قد كـشفت الامـر عن شبهاته فلم يضطهـد حق ولـم يتهضم
‍‍‌‏‎وفـاض وما مد الـفرات ولم يجز لوارده طـهر بـغيـر تيــمم
‍‍‌‏‎فلا حمـلت فرسان حرب جيـادها اذا لم تزرهم من كمـيت وأدهم
‍‍‌‏‎ولا عذب الماء القراح لــشـارب وفي الأرض مروانية غير أيـم
‍‍‌‏‎الا إن يــوما هاشــميا أظـلهم يطير فراش الهام من كل مـجثم
‍‍‌‏‎كيـوم يزيـد والـسبـايا طـريدة علـى كل موار الـملاط عثمثم
‍‍‌‏‎وقد غصّت البـيداء بالعيس فـوقها كرائـم أبنـاء النـبي المـكرم
‍‍‌‏‎فما في حـريم بـعدها من تـحرج ولا هتك ستر بـعدها بمحـرم
فان يتـخرم خير سبطـي مــحمد فـان ولـيّ الثار لـم يتـخرم
‍‍‌‏‎الا سـائلوا عنه الـبتول فتخـبروا اكـانت له أمّا وكـان لـها ابنم
‍‍‌‏‎واولى بـلـوم مـن امـية كلـهـا وان جـل امـر عن ملام ولوم
‍‍‌‏‎اناس هم الـداء الدفيـن الذي سرى الى رمم بالطـف منكم واعظـم
‍‍‌‏‎هم قد حوا تلـك الزناد التـي روت ولو لم تشبّ الـنار لم تـتضرم
‍‍‌‏‎وهم رشـحوا تـيما لارث نبيــهم وما كان تيــمي اليه بمـنتمي
‍‍‌‏‎على اي حـكم الله إذ يـأفـكـونـه احل لـهم تقـديم غيـر الـمقدّم
‍‍‌‏‎وفي اي دين الوحـٍي والمصطفى له سقوا آلـه مـمزوج صاب بعلقم
‍‍‌‏‎ولـكـن امـرا كـان ابرم بـينهـم وان قال قوم فلـتة غـير مبـرم
‍‍‌‏‎بأسيـاف ذاك البـغـي اول سـلها أصيب عليٌ لا بسـيف ابن ملجم
‍‍‌‏‎وبالحـقـد حقـد الجـاهلـية انـه الى الآن لم يظـعن ولـم يتصرم
وبـالثار في بــدر أريقت دماؤكم وقيد اليكم كــل أجـرد صـلدم


أدب الطف ـ الجزء الثاني 77


‍‍‌‏‎ويأبى لـكم من أن يطل نجـيعهـا فتوّ غضـاب من كمي ومعلم
‍‍‌‏‎قليل لقـاء البيـض إلا مـن الظبا قليل شراب الكاس إلا من الدم
‍‍‌‏‎سبقتم الى المـجـد القديم بأسـره وبؤتم بعادي عـلى الدهر أقدم
‍‍‌‏‎اذا مـا بـناء شــاده الله وحـده تهـدمت الدنيا ولـم يتـهـدم
‍‍‌‏‎بكم عز ما بين البــقيع ويثـرب ونـسّك ما بين الحطيم وزمزم
‍‍‌‏‎فلا برحت تترى عليكم من الورى صلاة مــصل أو سلام مسلّم
‍‍‌‏‎واقسم انـي فـيك وحـدي لشيعة وكنت ابرّ الـقائلـين بمقـسم
‍‍‌‏‎وعندي عـلى نأي المـزار وبعده قصائد تشرى كالجمان المـنظم
اذا اشـأمت كـانت لبانة معـرق وإن أعرقت كانت لبانة مشـئم


أدب الطف ـ الجزء الثاني 78


محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الاندلسي :



ولد بقرية سكون من قرى مدينة اشبيلية سنة 320 أو 326 هـ وقتل في رجب سنة 362 وعمره 36 سنة ، كان أبوه هانئ من قرية من قرى المهدية بافريقية وكان أيضا شاعرا أديبا فانتقل إلى الاندلس فولد له محمد المذكور بمدينة اشبيلية ونشأ بها واشتغل وحصل له حظ وافر من الأدب وعمل الشعر ومهر فيه وكان حافظا لأشعار العرب وأخبارهم وكان اكثر تأدبه بدار العلم في قرطبة حتى برع بكثير من العلوم لا سيما علم الهيئة ، شعره طافح بالتشيع كقوله :
لي صارم وهو شيعي كحامله‏‎ يكاد يسبق كرّاتي الى البطل
اذا المعز معز الـدين سلّـطه لم يرتقب بالمنايا مدة الأجل

وله في القصيدة التي أولها :
تقول بنو العباس هل فتحت مصر‏‎ فقل لبني العباس قد قضى الأمر
وقد جاوز الاسكــندرية جوهـر تطالعه البشرى ويـقدمه النصر

ويقول فيها :
فكل إمامي يجيء كأنما على خده الشعرى وفي وجهه البدر


أدب الطف ـ الجزء الثاني 79


ومن روائعه :
ولم أجد الانسان الا ابن سعيه‏‎ فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
‍‍‌‏‎وبالهمة العلياء يرقى إلى العلى فمن كان أعلى همة كـان أظهرا
ولم يتأخــر مَن اراد تقـدّما ولـم يتـقدم مـن أراد تأخـرا

وقال :
عجبت لقوم أضلوا السبيل‌‏‎ وقد بّين الله أين الهـدى
‍‍‌‏‎فما عرفوا لاحق لما استنار ولا أبصروا الرشد لمابدا
وما خـفى الرشـد لكـنما أضل الحلوم اتباع الهوى

وقال ابن خلكان :
ليس في المغاربة من هو افصح منه لا متقدميهم ولا متأخريهم بل هو اشعرهم على الاطلاق وهو عند المغاربة كالمتنبي عند المشارقة اقول وفيه قال القائل :
ان تكن فارسا فكن كـعلي‌‏‎ أو تكن شاعرا فكن كابن هاني
كل من يدعى بما ليس فيه كذّبــته شواهد الامـتـحان

وقال يمدح المعز لدين الله وقيل ان هذه القصيدة أول ما أنشده بالقيروان وانه امر له بدست قيمته ستة آلاف دينار ، فقال له يا امير المؤمنين مالي موضع يسع الدست اذا بسط فأمر له ببناء قصر فغرم عليه ستة آلاف دينار وحمل اليه آلة تشاكل القصر والدست قيمتها ثلاثة آلاف دينار . وفي آخر القصيدة يذكر الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام :
هل من أعقّة عالج يبرين‌‏‎ أم منهما بقر الحدوج العين
ولمن ليال ما ذممنا عهدنا مذكنّ إلا أنهـن شجــون


أدب الطف ـ الجزء الثاني 80


‍‍‌‏‎المــشرقـات كأنهــن كواكـب والناعـمات كانهـن غــصون
‍‍‌‏‎بيـض ومـا ضحـك الصباح وانها بالمسك من طرر الحـسان لجون
‍‍‌‏‎أدمى لها المرجـان صفــحة خـده وبكى عليها اللؤلـؤ المــكنون
‍‍‌‏‎أعدى الحمـام تـأوُّهي مـن بعـدها فكأنـه فيــما سجـعن رنـين
‍‍‌‏‎بانوا سراعا للـهـوادج زفــــرة مـما رأيـن وللـمطي حنــين
‍‍‌‏‎فكأنمـا صبغوا الضــحى بقـبابهم أو عـصفرت فيه الخـدود جفون
‍‍‌‏‎ماذا على حــلل الشقــيق لو انها عن لابسيها فـي الـخدود تبـين
‍‍‌‏‎لاعـطّــشن الروض بـعدهم ولا يرويــه لي دمـع عـليه هَتون
‍‍‌‏‎أأعيــر لحظ العيـن بهجـة منظر وأخونـهم إنــي اذا لخــؤون
‍‍‌‏‎لا الـجـو جو مشرق ولو اكـتسى زهرا ولا الـماء المعـين معـين
‍‍‌‏‎لا يبعـــدنّ اذ العـبير لـه ثرى والـبان دوح والشـموس قطيـن
‍‍‌‏‎ايـام فـــيه العبـقـري مـفوّف والسـابري مضـاعف مـوضون
‍‍‌‏‎والزاعبــية شّــرع والمشرفيّـ ـة لمّع والـمقربـات صـفـون
‍‍‌‏‎والعهــد من ظـمياء اذ لاقـومها خزر ولا الحـرب الزبـون زبون
‍‍‌‏‎عـهدي بذاك الــجو وهو أسـنّة وكناس ذاك الـخشف وهو عـرين
‍‍‌‏‎هل يدنيــني منه أجرد ســابح مـرح وجائلـة الـنســوع أمون
‍‍‌‏‎ومهنّد فيه الفــرنـد كــأنــه درٌ لــه خـلف الغـرار كمـيـن
‍‍‌‏‎عضب المضارب مقـفر من اعين لكنّه مـن أنـفــس مــسكـون
‍‍‌‏‎قد كـان رشـح حديده أجـلا وما صاغت مضاربه الـرقاق قيــون
‍‍‌‏‎وكأنـما يلقى الـضريبة دونــه بـاس المعز أو اسمه الـمخـزون
‍‍‌‏‎هذا معــدّ والخــلائق كلــها هـذا الـمعزّ مـتـوجا والـديـن
‍‍‌‏‎هذا ضمير النـشــأة الأولى التي بـدأ الإلـه وغـيـبها المـكنـون
‍‍‌‏‎من أجل هذا قـــدّر المقدور في أم الــكتــاب وكوّن التـكويـن
‍‍‌‏‎وبذا تلـــقّى آدم مــن ربــه عفـوا وفاء ليونـس اليـقطــين
يا أرض كـيف حملت ثنـي نجاده بل انـت تلـك تـموج منك متون
أدب الطف ـ الجزء الثاني 81


‍‍‌‏‎حاشا لما حمـلت تحـمـل مثله أرض ولكن الـسمـاء تعــين
‍‍‌‏‎لو يلتقي الطوفـان قبـل وجوده لم يُنج نوحا فلـكه المـشحـون
‍‍‌‏‎لو أنّ هذا الدهر يبطش بطـشه لم يعقب الحـركات منـه سكون
‍‍‌‏‎الروض مـا قد قيـل في أيامـه لا إنــه وردٌ ولا نســريـن
‍‍‌‏‎والمسك ما لثَم الثـرى من ذكره لا إنّ كـــل قــرارة دارين
‍‍‌‏‎مـلـك كـما حدّثت عنـه رأفة فالخمـر ماء والـشراسة لـين
‍‍‌‏‎شيم لو أن اليـم اعطـي رفـقها لم يلتقـم ذا الـنون فيه الـنون
‍‍‌‏‎تالله لا ظـل الـغــمام معـاقل تأبى عليه ولا النجوم حـصون
‍‍‌‏‎ووراء حق ابن الرسـول ضراغم اسـد وشهـباء السلاح منـون
‍‍‌‏‎الـطالـبـان المشرفيـّة والقـنا والمــدركان النصر والتمكين
‍‍‌‏‎وصواهل لا الهضب يوم مغـارها هضب ولا البيد الحزون حزون
‍‍‌‏‎جَنب الـحمام ومـا لهــنّ قوادم وعلا الـربود وما لهـن وكون
‍‍‌‏‎فلهن من وَرَق اللجــين تـوجس ولهن من مقل الظباء شفــون
‍‍‌‏‎فـكأنهـا تحـت النضار كـواكب وكـأنها تحت الحديـد دجـون
‍‍‌‏‎عُرفت بســاعة سبـقها لا انّـها علقـت بها يـوم الرهان عيون
‍‍‌‏‎وأجلّ عـلم الـبرق فيـها أنهــا مرّت بجانحتــيه وهي ظنون
‍‍‌‏‎في الغـيث شبـه من نداك كأنمـا مسَحت على الانـواء منك يمين
‍‍‌‏‎أما الـغنى فـهو الـذي أوليـتنـا فكأن جودك في الــخلود رهين
‍‍‌‏‎تطأ الجـياد بــنا الــبدور كأنها تحت السـنابك مرمر مـسنون
‍‍‌‏‎فالفـيء لا متـنـقل والـحوض لا مـتكدّر والـمـن لا مــمنون
‍‍‌‏‎انظر الى الدنــيا باشفـاق فقــد أرخصت هذا العلق وهو ثميـن
‍‍‌‏‎لو يستطيع البحر لاسـتعدى علـى جـدوى يديك وإنــه لقـميـن
‍‍‌‏‎أمـدده أو فاصـفح لـه عن نـيله فلـقد تخـوّف أن يـقال ضنين
‍‍‌‏‎وأذن لـه يغـرق أميــّة مــعلنا مــا كــل مأذون له مـأذون
وأعـذر أميـّة ان تغـصّ بريقـها فالـمهل ما سُقيـته والغـسـلين




السابق السابق الفهرس التالي التالي